إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





وثيقة

وثيقة

حديث الرئيس العراقي، صدام حسين

أمام قادة وضباط القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية

يوم الإثنين، الثاني من أبريل 1990

في مناسبة تقليده بعض كبار القادة والضباط الأوسمة والنياشين

والذي هدد فيه بحرق نصف إسرائيل

    الحمد لله، لسلامة العراق. أصبحت الأمة، الآن، وفي هذه المرحلة، بحالة جديدة، ولو لم تتحقق هذه الحالة، أو لو كان الحال عكس هذه النتيجة، لكانت الأمور بحالة سيئة جداً. ومن شدة سوئها المتصور، لا نستطيع أن نفترضها، ولا نستطيع أن نرسم لها صورة.

    وكان العمود الأساسي في هذا المجد، وفي مقدمة الناس الذين بنوا العمود الأساسي لهذا المجد، هم الشهداء، الأكرم منّا جميعاً. ونقول، أيضاً، إن موقف الرجال، الذين كانوا مشروعاً للاستشهاد، في النتائج، هو مثل موقف الشهداء؛ لأن الله I عندما جنبهم الشهادة، فإنه، بحكمته وإرادته، يقصد شيئاً حتماً، مثلما بحكمتة وإرداته، جعل البعض يستشهد. ولكن هل انتهت محاولات الأعداء، عندما تحقق النصر؟ لقد انكسر العمود الوسطي للمؤامرة. وهذا أكيد. لأنه لا تحصل أكبر من هذه المؤامرة. وهذا الأمر، أستطيع أن أقوله أمام العراقيين. وكسروا عمودها الوسطي، لا في وقتنا، ولا من بعدنا. وهي أكبر مؤامرة في التاريخ الحديث، ]وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً[. ومع ذلك، فإن رمي النيران على العراق، وعلى الأمة العربية، لن ينتهي.

    في السابق، كانوا يحاولون أن يبعدوا العراقيين عن مسار النور. ولكنهم أدركوا، الآن، أن العراقيين، قد أمسكوا بناصية مسار النور، وقطعوا شوطاً عليه. والمحاولات، الآن، مثلما تصطلحون عليها في التعبير العسكري، هي محاولات تعويق. وهم يراهنون على الزمن، مثلما راهن اللاعبون الأصليون من خارج المنطقة، في المؤامرة الكبرى، من قبْل، في حرب الثماني سنوات، وفشلوا؛ إذ كانوا يراهنون على الزمن، وكان الزمن من جملة الأمور، التي أوهموا بها بعض الإيرانيين، وأوقعوهم، بسببها، في الخطأ، حتى جعلوا البلدَين يدفعان الثمن. العراق يدفع تضحيات، والإيرانيون يخسرون. ومنذ المحاولات الأولى، ومنذ البداية، عندما حاولوا أن يجسوا النبض، وعندما حاولوا أن يضربوا، اصطدموا بالمواجهة التي يعرفونها.

    كان واضحاً لديهم، ويُفترض أن يكون واضحاً، أن الزمن، الذي يقصدونه في المراهنة، ليس زمن هذا العصر؛ فالزمن الذي يبنون عليه أحكاماً مسبَّقة، ويتمنون، خلاله، تحقيق نتائج معيَّنة، يتمنونها لصالحهم، وعلى حساب أمة العرب، وشعب العراق ـ لا يلائم هذا العصر، ولا يحصل فيه. ولو أدركوا هذا، لجنّبوا أنفسهم، وبلدهم وشعبهم، مآسي كثيرة، وجنّبوا بلدنا، وشعبنا، تضحيات كثيرة. ولكن الله I أراد أن يحصل الذي حصل. أقول إن "زت المشاهيب" (رمي المشاهيب)، مثلما يسمونها في الريف، ورمي "مشاهيب النيران" على العراق، لم ينته، ولكن كان اللاعبون الأساسيون في السباق، أثناء الحرب، يلعبون عن طريق إيران. والآن، وبعد النتيجة الكبرى، التي حصلت، رأوا أنه ليس أمامهم إلاّ أن يلعبوا اللعبة "بلحيتهم"، كما يقال في الريف، أو بأنفسهم. فأصبح الكبار هم الذين يلعبون اللعبة مباشرة، بعد أن لاحظوا، أن العراقيين، ثبتوا الشوط على مسار النور، باتجاه الذرى المرسومة في عقولهم؛ والذرى هي حياة السعادة للشعب العراقي، حياة الازدهار، وأن يكون العراق سنداً قوياً للأمة العربية، دفاعاً عن حقوقها وعن أمنها، وعن مقدساتها. وهذا واجب نحن مكلَّفون به، مثلما يكلَّف من يحمل سيف القادسية، ويؤدي اليمين الذي سمعتموه، تجاه واجبه، الوطني والقومي. أي بمعنى أن علينا واجب أن نحمي العراق. ويجب أن نحميه، بلا منَّة، وحتى من دون نخوة، تذكرنا بأن من واجبنا أن نحمي العراق. وأيضاً، لا يحتاج هذا الواجب إلى نخوة، بحكم طبيعة المراحل التي نعيشها، والمبادئ التي نؤمن بها. لنستذكر أننا مكلَّفون، أيضاً، بأن نقوم بواجبنا هذا، عندما يقع عدوان من أجنبي على أي عربي، أينما يكن، من المشرق إلى المغرب. وعندما نكون قادرين، والعربي يسمح لنا بأن نكون جزءاً منه، لندافع عن حقه تجاه أجنبي محتل مغتصب، من واجبنا، أيضاً، أن نقوم بهذا. فهل في أدائنا هذا الواجب أمر غريب؟ وهل نحن في هذا معتدون على أحد؟ لا. لم نعتد في هذا على أحد. فهذا هو بلدنا، وخريطة العراق معروفة. كما أنه لا يجب أن يعتدي أحد من الأجانب على الوطن العربي. إننا لم نحمل راية التحدي، ولا نتحدى أحداً. ولكن، عندما يريد أحد أن يتحدانا، سيجدنا أصلب من الماس. فنحن شفافون وناعمون، ولكن بصلابة الماس، أيضـاً، و لا يستطيع سن كائن، من كان، أن يمضغنا، ولسنا هينين. ولا أق صد بنحن المتكلم. لأنه ربما هناك كثيرون منكم أقوى منه، ولديهم صلابة على الحق. ولا أقول إن فيهم صلابة أقوى من صلابته، لأنه ربما لا أكون دقيقاً في هذا القول. ولكن أقول كلنا باتجاه واحد في الصلابة، دفاعاً عن الحق. فبينكم شباب كثر ـ ما شاء الله ـ وحتماً أن قسماً منكم أقوى مني، وأقوى من أبي مثنّى (يقصد وزير الدفاع، زمنذاك، الفريق الأول الركن، عبدالجبار شنشل). ولكن، في القتال، كل واحد يقاتل. وفي القتال، لا يحتاج الكل إلى قوة عضلات، بل يحتاج إلى قوة قلب، أولاً. والله يعاون في البقية. أليس كذلك يا لطيف؟ (يقصد وزير الثقافة والإعلام، زمنذاك، لطيف نصيف جاسم).

    أقصد، أننا لم نعتد على أحد، ولا نعتدي. ولكن، الكل ينظر إلى حدود العراق، وهي مرسومة. "والدبور" الذي يتقدم عليها أو إذا حاول أن يعتدي على العراق، نقطع ذنبه من الوراء، ونقطع رأسه من الأمام، ونترك وسطه فقط. وإذا حصل عدوان على عربي، وانتخانا هذا العربي، من بعيد، فإننا سننتخي له، ولن نقصّر بما نستطيعه ـ إن شاء الله ـ.

    وإذا ما أرادوا أن يسجلوا هذا الموقف على العراق، ليسجلوه الآن. فلم نُخلق نحن بصورة تختلف من غيرنا. أم إنهم يعتقدون، أن العربي خُلق من أجل أن تدوسه الناس؟ ما هذا الجور، وما هذا الظلم، وعدم مخافة الله؟ طيب. من هم أهل الرايات، إذاً، غير العرب والعراقيين، إذا ما أراد كائن، من كان، التحدي؟ وهل أصبح العراقيون، اليوم، فحسب، وفي هذا الوقت فحسب، يدافعون عن حدودهم وعن أرضهم، حتى يكون هذا الدفاع موضع استغراب من البعض؟ لماذا يستغرب الأمريكان والإنجليز أن يدافع العراقيون عن وطنهم وينتصروا؟ ولماذا يستكثرونه على العراقيين؟ لماذا كل هذا؟

    ندما وقع الظلم، وانطفأت عين بغداد، عام 1258م، وضُرب العراقيون على رؤوسهم، وذهب المجد منهم، فإن هذا الواقع لا يُعبّرَ عن حقيقة حالهم، وإنما هو الظرف الطارئ في حالهم. ولكن، لينظروا قبْل هذا الوقت، وليروا بغداد، عندما كانت مركز الإشعاع الأول في العالم، في وقت كانوا هم يعيشون في الكهوف. وكان بعضهم عصابات (دايحه) أو منفلتة من كل الأرض، تغزو أمريكا، وابتداءً، بدأوا بمجموعة أناس قتلة، وتجمعوا في أمريكا. أما اليوم، نعم، إن أمريكا دولة عظمى، بالمقاييس المادية، ولكنها ليست عظمى، بالمقاييس، المعنوية الأخلاقية. فالعظيم بأخلاقه. وأمريكا تصبح دولة عظمى، وتدخل القلوب والعقول، عندما تتصرف تصرفاً أخلاقياً، وحقوقياً، صحيحاً. وتعد الدولة (س) دولة كبرى بوزنها الأخلاقي، أي برعايتها لحقوق الناس والأمم والشعوب، ودفاعها عن مبادئ القانون الدولي، ودفاعها عن كل القضايا؛ وليس عن قضايا مختارة ومنتخبة بعينها.

    بما يتصورون، أن صدام حسين منزعج من هذا الإعلام. ولكنني غير منزعج، وهادئ جداً، ومرتاح جداً، إنما أريد أن أقول لهم ما هو الصحيح، وما هو الخطأ. لأن هذه الدول، اعتادت، ويبدو أنها معتادة، في أن الذين يقولون لها الصحيح والخطأ، في العالم، قليلون. إن صِغَر دولة وكبرهـا، لا يقاسان بمساحاتها وعدد سكانها وإمكاناتها المادية، من وجهة نظرنا نحن ـ العراقيين ـ وربما يستصغروننا، لأننا شعب من 17 مليوناً. ولكن ورغم أننا شعب من 17 مليوناً، ومساحة أرضنا قليلة، فإن عليهم أن لا يستقللوا رجالنا، لأن رجالنا كثر. وإذا ما نظر أحد إلى هذا الجمع الخيّر ـ ماشاء الله ـ سيرى الصدور مليئة بالأنواط والأوسمة والسيوف، وعندها سيعرف أي تضحية قدم العراقيون من أجل الوطن والكرامة والحميَّة والمستقبل.

    البارحة، كنت أتحدث مع وزير الزراعة، وأعدت الكلام مع المحافظين، عندما أدوا قسم الشرف للمهنة. قلت لهم، إن الضعف والقوة، يقاسان لدينا بأمرَين، وهو مقياسنا الأساسي، الحق والباطل. نحن نخاف من الله، ومن شعبنا. إن الخوف من الله معروف، لأننا أناس وبلد وشعب مؤمن. ونخاف من شعبنا، عندما نزلُّ عن الطريق الذي لا يرضاه. أي بمعنى، أننا نرصد مسارنا حتى لا يزلَّ أحد منّا عن الطريق، ويزعل شعبنا علينا، بسبب ذلك. وبما أن شعبنا غال علينا، فإن الخوف الذي أعنيه، ليس فينـا، وإنمـا إنساني تضامنـي، لأننا نحب شعبنا، ونتجنب أن يزعل من ما نقوم به. كما أننا لا نريده أن يزعل. وباستثناء هذَين الأمرَين، لا يوجد ما يمكن أن نسميه خوفاً.

    لدينا الاستعداد لنحمل شعبنا على أكتافنا؛ فحالنا معه حال الابن الصالح، وهو يحمل أباه وأمه عندما يتقدمان في العمر، ولا يستطيعان الانتقال من مكان إلى آخر. نحمله على أكتافنا، ونسير به، من دون أن نشعر بثقله، حتى لا يأتي يوم، نحمل فيه الأجنبي على أكتافنا. فمن لا يحمل شعبه على أكتافه، سيحمل الأجنبي بدلاً منه. إن حملنا لشعبنا، ليس استعداداً فنياً، وإنما هو استعداد وطني إنساني، ينطلق من مفهوم عميق لواجبات المناضل. وإذا ما أراد أحد أن يحمله، بالجانب الفني، فإنه سيراه ثقيلاً، في مدة من الزمن، وسينزله إلى الأرض، في المرة القادمة، ويتركه يسير، لوحده، في المرة الثالثة.

    لقد اعتدنا على واجب حمل الشعب على أكتافنا، منذ زمن. وتربينا عليه، منذ أن كنّا طلاباً في الثانوية، وسلكنا هذا الطريق.

    ذا كان شعبنا مرتاحاً، ونحن لم نتعارض مع الحق، ومع الموقف الإنساني العالمي، فلماذا نخاف؟

    إذا ما واجهتنا، بالباطل، أكبر قوة في الأرض، فسنقاتلها بالمرأة العجوز في ناحية الهندية. نقاتلها (بعجوز) الهندية، التي عمرها مائة سنة، وتقول لصدام حسين: لا تخف. وتقول لصدام. نحن ذراعك الأيمن. ألم تشاهدوها في التليفزيون؟ إن عمرها مائة سنة! وبهذه الثقة، تجعل المرء يتقدم إلى النار. ولا يتردد عندما يقتضي الواجب ذلك. عمرها مائة سنة، وتقول لصدام حسين: لا تخف من أحد، نحن ذراعك الأيمن.

    فعلاً، إنْ شاء الله ـ نخاف، طالما نحن على حق. إننا لا نخاف إلا الله، لأن شعبنا معنا، على حق.

    لم كل هذا الانزعاج؟ ألم يكن باستطاعة (اللاعبين الكبار)، أن يوقفوا الحرب، التي استمرت ثماني سنوات؟ ألم نكن نعرف، أنهم يوقفون الحرب، التي يريدون إيقافها، بأسابيع وبأيام؟ ولكنهم يتركون العراق وإيران، يتقاتلان ثماني سنوات. ويجري القتال على فوهة البئر، التي يوجد فيها 65% من احتياطي النفط العالمي. ورغم ذلك، على فوهة البئر هذه، يجري القتال وتراشق المدافع. وهم، كما يقال بالإنجليزية (No Problem) أي لا توجد مشكلة. هؤلاء جماعة (No Problem) ثماني سنوات ينظرون إلينا، وهم مرتاحون، ويبيعون أسلحة لدول المنطقة. ويخفِّضون سعر النفط، في السنوات الثماني، إلى أن بلغ سبعة دولارات فقط. ويخفِّضون الدولار على أهل النفط، لكي يخفضوا عوائدهم منه ثلث القيمة. وظلوا (يلعبون) هذا (اللعب) لثماني سنوات، بينما كان على العراقيين، أن يقاتلوا في سبيل حقهم. أو يعطوا العراق. وتآمروا على العراق فأعطوا الفاو للإيرانيين عام 86، وهم يعرفون أننا نموت، ولا نحتمل أن نرى المحتل. لقد تآمروا في عام 1986 ودبّروا موضوع الفاو.

    للاعبون الكبار دخلوا، الآن، الساحة، بطولهم وعرضهم. ونحن لا نخافهم. إذ إننا لا نخاف أحداً، على الحق. وعندما أقول عدا الله، فإني أعرف أن الله مع الحق. فإذا أراد أولئك اللاعبون الكبار، أن يحتلوا العراق. فليجربوا حظهم. أقول من يريد أن يجرب ليحتل العراق، فليتقدم. هذه هي الموانئ في جنوب العراق، ودعه يتقدم إلى هناك. والعون عليه من الله.

وقال الرئيس (مازحاً):

    أما إذا كانوا يريدون أن لا نلبس الملابس المدنية. حسناً، إننا نجعل شعبنا يلبس أحسن الملابس. ولكن الخاكي[1] علينا جميل، وطيب، وحسن. فلا بأس أن نلبسه نحن، إلى أن يكتب الله ما يشاء. وليست هناك مشكلة في أن لا نلبس الملابس المدنية. لكن شعبنا يلبس الملابس المدنية، وهو مرتاح، وبلدنا محمي ـ بعون الله ـ.

    لماذا هم منزعجون؟ منذ خمس أو ست سنوات، وعناصر المخابرات، الإسرائيلية والأمريكية والإنجليزية، يحملون (اليورانيوم المخصَّب) بحقائب. ويأتي، كل يوم، واحد إلينا يعرض. ألا تريدون يورانيوم مخصباً، لعمل قنبلة ذرية؟ ونقول له: اتركنا وابعد عنا شرَّك. خذ حقيبتك واذهب. إننا لسنا بحاجة إلى قنبلة ذرية. لدينا الكيماوي المزدوج. وليسجلوا هذا الإعلان. لدينا الكيماوي المزدوج، وهو موجود حسب معلوماتنا لدى أمريكا والاتحاد السوفياتي فقط. ولا أعرف إنْ كانت معلومات حسين (يقصد حسين كامل، وزير الصناعة والتصنيع العسكري، زمنذاك) تشير إلى أنه موجود عند آخرين عداهما. إن هذا المزدوج موجود لدى العراق. فلماذا القنبلة الذرية؟ ومن يهددنا بالقنبلة الذرية. نقول له "نُهلكك" بالمزدوج. وهو موجود لدى الدولتَين العظمَيَين. ولحد الآن، لم يتفقا على ترتيب خاص له بينهما، ولم يتفقا على نزعه. وهو موجود في العراق. ولمعلومات العراقيين، كان هذا السلاح موجوداً في أواخر الحرب. في آخر سنة من الحرب، كان موجوداً. ومع ذلك، لم نستخدمه ضد الإيرانيين. لم نستخدمه ضدهم، لأننا نرى أن الأسلحة التي كانت موجودة عندنا، تكفي، وقد مكننا الله I عن طريق تلك الأسلحة، وبعون منه، وبهمة الغيارى، من تحرير أرضنا. ثم ألا تعرف الدول الكبرى، أن المكثفات، التي قيمتها 10.500 دولار، لا تصنع القنبلة الذرية؟ ألا يعرفون الحقائق؟ ألا يستحون على "شيباتهم"؟ ألا تستحي تاتشر على "شيباتها"؟ ألا يستحي الآخرون والأمريكان على "شيباتهم" عندما قالوا إنه عقد مكثفات بـ (10.500) دولار، مع أن استخدامها معروف وأغراضها معروفة؟ وهم جعلوها "قداحات" لقنبلة نووية. كيف أصبح العراق يمتلك قنبلة نووية، وأنتم لا تعرفون؟

    ألستم تقولون إنه لا يوجد شيء في العالم لا تعرفونه؟ لاحظوا الإنزعاج. ومثلما قلت لكم، هذه هي السنة الرابعة أو الخامسة، وبعض العروض قُدمت لنا، قبل الحرب، أكثر من الآن. تقول إن لدينا يورانيوم، ألا تشترونه؟ ونحن نقول لهم، لا نريد اليورانيوم، وماذا نفعل به؟ إن المخابرات، الإنجليزية والأمريكية والصهيونية، ترسل هؤلاء. حتى يقولوا، إن العراق يصنع القنبلة النووية، بدليل كذا، وكيت. وهذه سياسة توريط، لأن البلد في حالة حرب، فعندما يأتي أحد، يعرض عليه مثل هذا العرض، وأحدهم قال: لدينا قنبلة نووية، إذا أردتم شراءها. أقول عندما يكون البلد في حالة حرب، وأرضه محتلة والقنابل النووية موجودة في العالم. وهي غير محرَّمة؛ إذ إنها موجودة في العالم. موجودة لدى الأمريكان والسوفيت وغيرهما. وجاء من يقول: لدي قنبلة نووية، أريد أن أبيعها لك. فلو عُرض هذا على غير العراقيين، لقيل له أعطني هذه القنبلة النووية، ما دمت تحملها في الحقائب وتدور بها. لكن العراقيين عقلاء، ومتوازنون، ويقدرون المسؤولية.

    إنها سياسة التوريط. ولكن هل هذه هي السياسة الصحيحة، التي تُختبر بها النوايا المقابلة؟

    إن هذه السياسة تشبه سياسة بعض الشباب، من بعض الأجهزة الأمنية، ممن لا يحسنون التصرف في أحد الأجهزة الأمنية. وفي بداية الثورة، حيث كان أحدهم يرسل عنصراً من عناصره، كمواطن عادي إلى أناس مشكوك بهم، ويقول لهم ألا تنضمون إلى الجهة الفلانية المعادية؟ وعندما سمعت بالأمر، قلت لمسؤول ذلك الجهاز: كيف تفعل هذا؟ أليس الصحيح، أن نتحدث مع من يغريه العمل المضاد، كلاماً طيباً، حتى يترك هذا المسار، من دون أن نشعره بأننا نعرف به، بدل أن نورطه؟

    فهل هذا هو شرف مسؤولية الدولة العظمى، في أن تستخدم أسلوب التوريط، حتى تقول إن الطرف المقابل يريد هذا؟ والحمد لله ـ رغم أسلوب التوريط، لم تغرنا عروضهم الملغومة. وغداً، ستقرأون التفاصيل، في تصريح خاص عن وزارة الخارجية، كيف حاولوا وحاولوا وحاولوا، ومع ذلك فشلوا في توريط العراق. وكيف أن الموضوع، الذي يثيرون حوله ضجة، عبارة عن شراء مكثفات من السوق المحلية الأمريكية، وسعر كل العدد (10.500) دولار، وسعر المفرد منها مائة دولار. والحمد لله ـ لم يجدوا علينا شيئاً، عدا هذه المسألة. التي سعر الواحدة منها (100) دولار، ويقولون عنها إنها ستصنع القنبلة الذرية.

    لاحظوا، مرة جعلوا من بازوفت (طنطل)، مثلما قال أحد البغداديين. جيد، والله، إذاً، شعار حقوق الإنسان الجديد، الذي تطلقه الدول العظمى، هو حماية الجواسيس، فلعن الله الدول العظمى، التي تسيء للعراق وللأمة. والجاسوس الذي يمر بالعراق، سنقطعه إرباً، وليسمع من يسمع، ممن لديه جواسيس في هذا البلد، ليرحلّهم منه. هذا البلد للعراقيين وللعرب، ولمن يدخل العراق مسالماً صديقاً، سواء كان أمريكياً أو فرنسياً أو ألمانياً أو سوفيتياً. إذا دخل العراق بأمان، فمرحباً به، وسوف يجد كل أبواب العراق مفتوحة أمامه. ولكن إذا دخل جاسوساً على العراق، وتصور أن وراءه دولة كبرى، ففي العراق لا توجد دولة كبرى؛ إنما توجد فيه القياسات الوطنية العراقية. والدولة الكبرى على العين والرأس، عندما تكون على الحق. وهي أصغر من النملة، عندما تكون على الباطل. وهذا هو قانوننا، وخُلقنا هكذا. وإذا أرادوا أن يقبَلونا على هذا الوضع، فنحن أصدقاء لهم. وإذا حاولوا معنا بطريق آخر، فنرجو أن لا يتعبوا أنفسهم، لأنهم بذلك يضيعون وقتهم، و"نتفاشل معهم"، دون أية نتيجة.

    لقد صمدنا ثماني سنوات، ليس بكل العراقيين، وقد جاء أكراد العراق، الآن، أيضاً. وكان الخيرون، الذين يقاتلون منهم، ليسوا كل أكراد العراق. أما الآن، فكلهم يقاتلون، كل أكراد العراق يقاتلون، من أقصى كردستان إلى أقصاها، كلهم يقاتلون، مثلكم، دفاعاً عن العراق.

أيها الحاضرون اجتماعنا هذا.

    أنا مطمئن لذلك، لأنهم اكتشفوا مقادر الخلل، الذي كان يجب أن يكتشف، واكتشفوا المنهج الصحيح، لأن يكونوا حالة واحدة، وأن يكون ابن العمارة وابن السليمانية حالة واحدة، وابن أربيل وابن الأنبار حالة واحدة، والعراق عراق الجميع.

    إذاً، انظروا، إنهم عندما رأوا أن اللاعبين الصغار، لم يخرجوا بنتيجة، ظهر اللاعبون الكبار، بنفس ملامحهم وبحالهم وبـ "شيبتهم".

    إننا نريد أن نكون أصدقاء للجميع، بلا استثناء، لمن يصادقونا. أمّا من يحاول أن يعادينا، فسوف لن نكون أسفين على عدم صداقته، مهما يكن عنوانه. وسوف يكتشف الإيرانيون حقائق كثيرة ـ إنْ شاء الله ـ وقد اكتشفوا، الآن، الحقائق المرّة، وسوف يكتشفون حقائق أكثر، حول مدى ما لُعب بهم في هذه الحرب، ومدى ما تأخرت عليهم فرص لشعبهم وللحياة. وليس في السلام ثمن باهظ، وإنما ثمن السلام هو نية السلام؛ ذلك أن من تتوافر لديه نية السلام، فإنه يصل إلى السلام، والسلام الذي يطرحه العراق، ليس فيه اعتداء على حقوق، وليس فيه محاولة انتهاك حق أحد. ولكن، في نفس الوقت، هو السلام، الذي لا يسمح العراق، من خلاله، أن تُنتهك حقوقه، مثلما لم يسمح للحرب أن تنتهكها.

    هل يجوز أن تنقلب الدنيا لحقوق الإنسان، بالنسبة لبازوفت، ولا يوجد من يطالب بحقوق الإنسان للفلسطينيين؟ هل يجوز أن يطالب بحقوق الإنسان لبازوفت، ويتم تجاهلها لمواطن كندي، متجنس بالجنسية الأمريكية، استمرت الصحف المشبوهة، تكتب عنه، على أساس أنه عالم متعاون مع العراق؟

    ولكم أن تروا النفاق الدولي، في هذا الموضوع. ومع أنكم أنتم ـ العسكريين ـ تقفون على هدف معروف، ومكلفون به؛ ولكن لا بأس أن نشرح لكم جانباً من النفاق الدولي، لتتعرفوا عليه.

    مواطن كندي ذهب وجاء إلى العراق، ويحمل الجنسية الأمريكية، وهو عالم، أيضاً، وربما أفاد العراق بشيء ما. فهم يقولون إن الاستخبارات العراقية منتشرة في أوروبا، ويقصدون استخبارات الصناعة العائدة لحسين كامل، والعهدة على الراوي، أي العهدة عليهم هم. هذا المواطن الكندي، الأمريكي الجنسية، لا أحد يتذكر حقوق الإنسان، بالنسبة له. ولكن بازوفت، الذي لا يملك إلا أوراق إقامة فقط، ولم يأخذ الجنسية الإنجليزية، حتى الآن، قامت الدنيا، بسببه، ولم تقعد بعد؛ وهي لدينا، طبعاً، قاعدة، ومرتاحة، ولا تشكو من شيء. أليس لهذا الأمريكي الجنسية، جيرالد بول، الكندي، حقوق إنسان، فيقتلوه بمسدس كاتم للصوت، لمجرد أنه جاء إلى العراق؟ أليس لهذا الإنسان حقوق إنسان، وهو أمريكي الجنسية؟ لماذا ليس له حقوق إنسان؟ السبب واضح، لأن الصهيونية في أمريكا، لا تجعله عنواناً انتخابياً، تُخرّج به رؤساء في أمريكا. ولذلك، نرى أن جانباً من تصرفهم بشعارات حقوق الإنسان، تصرف منافق. نحن نؤمن بحقوق الإنسان، وندعو لاحترامها، أينما كانت، ولكنها في جانب من تطبيقات المنافقين الدوليين لها، يجعلون منها شعاراً للإمبريالية الجديدة، للتدخل في الشؤون الداخلية للغير. وإلا لماذا لا تثير المخابرات الأمريكية ضجة على اغتيال بول الأمريكي؟ ولا تبذل ما ينبغي لكشف قاتل هذا المواطن الأمريكي، العالِم، ولكنها تفتعل ضجة حول أمور أخرى؟

    ألم يتذكر الإنجليز حقوق الإنسان، عندما قسَّموا فلسطين، وأوصلوا الفلسطينيين إلى هذه النتيجة؟ ولماذا لم يتذكروا حقوق الإنسان، إلا في هذا الوقت بالذات؟ وللجاسوس بازوفت؟ لماذا لم يتذكروا حقوق الإنسان، عندما لم يترك "المقص الإنجليزي" أمة أو شعباً على وجه الأرض، بدون مشكلة، من خلال رسم الخرائط، ووضع التداخلات، وتعليق الأمور، لتبقى المشكلة معلقة؟ فحسب وجهة نظرهم، ليس غير بازوفت إنساناً في العالم؛ ولكن العراقيين، البالغ عددهم 17 مليوناً، لا يعتبرون بشراً، عندما يعطي بازوفت للكيان الصهيوني معلومات، تمكنه من أن يقصف، بدقة، معملاً، فيه مواطنون، ويقتل 200 أو 300. فهؤلاء، من وجهة نظرهم، ليسوا بشراً، ولكن بازوفت إنسان، لوحده. وليس من حق السبعة عشر مليوناً، أن يدافعوا عن أمنهم.

    أنظروا، يا عراقيين، ويا عرب في كل الوطن العربي، كيف ينظرون إليكم؟ إنهم لا ينظرون إليكم على أنكم بشر، وإنما يعتبرون عملاءهم وجواسيسهم، هم البشر فقط، ولديهم حقوق أكثر من حقوق شعب كامل أو أمة كاملة. ألا فليخسأ الخاسئون. وإذا تصور بعض من يتصور، أنه بهذه الضجة، يريد أن يخيفنا، فإن تلك العجوز، الساكنة في ناحية الهندية، قالت لنا لا تخافوا. ومتى ما أقنعوا العجوز، التي عمرها 100 سنة، في ناحية الهندية، والشيخ، الذي رأيناه في نينوى، والذي عمره 100 سنة، أيضاً، بأننا نخاف، فعند ذلك نناقشهم، وربما نصل إلى أن نخيف أنفسنا.

    إذاً ليركنوا هذا الأمر جانباً. فنحن لا نخاف شيئاً. فقد جعلونا نتحارب لمدة ثماني سنوات، ولم يتركوا لنا مجالاً للخوف من شيء. ثم كيف يخاف المسؤول؟ ذلك أمر صعب. إن المسؤول يتحسب، ولكن يتذكر، أيضاً كرامة شعبه، ويتذكر كرامة وطنه، ويتذكر التاريخ، ويتذكر أن في شعبه امرأة، عمرها 100 سنة، وهي واحدة من عشرات الألوف بعمرها، من غير الشباب الأصغر منها، وفيه شيوخ، عمرهم 100 سنة، وكلاهما يقول لصدام حسين، لا تخف، فنحن ذراعك، فعلام نخاف، إذاً، إذا كان من عمره 100 سنة، يقول لصدام حسين لا تخف؟ فهل يبقى في العراق من يخاف شيئاً؟ وهل بقي من عنده غيرة ويخاف؟ أي هل بقي من عنده نقص في الغيرة ليخاف؟ كيف، إذاً، نخاف؟

    إذاً، نترك هذه القضية جانباً. وإذا توهموا أنهم يعطون غطاء لإسرائيل، لكي تضرب بعض "الحدايد" بالصناعة، فإنهم واهمون في ذلك. فوالله! لنجعل النار تأكل نصف إسرائيل، إذا حاولت القيام بأي شيء على العراق. وكل واحد عليه أن يعرف حدوده، ونحن نعرف حدودنا، ولا نعتدي على أحد، ـ والحمد لله ـ ولا نصاب بالغرور، ولا ننسى مسؤوليتنا الإنسانية، إلى جانب مسؤوليتنا، القومية والوطنية. ولكن على الكل، أيضاً، بالمقابل، أن لا ينسى مسؤوليته الإنسانية. فمن يحاول أن يستصغر العراق، سنفعل به ليس أقلّ مما قلناه، وعندها سيلوم نفسه. سنأتيهم، هذه المرة، بهذه "اللفات الكردية" (موجهاً كلامه إلى الأكراد الذين حضروا الجلسة)، وبعون الله، وبهمة العراقيين. وعندما أقول العراقيين، فإنني أقصد العراقيين، رجالاً ونساء، شيوخاً وشباباً، كباراً وصغاراً، وعيونهم مفتوحة. ونحمد الله، أنه أعطى العراقيين أدمغة تفكر بصورة جيدة، وخلقهم أذكياء. وإذا كان الأمر يتعلق بالنوم، فإننا ننام بعين واحدة، ونراقبهم بالأخرى.

    وفي تعليقه على كلام أحد الضباط الحضور، الذي قال إنهم تفاجأوا بأن العراق، ورغم مضي ثماني سنوات في الحرب، خرج قوياً. قال الرئيس صدام: في عام 1981، ومن مكان معين، والواقعة مسجلة، ويستطيع الإعلاميون أن يرجعوا إليها، خاطبت إسرائيل، وقلت لهم إننا نعرف أنكم تطيلون هذه الحرب. ولكن، إذا لم يأت يوم، تندمون فيه على إطالة الحرب، فإنني لا أعرف أقرأ الأفكار بصورة جيدة. هل نحن الذين أردنا الحرب؟ وهل أردناها بهذه المدة الطويلة؟ إنهم هم الذين أشعلوها، وهم الذين أطالوها، وهم الذين ندموا على نتائجها. إننا شعب يريد أن يعيش بكرامة، ومن حقه أن يعيش بكرامة.

    لقد تعلموا الدرس الأول في الإنسانية، من بغداد، الدرس الأول في العلم ولكل مخترعاتهم، التي يتباهون، اليوم، بها، والتي ينكرون على العرب بالذات، وعلى العراق أيضاً، أن يستفيدوا من العلم، العالمي والإنساني. لقد تعلموا كلهم هذا الدرس من بغداد. أفليس من حق شعب الحضارة العميقة، التي تمتد ستة ألاف سنة في بطن التاريخ، أن يعيش بكرامة؟ نعم، من حقه أن يعيش بكرامة.

    اللهم، اكبح جماح الجامحين والظالمين. ولن نقول أكثر من الذي قاله أجدادنا. "أعطنا ظهراً قوياً، لا حملاً خفيفاً". بعون الله، يمسك العراقيون بخيوط الشمس وبخيوط النور. وليس هناك قوة في الأرض تستطيع أن تنزع أيديهم من مسرى النور، ومسرى الحياة الكريمة، العزيزة، الهانئة، الهادئة بعز.

    انقلوا التحيات بقدر موقف الرجال، لكل الرجال في القوات المسلحة، ولكل الرجال في أفواج الدفاع الوطني، من كردستان إلى الفاو.

وأشكركم إخواني.



[1] هو الزي العسكري ذا اللون الكاكي، أي المائل إلى الأصفر.