إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / تطور أزمة الحدود العراقية ـ الكويتية، (في الفترة من 8 فبراير 1963 إلى الأول من أغسطس 1990)






مواني العراق البحرية
ميناء أم قصر



سادساً: الجوانب القانونية في العلاقات العراقية ـ الكويتية (1961 ـ 1990)

سادساً: الجوانب القانونية في العلاقات العراقية ـ الكويتية (1961 ـ 1990)

    طالما اقترن العدوان العراقي على الكويت، بادعاءات عراقية، بأن لبغداد حقاً تاريخياً في الكويت، التي لا تعدو كونها جزءاً من العراق، كما كانت في عهد الدولة العثمانية. وهذه الحجة، التي ارتفعت منذ الغزو العراقي للكويت، لم تكن جديدة. فقد سبق للعراق، في عهد الملك غازي، عام 1938، ثم في عهد عبدالكريم قاسم، عام 1961، أن رفع شعارها، في محاولة منه للحيلولة دون استقلال دولة الكويت، ودخولها إلى دائرة المجتمع الدولي، كدولة مستقلة ذات سيادة كاملة. وباءت كل المحاولات العراقية السابقة بالفشل، لأنها تتناقض مع الحقائق، التاريخية والجغرافية والسياسية والبشرية، ومع معطيات الواقع الدولي. كما أن هذه المحاولات، لم تقف حائلاً دون ظهور دولة الكويت على مسرح الحياة الدولية، واكتسابها عضوية المنظمات الدولية العالمية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية، وعلى رأسها جامعة الدول العربية. ولم تحل هذه المزاعم والدعاوى، كذلك، دون أن تتبوأ الكويت منزلة دولية مرموقة، على الصعيد العالمي، ولا سيما في المجالات الاقتصادية.

    كما يُعد 4 أكتوبر 1963، تاريخاً حاسماً، إذ صدر اتفاق يحدد الأساس القانوني لعلاقات كلٍّ من الكويت والعراق بعضهما ببعض. ففي هذا التاريخ، أصبحت الدولتان متساويتين، في مواجَهة بعضهما بعضاً، على قدم المساواة، من حيث التمتع بالسيادة والاستقلال. كما يُعَدّ عام 1963 تاريخاً فاصلاً، بالنسبة إلى تحديد الأساس القانوني لعلاقاتهما المتبادلة، بمعنى ثبات الإطار القانوني لهذه العلاقات، وعدم تأثرها بالأعمال أو التصرفات، الصادرة عن أحد الطرفَين، بقصد تغيير الوضع القانوني، الذي نشأ وتحقق في التاريخ المذكور.

    والدليل على ذلك، أنه بعد سقوط نظام عبدالكريم قاسم، وقيام نظام جديد في العراق، بقيادة عبدالسلام عارف، لم يظهر أدنى احتجاج أو اعتراض، في شأن انضمام الكويت إلى الأمم المتحدة، ذلك الانضمام الذي تحقق، في 14 مايو 1963. ومنذ ذلك التاريخ، والعراق يقر، صراحة، بوجود الكويت عضواً مستقلاً ذا سيادة، سواء في نطاق جامعة الدول العربية، والمنظمات العربية المتخصصة، أو في الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة، المرتبطة بها، أو في منظمة المؤتمر الإسلامي، أو مؤتمرات دول عدم الانحياز، إلى غير ذلك من التنظيمات والهيئات الحكومية الدولية، التي يتمتع كلٌّ من العراق والكويت بالعضوية فيها، أو الانتساب إليها.

    وبقبول عضوية الكويت في منظمة الأمم المتحدة، أصبحت هي والعراق على قدم المساواة، من حيث الخضوع لأحكام القانون الدولي المعاصر، بما في ذلك الامتثال لأحكام الالتزامات الدولية، المترتبة على تمتعهما بوصفهما عضوَين في المنظمات الدولية، الإقليمية والعالمية، إلى جانب خضوعهما معاً لأحكام الالتزامات التبادلية، المترتبة على كلٍّ منهما في مواجَهة الأخرى، فضلاً عن قيام التمثيل الدبلوماسي بين البلدَين، ابتداء من أكتوبر 1963.

    وقد شهدت العلاقات الثنائية، بين الكويت والعراق، بعد توقيع اتفاق 4 أكتوبر 1963، حدثَين مهمَّين:

·    الحدث الأول، يكمن في أحداث أزمة 20 مارس 1973، وما صاحبها من احتلال العراق مركز "الصامتة"، الذي يعَد مفتاح ميناء "أم قصر" العراقي، الذي ترتكز عليه مشروعات العراق البحرية، كما ينتهي إليه أحد خطوط أنابيب النفط العراقي. وفي هذه الأزمة، اضطر العراق، تحت الضغط العربي، إلى سحب قواته من "الصامتة".

·    أمّا الحدث الثاني، فيكمن في الغزو العراقي للكويت، في الثاني من أغسطس 1990، وأدّى إلى احتلال كامل للأراضي الكويتية، وإعلان ضم الكويت إلى العراق، على أساس أنها تشكل، من الناحيتَين، التاريخية والقانونية، جزءاً لا يتجزأ من العراق. وهو الحدث الذي انتهى إلى إجبار العراق على الانسحاب، وعودة الشرعية الدولية إلى الكويت.

    وواقع الأمر، أن تجدد المنازعات، وإثارة الخلافات، من حين إلى آخر، بين العراق والكويت، فضلاً عما يؤكده من تميز العلاقات الثنائية بين البلدَين بازدواجية خاصة، فإنه يثير التساؤل حول حقيقة وماهية الإطار القانوني، الذي يحكم علاقات الدولتَين بعضهما ببعض. ولذلك، لا بدّ من تناول نقطتَين مهمتَين، هما:

·    الدلالات القانونية لتبادل الاعتراف، بين الكويت والعراق.

·    السلوك اللاحق للعراق، إزاء الكويت، من خلال مسألتَي تبادل التمثيل الدبلوماسي بين الدولتَين، وتمتعهما بوصف العضوية في المنظمات، الدولية والإقليمية، ومدى علاقة ذلك بالاعتراف المتبادل بينهما.

1. الدلالات القانونية لتبادل الاعتراف، بين العراق والكويت

    إن مسلك العراق، في شأن الكويت، قبْل حصولها على الاستقلال، أو بعد تمتعها بالسيادة والاستقلال، يكشف عن اعتراف العراق بالوجود القانوني والكيان الذاتي المتميز للكويت. فإن الاتفاق المبرم بين الجانبين، في 4 أكتوبر 1963، يمثل حجر الزاوية، ونهاية المطاف، لإثبات الاعتراف العراقي بدولة الكويت، "وجوداً وحدوداً". ذلك لأن الاتفاق قد أُبرم بين دولتَين متساويتين، من حيث التمتع بكامل السيادة والاستقلال، من جهة. ومن جهة ثانية، فتح الاتفاق صفحة جديدة في العلاقات بين الدولتَين العربيتَين. وتضمن من جهة ثالثة، صراحة، اعتراف العراق بالكويت وسيادتها التامة، بحدودها المبينة في كتاب رئيس وزراء العراق، المؤرخ في 21 يوليه 1932. كما أكد الاتفاق إقامة تعاون، ثقافي وتجاري واقتصادي، بين البلدَين، وتبادل التمثيل الدبلوماسي، على مستوى السفراء.

2. الحدود العراقية ـ الكويتية ذات حجية، في مواجهة طرفَيها

    النظر إلى مراحل إنشاء الحدود، بين العراق والكويت، وكذا استعراض وقائع تحديدها، والمناسبات التي أُقر فيها هذا التحديد، من قِبل الأطراف المعنية، يكشف عن وجود مجموعة من السمات أو الخصائص العامة، بالنسبة إلى بيان مدى إلزامية الوضع القائم للحدود، بين العراق والكويت، ومدى ما تتمتع به هذه الحدود، من حجية في مواجهتهما معاً.

أ. فالسمة الأولى للحدود، تكمن في أن معاهدة 1913، الموقعة بالأحرف الأولى، من قِبل بريطانيا والدولة العثمانية، والتي لم تكتسب وصف الإلزام، لعدم التصديق عليها، تشكل المصدر التاريخي المادي، بالنسبة إلى إنشاء الحدود العراقية ـ الكويتية.

ب. أمّا السمة الثانية لهذه الحدود، فتتمثل في أن بريطانيا، بوصفها قائمة على شؤون الانتداب على العراق، ومضطلعة، في الوقت عينه، بالحماية على الكويت، قد اعترفت بوضع الحدود، بين الكويت والعراق، كما حددتها المعاهدة المشار إليها.

ج. والسمة الثالثة، التي تميز الحدود، مفادها أن الطرفَين المعنيَّين بهذه الحدود، قد أقرا، سواء بصورة انفرادية، أو بصورة اتفاقية مشتركة، بصحة حدودهما المشتركة وسلامتها، على النحو السالف بيانه. فالعراق بوصفه دولة مستقلة، ذات سيادة، قد اعترف، بشكل قاطع وصريح، في اتفاقيتَي 1932 و1963، بالحدود الفاصلة بينه وبين الكويت، وفقاً للتحديد المشار إليه.

    وتأسيساً على ذلك، وبالنظر إلى أحكام القانون الدولي، ذات الصفة الآمرة، فيما يختص بإنشاء الحدود السياسية وتخطيطها، فإنه يمكن القول إن الحدود العراقية ـ الكويتية، بوضعها القائم، تكتسب حجية مطلقة، ليس في مواجَهة طرفَيها المباشرَين فقط، وإنما أيضاً في مواجَهة كافة الدول، كذلك. كما أنها تتمتع بقوة قانونية ملزمة، تضمن لها صفة الثبات والاستقرار والنهائية، على نحو لا يتسنى معه لأي من طرفَيها، أن يتراجع في اعترافه بوضعها، أو أن يبدل فيها، أو يغيّر من مسارها، استناداً إلى القوة، أو بإرادته المنفردة. وأي تصرف من هذا القبيل، يكون مخالفاً لأحكام القانون الدولي المستقرة، في هذا الشأن، ويلحقه، من ثم، وصف "البطلان وعدم المشروعية". لذا، فإن حوادث الانتهاك العراقي للحدود مع الكويت، وغزوه إياها، في الثاني من أغسطس 1990، تُعدّ مخالفات صريحة، ومباشرة، لأحكام القانون الدولي العام، الذي ينص على احترام السلامة الإقليمية للدول، وضمان استقلالها السياسي.