إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / بوادر الأزمة العراقية ـ الكويتية وتطورها (1988 ـ 1990)




أمير الكويت، وصدام حسين
الملك فهد، والرئيس صدام
الرئيس صدام، والملك فهد





وثيقة

وثيقة

رواية خادم الحرمَين الشريفَين، الملك فهد بن عبدالعزيز

عن محادثات جدة

والساعات الأولى للاجتياح العراقي للكويت

ألقاها في قصر السلام، في جدة

يوم الإثنين، 26 نوفمبر 1990

بسم الله الرحمن الرحيم

    إن العلاقة، التي بيننا، في هذا البلد، هي علاقة بنيت على أُسُس وقواعد، أهمها القاعدة الإسلامية، التي ـ في الواقع ـ نعتز ونفتخر بأن نكون دائماً ـ إن شاء الله ـ في خدمة عقيدتنا الإسلامية، بجميع مفاهيم معاني كتاب الله وسُنة نبيه. 

    ولا أعتقد إلاّ أن الجميع يشاركونني في هذا الأمر؛ إذ إن هذه البلاد، ليس لديها شيء تعتز به، ولا يوجد في أي مكان آخر، إلاّ في هذه البقع وهو مكة المكرمة والمدينة المنورة وبيت الله الحرام ومسجد نبيه ـ.

    ولذلك، فإن سكان هذه البلاد، عليهم واجبات كثيرة، من جميع النواحي. وإذا كنا نقول واجبات، فهي، بالفعل، أكبر وأضخم واجبات، يمكن أن يتحملها بشر.

    ولكنها مفخرة ونعمة من رب العزة والجلال، أن جعلنا في خدمة الإسلام والمسلمين، ولعلنا نؤدي ما يجب أن نؤديه، تجاه ما أنعم الله به علينا، وجعلنا في هذه الأماكن المقدسة.

    أما فيما يتعلق بأحداث العالم، الذي نحن فيه، الآن، فهناك أوضاع معينة، ربما تصل إلى أمور كثيرة قد يجوز أننا نتصورها، ولكن التصور شيء، والواقع شيء آخر.

    وأهم الأمور في نظري أنا ـ وأظن أننا كلنا نشترك في وجهة النظر هذه ـ هو الحدث المؤلم، الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ، وهو أن تأتي دولة مجاورة لدولة ـ وهما عربيتان متفقتان، وبينهما اتفاق ومعاهدة واعتراف ـ بعد منتصف الليل، وتحتلها بقوة السلاح. إن هذا مما يؤثر في وضعنا العربي، وربما يتساءل الغير: إلى متى لا تستطيع الأمة العربية، أن تتحد في إطار مدعم بالمحبة والألفة؟

    ولقد سبق أن ذكرت، أن أول من فوجئ بما حدث على الكويت، من قِبل العراق، هو أنا؛ لأنني أعرف هذه المشكلات، وعشت فيها سنين، وفي الأيام الأخيرة بالذات، حيث كلنا نعلم، وسبق أن برز هذا الأمر. كانت هناك مشكلة تتعلق بإنتاج البترول، أقصد في بداية الأمر. بعد ذلك بفترة، استجدت أمور بين العراق وبين الكويت، بالنسبة للحدود، وبالنسبة لحقل اسمه "حقل الرميلة". وابتدأت مناقشة حول هذا الأمر. وهذا ليس شيئاً جديداً. وكان من الممكن أن تصل المملكة العربية السعودية، لما لها من العلاقات الجيدة، مع الكويت ومع العراق، فيما سبق، إلى نتيجة. ولقد تم بحث هذا الأمر مع الطرفَين. ووجدنا استجابة من الكويت، ومن الممكن أن نتفاهم، وتُناقش الأمور بطريقة محببة للنفوس، وبعد هذا، لا بدّ من أن نصل إلى ما يكون مفيداً وبنّاءً. اتصلنا بالعراق، وكانت عندهم نفس الاستجابة، ولكن فيها نوع من الحدّة. حاولت، أنا، بقدر مجهودي، أن أعمل شيئاً. ولكن، يبدو أن الأمور كانت أسرع من أن يلاحقها الإنسان بسهولة، وثبت أن الإسراع فيها لهدف معين. هذا الهدف، لم نكن نعرفه، أو نستطيع أن نتوقع ما حدث. ويبدو لي أنا، أن الأمور كانت مُعّدة مِنْ قَبْلِ مؤتمر بغداد الأخير، أو ربما حتى فيما سبق.

    وابتدأت الأوضاع تأخذ طابعاً، فيه نوع من الحِدّة، التي لا تدل على أن الأمور، يمكن أن تُصلح بشكل مفيد وبنّاء. ومع هذا، حاولت أن اتصل بالرئيس العراقي، بحكم وقوفنا مع العراق، ليس بطريقة مخفية، إنها دولة عربية مجاورة، وقفنا معها، لأنها جزء من الأمة العربية، ونحن جزء منها.

    فأي موقف تسطيع العراق، أو الرئيس صدام حسين، يستطيع أن يقول: إن المملكة العربية السعودية أساءت له؟ إنه لا يستطيع ذلك. وأعتقد أننا كلنا، سمعنا تصريحات الرئيس العراقي، صدام حسين، في جميع المناسبات، من أن المملكة العربية السعودية، لم تتأخر، في يوم من الأيام، عن أن تؤدي ما تستطيع من واجبات للعراق، إن كانت مادية أو عسكرية ـ ومعدات عسكرية ـ أو تسخير موانئها لما يريده العراق. فهل بعد هذا العمل، والقيام بشد أزر العراق، يفكر أحد أن يجيء يوم من الأيام، تأتي فيه العراق، بعد منتصف الليل، وتغزو الكويت؟ أظن لم يكن أحد يفكر هذا التفكير، مهما كنا ملاحظين من أن هناك توتراً، لكن التوتر، ما كان يجب أن يؤدي إلى ما وصلت إليه العراق مع الكويت.

    وعندما رأينا أن هناك توتراً، بعثت سمو الأمير سعود الفيصل، إلى الرئيس صدام، وقلت: إننا نلاحظ، أن هناك استعدادات وتدريبات، في منطقة الفاو. وهذه لا نعلم ما هو الداعي لوجودها. بالنسبة لإيران، فقد انتهت المشكلات مع إيران إلى اتفاق، اتفقتم عليه مع الإيرانيين. وكلا الطرفَين قبلا هذا الاتفاق. فكان الجواب: أنه لم يخطر على الذهن أي شيء، أكثر من أن قواتنا العسكرية، لا بدّ من تدريبها، ما بين وقت وآخر. ولضمان أن لا تحدث حوادث بيننا وبين إيران، وقبولنا لقرارات مجلس الأمن أو قبولهم هم، قد يتعثر ويحدث شيء، لا تحمد عقباه. ومن المفروض أن نصدق هذا الكلام. يعني، ليس مفروضاً أبداً من دولة عربية مجاورة، لنا اليد الطولى معها. ولكنا لاحظنا، أن هناك شيئاً غير طبيعي، ولكنه ليس ملفتاً للنظر إلى درجة، تجعل الإنسان يقتنع، أنه لا بدّ أن يحدث قتال.

    ومع ما سبق أن ذكرته، فقد كنا على اتصال مع الرئيس حسني مبارك، وكنا نتناقش في مثل هذا الأمر، ونلاحظ هذه الأشياء. فأخبرت الرئيس مبارك، أن سمو الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، ذهب إلى العراق. وأقنعه صدام، واقتنعنا، بأن هذه التدريبات أو التحركات العسكرية، لا يمكن أن تكون ضد الكويت، وهذا شيء لا يخطر على الذهن نهائياً. نعم. هذا كلامه هو. بيننا مشكلة حدودية ونأمل أن تُحَل بالطرق المحببة للنفوس. وكنت، أنا شخصياً، أقرب الناس لكلا الدولتَين ـ العراق والكويت ـ وكان في مقدور المملكة العربية السعودية، أن تعمل شيئاً، ولا تصل الأمور إلى ما وصلت إليه.

    الذي حصل، أن صار حديث بيني وبين الرئيس مبارك، عن حصيلة ما توصل إليه الأمير سعود. واقتنعنا، بطبيعة الحال، ولا بدّ أن نقتنع، لأنه لم تكن هناك مشكلة بيننا وبين العراق، بل كانت المحبة موجودة. هذا هو الظاهر، الذي كنا نعرفه بالضبط.

    الرئيس حسني مبارك، قال لا بد أن يذهب، كذلك، للعراق والكويت. وقلنا هذه، على كل حال، فكرة جيدة. وكل ما نحاوله، هو أن نبعد شبح أي مشكلة عن النفوس. لم يكن هناك خطر مشكلة حرب.

    وذهب الرئيس مبارك إلى العراق وإلى الكويت، واطمأن. ومن ثم، اتصل بي، وقال: "إنني ذكرت العراقيين، أنه لاحظنا، أن هناك توقفاً، بالنسبة للمباحثات، التي من المفروض أنها تستمر بين الكويت وبين العراق".

    وذكر الرئيس صدام هذا الكلام، وقال: من الأفضل، أن تستأنف المباحثات، فيما يتعلق بمشكلة الحدود. ذكرها الرئيس العراقي. قال: لا بأس. ولكنني أنا أقبَل أن تكون الانطلاقة حتى نعود إلى ما كنا عليه، لأنه حصل توقف، ويجب أن يكون اجتماعنا في المملكة العربية السعودية.

    اتصل بي الرئيس حسني مبارك. ومن طبائع الأمور، أني أوافق على ذلك، وأرحّب بالبلدَين؛ فالعراق وافقت، والكويت وافقت. وتم الاتفاق على أن يأتي وفدان، من الكويت ومن العراق. الوفد الكويتي، برئاسة وليّ عهد الكويت، ورئيس وزرائها. والوفد العراقي، برئاسة نائب الرئيس، عزة إبراهيم ومن رافقه من المسؤولين. وَصَلُوا الساعة العاشرة تقريباً، صباحاً، إلى مطار جدة. واستقبلهم سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. وكان أول من حضر وليّ عهد الكويت، ورافقه الأمير عبدالله إلى أن وصلوا عندنا في الديوان. وبعد ذلك، عاد الأمير عبدالله، ورافق نائب الرئيس العراقي.

    المهم أننا كلنا، اجتمعنا في مكان استقبال. وحصل الحديث بين رئيسَي الوفدَين. وسررنا بذلك، لأننا اعتبرناه انطلاقة إلى الخير. وبعد أن بقوا بعض الوقت، قلت لهم أنا: إن هناك أماكن مهيأة لراحتكم واجتماعكم، إذا أردتم ذلك. فرحّب الطرفان بهذا الاقتراح. ورافقهم الأمير عبدالله بن عبدالعزيز إلى الأماكن المخصصة لهم. وبعد ذلك، اجتمع الاثنان، ولم يكن للمملكة العربية السعودية أي دخل أو أي وساطة بين البلدَين، لأنهما بلدان متجاوران، والمفروض أن يكون التفاهم بينهما لا يحتاج إلى وسيط. كل ما في الأمر، أن الفقرة التي توقفت فيها المباحثات، أمكن حلها باللقاء، فبقوا يتباحثون مع بعضهم.

    في الفترة الأولى، كان الاثنان وحدهما. وبعد ذلك، شارك في الحديث المسؤولون من الوفدَين، الكويتي والعراقي. وانتهي بحثهم مع بعضهم البعض. وذهبوا إلى المكان المعد لراحتهم. وكنا هيأنا لهم عشاء، الساعة التاسعة والنصف تقريباً. فطلب رئيس الوفد العراقي نائب الرئيس العراقي، من رئيس المراسم، أن تهيأ سيارة واحدة، على أساس أن يأتي فيها معاً نائب الرئيس العراقي ووليّ عهد الكويت ورئيس وزرائها، ويوضع عليها علمان، علم العراق، وعلم الكويت. وعندما أخبرني رئيس المراسم، سررت بذلك، لأن هذا معناه، أنه حصل اتفاق. معناه أنه حصل مبدأ.

    حضر الاثنان عندنا، سوياً، في سيارة واحدة. وبعد فترة قصيرة، كان العشاء معداً، فذهبنا إلى مكان العشاء. وأنا لم أتحدث مع أحد. واعتبرنا الموضوع يخص دولتَين متجاورتَين. ومن المؤكد، في مثل هذه الظروف، إذا صار الناس متجاورين، في مكان معد للأكل، أن يدور بينهم حديث. هذا شيء طبيعي.

فسألت وليّ عهد الكويت، ورئيس وزرائها، وقلت: لعل الأمور ـ إن شاء الله ـ أخذت وضعها الطبيعي. فقال: لقد كنت مُعِداً كل ما دار من حديث، فيما سبق، وما انتهى إليه. وعندما توقف الحوار بيننا وبين العراق، ذكرت لرئيس الوفد العراقي، وهو عزة إبراهيم، أنني مستعد للبحث معه في أي أمر يريد. إن أراد أن نستعرض ما حدث من أمور قريباً، أو ما كان قديماً منها.

    وكلنا نعرف، أن موضوع الحدود بين الكويت كانت له بعض المشكلات، في عهد عبدالكريم قاسم، حيث وقعت عدة أحداث، ولكنها هدأت، في الأخير.

    قال لي سمو الشيخ سعد: إن رئيس الوفد العراقي، عزة إبراهيم، تحدث معه بعض الشيء. ولكن في النهاية، رغب رئيس الوفد العراقي، أن يكون الحديث في بغداد. واتفقوا، حسبما ذكر لي ولي عهد الكويت، أن يكون اجتماعهم هذا اجتماعاً، كما يقولون، لإذابة الجمود بين البلدَين. واتفقوا على أن يجتمعوا في بغداد، يوم السبت.

    وطبعاً، فقد باركت هذا الشيء. وسررت أن الأمور انفرجت. وسافروا من عندنا، من جدة، على ما أعتقد، الساعة الحادية عشرة. وبعد الساعة الحادية عشرة بقليل، سافر رئيس الوفد العراقي إلى العراق، ورئيس وفد الكويت، سافر إلى الكويت، على أساس أن يلتقوا يوم السبت.

    وأعتقد أن أي إنسان، يكون مسروراً، بالنسبة لانفراج الأمور بين بلدَين عربيَّين، وأن المسألة مسألة حوار. لكن الذي حصل، أننا فوجئنا، الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، صباح الخميس، بأن تخبرني الجهات المختصة، بأن الكويت يُهاجم. في الحقيقة، من الوهلة الأولى، فإن من الصعوبة على الإنسان، أن يستوعب أمراً مثل هذا. يُهاجَمُ من أي جهة؟ قالوا من العراق. اضطررت أن اتصل، هاتفياً، بسفارتنا في الكويت، وقلت ما هي حقيقة ما سمعته بالضبط؟ المسئولون في السفارة قالوا: الجيش العراقي، الآن، يحتل الكويت.

    أعتقد أنه ليس بعد هذا شيء، ممكن يقال، إلا أنه وقع ما لا تُحمد عقباه. أي إنسان يُفاجأ بمثل هذا الأمر، فما بالك بنا نحن! ونحن جيران ومتفقون مع بعض، وما كان يخطر في الذهن أن يحدث هذا الشيء، مهما كانت المشكلات موجودة، وهي مشكلات يمكن أن تُحل.

    الذي حصل، حاولت أن أتصل بالرئيس صدام، في لحظتها. ما أمكن. اعتذر المسؤولون الذين كانوا يردون على الهاتف، بأن الرئيس صدام بعيد، في مكان بعيد. ولم يحاولوا أن يوصلونا بــه. ولا أمكن ذلك؛ لأن الاتصال ما كان مركزاً، بطبيعة الحال. فأدركت أن المسألة، يعني، ما رغب أن يتصل بي، في اللحظة. بعد ذلك، هو اتصل بي، صباحاً.

    أنا عندما اتصلت، في لحظتها، أردت، إذا أمكن على الأقل، أن يقف القتال، ونرى ما يمكن عمله. في الصباح، اتصل فيّ، وقال إنه سيرسل نائبه. فرحّبت بالنائب، لعل وعسى! وصل النائب، بطبيعة الحال، ووجدنا أن الجواب كان واضحاً، وصريحاً، وهو أن المسألة، ما هو شيء غريب، ولا يجب أن يكون فيه أي نوع من الإشكال: جزء من العراق، عاد للعراق.

    بطبيعة الحال، هذا ممكن  يقال لغيري أنا؛ لأني أنا أعرف، أن هذا غير صحيح. والكويت بلد مستقل، من قديم الزمان. والحديث عنها طويل، إذا أردنا أن نرجع للتاريخ، يمكن من مئات السنين. أضف إلى ذلك، أنه وُقعت بين العراق وبين الكويت اتفاقية، ومعاهدة، واعتراف من العراق، في عهد الرئيس حسن البكر. وأعتقد، في ذاك الوقت، كان نائب الرئيس، هو الرئيس صدام حسين.

    الاتفاقية نُشرت. وأعتقد أن من الموجودين من اطلعوا عليها. والاتفاقية تلزم الطرفَين باحترام بعضهما البعض. ومن هم الذين يحترمون بعضهم البعض؟ إنهم عرب! قلت،  ذكرت هذا لنائب الرئيس العراقي. وقلت أنا لا احتاج أن أرد عليك، بل أنت يمكن أن ترد على نفسك. فإذا كانت الكويت جزءاً من العراق، فلم يكن هناك داع، لأن توقعوا اتفاقية مع الكويت. والذي حصل شيء لا نقبله، بأي حال من الأحوال، ومرفوض. وهذا سوف يستثير أموراً كثيرة، ما كان هناك داع لها.

    ثاني شيء، هل العراق الآن في حاجة لبترول؟ أعتقد أن الجواب لا. هل العراق بحاجة إلى أراضٍ؟ لا. هل العراق فقير؟ لا. فيها أنهار وفيها أراضٍ زراعية. وكانت العراق معروفة ومشهورة بزراعتها، قبل حتى البترول. وبلد غنية بالبترول، وبلد غنية بالمعادن، وبلد فيها شعب كاف.

    إذاً، ليس هناك سبب، وليس هناك شيء، يجعل العراق تعتدي على الكويت، إلا لغرض معين. نوعية الهجوم، الذي صار قبل طلوع الشمس، كان هجوماً عنيفاً قوياً. فوجئنا به، صباح الخميس. وَظَهَر أن الاستعدادات، التي كانت موجودة أمام المملكة العربية السعودية، أكثر من ألفين وخمسمائة دبابة، وحوالي مائة وخمسين ألف جندي، مع مصفحات وطائرات واستعدادات كبيرة.

    يمكن الإخوة لاحظوا، أنه حصل صمت عندنا، يوم الخميس ويوم الجمعة. لكن الصمت هو لدراسة وضع جديد، وغريب الشكل. وماذا بعد الكويت؟ واستطعنا، خلال هذَين اليومَين، أن ندرك، أن الذي بعد الكويت، هو، من المؤكد، الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية؛ وإلا لماذا هذه القوة الكبيرة؟ لماذا هذه المفاجأة؟ أعتقد أن الذي قامت به حكومتكم، وبادرت به، هو الشيء الذي يجب أن تعمله المملكة العربية السعودية.

    لقد أعددنا جيش المملكة العربية السعودية، لكي ينضم مع الجيوش العربية، إذا أراد أحد أن يعتدي عليها. هذا كان الهدف. وهذا نظام. وهذه الاتفاقيات في مؤتمرات القمة، قيلت والتُزم بها. وهذا نظام الجامعة العربية، الذي يشير إلى هذه الأمور. أما أنه صار تفكير في أن دولة تعتدي على دولة عربية، فهذا لم يَرِد نهائياً.

    وأعتقد أن المنطق والعقل يجعلنا نقول، وبصفتي مسؤولاً أمام الله، ثم أمام شعب المملكة العربية السعودية، إن الإجراء الوحيد، هو أن نعلن، رسمياً، ابتداءً بالدول العربية والدول الإسلامية والدول الصديقة، التي ترغب في أن تساند قوات المملكة العربية السعودية؛ لأنه، من المؤكد، أن الجيش العراقي، الذي انتشر في الصحراء، التي بيننا وبين الكويت، وبيننا وبين العراق وجابه المملكة العربية السعودية، ما جاء عبثاً.

    لكن هل نسمح للخطوة الثانية، أن تكون احتلال جزء من المملكة العربية السعودية؟ أعتقد أنه لا يوجد أحد يقبل هذا، بالضبط؛ فالإنسان عندما يكون عند مسؤوليته تماماً، فالمسألة ما فيها تردد، فيها إقدام على أمر، وأنا وغيري، نتحمل هذه المسؤولية، ويجب أن نتحملها بالشكل الذي يجب أن يكون حملاً لها ويتحمل العبء.

    وأعتقد أنه ليس هناك مواطن، في المملكة العربية السعودية، إلا واعتبر أن هذا التصرف، هو تصرف الحكمة والعقل والمنطق. ومن نِعَمِ الله، أن هذه الدول العظمى، التي تمثل أكبر دول في العالم، بالنسبة للقوة العسكرية، استجابت للمملكة العربية السعودية، في أسرع وقت ممكن.

    هذه قدرة الإله، وليست قدرتنا نحن. قدرة رب العزة والجلال، الذي جعل هذه الدول تستجيب لنداء المملكة العربية السعودية، لمساندة المملكة العربية السعودية. نعم، عندنا جيش قوي، ولكنه ليس في مستوى جيش قاتل ثماني سنوات، وصرفت عليه آلاف الملايين من الدولارات، ومن مساعدات المملكة العربية السعودية والكويت. كون أن الدول العربية والدول الإسلامية والدول الصديقة، تأتي لمساندة القوات السعودية، فأعتقد أن هذا، كما ذكرت، قدرة الإله العزيز، وليست قدرة أحد أبداً. ولأول مرة في التاريخ، يحدث هذا. وإذا كان هذا حَدَث، فهو من رب العزة والجلال، واحترام العالم، كذلك، للمملكة العربية السعودية، لأنه معروف عن المملكة العربية السعودية، أنها بلد تحترم نفسها؛ والذي يحترم نفسه، يحترمه الآخرون. وإذا قلنا إن علاقة وسياسة المملكة العربية السعودية الدولية، بُنِيت على أسس وقواعد، من عشرات السنين، فهذه هي الحقيقة.

    لم يُعرف عن المملكة العربية السعودية، يوماً من الأيام، أنها حاولت أن تخلق مشكلة لأحد، بل كانت تبتعد أن تخلق مشكلة لأي دولة كانت. فما بالك بدول عربية، لنا حق عليها ولها حق علينا! ومن هذا المنطق، فإنه لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن نسيء لأي دولة عربية، جارة لنا أو بعيدة عنا. ولا أعتقد أن أحداً، يحاول أن يسيء للمملكة العربية السعودية، إلا متجنياً عليها؛ والمتجني، من حق المملكة العربية السعودية، أن تدافع عن نفسها، تجاهه. والوضع، كما نرى الآن، بدأ يتأزم ويأخذ أوضاعاً دولية. فالمملكة العربية السعودية، لا تستطيع أن تقول لدول العالم، لا تقفوا مع الحق. هناك مبدأ، أعتقد أن كل إنسان يعرفه، وهو مبدأ المملكة العربية السعودية، ولا يوجد حل غيره، وهو أنه يجب على العراق أن تنسحب من الكويت، بدون قيد أو شرط، وتعود إلى الأراضي العراقية، ويعود شعب الكويت، برئاسة حكومة الكويت، وبرئاسة سمو الأمير جابر، مثلما كانت الكويت سابقاً.

    هذا هو الحل الذي من الممكن أن يكون مقبولاً. أما ما عداه، فهو غير مقبول نهائياً. ولا أعتقد أن أحداً، يدرك الأمور، ويدرك أبعادها، يستطيع أن يتقبل أي شيء. لكن، هل من مصلحة العراق، أن تقف أمام العالم قاطبة، وتقول: لا؟ وفي النهاية، فإن العالم، الآن، نراه يصدر البيانات، ويرتب الالتزامات بين أكبر دول في العالم، يرتبطون مع بعض ارتباطات، لا شك أن نهايتها، يمكن أن تكون مأساة على العراق. نحن لا نريد أن تكون هناك مأساة على العراق.

    وأنا لا أزال أنادي، من هذا المكان، مثلما ناديت سابقاً، أن يُحَكّم الرئيس صدام حسين العقل. وليست هناك غرابة عليه، أن يعلن، غداً، أنه سوف ينسحب، بالفعل، من الكويت، جملةً وتفصيلاً، بدون أي شروط، إلى الأراضي العراقية، ويترك الكويت لأصحاب الشأن في حكومة الكويت، وشعب الكويت، ورئاسة الكويت. أنا لا أعتقد أن في ذلك غضاضة عليه، بل بالعكس. لكن هل يستجيب لذلك؟ هذا الجواب عنده، وليس عندي أنا.

    هذا موقف المملكة العربية السعودية. ولا موقف غيره أبداً، ولا يمكن أن نقبل بأي موقف، إلا أن تعود الكويت مثلما كان سابقاً ـ بحول الله ـ. وعندما انتهت الحرب بين إيران والعراق، سررنا بذلك. بالنسبة للكويت، فأنا أقول الواقع والحقيقة، إننا لن نتخلى عن موقفنا، والمفاوضات شيء، لا يمكن قبوله نهائياً. والمفاوضات على ماذا؟ على بلد احْتُل. نعطي مكافأة؟ لا أظن أن هذا وارد. ولا أعتقد، أن هناك أحداً، يستطيع أن يقبَل هذا على نفسه، بأي طريقة من الطرق؛ والمستقبل، لا يستطيع أحداً أن يتنبأ به، ولا ماذا سوف يحدث.

    لكن الذي أريد أن يطمئن له المواطن، هو أن الجيوش، التي أتت لمساندة جيش المملكة العربية السعودية، وبطلب من المملكة العربية السعودية، أتت وهي، الآن، موجودة، وسوف تعود هذه القوات إلى أوطانها، عندما نطلب منها ذلك. ونأمل أن تنتهي هذه الأمور، بالطريقة العادلة المنصفة. وبعدها، كل جيش، يعود إلى وطنه.

    ونحن لم يكن بيننا مع أي جهة اتفاق، لبقاء أي جيوش في المملكة العربية السعودية، نهائياً. ولكن، في هذه اللحظة، أقدم شكري الجزيل لمن قاموا بمساعدتنا، في أصعب الأيام والليالي، بدون أي شروط. وإن دل هذا على شيء، فهو يدل على مكانة المملكة العربية السعودية في العالم.

    مثلاً: لو قلنا نعمل استفتاء، لمعرفة من الذي وقف مع المملكة العربية السعودية، من دول العالم، غربها وشرقها وجنوبها وشمالها، فأظن أنها دول العالم قاطبة. الدول الإسلامية في آسيا بأكثر من أربعمائة وخمسين مليوناً، وفي أفريقيا نفس العدد، وفي الشرق الأوسط ودول أوروبا وأمريكا، وأميركا الجنوبية. المهم دول العالم كلها قاطبة. لماذا تقف مع المملكة العربية السعودية، ومع الكويت؟ لأننا نحن على حق. ذلك أن قدرة العزيز الحكيم، جعلت العالم قاطبة، يقف مع بلد سُلبت مقدراته، وانتُهكت حرماته، ورأيتم كلكم المسألة، لا نقولها عبثاً. ولكن رأيناها في التليفزيون، وسمعناها من أفواه الناس، لم يحدث في التاريخ، أن بلداً عربياً، غزا بلداً عربياً، والحل لمن يريد أن يسأل عن حل، أن يسأل الرئيس صدام حسين.

    وهذه البلاد ـ إن شاء الله وبحول الله وقدرته ـ سوف تبقى طالما نحن متمسكون بكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ وهذا هو المبدأ، وهذا هو الأساس، وهذا الذي سوف نقاتل في سبيله، بكل ما نستطيع من قوة، حتى لو بأيدينا. وعندما شرفنا الله، أن نقوم بخدمة بيت الله الحرام ومكة المكرمة ومسجد نبيه والمدينة المنورة، فهذه نعمة كبرى، نعمة من نعم الله، التي لا تُعد، ولا تحصى.

    ولا يجب على أحد في العالم قاطبة، أن يطلب منا أي شيء، يخالف الكتاب والسُّنة، نهائياً. فلن ننصاع لأحد أبداً. وسوف نظل نتمسك بكتاب الله وسُنة نبيه، وسوف نظل ننفذهما على أنفسنا، وعلى الكبير وعلى الصغير، بدون قيود، وبحق الله، ولا نقبل زيادة، ولا نقبل نقصاً. على كل حال، الشيء الذي يمكن أن أقوله، الآن، يعتبر تحصيل حاصل، كما يقولون.

    إذا نظرنا لبلدنا، من الجنوب إلى الشمال، ومن الغرب إلى الشرق، فإن هذا التطور الذي وجد فيها، خلال عشرين سنة، فالذين سبقونا هيأوا لنا الإمكانات. لا أريد أن أتحدث عن شيء، يعرفه الإخوة الذين هم في سني، والذين هم أصغر مني في السن، ولكنهم ليسوا أصغر مني في المقام؛ فمقامنا واحد، والإسلام ساوى بين الناس، لا فضل لعربي على أعجمي، إلا بتقوى الله، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لأحد على أحد فضل، نهائياً، إلا بالتقوى والعمل الصالح.

    بلدكم هذه، قدمت يد الخير للعرب، ولمن استطاعت أن تقدم لهم الخير، ولا جعلت فيها منّة، ما فيها منّة نهائياً. وقدّمتها لمن تستطيع أن تقدم، من دول آسيا، ومن دول أفريقيا. وساهمت في جميع الأمور، التي يمكن أن يستفيد منها البشر. ولا يوجد أحد له منّة علينا ـ ولله الحمد ـ ولا فضل علينا، إلا لرب العزة والجلال. علينا أن نشكر رب العزة والجلال، ليل نهار، جماعة وأفراداً. وأنا متأكد، أن الأمور، سوف تأخذ وضعها الطبيعي، وتأخذ الأشياء المحببة للنفوس، ومثلما هو محبب لنفوسكم محبب لنفسي أنا. وإنّا في إطار واحد، ونحن متعاونون في خط واحد.