إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





وثيقة

وثيقة

مذكرة وزير خارجية العراق، طارق عزيز

إلى الأمين العام للجامعة العربية، الشاذلي القليبي

في 15 يوليه 1990

 سيادة الأخ الشاذلي القليبي،

الأمين العام لجامعة الدول العربية.

تحية أخوية.

    في بداية هذه الرسالة، لا بدّ من التذكير بالمبادئ، التي يؤمن بها العراق، والتي طبقها، بكل أمانة وحرص، في علاقاته العربية.

    إن العراق، يؤمن بأن العرب، في كل أقطارهم، أمة واحدة. ويفترض أن يعم خيرهم الجميع، وأن يستفيدوا منه. وإذا ما أصاب أحدهم ضرر أو أسى، فإن هذا الضرر أو الأسى، يلحق بهم جميعاً. وإن العراق، ينظر إلى ثروات الأمة، على أساس هذه المبادئ؛ وقد تصرف في ثروته، منطلقاً من هذه المبادئ.

    كما يؤمن العراق، بأنه برغم ما أصاب الأمة العربية، في العهد العثماني، وبعده تحت ظل الاستعمار الغربي، من شتى ألوان التقسيم والهوان والاضطهاد، ومحاولة مسخ الشخصية القومية، فإن مقومات وحدة الأمة العربية، ما تزال حية وقوية. وأن الوطن العربي، برغم انقسامه إلى دول، هو وطن واحد. وأن أي شبر من هذا الوطن، هنا أو هناك، في أرض هذا القطْر أو ذاك، ينبغي أن يُنظر إليه، أولاً، في ضوء الاعتبارات القومية، وخاصة اعتبارات الأمن القومي العربي المشترك. كما ينبغي تجنّب الوقوع في مهاوي النظرة الضيقة، والأنانية، في التعامل مع المصالح والحقوق، لهذا القطْر أو ذاك. إن مصالح الأمة العربية العليا، والحسابات الإستراتيجية العليا للأمن القومي العربي، يجب أن تكون حاضرة دائماً، كما يجب أن تكون المعيار الأول في التعامل، في كل هذه المسائل، بين الأقطار العربية.

    على أساس هذه المبادئ، القومية والأخوية، المخلصة والصادقة، تعامل العراق مع الكويت، رغم ما هو معروف من حقائق الماضي والحاضر، بالنسبة للكويت والعراق.

    والذي دعانا إلى كتابة هذه الرسالة، أننا، مع عميق الأسف، بتنا نواجه، الآن، من جانب حكومة الكويت، حالة، تخرج عن إطار المفاهيم القومية، التي ذكرنا، بل تتناقض معها، وتهددها في الصميم، وتتناقض مع أبسط مقومات العلاقات، بين الأقطار العربية. إن المسؤولين في حكومة الكويت، وبرغم مواقفنا الأخوية الصادقة، في التعامل معهم، في جميع القضايا؛ وبرغم حرصنا على مواصلة الحوار الأخوي معهم، في كل الأوقات، قد سعوا، وبأسلوب مخطط، ومدبَّر، ومتواصل، إلى التجاوز على العراق، والإضرار به. وتعمدوا إضعافه، بعد خروجه من الحرب الطاحنة، التي استمرت ثماني سنوات، والتي أكد كل العرب المخلصين، قادة ومفكرين ومواطنين، ومنهم رؤساء دول الخليج، بأن العراق كان يدافع، خلالها، عن سيادة الأمة العربية كلها، وخاصة دول الخليج، ومنها، بل بصورة خاصة، الكويت. كما سلكت حكومة الكويت هذه السياسة، التي تتعمد إضعاف العراق، في الوقت الذي يواجه فيه العراق حملة إمبريالية صهيونية، شرسة، بسبب مواقفه القومية في الدفاع عن الحق العربي. تدفعها إلى ذلك، مع الأسف، دوافع أنانية، ونظرة ضيقة، وأهداف لم يعد ممكناً النظر إليها، إلاّ على أنها مريبة وخطيرة.

    وفي هذا الشأن، هنالك صفحتان رئيسيتان:

الأولى: من المعروف، أنه منذ عهد الاستعمار، والتقسيمات التي فرضها على الأمة العربية، هنالك موضوع معلق بين العراق والكويت، في شأن تحديد الحدود. ولم تفلح الاتصالات، التي جرت خلال الستينات والسبعينات، في الوصول إلى حل بين الطرفَين، لهذا الموضوع، حتى قيام الحرب بين العراق وإيران. وفي أثناء سنوات الحرب الطويلة، بصورة خاصة، وفي الوقت الذي كان فيه أبناء العراق النشامى، يسفحون دمهم الغالي، في الجبهات، دفاعاً عن الأرض العربية، ومنها أرض الكويت، وعن السيادة والكرامة العربية، ومنها كرامة الكويت، استغلت حكومة الكويت انشغال العراق، كما استغلت مبادئه القومية الأصيلة، ونهجه النبيل في التعامل مع الأشقاء، وفي القضايا القومية، لكي تنفذ مخططاً في تصعيد وتيرة الزحف التدريجي،والمبرمج، باتجاه أرض العراق؛ فصارت تقيم المنشآت العسكرية والمخافر، والمنشآت النفطية، والمزارع، على أرض العراق. وقد سكتنا على كل ذلك، واكتفينا بالتلميح والإشارات، علّها تكفي، في إطار مفاهيم الأخوّة، التي كنا نعتقد، أن الجميع يؤمنون بها. لكن تلك الإجراءات، استمرت، بأساليب ماكرة، وإصرار يؤكد التعمد والتخطيط.

    وبعد تحرير الفاو، بادرنا، في أثناء مؤتمر قمة الجزائر، عام 1988، إلى إبلاغ الجانب الكويتي برغبتنا الصادقة في حل هذا الموضوع، في إطار علاقات الأخوّة والمصلحة القومية العليا. ولكننا وجدنا أنفسنا أمام حالة تثير الاستغراب الشديد. فبرغم أن المنطق، يفترض أن يفرح الإخوة الكويتيون لهذه المبادرة الأخوية الكريمة، من جانبنا، وأن يعملوا لإنجاز هذا الموضوع بسرعة، لاحظنا التردد والتباطؤ المتعمدَين، من جانبهم، في مواصلة المباحثات والاتصالات، وإثارة تعقيدات مصطنعة، مع الاستمرار في التجاوز، وإقامة المنشآت، البترولية والعسكرية، والمخافر والمزارع، على الأراضي العراقية. وقد صبرنا على هذه التصرفات بدواعي الحكمة والحلم.

    وكان استعدادنا لمزيد من التحمل كبيراً، لولا انتقال الأمور إلى مستوى خطير، لم يعد ممكناً السكوت عليه، وهو ما سنتناوله في الصفحة الثانية، والأكثر خطورة من الموضوع.

    إن العراق يحتفظ بسجل كامل، لهذا الموضوع، يوضح، بالوثائق والحيثيات، كل التجاوزات،التي قامت بها حكومة الكويت.

الثانية: بدأت حكومة الكويت، ومنذ بضعة أشهر، وبالتحديد منذ أن رفع العراق صوته عالياً، يدعو، بقوة، إلى استعادة حقوق العرب في فلسطين، وينبه إلى مخاطر الوجود الأمريكي في الخليج ـ بدأت بانتهاج سياسة ظالمة، القصد منها، هو إيذاء الأمة العربية، وإيذاء العراق خاصة.

    وفي هذا الجانب، اشتركت حكومة الإمارات العربية المتحدة مع حكومة الكويت. فقد نفذت حكومتا الكويت والإمارات عملية مدبَّرة، لإغراق سوق النفط بمزيد من الإنتاج، خارج حصتهما المقررة في الأوبك، بمبررات واهية، لا تستند إلى أي أساس من المنطق أو العدالة أو الإنصاف، وبذرائع لم يشاركهما فيها أي من الأشقاء، من الدول المنتجة. وقد أدت هذه السياسة المدبَّرة، إلى تدهور أسعار النفط تدهوراً خطيراً. فبعد التدهور، الذي حصل، قبل سنوات، في السعر، من المعدلات العالية، التي كان قد بلغها، وهي 34، 29، 28 دولاراً للبرميل الواحد، أدت تصرفات حكومتَي الكويت والإمارات، إلى انهيار سعر الحدّ الأدنى المتواضع، الذي تم الاتفاق عليه في الأوبك، أخيراً، وهو 18 دولاراً للبرميل، إلى ما بين 11 ـ 13 دولاراً للبرميل. وبعملية حسابية بسيطة، يمكننا أن نقدّر مقدار الخسائر الباهظة، التي لحقت بالدول المنتجة للنفط:

أولاً: إن معدل إنتاج الدول العربية من النفط، هو 14 مليون برميل، في اليوم. وإن تدهور الأسعار، في الفترة الواقعة بين 1981 ـ 1990، أدى إلى خسارة الدول العربية بحدود 500 مليار دولار، كانت حصة العراق منها 89 مليار دولار. ولو أن العرب، جميعاً، لم يخسروا هذه المبالغ الهائلة، ووفرنا نصفها، للتنمية القومية، ولمساعدة البلدان العربية الفقيرة، لحققنا تقدماً هائلاً في التنمية القومية، وأسعدنا الفقراء من أبناء أمتنا؛ ولكان وضع الأمة أقوى، وأكثر رفاهاً وتقدماً، مما هو عليه الآن. إذا اعتمدنا الحدّ الأدنى للأسعار، كما قررته الأوبك، عام 1987، وهو 18 دولاراً للبرميل، فإن خسارة الدول العربية، خلال الفترة  من 1987 إلى 1990، بسبب تدهور هذا السعر، تبلغ حوالي 25 مليار دولار.

ثانياً: إن نقص كل دولار من سعر النفط، يؤدي إلى إلحاق خسارة بالعراق، تبلغ مليار دولار، سنوياً. ومن المعروف، أن السعر قد انخفض، هذه السنة، عدة دولارات، عن سعر 18، بسبب سياسة حكومتَي الكويت والإمارات، مما يعني خسارة العراق لعدة مليارات من دخْله، لهذه السنة، في الوقت الذي يعاني فيه العراق من ضائقة مالية، بسبب تكاليف الدفاع الشرعي عن أرضه وأمنه ومقدساته، وعن أرض العرب وأمنهم ومقدساتهم، طيلة ملحمة الثماني سنوات. إن هذه الخسائر الجسيمة، من جراء تدهور أسعار النفط، لم تصب الدول العربية المنتجة للنفط، وحدها؛ وإنما أصابت، بنتائجها، الدول الشقيقة الأخرى، التي كانت تتلقى المعونات من أخواتها الدول العربية المنتجة للنفط. فَقلّتْ إمكانات الدعم، بل توقفت، في بعض الحالات. كما تدهورت، أيضاً، أوضاع مؤسسات العمل العربي المشترك، وعانت الأزمات، وهي، الآن، في أصعب الظروف، لهذا السبب، أو لاتخاذ ذلك ذريعة لتقليل أو إيقاف المساعدات والدعم، لمؤسسات العمل العربي المشترك.

    وقد أضافت حكومة الكويت إلى هذه الإساءات المتعمدة، إساءة أخرى، مستهدفة الإضرار بالعراق بالذات. فقد نصبت، منذ عام 1980، وخاصة في ظروف الحرب، منشآت نفطية، على الجزء الجنوبي من حقل الرميلة العراقي، وصارت تسحب النفط منه. ويتضح من ذلك، أنها كانت تغرق السوق العالمي بالنفط، الذي كان جزءاً منه هو النفط الذي تسرقه من حقل الرميلة العراقي، وبهذا تلحق الضرر المتعمد بالعراق، مرتَين: مرة بإضعاف اقتصاده، وهو أحوج ما يكون فيه إلى العوائد، ومرة أخرى بسرقة ثروته. وتبلغ قيمة النفط، الذي سحبته حكومة الكويت من حقل الرميلة فقط، بهذه الطريقة المنافية لعلاقات الأخوّة، وفقاً للأسعار المتحققة، بين ـ 1980 1990، (2400) مليون دولار. وإننا نُسجل، أمام جامعة الدول العربية، وأمام الدول العربية كلها، حق العراق في استعادة المبالغ المسروقة من ثروته، وحق العراق في مطالبة المعنيين بإصلاح التجاوز والضرر، الذي وقع عليه.

    لقد سبق أن شرحنا مخاطر سياسة حكومتَي الكويت والإمارات، لإخوتنا في الدول العربية المنتجة، ومنهم الكويت والإمارات، مرات عديدة، وشكونا، وحذرنا. وفي قمة بغداد، تحدث السيد الرئيس صدام حسين، حول هذه المسألة، أمام الملوك والرؤساء والأمراء، وفي حضور المعنيين، بصراحة وبروح أخوية، (ونرفق، طياً، نص حديث سيادته، حول الموضوع، في مؤتمر قمة بغداد). وكنا نتصور، وخاصة بعد الأجواء الأخوية الإيجابية، التي تحققت في قمة بغداد، أن حكومتَي الكويت والإمارات سترعويان (سترجعان) عن هذا النهج. ولكن الحقيقة المؤلمة، هي أن كل ما قمنا به، من مساع ثنائية، ومن اتصالات مع دول شقيقة، لتلعب دوراً إيجابياً في ثني حكومتَي الكويت والإمارات عن هذا النهج، وبرغم حديث السيد الرئيس صدام حسين، في قمة بغداد ـ فقد تعمدت هاتان الحكومتان مواصلة هذه السياسة، واستمرتا فيها، بل إن بعض المسؤولين فيهما، أطلقوا تصريحات وقحة، عندما ألمحنا إلى هذه الحقائق، وشكونا منها. لذلك، لم يبق هناك أي مجال، لاستبعاد الاستنتاج، بأن ما فعلته حكومتا الكويت والإمارات، في هذا الشأن، إنما هو سياسة مدبَّرة، تستهدف أهدافاً خفية. ومع إدراكنا، بأن هذه السياسة، التي أدت إلى انهيار أسعار النفط، تضر، في المحصلة النهائية، باقتصاد هذَين البلدَين نفسَيهما، فلم يبقَ، أمامنا، غير أن نستنتج، بأن من تعمد هذه السياسة، بصورة مباشرة ومكشوفة، أو من آزرها أو دفع إليها، إنما ينفذ جزءاً من المخطط الإمبريالي ـ  الصهيوني، ضد العراق، وضد الأمة العربية، خاصة في الوقت الذي جاءت فيه، وهو ظروف التهديد الخطير، من جانب إسرائيل والإمبريالية، الذي يتعرض إليه الوطن العربي عامة، والعراق خاصة. إذ كيف يمكن لنا أن نواجه هذا التهديد الخطير، ونحافظ على التوازن في القوة، الذي حققه العراق، بأغلى التكاليف، وهو الذي عانى ما عانى، من الخسائر في أثناء الحرب ـ مع انهيار مورد العراق الأساسي، وموارد الدول العربية المصدرة للنفط، وهي العراق، السعودية، قطَر، عُمان، اليمن، مصر، سورية، الجزائر وليبيا؟ هذا، ف ضلاً عما تؤدي إليه هذه السياسة المريبة، من إضعاف قدرة هذه الدول العربية على مواجهة المشاكل،الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، التي تعاني منها، وهي مشكلات ذات طبيعة مصيرية. فإلى أي مصير، تريد حكومتا الكويت والإمارات، أن تجرّا الأمة العربية، في هذا الظرف الصعب، الدقيق، والخطر؟ وسياسات مَن، وأهداف مَن، تريدان إرضاءها؟

    إننا، وبعد أن أوضحنا هذه الأمور، لكل من الأشقاء، وبعد أن طلبنا، مباشرة، من هاتَين الحكومتَين، الكف عن هذه السياسة الظالمة، والمدمرة، وشرحنا لهما ما نتعرض إليه من أضرار كبيرة، قبْل قمة بغداد، وفي أثناء القمة، وبعدها؛ وأرسلنا المبعوثين، وكتبنا الرسائل ـ لذلك، فإننا ندين ما فعلته حكومتا الكويت والإمارات، بالعدوان المباشر على العراق، فضلاً عن عدوانهما على الأمة العربية.

    أما بالنسبة لحكومة الكويت، فإن اعتداءها على العراق، هو اعتداء مزدوج. فمن ناحية، تعتدي عليه، وعلى حقوقه، بالتجاوز على أراضينا وحقولنا النفطية، وسرقة ثروتنا الوطنية؛ وإن مثل هذا التصرف، هو بمثابة عدوان عسكري. ومن ناحية أخرى، تتعمد حكومة الكويت تحقيق انهيار في الاقتصاد العراقي، في هذه المرحلة، التي يتعرض فيها إلى التهديد الإمبريالي الصهيوني، الشرس، وهو عدوان لا يقلّ في تأثيره عن العدوان العسكري.

    إننا، إذ نعرض هذه الحقائق المؤلمة، أمام الأشقاء العرب، فإننا نأمل أن يرفع الأشقاء صوتهم عالياً، لوضع حدٍّ لهذا العدوان المتعمد المدبَّر، ولكي ينصحوا المنحرفين للعودة إلى السلوك السوي، الذي يأخذ بالاعتبار المصلحة القومية المشتركة، ومتطلبات الأمن القومي المشترك.

ثالثاً: وبمناسبة الحديث عن المصالح القومية العليا، وارتباط الثروة العربية بمصير الأمة العربية، نطرح مقترحاً، كالتالي:

        لو تضامنت كل الدول العربية، المنتجة وغير المنتجة، تضامناً سياسياً متيناً، واتفقت على العمل على رفع سعر النفط، إلى ما يزيد عن 25 دولاراً، ثم أقامت صندوقاً للمعونة والتنمية العربية، على غرار ما اتفق عليه في قمة عمّان، على أن يموّل هذا الصندوق بدولار عن كل برميل نفط، تبيعه الدول العربية المنتجة بأكثر من سعر 25 دولاراً ـ فإن المبلغ الذي سيتحقق لهذا الصندوق، هو 5 مليارات دولار، سنوياً، في نفس الوقت، الذي تتحقق فيه زيادات كبيرة في مداخيل الدول المصدرة للنفط؛ لأن التضامن العربي الجماعي، الذي يحققه هذا السعر المنصف، يزيد من مدخولاتها الحالية، ويحميها من المحاولات العدائية، التي تستهدف إضعاف القوة العربية، من خلال إضعاف مواردها من الثروة البترولية. ويمكننا أن نتصور، كيف أن مبلغاً ثابتاً، كهذا، سيعزز الأمن القومي العربي، ويوفر إمكانات نمو لكل الدول العربية، ويمكنها من مواجَهة الضائقة الاقتصادية الخانقة، التي تعاني منها أغلب دولنا.

        إن العراق يطرح هذا المقترح للدراسة الجادة؛ وقد يكون مؤتمر القمة العربي القادم، في القاهرة، مناسبة لبحث هذا المقترح وإقراره.

رابعاً: ولمناسبة الحديث عن هذه الحقائق المؤلمة، نرى من الضروري أن نوضح اللبس، الذي ربما يكون موجوداً لدى بعض الأشقاء، حول موضوع (المساعدات)، التي قدمتها الكويت والإمارات للعراق، أثناء الحرب.

1. لقد أجمع العرب المخلصون، في كل الوطن العربي، على أن الحرب، التي اضطر العراق إلى خوضها، لم تكن للدفاع عن سيادته فحسب؛ وإنما كانت دفاعاً عن البوابة الشرقية للوطن العربي، وعن الوطن العربي كله، وخاصة منطقة الخليج. وقد أكد ذلك قادة الخليج أنفسهم بأقوى العبارات. لذلك، فإن هذه الحرب، كانت (معركة قومية)، تولى العراق فيها مهمة الدفاع عن الأمن، في منطقة الخليج، بصورة خاصة.

2. خلال الحرب، قُدمت للعراق مساعدات متنوعة، من إخوانه في بعض دول الخليج. وكان القسم الأساسي منها، قد قُدم، في حينه، على شكل (قروض)، بدون فوائد. وقد تلقى العراق مثل هذه (المساعدات)، في المراحل الأولى من الحرب، ثم انقطعت، منذ عام 1982. ولم يناقش العراق، آنذاك، صيغة تلك المساعدات مع إخوانه؛ لأنه كان يأمل أن لا تطول الحرب، كما طالت؛ ولأنه كان يأمل، بعد انتهاء الحرب، في استعادة قوّته الاقتصادية كاملة.

    غير أن الحرب طالت، وازدادت تكاليفها بمعدلات عالية جداً. إن قيمة التجهيزات العسكرية،وحدها، التي اشتراها العراق بالعملة الصعبة، واستخدمت في الحرب، قد بلغت (102) مليار دولار، فضلاً عن النفقات الأخرى، العسكرية والمدنية، التي بلغت معدلات هائلة، في حرب ضروس، دامت ثماني سنوات، وعلى جبهة تمتد 1200 كم. وبرغم أن كل (المساعدات)، التي تلقاها العراق من إخوانه، لم تشكل سوى نسبة ضئيلة، بالقياس إلى تلك التكاليف الباهظة، التي تحملها الاقتصاد العراقي، وشعب العراق، الذي قدم أنهاراً من الدم، دفاعاً عن السيادة القومية والكرامة القومية ـ فإن قيادة العراق، عبّرت عن امتنانها العميق لكل الأشقاء، الذين قدموا المساعدة. وقد عبّر القائد صدام حسين عن ذلك، علناً، عند الزيارات، التي قام بها عدد من الإخوة، رؤساء دول الخليج العربي إلى العراق.

    لكن الحقيقة المُرّة، التي ينبغي أن يعرفها كل عربي، هي أن القسم الأساسي مما ذكرنا من المساعدات، ما يزال مسجلاً كـ (دين) على العراق، ومن ذلك ما قدمته الكويت والإمارات .وقد فاتحنا المعنيين، بروح الأخوّة، منذ أكثر من عام، لإلغاء هذا (الدين). ولكنهم تملصوا من ذلك.

    وقد سجلت على العراق، كـ (دين)، أيضاً، كميات النفط، التي باعتها الكويت لحساب العراق من منطقة الخفجي، بعد غلق الأنبوب العراقي، المار عبر سورية؛ مع أن تلك الكميات، بيعت خارج حصتها في الأوبك. ولكي نعرف الحقائق كاملة عن هذا الموضوع، لا بدّ من إيضاح جانب مهم لما جرى في إطار سوق النفط، خلال فترة الحرب. لقد كان العراق منتجاً رئيسياً للنفط، قبْل الحرب. وكان ينتج حوالي (3.6) مليون برميل، يومياً، قبل الحرب. وعند قيام الحرب، توقّف إنتاجه كلياً، لعدة أشهر، ثم صار يصدر كمية قليلة، عبْر تركيا، ثم عبْر سورية، إلى أن توقف الأنبوب، عام 1982. وتوقّف تصدير العراق من النفط، في الجنوب، من أيلول (سبتمبر) 1980، لحين بدء تشغيل الخط، المار عبْر المملكة العربية السعودية، في أيلول (سبتمبر) 1985. وقد خسر العراق، من جراء هذا الانخفاض الكبير في صادراته، بسبب الحرب، مبالغ هائلة تقدر بـ (106 مليار دولار).

    ومن الناحية العملية، فإن هذه المبالغ، قد انتقلت إلى خزائن الدول الأخرى المنتجة للنفط، في المنطقة، التي زاد تصديرها، لتعويض النقص، الذي حصل في صادرات العراق، طيلة ثماني سنوات. وبحساب بسيط للأرقام، نجد أن (ديون) الإمارات والكويت، المسجلة على العراق، لم تكن كلها من خزينتَيهما؛ وإنما كانت كلها من حصيلة الزيادات، التي تحققت في عوائدهما من جِراء انخفاض صادرات العراق، عبر سنوات الحرب.

    وإننا لنتساءل: إذا كان العراق، قد تحمّل مسؤولية الدفاع عن الأمن القومي العربي، وعن السيادة والكرامة العربية، وعن (ثروة دول الخليج)، التي كانت ستذهب هباء، وتقع في أيدي الآخرين، لو خسر العراق الحرب، فهل يمكن اعتبار ما قُدم له من مساعدات (ديناً) عليه؟

    لقد قدمت الولايات المتحدة مبالغ طائلة، من التي تجبيها  من دافعي الضرائب الأمريكان، كمساعدات للاتحاد السوفيتي، ولحلفائها الغربيين، وهم ليسوا أبناء أمة واحدة،  أثناء الحرب العالمية الثانية. وبعد الحرب العالمية الثانية، أنفقت أمريكا المبالغ الهائلة، في إطار "مشروع مارشال"، لإعادة بناء أوروبا. وتصرفت بنظرة إستراتيجية شمولية لحسابات أمنها، وأمن المجموعة الدولية، التي تنتمي إليها، والتي شاركتها في الحرب، ضد عدو مشترك. فكيف يمكن استمرار اعتبار هذه المبالغ (ديناً) على العراق، من أشقائه في أمة العرب؛ وهو الذي ضحي بأضعاف هذا (الدين)، من أمواله، طيلة سنوات الحرب الضروس، وقدم أنهاراً من دماء زهرة شبابه، في الدفاع عن أرض الأمة وكرامتها وعرضها وثروتها؟ ألا يُوجب المنطق القومي، ومنطق الأمن الإقليمي؛ إذا أخذنا السابقة الأمريكية  بالاعتبار، على هذه الدول، ليس إلغاء هذا (الدين) المحسوب على العراق فحسب، وإنما تنظيم خطة عربية، على غرار "مشروع مارشال"، لتعويض العراق بعض ما خسره في الحرب؟

    هكذا يكون المنطق القومي، لو كان هناك إحساس بالعروبة، وبالانتماء العربي، وموقف جادّ من الأمن القومي. وبدلاً من السلوك وفق هذا النهج القومي المسؤول، نجد حكومتَين من حكومات دول الخليج، اللتَين حفظ العراق لهما، بدماء أبنائه، ثرواتهما، بل زادت تلك الثروات الهائلة، بسبب انخفاض إنتاج العراق ـ تسعيان، الآن، إلى تدمير اقتصاد العراق، وتقليل موارده. وتعّمد إحداهما، وهي حكومة الكويت، إلى الاعتداء على أرض وسرقة ثروة مَن حموا أرض الكويت وعرضها وثروتها.

    إننا نضع هذه الحقائق المؤلمة، أمام ضمير كل عربي شريف، وفي المقدمة منهم شعب الكويت الشقيق، لكي يقدروا الألم والضرر والأذى، الذي أصابنا ويصيبنا.

أرجو، سيادة الأمين العام، توزيع هذه الرسالة على الدول العربية.

مع أطيب التحيات والتمنيات.

طارق عزيز

نائب رئيس الوزراء

ووزير خارجية الجمهورية العراقية

بغداد في 23 ذي الحجة 1410هـ

الموافق 15 تموز 1990