إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





وثيقة

وثيقة

رواية الشيخ سعد العبدالله الصباح

عن محادثات جدة

والساعات الأولى للغزو العراقي للكويت[1]

في لقاء له في لندن

يوم الثلاثاء، 4 سبتمبر 1990

    ... أعود بالماضي، إلى اليوم 15، من الشهر قبْل الماضي (يوليه)، عندما استلمنا مذكرة العراق، التي تضمنت الكثير من الاتهامات الباطلة، والتي تضمنت المعلومات والأقاويل، التي لا تستند لا إلى الحقيقة، ولا إلى الواقع. وأنا، هنا، أذكر بعض ما ورد في تلك المذكرة.

    جاءت المذكرة تقول: "إن الكويت وأهل الكويت، سرقوا نفط العراق"! كان بالإمكان أن يقولوا، إن السلطات الكويتية بدأت بالضخ؛ لأن الكويت، لا تسرق أموال الطرف الآخر، والناس.

    قالت المذكرة: "إن السلطات الكويتية، قامت بإقامة مزارع ومنشآت نفطية، داخل الأراضي العراقية". وقالوا. وقالوا. وقالوا.

    ولكن، إخواني وأخواتي، ما يؤلم، هو أنني قرأت جملة من تلك المذكرة، تقول، بأن الكويت وأهل الكويت، ينفذون سياسة، تتفق مع أهداف الإمبريالية والصهيونية، وهذا ما أثار الألم، وحزّ في النفس. وعندما درسنا هذه المذكرة العراقية، لم نتأخر يوماً واحداً في الرد عليها، من أجل أن نثبت للعالم أجمع، بأن ما وردَ في هذه المذكرة، يتنافى مع الحقيقة والواقع.

    قلنا طالما أن السلطات العراقية بدأت بتوزيع هذه المذكرة للجامعة العربية، فإن من حقنا، الآن، أن نطلب توزيع الرد الكويتي على الأشقاء العرب، حتى يتفهموا حقيقة ما جاء في المذكرة العراقية. والرد الكويتي مدعوم بالوقائع والبراهين. وجاء الرد العراقي يقول (لا). إن هذه الموضوعات يجب أن تُبحث بلقاء أو بلقاءات ثنائية. نحن لم نستعجل، ولم نتصل بالدول العربية. لكن السلطات العراقية، هي التي بدأت الاتصال بالدول العربية. فقمنا بتشكيل لجنة للرد على الادعاءات العراقية. ولكنهم رفضوا، لأنه ليس لديهم أدلة، وليس لديهم إثباتات.

    ورددنا على هذه المذكرة. وقلنا أنتم بدأتم بالخطوة الأولى، وأدخلتم الأشقاء العرب؛ ونحن نقبَل أن يضع العرب الحل لكل المشاكل. لكنهم تهربوا، لأنه ليس لديهم الأدلة والبراهين على صحة ما جاء بجميع المذكرات العراقية.

    وبعد ذلك، فوجئنا بأن العراق أرسل بعضاً من وحداته العسكرية، إلى الحدود العراقية ـ الكويتية. وكنا نتابع عن كثب تحرك العراق في الميدان العسكري.

    وقام بعض الأشقاء، قادة الأمة العربية، بجهود مكثّفة، وبمساع خيّرة، من أجل إيجاد صيغة لحل كل الخلافات، ومن أجل عدم تصعيد الأزمة. واستبشرنا خيراً، ووصلتنا رسالة من خادم الحرمَين الشريفَين، يقول فيها، إنه استلم معلومات من رئيس النظام العراقي، بأنه لا ينوي، في الحاضر أو المستقبل، شن عدوان على الكويت. وزارنا، أيضاً، الأخ الرئيس المصري، محمد حسني مبارك. وقال جئت، تواً، من بغداد، حيث تحدثت مع الرئيس العراقي، وأطمأننت منه عمّا يتردد من إشاعات أو أقاويل، تفيد بأن العراق ينوي الهجوم على الكويت. فهذه الأقاويل غير صحيحة.

    أنا أطرح هذه الحقائق، هنا، من أجل أن تعرفوا السبب، أو الأسباب. وقد وجدنا من الضرورة بمكان، أن يقوم الإخوة الوزراء بزيارات مكثفة، للقاء قادة الأمة العربية، ليشرحوا لهم ما وردَ في هذه المذكرات، التي فيها الكثير من المؤشرات، التي لا تنسجم مع العلاقات القائمة بين العراق والكويت، آنذاك. وأذكر بأن أحد الإخوة، وهو وزير الدولة السابق، لشؤون مجلس الوزراء، الدكتور عبدالرحمن العوضي، كان عائداً من الصومال وجيبوتي، إلى اليمن. وقلت له، عندما تلتقي بالرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، أبلغه، عن لساني، بأن هناك وجوداً عسكرياً على الحدود الكويتية  ـ العراقية؛ وبما أن الرئيس علي عبدالله صالح، عضو في مجلس التعاون العربي، فلعله يجد وسيلة للتحدث مع زميله، رئيس النظام العراقي. وفعلاً، قام الدكتور العوضي، بعد اجتماعه بالرئيس اليمني، بإبلاغه هذه الرسالة. وقال الرئيس اليمني: "هذا الكلام، لا يمكن أن يكون صحيحاً". فاتصل هاتفياً برئيس النظام العراقي، وقال: "سمعت من المندوب الكويتي، أن هناك وجوداً عسكرياً على الحدود العراقية ـ الكويتية". فقال الرئيس العراقي للرئيس اليمني: "هذا الكلام غير صحيح. وبإمكانك أن تأخذ الطائرة إلى البصرة، وتفتش بنفسك". وفي ذلك اليوم تحدث معي الرئيس علي عبدالله صالح. وقال: "يا أخ سعد، منذ دقيقة، تحدثت مع الرئيس العراقي، وقال هذا الكلام غير صحيح. وإن الرئيس العراقي، عرض عليَّ التأكد من صحة هذا الكلام". وأنا لا أملك السلطة لإجبار الرئيس على أن تقله طائرة إلى العراق. وقلت، مجدداً، إن هناك قوات عسكرية على الحدود الكويتية ـ العراقية، وعليك أن تتأكد، اليوم أو غداً أو بعد غد، من صحة هذا الكلام. هذا ما تم قبل الهجوم الغادر بأيام قليلة.

    وبعد زيارة الأخ الرئيس حسني مبارك إلى الكويت، تلك الزيارة التي نقل فيها عن الرئيس العراقي طمأنته لأهل الكويت، بأنه ليس لديه نية للهجوم عليهم، زارنا، أيضاً، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. لست أدري، ولكن أؤكد لكم، أيها الإخوة والأخوات، أن المستقبل القريب، سيكشف لنا صحة المعلومات التي سمعناها، وقال، أيضاً: "يا أخ سعد أتيت، الآن، من بغداد، وبعد أن اجتمع بي رئيس النظام العراقي ومجموعته، وأنهم طمأنوه". فقلت خيراً. وجاء بعده الأمين العام للجامعة العربية، وقال نفس الكلام.

    وتقديراً منا، في الكويت، للجهود المثمرة، التي بذلها خادم الحرمَين الشريفَين، الملك فهد بن عبدالعزيز، وتقديراً منا للمساعي الخيّرة، التي بذلها الرئيس الأخ محمد حسني مبارك، وبناء على نصيحتَيهما، تم الاتفاق على أن نعقد لقاء كويتياً ـ عراقياً. وقال الرئيس حسني مبارك، إن العراق، يصرّ على أن يتم الاجتماع الأول في بغداد. لكن ارتُئي أن يتم اللقاء الأول في السعودية أو في مصر. وفضّل أن يتم اللقاء في جدة، وقال إنه استطاع أن يقنع الطرف العراقي باللقاء، وقلت: "لا يمنعني من العراق شيء، فلقد تعودت الاجتماع، سواء في بغداد أو الكويت. لا فرق من أجل الكويت وأهل الكويت، في أي مكان". واتفقنا أن يتم الاجتماع في جدة، في 30 يوليه 1990، وأن يتبع اجتماع جدة، لقاء آخر، في بغداد ثم في الكويت. هذه هي الرسالة التي نقلها الأخ الرئيس حسني مبارك. وكلكم تابعتم وقرأتم، أنه عندما حدد موعد الاجتماع، في 30 من شهر يوليه، طلعت علينا وكالة الأنباء العراقية، بأن على الوفد الكويتي، أن يأتي بالحل أو الحلول، أي الموافقة على كل الشروط، التي وردت في المذكرات العراقية. وقام وزير خارجية المملكة العربية السعودية بزيارة إلى العراق، وسئل: "ما الهدف من هذه الزيارة، هل هي بروتوكولية أم زيارة عمل؟". وقد سمعت من قِبل المسؤولين أنها زيارة عمل. وبالفعل، جاءنا للكويت، ليلمس بنفسه رغبتنا في لقاء الوفد العراقي، ومدى جديتنا في عقد هذا اللقاء.

    وحُدّد اللقاء يوم 30 يوليه، وذهبت إلى جدة، يحدوني الأمل والرغبة والإحساس بالمسؤولية، وكنت أعتقد بأنه، بعد تدخّل كلٍّ من الملك فهد، والرئيس المصري، حسني مبارك، سوف نصل في اللقاء المرتقب، إلى صيغة أو أكثر، لحل الكثير من المشاكل.

    وبعد زيارة الملك فهد، كما يقتضي البروتوكول، اتفقنا على أن يتم الاجتماع الأول، بعد صلاة المغرب. وأنا، هنا، إخواني وأخواتي، لا بد أن أتحدث إليكم بالتفاصيل، بكل التفاصيل. عندما حان موعد الاجتماع، تم الاتفاق على أن يتولى صاحب السمو، الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، افتتاح الجلسة. وبعد ذلك، يترُك القاعة، لنستمر نحن والجانب العراقي. وحضر  جلسة الافتتاح صاحب السمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، نائب الملك، ورئيس الحرس الوطني السعودي، فشكرته على ما أبداه من اهتمام وجهود. واقترح الأمير عبدالله، أن يحصل لقاء ثنائي، ثم اجتماع مشترك. فرحّبت بذلك.

    في الاجتماع، جلست بجانب نائب الرئيس العراقي، وتحدثت بشكل شامل، وعام، من دون أن ندخل في التفاصيل. وبدا لي أنه ارتاح من حديثي، وقال: "يا أخ سعد، هل عندك مانع، أن يسمع الوفد العراقي هذا الكلام؟". فقلت: أنا لا أتكلم بلهجتَين. وليأتِ أعضاء الوفد العراقي. وطلبت أن يحضر أعضاء الوفد الكويتي، لتسجيل ما يريدون. وقلت لرئيس الوفد العراقي: "قلتم بأن أهل الكويت سرقوا نفطكم (العراق يسميه الرميلة، والكويت تسميه الرتقة). وهذه الآبار تبعد خمسة كيلومترات عن الحدود الدولية. وعندما بدأنا الضخ، كنا نضخ حوالي 12 ألف برميل، يومياً؛ بينما أنتم تنتجون من 500 إلى 600 ألف برميل، يومياً. فمن الذي يسرق، نحن أم أنتم؟". وطالب العراقيون، في ذلك الوقت، أن ندفع لهم 2.4 مليار دولار. فقلت طيب. وأضفت: "وما هي النقطة الثانية، يا أستاذ عزة؟". فقال: "أنتم زدتم من حصة إنتاج النفط، وهذا سبّب كثيراً من المشاكل، وأضر بالإنتاج العراقي". فقلت: "هناك خبراء عندهم الخبرة الكافية، يستطيعون التفتيش على سجلات إنتاج النفط، ويتأكدون من إنتاج الكويت والعراق". فقال عزة: "نحن عندنا معلومات".

    ثم عدت وسألته: "وما النقطة الثالثة؟ لقد جاء في مذكرتكم أن السلطات الكويتية، قامت ببناء مراكز حدود ومنشآت نفطية. وأنت تعرف، يا عزة إبراهيم، أثناء زيارتي، في شهر يوليه 1977، اتفقت معك على إيجاد خط وسط، فاصل بين المخافر، أو المراكز الكويتية وبين المراكز العراقية. وأنت وقّعت على المحضر، وأنا أيضاً. وقلت لك هذا الاتفاق، لا يشمل المراكز التي بنتها السلطات الكويتية، وأن ما تُرك من مشاكل صغيرة، يُترك للمسؤول في صفوان والعبدلي، فكيف أسمع منك أننا بنينا منشآت؟ ولماذا هذا السكوت لمدة سنتَين؟". فلم يستطع الرد على هذه التساؤلات.

    وتابعت أقول: "بإمكانك أن ترسل، للتأكد من صحة ما وردَ، وعلى صحة الموافقة العراقية، الآن قبل الغد، وفي الغد قبل بعد غد، هل قامت الكويت بإنشاء مراكز داخل الأراضي الكويتية؟". فتهرب من السؤال. وقلت له: "ما يؤلم، أنكم اتهمتم الكويت بتنفيذ سياسة تهدف، أو تتماشى مع السياسة الإمبريالية والصهيونية. ودعنا نتحدث، بصراحة. منذ متى كشفتم، أن حكومة الكويت، تتبنى سياسة، بشكل مباشر أو غير مباشر، تتماشى مع الصهيونية؟ هل تذكر، يا عزة إبراهيم، أنك في أحد الاجتماعات، عندما كنا في بغداد، كنت تردد الثناء والمديح لأمير الكويت، وحكومة الكويت، وشعب الكويت؟". وقلت له: "إذا كنت قد نسيت، فأنا لن أنسى". وقلت له: "كنت تقول بأنكم لم تنسوا الدعم الكويتي، ولن تنسوا ما قام به الأمير وحكومته وشعبه".

    بعد عجزه أن يرد على هذه التساؤلات، وصلت إلى قناعة بأن الرجل، أُرسل فقط ليقال أنه استجاب لنصيحة الملك فهد؛ وأنه أُرسل بهدف التغرير وتمييع الموقف. وقلت: "لنرجع إلى أكتوبر 1963، وأنت عضو في حزب البعث منذ استلام الحكم بعد قاسم العراق، في تلك الأيام ذهبت مع الشيخ صباح السالم ـ رحمه الله ـ وكان رئيس الوزراء، وتم الاتفاق على الاعتراف بحدود الكويت. وكان يمثل العراق صالح عماش ـ يرحمه الله ـ وكنت أنا أمثّل الجانب الكويتي، بصفتي وزيراً للخارجية، وسهرنا لكتابة البيان، من الساعة 11 ليلاً حتى الساعة الرابعة صباحاً. ووقَّعنا على الاعتراف بسيادة وباستقلال الكويت، على ضوء ذلك".

    وذكرته كذلك بإحدى الرسائل، وهي تقول: "إن الجزر فيلكا ـ كبر ـ بوبيان ـ عوهة، كلها جزر كويتية". وفي الواقع، كلما سألناهم عن تنفيذ بنود المعاهدة، يتذرعون بأعذار واهية. كل من عمل بالسياسة، يعرف أن هذه الأعذار ليس فيها ما يمنع السلطات العراقية من ترسيم الحدود. وقلنا لهم، طالما أنتم لم تصدقوا على الاتفاقية، طيب ماذا عن التمثيل الدبلوماسي؟ وعن التعاون التجاري؟ وكلاهما ورد في المذكرة. كيف سمحتم بالتبادل الدبلوماسي، وهذا جزء مما ورد في المذكرة؟. فلم يجب على هذا السؤال. وعرفت، أيها الأخوة والأخوات، أن رئيس الوفد العراقي، لا يملك الصلاحية، ولا حق في استمرار الحوار معي. وانتهينا إلى هذا الحد. وقبل أن نذهب إلى حفلة عشاء الملك فهد، قلت لنفسي، ليس هناك من ضرر، أن اتصل برئيس الوفد العراقي. وزرته في جناحه الخاص، وقلت له دعنا نكسب الوقت، ونتكلم، لوحدنا بشكل شامل ومُسهب، وبدون تسجيل، أو أن يكون معك أحد. فقال: "أنا مريض، ورأسي يوجعني. وبأسلوبي الخاص دخلنا الحوار مجدداً، وكان مرة يقول "تعبتني"، ومرة أخرى يطالع ساعته. لكن  يعرف ويدري.

    بعد الهجوم، أخذتُ أتذكر، كيف أننا، من 8 ساعات، كنا نتحاور مع بعض؛ بينما كان يفكر ويخطط، ويريد أن يقتلني.

    ذهبت لقصر دسمان، وقدمت التقرير لصاحب السمو، عن فحوى اللقاء، الذي دار بيني وبين رئيس الوفد العراقي. وقلت اتفقنا، أيضاً، على أن نلتقي في بغداد. فقال سموّه: "نلتقي في بغداد. ونلتقي في الكويت".

    وظننت أن اللقاء سوف يتم في بغداد، ويتبعه لقاء آخر في الكويت. ولكن أذكر أنه، في تمام الساعة الواحدة والنصف، من فجر يوم الخميس، أيقظني الأخ وزير الدفاع، وقال: "يؤسفني ويؤلمني، أن أقول لك، بأن القوات العراقية، زحفت، الآن، واحتلت المراكز الكويتية". قلت: "أنا في انتظارك، الآن، ولننتقل لغرفة العمليات العسكرية". وفعلاً، جاء وزير الدفاع، وطلبت حضور جميع الوزراء إلى غرفة العمليات. وبدأنا نتابع زحف القوات العسكرية، داخل الحدود. وتمكنا، بسرعة، وفي وقت قصير، أن ننشر القوات العسكرية الكويتية. ولم نكن نظن بأن صدام، الذي تحدث عن التآخي، وتحدث عن الجيرة معي، ومع كل زائر عربي، وتحدث عن المبادئ، أن يقوم بهذا العدوان. إن صدام لم يرعَ الأخوّة، ولم يرعَ حرمة الجيرة، وتنكر لعروبته، وتنكر لجميع القيم والمبادئ، في سبيل نواياه الشريرة، وفي سبيل أطماعه التوسعية. لقد أرسل قواته، يوم الخميس، وبلغت 120 ألف عسكري، مدعمين بمختلف الأسلحة، وبحوالي 1300 دبابة، و 1400 مدرعة، ومئات من المدافع، ومئات من الصواريخ. وشنت طائراته هجومها على قواتنا المسلحة. وأنا، في هذا المكان، أنحني، إجلالاً وإكباراً لشبابنا، ورجال القوات المسلحة الكويتية، الذين خاضوا معركة شرسة مع القوات العراقية، منذ الفجر حتى مساء الخميس، 2 أغسطس، واستماتوا في سبيل الدفاع عن عزة الكويت، وفي سبيل سيادتها. وأسقطوا عدداً كبيراً من طائرات ودبابات العدو، ومن رجاله، حتى قالوا أخيراً: "اللهم اشهد، نفدت الذخيرة".

    وكنت أتابع عن كثب، سير دخول القوات العراقية، حتى وصلت إلى مكان قريب من الإخوة، نتابع سير المعركة. قلت هذا المكان ساقط، عسكرياً. فلننتقل لمكان آخر، ونكمل عملياتنا. وفي الطريق إلى المكان المتفق عليه، لا أدري ماذا حصل. لكنني أحسست، أن هناك نية مبيتة لإلقاء القبض على الأمير، وتصفية السلطة؛ وعند ذلك، لن يكون هناك شرعية، وهذا ما يريده نظام صدام. لكن ربي ألهمني، في الطريق، فاتصلت بسمو الأمير، وقلت له: "إن العملية ليست احتلال بعض الأرض، بل أكبر من ذلك بكثير". فغيرت مجرى السيارة باتجاه قصر دسمان، لاصطحاب صاحب السمو. لم أعرف أي طريق أسلك. وقلت للسائق: "اتجه إلى مخفر النويصيب"، وهذا إلهام من الله. وهكذا، انتقلت مع صاحب السمو إلى مخفر النويصيب. وكنت دائم الاتصال بالشباب. ووزير الدفاع، ظل في مركزه حتى الساعة السادسة، من مساء يوم الخميس. وبعد تركه بـ 5 دقائق، جاءت القوات العراقية، واحتلت المبنى، وهو ما يؤكد أن العملية مخطط شرير، وضعه صدام وزمرة صدام.

    مساء يوم الخميس، سيطرت الدبابات العراقية على المنطقة، بعد تركِنا لها بساعات، واتجهنا إلى مركز الخفجي، السعودي. لقد كانت العملية مدروسة، ومُخططاً لها، منذ زمن. وهناك أكثر من واحد، عرف أبعاد هذه الحرب. وسوف تكشف الأيام والأشهر، لشعب الكويت، من وقف معه، ومن وقف موقف المتفرج، ومن عرف بحجم المؤامرة وغطّاها.

    بعد المعركة بساعات، بدأت الاتصالات، وبدأت زمرته، وبعض الإخوة العرب، يحاولون شراء الناس. ندفع مليارات الدولارات لقاء أن تلزموا السكوت. فرد أصحاب المبادئ: المبادئ أولاً. لقد نجحوا في رشوة بعض قادة الأمة العربية، الذين تغنوا في الماضي، وطرحوا الكثير من الشعارات والمبادئ. لكن مع الأسف، إن شعب الكويت، لن ينسى لهؤلاء هذا الموقف المتخاذل. ولما وجدت أن السلطات، بدأت بتكثيف القوات على الحدود السعودية ـ الكويتية، تبين أن هناك مخططاً ثانياً، وثالثاً، للتوغل في الأراضي السعودية؛ لأنه ليس هناك ما يستدعي إرسال 150 ألف عسكري و 1300 دبابة. وقد علم الأشقاء في السعودية، نوايا صدام، فاستعدوا للمعركة.

    وهنا، طلع عليهم، هو وزمرته، وقال بأنه لا ينوي الهجوم على الأراضي السعودية. وردّوا عليه: "لقد قلت هذا الكلام للأشقاء في الكويت، فكيف تريد أن نصدق كلامك، يا صدام؟". وما حصل أنهم استعدوا.

    هنا كان من الضروري زيارة مصر، والالتقاء بالرئيس حسني مبارك، من أجل أن نتشاور ونتفاهم كمسؤولين عما حصل للكويت. وكان الرئيس مبارك قد وجّه الدعوة إلى مؤتمر قمة طارئ، فتركت الإسكندرية للاجتماع بالرئيس مبارك، لنتفاهم في موضوع القمة، والموضوعات التي يجب أن تُبحث في ذلك الاجتماع. وقد تنادى قادة الأمة العربية إلى الاجتماع، أيضاً. وكان مقرراً، أن يكون يوم الخميس، لكنه تأجل إلى صباح يوم الجمعة. وفعلاً، تم الاجتماع في ذلك اليوم، وفي الجلسة العلنية، تحدث الرئيس حسني مبارك. واتُفِق على جلسة مسائية، طلبتُ أن أكون من أول المتحدثين فيها. وفي الجلسة المسائية، ألقيت كلمة الكويت، وبعد ذلك أُعطيت الكلمة لرئيس الطرف العراقي، طه رمضان، الذي طلب منه رئيسه أن يلقي كلمة، وفيها الكثير من المغالطات والاتهامات، وكلها ينصب للحصول على المادة. فقلت هذه فرصتي للتحدث أمام قادة الأمة العربية، ووضع النقاط على الحروف. وتحدثت رداً على كلمة رئيس الوفد العراقي، وعلى كل نقطة، وطلبت أن يُسجل هذا الكلام للتاريخ. وقلت لرئيس الوفد: "بعد أن دخلتم الكويت، ظننتم أن أهل الكويت، سوف يفرشون لكم الطرق بالزهور والرياحين. ولكن خابت أمالكم. إن أهل الكويت، وهؤلاء إخواني وأخواتي، ولا يمكن، لا اليوم ولا غداً، أن تجد فيهم من يتعاون معك. ولكن، يا رمضان، لما فشلتم في الحصول على كويتي واحد، جئت بقصة العميل علاء الدين. من أين أتيتم بهذا العميل؟ هذا نكرة، يا رمضان، لا تقل للعالم، إن الكويتيين تعاونوا معك".

هذا هو قدرنا.

]إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ[ w



[1] هذه الصيغة، هي التي وزعتها وسائل الإعلام الكويتية، عن رواية الشيخ سعد، في شأن محادثات جدة، والساعات الأولى للاجتياح العراقي للكويت