إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / النتائج العسكرية، والدروس المستفادة من حرب تحرير الكويت






خطة الهجوم البري للتحالف



تمهيد

المبحث السابع

النتائج والدروس المستفادة على المستوى العملياتي

لقوات الدفاع الجوي والصواريخ أرض/ أرض

أولاً: قوات الدفاع الجوي

1. تقنية أسلحة الجو الحديثة في مواجهة منظومة الدفاع الجوي الحديثة

    كانت الدفاعات الجوية للقوات العراقية البرية، قد نُظمت بعد الغارة الإسرائيلية على مفاعل أوزيراك  في يونيه 1981. وحُصِّنت المناطق، الإستراتيجية والصناعية، خاصة في بغداد بشبكة من الرادارات وصواريخ أرض/ جو والمدفعية المضادّة للطائرات. وكان مركز عمليات الدفاع الجوي، في بغداد، يسيطر على الدفاعات الجوية العراقية، ويتبع له خمسة مراكز قطاعات عمليات، يسيطر كل منها على عمليات الدفاع الجوي في منطقة جغرافية محددة من العراق.

    وركز العراق دفاعاته الجوية حول بغداد والبصرة، والأهداف الحيوية، العسكرية والإستراتيجية. وأدى ذلك إلى ترك كثير من النقاط من دون دفاعات، خاصة في جنوبي البلاد. وعانى ذلك النظام خطأ أساسياً، هو أن مراكز إدارة العمليات للقطاعات، لم تتمكن من الاتصال بعضها ببعض لدى تدمير مركز قيادة الدفاع الجوي الرئيسي عن الدولة (ADOC) وتعطيله. ومن ثَم، تمكّن طيران التحالف من مهاجمة قطاعات معزول بعضها عن بعض، فتفوق عليها، بل فتح فيها ثغرة، أمكن استخدامها في مهاجمة كل مسرح الدولة.

    أضف إلى ذلك، أن العراق أنشأ نظام دفاع جوي (Inter-Netted)، ذا دعائم زائدة (Red Undant)، ومكون من طبقات (Layered)، ويشمل عدة أنواع، من الرادارات ومراكز القيادة والسيطرة، المحصنة تحت الأرض، وصواريخ أرض / جو، ومدفعية مضادّة للطائرات. ومع ذلك كان هناك ضعف في المواصلات، وفي معالجة البيانات.

    وكان لدى العراق، ما يراوح بين 137 و 154 موقع صواريخ متوسطة أرض / جو، منتشرة داخل مسرح عمليات العراق؛ وما بين 20 و 21 موقعاً في مسرح عمليات الكويت، و18 منشأة تأمين فني لصواريخ أرض / جو. وكانت مواقع الدفاع الجوي للصواريخ المتوسطة، تمثل تهديداً لقوة جوية حديثة. وقد أعلن العراق، أنه عدّل صاروخ (SAM-2)، ليستخدم نظام توجيه بالأشعة تحت الحمراء؛ فضلاً عن نظام التوجيه العادي. ولكن، لم يعلم إن كان قد استخدمه فعلاً.

    وشمل نظام الدفاع الجوي العراقي، ما يراوح بين 25 و 50 بطارية صواريخ (SAM-3)، تتكون من 140 وحدة إطلاق؛ وما بين 36 و 55 بطارية صواريخ (SAM-6)، تضم أكثر من 100 وحدة إطلاق؛ وما بين 20 و 30 بطارية صواريخ (SAM-2)، قوامها نحو 140 وحدة إطلاق. إضافة إلى نحو 20 بطارية صواريخ (SAM-8)، تضم ما يراوح بين 30 و 40 وحدة إطلاق؛ وما بين 50 و 60 صاروخ رولاند (Rolands). فضلاً عن 972 موقع مدفعية مضادّة للطائرات، تضم 2404 مدافع ثابتة، و6100 مدفع متحرك. إضافة إلى مدافع مضادّة للطائرات من عيارَي 14.5 مم، 12.7 مم؛ ولكنها كانت عاجزة عن الاشتباك مع الأهداف العالية الارتفاع، لافتقارها إلى الدِّقة والمدى.

    كذلك، اشتمل نظام الدفاع الجوي العراقي على ما بين 60 و 100 موقع صواريخ (SAM-9)؛ وبعض مواقع (SAM-13) ؛ والمنتشرة في أنحاء مسرح العمليات الكويتي.

    وعلى الرغم من كثافة هذه المنظومة، فإن العديد، من وحدات صواريخ أرض / جو، والمدفعية المضادّة للطائرات، ومراكز القيادة والسيطرة في النظام العراقي، كانت درجة استعدادها منخفضة، ومستوى احترافها ضعيفاً. فلقد بقيت نُظُم الاستشعار وإدارة المعركة العراقية، فقيرة. وفشلت في التدريب على التعامل مع اختراق تقليدي، تعمد إليه طائرات هجومية متقدمة. كما أن العراق، كان غير قادر على المحافظة على نُظُم السيطرة والإنذار (C4I)[1]، التي تعمل 24 ساعة في اليوم.

أ. نقاط الضعف، في بناء النظام الدفاعي الجوي العراقي

(1)  لم يفتح العراق نُظُم صواريخ أرض / جو، بعيدة المدى، بفاعلية، لتغطية قواته في مسرح العمليات الكويتي؛ مما عرّضها للهجمات الجوية، من مسافات خارج مدى نُظُم دفاعها الجوي، قصيرة المدى.

(2)  كانت نُظُم صواريخ الدفاع الجوي، بعيدة المدى، مركزة حول المنشآت الحيوية العراقية، والمناطق الحضرية، تركيزاً سهّل تحديدها ومهاجمتها.

(3)  اعتمد العراق على نُظُم تسليح سوفيتية، ونُظُم قيادة وسيطرة فرنسية، في إدماج دفاعاته الصاروخية، أرض/ جو. ولكن الاندماج، لم يحقق إلا نجاحاً واستعداداً محدودَين.

(4)  كانت نُظُم الدفاع الجوي العراقية المنفردة، معرضة لإجراءات الحرب الإلكترونية، والصواريخ المضادّة للإشعاع الراداري، والهجوم الجوي المباشر، من قِبل قوات التحالف.

(5)  عانت القوات الجوية العراقية، عدة نقاط ضعف، في القتال الجوي، مثل انخفاض مستوى التدريب، والافتقار إلى نُظُم إدارة المعركة الجوية الفاعلة، ومحدودية الرؤية البصرية المحدودة. كما كانت تعتمد على أسلوب التوجيه من الأرض، الأمر الذي جعل المقاتلات العراقية، معرّضة للخطر، نتيجة مهاجمة الرادارات العراقية ومراكز القيادة.

(6)  كانت قدرات طائرات الدفاع الجوي العراقية السوفيتية الصنع، محدودة، في مجالَي الحرب الإلكترونية والرادار، مقارنة بالمستويات الغربية. وكانت نُظُم الطائرات العراقية معرّضة للتعويق.

ب. نقاط القوة للتحالف

(1)  لم تستطع منظومة الدفاع الجوي العراقية، مواجهة الطائرات الحديثة لقوات التحالف، التي تفُوقها، تقنياً، في مجالات: التسليح؛ ومستوى تدريب الطيارين؛ والمعدات الإلكترونية، ذات النُظُم المعقدة للتعويق، لإحباط عمل الرادارات والصواريخ، ونُظُم التوجيه الحديثة؛ والذخائر الذكية.

(2)  امتلكت قوات التحالف أنواعاً حديثة من الطائرات، تستطيع إحداث ثغرة في نظام الإنذار للدفاع الجوي، من دون التعرّض للتدمير، مثل طائرات (F-117).

(3)  حازت قوات التحالف 3 آلاف نظام، لتعويق الرادارات والإجراءات المضادّة.

(4)  زُوِّدت الطائرات العمودية معدات المحافظة على البقاء (Survivability Equipment)، وهو نظام تشويش متطور، يعمل بالأشعة دون الحمراء.

ج. الدروس المستفادة

(1)  أهمية إعادة النظر في بناء منظومة الدفاع الجوي عن الدولة عامة، ومسرح العمليات خاصة، بإدخال آلية السيطرة، وبناء نظام الإنذار والاستطلاع وإدارة النيران على الارتفاعات المختلفة (العالية ـ المتوسطة ـ المنخفضة)، بناءً، يلائم تطورات نُظُم الطائرات، والقتال الجوي الحديث.

(2)  ضرورة الاعتماد، في بناء الدفاع الجوي، على المقاتلات ووسائل الدفاع الجوي الحديثة، وليس على الأخيرة فقط، إذ كان لانسحاب الطيران العراقي، مبكراً، من المعركة أثره الكبير في إضعاف وسائل الدفاع الجوي العراقية.

(3)  أهمية الاهتمام بنظام الاستشعار، وإدارة المعركة، والارتفاع بمستوى نُظُم الحرب الإلكترونية، لتكون قادرة على مواجهة نُظُم الخمد والتعويق.

(4)  ضرورة دعم منظومة الدفاع الجوي بتقنية متقدمة، من المعدات المضادّة، الأكثر تطوراً، والقادرة على مقاومة الصواريخ المضادّة للإشعاع.

(5)  ضرورة توفر النُظُم، التي تستطيع أن تواجه استخدام الطائرات الموجهة، من دون طيار، والمبرمجة للعمل كأهداف خداعية؛ وذلك حتى يمكن تجنّب فتح الرادارات، مبكراً، وتلافي تعريضها للصواريخ المضادّة للإشعاع.    فقد أثبت استخدام الطائرات الموجهة من دون طيار[2]، فاعلية مرتفعة في حرب الخليج. وكذلك، نجحت قوات التحالف في استخدام أهداف خداعية، تمثل الطائرة المقاتلة. وأطلقت القوات الأمريكية عدداً كبيراً من الأهداف الخداعية التكتيكية (TALD)، خلال المراحل الأولى من الهجوم الجوي. وأدى ذلك إلى إرباك نظام الدفاع الجوي العراقي، الذي حَسِب كل هدف خداعي هو طائرةً مقتربة. وقد أدى ذلك إلى إطلاق العراقيين عدداً من الصواريخ، من دون داع، وتشغيل راداراتهم، فأمكن تحديدها بسهولة، ومهاجمتها بالصواريخ المضادّة للإشعاع.

(6)  ضرورة توفير نُظُم حديثة لمواجهة صواريخ جو / أرض، من نوع هارم (Harm)، أو الأسلحة الدقيقة، بعيدة المدى، والقادرة على تحديد الأهداف وقصفها، واللذَين يستطيعان تدمير موقع أي رادار، بل كل ما يقع في نطاقه، تدميراً تاماً، ولا يجدي إبطال تشغيل الرادار، لتضليل صاروخ هارم الموجَّه إليه، والذي يصرّ على الوصول إلى هدفه.

(7)  ضرورة الاحتفاظ باحتياطي كبير لوسائل الدفاع الجوي، لمواجهة المعدل العالي في خسائر وحداته.

(8)  أهمية التجهيز الجيّد، والمسبق، لمسرح العمليات. فالتحصينات والتجهيزات الهندسية، لوسائل الدفاع الجوي، وأعمال الإخفاء والخداع التي لجأت إليها القوات العراقية، ساعدت على تقليل حجم الخسائر، في الأسلحة والمعدات والأفراد، بالمقارنة مع عدد الطلعات الجوية للتحالف.

(9)  عدم الاعتماد، في الدفاع عن بعض الأهداف، مثل المطارات، على الدفاع الجوي المنخفض؛ إذ يمكن الطيران إصابتها على ارتفاعات متوسطة، خارج مدى وسائل ذلك الدفاع.

(10)   أهمية تطوير نُظُم ووسائل الدفاع الجوي، قصير المدى، في مواجهة التقنية العالية، التي استطاعت أن تُحدد نقاط الضعف في تلك الوسائل، لتوفير الإمكانات المضادّة الملائمة (سواء وسائل أو تكتيكات).

2. الحرب الإلكترونية وقدرتها ضد وسائل الدفاع الجوي ومراكز القيادة

    أثبتت الحرب الإلكترونية قدرتها على إرباك وسائل الدفاع الجوي ومراكز القيادة والسيطرة، وسرعة تحقيق السيادة الجوية. كما أنها ساعدت على تحقيق المفاجآت، العملياتية والتكتيكية.

أ. نقاط القوة

(1)  أسهمت قدرات التحالف، في الحرب الإلكترونية، بدور حيوي في تحقيق سيادته الجوية. ونهضت الطائرات المتخصصة، بالدور الرئيسي في هذه الحرب. وقد نفّذ التحالف حوالي 3 آلاف مهمة في هذا المجال، إلى جانب آلاف الطلعات بطائرات مجهزة بنُظُم أو مستودعات حرب إلكترونية.

(2)  عملت طائرات (EC-135)، بالتعاون مع طائرات أواكس، ومحطات أرضية، كمنصة لجميع المعلومات الإلكترونية، فوفّرت معرفة دقيقة عن نشاط العدوّ، الجوي والبري، وحدّدت خواص نشاطه، اللاسلكي والراداري وأماكنه.

(3)  تأتّى لقوات التحالف القدرة على إرباك وسائل الاتصالات والقيادة والسيطرة، وصواريخ أرض / جو، والمدفعية المضادّة للطائرات وتعويقها جميعاً.

(4)  امتلكت قوات التحالف طائرات موجهة، من دون طيار، لتدعيم مهمة الحرب الإلكترونية، وخداع الرادارات، وتوفير خداع تكتيكي، وخلق ارتباك بإطلاق أهداف خداعية.

ب. الدروس المستفادة

(1)  أهمية التوسع في استخدام معدات التعويق الإلكترونية، للحدّ من تأثير النشاط الإلكتروني المعادي.

(2)  ضرورة استخدام وسائل اتصالات بديلة، ومعدات حديثة، يصعب التشويش عليها، حتى تستمر السيطرة على القوات، مع بناء مراكز قيادة، تكون مجهزة هندسياً لمواجهة أي نوع من الذخائر أو القنابل؛ فقد أدى تدمير مراكز القيادة والسيطرة العراقية أو تعطيلها، إلى فقدان السيطرة على القوات، والعجز عن الحصول على معلومات عن الجانب الآخر.

(3)  أهمية استخدام قدرات آلية القيادة والسيطرة، والاتصالات، والاستطلاع، والحاسبات، مع نُظُم الدفاع الجوي الحديثة.

ثانياً: استخدام الصواريخ أرض / أرض

1. استخدام العراق للصواريخ أرض / أرض (سكود)

    نجح العراق في استخدام صواريخ أرض / أرض[3]. ولكن نجاحه كان محدوداً؛ إذ كانت رؤوس صواريخه رؤوساً تقليدية، تفتقر إلى الدقة والتأثير. ولم يستخدم أسلحة تدمير شامل، على الرغم من امتلاكه أعداداً ضخمة من الأسلحة الكيماوية. أمّا قدراته البيولوجية، فكانت غير مؤكدة، إذ لم تُجرَّب. كما لم يكن قد توصل، بعد، إلى أسلحة نووية. بيد أنه عمد إلى تطوير صواريخ أرض / أرض، لزيادة مداها. وتقدِّر المصادر الإسرائيلية، أن أقصى مدى لصاروخ الحسين، أح د الصواريخ العراقية المطورة[4]، يناهز 600 كم.

    وتشير المصادر إلى أن العراق فتح ما بين 12 و 18 موقعاً لصواريخ العباس، في ثلاثة مناطق إطلاق ثابتة، في مارس 1990، في جنوبيّه وغربيّه وشماليّه. وطبقاً لتقارير الأمم المتحدة، شملت المواقع 28 قاذفاً ثابتاً، في غربي العراق، ومواقع ثابتة أخرى بالقرب من تليل وبغداد والدورة. وقد دفع بناء هذه المواقع الثابتة، الاستخبارات الأمريكية، والمخططين الجويين للتحالف، إلى التركيز فيها، كأهداف رئيسية. كما عمد العراق، في أواخر عام 1990، أو في أوائل يناير 1991، إلى إعادة فتح صواريخ سكود، مجهزة بالوقود، في مواقع، يمكن منها إطلاق رشقات من تلك الصواريخ، في بداية هجوم التحالف.

    انتشرت وحدات الصواريخ المتحركة العراقية، في مواقع إطلاق على مساحات كبيرة، مما جعلها أهدافاً صعبة جداً. وقد سمح العدد الكبير لمواقع، سبق تحديدها ومسحها، بخلق مناطق إطلاق منتشرة[5]، كما أن ناقلات صواريخ من نوع (TEL)، وعربات الدعم، كان من الصعب تمييزها عن العربات العادية، من دون استطلاع مكثّف. وبرعت القوات العراقية في إخفاء تلك العربات، من خلال وضعها داخل الأنفاق أو في مبانٍ، وأنشأت مواقع هيكلية خداعية كثيرة.

    كان تأثير القصف العراقي، بصواريخ سكود، تأثيراً نفسياً. أما تأثيره التدميري، فكان محدوداً، نسبياً[6].

    حقق استمرار هجمات صواريخ سكود ضد إسرائيل، مكانة كبيرة لصدام حسين، في بعض أجزاء العالم العربي. وأربك خطة الهجوم الجوي للتحالف. وخلّف خطراً آخر، وهو احتمال انقسام التحالف، إذا دخلت إسرائيل الحرب.

    أدت تجربة استخدام الصواريخ العراقية، إلى اتجاه المملكة العربية السعودية إلى محاولة امتلاكها صواريخ أرض / أرض؛ وسعيها إلى امتلاك صواريخ بعيدة المدى. إذ أثبت استخدام تلك الصواريخ، في حرب الخليج، إمكانية التغلب على كثير من ميزات الغرب، في الدفاع الجوي.

أ. نقاط القوة في صواريخ سكود

    حددت الاستخبارات الأمريكية العديد من منشآت دعم صواريخ سكود وإنتاجها، ومعظم مواقع إطلاقها الثابتة. ولكنها لم تتمكن، قبْل 17 يناير 1991، من تحديد خواصّها الرئيسية، ومناطق الإطلاق أو التجميع أو التحضيرات، خاصة مناطق الإطلاق التي مُسِحت مسبقاً، وأمكن إخفاء قواذف الصواريخ المتحركة فيها، حتى أصبح تحديد أماكنها مُحيراً، وذلك للآتي:

(1)  افترض المسؤولون عن تحديد الأهداف، في الاستخبارات الأمريكية والتحالف، أن العراق سيعتمد على خبرة الإطلاق السوفيتية، أو خبرة حلف وارسو، والتي نص على احتلال الموقع والتجهيز، ثم الإطلاق ثم إخلاء الموقع، في زمن قدره 40 ـ 90 دقيقة. وعملياً، فتح العراق صواريخه في مواقع سابقة التجهيز، وقامت بتحضير القاذف للإطلاق خلال دقائق قليلة، حيث تقوم بإطلاق الصواريخ على أهداف مساحية، ثم تخلي الموقع بسرعة. كانت العملية بين إطلاق الصاروخ وإخلاء الموقع يتم خلال من 7 ـ 10 دقائق، بينما يحتاج قمر الإنذار الأمريكي المداري إلى دقيقتين لإرسال بيانات الإطلاق. وهذا يعني أن لدى التحالف 5 ـ 8 دقائق لقصف مواقع الإطلاق قبل مغادرة القواذف لها. وهذا بدوره يعني أن القاذفات المقاتلة للتحالف لابد أن تكون في الجو على بعد لا يزيد على 50 ـ 100 كيلومتراً من مواقع الإطلاق التي تم تحديدها، انتظاراً لإشارة الإنذار حتى تكون أمامها فرصة كافية للوصول إلى مواقع الإطلاق لتمييز القواذف وتدميرها قبل هروبها إلى مخابئها.

(2)  لقد سيطر العراق سيطرة جيدة على البثّ اللاسلكي والراداري، لتجنّب ترددات احتلال المواقع والإطلاق، التي يمكن الدوريات الجوية التقاطها، فتكتشف الموقع، وتضربه بسرعة. ومن غير الواضح أن جهود الاستطلاع اللاسلكي والإلكتروني باستخدام نظام الكشف ساند كراب Tencar Sandcrabs وغيرها من وسائل الكشف، اكتشفت إطلاق الصواريخ سكود، بدقة يعتمد عليها.

(3)  كان نظام الاستطلاع بالأقمار الصناعية العسكرية "برنامج الإسناد الدفاعي (DSP) (Defense Support Program)، كان مصمماً، أساساً، للإنذار أو للضربات النووية المضادّة، ولتحديد مواقع الوحدات الصاروخية الثابتة، وليس لاصطياد قواذف صواريخ متحركة ذات رؤوس تقليدية. ولكن البيانات، عن مكان الإطلاق، التي وفّرتها أقمار (DSP)، لم تكن دقيقة دقة، تسمح للطائرات بتحديد الهدف.

(4)  أثبتت التجربة أن أطقم طائرات (F-15E)، لم تتمكن من تمييز قواذف صواريخ سكود، نهاراً، ما لم تكن أماكنها معروفة بدِقة، حتى لو كان القاذف في منطقة صغيرة.

(5)  أنشأ العراق أهدافاً خداعية، في مناطق الإطلاق. وتعمد زيادة حركة عربات من أنواع أخرى، في منطقة الإطلاق، إمعاناً في المخادعة.

(6)  زعمت القوات المتحالفة، أنها حققت إصابات ناهزت 30% من قوة صواريخ سكود العراقية الكلية المحتملة؛ إلا أنه لا يوجد أي دليل على ذلك. ومن المحتمل، أنها قللت من معدل إطلاقها. ويبدو أن الهجمات الجوية للتحالف، قد منعت إمداد القواذف المتحركة بتلك الصواريخ، وأجبرت بعضها على التحرك قريباً من مستودعات الصواريخ، وحدّت من تكرار الإطلاق من المناطق نفسها.

ب. الدروس المستفادة من أعمال قتال الصواريخ أرض / أرض، سكود

(1)  أهمية الحاجة إلى إيجاد طرق أفضل، لتحديد القواذف المتحركة لصواريخ أرض / أرض وتدميرها.

(2)  ضرورة توفير الدفاعات المضادّة لصواريخ أرض / أرض وتطويرها.

(3)  أهمية إطلاق الصواريخ بنظام الرشقات أو (الحشد) وليس بنظام إطلاق صواريخ فردية، إذ إن تأثيرها نفسي فقط، وليس مادياً. ولكنه يتزايد، ويتفاقم خطرها، إذا استخدمت رؤوس، كيماوية أو بيولوجية، وليس تقليدية[7].

(4)  أهمية التحليل الدقيق للأماكن، التي يمكن لوحدات الصواريخ أرض / أرض  أن تحتلها. وهو يتطلب:

·   دراسة طبيعة الأرض دراسة جيدة.

·   دراسة طرق ومحاور التحرك للاحتلال والإخلاء.

·   دراسة أسلوب استخدام الصواريخ ومداها (الاحتلال ـ الإعداد والإطلاق والإخلاء، أسلوب مناورتها).

2. الباتريوت والحرب المضادّة للصواريخ

    كانت فاعلية صواريخ باتريوت في تدمير صواريخ سكود، هي إحدى صور الجدل في استنباط دروس حرب الخليج. فسارع مؤيدوه إلى الثناء عليه، على أساس تقارير المستخدمين زاعمين أنه اعترض معظم صواريخ سكود العراقية، التي أُطلقت على إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وحملت تلك المزاعم الرئيس بوش على القول: "إن باتريوت كان دليلاً إيجابياً، على أن نُظُم الدفاع الصاروخية، قد عملت جيداً". كما أصدر الجيش منشوراً، زعم فيه، أن باتريوت نجح في اعتراض 45 صاروخاً، من كل 47 صاروخ سكود.

    وخلال الأشهر اللاحقة، اتَّهم بعض النقاد المتخصصين باتريوت، بأنه كان عديم الفاعلية. وأصدروا دراسات، تشير إلى أنه لم يصب أياً من رؤوس سكود؛ بل رأى بعضهم أنه ربما أعان باتريوت ندّه سكود على التدمير، الذي أحدثه في إسرائيل، إذ تساقطت أجزاؤه بالقرب من تل أبيب.

    كان من المتوقع، بالنسبة إلى نظام، دُفع بسرعة، إلى أداء دور جديد، أن يعاني بعض المصاعب. فقد أحدث فتح باتريوت في المملكة العربية السعودية، مشاكل في القدرة على تحقيق استعداد قتالي كامل. إذ استغرق تذليل المتاعب في مصافي الهواء، الناجمة عن غبار الرمال الدقيقة في منطقة الخليج، أشهراً من الجهد المنظم والاختبارات والتجارب والتعديلات، لجعل الوحدات كاملة الاستعداد ضد الصواريخ الباليستية. بيد أن المشاكل لم تنتهِ. فتعرّض نظام (PAC-2)، الخاص ببناء الصواريخ، لتغيير برامجه، مرتين، خلال عمليتَي "درع الصحراء" و"عاصفة الصحراء"، بل خضع لإعادة برمجة كثيفة، لتصحيح خطأ في المدى.

    واجه نظام باتريوت (PAC-2)، صعاباً فنية، في اعتراضه صواريخ سكود الأساسي، الذي يرتفع، في انطلاقه، إلى أقصي نقطة في خط مروره العالي نسبياً، ليعود فينقض في سرعة،  تراوح 1600 و 1800 متر / ثانية. أما صاروخ سكود المعدَّل، فيبلغ مسافة أبعد، وتزداد سرعة انقضاضه، فتراوح بين 2000 و 2200 متر / ثانية. ويعيبه أنه أقل اتزاناً، في صعوده وانقضاضه، من نسخته الأصلية؛ فضلاً عن معاناته ضعفاً في لِحام محرك الصاروخ المعدَّل. وعلى الرغم من سِرِّيَّة خواصّ باتريوت، فإنه يستطيع اعتراض سكود الأساسي، ولا يفسد عليه انقضاضه إلا التأخير، ولو جزء من ألف من الثانية[8].

    بيد أن تجزؤ صاروخ سكود، في انقضاضه، وانتشار أجزائه، في هويانها، عن الرأس الحربي، سلبا صاروخ باتريوت قدرته على اعتراض هدفه، إذ أصبحت أجزاء سكود أمامه أهدافاً عدة متفاوتة الاتجاه والسرعة، بينما هو مُعَدّ للتعامل مع هدف واحد.

    واضطرت أطقم باتريوت إلى إطلاق ما بين 3 و 6 صواريخ، على أجزاء صاروخ سكود، مما يهدد بنفاد صواريخ باتريوت (PAC-2). وما لبثت أن اهتدت إلى الاستفادة من قدرة رادار باتريوت على تمييز الرأس الحربي نفسه؛ لأنه يطير بسرعة أعلى، وفي خط المرور نفسه، الذي يتوقعه الرادار.

أ. نقاط الضعف في الصاروخ باتريوت

(1)  لم يكن نظام باتريوت يتمتع بالكفاءة المطلوبة.

(2)  عندما بدأت الحرب، لم يكن باتريوت مصمماً لتوفير حماية المراكز السكانية الواسعة، ولا للتعامل مع الصواريخ الباليستية، من نوع سكود. واكتشف ذلك فقط، بعد أن بدأت الحرب، مما جعل المهمة أكثر صعوبة. فلم يكن في برنامج باتريوت ما يمكّن من تنفيذ هذه المهمة، أو التعامل مع مناورات السرعات العالية، الحادّة جداً، لصواريخ سكود.

ب. الدروس المستفادة من استخدام الباتريوت

(1)  أهمية بناء نُظُم دفاع مضادّة للصواريخ، تتعامل مع الصواريخ ذات خطوط المرور، العالية والمتوسطة والمنخفضة، حتى تستطيع أن تدمر الصواريخ الباليستية على خط مرورها. وتسعى إسرائيل، حالياً، إلى بناء نظام دفاع عن منطقة، من خلال بناء نظام الصواريخ المضادّة لصواريخ السهم (Arrow)، يتعاون مع نُظُم الصواريخ الأخرى المضادّة للصواريخ، مثل باتريوت، لإحداث نوع من التكامل في بناء منظومة الصواريخ المضادّة للصواريخ؛ ويكون قادراً على مواجهة تهديدات صاروخية، من دول المنطقة.

(2)  ضرورة توفير المدى الملائم لصواريخ الاعتراض في نقطة، يمكنها فيها منع أجزاء الصاروخ والرؤوس المدمرة، من السقوط فوق مناطق آهلة بالسكان[9].

(3)  أهمية توفير نوع من الرادار القادر على اكتشاف الصاروخ الباليستي، على مسافات، تسمح بتوجيه الصواريخ؛ وأن يتضمن برامج مصممة للتعامل مع مشكلة التمييز، بين الرأس المدمر وأجزاء الصاروخ المتناثرة.

(4)  عدم بناء نظام الصواريخ المضادّة للصواريخ، للدفاع عن هدف مُحدد؛ إنما يجب أن يُبنى في منظومة متكاملة، للدفاع عن منطقة، تستطيع أن تغطي كافة الاتجاهات المعرضة؛ وأن يتوافر لديها العمق والتغطية.

(5)  جعْل بناء النظام المضاد للصواريخ، ذا قدرة على الدفاع ضد رشقة كبيرة من الصواريخ المزودة رؤوساً نووية، أو أسلحة كيماوية أو بيولوجية.



[1] (Command Control Communications Computers and Intelligence)

[2] الطائرة الموجهة من دون طيار عن بعد، يصل طولها ثلاثة أمتار وتطير بسرعة 300 ـ 350 ميل بحري / ساعة لمدة حوالي 450 ميلاً بحرياً، وتستخدم أجهزة استطالة رادارية خاصة، حتى يعتقد أنها طائرات قتال، ويمكن أن تطير في مسار مبرمج، ولكنها تحتاج لمعاونة عامل التوجيه. * واستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً نظاماً جديداً أُطلق عليه ADM-141، وهو هدف خداعي تكتيكي يطلق من الجو، ويمكن للطائرة إطلاق حتى ثمانية أهداف خداعية TALD (Tactical Air-Launched Decoy)، ولهذه الأهداف رادار إيجابي وسلبي ليحاكي طائرة مقاتلة مقتربة.

[3] كانت الصواريخ سكود هي السلاح الوحيد في ترسانة صدام حسين التي سببت إزعاجاً كبيراً لقوات التحالف وهي صواريخ باليستية أرض أرض تستخدم أساساً ضد الأهداف المساحية. وكانت العراق قد نجحت في اختبار أول طراز معدل من الصواريخ سكود-ب، أُطلق عليه اسم الحسين في أغسطس 1987، كما اختبرت العراق رؤوساً كيماوية لصواريخ سكود التقليدية. وعندما قامت الحرب كانت العراق تبحث عن نظام صاروخي أكثر تطوراً، وانفقت مليارات الدولارات فيما بين عام 1980 ـ 1990، كما قامت بإنشاء مصانع تطوير وإنتاج أسلحة الدمار الشامل تقوم بحملها وتوصيلها. ومولت العراق أعمال بحث وتطوير الصواريخ وقامت بإنشاء مراكز بحثية لهذا الغرض. ولكن الصواريخ التي طورتها العراق لم تكن بالدقة نتيجة لزيادة مدى الصاروخ سكود ـ ب، وهذا يفسر أسباب فشل كثير من الصواريخ سكود التي زيدت مدياتها، والتي تم إطلاقها على إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وفي 14 ديسمبر 1989 أعلنت العراق أنها طورت صاروخاً جديداً أَطلقت عليه اسم تموز ـ 1، وزعمت أنها جربت الصاروخ مرتين، وأن الإطلاق وصل إلى حوالي 1500 كيلومتراً. ولكن الواقع يثبت أن العراق لم يكن قد أتم التجربة، ولكنه كان لا يزال رهن التطوير عندما بدأت الحرب. وفي 15 اكتوبر 1990، أعلن صدام حسين أن العراق طورت صاروخاً جديداً يمكنه ضرب إسرائيل. ويعتقد بعض الخبراء، أن صدام كان يتحدث عن تعديلات الصاروخ عدنان ـ 2، ولكنه لم يستخدم هذا الصاروخ ضد إسرائيل ولم يكتشف وجود صاروخ جديد بالمرة وعندما بدأت حرب الخليج كان لدى العراق 1000 صاروخ سكود من كل الطرازات تشمل عدة مئات من صواريخ الحسين والعباس. وتم فتح هذه الصواريخ في تشكيلات بحجم لواء كل من 3 ـ 4 فوج، وكان لها قيادة بالقرب من طليل شمال بغداد.

[4] من الأنواع التي طورتها العراق الصاروخ الحسين ـ العباس ـ تموز وتصل مداياتها على التوالي 600كم، 860كم، 1200 ـ 1500كم.

[5] بمجرد بدء الحرب استخدمت العراق وحدات الإطلاق المتحركة في كل من الأجزاء الغربية والجنوبية من العراق لضرب أهداف في إسرائيل والمملكة العربية السعودية ـ وقد أطلقت العراق أول صاروخين سكود ضد إسرائيل في آخر نهار 17 يناير، وحدث أول إطلاق ضد المملكة العربية السعودية في 18 يناير 1991. وقد سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال صواريخ باتريوت إلى إسرائيل، كما قامت بحملة لصيد الـ "سكود" وبكثافة عالية بواسطة الطائرات القاذفة المقاتلة.

[6] كان التأثير الوحيد الخطير لضربات (سكود) العراقية على معسكر للقوات الأمريكية بالقرب من الظهران بالمملكة العربية السعودية يوم 25 فبراير 1991.

[7] لم تستطع العراق استخدام رؤوس كيماوية أو بيولوجية ضد قوات التحالف بالرغم من هزيمتها عسكرياً ولكن التهديد الذي أعلنته قوات التحالف باستخدام وسائل أقصى تأثيراً منع القيادة السياسية في العراق من اتخاذ قرار يؤدي إلى استخدام قوات التحالف لأسلحة الدمار الشامل، كما أن إسرائيل هددت باستخدام وسائل ردع أقوى في حالة تعرضها إلى هجمات كيماوية أو بيولوجية من قبل العراق.

[8] وهذه السرعات مبالغ فيها

[9] قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل بإدخال تحسينات عديدة على الباتريوت ليحل الصاروخ PAC-3 محل الصاروخ PAC-2، كما قامت بإدخال بعض الرادارات المطورة وأصبح هذا النظام ذي قدرة على اعتراض صواريخ أسرع.