إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور أزمة الحدود العراقية ـ الكويتية، (في الفترة من 8 فبراير 1963 إلى الأول من أغسطس 1990)






مواني العراق البحرية
ميناء أم قصر



ثالثاً: التطور السياسي لأزمة الحدود الكويتية ـ العراقية (1979 ـ 1990)

ثالثاً: التطور السياسي لأزمة الحدود الكويتية ـ العراقية (1979 ـ 1990)

    مع نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، حدث بعض التطورات المهمة، أدت إلى تجميد مشكلة الحدود بين العراق والكويت. منها زيارة الرئيس محمد أنور السادات إلى القدس في 19 نوفمبر 1977، وما ترتب عليها من تطورات وردود فعل. ونجاح الثورة الإسلامية في إيران، وإعلان الجمهورية الإسلامية، في الأول من أبريل 1979. ونشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية[1]، في 22 سبتمبر 1980، التي امتدت حتى 20 أغسطس 1988

    أعلن سعدون حمادي، وزير خارجية العراق، آنذاك، قبل نشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية، في حديث صحفي، في 22 يونيه 1980، "أن موضوع الحدود، بين العراق والكويت، غير مبتوت فيه. وهو مؤجل، ولا عجلة للبتّ فيه، لا من العراق، ولا من الكويت. ولا يشكل هذا الموضوع، في الوقت الحاضر، نقطة ساخنة بين البلدَين. ونحن سنبقى نتحاور، إلى أن نصل إلى حل. ونحن غير متفقين على أين تمتد الحدود، لأنه لم يكن هناك حدود متفق عليها بين البلدَين، في أي وقت مضى".

    ومع نشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية، في 22 سبتمبر 1980، وعلى الرغم من أن العراق أعلن تجميده لمشكلة الحدود مع الكويت، إلاّ أنه، في عام 1981، أخذ يلح في طلب إيجار الجزيرتَين، ليس لمعايير قومية فقط، وإنما لعوامل إستراتيجية، كذلك. ولكن الكويت دأبت على موقفها الرافض، فضلاً عن أنها كانت ترى أن مؤاجرتها العراق جزيرتَيها، في ذلك الوقت، سيثير غضب إيران، وقد يورطها في الحرب الدائرة بين الطرفَين.

    وبدأت الكويت، بعد ذلك، عملية تعمير الجزيرتَين، ومد جسر بين جزيرة بوبيان والأراضي الكويتية، لاستيطانها. وعززت الجزيرة بوحدات عسكرية، وحصنتها وجعلتها منطقة عسكرية. كما وضعت خططاً استيطانية لمدينتَين، في شمالي الكويت وجنوبيها. وتُعَدّ هذه المشروعات جزءاً من إستراتيجية دفاعية. فقد كانت أزمة "الصامتة" مرحلة تحوّل في بناء القوة العسكرية الكويتية، والتركيز في البنية العسكرية، لمواجهة التحديات الخارجية.

    ويبدو أن الكويت، قد أثارت استياء كلٍّ من العراق وإيران، بتحصينها جزيرة بوبيان، وجعلها منطقة عسكرية، إذ عَدَّت إيران ذلك مساندة للعراق. بينما رأت بغداد، في الخطوة الكويتية، تحدياً لمطالبها في تلك الجزيرة.

    وفي عامَي 1984 و1986، إبّان احتدام المعارك بين العراق وإيران، ظهر، جلياً، حاجة العراق إلى جزيرتَي وربة وبوبيان. وبما أن الكويت رفضت إيجاره إياهما، من قبْل، فإنه اكتفى، هذه المرة، بأن تسمح له بتسهيلات عسكرية فيهما، ليتمكن من تدعيم مركزه العسكري، في حربه ضد إيران. وقد رفضت الكويت هذا المطلب، لقناعة المسؤولين الكويتيين، بأنهم لو منحوا العراقيين تسهيلات في الجزيرتَين، فإنهم لن يتركوهما، بعد الحرب، فضلاً عن إثارة غضب إيران.

    وخلال هذه الفترة، لم يفجر العراق أي مشكلات حدودية، بينه وبين الكويت. بل سعى إلى تطبيع علاقاته بهما، طمعاً في المزيد من المساعدات المالية، والقروض التي كانت الكويت تمنحه إياها، أثناء حربه. وفي هذا الإطار، كان يصدر، بين الحين والآخر، تصريحات إيجابية، من قِبل بعض المسؤولين العراقيين، تؤكد علاقات التعاون والصداقة والأخوّة بين البلدَين، فضلاً عن إبداء الرغبة في حل مشكلة الحدود بينهما. وقد أكد ذلك الرئيس صدام حسين، في تصريح له، في 17 يناير 1981، في بداية الحرب، حين قال: "إن العراق يرغب في حل مشكلة الحدود مع الكويت، بالروحية نفسها، التي حل بها مشاكله مع السعودية والأردن".

    ولعل الكويت وجدت في المساعدات، التي قدمتها إلى العراق، خلال سنوات حربه ضد إيران، مخرجاً من الضغوط العراقية، واعتقدت أن ذلك، سيكسبها صداقته وحُسن نياته، بيد أنه سرعان ما تبيّن لها خطأ ذلك الاعتقاد.

    ففي حديث للرئيس العراقي، صدام حسين، إلى جريدة "القبس الدولي" في 23 فبراير 1988، قال: "إن الكويتيين أشقاء العراقيين، وهم المتميزون ضمن المتميزين. وإن الواجب يقتضي أن نحل هذا الموضوع (يقصد مشكلة الحدود). والأردنيون ليسوا هم الذين طلبوا منّا حل مسألة الحدود، وإنما نحن الذين طلبنا منهم ذلك. والآن، لا نجد غضاضة في أن نذهب نحن إلى الكويتيين، ونقول لهم تعالوا لنحل هذا الموضوع. ومنذ أن صارت الحرب (الحرب العراقية ـ الإيرانية)، وحتى الآن، ونحن نقلّب هذا الموضوع من كل جوانبه، ولا نريد أن نتحدث به إلى إخواننا في الكويت، لكي لا نحرجهم، ونحرج أنفسنا. ونخشى أن نبحث الموضوع، فيدخل عامل ثالث، مجاور، شرير، ويتخذ من الموضوع غطاء لعدوانية مُعيّنة، ولتفسيرات مُعيّنة، تؤذينا. ولذلك، كونوا (يقصد الكويتيين) مطمئنين، أن الروحية في هذا لا يمكن أن تفرق بين العراق والكويت".         

    وهكذا، يتضح أن ظروف الحرب وملابساتها، قد جعلت السياسة العراقية أكثر واقعية، إزاء العديد من القضايا الخارجية، ومن بينها مشكلة الحدود مع الكويت. إذ إن العراق اتخذ من الحرب مبرراً لتأجيل بت المشكلة، وكلما طالبت السلطات الكويتية النظام العراقي، باتخاذ خطوات عملية، في هذا المجال، كان الرد العراقي، دائماً: "فلننتظر إلى حين انتهاء الحرب".

    ولذلك، فإنه بعد انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية، تطلعت الكويت إلى وضع تسوية نهائية لمشكلة الحدود مع العراق، في ضوء الوعود الإيجابية، التي طرحها المسؤولون العراقيون في شأنها، أثناء حربهم، والتي عمّقت لدى الكويتيين أمل حل هذه المشكلة بصورة نهائية.

    ولكن التطلعات الكويتية، كانت في غير محلها. فبعد توقف الحرب العراقية ـ الإيرانية، ظلت جزيرة بوبيان هدفاً للمطالب العراقية. وكان موقف الكويت، في ذلك الوقت، يحتم عليها المحافظة على وحدتها الإقليمية، أكثر من أي وقت مضى، وأن تعارض، بشدة، أي طلب لاستقطاع أي جزء من أراضيها، إذ إنها يجب أن تراعي ردود الفعل الإيرانية، في الوقت الذي اتجهت فيه إلى تطبيع علاقتها بإيران، التي تعارض، بشدة، المطالب العراقية، وتؤكد سياستها، القائمة على عدم إحداث أي تغيرات في الأوضاع الإقليمية، في منطقة الخليج العربي.

    واستمر مسلسل مشكلة ترسيم الحدود بين الكويت والعراق قائماً، على الرغم من الزيارات المتكررة، لمسؤولين كويتيين وعراقيين، إلى كل من بغداد والكويت، وإن كان قد ترتب على تلك الزيارات إتاحة الفرصة لمزيد من التعاون بين البلدَين. ففي المباحثات، التي أجراها الشيخ سعد العبدالله الصباح، وليّ عهد الكويت، مع المسؤولين العراقيين، خلال زيارته بغداد، في الفترة من 6 إلى 12 فبراير 1989، وافق العراق على إمداد الكويت بـ 350 مليون جالون من المياه العذبة، إضافة إلى 150 مليون جالون من المياه المائلة إلى الملوحة. وفي مقابل ذلك، وافقت الكويت على إمداد جنوبي العراق بالطاقة الكهربائية اللازمة، إلى جانب مساعدته على بعض مشروعات الإعمار، التي كان يعتزم تنفيذها، بعد توقف حربه ضد إيران. كما أبدى الجانبان رغبتهما في الوصول إلى تسوية نهائية لمشكلات الحدود، القائمة بينهما.

    وفي أثناء الزيارة، التي قام بها الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير الكويت، إلى العاصمة العراقية، في 23 سبتمبر 1989، بناءً على دعوة من الرئيس العراقي، صدام حسين، لكي يقلده وسام الرافدين، تقديراً لجهود الكويت في مساندة العراق، خلال حربه ضد إيران، كرر العراق رغبته في الوصول إلى حل لأزمة ترسيم الحدود. وقد آثر الشيخ جابر الأحمد عدم إثارة هذا الموضوع، واقترح عرض المشكلة على هيئة تحكيم دولية.

    ولعل المبادرات العراقية المتكررة، للانتهاء من ترسيم الحدود، وفقاً لوجهة نظر العراق، والتي لم توافق عليها الكويت، هي التي استند إليها العراق في غزوه الكويت، عام 1990، لكي يدلل على أنها هي التي كانت تماطل في عملية ترسيم الحدود بين البلدَين.

    كما أثار العراق مشكلة أخرى مع الكويت، تمثلت في طلبه شطب ديون الحرب المستحقة عليه، واتهام الكويت بضخ النفط من الجزء الجنوبي من حقل الرميلة، واتجاهها إلى بناء مدينة سكنية في "الصبية"، تتسع لـ 100 ألف نسمة، وإنشاء منتجع في جزيرة بوبيان، في الوقت الذي رصد فيه العراق ما يقرب من مليار دولار، لتنمية ميناء أم قصر(أُنظر خريطة ميناء أم قصر)، مما كان يستلزم حصوله على منفذ على سواحل الكويت. ومن ثم، أخذت الأمور تتأزم بين الدولتَين.

    وكان رد الفعل العراقي ضد الكويت، هو تصعيد هذه المشكلة الجديدة، ابتداء من يوليه 1990، في إطار حملة، استهدفت دولتَي الكويت والإمارات. فاتهم العراق السلطات الكويتية بسحب نفط حقل الرميلة العراقي، وتسويقه لحسابها، كما اتهمها بتحريك النقاط الحدودية بين البلدَين، تجاه الشمال، وهو ما يعني اقتطاع أجزاء من أراضيه[2].

    وتأسيساً على كل ما سبق، يمكن القول إن عدم التوصل إلى حل لمشكلات الحدود بين العراق والكويت، على الرغم من كثرة الاتصالات والمباحثات، التي جرت بينهما لهذا الغرض، يرجع، بصفة أساسية، إلى مماطلة العراق، ورفضه الدخول في أي التزامات قانونية، في شأن الحدود. بل أنه كان، دائماً، يعلق قبوله ترسيم الحدود مع الكويت بصورة نهائية، على شروط تعسفية، أهمها أن تتنازل له عن جزيرتَي وربة وبوبيان، بصيغة أو بأخرى.

    وقد استخدم العراق عدة حجج، للتخلص من تسوية مشكلة الحدود مع الكويت، وهي تتعلق، أساساً، بالمرجعية، التي يجب الاحتكام إليها في ترسيم الحدود بين البلدَين، وكان هناك وجهتْا نظر، هما:

1. بالنسبة إلى الكويت، فإنها نظرت إلى المشكلات الحدودية، على أنها ذات طبيعة فنية. ولذا، يجب أن يجري تعيين الحدود على الطبيعة، وأن تسوَّى طبقاً للمواثيق والمعاهدات السابقة بين البلدَين، في شأن الحدود (اتفاقية 1913، الخطابات المتبادلة في عام 1932، اتفاقية 1963)، والتي قبلها العراق وأقرها.

2. أمّا بالنسبة إلى العراق، فقد طالب بضرورة إعادة تعيين الحدود بين البلدَين من جديد. ورفض الحجية القانونية للاتفاقات السابقة بين البلدَين، بدعوى أنها وقِّعَتْ في فترة، لم يكن العراق فيها مستقلاً، كما هو الحال بالنسبة إلى اتفاقية 1913[3]، أو لأنها لم تصدَّق من قِبل السلطات التشريعية العراقية، كما هو الحال بالنسبة إلى اتفاقية 1963، التي عَدَّها العراق محضراً وبياناً مشتركاً. كما أن السلطات العراقية كثيراً ما تذرعت بعدم وجود خرائط مساحية دقيقة، لترسيم الحدود على الطبيعة بين البلدَين.

    وثمة عدة أسباب أخرى، وراء تصلّب موقف العراق، في شأن تسوية قضية الحدود مع الكويت، تتلخص في الآتي:

3. أطماع العراق في الحصول على مكاسب إقليمية من الكويت، يكون من شأنها توسيع منفذه البحري. فدأب على السعي إلى ضم جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين.

4. استخدام مشكلة الحدود، كورقة للضغط على الكويت، للحصول على مكاسب اقتصادية. فتاريخ التعامل بين البلدَين، يؤكد أن العراق اعتاد تصعيد مشكلة الحدود مع الكويت، كلما احتاج إلى قروض، أو معدات، أو تنازلات مالية من الكويت.

5. عدم استعداد العراق للقبول بحدود نهائية مع دولة، يَعُدُّها جزءاً منه، على الرغم من اعترافه باستقلالها، وتبادل التمثيل الدبلوماسي الكامل معها، منذ عام 1963. ولذلك، أبقى العراق المشكلة معلقة، من دون حل، على أمل أن تتأتى الظروف، التي تتيح له استعادة الكويت.



[1] صدر قرار مجلس الأمن الرقم 598، في 20 يوليه 1987، بوقف إطلاق النار بين العراق وإيران، وبدأ سريانه، بين الجانبين، في 20 أغسطس 1988

[2] تصريح الرئيس العراقي، صدام حسين، في خطابه يوم 17 يوليه 1990

[3] هذه الاتفاقية وافق عليها العراق والكويت، في خطابات متبادلة، عام 1932