إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / النتائج العسكرية، والدروس المستفادة من حرب تحرير الكويت






خطة الهجوم البري للتحالف



تمهيد

المبحث الرابع

النتائج والدروس المستفادة في تطبيق مبادئ الحرب، ومجالات أخرى

أولاً: النتائج والدروس المستفادة، وتطبيق مبادئ الحرب

1. مبدأ الخداع

    يعتمد الخداع الناجح على إستراتيجية شاملة، ومتكاملة، ومتناسقة، على المستويات، الإستراتيجية والعملياتية والتكتيكية. وقد نجحت قوات التحالف في خداعها، من خلال عمليتَين ناجحتَين، فاجأتا القيادة العراقية وأربكتاها:

أُوْلاهما: المفاجأة الجوية

    كان الهجوم الجوي، بالحس الإستراتيجي، متوقعاً تماماً، لأنه يوافق الموعد النهائي، الذي حددته الأمم المتحدة؛ وعلى الرغم من ذلك، فقد فوجئ به العراق. فقد تطلبت عملية الخداع تخطيطاً دقيقاً للعمليات الجوية، أثناء مرحلة "درع الصحراء"، والتي جعلت العراقيين، يعتادون النشاط الجوي المكثف لعمليات معيّنة، مثل تزوّد الوقود، على طول الحدود السعودية. ونتيجة لذلك، فإن النشاط الجوي المكثف، فوق المملكة، أول ليلة من "عاصفة الصحراء"، لم يحمل العراقيين على الظن، أن ثمة هجوم وشيك.

ثانيتهما: خطة الهجوم البري

    أصابت خطة الهجوم البري لقوات التحالف، القوات العراقية، بالاضطراب والحيرة. فقد جرت تدريبات برمائية على الإنزال إلى البر، إلى جانب الأنشطة الأخرى، اللازمة للتجهيز لذلك "مثل إزالة الألغام، المحتمل وجودها في المناطق القريبة". وكان الغرض من هذه التدريبات، إيهام العراقيين بأن الهجوم من الساحل، هو جزء من خطة التحالف.

    وقيّد وجود قوة برمائية، من قوات مشاة البحرية، بالقرب من ساحل الكويت ست فِرق عراقية، كانت ترابط فيه، إذ توهمت هجوماً برمائياً. وإمعاناً في التضليل، بادر بعض قِطع البحرية من قوات التحالف إلى عمليات خداعية، خارج الساحل، في اليوم السابق على بدء الحرب البرية. واستناداً إلى الوثائق التي استولت عليها قوات التحالف، والمقابلات مع أَسْرى الحرب العراقيين، ودراسة الأوضاع الدفاعية على طول الساحل، اتَّضح أن الجيش العراقي، كان يعتقد، أن مشاة البحرية، كانوا يعتزمون الهجوم على الشاطئ، بالقرب من مدينة الكويت.

    كذلك، حالت السيادة الجوية للتحالف دون تمكن العراق من رصد تحركات الفيلق 18 المحمول جواً، والفيلق 7، على الرغم من تحرّكهما مئات الكيلومترات، إلى الغرب من مناطق حشدهما، جنوب الكويت. كما كانت وسائل الخداع، عبْر وسائل الاتصال، تظهر أن الفيلقَين لا يزالان في مواقعهما الأساسية، بينما هما قد تأهّبا للهجوم، غرب الكويت. وهو ما أدى إلى تراخي العراقيين، وأفسد عليهم استعدادهم لصد الضربة الرئيسية لقوات التحالف، التي التفّت عليهم، لتطويقهم،  في مسرح العمليات الكويتي، وطردهم منها.

    أما العراقيون، فقد حققوا بعض النجاح، في عمليات الخداع والإخفاء والتمويه، منها:

    براعة القوات العراقية في بناء الأهداف الهيكلية، للصواريخ والطائرات والدبابات، وبعض المعدات الأخرى، التي ضَلّلت قاذفات التحالف، في بعض الأحيان، وجعلتها تقصف أهدافاً وهمية قصفاً مكثفاً. وأسهمت الأهداف الهيكلية، المصنوعة من الخشب والورق المقوى، بدور كبير في حماية الأهداف الحقيقية من التدمير، وبخاصة قواذف الصواريخ سكود المتحركة.

    نجاح الرئيس العراقي في مفاجأة العالم كله، باحتلال دولة الكويت، بدلاً من احتلال بعض الجزر الصغيرة، المواجهة لميناء أم قصر.

أ. نقاط القوة

    أبرزت حرب الخليج، أن المفاجأة، تسهُل تحقيقها على مَن يمتلك الاستطلاع والاستخبارات والتغطية بالمستشعرات، وعلى من يستطيع دمج تكتيكاته بالتكنولوجيا الحديثة.

ب. الدروس المستفادة

(1)  أهمية معرفة تكتيكات الوحدات المعادية؛ وتحسين القدرات على اكتشاف؛ وتطوير إمكانات تحليل المعلومات ومعالجتها، من أجْل التغلب على إستراتيجيات الخداع المعادية.

(2)  أهمية العمل على تحسين الإمكانات الفنية، للتمييز بين الأهداف الهيكلية والأهداف الحقيقية.

(3)  أهمية الاستفادة بكل إمكانات التقنية الحديثة، وقدرات وسائل الاستطلاع والاستخبارات عند التخطيط لعمليات الخداع.

2. مبدأ الحشد

    أدت حرب الخليج إلى إبراز مبدأ مهم، وهو الحشد، على الرغم من أنه مبدأ قديم قِدم التاريخ العسكري. لكن تنظيم حشد أكبر جسر، جوي وبحري، لنقل نحو ثلاثة أرباع مليون جندي، وعدة آلاف من الدبابات والعربات المدرعة والمدافع، وأطنان من مواد الإعاشة والذخائر والمعدات، من القارة الأمريكية وقواعد المحيط الهادي وأوروبا وآسيا وأفريقيا، إلى المملكة العربية السعودية، داخل مسرح عمليات محدود، من دون أي اختناق أو حوادث أو مصاعب، وخلالها في توقيتات قياسية، مع تأمين وصولهم وفتحهم على قطاعات عملهم ـ يُعَدّ من مآثر تلك الحرب. وتُبرز أهمية مبدأ الحشد المتدرج، لتأمين العمليات الدفاعية، ثم التحول إلى العمليات الهجومية.

أ. نقاط القوة

(1)  نجاح قوات التحالف في عملية نقل جوي، خلال فترة الذروة، بلغ معدلها 17 مليون طن ميل /  يوم ). وهو أعلى معدل عرفته الحروب، حتى الآن. إذ اضطلعت الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ مهام نقل جوي إلى المسرح، بلغ إجماليها 22064 طلعة.

(2)  نهوض النقل الجوي بدور جديد في دعم فتح القوات، على مسافات بعيدة (Power Projection).

(3)  علو معدل الحشد السريع، خلال المرحلة التحضيرية للحرب. إذ تمكنت القوات البحرية، من حشد أكثر من 80% من القِطع البحرية، خلال 45 يوماً من بداية الأزمة. كما استُخدم حجم كبير من سفن الشحن الإستراتيجية، أسهم في أكبر عملية نقْل بحري إستراتيجي للقوات، في زمن، ومسرح محدودَين.

(4)  الحشد الجوي، من نوعيات متقدمة من الطائرات، وبحجم كبير، يمكن أن يؤدي إلى حسم الحرب، بل التأثير في ميزان القوى داخل المسرح، لا بل العمل على إنجاح القوات البرية في مهمتها، بعد إنزال القصف الجوي بالعدو خسائر كبيرة.

ب. الدروس المستفادة

(1)  أهمية مبدأ الحشد، على الرغم من قِدَمِه، في تغيير التوازن الإستراتيجي، على مستوى المسرح.

(2)  أهمية التدرج في حشد القوات، بما يوافق مطالب العمليات، وبخاصة مطالب تحقيق التوازن العسكري، في مسرح العمليات.

3. المبادأة

    لا مراء في أهمية امتلاك المبادأة، مع استمرار المحافظة عليها، طوال مراحل تنفيذ العملية الإستراتيجية. وهو ما نجحت فيه القوات المشتركة في تحقيق هذه المبادأة والمحافظة عليها، مما أدى إلى شلل القيادة والقوات العراقيتَين وفقدانهما القدرة على الحركة، اللذَين انعكس على ردود فِعلهما الضعيفة، التي لم تحقق أي نتائج إستراتيجية.

    وإذا شَقّت المحافظة على المبادأة، تغيرت طبيعة الحرب وسيرها، وتقلبت نتائجها؛ وهو ما شهدته الجبهة المصرية ـ الإسرائيلية بعد 16 أكتوبر 1973.

الدروس المستفادة

أ. امتلاك المبادأة والاحتفاظ بها، من بداية العمليات حتى نهايتها، مع عدم السماح للجانب الآخر بامتلاكها، في أي مرحلة من مراحل القتال.

ب. الضغط على الجانب المعادي، باستخدام كل الإمكانات (البرية ـ البحرية ـ الجوية) المتيسرة في مسرح العمليات، وعلى مدار الساعة، ليلاً ونهاراً، وعدم السماح له بردّ فعل، يحقق من ورائه أي نجاحات.

4. التعاون

    شهدت حرب الخليج تجميعاً قتالياً، من 37 دولة، استطاعت أن تتعاون تعاوناً، لم يسبق في تاريخ الحروب الحديثة، من أجْل تحقيق أكبر وأسرع نصر عسكري في التاريخ.

أ. نقاط القوة

(1)  تنسيق المهام بين القوات، البرية والجوية.

(2)  تنسيق أعمال قتال القوات الجوية، على مستوى المسرح، من خلال توحيد القيادة، والتعاون والتنسيق المشترك.

(3)  تنسيق أعمال الحصار البحري، بوساطة عدد من الدول والسفن، في إطار تعاون شامل بين الدول المشاركة في الحصار، وبأسلوب دقيق، وتقسيم المسرح إلى قطاعات مسؤولية.

ب. الدروس المستفادة

(1)  استخدام ضباط الاتصال، وأطقم المعاونة الجوية، من أجْل تنسيق التعاون، على مستوى المسرح.

(2)  التعاون والتنسيق بين القيادات والقوات، بما يمكّن قيادات التحالف من السيطرة على القوات، على اختلاف الأساليب القتالية وأنواع المعدات.

(3)  تحديد علامات التعارف وإشاراته، وتنسيقهما.

ثانياً: نتائج ودروس مستفادة، في مجالات أخرى

1. الثورة التقنية العسكرية

    أظهرت حرب الخليج الإمكانات الجديدة لِما يسمَّى "الثورة التكنولوجية العسكرية في الحرب". فتكنولوجيا الأسلحة، كانت عاملاً حاسماً في تحديد نتائج الحرب. وكان أكثرها تطوراً، هو أشدها تأثيراً، مثل طائرة (F-117)، المقاتلة القاذفة؛ وصواريخ كروز؛ والذخائر الموجهة الدقيقة، وهو جيل الأسلحة، التي يمكن توجيهها إلى الهدف أثناء طيرانها. ثم ظهر الجيل الثاني، وهو الأسلحة الذكية، التي تمكن من إطلاق الذخائر في الاتجاه الصحيح، وتلتقط الأهداف المرئية، ثم تختار الهدف الملائم، وأفضل وسيلة للتعامل معه.

    كذلك، كان أداء العديد من المعدات، واحتفاظها بقدراتها القتالية، في ظل بيئة صحراوية قاسية، وخلال فترات طويلة إنجازاً كبيراً. كما أن الطائرات المحملة بأجهزة إلكترونية حساسة، انتشرت على امتداد الجبهة، وأنجزت عملياتها بجدارة ملائمة.

    كما كان للتقنية المتقدمة أثر شديد، في تحسين فاعلية العديد من العوامل الرئيسية للحملة الجوية، وأولها دقة الضربات الجوية وإحكام تسديدها، اللذان أدّيا، مع التجديد والابتكار، إلى اكتشاف مواقع الدبابات العراقية المتخندقة، والمستخفية استخفاءً تاماً. كذلك كان للدقة والإحكام أثرهما في ازدياد سلامة الطيار، وذلك بتقليل الطلعات المطلوبة لقصف أحد الأهداف. كما سمحت التقنية بتسديد أغلبية الضربات الجوية من ارتفاعات، تزيد على 12 ألف قدم.

    كذلك حالت التقنية المتقدمة دون إصابة الطائرات، فأطالت مدة صلاحيتها، وأتاحت لها الاضطلاع بمعدلات عالية من الطلعات الجوية، التي أتاحت، بدورها، للقوة الدافعة التدميرية للحملة الجوية، أن تحدث نتائج طيبة.

    وساعدت التقنية العالية على استمرار صلاحية الطائرات، بطرق ثلاث:

·    الطريقة الأولى: تزويد الطائرات أجهزة لإبطال مفعول الدفاعات الجوية العراقية. فالطائرة المزودة مثل هذا الجهاز، كان لها أثر غريب في شبكة الدفاع الجوي العراقية المتكاملة.

·    الطريقة الثانية: تمكين طائرة (F-117)، المقاتلة، من التسلل، الذي قلّل من تعرّضها للسقوط. ولذلك كانت هي الوحيدة، التي استخدمت ضد الأهداف في بغداد، التي يتولى الدفاع عنها دفاع جوي مكثف. وعلى الرغم من اضطلاع هذه المقاتلة بما يفوق 1200 طلعة جوية، ضد أقوى الأهداف مناعة، فإنها لم تُمْنَ بأي خسائر.

·    الطريقة الثالثة: إطلاق صواريخ كروز، من السفن أو من طائرات (B-52)، على أهداف ذات أهمية إستراتيجية، أو ذات حصانة منيعة. وهو ما لفت المخططين إلى بُعد جديد للمقدرة الحربية؛ إذ إن دقتها وتحقيقها سلامة الطيران، جعلاها فاعلة ضد الأهداف الحصينة، خلال ساعات النهار. لذلك، فإن أكثر من 80% من صواريخ توما هوك (كروز)، نفّذت مهامها في وضح النهار.

أ. نقاط القوة في استخدام أنظمة عالية التقنية

(1)  شملت الثورة التقنية عدة ميادين، في مجالات الأسلحة والمعدات والذخيرة، ولجميع الأفرع الرئيسية (البريْة ـ البحرية ـ الجوية). وأكدت التطور في مجالات عديدة، مثل تطوير نقل المعلومات، التي أصبحت مألوفة في حياتنا اليومية.

(2)  عززت التقنية العالية فاعلية عوامل رئيسية للحملة البرية منها سرعة التحرك في المناورة، والاشتباك من مسافة بعيدة، والملاحة الدقيقة المتقنة، والقدرة على الرؤية الليلية. وما المقدرة العالية، التي تميزت بها القوات البرية الأمريكية، على النهوض بحملة برية سريعة، طوال مائة ساعة متواصلة، إلا حصيلة التدريب والمعدات المتميزة، وتطور المبادئ، التي أتاحت للتشكيلات، أن تقطع مسافة مائة كيلومتر، في الأربع والعشرين ساعة الأولى.

(3)  عززت التقنية العالية مقدرة القوات البرية على الاشتباك من مسافة بعيدة. وهو ما أتاح لها تنفيذ عملياتها، في أمان، وبفاعلية.

(4)  ساعد نظام التخزين الشامل (Global Positioning System)، على جعل اجتياز الصحراء عملاً دقيقاً. إذ زوّد الجيش بمعلومات ملاحية دقيقة، تتعلق بتخزين الاحتياجات والمعدات في أماكن معينة، للانتفاع بها خلال الحرب. وذكر العديد من القادة العسكريين والمحللين، أن مناورة الخطاف الأيسر (Left Hook)، كان من المستحيل تنفيذها، لولا نظام التخزين الشامل (G.P.S)، الذي هيّأ لوحدات المدفعية تنفيذ أعمال المساحة تنفيذاً دقيقاً، وسهّل إعادة تموين الوحدات والتشكيلات، ورسْم خرائط لميدان القتال.

(5)  أتاحت التقنية العالية لأجهزة الرؤية الليلية، استمرارية أعمال القتال، ليلاً ونهاراً. وهو ما أدى إلى وضع القوات العراقية تحت ضغط كبير.

ب. الدروس المستفادة من استخدام أنظمة عالية التقنية

(1)  أهمية تطوير الأسلحة والمعدات، بكافة تخصصاتها، في الاتجاهات التالية:

·    زيادة المدى، حتى يمكنها الاشتباك مع العدو من مسافات بعيدة.

·    زيادة القدرة التدميرية.

·    دِقة التوجيه.

·    تزويدها الأجهزة الحرارية، التي تستطيع تحديد الأهداف بدِقة.

(2)  ابتكار أنواع أكثر تقدماً من الصواريخ الباليستية، المضادّة لصواريخ أرض / أرض (نُظُم الدفاع المضادّ للصواريخ).

(3)  أهمية تطوير نُظُم الأسلحة لتكون قادرة على القتال، الليلي والنهاري، باستخدام وسائل أجهزة الرؤية الليلية، للقتال الليلي.

(4)  أهمية تزويد التشكيلات والوحدات نظام التخزين الشامل (Global Positioning System)، من أجْل تعزيز قدرتها على المناورة داخل الأراضي الصحراوية المتسعة، التي تفتقد المعالم الطبيعية.

(5)  ضرورة تطوير الصناعات العسكرية، بما يوافق تقنية العصر، تعزيزاً للقوات المسلحة بأحدث المعدات والنُظُم والأسلحة، وتلاحم التطوير، المدني والعسكري، في مجال الاتصالات والمعلومات.

(6)  أهمية تطويع التقنية الحديثة لتنفيذ المهام، أو الحصول على المعلومات، أو التخطيط، وتقليل الزمن بين الحدث ووصول المعلومة (Zero Time).

(7)  أهمية التطوير في مجال استخدام صواريخ كروز، حتى يمكن تحقيق المفاجأة، من دون تعرّض القوات الجوية لخسائر كبيرة.

2. المعلومات تحقق السيادة في المعركة

    أولى الفكر العسكري اهتمامه المعلومات، منذ القِدم؛ فأكد صن تزو (Sun Tzu)، في القرن الثالث قبل الميلاد، الحقائق التالية:

أ. اعرف عدوك، واعرف نفسك، يتحقق لك، في كل مائة معركة، مائة انتصار.

ب. إذا لم تعرف عدوك، وعرفت نفسك، فإن فرصتَي الكسب والخسارة متساويتان.

ج. إذا لم تعرف عدوك، ولم تعرف نفسك، فإنك خاسر، لا محالة.

    وازدادت أهمية المعلومات، في ضوء التقنية الحديثة، لتصبح إحدى الركائز الأساسية لتحقيق النصر. لقد بات التفوق في الحرب، لا يعتمد فقط على امتلاك الكم الأكبر من الموارد، وحشد العديد من الوحدات، واستخدام التقنية الأفضل في ميدان المعركة؛ وإنما اعتمد إلى جانبها، كذلك، على المعلومات الآنية (الفورية) عن مسرح العمليات.

    والمعلومات تعني ضرورة الإلمام بتكتيكات القوات المعادية. وقد أدى عدم الإلمام الصحيح ببعض هذه التكتيكات، تضخيم حجم القوات العراقية في مسرح العمليات، وعدم تدمير صواريخ سكود، في الوقت الملائم، ونذكر مثالين على ذلك:

الأول: وهو تضخيم حجم القوات العراقية. تقدر مساحة الكويت بنحو 820 17 كم2، والمعلوم أن الفِرقة تنتشر على مساحة 225كم2، ويراوح الفاصل، عادة، بين فِرقتَين متجاورتين، بين 5 و10 كم، أي أن مساحة الفاصل بين أي فرقتين راوح بين 75 و150كم2. وكانت تقارير الاستخبارات، تشير إلى أن عدد الفِرق العراقية في مسرح العمليات الكويتي، يقدر بنحو 45 فِرقة، منها 25 فِرقة داخل الكويت، أي أنها تحتل مساحة قدرها 9375كم2. فهل من المنطق أن الفِرق العراقية، كانت تحتل أكثر من نصف مساحة الكويت؟

الثاني: وهو عدم تدمير صواريخ سكود في الوقت الملائم، إذ أدى الجهل بالتكتيكات التفصيلية لوحدات صواريخ سكود، إلى صعوبة اصطياد قواذفها المتحركة. فأفادت المعلومات التي تيسرت للأمريكيين، أن القاذف، يخلي موقع الإطلاق في 30 دقيقة؛ وهو رقم غير دقيق، في حين أن ذلك، لا يستغرق إلا سبع دقائق فقط. ولدى ضبط الوقت، ازدادت قدرة التحالف على تدمير القواذف، قبْل إخلائها مواقع الإطلاق.

    أهمية المعلومات العسكرية الدقيقة (التقارير)، التي تُرفع إلى القيادة السياسية، مبيّنة كفاءة القوات المسلحة وقدرتها، حتى تتمكن هذه القيادة من اتخاذ القرار السياسي الصحيح، وتحديد أهدافها السياسية والإستراتيجية، طبقاً لكفاءة قواتها المسلحة، وتَوَافُق هذه الأهداف مع القدرات والإمكانات المتاحة. ففي الدول التي تحكمها دكتاتورية، ترفع التقارير، عادة إلى القيادة السياسية، لتصور لها القوات المسلحة في أفضل صورة من القوة العسكرية، وأنها قادرة على التصدي لجميع التهديدات. وقد تقتنع القيادة السياسية بذلك، عندما ترى تلك القوات في استعراضات واحتفالات عسكرية، علماً أن هذه الاستعراضات، لا تخيف، ولا تخدع الدول، التي تقيس القدرة العسكرية بمقاييس ومعايير محددة.

يُملي مما سبق الدروس المستفادة التالية:

أ. الحرص على امتلاك أكبر قدر من المعلومات وتحليلها، في الزمان والمكان الملائمَين.

ب. تحقيق التفوق في المعلومات، على الجانب المعادي، من أجْل مضاعفة القدرة القتالية.

ج. الإلمام بتكتيكات الوحدات والتشكيلات المعادية، من أجْل وضع تقدير موقف سليم، واتخاذ القرار الأمثل.

د. تعاون أجهزة الاستخبارات، وتعاضد أنواعها المختلفة على حيازة معلومات دقيقة عن القوات المعادية وتكتيكاتها.

هـ. تحري الأمانة في رفع التقارير إلى القيادة الأعلى، حرصاً على دقة قراراتها الحيوية، التي قد تؤثر في مصير الدولة.

3. نجاح فاعلية المنظومة الثلاثية ( القيادة ـ الانضباط ـ التدريب )

    أثبتت حرب الخليج أهمية التفاعل بين عوامل ثلاثة، لتحقيق النصر، وهي القيادة والانضباط والتدريب؛ وأهمها القيادة. وكانت الضرورة تقضي ببقاء قوات التحالف فترة، تتعرّف، خلالها، على أرض المعركة، وتتدرب فوق مسرحها، بعد أن تحددت القطاعات بين القوات، وإعطاء الوقت اللازم للتعارف والتعاون والتنسيق، بما يحقق لها النصر، بأقلّ خسارة.

أ. نقاط القوة والضعف

(1)  تميُّز قوات التحالف بمستوى عالٍ من الكفاءة والتأثير والاستعداد القتالي.

(2)  استخدام أساليب التدريب الحربية الحديثة، مثل ميادين التدريب المتطورة والمحاكيات، زاد مستوى الكفاءة القتالية للقوات. وأدى تدريب الطيارين، في ظروف مشابهة للحرب الحقيقية، إلى الارتفاع بمستواهم.

(3)  المسارعة إلى مواجهة المعتدي؛ والتخطيط العسكري الملائم لظروف المسرح؛ فضلاً عن طبيعة القوات العراقية وإمكاناتها ونقاط قوّتها وضعفها ـ كل أولئك أسهم في تحقيق النصر.

ب. الدروس المستفادة

(1)  الارتفاع بمستوى تدريب القوات، حتى تكون قادرة على تنفيذ ما يخطط لها، خلال مراحل القتال المختلفة. كما أن الارتفاع بمستوى تدريب الجنود، يبعث في نفوسهم الثقة، ويحفزهم على تحقيق الهدف، الذي يؤمنون به.

(2)  تدريب القوات في أرض مشابهة لمسارح العمليات المحتملة. وقد عزّز تدريب قوات التحالف، خلال المرحلة التحضيرية، وفي غضون خمسة أشهر ـ إلمامها بالمسرح، وإتقانها مهام العمليات المنتظرة. كذلك، كان لتدريب قوات الاحتياطي (التعبئة)، خلال فترة إعداد القوات، أثر مهم في تحسين مهاراتها الأساسية، فنفّذت مهامها القتالية بكفاءة.

(3)  دور القيادة في بناء الثقة لدى القوات، من خلال:

·    إعداد القوات إعداداً جيداً والارتفاع بمعنوياتها.

·    الإقناع بعدالة القضية.

4. الفضاء ودوره كقوة رابعة

    ازدادت الحرب بُعداً جديداً، فباتت رباعية الأبعاد: البري والبحري والجوي والفضائي. لقد حسم المعركة بُعدها الرابع، وهو الفضاء، لسببَين:

أ. استطلاع الأقمار الصناعية، والأشكال الأخرى للكشف والمراقبة وتحديد الأهداف، زاد الكفاءة القتالية زيادة عالية.

ب. استخدام نُظُم القيادة والسيطرة، وأنظمة الذخائر الدقيقة التوجيه والأسلحة المتسللة.

    إن قدرات حرب الفضاء للولايات المتحدة الأمريكية، أثّرت في كلٍّ من العمليات الجوية، والعمليات البرية ـ الجوية. وأكدت أن التحالف، يمكنه تحقيق المفاجأة، وتنفيذ معدل عالٍ، وعمليات مشتركة، خلال المرحلة البرية ـ الجوية من الحملة. كانت أقمار الاتصالات العالية الكثافة، حيوية لتنسيق عمليات التحالف، خلال " درع الصحراء "، بالإضافة إلى فتح القوات الأمريكية، على مسافات بعيدة، وتحرُّك الإمدادات من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وأجزاء أخرى من العالم.

    وبادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى توفير كل نُظُم الأقمار الصناعية، التي استخدمت لتحقيق وسيلة تبادلية للاتصالات العملياتية الواسعة للتحالف. وفي ذروة "عاصفة الصحراء"، فتحت 118 نهاية اتصالات أقمار صناعية (GMF)، في المسرح، و12 نهاية أقمار صناعية تجارية، و61 وصلة (Tri-Tac)، لبرنامج الاتصالات المشتركة.

    كما كان لنظام الاتصالات العسكرية، بالأقمار الصناعية، أهمية، على الرغم من أن نظام اتصالات الأقمار (MILSAR)، لم يفتح، ولم يكن قد أُعيد تحويله من منطقة التركيز في الحرب الباردة، إلى العمل في مناطق الحروب التقليدية. فاضطلعت الأقمار الصناعية (DSCS)، بتوفير حوالي 75% من الربط داخل مسرح العمليات، خلال "عاصفة الصحراء"، وعالجت عمليات تبادل معلومات الاستخبارات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبثّ "أمر العمليات الجوي اليومي" (ATO)، ووسائل الاتصالات بالأقمار المتحركة، خلال المعركة البرية ـ الجوية.

    كان هناك نظامان أدّيا دوراً مهماً في إمداد التحالف بقدرة إضافية للقيادة والسيطرة، والاتصالات والاستخبارات، والحاسبات وإدارة المعركة (C4I/BM)[1]، وتأمين التنسيق، بمعدلات عالية، لعمليات القتال:

أ. برنامج القمر الصناعي العسكري المترولوجي (Meteorological) (للأرصاد الجوية وليس عسكري)

    كانت حرب الخليج أول حرب، تُستخدم فيها أقمار صناعية متطورة، لرصد الأحوال الجوية، التي يساعد تنبؤها على تخطيط الضربات الجوية وتنفيذها؛ ويُسمح للقوات البرية، أن تستفيد، إلى أقصى حدٍّ ممكن، من نُظُم الرؤية الليلة.

ب. نظام تحديد المحل الكوني نافستار (NAVSTAR)

    القدرة على تحديد الهدف وتدميره، على مسافات بعيدة، والقتال ليلاً، وفي الأحوال الجوية السيئة، وسرعة التحرك عبْر أرض وعرة، والملاحقة الدقيقة ـ هي عوامل حيوية في حرب الصحراء. ولذا، كان لنظام تحديد المحل الكوني (نافستار)، دور حيوي في قدرة قوات التحالف على تحديد أماكنها، بدِقة، وفي وقت قصير نسبياً، من دون أن تتأثر بمدى وضوح الرؤية ولا تضاريس الأرض. وقد أظهرت التدريبات، أن نظام تعيين المحل والملاحة (GBS)، الكونيَّين ساعد على تحرير الوحدات البرية للتحالف من الارتباط بالطرُق، وتطوير معدل عملياتها تطويراً كبيراً.

ج. نقاط القوة

    إن امتلاك قوات التحالف لأنواع متقدمة، من الأقمار الصناعية، مكّنها من الحصول على " معلومات دقيقة عن الأهداف العراقية، ونتائج قصفها؛ ومن الإنذار بإطلاق الصواريخ العراقية، والمساعدة على التوجيه الملاحي، وتحديد المحل.

د. الدروس المستفادة

(1)  الأقمار الصناعية ضرورة أساسية للقوات، من أجْل الحصول على المعلومات وتوصيلها، من الفور، أو لتحقيق السيطرة على القوات.

(2)  تزويد القوات أجهزة استقبال (GBS)، تجعلها قادرة على تحديد أماكنها، في وقت قصير نسبياً.



[1] Command Control Communications Computers Intelligence and Battle Management