إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / النتائج العسكرية، والدروس المستفادة من حرب تحرير الكويت






خطة الهجوم البري للتحالف



تمهيد

المبحث السادس

النتائج والدروس المستفادة على المستوى العملياتي

للقوات البحرية والجوية

أولاً: القوات البحرية

1. العديد من أسلحة القتال البحرية، تؤكد نجاحها

    في الوقت، الذي اضطلعت فيه القوة البحرية بتطبيق عقوبات الأمم المتحدة، والحصار، منذ اندلاع أزمة الخليج، فإنها، كانت تضطلع، كذلك، بالمعاونة على أعمال القتال، خلال "عاصفة الصحراء". وعلى الرغم من أن التحالف، فتح قوة بحْرية، خلال حرب الخليج، فاقت ما فتح، خلال الحرب العالمية الثانية، فإن تلك الحرب، اشتملت على عدة اختبارات لقدرات فريدة للقوات البحرية.

    ونهض بعض أنواع القطع البحرية، مثل حاملات الطائرات، وسفن السطح (البوارج والمدمرات)، وكاسحات الألغام ـ بدور مهم في هذه الحرب. ومن الصعب تقييم دور القوة البحرية في الاصطدامات، التي تشمل أعمال سطح رئيسية، ومواجهات صواريخ سطح / جو، وعمليات إبرار بحري فعلية، بسبب ضعف القوة البحرية العراقية، وخروجها من المعركة مبكراً. فالحملة ضد القوة البحرية العراقية، كانت تحدِّياً محدوداً؛ لأن تلك البحرية، كانت صغيرة إلى حدٍّ كبير، حتى إن التحالف، لم يستخدم قدراته البرمائية في القتال.

أ. نقاط القوة والضعف، في دور بعض أنواع القطع البحرية

(1) حاملات الطائرات

    لا تتأتّى حاملات الطائرات إلا للدول، العظمى أو الكبرى. واستطراداً، فإن التحليل لن يكون درساً للتقييم، بل سيقتصر على استخدام تلك الدول حاملاتها، كالآتي:

(أ) نهضت طائرات كلٍّ من البحرية الأمريكية ومشاة البحرية، بما يفوق طلعات أكبر قوّتين جويتَين لقوات التحالف، مجتمعتين، بل ونفذت ما إجماليه 30% من كل طلعات الولايات المتحدة الأمريكية، و25 % من طلعات التحالف. إذ اضطلعت طائرات البحرية الأمريكية بـ 18303 طلعات جوية، بحلول نهاية " عاصفة الصحراء "؛ وطائرات مشاة البحرية بـ 10683 طلعة خلال "عاصفة الصحراء".

(ب) وأسهمت طائرات البحرية الأمريكية بـ 288 طلعة، في اليوم الأول من "عاصفة الصحراء". وشاركت في توفير غطاء جوي للقوات البحرية، وقوات الإبرار البحري. وأطلقت 80% من صواريخ هارم (Harm)، خلال "عاصفة الصحراء"، كما نفذت عدداً كبيراً من مهام الحرب الإلكترونية.

(ج) وأدت سيادة القوة الجوية المتمركزة، براً، إلى الحدّ من مرونة القوة الجوية لحاملات الطائرات؛ على الرغم من أن العكس، كان من الممكن أن يحدث، لو أن الحرب بدأت في أغسطس 1990، حينما كانت القوة الجوية لحاملات الطائرات، هي السائدة. وقد أسفر ذلك عن تغييرات رئيسية، في نُظُم القيادة والسيطرة للبحرية، وفي تركيزها في العملية المشتركة ضمن قيادة وسيطرة القوات الجوية المشتركة (JFACC)، وفي نظام "أمر العمليات الجوي اليومي" (ATO). واحتاجت سفن القيادة للقوات البحرية وحاملات طائراتها، إلى تطوير نظام القيادة والسيطرة، لمواجهة عمليات عالية الكثافة، مثل "عاصفة الصحراء". واحتاجت البحرية إلى نظام مبرمج، للمعاونة على تنفيذ نظام (ATO) وتخطيط المهمات الجوية، يكون مماثلاً لنُظُم حاسب الإدارة للقوات الجوية (CAFMS) Computer Assisted Force Management Systems.

(د) كذلك، افتقرت طائرات القوات البحرية ومشاة البحرية إلى الضرب الدقيق الملائم، والقدرة على العمل ليلاً. وهو ما حدا القوات البحرية الأمريكية على السعي إلى شراء طائرات من نوعَي (F-18A Hornet & F18E/F).

(2) سفن السطح وصواريخها سطح / أرض بعيدة المدى

    قدمت البحرية الأمريكية نوعَين جديدَين من صواريخ سطح / أرض البعيدة المدى، القادرة على حل بعض مشاكل القوات الجوية الضاربة، البعيدة المدى. فصواريخ توماهوك (Tomahawk Cruise) أو (TALCM)، والصواريخ الهجومية بعيدة المدى (Standoff Land Attack Missile) (SLAM)، أثبتت فاعلية كبيرة، في حرب الخليج. وقد أطلقت القوات البحرية 288 صاروخ توماهوك كروز، من بارجتَين، وتسعة طرادات وخمس مدمرات وغواصتَين نوويتَين؛ أُطلق منها 100 صاروخ، في القصف الابتدائي على العراق.

    وعلى الرغم من المشاكل، التي تعرضت صواريخ توماهوك أو (TALCM) وصواريخ (SLAM) الهجومية بعيدة المدى، فإنها أظهرت أن القوات البحرية، يمكنها استخدام صواريخ في مهاجمة أهداف برية، على مسافات بعيدة، مع تحقيق درجة عالية من الاختفاء والمناعة. فصاروخ توماهوك (كروز)[1] (Tomahawk(ACM-109)، على وجه الخصوص، أثبت أنه قادر على الضرب في عمق دفاعات القوات المعادية، وإصابة أهدافه، مع أقلّ احتمال لتدمير مصاحب، من دون المخاطرة بحياة طيار، أو الحاجة إلى تشكيل مجموعة ضاربة معقدة من الطائرات.

    وقد استخدمت صواريخ توماهوك في ضرب مختلف الأهداف، خلال الحرب، مثل: مراكز القيادة والسيطرة، منشآت الأسلحة، الكيماوية البيولوجية والنووية، مواقع صواريخ أرض / جو، مواقع الرادارات منخفضة التردد، ذات القدرات العالية على الكشف ضد طائرات (F-117A).

(3) كاسحات الألغام

    كان لكاسحات الألغام البريطانية دور مهم في حرب الخليج، بسبب المشاكل، التي واجهت الولايات المتحدة الأمريكية، في التعامل مع الألغام العراقية. وعلى الرغم من تطوير البحرية الأمريكية قدراتها، نتيجة لحرب الألغام ضد إيران عامَي 1987 و1988، إلا أنها كانت محدودة، خلال حرب الخليج. وتنوعت قدرات الولايات المتحدة الأمريكية على حرب الألغام، فاشتملت على: "وسائل سطح مضادّة للألغام ـ وسائل جوية ـ متفجرات للتخلص من الألغام ـ استخدام قوات خاصة". وكانت قدرات السطح محدودة. كما كانت التكنولوجيا الأساسية، المتوافرة لديها، والمستخدمة في الإجراءات المضادّة للألغام، محدودة، كذلك. وهذا ما حمل وزير البحرية الأمريكية، بعد الحرب، على إعلان عن برنامجه لتطوير كاسحات الألغام.

ب. الدروس المستفادة

(1)  استمرار دور حاملات الطائرات في تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية، في المستقبل، خاصة في مناطق الأحداث الطارئة. وتطوير قدرات تلك الحاملات وأنواعها، لتكون قادرة على معاونة العمليات العسكرية البرية، في بعض المناطق الساخنة من العالم.

(2)  المحافظة على كفاءة وسائل الإبرار البحري واستعدادها لتنفيذ العمليات الطارئة. فلقد برهنت حرب الخليج، أن قوات الإبرار البحري، يمكن أن تكون ذات أهمية غير عادية، حتى إذا لم تدعُ الحاجة إلى استخدامها. وقد يبرز، في المستقبل، مواقف عديدة، تستخدم فيها قوات الإبرار البحري بكثافة كبيرة، سواء في منطقة الخليج أو غيرها من المناطق.

(3)  ضرورة إجراء تحسين كاسحات الألغام البحرية، حتى تزيد من قدرات القوات البحرية على التعامل مع الألغام البحرية؛ والتي يمكن أن تستخدم، بكثافة، في المستقبل، في منطقة الخليج أو مناطق مماثلة، مثل (البحر الأحمر ـ البحر الأبيض المتوسط ـ بعض المناطق المطلة على البحار، في جنوبي شرقي آسيا).

(4)  استخدام سفن السطح، الحاملة لصواريخ سطح / أرض بعيدة المدى، ضد الأهداف البعيدة والحصينة، تفادياً لخسائر الطائرات. ومن ثَم، يمكن أن يكون لتلك السفن دور مهم، في المستقبل، في تحمّل جزء كبير من عبء القوات الجوية، بل إن النتائج الدقيقة الناجمة عن استخدام تلك الصواريخ، شجعت، فيما بعد، على توسيع نطاق استخدامها في أزمات لاحقة مع العراق.

2. نجاح فاعلية حرب الألغام في الخليج

    سببت الألغام البحرية، التي بثّها العراق في مياه الخليج، العديد من التهديدات لقوات التحالف البحرية؛ فعوّقت الملاحة، وأرغمت قوات التحالف على التفكير، مَلِياً، قبْل الإقدام على تنفيذ أي عملية إبرار بحري، على سواحل الكويت، تجنباً لخسائر كبيرة، ستسبّبها حقول الألغام العراقية الكثيفة، أمام تلك السواحل.

    ويكمن خطر الألغام في:

·    استمرار فاعليتها لمدة طويلة، قد تصل إلى بضع سنوات.

·    استخدام الألغام البحرية في العمليات، الهجومية والدفاعية، إذ يمكن بثّها في أعماق، كبيرة ومتوسطة وضحلة، فتهدد كل أنواع القِطع البحرية.

·    سهولة بثّ الألغام، بوساطة كل أنواع السفن.

أ. نقاط القوة والضعف

(1)  يُعَدّ الخليج مثالياً لحرب الألغام؛ لأن عمقه قَلّمَا يزيد على مائة قدم. لذلك، كانت الألغام في القاع، في مدى وسائل استشعارها ووسائل إطلاقها. وصممت لتبقى في القاع، مع إمكان السيطرة عليها، من بُعد، لتبقى غاطسة تحت الماء. وهي ألغام يصعب تطهيرها. وقد نجح العراق في استخدام الألغام البحرية، في حرب الخليج، وكان في مقدوره بثُّها، بوساطة زوارق صغيرة ومساعدة، وباستخدام كاسحات ألغام وسفن إبرار، بل استخدام طائرات عمودية من نوع سوبر فريلون.

(2)  واجهت البحرية الأمريكية مشاكل ملموسة، في التعامل مع تهديد الألغام العراقية؛ لأنها كانت منُظُمة تنظيماً، لم يراعِ إلا التعامل مع حرب أوروبية، يتحمل فيها حلفاء واشنطن، في حلف شمال الأطلسي العبء الرئيسي من الإجراءات المضادّة للألغام. كما لم تكن كاسحات الألغام الأمريكية، قادرة على الاعتماد على نفسها، في الفتح، أساساً، نتيجة لِقدَمها.

(3)  أدت حرب الألغام وكثافتها في سواحل الكويت، إلى التردد، في أي عمليات إبرار بحري، تفادياً للخسائر الكبيرة. ولم تتأتَّ عملية الإبرار البحري، إلا في إطار خداعي، أي أنها لم تنفذ، ولكن استُغل الإيحاء بتنفيذها، في إطار خطة الخداع ضد العراق.

(4)  لقد أثبتت حربا الخليج الأولى والثانية أهمية الألغام ودورها في التأثير في الملاحة داخل الخليج.

ب. الدروس المستفادة

(1)  أهمية تطوير كاسحات الألغام لتلاحق التقدم والتحديث في أنواع الألغام البحرية وكثافتها، خاصة إذا ازداد دورها في حروب المستقبل.

(2)  أهمية تشكيل مجموعات خاصة للتعامل مع الألغام، مع تحديد مهمة كل مجموعة ودورها، في مسرح العمليات البحري، على أن تُنسّق أدوارها بما لا يؤدي إلى حدوث أي ثغرة أو خلل في أداء مهامها.

(3)  أهمية أعمال الاستطلاع، البحري والجوي، في توفير المعلومات عن حقول الألغام البحرية، علاوة على مراقبة أي أنشطة معادية لتلغيم المياه الدولية، واعتراضها وإحباطها.

(4)  ضرورة تطوير الإجراءات المضادّة للألغام، بما يؤدي إلى فاعلية دور البحرية، في المستقبل، في مواجهة حرب الألغام.

3. عمليات النقل البحري

    كان لحشد إمكانات ضخمة، من وسائل النقل البحري، دور مهم في نقْل نحو نصف مليون جندي أمريكي، مع معداتهم.

    وأدت القوات البحرية الأمريكية دوراً حيوياً، في فتح القوات البرية الأمريكية، على مسافات بعيدة. فاضطلع النقل البحري بنقل 95% من الشحنات، التي استخدمت لتسليح القوات البرية الأمريكية وإمدادها.

أ. نقاط القوة

(1)  التمركز المسبق لعدد من السفن الأمريكية (A.P.S) (Afloat Prepositioning Ship)، وعليها أسلحة ووقود واحتياجات للجيش والقوة الجوية. وفتح 13 سفينة (M.P.S) (Maritime PrepositioningShip)، من قاعدة دييجو جارسيا وجوام والمحيط الأطلسي، تحمل معدات واحتياجات لثلاثة ألوية من مشاة البحرية.

(2)  استخدام البحرية الأمريكية 8 سفن (SL-7) السريعة، إضافة إلى 41 سفينة، من قوة الاحتياطي الجاهزة (Ready Reserve Force)؛ أمكنها نقْل 75% من الشحنات العسكرية الأمريكية، التي نفذتها وحدات النقل البحري الأمريكية، والمقدَّرة بأكثر من 2000 دبابة، و2200 عربة قتال مدرعة، و1000 طائرة عمودية، ومئات من قِطع المدفعية ذاتية الحركة، ومئات الطائرات، وآلاف الأطنان من الذخائر والمعدات العسكرية الأخرى.

ب. الدروس المستفادة

(1)  أهمية التخطيط المسبق لعمليات النقل البحري، مع تعديلها، كلما استدعت الضرورة، لتكون جاهزة للتنفيذ، خلال عدة ساعات من صدور الإنذار، على أن يخطط تخطيطاً مسبقاً لوضع حالات الاستعداد الملائمة، القادرة على تنفيذ المهام الطارئة.

(2)  أهمية الاستفادة من تعبئة إمكانات النقل البحري المدني، ووضع خطة تعبئة تفصيلية له، وأن يتدرَّب عليها تدريباً مسبقاً، وأن تتواجد القطع البحرية، المخصصة، في التوقيت والمكان المحددان بالخطة، بما يحقق السرعة في عمليات النقل وفتح القوات.

(3)  ضرورة زيادة حجم سفن الشحن، خاصة تلك المجهزة للفتح مباشرة (سفن النقل السريعة)، من دون الحاجة إلى تجهيز مسبق لرافعات (أوناش) أو معدات، في الموانئ. وقد ثبت، من خلال عمليات النقل، كفاءة السفن السريعة من نوع (SL-7)، التي تستطيع نقْل المعدات الثقيلة وإنزالها، آلياً، على أرصفة الموانئ، من دون استخدام الرافعات. وكذلك سفن الشحن من نوع (سيان)، التي يمكنها تحميل الدبابات والعربات المدرعة، وإنزالها على شاطئ غير مجهز.

(4)  ضرورة التدريب، من وقت إلى آخر، على عمليات التحميل والتفريغ، للأفراد والمعدات، المخطط نقْلهم، في حالات الأزمات، لمواجهة مواقف محددة.

ثانياً: القوات الجوية

1. نجاح نظام "أمر العمليات الجوي اليومي" (Air Tasking Order) (ATO)

    نجح نظام "أمر العمليات الجوي اليومي"، باستخدام قدرات الكمبيوتر، في تنفيذ حملة جوية متكاملة، من خلال خطة متكاملة، تمكنت من تخطيط آلاف الطلعات الجوية اليومية، في مسرح العمليات، حققت بنجاح أهدافها التي رسمت لها.

أ. نقاط القوة والضعف

(1)  خلق نظام "أمر العمليات الجوي اليومي" حملة متكاملة، خططت، بعناية فائقة، آلاف الطلعات الجوية اليومية، في مسرح العمليات، داخل العراق والكويت. وانطلقت طائراتها من قواعد جوية، داخل دول مجلس التعاون، ومن حاملات الطائرات، في الخليج العربي والبحر الأحمر.

(2)  على الرغم من تنوع الطلعات، وتعدد الدول المشاركة فيها، وتعدد تبعيتها، سواء للقوة الجوية، أو للبحرية، أو للجيش، أو لمشاة البحرية، فإنه لم يحدث حادث تصادم واحد بينها، ولم تصب أي من الطائرات الصديقة، ولو مصادفة.

ب. الدروس المستفادة

(1)  أهمية توحيد المسؤولية والسلطة، في يد القائد العام، وتفويضها إلى قائد القوات الجوية المشتركة بهذه الصلاحية، مما يجعل إنجاز أهداف الضربات الجوية، أقرب إلى الكمال والفاعلية.

(2)  أهمية التنسيق بين عمليات أفرع القوات الجوية، لأسلحة قتال مختلفة، في مسرح واحد (قوات جوية ـ قوات جوية تابعة للبحرية ـ قوات جوية تابعة لمشاة البحرية ـ طيران الجيش). والتنسيق، كذلك، بين القوات الجوية المشاركة، المختلفة الجنسيات، حؤولاً دون أي خلل أو ازدواج، في تنفيذ المهام، فضلاً عن الحيلولة دون إصابة أي طائرة من الطائرات الصديقة.

(3)  أهمية توحيد وسائل السيطرة والتعاون بين القوات الجوية، التابعة للأفرع الرئيسية للقوات المختلفة، يؤدي إلى تعريف مهمة كل فرع، فيحُول دون حدوث أي خطأ أو إرباك أو تأخير. ناهيك من أحدية القيادة، التي تخطط لنظام "أمر العمليات الجوي اليومي"، وتبلغه إلى الجميع، في وقت واحد.

2. أساليب تنفيذ الضربات الجوية الحديثة

    كانت الحملة الجوية، هي أضخم أنواع عمليات القوات الجوية في التاريخ. ففي اليوم الأول نفِّذت 1300 طلعة جوية، في 14 ساعة فقط؛ بينما في حرب فيتنام، نفَّذ الطيران الأمريكي حوالي 3050 طلعة، في أسبوع كامل، خلال سبتمبر 1965. وألقت طائرات التحالف في اليوم الأول 2232 طناً من المواد المتفجرة، بمعدل، يفوق المعدل اليومي لإطلاق جميع القنابل والمقذوفات وأنواعها، البرية والجوية والبحرية، في حرب فيتنام.

    كما طبقت الحملة الجوية بأسلوب حديث، يتفق مع تطور تكنولوجيا التسلح والإدارة، نظرية قديمة، هي نظرية جبليو دوهيت، الإيطالي (1869 ـ 1930)، و جنرال الجو الأمريكي وليام ميتشل (1879 ـ 1936). وقوامها نقطتان:

·    إن الطائرة هي أداة الهجوم، ذات الإمكانات، التي يصعب إيجاد دفاع مؤثر ضدها، في المستقبل.

·    إن الروح المعنوية للقوات المعادية، يمكن تحطيمها بالقصف الجوي المتواصل.

    ولتحقيق هذه النظرية، لا بدّ من وجود عوامل مساعدة، من أهمها:

·    التعامل مع القوات الجوية المعادية، من خلال تدمير قواعدها، وليس من خلال معارك جوية.

·    أن يشمل القصف الجوي الأهداف، التي تؤثر في تخطيط القوات المسلحة واستخدامها  واستمرارها في القتال.

أ. نقاط القوة

(1)  أعمت الحملة الجوية وسائل الاستخبارات والاستطلاع العراقية، فأفقدتها القدرة على معرفة أوضاع قوات التحالف وتحركاتها ونواياها.

(2)  يسرت الحملة الجوية للقوات البرية، القدرة على إخفاء التحركات الضخمة، التي شملت أكثر من فيلقَين، من القوات والمعدات والإمدادات، تمهيداً لعملية اختراق عميقة في الأراضي العراقية، أطلق عليها اسم الخطاف الأيسر (Left Hook)، والتي حققت نجاحاً كبيراً.

(3)  نجاح الحملة الجوية في النَّيل من قدرة الجيش العراقي، وإضعاف إدارته على القتال، وهو أمر أدى إلى إضعاف معنوياتها، وإيقاع الفوضى بين صفوفها.

(4)  الدقة في التعامل مع الأهداف العراقية، وفي تحقيق نتائج ملموسة، نتيجة استخدام نوعيات متقدمة، تكنولوجياً، من الذخائر والأسلحة (الذخائر الموجهة بالليزر ـ الذخائر الذكية).

ب. الدروس المستفادة

(1)  عزل القوات العسكرية عن القاعدة الخلفية، لما لها من تأثير كبير في إمداد القوات باحتياجاتها، وبالتالي التقليل من قدراتها على الصمود والتأثير في معنوياتها.

(2)  استخدام الذخائر والأسلحة المتقدمة، تقنياً، التي تستطيع أن تؤدي المهمة المحددة لها، بنجاح، مثل: استخدام طائرات تورنيدو (Tornado)، نوعاً خاصاً من الذخائر، من أجْل تدمير دشم الطائرات العراقية، أدى إلى انسحابها من المعركة، سواء بتدميرها أو هروبها إلى إيران.

(3)  أهمية إحراز التفوق الجوي المبكر، في مسرح العمليات، من أجْل عزل ميدان القتال، وقطْع خطوط مواصلات العدوّ.

(4)  أهمية دور القوات الجوية في إضعاف قدرات الجانب المعادي، من خلال قصفات وضربات متتالية، تستمر لعدة أيام، تسهيلاً لهجوم القوات البرية المنظم، وتحقيقها معدلات تقدم عالية.

(5)  ضرورة التنسيق والتكامل بين الأنواع المختلفة من الطائرات، في العملية الجوية الهجومية (الطائرات القاذفة ـ الطائرات المقاتلة ـ طائرات الحرب الإلكترونية ـ طائرات تزويد الوقود ـ طائرات الإنذار والسيطرة ...).

(6)  أهمية التوسع في استخدام الطائرات العمودية، والطائرات (A-10) في عمليات الإسناد الجوي القريب للعمليات البرية.

(7)  أهمية الاعتماد على الطائرات الحديثة، ذات التقنية العالية، مثل طائرات (F-117A)، في مهاجمة مراكز إنذار الدفاع الجوي، من أجْل فتح الثغرات في منظومة الدفاع الجوي. واستخدام طائرات الإنذار المبكر والاستطلاع، مثل طائرات الأواكس (Awacs E-3)، لما لها من تأثير كبير في إدارة أعمال قتال القوات الجوية.

(8)  ضرورة التنسيق الكامل بين القوات، الجوية والبرية، من أجْل إخفاء وتأمين الفتح العملياتي (التعبوي) لتشكيلات ووحدات القوات البرية، وتأمين تحركاتها للفتح للهجوم.

3. المساندة الجوية الهجومية

    كان للمساندة الجوية الفاعلة القريبة، لقوات المنطقتَين، الشرقية والشمالية، المهاجمة على المحور الساحلي ومحور حفر الباطن ـ أهمية كبيرة في دعم قدرة التشكيلات والوحدات على سرعة اختراق الدفاعات العراقية، وشل قدرة الاحتياطيات العراقية على المبادرة إلى الهجمات المضادّة. وانعكس ذلك انعكاساً واضحاً على المعدل العالي لوصول القوات، خلال ثلاثة أيام، إلى مدينة الكويت وتحريرها. وهو معدل، ما كان له أن يتحقق، من دون مساندة فاعلة من القوات الجوية.

أ. نقاط القوة

(1)  نجحت المساندة الجوية القريبة، لمصلحة القوات البرية، في شل الفاعلية القتالية للوحدات العراقية، وعجزها عن المناورة بالاحتياطيات المدرعة للمبادرة إلى الهجمات والضربات المضادّة. مما أدى إلى تجميد النظام الدفاعي العراقي وتحويله إلى دفاع ثابت، وعجّل انهياره، بعد تلاشي فاعليته، وافتقاده نقاط القوة، التي يستند إليها أي نظام دفاعي.

(2)  أدى التنسيق الكامل، خلال المرحلة التحضيرية، بين القوات، البرية والجوية، مع تعيين ضباط اتصال من القوات الجوية، للعمل مع التشكيلات الميدانية ـ إلى نجاح التعاون بينهما نجاحاً واضحاً، طوال أيام الحرب البرية.

ب. الدروس المستفادة

(1)  أهمية التعاون والتنسيق، بين القوات، الجوية والبرية، من أجْل تحقيق نجاح حاسم في المعركة، وشل قدرة القوات المعادية على المناورة باحتياطياتها، للمبادرة إلى الهجمات المضادّة.

(2)  أهمية السعي إلى السيادة الجوية، في وقت مبكر؛ لأن ذلك من شأنه، أن يحرم القوى المعادية الحصول على معلومات استطلاع، عن أوضاع التشكيلات وتحركاتها واتجاهات عملها ونواياها.

(3)  ضرورة استخدام أنواع من الطائرات ذات الفاعلية العالية، في المساندة الجوية، ليلاً، مثل طائرة (A-10)، المزوّدة أجهزة أشعة تحت الحمراء، والمركبة على صواريخ مافريك (Maverick)؛ مع إمكان استخدامها ضد مواقع الدفاع الجوي، وضد منصات الصواريخ أرض / أرض الباليستية.

(4)  أهمية استخدام الطائرات العمودية المسلحة، في المعركة العميقة، من أجْل قتال احتياطيات العدوّ وأنساقه الثانية المدرعة. والتوسع في استخدام الطائرات الموجهة من دون طيار، لجمع معلومات استطلاع مدققة، وسريعة.

4. الطفرة في مهام القوات الجوية

    أدت التقنية المتقدمة إلى تحسين واضح في فاعلية العديد من العناصر الرئيسية للقوات الجوية، مثل الدقة، والإحكام في تسديد الهجمات الجوية. فقد كان أداء الأسلحة الدقيقة، هو الدعامة الرئيسية في تنفيذ ضربات الحملة الجوية. وكفل الأداء المتقن الاختيار، كذلك، بين ضرب الأهداف، لتعطيلها أو تعويقها فقط، أو تدميرها. كما أن الذخائر المتقنة التصويب، كانت تدمّر الأهداف المحصنة بالصلب المقوى، التي كان من المعتقد، قبْل ذلك، أنها لا تتأثر بأي نوع من القصف الجوي.

أ. نقاط القوة والضعف

(1)  كان للتقدم التكنولوجي الفضل الكبير، في دِقة الهجمات، وسرعة تدمير وسائل الدفاع الجوي العراقية.

(2)  أدى التفوق الكبير للقوات الجوية للتحالف، إلى وضع القوات الجوية العراقية أمام مسألة صعبة. ففضلت الهرب إلى إيران، على المواجهة؛ وهو أمر حرم القوات العراقية عاملاً مهماً ورئيسياً في المعركة، وهو القوات الجوية، فافتقرت القوات البرية إلى غطائها الجوي.

ب. الدروس المستفادة

(1)  أهمية استمرار التقنية الحديثة في صناعة طائرات، يُعجِز الرادار اكتشافها، من أجْل تقليل تعرّض الأسراب الجوية لوسائل الدفاع الجوي المعادي، مع توفير الفرصة لتدمير هذه الوسائل.

(2)  ضرورة استخدام وسائل وذخائر عالية الدقة (الذخائر الذكية)، من أجْل شل وإرباك القيادات داخل مسرح العمليات، وشل قدرتها على السيطرة، وتعويق عمليات الإسناد الإداري، واستخدام نُظُم الخمد (SEAD)، من أجْل التأثير في منظومة الدفاع الجوي المعادية.

(3)  ضرورة استخدام القوات الجوية التقنية المتقدمة من أجْل توفير معلومات استطلاع دقيقة، وسريعة، تساعد على اتخاذ القرارات، طبقاً لتطور المواقف، وردود فعل الجانب المعادي.

(4)  أهمية التعاون بين مختلف أنواع الطائرات. واستخدام التقنية العالية الدقة، من أجْل تحقيق المهام القتالية المتنوعة، لتشكيلات ووحدات القوات الجوية.

5. دور الحرب الإلكترونية في تنفيذ القوات الجوية لضرباتها

    أسهمت الحرب الإلكترونية في تعمية قوة العراق الجوية ودفاعاته الجوية ـ البرية. وقد تداخلت مع سلسلة مكثفة من الضربات الجوية، ضد وسائل الاستشعار العراقية، ومنشآت القيادة والسيطرة، نفذتها طائرات (F-4G)، وتورنيدو وغيرهما من الطائرات التي استخدمت صواريخ مضادة للإشعاع. إضافة إلى نشاط طائرات استطلاع واستخبارات خاصة (مجموعات خلف الخطوط) لمراقبة وسائل اتصالات العراق ونشاطه الراداري. وتوصيف وسائل البثّ، وتحديد أماكنها.

    وقد أتاحت تلك التعمية لطائرات القيادة والسيطرة والاتصالات، المحمولة جواً (ABCCC)، والأواكس، وكذلك الطائرات المزودة صواريخ مضادّة للإشعاع، توجيه وسائل البثّ، عن بعد.

أ. نقاط القوة

(1)  أدت الطائرات المتخصصة بالحرب الإلكترونية، دوراً رئيسياً في الحرب، من أجْل الحصول على السيادة الجوية؛ فشاركت بنحو 3000 مهمة، إلى جانب آلاف الطلعات، التي نفَّذتها طائرات أخرى، تحمل نُظُماً إلكترونية.

(2)  دعمت الطائرات الموجهة، من دون طيار، مهمة الحرب الإلكترونية، بخداع الرادارات، وتوفير خداع تكتيكي، وخلق ارتباك، بإطلاق أهداف كاذبة.

(3)  نجحت طائرات الحرب الإلكترونية، في عرقلة وسائل اتصالات القيادة والسيطرة العراقية، سواء يدوياً أو آلياً. وأمكنها مسح مستمر، لمدة 24 ساعة، لوسائل الاتصالات العراقية، طيلة 44 يوماً. كما نجحت في تعويق وسائل اتصالات أرض المعركة، والصواريخ أرض / جو، والقوات الجوية التكتيكية.

(4)  تمكنت طائرات الحرب الإلكترونية من توفير المعلومات عن نشاط الجانب العراقي، الجوي والبري، وتحديد أماكنه، وخواص نشاطه اللاسلكي والراداري.

ب. الدروس المستفادة

(1)  أهمية تعميم نُظُم الحرب الإلكترونية الحديثة، التي اقتصر استخدامها على بعض أنواع من الطائرات؛ إذ أصبحت من الأركان الضرورية للحرب الحديثة.

(2)  ضرورة تحقيق السيطرة الإلكترونية، في المسرح البري، والتي أصبحت لا تقلّ في تحقيق السيطرة الجوية أهمية، بل هي أحد أعمدتها الأساسية، ولا سيما بعد نجاح الحرب الإلكترونية في مسح مسرح العمليات، إلكترونياً، والتشويش على أجهزة الخصم اللاسلكية، والتدخل في شبكات السيطرة الميدانية، وتعطيل البثّ الراداري، وتعمية أجهزة التوجيه.

(3)  أهمية إعطاء الحرب الإلكترونية الثقل الملائم، وحسابها ضمن مُضاعِفات القدرة القتالية (Combat Power Multipliers)، عند إجراء المقارنات.

6. الإخفاء والتمويه في مواجهة التفوق الجوي

    نجحت القوات العراقية في تحقيق معدل عالٍ، من الإخفاء والتمويه، لتشتيت الضربات الجوية لقوات التحالف، من خلال:

أ. استخدام أسلحة ومعدات هيكلية.

ب. تجهيز مواقع هيكلية عديدة.

ج. إعادة النشاط إلى بعض المواقع المدمرة.

د. تضليل طائرات التحالف وخداعها، ووضْع معدات سبق تدميرها.

الدروس المستفادة

(1)  ابتداع أساليب الإخفاء والتمويه والخداع، من أجْل الحدّ من تأثير الضربات والهجمات الجوية.

(2)  الإخفاء والخداع، يقللان حجم الخسائر، في الأسلحة والمعدات، في مقابل الضربات والهجمات الجوية[2].



[1] الطراز الذي استخدم في حرب الخليج كان صاروخ هجوم بري أطلق من سفن سطح / سطح وغواصات وله رأس حربية 1000 رطل بمدى حوالي 700 ميل بحري ووزنه 3200 رطل وطوله 20.5 قدم وقطره 21 بوصة، وسرعته من 0.5 - 0.75 ماخ. ويمكن للصاروخ أن يطير على طريق اقتراب عال أو منخفض إلى نقطة يبدأ عندها الطيران باستخدام توجيه تتبع طبيعة الأرض (أي على إرتفاع محدد من سطح الأرض متفادياً أي هيئات أو عائق). * وطراز توما هوك للهجوم البري يستخدم نظامين توجيه للملاحة بمقارنة صور برية رقمية مخزنة مع نقط أرضية حقيقية على طول خط المرور. ويتم توقيع خط مروره فوق سطح الأرض مسبقاً قبل المهمة بواسطة المخططين بالمسرح الذين يستخدمون في ذلك بيانات من وكالة الخرائط العسكرية.

[2] أبسط مثال على ذلك، القصف الجوي الإسرائيلي المستمر خلال حرب الاستنزاف والذي استمر لنحو ثلاث سنوات، ولم يحدث نتائج مؤثرة في القوات المصرية في ضوء عمليات الإخفاء والتمويه وإنشاء العديد من المواقع الهيكلية واستخدام طرق غير نمطية في خداع الجانب الإسرائيلي.