إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





وثيقة

وثيقة

كلمة الرئيس العراقي، صدام حسين

خلال استقباله الوفود العربية، المشاركة

في اجتماعات المجلس المركزي الطارئ، للاتحاد الدولي للعمال العرب

الذي عقد في بغداد

يوم الأربعاء، 18 أبريل 1990

    رمضان مبارك عليكم. أعاده الله على العرب، بالعز واليمن والبركة دوماً. وأعاده على الإنسانية، ممن لا يبغض العرب منهم، حيثما كان، في الكرة الأرضية، باليمن والعز والبركة. حيا الله العمال العرب. حياهم الله في بغدادهم. وفي بلدهم العراق، مثلما أن القاهرة والجزائر والقدس ودمشق، وسائر المدن والأقطار العربية، هي بلادنا.

    لقد وجدتكم تقنعونني، وتقنعون الشعب العراقي، الذي هو شعبكم، بصواب الموقف. ولذلك، لن استخدم، لا تحليلاً ولا مفردات، ما يثقل عليكم في تكوين القناعة بصحة الموقف.

    كل الذي سمعته منكم، وكل الذي قلناه في بغداد، وفي عمّان، قبْل بغداد، هو أننا أمة مثلنا، في الحقوق الإنسانية، مثل الإنجليز والأمريكان والألمان والسوفيت واليابانيين والكوريين. ومن حقنا أن نعيش، لا لنأكل، وإنما نعيش لنصنع دورنا الإنساني المتميز، كما علمنا تاريخ أجدادنا، من قبْل، ونقوم بواجباتنا الإنسانية المتميزة، وليست الطبيعية فحسب، أي أننا نقيم أركاناً قوية، في أمة كرمها الله I لتكون أمة الرسل والأنبياء، وأمة القرآن، وأقصد بهذا التعبير، أن القرآن كلام اللهI ، ولكن اللهI ، خص أمة العرب بالتكريم الوارد نصاً، في كلام الله، وبإصرار الله I على أن يكون الأنبياء والرسل من أمة العرب. لذلك، فإن أمة العرب، وليس غيرها، هي أمة القرآن.

    إذاً، من حقنا أن نعيش بعز. ومن حقنا أن ندافع عن حقوقنا. وحيثما وجد شبر عربي مغتصب، يجب، وليس ينبغي، أن يعود. وبهذا المعنى، تكتسب تضحياتكم، كعرب، على البوابة الشرقية، لحرب أرادها أن تستمر ثماني سنوات، معاني تاريخية إضافية، في عمقها، وفي أثرها، عندما تمتد كشرايين حياة، تلتقي مع شرايين الحياة الأخرى، في جسم العرب، من شرق الوطن إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه.

    لماذا البعض منزعج؟ ولماذا يتحاملون هكذا، الآن، وبلا غطاء، وبلا حياء؟ لأنه أدرك أن أمة العرب تنهض، وإنْ اختلفت درجات النهوض؛ وأنها تعاون بعضها البعض، رغم اختلاف تجاربها. في السابق، كان اختلاف التجارب عنواناً للتضادّ، الذي يضعف القوى، والتناحر، الذي ينهك الحال. وفجأة، يكتشف الأعداء، أن تباين الألوان والاتجاهات، وتناول الحياة من زوايا مختلفة، ليس، بالضرورة، أن يكون هو الحال، التي اعتادوها، والذي ينبغي أن تؤدي حكماً إلى الاصطراع، وإنما هي عملية اختبار للحالة الأصوب، من خلال تباين النظرة في الزوايا التي يأخذها كل عربي، بموجب المكان الذي هو فيه، والموقف الذي هو عليه. ولكنها كلها، أصبحت تصب في مجرى مشترك، هو مصلحة الأمة العربية، أو في الأقل، هذه هي الحال، في غالبية وصفها العام.

    كان رهانهم قائماً على أن بالإمكان قهر العرب، عن طريق إسرائيل، أو غير إسرائيل؛ لأن إسرائيل تمتلك خبرة العالم، لحرب أربع سنوات أو تزيد بقليل، وهي الحرب العالمية الثانية. وأن العرب لا يمتلكون مثل هذه الخبرة. وفجأة، وجدوا أن بلدهم المتواضع، العراق، أصبح يمتلك خبرة حرب، هي ضعف خبرة الحرب العالمية الثانية.

    وإن هذه الخبرة، بالمفهوم القومي، الذي تحدث عنه الأخ حسن، والأخ حيدر ـ ليس بالإمكان أن تكون خبرة عراقية، وإنما هي خبرة للأمة؛ لأن الصمود فيها، والقتال دفاعاً عن القيم، التي تعرفونها، كانا بموجب قياسات الأمة ومبادئها، وليس بموجب قياسات ظرفية أو قطرية، أو بموجب قياسات سواقَّ صغيرة.

    وبدأت، فجأة، تحاك مؤامرة جديدة، بعد أن فشلت، فجأة، المؤامرة التي تعرفونها، المؤامرة التي دامت فيها الحرب ثماني سنوات. وشعروا بالندم، بعد أن فشلت هذه المؤامرة.

    ما هي عناوين العصر للأمم، لتصبح أمماً محترمة من الغير، وليس من أبنائها فقط؟ إنها العلم والتقنية، والثروة المرتبطة بها وليست المنفصلة عنها، والإنسان الذي هو سيد هذا. وقد وجدوا في العراق كل هذه الأركان، رغم أنه قاتل ثماني سنوات. ومن الطبيعي، أن البلد الذي يقاتل ثماني سنوات، في حرب نظامية، كالحرب بين العراق وإيران، بأحدث ما موجود من وسائل القتال ـ يحصل فيه هدر اقتصادي. ولكن، صار واضحاً، أن الإنسان في العراق، أصبح قادراً على أن يجعل هذه الحال مؤقتة، وأن يجسر على هذه الحال، ويعبُر إلى الضفة الأخرى. وكان كل الغرب معجباً بالعقل الإسرائيلي، لأنه استطاع أن يطوع التقنية الغربية، ويتعامل معها، ويبتكر فيها؛ مع أن العقل الإسرائيلي يستخدم العقل الغربي، والعقل في الدول الاشتراكية الأخرى، عندما يهاجر من هذه الدول إلى إسرائيل. وفجأة، وجدوا أن العرب، قد تعاملوا، أيضاً، مع الأسلحة الحديثة، بتفوق. وأنهم تعاملوا مع التقنية، ومنحوها الجنسية، القومية والوطنية، مثلما تفضل به الأخ حيدر.

    وعلى هذا الأساس، عندما كانوا يطبلون على الكيماوي، كانوا يفكرون أنهم يضربوننا. دعهم يتقدموا ليضربوا؛ والحرب عندما تندلع يحصل فيها ضرب، ونحن أناس جربناها، ولدينا خبرة حرب، ونعرف ماذا تعني الحرب. إن الهدف إذا حصل عليه تركيز، يمكن أن يُضرب. فإذا ما ضُرب، نبني بدله عشرة، لأن المعمل الذي نعمل فيه الكيماوي، الآن، غير مستورد من هنا أو هناك. إننا استوردناه في المرحلة الأولى، بصورة أو بأخرى. ولكننا، الآن، نصنع هذا المعمل نفسه. فماذا يعني ضربهم؟ وماذا يضربون، إذا كان هذا البلد يصنع المعمل، ويصنع المواد الأولية داخله؟

    يريدون أن يضربوا قواعد الصواريخ، التي نصبناها؟ نعم، نحن نصبنا قواعد صواريخ، وهذا صحيح. وهي متجهة باتجاه الغرب، وليس باتجاه الشرق. أي باتجاه إسرائيل. فإذا ضربوا قاعدة صواريخ، ماذا يعني هذا؟ هل هو فقط هذه القاعدة المبنية؟ إن الصواريخ لدينا متحركة على قواعد؛ تراها اليوم موجودة في بغداد، وغداً في الموصل، وبعدها تضربهم من البصرة، ثم تضربهم من السليمانية، وبعده من محافظة القادسية، وتضربهم كل ساعة من مكان آخر. والقاعدة التي يضربونها، ويدمرونها وهي على الأرض، نصنع ونبني بدلها قاعدة أخرى. يتصورون أن معمل الصواريخ، يقع في "بنكلة" مثل هذا المكان، في حين أن كل قطعة من الصواريخ، في مكان.

    إننا دخلنا حرباً لثماني سنوات، ونعرفها. فكيف يمكن لأحد أن يعرف كيف تأكل النار الذهب، ويضع مصوغات زوجته في "قاصة"، مثلاً، وهو يعلم أنه عندما يحرقون الدار يخسر الذهب؟ وإزاء ذلك، هل نبني الصواريخ في مكان واضح؟ ففي كل معمل، مدني وعسكري، تُصنع حلقة وجزء من الصاروخ. فهل يضربون كل المعامل في العراق، والمعامل التي يرونها والتي لا يرونها؟

    وعليه، يجب أن يقطعوا (النفس). وإذا أرادوا أن يفكروا بهذا، فعليهم أن يعيدوا التفكير من جديد، وعليهم أن يضعوا حقوق العرب على الطاولة، واحداً بعد الآخر. فلسطين لأهلها، والقدس لأهلها. وإذا كان لديهم حق، يطالبوننا به، فنحن أناس لا نجافي الحق، نحن أمة تخشى الله، وتلتزم بالقيم الإنسانية. فمن لديه حق علينا، من كل الكرة الأرضية، وحتى إذا كانت له بذمتنا (جلدة)، فندير ظهرنا ليجلدنا (جلدة)، إذا كان له حق لدى أكبر واحد فينا، وليس أصغر واحد فينا. ولكن الذي لدينا حق عنده، عليه أن لا يتصور أننا ندعه ينام الليل، من دون أن نأخذ حقنا منه.

    لقد ولّى ذلك الوقت، وقت أيام زمان، الذي كانوا يتطاولون فيه على الأمة العربية، من دون أن يقول لهم أحد، بقوة مقتدرة، وبقوة قادرة على الفعل، وليس بقوة الكلام، عليكم أن لا تتطاولوا على العرب. وإذا تصور أحد، أن بإمكانه أن يبني مجده على أنقاض العرب، فهو واهم. وإذا كان بإمكان أحد، أن يتصور أن يحقق الرفاه لشعبه، ويبقى العرب حفاة، عراة، فهو واهم، أيضاً. وإذا تصور أحد، أنه مسموح للكوريين أن يتقدموا، وللأمريكان أن يتقدموا، ولتايوان أن تتقدم، وغير مسموح للعرب أن يتقدموا، فهو واهم، كذلك.

    هذه هي خلاصة رسالتنا إلى أنفسنا، لأننا آمنّا بها، حرفاً حرفاً، وتشربت في نفوسنا وعقولنا، قبْل أن تصبح برنامجاً، وغُطِسَتْ بالدم، حتى أصبحت قانية، عبْر كل التضحيات التي تعرفونها. إذاً، فليس بمقدورنا، أن نغير ما آمنا به؛ والذي آمنا به هو حق، وخلاصته نحن بلد نريد أن نعيش، وفق معنى العيش، الذي قلته. ونحن أمة عربية واحدة، وإذا كنّا من أكثر من اتجاه وأكثر من دولة، لكننا أمة واحدة، لها الحق في أن تعيش بكرامة وبعزّ. فهل في هذا المنهج عدوان على أحد؟ إن هذا ليس عدواناً. ولكن من يتصور ويقول أنا أعتدي، أو يعتدي، ولا يوجد من يردّ عليه، فهذا التصور صار وقتاً من الماضي. فإذا تصورت إسرائيل، أن بغداد تخاف من القنابل، أقول إذا كان هذا الجبل يخاف، فإننا نخاف أن يطلع علينا أبو جعفر المنصور، ويقول لنا: لا تخافوا. ثم إن بغداد ضُرِبَتْ بالقنابل والصواريخ، وتعلمت على الصواريخ والقنابل؛ إذ إن بغداد، كانت تضرب بالصواريخ والقنابل، لمدة ثماني سنوات.

    إنها تضرب لثماني سنوات، وأطفالها ينشدون أناشيد الحياة، ويغنون بالوطنية والقومية، والحق والعروبة والإنسانية. وإذا كان هناك من يظن، أنهم إذا بدأوا بالحرب، ستكون حرب أيام، فهُم على وهم، أيضاً. والله! لا ندعها تكون حرب أيام. إذا بدأوا بالحرب، فإن نفَسنا طويل، وسنطولها. وسندع العربي، الذي لم يسمع بالحرب، في أيام، ليحتشد ويحشد قدراته وإمكانياته. وإذا لم يسمع العرب بالأيام سيسمعون بالأسابيع. وإذا لم يسمعوا بالأسابيع، سيسمعون بالأشهر. وإذا لم يسمعوا بالأشهر، سنجعلهم يسمعون بالسنين. ومثلما تتصور إسرائيل، أنها تعبُر دولاً، لتأتي وتضرب العراق، فإننا سنَعبُر دولاً، ونضرب إسرائيل.

    وإسرائيل ستعبُر دولاً، وبعضها ليس بموافقتها، لكننا نحن ـ العرب ـ لدينا اتفاقية دفاع مشترك. وبموجب اتفاقية الدفاع المشترك، إن الأرض العربية واحدة، وساحة معركة واحدة، والجيوش واحدة. كما أن الصواريخ، ليست بحاجة إلى أرض، فبإمكانها أن تضرب من العراق. والطائرات تحتاج إلى سماء فقط، وليس لأرض، وطائراتنا تصل وتغطي كل إسرائيل، فلا يوجد عذر، ولا أحد يعذرنا.

    أُريد أن أشرح لكم خواص أسلحتنا، حتى لا تقدموا عذراً للعراقيين. إن صواريخنا تصل إلى إسرائيل، وطائراتنا تصل إلى إسرائيل. إن إسرائيل تغتصب الحق الفلسطيني. ولكنها ليست معتدية، من وجهة نظر أمريكا وإنجلترا، ومن يمضي في ركبهما. وإسرائيل ترتكب، يومياً، جريمة، ليس في اغتصابها للأرض فحسب، وإنما في قتلها للإنسان الفلسطيني. لكن هذا، لا يعد جريمة، في نظر هؤلاء. وهناك 23 مليون أمريكي مرميون على قارعة الطرق، ويبحثون عن أكلهم اليومي بين النفايات. لكن هذا، ليس انتهاكاً لحقوق الإنسان، في نظرهم. كما أن ابتزاز العرب، وسرقة أموالهم، وإبقاء بعضهم حفاة، حتى الآن، والكثير منهم مصابون بأمراض نقص الغذاء، ليس انتهاكاً لحقوق الإنسان، في نظر هؤلاء. في حين إعدام جاسوس، يتجسس لحساب إسرائيل في العراق، يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان. فهل هناك بعد هذه العناوين، ما هو أكثر مهانة للعرب لكي يثوروا، وينتفضوا ضد الظلم والتعالي والغطرسة، الإسرائيلية أو الأمريكية أو البريطانية؟

    نعم، إخواني العمال العرب، مطلوب أن نُشعر المعتدي، عندما يعتدي، بأن مصالحه كلها مهددة، حيثما استطعنا أن نصل إليها، كل واحد حسب إمكانياته وقدراته. وقدراتكم ليست قليلة، وأنا أعرف أنها ليست قليلة. حتى لا أعطيكم المجال ـ وحاشاكم ـ أن تتكئوا على هذا، لتقولوا أن إمكاناتنا قليلة. وأنا شرحت لكم إمكانات العراق، كي لا تعطوا للعراقيين مجالاً، عندما لا يردّون، بقوة، على المعتدين. وأقول، الآن، إن إمكانيات العمال العرب، ليست قليلة، وليست محدودة. وهم منتشرون في كل مكان. ولكن، في كل الأحوال، مطلوب أن نضع في اعتبارنا، أن الكل يأخذ دوراً، من موقعه؛ القائد من موقعه في الموقع الرسمي، والحكومة من موقعها، والمنظمات، الجماهيرية والشعبية والنقابية والسياسية، من موقعها، كل واحد يأخذ دوره، من موقعه. وعندما نتهيأ، ويرسم كل واحد منا دوره، ويظهر منه شيء بيّن، كونوا على ثقة بأن الكثير من حقوق العرب، ستسترجع، من دون الحاجة إلى إطلاق المدافع. والبعض الذي لا يسترجع إلاّ بالمدافع، علينا أن نستخدم المدافع لاسترجاعه. وعندما ترسم كل جهة مسارها، الذي تقتنع به، وتجتهد طبقاً له، لا يحصل التصادم في القدرات، ونستنزف ونحن في مكاننا، مثلما كان يحصل في الكثير من التجارب السابقة، حيث كان التصادم والتعارض، يحصل بين الرسمي وغير الرسمي. فيدخلون معركة، يتفرج عليها الأجنبي، ويدخل هذا القطر أو ذاك في معركة، والأجنبي يتفرج. أو بين العمال وغيرهم، والأجنبي يتفرج. والآن، فإن الخطر، هو مثلما وصفتموه. ولا أريد أن أزيد. والحقوق مثلما تحدثتم عنها، وهي بيّنة.

    إذاً، علينا أن نحدد المهام. ومن ناحيتنا، سنعطيكم فرصة، كأشقاء عرب. فإذا جاء الإسرائيليون لضربنا، مرة واحدة، فلا نكتفي بالرد عليهم، مرة واحدة، ونسكت. إلاّ إذا ضربونا، سنستمر ونستمر بالضرب، إلى أن تستنفر أبعد قدرة في الأمة العربية، لكي تأخذ الأمة العربية فرصتها في استنفار قدراتها. وفي كل هذا، سنستعين بالله، وبالحق، ونتوكل على الله.

نتمنى لكم التوفيق.