إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





وثيقة

وثيقة

حديث الرئيس العراقي، صدام حسين

أمام الوفود المشتركة في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد البرلماني العربي

الذي عقد في بغداد

يوم الجمعة 20 أبريل 1990

بسم الله الرحمن الرحيم

    أكرر، إخواني، تهنئتي لكم، بأن يعيد الله رمضان عليكم، والأمة العربية والأمة الإسلامية، بحالة أفضل.

    وكما نعرف من الدروس، التي لقنها الله لجبريل، ومن ثم، وصلت إلى محمد r، كرسالة إلى الإنسانية، أن أهم ما يجعل الإنسان بخير، هو أن تكون حقوقه، التي أقرها له الله، مصونة، وأن ينعم بالسلام والأمن. وهذا هو جوهر ما تحدثنا به، كعرب، في كل المؤتمرات، وفي كل ما اجتهدنا به من تصريحات. قد لا تكون التصريحات بنفس التعبيرات اللفظية، لكن هذا هو جوهرها. إن من حق العرب أن يعيشوا كأمة، مثلما خُلقوا، وأن تكون حقوقهم مصونة، طبقاً لما أقره الله I.

    ومثلما هو معروف لكم، كرجال مجربين، يبدو أن عصر اليوم، لا يقيس الأمور حسب قياسات الله I، ولا بأية حالة من الحالات. وخاصة أولئك الذين يسمون أنفسهم بالكبار. وكما قلنا في أكثر من مناسبة، وكان حضور العرب ماثلاً أمامنا، في كل ما نقوله، قلنا بأننا لن نستسلم للقياسات المادية، أي لمعنى الكبر والصغر، وإنما سنسعى وسنسعى ونتشبث بقياسات الرحمن، لأنها القياسات الأبقى، والقياسات التي لا يظلم بها أحد؛ وإن السعي، هنا، جهاد. ولو طبقت هذه القياسات، لكانت الحقوق، في القدس وفلسطين، واضحة. ولكن، هناك من يقول إن العرب في حالة، لا يستطيعون فيها أن يدافعوا عن حقوقهم. وفق هذه الحالة، ينبغي بموجب تصور من يقول هذا، أن يتم استخراج حالة، تسمى حقاً لآخرين، على حسابهم. لكننا لن نستسلم لمثل هذا المنطق. وعندما أقول لن نستسلم له، أقول هذا الكلام، كعربي أولاً، وكمسؤول، ثانياً؛ لأن هذا هو جوهر ما يدور عن العراق، وليس لأن للعراق أطماعاً أو نزعة عدوانية، أو سعياً للاصطدام بأحد، أو سعياً ليس مرتبطاً بالمطالبة بحق؛ وإنما لأنه عربي، ولأن بعض من يجتهد بأهمية شن الحملة الظالمة على العراق، بأن العراق وصل إلى حال يبدو، وفق تقديراتهم، بأنها الحال غير المسموح بها. وربما هناك حالات أخرى، في الوطن العربي، في قياساتهم، يعتقدون أنها حالات غير مسموح بها. لكنهم رأوا أنه مطلوب منهم، أن يختاروا حلقة من بين الحلقات القوية، ليركزوا عليها، وبتصورهم، أن هذه الحلقة، يمكن عزلها عن حال الأمة العربية، وعن جسم الأمة العربية، وعن تضامن الأمة العربية، وبالتالي، فبالإمكان إضعافها، لتكون درساً أولاً لكل الحلقات القوية في الوطن العربي.

    وأمر طبيعي، أن يكون حال الحلقات الأقل قوة، بموجب هذا الجو، وبموجب النتائج، التي يتصورون أنهم قادرون على أن يستخرجوها من هذه المنازلة، بوضع آخر؛ وأنتم تقدرون كيف تكون. ولكن هذا ما يريدون هم. وما يتمنونه هم، فهل هذا يلائم العرب؟ نحن وجّهنا هذا السؤال إلى أنفسنا، قبل أن نسأل، هل يلائم العراقيين؟

    وأجبنا بأنه لا يلائم العرب؛ لأنه إن حصل، فسيضع الحالة العربية بمستوى غير لائق.

    إذاً، نقول: لا، وبقوة. هو حالة تحتاجها الأمة، وليس العراق فقط. وعندما تحتاج الأمة إلى حالة رفض، فمهْما تكن التضحيات، ينبغي أن توزن بمستوى الخسائر، التي تتحملها الأمة، في حالة أن يكون الموقف على غير ما هو عليه الآن.

    من هذا المنطق، توكلنا على الله، وقلنا: لا، وبقوة، معلنة، ومكررة، حتى أمام من زار العراق من أعضاء الكونجرس، بل وقلنا لهم أكثر من هذا، قلنا لهم: هل فقدتم إنسانيتكم إلى الحدّ، الذي ترتب فيه على العرب واجب إضافي، لينقذوا إنسانيتكم من مستوى الضغط الواقع عليكم، صهيونياً، والذي أصبح يحرفكم عن مجرى الرؤية الإنسانية؟ هذا نص ما قلناه. وقلنا لهم، أيضاً، والكلام منشور: هل المطلوب أن يكون عدونا مسلحاً بكل أنواع الأسلحة، وأن لا نتسلح بأي شيء؛ لأننا عرب، أو نتسلح بحدود تبقي أعداء العرب قادرين على أن ينازلوا كل العرب، بكل أسلحتهم، ويتفوقوا عليهم؟ هل هذا هو الذي أراده الله للعرب، حين خاطبهم I بقوله: ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ[ 

    إذاً، فإن الله أراد للعرب مكاناً بيّناً، واضحاً، محدداً، في القرآن الكريم، ابتداء من اللغة التي فضلها، إلى المكانة التي أعطاها للعرب، بالإصرار في أن يكون كل الأنبياء والرسل من العرب.

    وعمليتهم هذه، هي ضد الله، أولاً، قبل أن تكون ضد العرب. وهذا في مفهومنا، كعرب مسلمين، أو كعرب من مختلف الديانات، وليس فقط كمسلمين. وهذا مفهوم العرب المسيحيين، كذلك، لأن المسيح u عربي، أيضاً، بل وفي مفهوم موسى، أيضاً، أن هذا العمل هو ضد الله I.

    إذاً، من حقنا كأمة، أن نقول نعم للاختيار الذي نختاره، وأن نقول لا، لكل عملية إرغام على أن نختار، بخلاف ما نريد أن نختاره. أليس هذا حقاً من حقوق الإنسان، يفترض أن يعرفه المتشدقون بالكلام عن حقوق الإنسان؟ يا للسخرية من حديثهم عن حقوق الإنسان! إنهم يدافعون عن جاسوس، ويقتلون الإنسان، يومياً، على مرأى ومسمع من العالم، في فلسطين وفي أماكن أخرى.

    هذا هو جوهر الذي قلناه. وهذا هو جوهر ما أكدناه، من أننا جزء من الأمة العربية. وهذه حقيقة؛ ليس بإمكان أحد أن ينكر أصله، لأننا جزء من الأمة العربية. وكوننا اهتدينا إلى ما اهتدينا إليه، وهو حق، رتب علينا حقوقاً، عندما نقول بأننا جزء من الأمة العربية، ومن بين تلك الحقوق، أن نكون جنباً إلى جنب، أو حتى أمام من يغتصب حقه، مع اعتزازنا بكل عربي، من الخليج إلى المحيط. والعربي، عندما يغتصب حقه، ولا يكون قادراً على استرجاعه، ففي مفهومنا، أن الخيّر من العرب، هو الذي يسترجع الحق. وفي هذا، ليس هناك ما ينتقص من الضعيف، إذا كان غير قادر على استرجاع حقه، عندما يسترجع له حقه أخوه العربي. فليس في هذا انتقاص، في مفهومنا، عندما نقول نحن عرب، وعندما نقول إن العراق جزء من الأمة العربية. ولا يجوز أن نقول، إن الذي يتكفل باسترجاع الحق المغتصب في فلسطين، هم الفلسطينيون فقط، لأن في هذا تناقضاً. وهذا ليس نظرية سياسية، وإنما هذا هو فهْم رعاة الغنم، على أرض العرب، فالجميع، ابتداء من رعاة الغنم إلى رؤساء الدول، يشتركون في هذا الفهم المبسط، لمعنى أننا أمة عربية واحدة.

    وهذا ليس جديداً، إذ إننا لا نقول هذا، لأول مرة، حتى يقال إن هذه نظرية جديدة، تستوجب مقاومة، وهذا ما قرأناه، منذ أن كنا طلاباً في المدارس الابتدائية، وكتاب القراءة، التي درسناها في الابتدائية، لم يكن كاتبه عراقياً، إذ إن الذي ألّفه، هو ساطع الحصري (أبو خلدون)، ويسمى القراءة الخلدونية. هكذا تعلمنا نحن، وتعلمنا هذا الكلام، يوم لم يكن النظام جمهورياً، وكان صدام حسين، حينذاك، طالباً صغيراً في المدرسة الابتدائية. فأول ما تعلمه هو أن العرب أمة واحدة. وكان نشيدنا، في المدارس، هو:  

بلاد العرب أوطاني، من الشام لبغدان

ومن نجد إلى يمن، إلى مصر فتطوان

    إذاً، هي ليست نظرية، وإنما هي واقع، قد يوصف، في مرحلة، "بكذا"، وفي مرحلة أخرى، "بكيت"، لكنه يظل واقعاً. وعندما نقول نحن جزء من أمة، اسمها الأمة العربية، فإن هذا يرتب علينا واجباً ولنا فيه حقوق، مثلما يقول الهندي، أنا من الأمة الهندية، ويقول الأمريكي ـ مع أن الشعب الأمريكي متجمع من كل بقاع الأرض ـ أنا جزء من أمة أمريكية، ويقول الفرنسيون، بأنهم جزء من أمة فرنسية. فهل يريدون، بسبب غلطتهم، بل جريمتهم الكبرى، كونهم اغتصبوا أرضنا، وانتهكوا حقوقنا في فلسطين، أن ينكروا علينا حتى القول بأننا أمة واحدة؟

    إننا أمة واحدة. وهذه هي الجزائر، استعمروها 130 سنة، ولم يستطيعوا أن يغيروا جوهر الجزائريين، وإنما ظلوا محافظين عليه. وفي أي قطر من أقطار الخليج، عندما يجلسون سوية، ليتفاهموا، تجد أن تفكيرهم باتجاه واحد، وعقليتهم طبقاً لنظرية الأواني المستطرقة، إذا جازت الاستعارة بعض الشيء. وترون أنفسكم، الآن، عندما تتناقشون، وأنا منتبه عليكم، أنكم تتفاهمون بسرعة، لماذا؟ لأن هنالك تحسساً، في العقل وفي الضمير. إن القضايا واحدة، وليس فقط الحاضر يستوجب التضامن، وإنما لنطل باقتدار على المستقبل، وهذا يستوجب أن نتضامن في هذا العالم. إذاً، فعندما صرّح العراق، لم يُصرّح باسم العراقيين، وإنما باسمكم كلكم، في أي مكان توجدون فيه. ونحن واثقون، أن هذا التصريح، وربما يريده بعض أشقائنا، ليس بنفس هذه القوة، بل أكثر، وربما يلوموننا على بعض الكلمات، لأنهم يريدون شيئاً أقوى، وربما هم غير قادرين على أن يقولوه بنفس القوة، لكنهم في عقلهم وضميرهم، يريدون أن يكون أقوى. إذاً، فدع من هو مهيأ لتحمّل الصدمة الأولى، يقول هذا، ولا بأس في هذا، لأن التضحيات، أينما تكون في الأمة العربية هي تضحيات من الأمة. فإذا ما أعطى العراق أو مصر أو سورية أو الأردن أو الجزائر، التضحيات، سواء بمالهم أو رجالهم أو بفرصتهم، فهي تضحيات من الأمة، فبلدكم العراق، قال هذا الكلام وكرره، بتأكيدات إضافية.

    والآن، ليس لدينا شيء نضيفه، سوى أن أقول إننا نكرر بأعلى مراحل القوة التي تريدونها، أن الله علمنا على السلام، والله في القرآن الكريم سمى نفسه (السلام)؛ ونحن قرأناه. ونحن ـ العرب ـ عندما نلتقي بأي شخص، سواء كان عربياً أو غير عربي، نقول له السلام عليكم، وسواء كنا مسلمين أو مسيحيين أو من مختلف الطوائف والمذاهب والفرق. هذا هو سلامنا. ومن يرِد السلام، من أينما يكون، نقول له بأننا نريد السلام، بدرجة أعلى منه. لكن هذا الوصف، وحده، غير كافٍ، فنحن نريد السلام مع حقوقنا مثلما هو الأخر يريد السلام مع حقوقه، لا ننكر على أحد حقوقه التي أقرها له الله I كما أن حقوق الإنسان، في الأساس، موجودة، وواضحة، تفصيلياً، في القرآن الكريم، ومطبقة في الشريعة، في صدر الحلقات المشرقة من تاريخنا العربي الإسلامي. وعندما كان بعض الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان ينامون في الكهوف، كانت حقوق الإنسان موجودة، ليس فقط في كتابنا، وإنما في منهجنا، أيضاً. ولدينا أمثلة من العظماء، من أبناء شعبنا العربي المسلم. والبلد الذي تكلم هذا الكلام، واستكثروا عليه ذلك، حارب ثماني سنوات، ويعرف معنى الحرب، وليس بلداً يتحدث من دون أن يعرف معنى الحرب. إذاً، فهو لا يريد الحرب، وإنما يريد الحق، ولن يتنازل عن الحق، لأن العرب لن يتنازلوا عنه. ولكن، طبعاً، إذا تنازل العراق، ورأوا ذلك، فربما يقول إخواننا في قطَر، وبدون استصغار، إذا كان العراق قد تنازل، فكيف يمكننا أن نقاتل دفاعاً عن الحق، بمفردنا؟ فيلوموا العراق، وربما يلعنوه، وحاشا العراق ذلك ـ لأنه، تاريخياً، ترتبت له حال معروفة، ليس الآن، وإنما منذ القِدَمْ، مثلما ترتبت لسورية حال، وللجزائر حال. إذاً، فكل واحد منّا بقدر تأثيره المعنوي وإمكاناته، ولا أقول بقدر حجمه، وإنما بقدر تأثيره المعنوي وإمكاناته.

    إذاً، من العيب عليه، أن لا يقول ولا يؤكد على الحق، بقدر تأثيره المعنوي وإمكاناته. وعلينا أن نفهم بعضنا، ولا ننزعج إذا قال بعض أشقائنا، بقدر تأثيره المعنوي وإمكاناته، كلاماً، أو تصرف تصرفاً أصغر من قول أو كلام (س) من الدول العربية، فهذا مفهوم. وعلينا أن نضيف من قوة أي واحد منّا لحال الآخر، لنكون جميعاً أقوياء. والزعامة، هنا، غائبة. فأنا أشطبها، ولا أعترف بها، لأن البحث عن الزعامة، يفسد الأمور. ويشرفني أن أكون جندياً في القافلة أو الجيش، الذي يحرر القدس الشريف. كانت أهم نقطة، ركزت عليها في أول كلمة قلتها، بمناسبة انعقاد أول اجتماع، على مستوى قادة مجلس التعاون العربي، في بغداد، هي القيادة ومفهوم القيادة، والزعامة ومفهوم الزعامة. فقلت، على حدّ ما أستطيع أن أتذكر، إن القائد فينا، ليس أي أحد منّا، وإنما هي الحالة التي تتفاعل بآرائنا وباقتدارنا لنشكلها معاً، كحالة قوة، أعلى من مستوى أي منّا، بمفرده، وما زلت أقول، إن هذا هو المفهوم، الذي يجعل العرب أمة واحدة، وحقيقة سياسية، فعلاً.

    وأمر طبيعي، أن هناك درجات في التقدير بين الناس. فيكفينا التقدير، إن أصبنا؛ ويكفينا التنبيه، إن أخطأنـا، لنتراجع عن خطئنا. فالقدس عربية، والقدس فلسطينيـة، والقدس ليست إسرائيليـة، ولا صهيونية، والقدس مغتصبة ويجب أن تعود لأهلها. وعلى هذا، فهل يوجد تدخّل في الشؤون الداخلية، أكثر فظاظة وغطرسة وصفاقة، من قرار مجلس الشيوخ الأمريكي؟ وهكذا، يقرر من هو جالس في واشنطن، أن القدس عاصمة لإسرائيل! ولو كانت لدى الساسة في إسرائيل كرامة، ولو كانوا مقتنعين، فعلاً، أن لهم حقاً كهذا، فكيف يقبلون أن تقرر لهم ذلك دولة أخرى؟ لو مقتنعين أن لهم حقاً، فكيف يقبلون أن تقول لهم دولة، من بعيد، إننا قررنا أن نجعل القدس عاصمة لإسرائيل؟

    هذا واحد من الأدلة على أنه ليس لهم حق في هذا القرار. وهم يعرفون ذلك، بحيث إنهم قبلوا أن يصدر مثل هذا القرار من دولة خارجهم، وإنْ كانوا هم ممثلين هناك. هذا شطر، والشطر الآخر، هو، كيف قَبِلَ أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، لكرامتهم ولإنسانيتهم، أن يقرروا ما هو باطل؟ كيف قبِلوا، وهم الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان والحريات الديموقراطية، ويعدوننا أناساً، ما زال بيننا وبين حقوق الإنسان والديموقراطية، مسافات بعيدة؟. كيف قبلوا أن ينتزعوا حقاً ثابتاً، ليقولوا عنه إنه حق لآخرين ليس لهم فيه حق؟. كيف يقبَل شعب الولايات المتحدة الأمريكية على نفسه، أن أحد رؤساء وزراء إسرائيل، يقول لرئيسهم: إنني سوف أجيء إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأحضر جلسات الكونجرس، وسنرى من يصدر القرار، أنا أم أنت؟ ولو كان هذا الرئيس عربياً، لقال له: والله! إن جئت، لأجعلنك أربع قطع، ولو انقلبت الدنيا. كيف وأنا في بلدي، يقول لي شخص: سآتي وسأرى من سيستخرج القرار، أنا أم أنت؟ ومع هذا، يقبَل، ويسمي نفسه رئيساً، وله عنوان وعلم، وحرس. انظروا كيف تهتز القيم، وكيف تنقلب المقاييس، في عالم اليوم.

    من المؤسف أن أقول، إنه في عالم اليوم، يوجد أناس لا يفهمون الحق، إلاّ عندما تؤكد عليه، بقوة. ويفهمون اللياقة، أحياناً، على أنها ضعف.

    إن إخوانكم في العراق، في خدمة القضية العربية. وهم يعدلون فقط أية خطوة، وأي تصريح، وأي تفكير، عندما يجدون أن العرب، يرفضون هذا؛ لأن هذا يعني، أنهم على خطأ. ومن يكن على خطأ، فمن الفضيلة أن يتراجع عنه. أما أي قول أو تصرف أو تفكير، ترونه مقبولاً عندكم، فلو اجتمع كل الناس ـ مع احترامنا لهم ـ وتهددوا، فإننا لن نتراجع عنه. وأعان الله واحداً على حقه. وفي هذا، نحن لا نتجنّى على أحد، فلسنا نطالب بأرض أحد، ولسنا نريد أن نهين كرامة أحد.

    إننا ندافع عن كرامتنا، كرامتنا كعرب، وليس فقط كعراقيين. ندافع عن أمننا، ولا نريد أن يخل أحد بأمننا. ندافع عن وطننا، وهذا مسجل للوطن العربي، منذ القدم، بأنه وطن عربي، وليس اليوم، في وقت فلان أو فلان أو فلان. نحن الذين نحضر هذه أو خارج هذه القاعة. نحترم حقوق الآخرين، لكن عليهم أن يحترموا حقوقنا. نحترم سيادتهم، لكن عليهم أن يحترموا سيادتنا. نحترم أمنهم، لكن عليهم أن يحترموا أمننا. أما إنهم يريدون الإخلال بكل هذا، ويريدون منا احتراماً، فو الله! لا احترام، ولا طاعة، إلاّ لما هو حق.