إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





وثيقة

وثيقة

نص كلمة الرئيس العراقي، صدام حسين

في افتتاح القمة الرابعة لمجلس التعاون العربي، في عمّان

في 24 فبراير 1990

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة، قادة دول مجلس التعاون العربي، أعضاء الهيئة العليا للمجلس.

الأخ الملك الحسين بن طلال.

الأخ الرئيس محمد حسني مبارك.

الأخ الرئيس علي عبدالله صالح.

أيها الإخوة الحضور.

بعد التحية

    نلتقي، هذا اليوم، في مدينة عمّان العربية، الأصيلة بشعبها والمسؤولين فيها، يتقدمهم ويحدو ركبهم الأخ العربي الأصيل، والشجاع، جلالة الملك الحسين بن طلال.

    وفي لقائنا هذا، ندشن بداية الدورة الثانية من مجلسنا، بعد أن دشنا الدورة الأولى، في بغداد، وتابعنا اجتماعاتنا، في الإسكندرية وصنعاء.

    وفي هذا المكان من أرض العروبة، حيث ننعم بضيافة أخوية كريمة، بين أهلنا وإخواننا في الدم والعروبة والمصير، جئنا لنمارس دوراً قومياً أخوياً، بصيغة أرادها الله، واستجاب لها الخيّرون من أبناء الأمة، أن تكون جماعية رباعية، وعلى غير ما هو معتاد، على مستوى الجامعة العربية، أو صيغ العلاقات الثنائية، وما تشكل من علاقات أخرى، تحت عناوين شتّى، بين العرب، عبر الزمن الماضي.

    لقد كان العام الأول من عمر مجلسنا، عام التأسيس، وعام إرساء القواعد والأُطر الأساسية، لميادين التعاون والتنسيق والتكامل بين أقطارنا. وكان عاماً حافلاً باللقاءات والمنجزات المثمرة. وإننا إذ ندخل العام الثاني من مسيرة المجلس، باجتماعنا، اليوم، في عمّان، يحدونا الأمل القوي في مواصلة المسيرة، على طريق الأهداف المرسومة. ولنا عظيم الثقة في أن همة جلالة الملك الحسين، وإخوانه المسؤولين في الأردن، ستحفزنا على مواصلة المسيرة، بعزم وثبات، وتحقيق المزيد من الخطوات والمنجزات.

    ولعل في مقدمة ما نصبو إليه، في هذه المرحلة، هو أن نجعل الخطوات التي اتخذناها، والاتفاقيات التي توصلنا إليها، ملموسة، من قِبل أفراد الشعب، في أقطارنا، يتحسسون آثارها ومنافعها الإيجابية، مما يعزز حماستهم، وثقتهم بالمجلس وبأهدافه القومية.

أيها الإخوة.

    عندما نلتقي في عمّان، تحت تأثير شعارات ومشاعر وآمال قومية، فهذا ما يجمع أبناء العروبة في كل مكان، وما يجعل تطلعهم مشتركاً في خطه العام، ويجعل لقاءنا هذا ممكناً ومفيداً، وعلى الطريق الصحيح. أقول عندما نلتقي في عمّان، وحيث نستطيع مشاهدة الأنوار المشعة من القدس الشريف ـ يقتضي الواجب، الأخوي والقومي، أن نتوجه، في مستهل هذا اللقاء، بالتحية إلى شعب فلسطين المجاهد، مع التحية والامتنان، اللذَين نوجههما إلى أشقائنا في الأردن، على كرم الضيافة، وحُسن الاستقبال، اللذَين يؤكدان، مع فضائل أعمالهم الآخرى، عمق معاني العروبة ومقاصدها في نفوسهم.

    ورغم صعوبة المحاولة، لنتشبث بشرفة أو مرتفع، مما يحقق هدف مشاهدة أنوار القدس، فإننا نرى القدس من بغداد، بالعيون النفاذة، المؤمنة، والواسعة لتلك المدينة، التي تعرفون كم بذل العرب من تضحيات! وكم بنوا من مجد فيها! ليثير اسمها في نفوسهم ذكريات طيبة. إننا نرى القدس من أي مكان، مهما بعد عن موقعها؛ لأن القدس، بعد أن تنير فينا كل ما هو خير في الصدور، يصبح تبادل الرؤية بيننا وبينها على خط مستقيم. وتتقلص المسافات بيننا وبينها، بل بينها وبين أي عربي وأي مسلم، وأي مسيحي، من أبناء العروبة، لتصبح قاب قوسين أو أدني. وهكذا نرتسم، من دون أن تتمكن عوادي الدهر من محوها، علامات بينة على طريق تحريرهاـ إن شاء الله ـ. لقد اغتُصبت فلسطين بتخطيط وتدبير، وتُسترجع فلسطين بتخطيط وتدبير متقنين، يتقدمهما الإصرار على إحقاق الحق. وقد أكد أبناء فلسطين المجاهدون، أنهم قدوة في الإصرار والاستعداد للتضحية.

    إن ضياع فلسطين، لم يكن سببه الأساسي قوة إيمان الصهاينة بعدالة منهجهم؛ وإنما كان تخلي العرب عن قضيتهم. ولم يكن سببه الأساسي قوة الصهاينة، بل ضعف العرب. أمَا وقد أدرك العرب، من خلال عوامل وأسباب شتى، منها إنتصارهم على أعداء الله وأعدائهم، في الجبهة الشرقية، وهذا الموقف البطولي لشعب الحجارة القاتلة ـ أنهم قادرون، فإن فلسطين ستعود، وسيطرد النور الظلام، وسترتفع أعلام الحق على القدس الشريف ـ إن شاء الله ـ.

أيها الإخوة.

    إن من أهم وأبرز خصائص اللقاء والتباحث، والعلاقة في ما بين العدد الأقل من أعضاء مجلس الجامعة العربية، كما هو حال لقائنا اليوم، هو أن هذا العدد، يتيح، أمامنا، فرصة أفضل للتحليل والحوار، بما يمكننا من أن نجمع الموقف على كلمة سواء.

    وأظن أننا نتفق جميعاً، على أن اجتماعنا هذا، يواجه مهمة خاصة، وذات أولوية، لا خلاف عليها، هي بحث وتحليل المتغيرات على الساحة الدولية، وتأثيراتها على بلادنا والأمة العربية، بوجه خاص، وعلى العالم، بوجه عام. وكذلك التهديدات، الدائمة والمستجدة، لأمننا القومي العربي.

    فلقد برزت على الساحة الدولية وعلاقاتها، منذ لقائنا في بغداد، في شباط الماضي، ظواهر وتطورات كثيرة، بعضها ما هو عادي، يؤخذ ضمن قياس الدارج من الأمور، مما اعتدنا التعامل معه. وبعضها مما هو غير اعتيادي. وإن وصف بعض التطورات، بأنها غير اعتيادية، لا يقتصر على الأحداث بحدّ ذاتها؛ وإنما على الآثار التي ستعكسها تلك الأحداث، بمساحة قد تغطي الكرة الأرضية، بما هو إيجابي، وبما هو سلبي.

    وبما أن تأثيرات ما يقع من أحداث، هنا أو هناك، في زوايا الكرة الأرضية، لم تعد تقتصر على مساحة ضيقة، ولم تعد مسؤولية التمتع بما هو إيجابي منها، أو التوقي والتحسب تجاه ما هو سلبي، تقتصر على ميادينه المباشرة، وإنما تتعداه إلى أمم تزداد، ومساحة تتسع حسب طبيعتها ـ فإن الواجب يقتضي، أن نعيد الظواهر إلى أسبابها. وبعد أن نتعرف على أسبابها، نتفاعل مع ما هو إيجابي منها، لنستفيد منه، ونتحسب ونتوقى، تجاه ما هو سلبي، بمواقف مشتركة، تجعل الإيجابي فيها، هو المغلب.

    وبما أن من الصعب تناول كل ما هو سلبي وإيجابي، من أثار التطورات الدولية، خلال سنة 1989 وقبلها، وخلال الزمن المنصرم، من بداية سنة 1990، في مثل اجتماعنا هذا، فقد تشاركونني الرأي، أيها الإخوة في أن يقتصر البحث في ما هو عاجل، وأكثر أهمية منها، بما يتسع له وقتنا للبحث والحوار.

    لقد كان من أهم وأبرز نتائج الصراع الدولي، في الحرب العالمية الثانية، أن تراجعت دول، كانت الأكثر تأثيراً في المحيط الدولي، كفرنسا وبريطانيا، واتسع نفوذ وتأثير دولتَين، حتى صارتا العظمَيَين بين الدول، وأقصد أمريكا والاتحاد السوفيتي. وتبعاً لهذه النتائج، تمحور العالم المؤثر، أو الأكثر تطوراً، حول محورَين. المحور الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بنهجها الرأسمالي المعروف، وسياستها الإمبريالية. والعالم الشرقي، بقيادة الاتحاد السوفيتي، ونظريته الشيوعية.

    وكان من بين نتائج الحرب العالمية الثانية، أن أصبحت الصهيونية، "الدولة"، حقيقة قائمة. وأصبح أهل الأرض الأصليون، من العرب الفلسطينيين، مشردين. ولقد ساعد العالم الغربي، الإمبريالي، الكيان الصهيوني على التوسع والعدوان، في عام 1967. في حين وقف العالم الشيوعي إلى جانب العرب، وفق مفاهيم مساحة التأثير المتقابل، على مستوى الصراع الكوني بين الكتلتَين، والسعي لإيجاد مرتكزات لمصالح دوله القومية، في الوطن العربي، مقابل المصالح الغربية فيه. وأصبح العرب مؤيدين في حقوقهم الأساسية، ومنها حقوقهم في ميدان الصراع العربي ـ الصهيوني، من قِبل الكتلة الشرقية، بزعامة الاتحاد السوفيتي، بوجه عام. واستمرت السياسة الكونية على أساس وجود قطبَين متوازنَين في القوة، هما القوّتان العظمَيان، أمريكا والاتحاد السوفيتي. وفجأة، تغيرت الأحوال، وبطرق دراماتيكية، بعض الشيء، أحياناً، وانكفأ الاتحاد السوفيتي يعالج مشاكله الداخلية، بعد أن تخلى عن عملية الصراع المستمر وشعارته، وتزحزح عن الموقع المتكافئ مع أمريكا، من الناحية العملية، وإنْ لم يسلم بهذا، حتى الآن، من الناحية الرسمية. وراح يداوي الجراح، التي أصابته جراء المنطلقات والسياسة الخاطئة، اللتَين اتبعهما لفترة طويلة من الزمن، وجراء موجة التغيير، التي أحدثها، ابتداء، والتي بدأت تخرج عن مسارها المرسوم. وأصبح واضحاً للجميع، أن أمريكا، وإلى حين، قد أصبحت في موقع الأرجحية، في السياسة الدولية. وأن هذه الأرجحية، تحتل ثقلها في الاستعداد لممارسة مثل هذا الدور، من جانب أمريكا، أكثر مما يحمله المستقبل من ضمانات لاستمرارها.

    إننا نرى بأن العالم كفيل بسد الفراغ، الذي نشأ عن المتغيرات الأخيرة، وبإيجاد توازن جديد في الساحة الكونية، سواء بما يبلور من قوى جديدة، أو بما يحذفه أو يضيفه من وإلى هذه القوة أو تلك. وأن الأسباب، التي هيأت ظروف ملء الفراغ، وبروز القوّتَين العظمَيَين، أمريكا والاتحاد السوفيتي، بعد الحرب العالمية الثانية، على حساب فرنسا وبريطانيا وألمانيا ـ قادرة على أن تبلور قوى جديدة، نتوقع أن تكون في أوروبا واليابان. وأن أمريكا ستفقد من قوّتها بقدر غياب الشعارات، التي كانت تخيف بها أوروبا واليابان ودول العالم الأخرى، من خلال التلويح المستمر بخطر الاتحاد السوفيتي والشيوعية. وستفقد أمريكا من قوّتها بقدر ما تتراجع فيه قوة الشد، المصطرعة على القمة، بين العملاقَين وأتباعهما.

    غير أننا نرى أن أمريكا، ستبقى قادرة على أن تنفلت خارج ضوابط ما جرت عليه العادة، في المحيط الدولي، في مدى السنوات الخمس القادمة، لحين تكون قوى الموازنة الجديدة. يضاف إلى ذلك ما يثيره التصرف غير المنضبط، وغير المسؤول، من عداء وضغينة، ضدها، من قِبل الغير، إنْ هي أقدمت على حماقات مرفوضة.

    وبما أن المحامي الدولي الأول عن العرب، في ميادين الصراع العربي ـ الصهيوني، وضمن المحافل الدولية، وأعني به الاتحاد السوفيتي، قد غاب عن مكانه، إلى حدّ ما، وإلى حين؛ وبما أن تأثيرات إسرائيل، واللوبي الصهيوني، داخل أمريكا، ما تزال عالية المستوى، على السياسة الأمريكية ـ فعلى العرب أن يضعوا في حساباتهم، أن احتمال أن ترتكب إسرائيل حماقات جديدة، في ظرف السنوات الخمس، التي نوهنا عنها، هو احتمال جدي. وقد يكون ذلك بتشجيع مباشر من جانب أمريكا، أو بمجرد الإيحاء "لإسرائيل" بذلك.

    إن هذا الوجه الذي أشرنا إليه، يقابله وجه آخر، يتصل بما هو إيجابي، وفعال، لصالح العرب. ذلك هو التضامن العربي، الذي سيكون فعالاً، إذا ما رتبت له سياقات عمل متفق عليها، بعد أن يكون العرب قد بلوروا سياسة واضحة، تجاه مفاهيم ومستلزمات الأمن القومي العربي، والسياسة الإقليمية للأمة العربية، تجاه الدول الأجنبية المجاورة، والتعاون المثمر بين العرب، من حيث أسسه واتجاهاته وضماناته، وعلى المستويات، الثقافية والسياسية والاقتصادية، وغيرها.

    إن التصريحات والتصرفات الأمريكية، خلال الفترة الزمنية القليلة المنصرمة، تجاه قضايا الأمن القومي العربي، وتجاه حقوق العرب الفلسطينيين في وطنهم، لا بدّ أن تثير القلق، واليقظة عند العرب، أو يفترض أن يكون الأمر هكذا. ومن بين تلك التصرفات، إطلاق التصريحات المتكررة، من جانب المسؤولين الأمريكان، بأن أساطيل أمريكا في الخليج باقية، ولن تخرج، ودعم هجرة اليهود السوفيت بموجات، لم تشهد مثيلها عقود الزمن الماضية، إلى أرض فلسطين والتي ما كانت لتحصل لمجرد غطاء شعارات حقوق الإنسان، لو لم يضغط الأمريكان على السوفيت، مستغلين ظروفهم الخاصة، ليدخلوا الأمر ضمن اتفاقاتهم الثنائية مع السوفيت. يضاف إلى ذلك الدعم المتزايد للكيان الصهيوني، في ميدان المخزون الإستراتيجي من السلاح، مما أمنته أمريكا لدى إسرائيل في مخازنها، وأجازت لها حق استخدامه، عند الضرورة؛ وتقدير الضرورة سيترك لاجتهاد إسرائيل، مع تطور الزمن، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي "لإسرائيل"، في الميادين الآخرى.

    إننا جميعاً نتذكر، ويتذكر معنا العالم أجمع، الظروف، التي حشدت وزادت فيها أمريكا حشد أساطيلها في الخليج. ومن بين أهم تلك الظروف، أن الحرب كانت مستعرة بين العراق وإيران، وأن العدوانية الإيرانية، امتدت إلى أقطار عربية أخرى في الخليج العربي، وركزت، بوجه خاص، على دولة الكويت الشقيقة. ويومها، وبغض النظر عن وجهات النظر الثابتة، تجاه الأساطيل الأجنبية في مياه العرب الإقليمية، والقواعد الأجنبية على أراضيهم وشرورها على الأمن القومي العربي، كان ذلك الحشد المبالغ في مظهريته مفهوماً بقدر أو بآخر.

    أما الآن، وبعد ما حصل من تطور في السياسة الدولية، وبعد أن توقفت الحرب بين العراق وإيران، وبعد أن توقف العدوان على الكويت من جانب إيران ـ فإن دول الخليج العربي، ومنها العراق، بل والعرب جميعاً، كانوا ينتظرون أن يصرح الأمريكان بما ينهي وجود أساطيلهم. ولو أنهم قالوا بأنهم سيعودون إلى الخليج، إذا ما تكررت الظروف والأسباب، فقد يكون ذلك مفهوماً، هو الآخر. غير أن المسؤولين الأمريكان، يصرحون بما يبقي وجودهم غير محدد بزمن، في مياه الخليج، وربما بعض أراضيه، حاضراً أو مستقبلاً، وحتى إشعار غير معلوم.

    إن هذه السياسة المريبة، تعطي الحق، ابتداءً، في أن يرتاب العرب من سياسة أمريكا ونياتها، تجاه إنهاء الحرب بين العراق وإيران، بصورة رسمية، وفعلية، بما يضيف عامل استقرار فعالاً، تحتاجه المنطقة، إذا ما كان الأمريكان يريدون السلام، حقاً، في المنطقة. والجانب الثاني، هو هجرة اليهود السوفيت إلى الأراضي المحتلة في فلسطين. بماذا عسانا نفسر دعم الأمريكان وإسنادهم لهجرة اليهود إلى الأراضي العربية المحتلة، بغير أن أمريكا لا تريد السلام، كما تدعي وتعلن؟ فلو أنها أرادت السلام، حقيقة، وفعلاً، لما شجعت إسرائيل، والتيارات العدوانية فيها، على مثل هذه السياسات، التي تزيد من قدرة إسرائيل على العدوان والتوسع.

    ثم إننا، كعرب، ومن موقع الصداقة الطويلة مع الاتحاد السوفيتي، ما كنا نتوقع أن يرضخ السوفيت لمثل هذا الضغط الأمريكي، وربما يوصل الأمر إلى هذه النتائج الخطيرة، على العرب وأمنهم القومي.

    وفي مواجهة هذه التحديات، يكون الشعور بالخوف، وليس التحسب، خطيراً بمقدار ما يكون الإهمال لتقويم المستجدات من الأمور، وتحديد الموقف منها، خطيراً، هو الآخر، على مصير العرب وقضاياهم. لذلك، فلا موقع مؤثراً في صفوف الخيرين العرب، للمرتجفين من القول، بأن أمريكا ستكون لها الأرجحية، كدولة عظمى، وما على الآخرين إلا الخضوع. وفي الوقت نفسه، لا مكان مؤثراً، بيننا، لمن يهمل ما قد أضافته التطورات الأخيرة على قوة أمريكا، مما قد يدفعها إلى ارتكاب حماقات ضد مصالح العرب وأمنهم القومي، سواء بصورة مباشرة، أو عن طريق تأجيج وتشجيع صراعات مؤذية للعرب، مهما كان مصدرها. إننا في هذا، لا نقصد المعاداة المسبقة، أو الإثارة المسبقة للرأي العام ضد أمريكا، لمجرد التخمينات لما يحتمل وقوعه، بل نؤكد بأن قصد العرب، هو أن يحل السلام والعدل في العالم، وقصد العرب هو إقامة  صداقة مع من يحترم أسسها ومعناها، سواء كانت أمريكا أو غيرها.

    ومن الطبيعي أن يتعامل العرب تعاملاً واقعياً، مع الوصف الجديد لأمريكا وقوّتها، مما أضاف إليها تخلي الاتحاد السوفيتي عن موقع تأثيره الذي كان عليه. إلا أن على أمريكا أن تحترم العرب وتحترم حقوقهم، وأن لا تتدخل في شؤونهم الداخلية، تحت أي غطاء كان، وأن لا تنسى أن أمة العرب أمة عظيمة، علمت الإنسانية ما لم تعلم. وبغير هذا، لا مجال لصداقة من طرف واحـد، ولا احترام من طرف واحد، ولا مراعاة لمصالح وحقوق كائن، من كان، إلا عندما يكون قادراً على فهم واحترام حقوق ومصالح العرب وكرامتهم واختياراتهم وأمنهم القومي. وفي ما ذكرناه من مسائل حيوية، تتصل بجوهر الأمن القومي العربي، يأتي السؤال طبيعياً وضرورياً، ماذا علينا أن نفعل نحن العرب؟

    من المسائل، التي لا اختلاف عليها، أيها الأخوة، القول بأن الوصف الصحيح لحال ما، ليس هو، بالضرورة، الحل الصحيح لذلك الحال؛ وإنما هو مقدمة، لا بدّ منها، للاهتداء إلى الحل الصحيح. ولذلك، فليس حلاً، في كل الأحوال، تحديد ما هو مرفوض فحسب من الأمور، إنْ كان في سلوكنا أو في سلوك وتفكير الآخرين، ممن يلحقون الضرر بأمننا القومي ومصالحنا القومية والوطنية. ومن المسائل، التي لم يعد هنالك ما يسوغ الاختلاف عليها، القول بأن سياسة العصر، لا يضعها المعنيون الأجانب فيها، على أساس غير أساس المصالح والإستراتيجيات، التي تخدم، بالنتيجة المخمنة مسبقاً، مصالح بلدانهم.

    ولقد كانت الصهيونية، تدرك هذه الحقائق. وكانت تركز، هنا أو هناك، في مجهودها الدولي، طبقاً لذلك الإدراك الدقيق، والمعرفة التي هي أفضل من معرفة العرب. وكان الصهاينة سباقين ومبادرين إلى الميادين، التي يُربِكُون فيها حسابات العرب وتأثيرهم.

    وعلى هذا الأساس، وليس على أساس تطور اتجاهات الرأي العام فحسب، انتقلت الصهيونية، بتركيز خاص على الولايات المتحدة الأمريكية، لتورطها في إستراتيجيتها، بعد أن أدركت، أن مستقبل أهدافها، والعمل المشترك مع الأوروبيين، سيصطدم بعقبات خاصة.

    وقد قبلت أمريكا فكرة التقاء المصالح، والعمل المشترك مع الصهيونية، على أساس النظرة المصلحية، بعد أن احتلت أمريكا المواقع الأوروبية الاستعمارية، كبديل لها، بعد الحرب العالمية الثانية.

    ورغم كل ما عملته أمريكا بالعرب، من سوء، من خلال تحالفها مع الصهيونية، بقي الخوف من الشيوعية والاتحاد السوفيتي، ومن أصدقاء أو حلفاء الاتحاد السوفيتي، من العرب في المنطقة؛ بالإضافة إلى عوامل أخرى ـ بقي هذا يحول دون أن يتخذ العرب مواقف مؤثرة تجاه السياسة الأمريكية، عدا استثناءات محددة. وصارت مواقفهم محكومة بمجرد الرفض غير المؤثر، أو المجاراة والسكوت غير المؤثرين. وصارت أمريكا لا تعبأ، جدياً، بمواقف العرب. وإذا كان لدى أمريكا خطوط حمر معروفة، لا تتجاوزها، تجاه مصالح الأمم الأخرى، ممن تتعامل معها تعاملاً سلمياً، فليس في سياستها، حتى الآن، أية خطوط حمر، تنبه أصحاب الأمر في أمريكا على عدم تجاوزها، تجاه مصالح العرب.

    إن تحقيق التضامن العربي، على قاعدة المصالح القومية الأساسية، وتحديد مصالح العرب، بصورة صحيحة؛ وتحديد ما يهدد أمنهم واستقرارهم، على وجه دقيق، وواضح، والتعامل على هذا الأساس، من موقع الاقتدار والصراحة، والتضامن مع أمريكا، وغير أمريكا من البلدان عامة ـ يحول دون التمادي في إيذاء الأمة العربية وتهديدها. وقد يشكل هذا قاعدة واقعية لإقامة علاقات عربية مع أمريكا، أو غيرها، قائمة على الأسس والمبادئ، التي ذكرتها، وهي الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام متطلبات الأمن القومي العربي، والمصالح المشتركة، على قاعدة مشروعة ومتفاهم عليها.

أيها الإخوة

    لقد اعتادت الصهيونية، وكيانها إسرائيل، على أن تبادر في ميادين وشؤون، يغفل عنها العرب. واعتاد العرب أن يهبوا، أحياناً، هبة واحدة، سرعان ما تخفت، ويتلاشى تأثيرها، لمواجهة الهجوم الصهيوني، السياسي أو الإعلامي، أو غير ذلك، بهجوم مضاد، غير مكتمل الاستحضارات، في ذلك الميدان، الذي اختارته الصهيونية، وبادرت في اختياره، وأعدت له مستلزمات العمل المؤثر، عبر زمن طويل. ولذلك، غالباً ما يأتي موقف العرب المقابل، لفظياً، أو غير مؤثر جدياً، حتى ولو وقع جانب منه موقع الفعل الحقيقي.

    في السياسة، كما في الحرب، علمتنا ظروف المسؤولية والتجارب، بأن الهجوم المقابل، لا ينبغي أن يكون، بالضرورة، على ذات المحور، الذي اختاره العدو، دائماً، خاصة إذا ما كانت المنازلة، تمتد إلى زمن طويل، والاختيار في جبهتها ممكناً على محور، أو محاور أخرى، وعلى مكان أو أمكنة، غير التي هجم منها العدو، وأعد لها مستلزمات المواجَهة، وتحسب لردود أفعال العرب تجاهها. وقد يكفي، في حالة كهذه، أن نشاغل العدو على المحور الذي اختاره للهجوم علينا، ونهجم عليه من محور آخر، غير هذا، إذا ما كانت النتائج، التي نتوخى تحقيقها، ممكنة على المحاور الأخرى. وعلى أساس هذا التقدير، فقد لا يكون الهجوم المباشر على الخطط والوسائل المؤذية، التي تستخدمها أمريكا، وتستخدمها الصهيونية ضد العرب، في ميدان ما، بإستخدام كل طاقاتنا، مرة واحدة، بما يشغلنا عن الميادين الأخرى ـ هو الحل الصحيح، دائماً.

    إن الكبير لا يصبح كبيراً، والعظيم لا يصبح بمثل هذا الوصف، إلا عندما يكون في ساحة المقارنة أو المنازلة، من هو بمستوى آخر من الوصف. والدول العظمى، لم تصبح بمثل هذا الوصف، إلا عندما وجدت على الكرة الأرضية، ومن حول تلك الدول العظمى، دول صغرى، وأخرى متوسطة، بل وإن العظمى، لا تصبح عظمى، إلا عندما يكون لها نفوذ مؤثر في الدول، الصغرى والمتوسطة. وعليه، فإن من بين وسائل إضعاف السياسات المعادية، والنفوذ المؤذي لمن يؤذينا، العمل على إضعاف قوة من يؤذينا، خارج أرضه الوطنية، أو داخل أرضه الوطنية. وطبقاً لهذا؛ ولأن المصلحة هي الأساس في سياسة الاتحاد السوفيتي الجديدة، وفي سياسة دول أوروبا الشرقية، مثلما كانت، دائماً، هي الأساس في سياسة الدول الأخرى ـ فالواجب يقتضي أن نتساءل ونجيب، بدقة، كيف نقترب من هذه الدول، لنضعف تأثير أعدائنا عليها؟ أو كيف نستطيع الاستفادة من قوّتنا المشتركة، المالية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، وغيرها، لتحقيق نتائج أفضل؟ لقد ثبت أن العرب قادرون على التأثير، عندما يقررون ما يقررونه لأغراض التطبيق الفعلي، ولدينا أكثر من دليل على عظم تأثيرهم، وعلى سبيل المثال القرار المشترك، الذي اتخذه العراق والسعودية، في 6/8/1980م، والتحذير الذي أطلقاه معاً بضرورة الامتناع عن نقل السفارات إلى القدس، والذي كان من نتائجه المباشرة، بمدى أقلّ من شهر، الذي هو مدة الإنذار، لا امتناع الدول المعنية عن نقل السفارات إلى القدس فحسب؛ وإنما عودة السفارات، التي كانت قد انتقلت إليها، من فترة طويلة، آنذاك، إلى تل أبيب.

    إن بقاء أمريكا في الخليج، هو لأن الخليج أصبح، بموجب تطور السياسة الدولية، وتطور احتمالات سوق البترول، والحاجة المتزايدة إليه، من قبل الأمريكان والأوروبيين واليابان ودول أوروبا الشرقية، وربما الاتحاد السوفياتي ـ هو البقعة الأكثر أهمية في المنطقة، وقد يكون البقعة الأكثر أهمية في العالم. وإن الدولة، التي سيكون لها التأثير الأكبر في المنطقة، من خلال الخليج العربي وبتروله، ستحافظ على تفوّقها، كدولة عظمى، بلا منازع يكافئها في قدراتها. وهذا يعني أن منطقة الخليج العربي، إن لم ينتبه أبناء الخليج، ومعهم كل العرب، ستصبح محكومة بالإرادة الأمريكية. وربما يتطور الأمر، إذا ما حصلت الغفلة، واستمر الضعف في موقعه، إلى الحد الذي تسعي فيه أمريكا إلى تحديد كمية ما ينتج، من بترول وغاز، في كل دولة، والكمية التي تباع إلى هذه أو تلك من دول العالم، وتحديد أسعاره، طبقاً لنظرة خاصة، تتصل بالمصالح الأمريكية، وتغفل فيها مصالح الآخرين. وإذا كان هذا الاحتمال ممكناً، ومقنعاً، فعلى من يقتنع به أن يستنتج، بأن السلام بعيد في الشرق الأوسط، من وجهة النظر الأمريكية وموقفها؛ ذلك لأن الإستراتيجية الأمريكية تحتاج، وطبقاً لهذا التشخيص، إلى إسرائيل عدوانية، وليست مسالمة.

    وقد يكون السلام بعيداً، بين العراق وإيران، ما لم تتجاوب إيران، بوعي ومسؤولية، مع مبادرات السلام، التي يطرحها العراق. وقد تشهد المنطقة حروباً عربية ـ عربية، وحروباً بين العرب وبعض جيرانهم، من النوع "المسيطر عليه"، ما لم تتحقق نتائج ملموسة من شعارات عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم استخدام القوة العسكرية في العلاقات العربية، والاتفاق على برامج واضحة، وواسعة، للتعاون القومي العربي بين الأقطار العربية، في المجالات، الاقتصادية والسياسية والثقافية، وغيرها؛ ويحل الاطمئنان والمحبة محل الريبة والهواجس والظنون، والانصياع لمعلومات وتخمينات بائعي المعلومات المفبركة، من المغرضين الغربيين، وبعض العرب، من مقطوعي الجذور.

أيها الإخوة.

    إن الجسم الكبير، يخزن ضعفه في كبر حجمه. وإن أي قوي، لا بدّ أن ينطوي على ما يصلح كمدخل لإضعافه. ولذلك، وبغض النظر عن موقفنا المعروف تجاه الإرهاب والإرهابيين، فقد وجدنا أن أمريكا، الدولة العظمى وفق ما وصفنا، قد رحلت من لبنان، بمجرد أن قتل لها بعض أفراد بحْريتها، ممن يعدون من أبرز عناوين عنجهيتها. وكادت إدارتها كلها، تصبح محل تساؤل، لو استمرت مشاغلة قواتها، التي احتلت بنما، من قبل قوات الجيش البنمي. لقد غلبت أمريكا في بعض ساحات المنازلة، رغم كل ما تملكه من قوة، وظهر عليها الوهن والإحباط والتردد، عندما اعتدت على حقوق الشعوب، وانطلقت من العنجهية والهيمنة. وهذه هي النتيجة الطبيعية، لمن يعتدي على حقوق الشعوب. كما أن إسرائيل، التي كان يقال عنها بأنها الدولة التي لا تغلب، غلبت من قِبل بعض العرب، وكانت مقاومة الميليشيات، الفلسطينية واللبنانية، لاحتلالها للبنان، عام 1982. وكذلك، وقبل هذا التاريخ، عند عبور الجيش المصري البطل قناة السويس، في 1973. كانت هذه الامثلة أقسى، في وقعها، النفسي والفعلي، من كل التهديدات العربية. كما كان التلويح باستخدام البترول العربي في السياسة، عام 1973، إبان حرب أكتوبر، أمضى من كل المحاولات السياسية، التي احتجت أو استجدت على أبواب مقرات القرارالأمريكي. وإن الحجارة في فلسطين المحتلة، تحولت، اليوم، إلى رصاصة فاعلة، بل وقد تكون قاتلة، إذا ما توافرت لها شروط إضافية، وهي خير برهان على ما هو ممكن، ويرفع الرأس، بالعز، عالياً.

    ومثلما تستخدم إسرائيل أصحاب المصالح، ليضغطوا على الإدارة الأمريكية، فإن مئات المليارات، المستثمرة من قِبل العرب، في أمريكا والغرب، يمكن استخدامها لهذا الغرض، بل يمكن، على سبيل المثال، تحويل استثمار نقل منها إلى الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، وهو استثمار مربح، وقد يكون أكثر ربحاً من الاستثمار في الغرب، الذي أصبح مشبعاً بموارده الوطنية، أقول ممكن بهذا أن يحقق الأمر مصالح لا حصر لها للعرب ولقضاياهم القومية.

    إن ما يؤشر عليه من ضعف فينا ـ نحن العرب ـ يكمن لا في خواصنا، الوراثية أو الفكرية؛ فقد ثبت في تجارب العصر الحديث، بأن خواصنا هذه خواص جيدة، ومتميزة، مثلما كان تاريخ أمتنا، على مر العصور الماضية، يؤكد هذا. إن ما هو مؤشر من ضعف فينا ـ نحن العرب ـ إنما يكمن في عدم الثقة في ما بيننا، وعدم التركيز على عناصر قوّتنا والبناء عليها، وعدم التركيز على عناصر ضعفنا لإصلاحها. فليكن شعارنا (كلنا أقوياء في وحدتنا، وكلنا ضعفاء في فرقتنا). وعند ذلك، سنرى كيف يصل الجميع شاطئ السلامة ـ إن شاء الله ـ لنمضي معاً في طريق الاستقرار والازدهار، الذي يسعد شعبنا ويسعدنا. كما سنرى كيف سيتصاغر الطاغوت، حيثما كان، ويبتعد شر الأشرار عن وطننا، وعن أمتنا. إننا ماضون بعزم وثبات ـ إن شاء الله ـ معاً، لبلوغ هذا المنهج، بتعاون أخوي، يصلح قدوة مع ما يقتدى به في طريق العمل العربي المشترك، والتعاون الأخوي المتطور دوماً. وإلى الأمام.

أيها الإخوة، قادة دول مجلس التعاون العربي.

أيها الإخوة الحضور.

    هذه أفكار وتصورات، نضعها على طاولة الحوار الأخوي، في سياق تبادل الرأي والخبرة والمعرفة بيننا، في كل ما يعني أقطارنا وأمتنا العربية. والله يوفقنا في ما فيه الخير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها الإخوة.