إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / ردود الفعل، العراقية والكويتية، تجاه ترسيم الحدود، وتأثيرها في المنطقة









مقدمة

سابعاً: الجوانب القانونية، المتعلقة بتخطيط الحدود

واصلت الحكومة العراقية اعتراضها على نتائج أعمال لجنة تخطيط الحدود، وبخاصة ما يتعلق منها بالحدود البحرية. ففي الفقرة "رابعاً"، من رسالة وزير خارجية العراق، محمد سعيد الصحاف، يحاول أن ينكر صلاحية اللجنة لتخطيط الحدود البحرية، زاعماً أن قرار مجلس الأمن، لم يشِر إلى موضوع الحدود البرية، وأن اللجنة "لا يمكن أن تمنح صلاحية لنفسها".

ويرد فقهاء القانون الدولي على ما يردده العراق، أن القرار الرقم 687، نص في الشق "أ"، من الفقرة الثالثة على أن مجلس الأمن "يطلب إلى الأمين العام، أن يساعد على اتخاذ الترتيبات اللازمة، مع العراق والكويت، لتخطيط الحدود بينهما". ولفظ الحدود، كما هو واضح تماماً من نص القرار، ورد عامّاً، يشمل كافة الحدود بين البلدّين، براً وبحراً، فلا وجْه لصرف هذا اللفظ، وقصره على الحدود البرية، وحدها.

تستند لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود، في عملها، كما ورد في قرار مجلس الأمن، الرقم 687، إلى "المحضر، المتفق عليه بين دولة الكويت والجمهورية العراقية، في شأن استعادة العلاقات الودية، والاعتراف، والأمور ذات العلاقة، الذي وقّعتاه، ممارسة منهما لسيادتهما، في بغداد، في 4 أكتوبر 1963.

وينص القرار الرقم 687، كذلك، على أن "يحترم العراق والكويت حرمة الحدود الدولية، وتخصيص الجُزُر، على النحو المحدد في ذلك المحضر". فالحدود الدولية، موضع التخطيط، المشار إليها في القرار الرقم 687، تشمل تخصيص الجُزُر، أي أن القسم البحري جزء لا يتجزأ من تخطيط هذه الحدود، فهو يتطلب، بالضرورة، تحديد حدود تلك الجُزُر وتخطيطها.

فالقول إن قرار مجلس الأمن، الرقم 687، لم يخول لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود، صلاحية تخطيط الحدود البحرية بين الكويت والعراق، هو قول يدحضه النص الواضح للقرار، الذي يكلّف اللجنة بتخطيط الحدود، على إطلاقها، من دون تحديد، ويشير، نصاً، إلى الجُزُر، أي إلى القسم البحري من الحدود بين الطرفين.

أمّا ما أورده النظام العراقي، حول خلو قرار مجلس الأمن، الرقم 687، من الإشارة إلى تخطيط الحدود البحرية، في تكليفه، فهو قول واهٍ، حاول أن يتلمس له حججاً أخرى، فلجأ إلى القول أن "منطقة خور عبدالله، لا يصدق عليها، حسب وصف الحدود، الذي اعتمده مجلس الأمن في قراره الرقم 687، عام 1991، صفة البحر الإقليمي، الذي يصار إلى البحث عن قاعدة، لتقسيمه بين الدول المتجاورة والمتقاربة، طبقاً لقواعد قانون البحار"، فهو أمر مردود عليه من جانبَين:

أولهما، أن القول إن خور عبدالله، لا يصدق عليه صفة البحر الإقليمي، هو تجاهل لقانون البحار بعامة، ولنظام البحر الإقليمي بخاصة، الذي أصبح من القواعد العرفية الدولية، التي دُوِّنت في قانون البحار، عام 1982، والتي حددت، في الجزء الثاني من الاتفاقية، في المواد من الثانية إلى السابعة، النظام القانوني، الواجب التطبيق على البحر الإقليمي.

وقد بيَّنت المادة (15) من الاتفاقية، القواعد الأساسية لتعيين حدود البحر الإقليمي، بين الدول المتقابلة أو المتجاورة، عندما اعترفت بخط الوسط، كأساس لتعيين الحدود البحرية، في حالة عدم وجود اتفاق بين الدولتَين، وكذلك العمل بهذه القاعدة، بموجب اتفاق الطرفَين أو غيرها من الترتيبات، التي يقررها المجتمع الدولي، أكان ذلك من خلال هيئاته القضائية، مثل محكمة العدل الدولية، أم في إطار مجلس الأمن الدولي. ونتيجة لعدم إمكانية تحديد الحدود بين الكويت والعراق، في منطقة خور عبدالله، وهي إمكانية، فرض العدوان العسكري العراقي على دولة الكويت واحتلال أرضها، بالقوة، حتمية تدخّل مجلس الأمن، بمقتضى مسؤولياته وسلطاته، الواردة في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فأصدر قراره الرقم 687، عام 1991، في شأن إجراء هذا التخطيط للحدود.

وثانيهما، أن القول إن منطقة خور عبدالله، لا تُعَدّ بحراً إقليمياً، هي حجة ضد العراق، وليست له؛ لأن القول بذلك، لا بدّ أن يعني أن منطقة خور عبدالله، هي من المياه الداخلية بين الدولتَين. ولا يُعقَـل ولا يُتصوَّر في المنطق، ألا تنطوي عملية تخطيط للحدود بين دولتَين، على تحديد للمياه الداخلية، حيثما تداخلت هذه المياه.

وقد شعر العراق بضعف احتجاجه بكون منطقة خور عبدالله ليست بحراً إقليمياً، وأن هذه الحجة تتهاوى أمام القواعد الواضحة لقانون البحار وللمنطق، فأعقب ذلك، في خطاب وزير خارجيته، محمد سعيد الصحاف، بادعاء "حقوق تاريخية" للعراق، و"ظروف خاصة"، محاولاً تأويل ما ورد في قانون البحار، في هذا الصدد لخدمة مصالحه. وهو ادعاء لا يستند إلى أساس؛ إذ مارست الكويت، في هذه المنطقة، حقوقها الثابتة، بل إن الخور نفسه، يحمل اسم عبدالله الصباح، حاكم الكويت.

أمّا "الظروف الخاصة"، وتفسير العراق لها بأن خور عبدالله إحدى حالات "الظروف الخاصة"، الواردة في المادة (15) من اتفاقية البحار، فإنه تفسير لا يستند إلى أي أساس من حقائق الواقع أو منطق القانون؛ إذ إن الأخذ بحالة "الظروف الخاصة"، لا يكون إلا حيثما يؤدي الأخذ بقاعدة خط الوسط، إلى فصل جزء من إقليم دولة عن بحرها الإقليمي، أو عن جزء من بحرها الإقليمي. فهو تفسير يتضح للعيان مجانبته للحقيقة.

وأخيراً، إن قرار لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود، في شأن إقرار خط الوسط في خور عبدالله، بوصفه الحدود بين الكويت والعراق في هذا الخور، لا ينطوي على تعيين للحدود، أول مرة، في هذه المنطقة، للأسباب التالية:

1. بتكليف من العراق، وضع الهيدروغرافي النرويجي، كوشيرون ـ آموت، عام 1959، تقريراً ورسماً بيانياً، حدد فيهما خط الوسط في خور عبدالله، بوصفه الحدود في هذا الخور بين العراق والكويت. وصُدِّق على التقرير والرسم البياني (الخريطة) من جانب وزارة النفط العراقية؛ لأنها هي المعنية بذلك. وأحال وزير الخارجية العراقي التقرير والرسم البياني (الخريطة) إلى السفارة الدانمركية في بغداد، في 22 أغسطس 1960. وقد نشرا في مطبوعات محكمة العدل الدولية، عام 1968، في المجلد الأول، الخاص بقضايا الجرف القاري في بحر الشمال. والخريطة المصاحبة لهذا التقرير، دليل حاسم على فساد الادعاء العراقي.

2. إن اعتماد خط الوسط لتخطيط الحدود في خور عبدالله، هو إعمال لمبدأ، أُرسي، منذ زمن طويل، كعرف دولي ثابت ومتواتر، وعززته أحكام قانون البحار الدولي. وقد قننت قاعدة خط الوسط هذه، اتفاقية جنيف، عام 1958، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، عام 1982.

وحسم مجلس الأمن، في قراره الرقم 833، عام 1993، أمر أي شكوى، في شأن ممارسة حرية الملاحة في خور عبدالله، حين نص، في الفقرة الخامسة من القرار المذكور، على مطالبة "العراق والكويت باحترام حرمة الحدود الدولية، كما خططتها اللجنة، وباحترام الحق في المرور الملاحي، وفقاً للقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن، ذات الصلة".

فالملاحة في هذا المنفذ البحري، متاحة، بحُرية، لكلٍّ من الكويت والعراق، وفقاً لهذا التخطيط، ولنص تقرير لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود. ففي الجزء "ج"، جزء خور عبدالله، "خلصت اللجنة إلى أن الحدود القائمة هي خط الوسط، على أساس أن يكون المنفذ البحري ممكناً للدولتَين، إلى مختلف أنحاء إقليم كلٍّ منهما، المتاخم للحدود المخططة".

فلا حرمان، ولا منع، لأي من الدولتَين، من حرية الملاحة في خور عبدالله. مما يتضح معه، بجلاء، بطلان ادعاء النظام العراقي، "أن فرض الحدود في منطقة خور عبدالله، بالطريقة التي قررتها لجنة الترسيم، يهدد تهديداً خطيراً حق العراق في حرية الوصول إلى البحار، من خلال ممارسة حقه التاريخي في الملاحة، غير المقيَّدة، والآمنة، في خور عبدالله، ويجعله، مستقبلاً، بحكم الدولة عديمة السواحل".

ولعل مكتب الشؤون القانونية، في هيئة الأمم المتحدة، الذي رجعت إليه لجنة تخطيط الحدود، في مشاوراتها، لاستجلاء الجوانب القانونية، في شأن المنفذ الملاحي، هو خير داحض للإدعاء العراقي، في رده، الذي استندت إليه اللجنة في هذا الجانب، ونصه: "ترى اللجنة أن المنفذ الملاحي للدولتَين، إلى مختلف أنحاء إقليم كلٍّ منهما، المتاخم للحدود المخططة هو من الأهمية بمكان، لضمان توفير طابع عادل، ولتعزيز الاستقرار والسلم والأمن، على طول الحدود. وفي هذا الصدد، ترى اللجنة أن هذا المنفذ الملاحي ممكن للدولتَين، من طريق خور الزبير، وخور شتيانة وخور عبدالله، إلى ومن جميع مياه وأقاليم كلٍّ منهما، المتاخمة لحدودهما. وتلاحظ اللجنة، أن هذا الحق في الملاحة والوصول، منصوص عليه، بموجب قواعد القانون الدولي، المثبتة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، عام 1982، التي صدَّق عليها العراق والكويت، على حد سواء، مع الأخذ في الحسبان الظروف الخاصة في تلك المنطقة. وترى اللجنة، كذلك، أن حق الوصول، يعني، ضمناً، تمتع الدولتَين بحق الملاحة، غير القابل للتعليق".

أما ما يدعيه العراق، أن قرار تخطيط الحدود، يجعل العراق دولة عديمة السواحل، فهو قول غير حقيقي، ننصح معه العراق بمراجعة أوضاع موانئه القائمة حالياً، ومراجعة كتب الجغرافية، المطبوعة والصادرة عن جامعات العراق، التي تحدِّث العالم عن هذه الموانئ. إذ تؤكد تلك الكتب الحقائق الجغرافية الثابتة، أن العراق يمتلك سواحل تزيد أطوالها على مائة كيلومتر، ابتداء من الفاو، ومروراً بالسواحل الجنوبية، المطلة على خور عبدالله، ومن ثم إلى خور الزبير وميناء أم قصر. وتقع على تلك السواحل مجموعة من الموانئ، أهمها الفاو والبكر وأم قصر. ولم تُنتَقَص تلك الموانئ أو السواحل، نتيجة أعمال لجنة تخطيط الحدود الدولية، بل إن قرارات اللجنة، كانت في مصلحة العراق، عند تحديد نقطة التقاء خور الزبير، وخور عبدالله. وعلى الرغم من حقوق الكويت التاريخية، إلا أنها استجابت لقرارات اللجنة، احتراماً منها للإرادة الدولية.

وفي ضوء ما سبق، فإنه يمكن القول إن الحدود المرسومة، والخطوات التي اتبعت في تحديدها، لم تأتِ بجديد، ولم تخلق أوضاعاً أو مستجدات، غير موجودة أصلاً، بل إن ما يجري هو، في الواقع، تنفيذ أو تأكيد لاتفاقات سابقة، كان العراق قد وقّعها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التساؤلات لا تزال قائمة. وهي: هل أسدل الستار على النيات العراقية إزاء الكويت؟ وهل انتهت مشكلات الحدود، التي كانت قائمة بينهما؟ أم قد يأتي الوقت الذي يجدد فيه العراق ادعاءاته على الكويت، ويتنصل من الحدود القائمة، لكونها حدوداً فرضت عليه، وأنه لم يكن، عند إقرارها، يمتلك إرادته الحرة، نتيجة الضغوط والعقوبات المفروضة عليه؟.

ولعل مما يثير القلق، أن النظام العراقي، لم يكن، وحده، الذي تحفظ من تلك الحدود، بل إن المعارضة العراقية، أعلنت رفضها لترسيم الحدود العراقية ـ الكويتية، وهذه دلالة واضحة على أن مختلف تيارات العراق واتجاهاته السياسية، تسودها قناعة بأن الكويت انفصلت عن العراق، وأنها كانت، في الأصل، جزءاً منه.