إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





وثيقة

وثيقة

مذكرة وزير خارجية العراق، طارق عزيز

إلى الأمين العام للجامعة العربية، الشاذلي القليبي

في 21  يوليه 1990

رداً على مذكرة الكويت

 سيادة الأخ الشاذلي القليبي،

الأمين العام لجامعة الدول العربية.

تحية أخوية.

    اطّلعنا على مذكرة الحكومة الكويتية، المؤرخة في 26 ذي الحجة 1410 هجرية، الموافق 18 تموز (يوليه) 1990م. وفي البداية، أودّ أن أعلق على ما ورد في مقدمة المذكرة، من تعابير الدهشة والاستغراب لما جاء في رسالتي، المؤرخة في 15 تموز (يوليه) 1990؛ وهذا التعبير، في حدّ ذاته، يعكس حقائق مؤلمة، كانت هي الدافع لكتابة رسالتنا.

    فالمسؤولون في الحكومة الكويتية، الذين عمدوا إلحاق الأذى بالعراق، واتبعوا نهجاً مخططاً، طيلة سنوات، للزحف التدريجي باتجاه أرض العراق، وسرقة ثروة أبنائه، طيلة فترة انشغال العراق في الحرب، وهو يدافع عن سيادة الأمة العربية وكرامتها، وعن ثروة دول الخليج ـ يندهشون، اليوم، لأننا نكشف تصرفاتهم، أمام الأمة العربية، بعد أن فشلت كل محاولاتنا الأخوية معهم، في ثنيهم عنها. يندهشون لأنهم اعتادوا على استغلال سكوتنا وصبرنا، طيلة سنوات وسنوات، ونحن نكتم الجراح، حرصاً منّا على الحفاظ على علاقات الأخوّة، التي لم يحترموها، وعلى المصالح القومية العليا، التي استهتروا بها، عمداً.

    إن رسالة الحكومة الكويتية مليئة بالمغالطات، التي يسهل كشفها. وهي تلتف على الحقائق، المبيّنة، بكل وضوح، في رسالتنا. وتسعى إلى تحويل الأنظار عنها، باستخدام لغة عامة، غايتها التهرب من تناول الأذى والظلم، الذي ألحقته الحكومة الكويتية بالعراق. وفي ما يلي بعض الملاحظات على ما ورد في رسالة الحكومة الكويتية:

1. ورد في رسالة الحكومة الكويتية: "ومما يضاعف استغراب الكويت، أن تأتي هذه المذكرة في الوقت الذي يتواصل فيه التنسيق بين البلدَين، في المجالات المختلفة".

    وإننا لنسأل الحكومة الكويتية، ما هي خطوات التنسيق، التي قامت بها إزاء العراق؟ إن الحقيقة، التي ينبغي أن يعرفها كل العرب هي أن المسؤولين الكويتيين، كانوا يتهربون ويماطلون، عمداً، في إجراء أي تنسيق جدي بين البلدَين.

    ومن الأمثلة على ذلك، التأخير والمماطلة في التجاوب مع العرض، الذي قدمه العراق لحكومة الكويت، بتزويد الكويت بالماء من شط العرب، في إطار الشعور الأخوي تجاه شعب الكويت الشقيق.

    وهناك مسألة الممر الجوي المباشر، بين العراق والكويت. ففي أثناء الحرب، اضطر العراق إلى عدم استخدام الممر المذكور. وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1989، فاتح العراق الحكومة الكويتية، برسالة من وزير النقل والمواصلات العراقي، إلى زميله الكويتي، طالباً إعادة فتح هذا الممر. ولكن الحكومة الكويتية، تملصت من ذلك. وفي شهر كانون الثاني (يناير) 1990، أرسل وزير النقل والمواصلات العراقي، رسالة أخرى إلى زميله الكويتي، ولم يحصل على جواب. وفي شهر شباط (فبراير) 1990، فاتحت أنا شخصياً وزير خارجية الكويت، ورجوته حل الموضوع، فلم نحصل على جواب. ويعني تصرف الحكومة الكويتية، عدم تمكين مطار البصرة الدولي من العمل، كمطار دولي.

    ويحدث ذلك، بعد أن انتهت الحرب، وفي الوقت الذي استأنفت فيه الكويت تشغيل الممر الجوي بينها وبين إيران. فهل يقع مثل هذا السلوك، في إطار الحرص على التنسيق مع الأشقاء، كما تدعي مذكرة الحكومة الكويتية؟

    وتؤكد الوقائع، بأنه خلال الفترة الواقعة بين أيلول (سبتمبر) 1980، وحتى هذا اليوم، كان العراق هو المبادر الأول في الزيارات، التي قام بها للكويت، لغرض التنسيق في كل المسائل المشتركة، ومنها المسائل التي تناولتها رسالتنا، في 15 تموز (يوليه) 1990. وإذا حسبنا عدد الزيارات، التي قام بها المسؤولون العراقيون للكويت، لوجدنا أنها تزيد عن الزيارات، التي قام بها المسؤولون الكويتيون للعراق. وهذه حقيقة أخرى، تضاف إلى الحقائق عن الطرف، الذي يحرص، فعلاً، على التنسيق.

2. لقد أصابت المذكرة الكويتية، عندما قالت: "إن العراق، (كان) في مقدمة الأشقاء الداعين إلى تحقيق الوفاق في العلاقات العربية، والنأي بتلك العلاقات عما يعكر صفوها، ويحقق لها التوازن، بما يخدم العمل العربي المشترك".

    إن العراق كان وما يزال وسيبقى دائماً، يتصف بهذه الصفة. غير أن المسؤولين في حكومة الكويت، هم الذين أساءوا إلى هذه المبادئ، عندما تعمدوا، بأسلوب مخطط، ومبرمج، طيلة سنوات الحرب وبعدها، إلحاق الأذى بالعراق، والتجاوز على أرضه وحقوقه. ولو أنهم احترموا هذه المبادئ، وطبقوها في علاقتهم مع العراق، الذي حفظ لهم الود، وتحمل منهم الإساءات، سنوات عديدة ـ لما اضطررنا إلى ما اضطررنا إليه، مكرَهين.

    وقد عبر السيد الرئيس صدام حسين، في خطابه، يوم 17 تموز (يوليه) 1990، عن الألم العميق، لاضطرارنا إلى كشف الأذى الذي لحق بنا، عندما قال: "عندما نضطر إلى هذا القول، فإننا نشعر بالتمزق من داخلنا، ونعايش الحزن إلى أقصى معانيه؛ إذ إننا لم نكن نتمنى أن نتحدث عن حقوق مغتصبة، والمغتصب فيها بعض العرب. وإنما كنا نتمنى أن نركز، في حديثنا، كما هو شأننا دائماً، على الحقوق، التي اغتصبها الأجنبي فحسب. ولكن أصحاب السوء، هم الذين يتحملون، وحدهم، أمام الله، وأمام الأمة، نتائج سيئاتهم، التي أظهروا من مخزونها ما لم نعرفه عنهم، من قبْل، أو كنا نمني النفس بما هو غير هذا".

3. وتشير حكومة الكويت إلى ما تحملته، من اعتداءات على أراضيها، ومنشآتها النفطية، وناقلات نفطها، ومصالحها التجارية، إبّان الحرب. وهي في ذلك، تتجاهل حقائق السياسة والجغرافيا، في الصراع الذي جرى بين عام 1980، وقبْله وبين عام 1988. لقد قلنا في مذكرتنا: "إن كل رؤساء دول الخليج، ومعهم كل الأمة العربية، أكدوا بأن المعركة، لم تكن عراقية وحسب؛ إنما كانت دفاعاً عن الخليج وأمنه وسيادته". والكويت هي أقرب الساحات إلى ميدان المعركة. وكان التهديد لها، من الخارج ومن الداخل، مباشراً، وبعض ما ذكرته المذكرة الكويتية يؤكد ذلك. وإذا كانت قد وقفت مواقف عبّرنا عن تقديرنا لها، كما جاء في رسالتنا في 15 تموز (يوليه)، فإنها، في الواقع، تصرفت، في جانب كبير من ذلك، من زاوية درء الخطر عن النفس. وإذا كانت الكويت، قد تكبدت من الخسائر المادية، فإننا سفحنا الدم الغالي، فضلاً عن تكبدنا الخسائر الهائلة. ومع ذلك، فقد كانت نظرتنا وما تزال إلى أن المسألة قومية. ولكننا أثرنا في رسالتنا تساؤلات، لم تجب عليها المذكرة الكويتية!! ولم تتطرق إلى الزيادات في الإنتاج، التي تحققت لدول معينة في الخليج، أثناء غياب التصدير العراقي، والثروات التي جمعتها، إبّان الحرب، مع أننا قدمنا أرقاماً وبراهيناً على ذلك.

4. أما ما ورد في مذكرة الحكومة الكويتية، من أن للعراق سجلاً حافلاً، في تجاوزاته على الأراضي الكويتية، فإنه كذب، وقلب للوقائع رأساً على عقب. فالعراق كان منشغلاً في الحرب، طيلة ثماني سنوات، ولم يكن له، في المناطق المذكورة، جندي أو شرطي أو حارس حدود، فكلهم كانوا في الجبهة، يقاتلون دفاعاً عن شرف الأمة وسيادتها؛ في الوقت الذي كان فيه الشغل الشاغل للمسؤولين في حكومة الكويت، هو تدبير الزحف التدريجي على أراضي العراق، وبناء المخافر، وإنشاء المزارع والمنشآت العسكرية والنفطية فيها. ولم يلتفت العراق إلى ذلك، لأنه كان يخوض معركة مصير له وللعرب جميعاً، ولأن نظرته إلى الأرض العربية، والعلاقات العربية، معروفة.

5. تقول المذكرة: "إن العراق كان يرفض ترسيم الحدود بينه وبين الكويت". وهذه مغالطة، تدحضها الحقائق والوثائق والوقائع. أولاً، إن المسألة بين العراق والكويت، وكما جاء في رسالة نائب رئيس الوزراء، الدكتور سعدون حمادي، الموجهة إلى وزير خارجية الكويت، بتاريخ 30 نيسان (أبريل) 1990، (التي نرفق نسخة منها، طيّاً) ـ ليست مسألة "ترسيم"، كما تدعي المذكرة الكويتية. إن وضع الحدود، كما جاء في الرسالة، هو، في الواقع، وضع بلدَين متجاورَين، تجمعهما أواصر القربى الوثيقة، لم يتوصلا، حتى الآن، إلى اتفاق حول "تحديد" حدودهما، في البر والبحر.

    وقد تجاهلت المذكرة الكويتية مبادرتنا، التي أشرنا إليها في رسالتنا، في 15 تموز (يوليه) 1990، ففي أثناء حضورنا قمة الجزائر، في آيار (مايو) 1988، أبلغت أنا شخصياً وزير خارجية الكويت، برغبة السيد الرئيس صدام حسين في حسم مسألة الحدود بين البلدَين. غير أن الجانب الكويتي، وبعد عدد من الاتصالات، التي جرت حول الموضوع، تهرب من الأمر. وأبلغنا بأن ظروفه، لا تسمح ببحث هذه المسألة، وطلب منا تأجيل بحثها. كما أن مسؤولين كويتيين، اتصلوا بنا، وأبلغونا عن رغبتهم في تحويل ملف الحدود من مسؤول كويتي إلى آخر. وإن السيد الرئيس صدام حسين، هو الذي اقترح، ثانية، على سمو أمير الكويت، أثناء زيارته إلى العراق، في شهر أيلول (سبتمبر) 1989، معاودة البحث في الموضوع، وحله بأسلوب أخوي.

    أما ما ورد في المذكرة الكويتية، من إشارة إلى حل مشاكل حدودية معلقة، مع السعودية والأردن، فهي صحيحة. والواقع، أنه لم تكن بيننا وبين السعودية والأردن مشكلة حدود، كما هي الحال مع الكويت؛ وإنما كان هناك مشاكل حدودية معلقة، وهي محدودة. وقد عالجناها في إطار نظرة قومية، لا تتنازع على الأشبار بين الأقطار الشقيقة. وحبذا لو تصرفت حكومة الكويت، في هذه المسألة، كما تصرفنا نحن، وتصرف الإخوة في الأردن والسعودية.

6. أما عن إشارة مذكرة الحكومة الكويتية، إلى الميثاق القومي، الذي اقترحه السيد الرئيس صدام حسين، في شباط (فبراير) 1980، وما ورد في تلك الإشارة، من ربط مصطنع بين الميثاق واقتراح ورد في المذكرة ـ فنقول: إن الميثاق القومي كل لا يتجزأ. ولا يمكن لطرف ما، أن يتناول ما يحلو له منه، ثم يطعن، في الصميم، المبادئ والأُسُس الأخرى، التي جاءت فيه؛ لأن العلاقة العربية، التي اقترحها الميثاق، علاقة شمولية، ومترابطة. ثم إذا كانت حكومة الكويت مؤمنة، حقاً، بالميثاق القومي، الذي أُعلن قبل عشر سنوات، فلماذا لم تقلُ ذلك، من قبْل؟ ولماذا تملصت من توقيع الاتفاقيات، التي عرضناها عليها، والتي وقّعنا مثلها مع حكومة المملكة العربية السعودية وغيرها من دول المنطقة؟ ولماذا غضبت من مقترحات قدمناها ـ كما تشير إلى ذلك رسالة الدكتور سعدون حمادي، في 30 نيسان (أبريل) 1990، والتي تقع في إطار المبادئ، التي وردت في الميثاق، وفي ميثاق الجامعة العربية؟ إن المنهج الانتقائي، لا يمكن أن يكون منهجاً صالحاً في العلاقات العربية. وإن المنهج المطلوب، هو المنهج الشمولي، الذي يستند على مبادئ قومية ثابتة، وعلى ضرورات ومتطلبات الأمن القومي العربي.

7. لقد مرت مذكرة الحكومة الكويتية، بسرعة، على ما أثرناه، حول سياستها النفطية، التي تعمدت الإضرار بالعراق. ولم تردّ على الحقائق، التي جاءت فيها. وهي حقائق، يعرفها كل الأشقاء في المنطقة، لأننا شكونا إليهم سياسة الكويت، فأيدوا شكوانا وشكواهم، من جانبهم، وأكدوا أنهم هم، أيضاً، يتضررون من هذه السياسة المتعمدة، التي تهدف إلى زعزعة سوق النفط، وإلحاق الخسائر بالدول التي تصدر النفط، وهي ثماني دول عربية، عدا الكويت والإمارات. إن هذا يؤكد صحة ما أوردناه في رسالتنا.

8. أما عن ادعاءات حكومة الكويت في حقل الرميلة العراقي، فإننا نؤكد، أن هذا الحقل هو حقل عراقي، بالاسم والأرض. وأن ما سحبته حكومة الكويت، عمداً، في ظروف انشغال العراق في الحرب، وهو مثال واحد من أمثلة تجاوزات حكومة الكويت على نفطنا، التي لا تنحصر في هذا الحقل فحسب ـ هو سرقة، لا بدّ لحكومة الكويت من ردّها إلى شعب العراق المجاهد.

9. ومما يلفت النظر، أن الحكومة الكويتية، لم تكتفِ بالرد على رسالتنا، في مذكرة موجهة إلى الجامعة العربية؛ وإنما أبلغت، يوم الخميس، 19 تموز (يوليه) 1990، رسالة حول الموضوع، إلى رئيس مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة. فهل تقصد حكومة الكويت تدويل هذه المسألة، في الوقت الذي ملأت فيه مذكرتها بالكلمات الإنشائية الطنانة، عن الجامعة العربية وميثاقها، وعن العلاقات بين العرب؟

    إن السلوك الفعلي، يكشف الحقائق. ولعل مما يزيد من إلقاء الضوء على المسألة، ويؤكد ما أثبتناه في خطاب السيد الرئيس صدام حسين، في 17 تموز (يوليه)، وفي رسالتنا، في 15 تموز (يوليه) 1990، من أن السياسة التي اتّبعتها حكومة الكويت، إنما كانت سياسة أمريكية ـ هي التصريحات الأمريكية الأخيرة، التي تقول، بصراحة: إن باستطاعة حكومة الكويت، أن تستظل بالقوة الأمريكية. وهذا تشجيع، لا لبس فيه، لحكومة الكويت، لكي تمضي في سياستها، التي تتعمد العدوان على العراق والأمة العربية. فأين موضع العرب والعروبة والجامعة العربية من ذلك، يا حكومة الكويت؟

    وحول هذه المسألة، نقول لحكومة الكويت، إن الذي يتآمر على الأمة العربية، ويهدد مصالحها الجوهرية، في الصميم ـ لن يحميه الأجنبي؛ فالشعب العربي، سبق له أن تعامل مع حالات من هذا النوع، وكان مصيرها معروفاً.

    أرجو سيادة الأمين العام، توزيع هذه الرسالة على الدول العربية.

        مع أطيب التحيات والتمنيات.

طارق عزيز

نائب رئيس الوزراء

ووزير خارجية الجمهورية العراقية

بغداد، في 29 ذي الحجة 1410 هـ

الموافق 21 يوليه 1990م