إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





وثيقة

وثيقة

مذكرة وزير خارجية الكويت

الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح

إلى الأمين العام للجامعة العربية، الشاذلي القليبي

في 18 يوليه 1990

ردًّا على المذكرة العراقية

معالي الأخ الشاذلي القليبي المحترم.

الأمين العام لجامعة الدول العربية.

تحية طيبة، وبعد.

    لقد تلقينا، بدهشة واستغراب بالغَين، مذكرة الحكومة العراقية، الموجَّهة لمعاليكم، والمؤرخة في 23 ذي الحجة 1410هـ، والموافق الخامس عشر من يوليه 1990، والتي تم توزيعها على الدول العربية الشقيقة، في الجامعة العربية؛ وما تضمنته تلك المذكرة من ادعاءات واتهامات، ضد الكويت، لا تستند على أساس من الواقع. كما أن ما ورد بها من عبارات، لا تتفق وروح العلاقات الأخوية، القائمة بين الكويت والعراق، وتتنافى مع أبسط القواعد، التي نحرص، جميعاً، على أن تحكم علاقاتنا العربية. ومما يدعو إلى الاستغراب، أيضاً، أن تأتي هذه المذكرة في مرحلة هامة، ودقيقة، تمر بها الأمة العربية، تستوجب أن تتوجه فيها كافة الجهود العربية، نحو قضاياها المصيرية، بعد أن فرغت هذه المنطقة من حرب دموية طاحنة.

    وإنه لأمر موجع، أن تعقد الجامعة العربية اجتماعها الطارئ، لبحث التهديدات، الصهيونية والإمبريالية، للأمة العربية، فينتهي الاجتماع الطارئ بمثل هذه المذكرة، التي تحمل في طياتها تهديدات لأعضائها.

    وفي الوقت الذي تبدي فيه الكويت استياءها لهذه المذكرة، فإنها تودّ أن تؤكد، بأنها كانـت ولا زالت تتعامل مع شقيقاتها، الدول العربية، بواقع التزامها بالمبادئ والقيم، التي وردت في ميثاق جامعة الدول العربية. ولعل في مقدمة تلك المبادئ، الحرص على تعزيز أواصر العلاقات الأخوية، والحرص، أيضاً، على حُسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام السيادة لكل الدول، فضلاً عن القيم والأخلاق العربية، التي تحكم علاقات الأشقاء. كما أن الكويت، كانت ولا زالت سباقة إلى توفير كل الفرص، التي من شأنها تحقيق التماسك في العلاقات العربية، والبعد عن كل ما من شأنه أن يعكر صفو تلك العلاقات.

    ولعل مما يضاعف من استغراب الكويت، أن تأتي هذه المذكرة من العراق الشقيق، في الوقت الذي يتواصل فيه التنسيق بين البلدَين، في المجالات المختلفة، ذات الاهتمام المشترك، لتستمر العلاقة الطبيعية متطورة، دوماً، بين البلدَين. ولم يكن في نية الكويت، أن تطرح للتدوال، في جو من الإعلام المحموم، قضايا معلقة، بل وكلت متابعة هذه القضايا إلى لجان متخصصة، بين البلدَين، للتركيز على مجالات التعاون، لتنميتها، وتدفع بها نحو مواقع أكثر تقدماً، لتطغى عوامل التعاون على قضايا الاختلافات.

    ومن جانب آخر، فإن هذه المذكرة، تأتي في الوقت الذي تبذل فيه الكويت جهودها الخيّرة، وعلى كافة المستويات، لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، التي تتوق إلى تحقيق السلام العادل بين ربوعها.

معالي الأمين العام.

    إن مما يدعو إلى التساؤل، أن تأتي هذه المذكرة، وما تضمنته من إساءة للعلاقات الأخوية بين البلدين، من جانب العراق الشقيق، في الوقت الذي كان العراق في مقدمة الأشقاء، الداعين إلى تحقيق الوفاق في العلاقات العربية، والنأي  بتلك العلاقات عمّا يعكر صفوها، ويحقق لها التوازن، بما يخدم العمل العربي المشترك.

    إن الكويت، وانطلاقاً من إيمانها بأهمية العمل العربي المشترك، سعت، وبكل جهد، إلى تعزيز ذلك العمل، وتوفير الفرص المناسبة، لدعم العملية التنموية في الوطن العربي. ولعل ما قامت وتقوم به المؤسسات التمويلية الكويتية المختلفة، من دور فعّال ومؤثر، وذلك منذ استقلال الكويت ـ خير دليل على حرص الكويت على الدفع بالعملية التنموية إلى آفاق، تحقق التطلعات، والمصالح المشروعة، لأبناء الأمة العربية. ومن المعلوم، في هذا الصدد، أن الكويت، تأتي في مقدمة دول العالم، التي تحتل المساعدات أكبر نسبة من دخلها القومي؛ وهي مساعدات، تحظى الدول العربية الشقيقة بالقسط الأكبر منها.

معالي الأمين العام.

    إن مما يدعو إلى الألم، أن تتضمن المذكرة ادعاء، بأن الكويت سعت إلى إضعاف العراق، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع موقف الكويت، الداعم للعراق الشقيق. وهو موقف التزمت به الكويت، منذ البداية، وفاء لمبادئها القومية، والتزاماً بما تمليه عليها واجباتها القومية، في إطار الجامعة العربية.

    ويعلم الجميع كم تحملت الكويت، وكم عانت من ذلك الموقف القومي؛ فقد تعرضت الكويت لاعتداءات مباشرة، استهدفت أبناءها وأراضيها، ومنشآتها النفطية وناقلات نفطها، ومصالحها التجارية. إلاّ أنها وقفت، شامخة، وسط تلك الحرب الضروس، عند مبادئها وأهدافها. وليس من شيمة الكويت طرح ما أسهمت به من دعم للعراق الشقيق؛ حيث إن الكويت تؤمِن بأن للعراق، وحده، أن يعلن أو لا يعلن ذلك؛ فالدم العربي المسفوح، لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن يقارن بأي عائد مادي، مهما بلغت أرقامه، وتعددت منافذه. وإنه لأمر محزن، حقاً، حين تلتف الأهداف الملتوية، فتطمس الحقائق، متجنية على تاريخ، نعايش مرحلته، ولم يجف مداده.

    ومما يدعو إلى الدهشة، في هذا السياق، أن يأتي هذا الاتهام للكويت، في الوقت الذي لا زالت تردد فيه أصداء الإشادة بالموقف الكويتي، من قِبَل العراق، عبر تصريحات المسؤولين العراقيين، أو من خلال أجهزة الإعلام العراقية المختلفة.

معالي الأمين العام.

    إن ما ورَد في المذكرة، من ادعاءات، تتعلق بموضوع الحدود بين العراق والكويت، ومن أن الكويت، قامت بتصعيد الزحف التدريجي، والمبرمج تجاه الأراضي العراقية، وذلك بإقامة المنشآت العسكرية والمخافر، والمنشآت النفطية والمزارع، على الأراضي العراقية، إن ذلك يعد تزييفاً للواقع، وعرضاً لحقائق معكوسة، حيث إن للعراق سجلاً حافلاً، في تجاوزاته على الأراضي الكويتية، وهو سجل مدعم بالوقائع، لدى الجهات المعنية.

    ولقد سعت الكويت، وبشكل متواصل، إلى ترسيم الحدود بين البلدَين، وإنهاء المشاكل المعلقة من جرائها. ولكن العراق، كان يرفض، وباستمرار، وضع حدٍّ لتلك المسألة القائمة بين البلدَين، في الوقت الذي سعى فيه العراق، وأثناء الحرب، إلى ترسيم الحدود، بشكل نهائي، مع الدول العربية الشقيقة الأخرى، المجاورة له.

    وتأكيداً على حرص الكويت على إنهاء هذه المسألة الهامة، مع العراق، وإيماناً من الكويت بسلامة موقفها، وبما يمليه عليها انتماؤها القومي، فإنها تحتكم لأمتها في اختيار لجنة عربية، يُتفَق على أعضائها، كي تقوم بالفصل في موضوع ترسيم الحدود، على أُسُس من المعاهدات والوثائق، القائمة بين الكويت والعراق. فهل يقبَل العراق الشقيق مثل هذا الحكم العربي، انسجاماً مع مبادئه، وتنفيذاً لروح الميثاق القومي، الذي طرحه فخامة الرئيس صدام حسين؟

معالي الأمين العام.

    إن المتتبع لقضية أسعار النفط، يدرك، وبوضوح، أن تدهور الأسعار، كان بفعل مشكلة عالمية، تدخل فيها أطراف عدة، من منتجين ومستهلكين، ومن داخل الأوبك وخارجها.

    ولقد عانت الكويت، كما عانى العراق، قلة الإنتاج في نفس الفترات ـ الثمانينات ـ في الوقت الذي كان في مقدور الكويت، أن تقوم بالإنتاج، وبطاقات كبيرة مقارنة بما لديها من مخزون نفطي هائل. ولكن الكويت، التزمت بتقنين الإنتاج، مع ما يعنيه من تضحية، محافظة منها على الثروة الطبيعية، وتحقيقاً لمستوى أفضل للأسعار.

    وحول ما ورد في المذكرة، من أن الكويت قامت بنصب منشآت نفطية، منذ عام 1980، على الجزء الجنوبي من حقل الرميلة العراقي، فإن الحقيقة، هنا، تتلخص بأن الكويت، بدأت عمليات الاستكشاف والتنقيب، داخل أراضيها، منذ عام 1963. ثم توقفت تلك العمليات، لأسباب يعرفها العراق جيداً. واستأنفت الكويت، بعد ذلك، عمليات الحفر، عام 1976، لتستكمل جميع العمليات، ويبدأ الإنتاج في أواخر السبعينات.

    وفيما ادَّعته المذكرة العراقية، بسحب الكويت للنفط، من الجزء الجنوبي، من حقل الرميلة العراقي، فإنه لا بد من التأكيد، هنا، بأن هذا الجزء من الحقل، يقع ضمن الأراضي الكويتية. وعليه، قامت الكويت باستخراج النفط من آبار، تقع ضمن أراضيها، جنوب خط الجامعة العربية، وعلى مسافة كافية من الحدود الدولية، وفقاً للمقاييس العالمية.

    إن عمليات الإنتاج، تتم داخل الأراضي الكويتية؛ وعلى عكس ما ورد في المذكرة العراقية. فقد تكررت محاولات العراق، ولا تزال، بحفر آبار داخل الأراضي الكويتية، مما يلحق الضرر البالغ في مخزون الحقل، الخاص بالجزء الواقع ضمن الأراضي الكويتية، على الرغم من الاعتراضات الكويتية المتكررة. وعلى الرغم من التجاوزات العراقية داخل الأراضي الكويتية، فلم تشأ الكويت إثارة هذه المشكلة، على الساحة العربية، بل اكتفت بالاتصالات الثنائية بين البلدَين.

معالي الأمين العام.

    إن الكويت، في الوقت الذي تبدي فيه استعدادها لدراسة المقترح، الذي ورد ضمن المذكرة العراقية، والمتعلق بإقامة صندوق للمعونة والتنمية العربية ـ فإنها ترى، وبكل إخلاص، أن هذا المقترح، يمكن أن يطرح للبحث والدراسة، في نطاق الجامعة العربية. ولكن الأمر، الذي لا تفهمه الكويت، ولا تقبَل به، أن يأتي هذا المقترح مرافقاً للنًّيل والإساءة لها؛ وهي التي كانت في مقدمة الدول، الداعية لوضع الأُسُس والقواعد، التي من شأنها الدفع بالعمل العربي المشترك، بما يحقق المصالح القومية العليا للأمة العربية.

    وفي الختام، فإن الكويت، في الوقت الذي تعتمد فيه الحقائق، وحدها، في ردها على المذكرة العراقية، التي جاءت لتمثل تطوراً سلبياً في العلاقات الأخوية بين البلدَين ـ لتنبه إلى المخاطر، التي قد تنجم عن اتِّباع مثل هذه الأساليب، في التعامل بين الأشقاء، والتي تعيد أمتنا إلى دائرة الانشغال عن القضايا المصيرية للأمة العربية.

    وإيضاحاً للموقف، أرجو معالي الأمين العام، توزيع هذه المذكرة على الدول العربية الشقيقة. والله الموفق.

مع خالص التحيات والأمنيات.

صباح الأحمد الجابر الصباح

نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية

الكويت، في 26 ذي الحجة 1410هـ

الموافق 18 يوليه 1990م