إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





وثيقة

وثيقة

نص الرسالة، التي سلمها وفد الكونجرس الأمريكي

برئاسة السيناتور روبرت دول

إلى الرئيس العراقي، صدام حسين

ونص محضر اللقاء، في الموصل

في 12 أبريل 1990

الرئيس صدام: أهلاً وسهلاً بكم.

السيناتور دول:

    في الساعة الحادية عشرة، من مساء أمس، اتصلنا بالرئيس بوش، بالهاتف. وكل واحد منا، تحدث معه. وكان الرئيس بوش مرتاحاً لأننا سنزور بغداد. سيادة الرئيس، أردنا أن نقدم لسيادتكم رسالة، وقعنا عليها نحن ـ الخمسة ـ وقد زودنا المترجم بنسخة. وربما يتيسر لنا أن نجري مع سيادتكم حواراً، بعد أن تكون الرسالة قد قرئت. وهي قصيرة.

المترجم يقرأ الرسالة:

سيادة الرئيس صدام حسين، رئيس الجمهورية العراقية ـ بغداد.

    عزيزنا السيد الرئيس، نثمن استعدادكم لاستقبالنا خلال شهر رمضان المبارك، وخاصة خلال فترة قصيرة كهذه. نأتي إلى بغداد وفداً يمثل الحزبَين السياسيَّين في الولايات المتحدة، انطلاقاً من قناعتنا بأن العراق، يضطلع بدور رئيسي في الشرق الأوسط، وبما أننا نرغب في أن نشهد تحسناً في العلاقات الثنائية بين بلدَينا. من الواضح لنا، أننا لن نتمكن من حل الخلافات الخطيرة، القائمة بين بلدَينا، إنْ نحن أهملنا هذه الخلافات، أو أخفقنا في الاستفادة من الفرص المتاحة أمامنا، بالاتصال الواضح والصريح.

    ولهذا السبب، نعتقد أن من المهم أن نسمعكم قلقنا العميق جداً، بشأن سياسات ونشاطات معينة لحكومتكم، والتي تمثل حاجزاً كبيراً أمام علاقات متطورة بين بلدَينا.

    لقد خرج بلدكم، تواً، من حرب طويلة، وباهظة التكاليف، حرب تركت قلقاً، بشأن أمن بلادكم. إلاّ أننا لن نبالغ في تأكيد قناعتنا، بأن مساعيكم لتطوير قدرات، نووية وكيماوية وبيولوجية، تعرض أمن بلادكم لخطر جدي، بدلاً من أن تعزز هذا الأمن. كما أنها تهدد دولاً أخرى في المنطقة، وتثير اضطراباً خطيراً، في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وأن تصريحاتكم الأخيرة، التي هددتم فيها باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد إسرائيل، قد خلقت قلقاً كبيراً لدى بلدان، في جميع أنحاء العالم. وأن من مصلحتكم، ومصلحة السلام في الشرق الأوسط، أن نحثكم على إعادة النظر في الاستمرار بهذه البرامج الخطيرة، والتصريحات والتأكيدات الاستفزازية. كما أن علينا، أن نعرب عن عميق جزعنا، بشأن النشاطات المزعومة، التي أدت إلى طرد أحد أفراد بعثتكم الدبلوماسية في الأمم المتحدة، بتهمة تورطه بمؤامرة قتل. ولذا، نكرر القول إنه إذا ما أردنا لبلدَينا علاقات أفضل، فإن نشاطات كالتي يزعم أنها حصلت، ينبغي أن لا تقع ثانية. وختاماً، نحثكم، سيادة الرئيس، على أن يكون لكم إسهامكم النشيط، والبنّاء، في عملية السلام، الجارية، الآن، بين مصر وإسرائيل وممثلين عن الشعب الفلسطيني وحكومة الولايات المتحدة.

    سيادة الرئيس، نشكركم، مرة أخرى، لهذا الاستقبال. ونتطلع إلى تبادل الآراء والأفكار، الذي سيجري بيننا في هذا اليوم.

موقعو الرسالة السادة

السيناتور روبرت دول

السيناتور آلان سيمبسون، السيناتور جيمس ماكلور

السيناتور فرانك موركوفسكي، السيناتور هوارد ميتزنبوم

عضو من الوفد: سيادة الرئيس، إننا ـ نحن الخمسة ـ، الأعضاء في الوفد، أعضاء بارزون في الكونجرس الأمريكي. وإذا ما جمعت سنوات خبرتنا نحن ـ الخمسة ـ في الكونجرس، ستجد أنها تصل إلى 75 سنة من الخبرة. ولهذا، فإن خبرتنا طويلة. ونحن نعد هذه الزيارة مهمة جداً. وكما قال الرئيس بوش، البارحة، في حديث هاتفي معنا، نحن نريد أن نحسن علاقاتنا مع بلادكم، ومع حكومتكم. وكما بيّنا في الرسالة، فهناك أسباب قلق خطيرة. ونحن، أيضاً، نعرف بأن لديكم أسبابكم للقلق، أيضاً. وقد أخبرنا كلٌّ من الرئيس مبارك، والملك حسين، أن بإمكاننا أن نجري حواراً صريحاً، ومنفتحاً، وأنكم رجل واضح، وصريح، وأنكم ستعطوننا أفكاركم. ولهذا، وكما طلبت من السيد وزير الخارجية، قبل أن ألتقي بكم، نحن نريد أن نتعرف على ما يمكن أن نقوم به، لكي نقوي علاقتنا. وقد أطلعت السيد وزير الخارجية على تقريرَين صحفيَّين. واحد من محطة تليفزيون " NBC " ، وهو الذي يتعلق بالأسلحة البيولوجية، وهو تقرير مطول، حول قدراتكم في مجال الأسلحة الجرثومية. وتقرير آخر، ظهر هذا الصباح، وفيه إشارة إلى بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي، وهم ينادون بفرض عقوبات على العراق. ولكن بالرغم من ذلك، وأعتقد أنه من المنصف أن نقول، وعلى أساس التقارير التي ظهرت، مؤخراً، في الإعلام ـ أفترض أن الحديث في مسألة العقوبات، سيتكرر، عندما يعود الكونجرس إلى جلساته، في الأسبوع القادم. وأخيراً، أودّ أن أستعير كلمات من السيناتور سبكتر[1] الذي التقيتم به، والذي تركتم لديه انطباعاً إيجابياً جداً.

الرئيس صدام: انقلوا إليه تحياتي. فإنطباعي عنه جيد، وقد كان منصفاً.

السيناتور دول: في الحقيقة، إنه قال، في هذا المجال، إن علينا، قبل أن نفعل أي شيء، أن نتحدث إلى الرئيس صدم حسين. وقد حث أعضاء الكونجرس الآخرين على ممارسة ضبط النفس، في هذا المجال. وبوسعي، أيضاً، أن أضيف أننا، وقبل أن نمهد لزيارة منطقة الشرق الأوسط، فإن السيناتور سبكتر جاءني، وحثني على أن يكون العراق من بين البلدان التي نزورها، خلال جولتنا. ولهذا، نحن نعد هذا اللقاء مهماً. ولم نأتِ إليكم بأفكار أو انطباعات مسبقة. وإذا ما وافقتم، سيادة الرئيس، فإن السادة، أعضاء الكونجرس الآخرين، ربما يريدون أن يضيفوا مما لديهم، أو ربما تودّون أنتم أن تتحدثوا.

الرئيس صدام: نعم، سأتحدث حول الموضوع. أنا مسرور من قولكم، بأنكم لم تأتوا بأفكار مسبقة، تمنعنا من التفاعل مع الحقائق كما هي. وهذا مناسب، ليس فقط لنا، وإنما للإنسانية، ككل. نحن نؤمن بحكمة تقول: "مهما كان حجمك وإمكاناتك، لكي تتعرف على المقابل، عليك أن تفترض بأنك أصغر حالة، في الإمكانات والحجم. وبذلك، تستطيع أن تدخل إلى قلوب وعقول الناس كما هي، وليس كما تفترضها أو تتمناها". من هذه الحكمة، أنا أفهم معنى القول: "جئنا إلى هنا من غير أحكام مسبقة".

    في عالم اليوم، هنالك من هو كبير، ومن هو صغير، نحن نعرف، واقعياً، أن قياس الصغر والكبر، صار يرتب على أساس الإمكانات المادية. ولكننا لن نستسلم لفكرة القول، إن الكبر والصغر يرتبطان بهذه الإمكانات؛ وإنما ينبغي أن نسعى لأن يرتبطا بمفاهيم الله I بوصفه أكبر من كل الحالات. إذاً، فحيثما كان الإنسان عادلاً في موقفه، فهو الأكبر. وحيثما لامس الحقيقة كما هي، وليس كما يتمناها أو يريدها، فهو الأكبر. وحيثما حقق أو أسهم في تحقيق السلام، ليس لنفسه، وإنما للإنسانية، ككل، فهو الأكبر. وحيثما وجد خلاف بين طرفَين أو أكثر، وحث النفس على البحث لمعرفة أين هو الحق، فهو الأكبر.

    من هذه المفاهيم، أنا مسرور أن التقي بكم، في العراق، وفي واحدة من مدن العراق، التي يبلغ عمر حضارتها أكثر من أربعة آلاف سنة.

    وفي هذا، لا يكفي أن يتحدث الإنسان عن التاريخ؛ وإنما أن يسعى ليمثل شيئاً من روحه، في ما يخدم الإنسانية. وتصميمنا، في هذا البلد، هو أن نتصرف في الإحساس بالسعادة، ليس على أساس العوامل الوطنية فقط؛ وإنما على أساس العوامل الإنسانية، سواء كانت ضمن منطقتنا أو في مكان بعيد عنّا، على مساحة الكرة الأرضية، ككل.

    صحيح، نحن نعرف بأننا بلد صغير. لكننا نعرف، أيضاً، بأن الإنسانية، تحتاج إلى الكبير والصغير؛ فمثلما هنالك شيخ يرحل، هنالك شاب يافع، يتقدم في الطريق. مثلما أن الكبار، ليست لديهم قياسات، ليقيسوا حجومهم، إلاّ بوجود من هو صغير. إذاً، فحتى بالقياسات المادية، يحتاج الكبير إلى الصغير، لكي يعرف أنه أصبح كبيراً، وإن كان الصغير، يلام، من ناحية أخرى، لأنه لو لم يكن هو صغيراً، لما أصبح الكبار كباراً.

    فأنا أشكركم لهذه الصراحة، التي وردت في رسالتكم. وأعد أن الصراحة مفتاح للمستقبل القائم على وضوح كاف. وقد يظن أحد، أن العراق يزعل من الصراحة، عندما تمارس في بلدان الديموقراطيات الغربية، فأقول إننا لا نزعل من الصراحة، لأن الصراحة، تقدم لنا خدمة في ميدانَين، على الأقل؛ فهي تدلنا عندما نخطئ، وتدلنا عندما نصيب. ونتشبث بخط الصواب لنمضي، عندما لا نجد أن الصراحة المقابلة قادرة على إقناعنا بما هو معاكس. ونراجع النفس والسياسات، عندما نجد أن الصراحة، قد أظهرت أخطاءنا، وهزت قناعاتنا. وفي يقيننا، أن هذه أكبر نتيجة تأتينا من نتائج ممارسة الحقوق الديموقراطية.

    أنا أعتقد، أن العراقيين السياسيين، والأمريكان السياسيين، بحاجة لأن يتعرف بعضهم على بعض، وأن يتعرفوا على تاريخ البلدَين، من جوانب أساسية من الحياة، الاجتماعية والثقافية والسياسية؛ لأن هذا التعرف، لا غنى عنه، كخلفية لاستنتاجات صحيحة. إذاً، مثلما أنتم قلقون من أخبار تصلكم عن العراق، وسياسات تنتقدونها، نحن، أيضاً، قلقون من أخبار تصلنا من الولايات المتحدة الأمريكية وسياسات تنتهجونها.

    بعض الغربيين يخلط، أحياناً، فيتصور أن أياً من العرب، عندما يتحدث عن الأمة العربية، وكأنه يبحث عن الزعامة للأمة العربية، ومع أننا لا نجد، إنسانياً وديمقراطياً، أن أي ضعف في أية حالة عربية، كوننا أمة واحدة، سينعكس، سلبياً، على الأقطار الأخرى. ولدينا أمثلة كثيرة، عندما تضعف مصر، تضعف الرياض وبغداد وعمّان. وعندما تقوى الرياض، ينعكس هذا، إيجابياً، على بغداد ومراكش والجزائر. مثل هذه الحالة، لا تكون موجودة، مثلاً، في أوروبا الغربية؛ لأن أوروبا هي دول وأمم، أما العرب، فهُم دول، ولكنهم أمة واحدة. والعقل العربي يؤثر على العقل العربي، ليس فقط لأنهم يتكلمون لغة واحدة؛ وإنما لأن لديهم إحساساً وجدانياً واحداً، ومواردهم الثقافية من منبع مشترك. لذلك ترون، الآن، أن السياسات مختلفة في الوطن العربي؛ للعراق سياسة، وللسعودية سياسة، وللجزائر سياسة، وللمغرب سياسة. لكن، عندما يستفَزون، ترونهم وكأنهم بإتجاه واحد. وهذا مطلوب أن يوضع في الحساب، لا لأجل أن يُحطم، ويعمل ضده؛ وإنما ليُفهم، بقصد بناء جسور قوية، في العلاقات بين الأمة العربية وبين الدول أو الأمم، التي تريد علاقات جيدة مع العرب. ومن هذا، نحن نعرف بأن حملة واسعة، توجه ضدنا، في أمريكا، وفي دول أوروبا.

السيناتور دول: ليس من الرئيس بوش. فقد أخبرنا، البارحة، أنه ليس هذا.

الرئيس صدام: إذاً، لاحظتم بأننا لم نقل للعرب، أن يشنوا حملة مقابلة. لكننا نجد أن هنالك حملة في الوطن العربي، باتجاه معاكس لسياستكم، التي مارستموها ضدنا. لماذا؟ وقبْل أن نسأل لماذا، نقول ألستم ديموقراطيين في الولايات المتحدة؟ بمعني ألستم تريدون للشعوب، أن تمارس حقوقها الديموقراطية؟ وهذا هو المعلن في الولايات المتحدة الأمريكية. ألا تحترمون حرية الشعوب؟ أنا أعرف أن هذا، هو المعلن في الولايات المتحدة.

السيناتور دول: وهو قضية أساسية، بالنسبة لنا.

الرئيس صدام: إذاً، ألا ينبئكم هذا بضرورة إعادة النظر بالأفكار والسياسات، عندما تتعرفون على أن أمة بكاملها، تعد الموقف، الأمريكي ـ الإسرائيلي، والإنجليزي، ينطوي على استفزاز للأمة، ككل، وهو غير عادل تجاه العراق. أنتم تعرفون، وأنا أعرف، بأن الإعلام الغربي، هو أقوى من الإعلام العربي. إذاً، يفترض بالإعلام الغربي، أن يكون، ضمن هذه الفترة، التي حصلت فيها الحملة، قد أقنع الرأي العام العربي بحججه وبنياته. فإن لم يكن قد أقنع المواطن العربي، فهذا يعني وجود شيء ما، وأن الخلل ليس تقنياً؛ وإنما يدخل ضمن مفهوم الحق والباطل. فالإذاعة العراقية، لا تصل إلى الكثير من أجزاء الوطن العربي، وأنتم تعرفون، أن بلدان العالم الثالث، لم تصل، لا تقنياً ولا بالإمكانيات الأخرى، إلى مستوى الدول، الكبرى أو العظمى، في قدرة التأثير. إذاً، طبقاً لهذه المعاني، وعلى أساس التحسس الديموقراطي، أقول إن الأمة العربية، تعد الموقف تجاه العراق غير عادل، وينطوي على أغراض مسبقة.

    أعود لأناقش هذا الموضوع مع السادة، أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وفي مقدمتهم السيد دول. وأنا عندما أتحدث بالحجج، لا أقصد في هذا، أن أقنعكم في كل حجة، لأني أعرف أنكم تختلفون معي كلياً في هذا، في كل شيء؛ وإنما احترام لكم، وللرغبة في أن أوفر لديكم مفردات، عندما تتحدثون بها مع المسؤولين في أمريكا، تكون حججكم مدعومة بقول، سمعتموه من أعلى المستويات، في العراق.

يقال بأن العراق، هدد إسرائيل، مع أن الخطاب واضح، وهو مترجم إلى الإنجليزية. يقول الخطاب على ضوء تحسس وقناعة، إن هذه الحملة، يقصد منها توفير الغطاء، النفسي والإعلامي والسياسي، لتهاجمنا إسرائيل، كما فعلت في عام 1981، وهي مماثلة للحملة، التي حصلت عام 1981، مع أنها أقسى.

السيناتور دول: ومرة أخرى، أؤكد أن الحكومة الأمريكية، ليست سبب الحملة.

الرئيس صدام: على أية حال، إنها حملة في أمريكا.

السيناتور دول: سيادة الرئيس، نحن دنّا الهجوم الإسرائيلي، في عام 1981.

الرئيس صدام: نعم، دنتموه. لكن أخباراً كثيرة، أظهرت أن أمريكا، تعرف به مسبقاً.

السيناتور دول: أنا أعتذر للمقاطعة، وسأعود للحديث، مرة أخرى.

الرئيس صدام: إذا كانت أمريكا لا تعرف، فالطامة أكبر؛ لأن أمريكا، هي التي تعطي إسرائيل أسباب القوة. فإذا كانت أية جهة عظمى، توفر أسباب القوة لدولة في المنطقة، أو خارج المنطقة، وليست لديها السيطرة، بأي حدٍّ كان، على طريقة استخدام تلك القوة، فهذا هو الذي يهدد السلام، وهذا هو الذي يضع العالم أمام مفاجآت، لا يعرف كيف يسيطر على نتائجها.

    أعود إلى تصريحي. أنا قلت، إذا ضربتْ إسرائيل سنضربها. وأنا أؤكد، الآن، أمامكم، أن إسرائيل، إذا ضربتْ، فسنضربها. وأنا أعتقد، أن هذا موقف عادل. ومثل هذا الموقف المسبق، المعلوم، والذي يساعد على السلام، وليس عكس هذا؛ إذ قد تحجم إسرائيل عن الضرب، عندما تعرف بأنها ستُضرَب، وعند ذلك إذا كان الغرب يريد السلام، فعلاً، فمثل هذا السلوك، هو لصالح السلام، ولا ينزعج منه، إلاّ الذي يريد لإسرائيل أن تضرب العراق، من دون أن يردّ عليها العراق. وقلت، إذا ما استخدمت إسرائيل القنابل الذرية، فسنضربها بالكيماوي المزدوج. وأنا أكرر، الآن، بأنها إن فعلت هذا، فسنقوم بهذا. وقد أوصلنا الأمر إلى آمري القواعد الجوية، وآمري تشكيلات الصواريخ، أنه بمجرد أن تسمعوا بأن إسرائيل ضربت أي مكان في العراق، بالقنبلة الذرية، فيجب أن تحمّلوا كل ما يمكن أن يصل إلى إسرائيل، بالمزدوج، وتوصلوه إلى أراضيها؛ إذ ربما نكون، في بغداد، نعقد اجتماعاً مع القيادة، وتسقط علينا القنبلة الذرية، فلكي يكون الأمر العسكري واضحاً، لدى آمري القواعد الجوية والقواعد الصاروخية، بأنه إذا لم يأتهم أمر من أية جهة أعلى، وضربت أية مدينة بالقنبلة الذرية، فعليهم أن يلقوا بأية أسلحة، يمكنهم إيصالها، على إسرائيل.

    السيد دول، والسادة أعضاء الكونجرس. أعرف أن الأسلحة الكيماوية، قد حُرِّمَت في اتفاقية جنيف. وأعرف ولا أنسى التزاماتنا، وبأننا وقعناها. ولكن هل الأسلحة الكيماوية أخطر على البشرية من القنابل النووية؟ أنتم مواطنون ومسؤولون في دولة عظمى، وتعرفون، علمياً وعملياً، ماذا يعني كل سلاح. وتعرفون أنه عندما حُرِّمَت الأسلحة الكيماوية، فقد حُرِّمَت من أطرافها، ككل. فكيف تريدون من العراق، أن لا يستخدم الأسلحة الكيماوية، في مواجهة قنابل ذرية، لدى جهة، تعربد وتهدد، باستمرار، الوطن العربي والعراق؟ فهل الأسلحة الذرية أكثر فتكاً أم الهيدروجينية؟

السيناتور دول: الهيدروجينية.

الرئيس صدام: لو أن حرباً وقعت بينكم وبين الاتحاد السوفيتي (قبل هذا التاريخ، لأن الأمور بدأت تنفرج الآن ـ والحمد لله ـ وفي هذا مكسب للإنسانية)، واستخدم الاتحاد السوفيتي القنبلة الذرية ضدكم، هل تميزون بين الهيدروجينية والذرية، عندما توجهون ضربة مقابلة؟ فكيف إذا كان العكس، واستخدم الاتحاد السوفيتي الهيدروجينية ضدكم؟ ألا تستخدمون ضده القنبلة الذرية؟

    إذاً، بغض النظر عن الكيفية، التي فسر بها هذا الحديث، في الإعلام، فالحديث هو كما يلي: إن ضرَبتْ إسرائيل، فسنضربها. وكلامنا واضح، مكتوب بالعربي، ومكتوب بالإنجليزية، ومسجل، صورة وصوتاً. فنحن لا نتراجع عن كلامنا، فإذا ضرَبت إسرائيل، واستخدمت الأسلحة الذرية، فسنستخدم الكيماوي المزدوج. هذا هو موقفنا، ليست هنالك زيادة أو نقصان في هذا الموقف. أما أن يحلو للبعض القول، إن العراق يهدد، فنحن لا نعتذر عن تصريحنا الذي أطلقناه، فهو واضح، وعادل، ودفاعي، وهو حق.

    أنا أعرف، كذلك، أن هنالك فَرقاً بين أن تمتلك أسلحة، وبين أن تستخدمها. وأنا أعد أن من حق العرب، أن يمتلكوا أي سلاح يمتلكه عدوهم. فالعراق لا يمتلك القنبلة الذرية، ولو كان يمتلكها لأعلناها، لنحفظ السلام، ولنمنع إسرائيل من أن تستخدم القنبلة الذرية. ولكن لو أُعلن، بعد شهر، أو الآن، من أية دولة عربية، بأنها تمتلك القنبلة الذرية، لكنت والعراقيين، أول من يعلن تأييده واحترامه لهذا العمل. لماذا؟ هل الذي يتكلم لا يعرف معنى الحروب وويلاتها؟. هل نحن طلاب حروب ومآسٍ؟ نحن نريد السلام. ولكن، لأننا نعرف قوانين العصر، نعرف أن السلام، لا يتحقق بين حالة مدعومة بكل وسائل القوة الحديثة لدولة كبرى، وبين حالة عربية في أول الطريق.

    نريد أن لا تنتشر الأسلحة، الذرية والكيماوية والبيولوجية. وإذا كان الغرب يريد فعلاً هذا، إذاً، ليطرح شعاراً، أن تكون المنطقة كلها نظيفة من الأسلحة، الذرية والكيماوية والبيولوجية. من الذي جعل العرب يفتشون عن الأسلحة الكيماوية ويصنعونها؟ إنها إسرائيل. فالعرب يعرفون أن إسرائيل لديها أسلحة، كيمياوية وبيولوجية وذرية. فكيف تريدون أن يتصرف العرب؟ هل يسلّمون أوطانهم، ويتركون شعوبهم لمصيرها؟ ثم لماذا يفترض أن إسرائيل فقط، لوحدها، تتصرف بمسؤولية تجاه الأسلحة، ولا يتصرف العرب بنفس المسؤولية؟ إن ضرب المفاعل النووي العراقي، من وجهة نظر علمية، كأنه تفجير نووي، ومن وجهة نظر بعض العلماء، من الممكن أن تحصل مضاعفات تؤدي إلى تلوث بشيء قريب من التلوث، الذي يحدثه استخدام الأسلحة النووية.

    وإسرائيل ضربت المفاعل النووي العراقي، وهو على أطراف بغداد. يشجب الغرب امتلاك العراق للأسلحة الصاروخية. ويطارد العراق ويلاحقه، على نقل التقنية والإبداع فيها. ويقلق من إطلاق صواريخ "العابد"، الذي لديه إمكانية ليحمل أقماراً صناعية. ولكنه يهنئ إسرائيل، عندما تطلق صاروخاً، أو تضع، فعلياً، قمراً في المدار.

    إن العرب يسمعون، يومياً، عملية تحقير لهم من الغرب. ويومياً، يسمعون إهانة لهم. لماذا؟ هل سيطر عليكم الاتجاه الصهيوني إلى هذا الحد، الذي سلب إنسانيتكم؟ هل ضعفت الوطنية في هذه البلدان، إلى الحد الذي لم تعد فيه قادرة على أن تقول أين هو الحق، وأين هو الباطل، كثمن للجولات الديموقراطية في انتخاب الإدارات، وتأثير اللوبي الصهيوني على نتائج هذه الانتخابات؟

    إذا كان الأمر هكذا، فنحن نجد، بلا غرور، وإنما تعبير عن المسؤولية، بأنه أصبح على العرب واجب إضافي، ليس فقط أن يتحرروا من داخلهم، وإنما أن يحرروا بعض الزوايا المظلمة في العالم، من ابتزاز اللوبي الصهيوني. ولا يتحقق هذا، إلاّ بالسلام، وإلاّ عندما يكون العرب مع إسرائيل، نداً لند. وعند ذلك، لا نساعد فقط في تحرير أنفسنا، وإنما في تحرير آخرين من ثقل الضغط الصهيوني، الذي يحصل عليهم في الغرب.

    نحن نريد السلام. ولكن لا يكون ثمن السلام خضوع العرب، أو إذلالهم، أو انتزاع أراضيهم وحقوقهم، بل السلام الذي يضع الكل على مستوى إنساني واحد، من حيث القيمة الإنسانية، وتطبق فيه المفاهيم الواردة، في مواثيق الأمم المتحدة. ليست لدينا الرغبة، ولا النية، للاعتداء على أحد. ولكن، لا بدّ أن نقول إن لدينا التصميم والإرادة، في أن نرد على أي عدوان، لدينا الرغبة، من دون أي قصد، سوى قصد احترام القانون الإنساني، السائد في هذ العصر، في أن نقيم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولكن، على أساس أن نتأكد من أن هذه هي رغبة الولايات المتحدة الأمريكية، أيضاً.

    أرجو أن لا تزعلوا من صراحتي، لأنني سأقول شيئاً. قلتم بأن بعض أعضاء الكونجرس، قد يطرح عقوبات على العراق. ولكن، هلاّ سألتم أنفسكم. بماذا تعاقبون العراق؟ أنتم لم تسلحوا العراق. ولم تصرفوا له مساعدات، اقتصادية ومالية، وبدلاً من ذلك تطاردون العراقيين، على أبسط الحلقات التقنية، عندما يشترونها من السوق الأمريكية. كما أنكم لم تأتوا بنا إلى الحكم، ولا أنتم الذين تحموننا. أنتم الذين تعطون إسرائيل صواريخ، وعندما يصبح لدينا صواريخ، حتى نقول لإسرائيل أصبح لدينا صواريخ بهذا الوصف، فإنكم تعطونها صاروخاً يقاطع صاروخنا.

    هذا الموقف، لا نعده ضد أمن العراق فقط، وإنما ضد أمن العرب. كما أنه موقف غير عادل. إن الشيء العادل، الذي يحقق السلام، هو أنه عندما يكون لدى إسرائيل صاروخ، يجب أن يكون لدى العرب صاروخ، حتى لا يستخدمه كلاهما. فلماذا تضغطون على العراق أو تعاقبونه؟ تعاقبونه بشيء واحد فقط، هو عندما تمارسون عدوانية علينا. فهل تريدون أن تمارسوا عدوانية علينا؟ إننا لم نكن راغبين في أن نمارس عدوانية عليكم. وليس هذا منهجنا. ولكننا مصممون على أن أي أحد يعتدي علينا، فإننا نقاومه.

    لسنا سعداء في أن يحصل أي شيء، حتى عندما ننتصر. فنحن لسنا سعداء بأن الحرب قد حصلت بيننا وبين إيران، مع أننا انتصرنا على الإيرانيين، وأنتم تعرفون هذا. وربما لو انتصروا هم علينا، لكانوا سعداء.

    أنتم تعرفون، بأن طاقتنا الحقيقية، تظهر في السلام. كما أنه لا توجد لدينا مشكلة، ولا نحن عاجزون عن التعامل مع قوانين العصر بدور مبدع، حتى نهرب إلى الحروب والمشاكل. ولكن البلد، الذي قاتل ثماني سنوات، وأعطى عشرات الألوف من خيرة رجاله، ليحمي كرامته ـ لم يعد بمقدور أحد من أبنائه أن لا يدافع كما يجب، عن كرامته أو أمنه أو سيادته، عندما تهدد. لأن الشعب في بلدكم، عندما يكون له رأي آخر، يسقط رئيس دولة وعدد من رجال الإدارة، الذي اختاره فقط، ولكن في بلادنا، إذا غيّر الشعب رأيه بمن يقوده، سيسقط النظام، ككل، بل ستسقط الفرصة التاريخية للصعود بكاملها. إذاً، بهذا المستوى، يحرص القادة المسؤولون، في بلدان العالم الثالث، على الرأي العام في بلدانهم. أو لنتحدث عن أنفسنا. في العراق، نحرص على الرأي العام العراقي بهذا المستوى. ولذلك، إذا ما لاحظتم أنني استخدمت نفس العبارات، التي استخدمها بوش في التصريح، جواباً على رسالته[2]. لأنني إن لم أفعل هذا، سأفتش أنا شخصياً عن شخص يقود العراقيين، بمستوى قادر على أن يفعل هذا؛ لأنني إن لم أفعل هذا، فإنني لم احترم الرأي العام العراقي، ولا الكرامة العراقية، ولا الحق المتكافئ للعراقيين. بالإضافة إلى هذا، أنتم تعرفون، بأننا طورنا الصواريخ، لتصل إلى طهران، بعد أن ضُرِبنا، ثلاث سنوات، بالصواريخ من طهران.

    إنني لم أسمع أن الغرب تضامن، بالكيفية التي نراها الآن، ضد الصواريخ الإيرانية، عندما كانت تضرب بغداد. وأرى أن ترجعوا إلى تلك المدة، أو تكلفوا أحداً أن يراجعها لكم، لتروا أنه عندما ضربنا طهران، سمي هذا، في الغرب، بأنه تصعيد للموقف، مع أننا وجهنا إنذاراً لطهران، وقلنا لهم إننا امتلكنا الصاروخ، الذي يستطيع أن يصل إلى طهران، لنتفادى إمكانية استمرار الإيرانيين في ضرب بغداد. لكنهم تصوروا أننا غير صادقين. وبعد أن كرروا ضرب بغداد، رددنا عليهم. وفي معارك التحرير، لم نستخدم هذا الصاروخ، لنضرب طهران، مع أن التفوق لدينا معروف. ثم إننا فكرنا بالأسلحة الكيماوية، عندما ضُربنا بالأسلحة الكيماوية، من جانب إيران، في "المحمرة". وهذه حقائق مثبتة لدى الأجهزة العسكرية، خلال الحرب، ولكننا لم نعلنها. وأنا الذي منعت إعلانها، في وقتها، لأن السلاح جديد، وكنت أخشى أن يخلق رعباً في القوات المسلحة. وكان هذا في "المحمرة"، سنة 1980.

    أهلاً وسهلاً بكم. إنني أنهيت حديثي. وإذا لم تكونوا متعَبين، فإنني هيأت طائرات عمودية، لنكون معاً. ونضع أمامكم خارطة العراق، لتراوا المدن فيها، وننزل في أية مدينة تعجبكم، وخاصة المدن الكردية، لتروا الرأي العام كما هو. وعند ذلك، انقلوا إلى زملائكم في الكونجرس، والإدارة الأمريكية، ما ترونه، فيما لو رأيتم أن هذا الشعب مضطهد، أو أن صدام حسين، يقتل العراقيين، وبخاصة الأكراد، كما يقول الإعلام الغربي، وبعض ساسة الغرب. يسرني أن نرى معاً الشعب العراقي، كما هو، إذا كان هذا ممتعاً لكم.

السيناتور دول: سأناقش هذا الأمر مع زملائي. والآن، إذا تيسر لنا الوقت، لدي كلمة أو كلمتان. هناك اختلافات أساسية بين بلدَينا. لدينا إعلام حر، في الولايات المتحدة، عندما تقول (غربي)، سيادة الرئيس، أنا لا أدري ماذا تقصد، عندما تقول "الغرب". أنا لا أدري إذا كنت تقصد الحكومة. هناك شخص، لم يكن مخولاً في أن يقول شيئاً عن الحكومة، وهو معلق في صوت أمريكا. إذاعة صوت أمريكا، هي التي تمثل الحكومة فقط، وقد طُرد هذا الشخص منها. واسمح لي أن أقول، إن الرئيس بوش، قبل 12 ساعة فقط، أكد لي أنه يريد علاقات أفضل، وأن الحكومة الأمريكية، تريد علاقات أفضل مع العراق.

    سيادة الرئيس، ربما نطّلع أكثر، عندما نرى الناس؛ لأننا نعتقد، ونحن قادة في الكونجرس الأمريكي، أن الكونجرس، أيضاً، لا يمثل بوش أو الحكومة. أنا أفترض أن الرئيس بوش، سيعارض العقوبات، وربما يضع عليها الفيتو. إلاّ إذا حدث شيء يستفز، أو شيء من هذا القبيل.

أبريل جلاسبي: أنا أؤكد، كسفيرة للولايات المتحدة، أن هذه هي سياسة الحكومة الأمريكية.

السيناتور دول: نحن في الكونجرس، أيضاً، نسعى لأن نبذل ما في وسعنا، في هذا الاتجاه. وقد يختلف الرئيس مع الكونجرس، وإذا ما توافرت وجهة نظر مختلفة، له الحق في أن يعبر عنها، ويمارس صلاحياته بشأنها.

    سيادة الرئيس، أريد أن أقول، إننا نعرف أهمية العراق. وأنتم البلد الثاني في الاحتياطي النفطي. وأنتم ثاني أكبر بلد في المنطقة. وتاريخكم مديد. ونحن نفهم أهمية العراق، حتى في عملية السلام، رغم كونكم لستم في المقدمة فيها، عندما نتحدث عن السلام في المنطقة، وعن السلام لكل البلدان في المنطقة. كذلك، في ما يتعلق بالأسلحة، سواء كانت بيولوجية أو كيماوية أو نووية، نأمل أن يكون هذا جزءاً من تسوية شاملة، لجعل هذه المنطقة خالية من هذا النوع من الأسلحة.

الرئيس صدام: هذا يناسب العرب.

السيناتور دول: نريد أن نقول، كيف يمكن أن نحسّن علاقتنا، عندما نقرأ تقريراً من هذا النوع؟ ذكر التليفزيون في الولايات المتحدة، يوم أمس، إنكم في منطقة سلمان بك، جنوب بغداد، تطورون فيروساً جرثومياً للحرب، ليدمر مدناً كاملة. وهذا يترك انطباعاً سلبياً. وإذا كان هذا الشيء غير حقيقي، هل أنتم تطورون هذا الفيروس، هذه الأسلحة الجرثومية؟

الرئيس صدام: دعنا نسأل، هل يملك الأمريكان أسلحة بيولوجية أم لا؟ وهل تملك إسرائيل أسلحة بيولوجية أم لا؟ وهل يملك العالم أسلحة بيولوجية أم لا؟ بغض النظر عن استخدامها. هل لدى العالم بحوث، وليس أسلحة، أم لا؟

السيناتور دول: ليس في الولايات المتحدة. نبذت الأسلحة البيولوجية من قِبَل الولايات المتحدة، منذ عهد الرئيس نيكسون.

الرئيس صدام: هل هناك بحوث حولها أم لا؟

عضو من الوفد: نجري بحوثاً. ولكن، ليست هنالك أية عملية إنتاجية لهذا النوع.

الرئيس صدام: هل مُحرّم على القاهرة أن تجري بحوثاً في الميدان البيولوجي أم لا؟.

السيناتور دول: إن العلم البيولوجي، ليس ممنوعاً. ولكن إنتاج الأسلحة البيولوجية، يمثل تهديداً خطيراً.

الرئيس صدام: أريد أن أوضح للسادة أعضاء الكونجرس، فأقول، نحن نعرف ماذا تعني الأسلحة البيولوجية. نحن نعرف أنه إذا ما استخدمت هذه الوسيلة، فإن الحال قد تصل إلى حدّ، لا يمكن السيطرة عليها. إذاً، اطمئنوا، من هذه الناحية، إن الموجود لدينا نقوله. والذي نستخدمه، كحالة ردع، إذا ما حصل علينا اعتداء، نقوله أيضاً. ولذلك، بغض النظر عمّا يقال في الصحف، لو كانت لدينا أسلحة بيولوجية، لقلنا هذا. وإذا كان هناك أحد من العالم، وهو عدونا، ويخشى من الأسلحة البيولوجية، ليأت ونشطب معاً الأسلحة البيولوجية.

    إذاً، لا توجد لدينا أسلحة بيولوجية. ولكن لدينا أسلحة كيماوية. لكن، هل يستطيع ا3لرئيس بوش، أن يقول لي، أو لأعضاء المجلس الوطني العراقي، كما قلت لكم عن العراق، إن إسرائيل ليس لديها أسلحة بيولوجية. إنني قلت عن العراق. ولكن، هل بإمكان الرئيس بوش، أن يقول عن إسرائيل أن إسرائيل ليست لديها أسلحة بيولوجية؟

السيناتور جيمس ماكلور: سوف نسأله. ليست لدينا معلومات. ولكن سنسأله.

الرئيس صدام: إذاً، لنتفق. أنا قلت، إن العراق ليس لديه أسلحة بيولوجية، لأن العراق، يعرف خطورة اللعب بمثل هذا الموضوع. أما إن الجهات العلمية لديها بحوث، في هذا النوع أو ذاك من الجراثيم، فأنا لا أعطي ضمانة في هذا الموضوع، ولا أنفيه. إذاً، لنتفق. إن الأسلحة، الكيماوية والبيولوجية والنووية، خطر على العالم. وإن من واجبنا أن ننظف مناطق العالم، الواحدة بعد الأخرى، من هذه الأسلحة. إنني أتكلم، هنا، عن العراق. إذاً، من المؤكد، والثابت، أن في منطقتنا أسلحة، نووية وكيماوية، ولو فتشنا، بدقة، ربما نجد أسلحة جرثومية. ومن مصلحة العالم، والأمن والسلام، في المنطقة، وفي العالم، أن ننظف هذه المنطقة، وأن يوجد لها نظام للتفتيش، دقيق، وصارم، وعادل. وعند ذلك، نكون عادلين في منهجنا.

السيناتور دول: سيادة الرئيس، أريد أن أذكر شيئاً واحداً فقط. إنني أرحب ترحيباً عالياً بالشيء الذي قلتموه الآن. وإن هذه السياسة هي السياسة المحددة، التي تتبعها الحكومة. ولكن كيف سننفذ الذي تفضلتم به؟ وهذه مسألة أخرى. ولكن أعتقد، سنسعى ونحاول ذلك. النقطة التي أريد ذكرها، هي أنني أستطيع أن أقدر مشاعركم، حول أهمية أن توفروا لأنفسكم وسائل الدفاع. ولكن العالم، ينظر إلى مسألة تطوير أسلحة الدمار الشامل، بشعور أنها تزيد من المخاطر على البشرية.

الرئيس صدام: صحيح. ولدينا نفس المشاعر. ولكن، لدينا الرغبة في أن لا تكون موجودة في المنطقة.

السيناتور دول: أنا لا أعرف بكل ما تعرفه الحكومة الأمريكية. ولكنني لا أعرف أن هناك قدرة بيولوجية في التسليح الإسرائيلي. وأودّ، أيضاً، أن أجري تمييزاً بسيطاً، لكي نفهم بعضنا. هناك اختلاف بين البحث العلمي الأساسي، ومساعي تطوير الأسلحة الجرثومية.

الرئيس صدام: أنا أقصد البحث العلمي الاعتيادي، وليس تهيئة الجرثومة، كسلاح، أي البحث في التعامل مع أية جرثومة، لأغراض علمية. وإلاّ فأنا أعرف أن إجراء البحوث عليها، لأغراض عسكرية، يعني استخدامها كسلاح جاهز.

طارق عزيز: أنتم سمعتم تصريح الرئيس صدام حسين، حول استعداد العراق لإخلاء منطقة الشرق الأوسط بكاملها.

الرئيس صدام: بما في ذلك إيران.

طارق عزيز: نعم، بما في ذلك إيران، وكل المنطقة، من كل أنواع أسلحة الدمار الشامل. وهذا تصريح رسمي، ويلزم الحكومة العراقية. وبإمكانكم أن تعلنوه. أنتم ذاهبون إلى إسرائيل، هل تستطيع أن تحصل على تصريح مماثل، من الحكومة الإسرائيلية؟ أنت تعرف السياسة الإسرائيلية"، يا سيناتور. لا أعتقد أنك ستستطيع أن تحصل على التزام، بهذا الوضوح، من رئيس وزراء إسرائيل، كما حصلت على هذا الالتزام من الرئيس صدام حسين.

السيناتور دول: اسمحوا لي أن أقول، إنني، كواحد من الأعضاء، سأعمل للحصول على هذا التصريح.

طارق عزيز: أنت سعيت للحصول على هذا التأكيد من رئيس العراق، وقد حصلت عليه. أرى أنك ستسعى للحصول على مثل هذا التصريح من إسرائيل، ولكنك لن تحصل عليه. وأرجو أن تقول هذا، في الكونجرس الأمريكي.

السيناتور دول: وإذا ما توافرت لي فرصة أخرى، فسأسعى للحصول على نفس التأكيد من قادة إيران. ولكنْ، ممنوع عليَّ حتى السلام، أو الحديث معهم.

الرئيس صدام: ولكنْ، مطلوب أن نروج لهذا الكلام. أعتقد أن العالم كله يقتنع بمثل هذه الأفكار، والمنطقة، كشعوب، تريدها، وربما أن وقت طرح هذه الفكرة، الآن، داخل إسرائيل، مؤات. إذاً، على الكونجرس، بدل أن يبحث فرض عقوبات على العراق، أن يبحث فرض عقوبات على إسرائيل، إن لم تستجب لهذه الأفكار.

السيناتور موركوفسكي: أعتقد أننا أتينا إلى بلادكم، سيادة الرئيس، ونحن ندرك تاريخ الشرق الأوسط. ونقر بوجود تاريخ الصراع في هذه المنطقة، وأنكم ما زلتم في عملية هذا الصراع، بعد حرب طويلة مع إيران. وأنكم ما زلتم في عملية إعادة ترتيب الأوضاع في بلادكم. إننا في الولايات المتحدة، كما أعتقد، ننظر إلى منطقة الشرق الأوسط، كأنها برميل بارود متفجر. توجد فيها كميات هائلة من الإمكانيات الحربية، العسكرية، والأسلحة المتقدمة تقنياً. وفي أوروبا الشرقية، لدينا جو من السلام. وننظر إلى هذا الجزء من العالم، وأن التوتر فيه هو عال جداً. ولهذا، جئنا إليكم، سيادة الرئيس، بحُسن نية، ونحن نتطلع، قدماً، إلى الفرص التي تتيسر لنا الآن ... في إسرائيل، الآن، توجد عملية إقامة حكومة جديدة. ويبدو لي أن هناك فرصة ذهبية، الآن. ونحن في مناقشاتنا مع رؤساء الدول في المنطقة، كان كل الرؤساء يؤكدون، بقوة، قناعاتهم بأن الفرصة، الآن، مؤاتية. ولكن، لكي يتحقق السلام الحقيقي، فإن التزاماً من الأطراف المعنية، ينبغي أن يوصل إلى موقف توفيقي، كما يحدث في أجهزتنا التشريعية، في الولايات المتحدة، أي أننا نتفق على حل وسط. أعتقد أن الرسالة، التي جئنا بها إليكم، سيادة الرئيس، وهي رسالة من رئيسنا، رئيس الولايات المتحدة، هي أن نحثكم، سيادة الرئيس، كقائد في هذا البلد، على أن تنضموا إلى القادة الآخرين، في هذه المنطقة، لكي تستغلوا أو تسفيدوا من هذه الفرصة الزمنية، التي تتوافر الآن. وأنا أقدر عالياً صراحتكم، ووجهات نظركم، بخصوص حماية بلادكم، وهذا شيء نتفهمه. ونشعر أن هناك قلقاً مماثلاً في إسرائيل؛ إذ أنهم، أيضاً، يدركون أن الفرصة، الآن، تتوافر، وأن عليهم أن يستفيدوا منها.

الرئيس صدام: حتى الآن، لا يظهر هذا بوضوح.

السيناتور موركوفسكي: أنا أفهم هذا.

الرئيس صدام: لأن الذي يسعى لهذه الهجرة الواسعة إلى الأرض المحتلة، ليس هنالك ما يقنع بأنه يريد السلام؛ فأين يضع هذا العدد؟ أنتم تعرفون، أن في غزة أكثر مما يكفي من كثافة السكان. وتعرفون القدس، كذلك. وباقي الأراضي المحتلة، فهي، بالكاد، تستوعب عدداً بسيطاً جداً. نحن ننظر إلى هذا العدد، وهذه الهجرة، بأنها مرتكز لتوسع جديد.

السيناتور ميتزنبوم: في منطقة النقب، هناك أراض واسعة، لاستيعاب المهاجرين.

الرئيس صدام: لو كان النقب صالحاً للسكن، لتم السكن فيه من قِبَل العدد الموجود في إسرائيل.

السيناتور ميتزنبوم: هناك بعض الناس، يبنون مستعمرات في النقب.

الرئيس صدام: إنه عدد محدود.

السيناتور سيمبسون: أنا أستمتع، عندما ألتقي بالناس الصريحين الواضحين. وهذا، طبعاً، نحن في الغرب المتوحش (الكاوبوي). الشيء الذي يصعب علينا فهمه، هو أنه، أحياناً، عندما نفقد أو نخسر قضية، نحن لا نفقد حياتنا، ونحن ـ الخمسة ـ كما قال السيناتور دول، قادة في مجلس الشيوخ. وواحد من الأسباب، التي دفعتنا لأن نتصل، هاتفياً، بالرئيس، ليلة أمس، وقلنا للرئيس إن مجيئنا إلى العراق سيكلفنا كثيراً من الشعبية، وسيهاجمنا الكثير على هذا المجيء للعراق. إن السيناتور ميتزنبوم، بشكل خاص، أبدى شجاعة حقيقية، في أنه جاء بهذه اللحظة. ولكن قال الرئيس بوش: اذهبوا. وأنا أريدكم أن تذهبوا. وهناك الكثير من الأمور، التي ينبغي أن تطرح، ونشترك فيها مع العراقيين. وبعضها قالها السيناتور دول، وهي موجودة، أيضاً، في الرسالة. وأنا قد قرأت الرسالة، التي كتبناها نحن إليكم، سيادة الرئيس، إلى الرئيس بوش، وكان إلى جانبه مستشاره لشؤون الأمن القومي، سكوكروفت. وبعد هذه الأشياء، هناك شيء يجب أن يقال. وهو أنه ليست هناك مؤامرة في الحكومة الأمريكية، أو في إنجلترا أو في إسرائيل، للقيام بأي شيء ضد هذا البلد. والشيء الآخر، قال الرئيس: إذا ما انتُقدتم بسبب زيارتكم للعراق، فإنني سوف أدافع عنكم، وأتحدث نيابة عنكم. ولكن الأشياء التي ذكرتموها، الآن، وتحدثتم عنها، هي نفس الطريقة، التي تحدثنا نحن فيها، حول الاتحاد السوفيتي، في الولايات المتحدة الأمريكية. من الذي سيضرب الآخر أولاً؟ من الذي سيضغط زر القنبلة، أولاً؟ من الذي سوف يحول نصف الولايات المتحدة إلى كرة نارية؟ وفي تلك العملية ونحن نقول ذلك، بذخنا مبالغ طائلة. والآن، سوف نقلص ميزانيتنا، ما بين 150 ـ 180 مليار دولار، من الميزانية العسكرية.

    بغض النظر، فيما إذا كانت مساعي السلام، أو محادثات السلام تستمر أو لا، ينبغي أن تعلموا، وأنتم تعرفون، سيدي الرئيس، أن وزير الخارجية، بيكر، ووزير الخارجية، شيفارد نادزه، أصبحا صديقين، ويذهبان لصيد السمك سوية، في النهر. وأن الفيلد مارشال، أكرامايوف، وكراو، رئيس الأركان الأمريكية، أخذا يؤسسان، الآن، منظمة من أجل السلام في ما بينهما.

الرئيس صدام: لأن كليكما تريدان السلام، ولديكما الإرادة على السلام.

طارق عزيز: لا يوجد في إسرائيل جورباتشوف.

السيناتور سيمبسون: ربما يأتي أحد.

الرئيس صدام: لو كان أحد في إسرائيل حكيماً، لعمل المستحيل، الآن، من أجل أن يتحقق السلام، وليس بعد عشر سنوات.

السيناتور سيمبسون: نحن ندرك جميعاً، أن عليهم أن يتخذوا شيئاً مختلفاً، في حكومتهم. لكنني أقول إن الرئيس بوش، والرئيس جورباتشوف، أخذا يقتربان من بعضهما، وأصبحت هناك علاقات شخصية بينهما. ولكن الشيء الأخير، تتحدثون عن الديموقراطية، أن الديموقراطية مسالة مزعجة جداً، ومربكة. أعتقد أن مشاكلكم مع الإعلام الغربي، وليس مع الحكومة الأمريكية. طالما كنتم أنتم معزولين عن الإعلام، الصحافة، وهي صحافة مغرورة ومدللة، وكلهم يعدون أنفسهم علماء سياسيين عباقرة. أي كل الصحفيين. ولا يريدون أن يروا أي شيء أن ينجح، أو أن يحقق أهدافه. الذي أنصح به، هو أن تجعلوا أولاد الكذا هؤلاء، أن يأتوا إلى هنا، ويروا.

الرئيس صدام: أهلاً وسهلاً. ونحن نتمنى أن يأتوا ليروا. وبعد أن يروا، فليكتبوا ما يشاءون. كأن يقولون هذا لا يعجبنا، وذاك يعجبنا. أبداً، نحن ليست لدينا حساسية تجاههم، نتمنى أن يأتي الإعلام. وأخول السيدة السفيرة بالموافقة لكل الإعلاميين في أمريكا. ونرحب بمن يريد القدوم إلى هنا، وليس هناك فيتو على أحد. ولكن لدي تعليق إذا سمحتم.

السيناتور سيمبسون: سيعاقبونني، عندما أرجع.

الرئيس صدام: إذا سمحتم لدي ملاحظة. أنا أقدّر أن الإعلام يكون، أحياناً، مزعجاً، حتى للسياسة في البلد. قبل ثلاثة أيام، وأنا أطالع الصحف المحلية، قرأت شكوى لسيدة من محافظة القادسية على السلطة، تقول إن مواطناً هدم دارها، بواسطة الشفل، واشتكت عليه لدى السلطات المعنية، ولم تجد استجابة لشكواها. كان هذا الساعة الثامنة والربع صباحاً. فاتصلت بمحافظ القادسية، هاتفياً، وقرأت له الشكوى، وأبلغته بأن يركب سيارته، فوراً، ويتجه إلى هذه الناحية، ويلتقي بالسيدة وبالمسؤولين هناك. وبعد أن يتعرف على الحقيقة، يتصل بي، هاتفياً، حيثما كنت. فاتصل قبل الظهر من اليوم نفسه، وأخبرني بأن الذي حصل، هو أن هذه السيدة قد تجاوزت بالبناء على قطعة الأرض المجاورة لها، العائدة إلى المواطن، الذي تتحدث عنه، وأن المواطن رفع ضدها شكوى إلى القضاء العراقي، وحصل على قرار بإزالة التجاوز؛ ودور السلطات التنفيذية، هو أنها طبقت قرار القضاء. وسألني: بماذا تأمر؟ فأجبته: أنا لا آمر بشيء. فهذا حقه. لكنني كنت راغباً أن أرفع الهاتف على رئيس تحرير الصحيفة التي نشرت الشكوى، وأقول له، كان يفترض أن تتأكدوا من صحة الشكوى، قبل نشرها. لكنني لم أتصل، لأنني لو اتصلت، ربما سيقول رئيس التحرير مع نفسه، إن صدام حسين صار يتدخل بما يقلص حرية النشر، بينما هو يدعو لحرية النشر.

    ولكنني أعود إلى مسألة الحملة الإعلامية، وأتساءل مع نفسي، ومع السادة الحضور، إذا كان الحكومات، ليست هي التي تروج هذا الذي حصل، أو لنقل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، كيف حصل هذا الكم الكبير، بهذه الفترة القصيرة؟

السيناتور سيمبسون: سهل جداً.

الرئيس صدام: إذاً، لا بدّ أن هنالك جهة، تقف خلف هذا.

السيناتور سيمبسون: إنهم يتعايشون على بعضهم، كل واحد يأكل من الآخر، خبر رئيسي على الصفحة الأولى، في "النيوزويك"، يأخذه صحفي آخر وينشره.

الرئيس صدام: لنأخذ موضوع المتسعات (الصواعق)، مثلاً. فإذا كانت ممنوعة، كان يكفي أن يقال لمن يريد شراءها، إننا لا نبيعها. فإذا كانت ممنوعة على العراق، لماذا تدخل المخابرات الأمريكية بهذا الترتيب المعقد، بحيث تبيع، ثم تتفق مع المخابرات الإنجليزية، حتى إذا وصلت البضاعة إلى مطار لندن، يلقى القبض عليها، ثم توضع أمام التليفزيون؟ وهذا، طبعاً، عمل حكومي، وليس إعلامياً. الجانب الآخر، مثل هذا حصل في ما يتعلق بالموظف العراقي، الذي طُرد. وأنا، حتى اللحظة التي أتحدث إليكم، وأنا صادق في ما أتحدث به، لا أعرف سوى أن لدي موظفاً، في نيويورك، يؤدي واجباته، طبقاً للقانون الأمريكي. وفجأة، أُبلغنا بأن عليكم أن تسحبوه. من الذي يكلفه في بلادي بعمل غير قانوني؟ إن أول شيء خطر على بالي، هو أن أسأل المخابرات. والمخابرات أجابت، رسمياً، وأبلغتني، وأبلغت وزارة الخارجية، أن ليس من خططنا، وليس من سياستنا، ولم نكلف هذا الرجـل، لا من قريب ولا من بعيد، بأي عمل، ولا يوجد لدينا هدف من هذا النوع، في الساحة الأمريكية كلها.

طارق عزيز: أنا متأكد من صحة موقفنا، لأنني كنت أشرح للسيناتور دول، أن الشخص المتهم بالقتل هو طباخ، ومجرد رجل بسيط، صاحب عائلة، وأولاده، وعائلته مقيمون في الولايات المتحدة، ولا يمكن أن يكون مجرماً، ويذهب ليقتل أشخاصاً.

الرئيس صدام: لو كان يريد أن يقتل، لسفّر عائلته، أولاً، على الأقل.

السيناتور جيمس ماكلور: أنا والسيناتور ميتزنبوم، عضوان في اللجنة الأمنية في الكونجرس، وسنعمل على تحرير هذه المسألة جيداً.

الرئيس صدام: الملاحظة الثانية، والأخيرة، على الإعلام، هي لو أن الإعلام في بلدي، يسيء إلى علاقتنا بإحدى الدول، التي نريد أن نقيم معها علاقات جيدة، ولا أستطيع أن أتدخل بما يمنعه عن الكتابة، سأظهر في التليفزيون والإذاعة والصحف، وأقول الحقائق، وأدلي برأيي. عند ذلك، سأضع الصحافة في حرج.

السيناتور ميتزنبوم: سيادة الرئيس، ربما لديكم معلومات مسبقة عني. إنني شخص يهودي. ومن المناصرين المتحمسين لإسرائيل. وكانت لدي بعض التحفظات، حول ما إذا كان ينبغي أن آتي في هذه الزيارة.

الرئيس صدام: أكيد أنك لن تندم، بعد ذلك.

السيناتور ميتزنبوم: لا، لست نادماً. أنت تُصور، سيادة الرئيس، في الإعلام الغربي، بطريقة سلبية جداً. وأنا لست الشخص المناسب، لأكون رجل علاقات عامة لصالحك. ولكن اسمح لي، أن أقترح عليك بعض الأشياء؛ لأنني أهتم بالسلام، أكثر مما أهتم بأي عامل محدد. أنا لا أريد أن أتحدث بما إذا كانت الضفة الغربية كلها، يجب أن تعطى، أو نصف القدس أو أية أجزاء أخرى. هذه مسألة تترك للأطراف المعنية. ولكن، وأنا جالس هنا، وأستمع إليكم لحوالي هذه الساعة، أدركت أنكم رجل قوي، ورجل ذكي، وتريد السلام. ولكني مقتنع، أيضاً، أنكم، أيضاً، قلقون مما حدث في الماضي، سواء كان هذا يتعلق بأمريكا أو إسرائيل أو أية جهة أخرى، أي أنكم إذا ما حصل تغيير لديكم، يقودكم إلى التركيز على قيمة السلام، الذي نحن بحاجة لأن نحققه في الشرق الأوسط، فإنه لن يكون هناك قائد يقارن بكم، في الشرق الأوسط. سيادة الرئيس، إذا ما أكدتم على هذا الجانب، أنا أعتقد، سيادة الرئيس، أنكم يمكن أن تكونوا قوة مؤثرة جداً للسلام في الشرق الأوسط. وكما قلت، أنا لست رجل علاقات عامة لصالحكم.

السيناتور دول: أنا، في الولايات المتحدة، يصورونني بأني شخص عنيد. الرئيس بوش، كان يسعى لأن يبني أمريكا أكثر دفئاً، وأكثر عطفاً. وأنا أردت أمريكا أكثر قوة وشدة.

الرئيس صدام مازحاً: في هذا الموضوع، نحن نميل للرئيس بوش.

السيناتور دول: هناك شيء، بالنسبة لي خاصة، لو أنكم دعوتم كل الإعلام للمجيء إليكــم، لمـاذا لا تتحدوهم في أن يذهبوا إلى هذا المكان، الذي يدّعون أن الأسلحة البيولوجية تنتج فيه، تحدوهم أن يثبتوا هذا. عندها، لن يكون أمامهم، إلاّ أن يقولوا الحقيقة.

الرئيس صدام: في هذا الموضوع، كن على ثقة بأنه ليس هناك ما نخسره، لو قلنا لهم أين هي الأسلحة البيولوجية؟ أرشدونا إليها. ولكننا نعرف هذه الأجهزة الإعلامية، كما تعرفونها، إنها مثل الطفل المدلل، إذا ما أعطي قطعة حلوى، استجابة لرغباته، عندها يصرخ، فإنه سيظل يصرخ على طول الخط، ويطالب بالمزيد.

السيناتور دول: إن للإعلام مهمته، التي عليه أن يؤديها. وأنا لا أعتقد أن الإعلام، دائماً، هو على خطأ.

الرئيس صدام: وهو ليس، دائماً، على صواب.

السيناتور دول: أنا، أيضاً، أقول إنهم مخطئون دائماً، خاصة وأنهم يهاجمونني. أنا لا أتحدث عن نفسي، سيادة الرئيس، فأنا أتردد في الحديث عن نفسي، لأنني فقدت ذراعي اليمنى، منذ أربعين عاماً، بسبب الحرب. وهذا يذكرني، يومياً، بأن علينا جميعاً، أن نعمل، فكلنا لدينا خلافات. نحن، أحياناً، نحتقر بعضنا، لأسباب معينة، وفي إطار قضايا محددة. ولهذا، أُريد أن أؤكد لسيادتكم، قبل أن أغادر، بأن هدفنا الوحيد من المجيء إلى هنا، لأن هذه الزيارة مهمة جداً، وكما قال لنا الملك حسين، فإن هنالك باباً لفرصة، وإن علينا أن لا نفقد هذه الفرصة، وربما سنحتاج حرباً أخرى أو عقداً آخر من الزمن، ثلاثين سنة قادمة، لكي نحصل على فرصة مماثلة. وهذا يقودني إلى النقطة الأخرى، الأخيرة، التي أودّ أن أقولها، إن علينا نحن، أن نعمل من أجل علاقاتنا الثنائية. وإذا كان ثمة أي شيء، يمكن أن نعمله لتحسين علاقاتنا، فإننا إنْ فعلنا ذلك، فسيكون لمنفعة بلدَينا. وأخيراً، إذا كانت هنالك أية رسالة، تريدون أن ننقلها، نيابة عنكم، إلى الرئيس بوش، فسوف نكون شاكرين في إبلاغه هذه الرسالة، لأننا سنلتقي به شخصياً، عندما نعود، لنخبره بما حصل في هذه الزيارة المباركة.

الرئيس صدام: سلموا لي عليه. وانقلوا إليه ما قلته. وقولوا له، إن العراق يبادلك الرغبة في تحسين العلاقات، لإقامة علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، وخدمة مصالح البلدَين وخدمة السلام والأمن في العالم، وفي منطقتنا.

أنا مسرور أن ألتقي بكم. ومسرور لهذه المحادثات الصريحة. لكن، أرجو أن أقول لكم شيئاً، عندما تقول (نيويورك تايمز)، مثلاً، كلاماً يسيء إلى العراق، يردد هذا الكلام كذا راديو، ليس فقط في أمريكا، وإنما في الغرب. عندها لا يكفي أن تقول صحيفة الجمهورية في العراق كلامـاً مقابـلاً، لأن لا أحد يسمعها وعندها سيضطر لأن يقول نفس الكلام، الذي يفترض أن تقوله جريدة الجمهورية أو جريدة الثورة، العراقيتان، وزير الخارجية، أو وكيل وزارة الخارجية، وأحياناً صدام حسين، لكي يسمع كصوت مقابل، لأنه إنْ لم يقم بهذا، فلا أحد يسمع صوته. وربما ننتقد على هذا، إذ قد تشن صحيفة، مثلاً، أو عشر صحف، حملة، فيرد عليها وزير الإعلام. ثم إنْ من حقنا أن نشك، وعلى ضوء الشك، نحذر، لأننا لدغنا أكثر من مرة. إذاً، مع الزمن، ومع التصرفات المرئية بأنها تنطوي على حُسن النية، ستتعزز علاقاتنا، وستكتسب أرضية واضحة، للطرفَين، بما يجعل المستقبل بدون عقبات كبيرة. وبهذا، أنا لا أقول إن المستقبل، لن ينطوي على أية عقبة، لأن من طبيعة الحياة، أن يحصل اختلاف في وجهات النظر في السياسات.

السيناتور دول: حتى في العوائل.

الرئيس صدام: أهلاً وسهلاً.

السيناتور سيمبسون: أنا مارست القانون، في مدينة صغيرة، مدة ثماني عشرة سنة، فأكون قد مارست القانون، لفترة أطول من زملائي، في قضية يومية. وفي تلك السنوات الثماني عشرة، كان لدي حوالي 1500 قضية طلاق. وكل ما أفعله فيها، هو أن أستمع إلى الناس. وكل الذي أرادوه، هو أن يستمع إليهم أحد. وكل قضية طلاق حدثت، كانت تعود إلى سبب، هو أن الطرفَين، كان أحدهما يتعامل مع الآخر بالأسلوب البارد، أي أن التواصل في ما بينهما قد انقطع. وكان الاعتداد بالنفس والغرور، والتعنت بوجهات النظر، يوصل الحالة إلى الإنفصال. مهم جداً، سيادة الرئيس، أننا حتى لو كنا نتحاور مع بعضنا، بقوة وبشدة، وصياح وصراخ، وعنف وعراك، فإن علينا أن نستمر بالحوار، فلا نقطعه، وإلاّ سيحدث الطلاق الهائل بالعالم. أنا لست شخصاً مسالماً وإنما أنا أحب الحوار والعراك. وقد قال الرئيس بوش، قبل فترة، أنه يكره أن يأكل القرنبيط، لأن والدته كانت تُكرِهه على أكله له، وهو قرر أن لا يأكله أبداً، والإعلام الأمريكي كتب مئات المقالات والقصص على هذه القضية، وهناك بعض المقالات اللامعة التي ذكرت بأن هذا الحديث، لا يثبت أن الرئيس بوش ليس هو الرئيس المستضعف، الذي حاولوا أن يصوروه.

الرئيس صدام: أنا أفهم معاني الكلمات، التي تفضلت بها. وهي تصلح للعلاقات الدولية كلها، مع التعديل الآتي، لو زارني أحد الرؤساء من أفريقيا السوداء، من أصغر دولة أفريقية، لوجدتني أنا الذي أقود له السيارة، وأضيفه، وأعمل أموراً خارج البروتوكول. ولكن لو زارني رئيس دولة كبرى، لما عملت تجاهه، إلاّ البروتوكول؛ لأنه يوجد تكافؤ بيني وبين دولة الأفريقي، ولن يخطئ التفسير، عندما أتعامل معه فوق البروتوكول. لكن قد يخطئ التفسير جورباتشوف، وبالشكل الذي يؤذي علاقتنا، وأنا لا أريد أن أؤذي علاقتنا. إذاً، فأمريكا، الآن، وعلى الأقل خلال الزمن القادم، إما أن تدخل عقول الناس وقلوبهم، وإما أنها تخسر كل الناس على الكرة الأرضية. كلا الاحتمالين موضوعان بمستوى واحد، الآن، لأسباب تعرفونها. إذاً، فمطلوب من أمريكا، أن تظهر الحكمة للدول الصغيرة، أكثر مما مطلوب من الدول الصغيرة، أن تظهر الحكمة لأمريكا. ومطلوب منها أن تتحمل أكثر مما تتحمل الدول، الصغيرة والمتوسطة؛ لأنه في هذا، لا يستطيع أحد إن يقول أن أمريكا ضعيفة، أو إنها لا تستطيع، أو إن رئيسها ضعيف، أو إن إمكانياتها الاقتصادية ضعيفة، أو إن قدراتها السياسية غير ناشطة، لكن سيقولون أن أمريكا ستتصرف بمسؤولية وبحكمة وعند ذلك سيكون أمريكا مؤثرة أكثر، وسيكون حصادها له ثقل أكثر من حصاد الطريق الآخر. أهلاً وسهلاً.

السيناتور جيمس ماكلور: أعتقد أننا، خلال الأربعة أيام الماضية، تشرفنا بأننا التقينا برؤساء دول، وتيسرت لنا فرصة اللقاء معهم، كما تيسرت لنا معكم فرصة الحديث الصريح. ولدينا التزام في أن ننقل هذا الشيء، بشكل جماعي، عندما نذهب إلى إسرائيل، وتحت قيادة السيناتور دول. نحن في هذا، قد توصلنا، بشكل منصف، إلى أن الفرصة قائمة لحل سلمي، وتسوية سلمية للمشكلة القائمة في الشرق الأوسط، وممكن تحقيقها. وإن التأكيدات، التي أعطيتموها لنا، اليوم، ورغبتكم، تزيدان من التزامنا بأن نوصل هذا الشيء إلى إسرائيل. وهو شعورنا بأن هذه الفرصة قائمة الآن، وأننا سوف نعبّر عن ذلك، لأن قليلاً من الأمريكان، وقليلاً من الإسرائيليين، تيسرت لهم الفرصة، التي تيسرت لنا، الآن.

الرئيس صدام: أنتم أحرار، طبعاً، في التعبير عن قناعتكم. ولكن أرجو أن لا تنسوا، أن الذي يمثل القضية الفلسطينية لدينا، كعرب، هم الفلسطينيون، وياسر عرفات على رأسهم. وأعتقد أنه، الآن، صار واضحاً، أن أية جهة تتصدى، باسم الفلسطينيين، للقضية الفلسطينية، وهي غير مكلفة، لن تتوصل إلى حل سلمي. ولأننا نريد حلاً عادلاً، ونريد السلام، فالأفضل أن ندخل البيوت من أبوابها، وأبواب هذه القضية، هم الفلسطينيون.

السيناتور جيمس ماكلور: أشكرك.

الرئيس صدام: أنا مسرور، وأتمنى لكم التوفيق.



[1] السيناتور أرلن سبكتر، عضو مجلس الشيوخ، عن ولاية بنسلفانيا، استقبله الرئيس العراقي، صدام حسين، في 12 يناير 1990 

[2] الإشارة إلى تصريح الرئيس الأمريكي، جورج بوش، بتاريخ 3 أبريل 1990، الذي دعا فيه إلى سحب تصريح الرئيس العراقي، صدام حسين، بعد أن ناقش حيثيات تصريح الرئيس بوش، بعبارات مماثلة (وعلى أساس حق المقابلة بالمثل، فإننا نجد أن اقتراح الرئيس بوش، أن نسحب تصريحنا؛ إنما ينطبق على كلامه، وليس على كلامنا. وعليه، نعيد الاقتراح عليه، ليسحب كلامه، أو ليسحب اقتراحه