إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / دراسات وأبحاث، أعدها صاحب السمو الملكي، الفريق الأول الركن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز









بسم الله الرحمن الرحيم

بحث

بعنوان

أمن الخليج: المنظور الوطنــي

مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية

أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة

6 أبريل 1997

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

 

أصحاب السمو والمعالي والسعادة

الأساتذة الأجلاء

السادة الحضور

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

     يسعدني أن أقف، اليوم، متحدثاً في مركزٍ للفكر والبحث، والإبداع والتطوير. في مركزٍ يهدف إلى إنارة الطريق لتحقيق أمن دولنا وأمانها، وازدهار منطقتنا واستقرارها. فالبحث أساس كل تطور، ورائد كل تقدم، وسبب كل رقي. فديننا الحنيف يحثنا على القراءة والتعلم، والتفكير والتدبر.

     كما يشرفني استضافة المركز لي، ودعوته للمشاركة بالرأي في موضوع يشغلنا جميعاً، قادة وعلماء ومفكرين. فالأمن أصبح هاجساً للدول كافة، خاصة ونحن نعيش عالماً لا يحترم إلاّ الأقوياء، ولا يلقي بالاً إلى الضعفاء. وأمن الخليج موضوع من أصعب الموضوعات وأعقدها، لاتفاقه مع مصالح دولٍ، وتعارضه مع مصالح دولٍ أخرى، يقارب بين دوله في فترة، ويباعد بينها في فترة أخرى. فقد أضحى موقعنا الإستراتيجي ومواردنا الطبيعية نعمةً ونقمة. نعمةٌ حبانا الله بها، ونقمة لأطماع الدول فيها.

     سأحاول، على قدر علمي، أن أشارككم في الفكر، وأعرض عليكم الرأي. ولكن قبل أن أسترسل، أود أن أوضح عدة نقاط:

أولاً: إن ما سأجتهد في عرضه عليكم، هو وجهة نظر شخصية، من جندي تقاعد بعد خدمة فاقت ربع قرن من الزمان، ومن مبتدئٍ على أولى درجات السياسة والإستراتيجية، ومن مجتهدٍ يحاول إعمال الفكر واستقراء المستقبل.

ثانياً: إن النقد البنّاء لا يعني سوى الغيرة على المصلحة، عامة وخاصة، وطنية وإقليمية. وهو ليس تجريحاً لأحد، أو تعريضاً بأحد. إنما هو بداية الطريق الصحيح إلى البناء والتطوير.

ثالثاً: إن اعترافنا بسلبياتنا لا يقلل من واقع إيجابياتنا، فالاعتراف بالحق فضيلة، وأضيف: إنّ الاعتراف بالضعف قوة، لأنه السبيل إليها. والكمال لله وحده.

رابعاً: لقد شبعنا من ترديد الشعارات الرنانة، والجمل المعادة، والعبارات الفضفاضة، فذلك كله: لا يبني ولا يؤسس، ولا يُحسّـن ولا يطوّر، ولا يُـبعد ظلماً ولا يُـحقق عدلاً. فالعمل المُحدَّدُ المهام، الواضحُ الإجراءات، هو السبيل الوحيد إلى تحقيق الأهداف.

خامساً: لقد أمدنا الله بكثير من عناصر القوة، فعلينا أن نعض عليها بالنواجذ، وأن نوجهها التوجيه السليم ونوظفها لخدمة مصالحنا.

     واسمحوا لي أن أبدأ الحديث بتقسيمه إلى عدة عناصر، أبدأها بمقدمة قصيرة وتعريف بمفهوم الأمن بصفة عامة، وبمفهوم "أمن الخليج" بصفة خاصة، موضحاً مشتملاته وأسس بنائه، ثم أستعرض معكم التهديدات لأمن منطقتنا، ثم ننتقل إلى التعرف باللاعبين الرئيسيين أو من يمكن وصفهم بالقوى الرئيسية المؤثرة في منطقة الخليج، ثم نصل إلى الاستنتاجات التي تحدد لنا أبعاد التهديدات، ونماذج الترتيبات، ثم نختتم حديثنا بعرض الاقتراحات التي أطرحها أمامكم على بساط البحث والمناقشة، راضياً بالاختلاف، سعيداً بالاتفاق.

     ظلت منطقة الخليج العربي على امتداد عصور التاريخ ، قديمه وحديثه، نقطة احتكاك ساخن بين مختلف القوى  الدولية الطامعة في السيطرة عليها لتأمين مصالحها الحيوية، والتحكم في موقعها الإستراتيجي، والاستفادة من خصائصها الجيوبوليتيكية. فالمنطقة تمثل، من الناحية الجغرافية، موقعاً حيوياً يتوسط بين المشرق والمغرب، كما يحتوي على ممرات بحرية ومواقع أرضية مهمة للغاية.

     ويُشكل الخليج منطقة التقاء لطرق المواصلات بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويؤلف ما يمكن تسميته بالحدود الشرقية للوطن العربي. كما أنه ممر يُسيطر على أحد المضايق الدولية المهمة، التي تتحكم في نقل النفط عبر مضيق هرمز، الذي يرتبط بخليج عدن ثم ببحر العرب.

     وقد أضفت الجزر والخلجان أهمية خاصة على الخليج، عسكرية وإستراتيجية، لصلاحيتها للقواعد العسكرية وإخفاء القطع البحرية، وحماية الغواصات النووية الحاملة للصواريخ عابرة القارات في بعض أجزاء الخليج. كل ذلك جعله محوراً من محاور الصراع الدولي، خاصة بعد اكتشاف النفط، الذي حقق لدول الخليج ميزات اقتصادية هائلة، وربط المنطقة بالمصالح الاقتصادية الغربية والأمريكية.

     كذلك تكمن القيمة الإستراتيجية للخليج في ربطه القواعد الجوية الممتدة في جنوب شرقي آسيا، بقواعد حلف الأطلسي، المنتشرة في جنوب أوروبا الغربية، إضافة إلى استمرار حرية حركة السفن والطائرات الأمريكية من المنطقة وإليها.

     وتُعدّ منطقة الخليج منطقة حساسة بحق، وستزداد حساسيتها في المستقبل لأسباب إستراتيجية واقتصادية، تؤثر بشكل حاسم في الإستراتيجيات العالمية. وصعوبة الحديث عن أمنها تكمن في أن اللاعبين فيهـا، على كثرتهم، لا يتحدثون لغة واحدة، ولا يتفقون على مصالح مشتركة، وتحيط بعلاقاتهم عوامل الشك والريبة والتنافس.

     إن "أمن الخليج" قضية مركبة: فهناك "أمنه" كممر مائي دولي، يتحتم المرور فيه من دون اعتراض أحد، شأنه في ذلك شأن البحر الأحمر وقناة السويس وقناة بنما. وهناك "أمن دوله"، وهو يَعني تحقيق الأمن لكل الدول المطلة على الخليج، بما فيها إيران والعراق. وهناك "أمن دول مجلس التعاون الخليجي"، الذي يُفترض أن يكون متناسقاً مع الأمن الإقليمي للخليج. وهناك الأمن العربي، وأمن دول منطقة الشرق الأوسط، بما فيها تركيا وإسرائيل. دوائر متداخلة ومصالح متعارضة.

     ويختلف تعريف "الأمن" وفقاً لوجهة النظر المعبّر عنها. فهناك من ركز على القيم الداخلية، واعتبر أن الأمن الوطني هو: "قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديدات الخارجية"، مما يستلزم أن تكون الدولة أقوى من الدول المنافسة. وثمة من ركّز على المجال الاقتصادي، واعتبر السيادة الاقتصادية هي "لب الأمن الوطني"، والدولة تنظر إلى أي تهديد يتعلق بالتأثير في قدرتها على بنائها الاقتصادي على أنه تهديد لأمنها الوطني.

     وهنالك من ركّز  على التنمية الشاملة، واعتبر "أن الأمن يعني التنمية، التي من دونها لن يتحقق للدولة أمنُها.

     أمّا النظرة التقليدية إلى "الأمن الوطني"، فتأخذ في حسبانها كلاًّ من الأمنيْن، المادي والمعنوي، اللذيْن يتعرضان لتهديدات داخلية وخارجية. وطبقاً لهذه النظرة، فإن الدولة الآمنة هي التي لا تتعرض للغزو الخارجي أو الاحتلال، والتي تؤمّن شعبها من الفقر والجهل والمرض، وتحقق الرفاهية للمواطنين.

     ويُعرّف "الأمن الوطني" أيضاً بأنه "الإجراءات التي تتخذها الدولة، في حدود طاقتها، للحفاظ على كيانها ومصالحها، في الحاضر والمستقبل، مع مراعاة المتغيرات الدولية". وهذا التعريف، على إيجازه، يشمل: كافة الإجراءات في كل مجالات الدولة، فالاقتصاد والدفاع  والسياسـة والأمــن كلٌّ لا يتجزأ.

     ومن وجهة نظري، فالأمن على مستوى الفرد يعني: أن يكون الإنسان آمناً على نفسه، وعلى أسرته، عنده قُوت يومه، والظروف حوله تُحَقق له إشباعاً لحاجاته الأساسية والتكميلية. وعلى مستوى الدولة، هو: إحساس مجموع الأفراد (أي المجتمع) بالأمان، إضافة إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعقائدي، والحدود الآمنة، والحياة المستقرة المزدهرة. وبذلك يصبح مفهوم "الأمن" غير مقتصر على الجانب العسكري، بل يأخذ في الحسبان أبعادَه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

     فالدولة كائن حي يتأثر بما حوله ويؤثر فيه، وهي دائمة الحركة والتطور مرتكزة على قوى ثــلاث: القوة العسكرية أو نفقات الدفاع. والقوة الاقتصادية أو نفقات التنمية ورفع مستوى المعيشة وزيادة الدخل القومي. والقوة السياسية أو نفقات الإبقاء على النظام كقوة فاعلة، داخلياً وخارجياً. وتُشكل كيفية الإنفاق وتوازنه في هذه المجالات الثلاثة ما يُعرف بـ "المشكلة الثلاثية أمام متخذ القرار". فالدولة، ترتكز على هذه الدعائم الثلاث، التي إذا أصاب إحداها عجزٌ، أضحت الدولة عرجاء، وأصبحت في وضع حرج يتسم بفقدان التوازن وعدم المصداقية.

     ويُعرّف "أمن الخليج" بأنه: "تحقيق الاستقرار والطمأنينة بعدم التعرض للاضطراب أو التغيير، الذي يُهدد الأوضاع القائمة، سواء من الداخل أو من الخارج".

     ويُعرّف "أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية" بأنه "الغاية الإستراتيجية لهذه الدول، والتي تتفق مع المبادئ والمصالح الوطنية، التي تقررها القيادة السياسية لمجلس التعاون الخليجي، لحماية كيان دول المنطقة، وحقها في البقاء، وسيادتها، وهيبتها في المجتمع الدولي، ومشاركتها الفاعلة في تحقيق الأمن القومي العربي".

     وبعد أن عرّفنا مفهوم "الأمن" بوجه عام، و "أمن الخليج" بوجه خاص، علينا أن نتساءل: ماذا نريد؟ وما الهدف الذي نسعى إليه؟ والتهديدات التي نواجهها مِمَّن، وضد مَنْ؟ حقيقة، إن الخلافات القائمة بين دول الخليج تحول بينها وبين الاتفاق على "هدف مشترك"، وعندما أذكر دول الخليج فقط، فإنني أعني الدول المطلة على الخليج العربي، وهي دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق. فهناك خلط كبير، لدى بعض الدول، بين العداوة والصداقة: من هو العدو؟ ومن هو الصديق؟ (علماً أن الحال في دنيا السياسة متغيرٌ لا يدوم. شعاره: عداوة مؤقتة، وصداقة مؤقتة، ومصلحة دائمـة). ففي غياب العدو المشترك أو الخطر المشترك، يصبح الوصول إلى هدف مشترك أمراً مستحيلاً... وفي غياب الهدف المشترك يَضْـحَى الوصول إلى خطة مشتركة ضرباً من المُحال أيضاً، لأن الخطة حينئذٍ ستكون ضد مَنْ؟ أو مع مَنْ؟

والتساؤلات هنا عديدة:

ـ فكيف نتحدث عن "الأمن الجماعي" مع غياب "المصلحة المشتركة"؟

ـ وكيف نخطط "للدفاع المشترك" مع عدم الاتفاق على "الخطر المشترك"؟

ـ وكيف ننادي بـ "الحمايـــة المتبادلة" في ظل وجود "الشك المتبادل"؟

ـ وكيف نتشدق بـ "المستقبل الواحد" ونحن نعيش "الحاضر المنقسم المتفكك"؟

     تساؤلات أطرحها في البداية، كي تظل عالقة بأذهاننا ونحن نتحدث في موضوع "أمن الخليج من المنظور الوطني". ولأهمية تحديد "الهدف المشترك"، سأقفز إلى عرض بديليْن لا ثالث لهما، أمام دول مجلس التعاون الخليجي، وهما:

البديل الأول: البقاء على الوضع الذي نحن فيه.

     لا هدف واضح لنا، ولا دور فعّال، لا نعرف كيف نلحق بقطار العصر، ولا كيف تكون لنا بصمة في الحياة. فكلٌّ قد حدد دوره، وكلٌّ يؤمن مراكزه، على أبوابه ومخارجه، تحت سمعنا وبصرنا، ونحن نفهم ونسكت، أو نحن نسكت ولا نفهم.

البديل الثاني: الاتفاق على الهدف المشترك.

     وذلك بتقدير الأخطار المشتركة، والمصلحة المشتركة، وبإبعاد مشاكلنا الأمنية عن دائرة الصراعات والخلافات، وليس هذا بشاذ أو غريب. فالخلافات طاحنة بين دول حلف الأطلسي، مثلاً، ولكنها، في مسائل الأمن لا اختلاف ولا شقاق، فالجميع على مستوى مواجهة الأخطار التي تهدد الأمن القومي، على وفاق واتفاق.

     ولنسأل أنفسنا: ما هو الهدف المشترك الذي نسعى إلى تحقيقه؟ لِمَ نسعى إلى أمن منطقة الخليج؟ ما هي طبيعة الدور الذي نريد أن نؤديه في الخليج؟ هل هو دور ديني فقط؟ هل هو دور سياسي؟ هل هو دور عسكري؟ أو هو دور اقتصادي؟ فإذا صدّرنا قائمة الأسبقيات بالدور الاقتصادي، القائم على تعاليم ديننا الحنيف وقواعد الشريعة الإسلامية السمحة، أصبح الترتيب متزناً، متسماً بالحكمة، وأصبح، في الوقت نفسه، ترتيباً حضارياً، لأننا نكون قد اتجهنا إلى الإنتاج الجاد والعمل الصادق، وهما أسلحتنا الحقيقية لتحقيق الأمن. فقوة الدول، في الوقت الحاضر، لا تقاس بتفوقها العسكري فقط، بل بتقدمها الاقتصادي أيضاً.

     ولكي يتحقق أمن منطقة الخليج، يجب أن يشتمل على: تحديد الأهداف التي تعمل الدولة على تحقيقها في المجالات كافة، على أن تكون هذه الأهداف ضمن طاقة كل دولة من دول الخليج، إذ إن الأهداف الطموح التي تتجاوز الإمكانات المتاحة، كثيراً ما تقود إلى الفشل. وذلك في ظل شمولية التخطيط للمستقبل القريب والبعيد، ووضع السياسات اللازمة للتنفيذ، وحل المشاكل المستعصية بين دول الخليج العربي، وبينها وبين جيرانها، مع إبعاد الوجود الخارجي عن المنطقة، على قدر الإمكان، وبشكل لا يُعرض أمن المنطقة للخطر، ومقاومة محاولات التغلغل الإسرائيلي فيها.

     ويجب أن يرتكز النظام الأمني على الأسس التالية: أن تكون ترتيبات الأمن نابعةً من دول المنطقة، من دون تدخل خارجي. وأن تُبنى على أساس تحديد حجم ونوع التهديدات الموجهة إلى المنطقة حالياً ومستقبلاً، مع تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها، والأسلوب المؤدي إلى ذلك، وأن تُبْعَـد المصالح الأمنية للدول عن دائرة خلافاتها. مع ضرورة أن يتحقق هذا الأمن بمفهومه الشامل، أي بأبعاده الداخلية والخارجية، وبكافة مكوناته: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والعسكرية، على أن يكون المكون الاقتصادي للأمن الوطني، هو العمود الفقري الذي يمكن من خلاله تحقيق باقي متطلبات الأمن المنشودة. مع الأخذ في الحسبان المصالح القومية للدول المختلفة، خاصة الدول الصناعية، حتى يكون "نظاماً أمنياً واقعياً" يواكب المتغيرات، ولا يتجاهل المصالح.

     ننتقل الآن إلى تهديدات أمن المنطقة، والتي نستهلها بمشاكل الحدود البرية والبحرية.

     إن البناء الجغرافي لأي نظام إقليمي، يُمثل، عادة، عاملاً من أهم عوامل ثباته واستقراره، إلاّ في النظام الإقليمي الخليجي، حيث تحولت معطياته الجغرافية إلى مصدر مهم من مصادر عدم استقراره. فبعض الدول غير راضية بحدودها، وتتحين الفرصة لتغيير خريطتها وتحريك حدودها. فالمشكلات الحدودية بين دول الخليج مُعقدة أشد التعقيد، وهي في بعض الحالات، ليست سوى ترتيبات مؤقتة، حتى في حالة وجود اتفاقيات دولية فإنها، عادة، تتعرض للتعطيل والإلغاء، كما حدث بين العراق وإيران، وبين العراق والكويت.

     ثاني التهديدات: إيران والعراق، فإيران بنزعتها الفارسية التوسعية، وتوجهاتها النووية، وتشجيعها للتطرف الديني، وتأليبها للجماعات الشيعية ضد حكوماتها، تمثل تهديداً حقيقياً لأمن المنطقة. وفي الحقيقة، إن الثورة الإيرانية لم تؤد إلى تغيير كبير في النظرة الاستعلائية، التي كانت سائدة في إيران خلال حكم الشاه، وإن اختلف الأسلوب حالياً وأصبح أكثر خطراً. فإذا كانت النزعة الإيرانية الإمبراطورية في عهد الشاه، تستند إلى التاريخ الفارسي قبل الإسلام، فإن أيديولوجية الثورة الخومينية، استندت إلى الدين في أضيق معانيه.

     والعراق بتوجهه العلماني، وسعيه الدائم إلى نشر الإيديولوجية البعثية، ومحاولاته الصريحة والضمنية للإطاحة بالأنظمة الخليجية، وتنفيذ أعمال تخريبية ضدها، يُعد مصدراً آخر من مصادر التهديد. فالنوايا العراقية، منذ غزو الكويت، أصبحت موضع شك، وما دام صدام في الحكم، فالتهديد قائم، وما الفترة الحالية إلاّ هدنة لأطماعه.

     ثالث التهديدات: سباق التسلح

      تؤكد الموجات المتتالية من صفقات شراء الأسلحة، أن سباق التسلح لا يزال قائماً في النظام الإقليمي الخليجي، على الرغم من انحساره عالمياً، على أثر انتهاء الحرب الباردة. ولم يجلب الإنفاق العسكري لدول المنطقة سوى المزيد من عدم الاستقرار، الداخلي والخارجي. فارتفاع ميزانيات الدفاع، أدّى إلى خلط الأولويات الوطنية، وذلك من خلال الاتجاه نحو خفض الإنفاق على البرامج الاجتماعية، وتقليل الاهتمام بمشاريع التنمية، وتأجيل كثير من المشاريع المستقبلية، التي لا تحتمل التأجيل، مما يزيد من احتمالات عدم الاستقرار الداخلي، وفرص أعمال الإرهاب والعنف. وكلما تصاعد سباق التسلح، ازداد عدم الاستقرار في المنطقة.

     رابع التهديدات: الإرهـاب والتطرف والعنف، لن أتحدث عنها كمصدر للتهديد الداخلي للأمن الوطني للدولة، فضلاً عن تهديده لوجود الدولة نفسها. فهذا أمرٌ أصبح واضحاً إلى درجة لا يحتاج المرء معها إلى الحديث عنه. ولكني أقول شيئاً واحداً، هو أن كل ما صدر عن الجهات، التي عالجت وبحثت واجتهدت في هذا المجال، من آراء وتحليلات وبدائل، كان يدور حول أعراض المشكلة وظواهرها، ولم يبحث في أسبابها. ونحمد الله، أن الإرهاب والعنف لا يشكلان ظاهرة في دولنا، حتى الآن، ولكن هذا لا يعفينا من الإسراع في بحث الأسباب الحقيقية للمشكلة وجذورها، والتعاون والتنسيق الوثيقيْن لسد أي ثغرات من المنبع إلى المصب، من المُخَطِّط إلى المُنَفِّذ، من المجرم الحقيقي إلى المُغَرَّر به.

     خامس التهديدات الرئيسية: الممارسات الإسرائيلية، والتأييد اللامحدود من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، والاختراق الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجـي. وهو موضوع معلوم لديكم، ولا يحتاج إلى تعليق.

     علينا، ونحن نبحث في "أمن الخليج من المنظور الوطني"، أن نتعـرف باللاعبين الرئيسيين في المنطقة، الذين لا يمكن استبعادهم أو تجاهلهم. وحتى نكون أقرب إلى فهم ما يدور حولنا من مناورات، ويُحاك ضدنا من مؤامرات.

أولاً: إيــران

     تُشير التصريحات المُعلنة والسلوك الفعلي للقيادة الإيرانية، في مناسبات مختلفة، إلى أن هناك خمسة أغراض رئيسية للأمن القومي الإيراني، في الوقت الحالي، هي: أولاً: ملء الفراغ الإستراتيجي في الخليج العربي ـ كما تدعي ـ وآسيا الوسطى والقوقـاز. ثانياً: تحديث قواتها المسلحة وتطويرها بما يحقق لها فرض نفوذها الإستراتيجي والعسكري على المنطقة. ثالثاً: الاستعداد لاحتمالات المواجهة العسكرية مع القوى الدولية أو الإقليمية. رابعاً: بعث الانتعاش الاقتصادي في البلاد. خامساً: الحفاظ على مبادئ الثورة الإسلامية وقيمها في الداخل، ونشرها إلى الخارج.

     أمّا السياسة العسكرية الإيرانية الحالية، فهي قائمة على السعي إلى امتلاك قوة جوية رادعة، وقدرات صاروخية متفوقة، وزيادة القدرة القتالية للقوات البرية، بالحصول على دبابات قتال رئيسية حديثة، وإكساب القوات البحرية قُدرة أكبر على العمل في المياه العميقة، من خلال تطوير قوة الغواصات العاملة فيها، وإدخال وحدات روسية متقدمة إليها، مع الاهتمام بعناصر الاستطلاع والإنذار المُبكر والحرب الإلكترونية، والسعي إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل.

     أمّا عقيدتها العسكرية، فهي "عقيدة الردع"، وذلك من طريق تحقيق تفوق تسليحي ساحق على الدول المجاورة كافة، لا سيما في المجالَيْن النووي والكيماوي. لذا، فالقيادة الإيرانية تعمل، منذ فترة طويلة، على تنفيذ برنامج شامل لإعادة بناء قواتها المسلحة وتحديثها على نطاق واسع، من خلال التركيز على عدد من المجالات، أبرزها: الحصول على نوعيات متقدمة من الأسلحة والمعدات بكميات يُعتد بها، مع الاعتماد بصفة خاصة على روسيا والصين وكوريا الشمالية. وتطوير قاعدة الصناعة الحربية المحلية في إيران بأسلوب علمي، وبناء قوة من أسلحة الدمار الشامل، في المجالات النووية والكيماوية والبيولوجية، لاستكمال أعمال البناء التسليحي المتفوق.

     وتتلخص الخطوط العامـة للتصـور الإيراني لأمن منطقة الخليج،  كما تعلنه إيران في كل مناسبة، في ما يلي: إقامة نوع من الترتيبات الأمنية في المنطقة، تضمن استقلال دول الخليج وسيادتها على أراضيها، على أن تستند هذه الترتيبات إلى العلاقات التاريخية، والدينية، والاقتصادية المشتركة بين دول المنطقة، وأن تقع مسؤولية إعداد ترتيبات الأمن على كاهل الدول الثماني المطلة على الخليج، وهي، إيران والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي الست فقط. ورفض التدخل الأجنبي في ترتيبات أمن المنطقة تحت أي شكل من الأشكال. وأن تكون منطقة الخليج خالية من مخزون الأسلحة التقليدية، فضلاً عن الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، ويُسْمح باستمرار وجود القوى الغربية والأمريكية في المنطقة، بأقل عدد ممكن من القوات والأسلحة، ولفترة محدودة. ورفض أي دور لمصر أو سورية في أمن الخليج، وذلك كله طبقاً لتصريحات إيران العلنية.

     وتأييداً لما استخلصناه من تصور إيران لتحقيق أمن الخليج، فلنستمع إلى ثلاثة تصريحات إيرانية: الأول: "إن أي خطة أمنية لا تتضمن إيران، بصفتها أقوى دولة في المنطقة، لا يمكن أن تُحمل محمل الجدِّ، وسيكون مآلها الفشل". الثاني: "إن إيران تريد الأمن الخليجي أمناً إقليمياً، لا دور فيه للأطراف الخارجية (خاصة مصر وسورية) ولا للأطراف الدولية أيضاً (وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة الأمريكية)". والثالث: "إن العبء الأكبر في "أمن الخليج"، يجب أن يكون من نصيب إيران من دون منافس، بحكم عوامل الجوار الجغرافي والتمازج الاجتماعي في المنطقة".

     وماذا عن التحركات الإيرانية في البحر الأحمر؟ لقد استلمت إيران، حتى الآن، ثلاث غواصات متقدمة، روسية الصنع، من نوع "كيلو"، بعيدة المدى، يقدّر مداها بنحو 4000 ميل بحري. وهذا ما أثار دهشة المراقبين العسكريين، للوهلة الأولى، لأن ما تحتاج إليه إيران للدفاع عن شواطئها في الخليج وبحر العرب هو غواصات ذات مدى لا يتجاوز 1500 ـ 2000 ميل بحري. ولكن هذه الدهشة تزول، إذا علمنا أن من مهام البحرية الإيرانية الوجود في أعالي البحار. وإذا علمنا، أيضاً، أن البحر الأحمر أصبح في مقدم أولويات صانعي القرار الإيراني، مما يستلزم الوجود في مياهه ليكون لإيران دور جديد وحيوي.

     فإيران تسعى إلى أن يكون لها موطئ قدم في السودان والبحر الأحمر، لأسباب عدة، أهمها: أن يكون نقطة انطلاق لسياستها في أفريقيا، سواء في توجهها الاقتصادي أو المذهبي، لنشر فكر الثورة الإسلامية، وأن تحقق وجوداً بحرياً في شواطئ البحر الأحمر الغربية، يصبح تهديداً محتملاً للناقلات النفطية، التي تعبره من الساحل الشرقي. كما أنه سيجذب، بداهة، انتباه صانعي السياسة ـ عرباً وغربيين ـ إلى أهمية الدور الإيراني كإحدى أوراق الضغط، التي يمكن أن تلعبها إيران في سياسة المواجهة مع الغرب ومع العرب.

ثانياً: العـراق

     وهو يمثل نقطة الضعف في القراءة المستقبلية للمنطقة، لأن نواياه تظل  غامضة تجاه جيرانه. وما لَمْ تُحسم مسألة السلطة فيه على نحو يبشر باحتمال بزوغ نظام جديد، يبدأ صفحة جديدة في العلاقات المحلية والإقليمية والدولية، فإنه من الصعب الحديث عن دور مُحدد له في مستقبل أمن  المنطقة واستقرارها.

     والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل العراق لا يزال يشكل تهديداً لأمن دول مجلس التعاون؟ وإذا كان يشكل مثل هذا التهديد، فهل يستطيع تنفيذ عمل عسكري ضد أي دولة من دوله؟ الإجابة عن السؤال الأول هي أنه ما دام صدّام حسين في السلطة، فإن العراق يشكل تهديداً لأمن دول مجلس التعاون. فلن ينسى صدام حسين وقوف هذه الدول ضده في حرب تحرير دولة الكويت، وستستمر أطماعه تجاه الكويت وتجاه الزعامة والهيمنة اللتين يحلم بهما. وفي اللحظة التي يشعر فيها أنه قادر على تنفيذ أحلامه، وأن الدول الكبرى ستغض الطرف عنه، فلن يتوانَ عن تحقيق أهدافه، خاصة أن قواته المسلحة، بعد كل ما حدث لها، لا تزال تمتلك: (2700) دبابة، (2000) قطعة مدفعية، (350) طائرة قتالية. في مقابل (2000) دبابة، (1250) قطعة مدفعية، (600) طائرة مقاتلة لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة. أمّا عن إجابة السؤال الثاني، فيمكن القول إن العراق لا يشكل تهديداً عسكرياً في الوقت الحالي. فنظام صدّام حسين مشغول بتأمين سلامته، وتوفير الغذاء لشعبه، ومعالجة الأفعال الكردية التي لا تروق له. أمّا إذا رُفع الحظر عن العراق، واستعاد سيطرته على مجاله الجوي، وبقي صدّام في السلطة، وسنحت له الفرصة، فإن العراق سيشكل، بلا أدنى شك، تهديداً خطيراً.

ثالثاً: تركيــا

     يرتكز التصور التركي لمسألة الأمن في الخليج  وأمن الشرق الأوسط، على العناصر الآتية: إن أمن منطقة الخليج يخص الدول الواقعة في تلك المنطقة وحدها، ومن حقها اتخاذ التدابير والترتيبات التي تراها مناسبة. ويمكن أن تَتّخذ الترتيبات الأمنية، شكلاً دفاعياً ثنائياً مع دول المنطقة، والابتعاد عن أي ترتيبات جماعية وعدم مشاركة تركيا فيها. أمّا أمن الشرق الأوسط، فيتطلب إشراك الدول المجاورة للعراق في ترتيبات الأمن المستقبلية في المنطقة، مثل: تركيا، وإيران، وسورية، ومصر. وهذا الأمن يتطلب حل كافة المشكلات السياسية في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومشكلة لبنان، والتفاهم حول نزع السلاح في المنطقة. وإن أفضل مدخل لترتيبات الأمن هو توسيع نطاق التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، مثل: إقامة المشروعات المشتركة، وإلغاء القيود التجارية، وتدعيم فرص التكامل الاقتصادي. كما يجب أن تسود الديموقراطية دول المنطقة جميعها.

     إن تركيا، بهذا التصور لمفهوم الأمن، تريد إيجاد أرضية لدخولها كقوة اقتصادية إلى منطقة الشرق الأوسط. وبتأكيدها أحقية دول المنطقة في اتخاذ الترتيبات التي تراها مناسبة، تريد أن تزيل أي مخاوف أو شكوك عربية خليجية، حول احتمالات ممارسة أي قدر من الهيمنة أو التأثير التركي في شؤون المنطقة. وبالتركيز على الديموقراطية، تريد تركيا مغازلة دول الغرب، لضمان تأييدها للتصور التركي لأمن المنطقة.

رابعاً: الولايات المتحدة وإسرائيل

     تعمدت أن أذكر الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في بند واحد، كي نكون واقعيين مع أنفسنا، فلا نفرق بينهما. فقد أصبحت إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من الولايات المتحدة الأمريكية، فهي يدها التي تنفذ سياساتها، وتحقق إستراتيجياتها في المنطقة. فقادة إسرائيل ما فتئوا يعلنون في كل مناسبة: "إن إسرائيل كنز إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة".

     ومن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، أن تصبح إسرائيل (وقد أصبحت بالفعل) قوة محلية مهيمنة ومسيطرة، ولديها التفوق العسكري على جميع الدول العربية مجتمعة، ضاربة عرض الحائط بمصالحها مع الدول العربية. وهل يوجد مثال أوضح على ذلك من استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض لمصلحة إسرائيل مرتيْن في أقل من أسبوعيْن؟

     إن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، أن تظل حالة من "عدم الاستقرار المتحكم فيه" تسود المنطقة. فلو تحقق الاستقرار، وساد السلام شعوب المنطقة، هل ستكون هناك حاجة إلى السلاح الأمريكي؟ أو مبرر للحماية الأمريكية؟ أو منطق في أن نضع مقدراتنا في أيدٍ أمريكية؟ أو ضرورة لطلب العون وتلمّس الوساطة؟

     إن المصلحة الاقتصادية، أو الدولار بالمعنى الأدق، هو المحرك الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على حدّ السواء، بينما تبقى الشعارات البرّاقة، كالعدالة والحق والشرف والشهامة والصداقة، شعارات تصلح للاستهلاك المحلي، وأمام أجهزة الإعلام، وفي البيانات الختامية للمحادثات.

     أمّا إذا تحدثنا عن إسرائيل، فعلينا ألاّ نفرق بين حزب الليكود أو العمل، فهما وجهان لعملة واحدة. فالحزبان يعملان لمصلحة دولة واحدة، ويكمل أحدهما الآخر. وإنْ اختلفا في التكتيك، فهما متفقان في الأهداف والإستراتيجية. ولننتقل الآن إلى رؤية الولايات المتحدة وإسرائيل إلى "أمن الخليج".

     لا شك أن النفط مثَّل دائماً، ولا يزال، المصلحة الأولى والأهم للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. وإذا استرجعنا المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، التي يرددها المسؤولون الأمريكيون، نجد أنها تتلخص  في نقاط سبع: أولاً: ضمان إمدادات النفط وسلامة طرقه ومعابره. ثانياً: أمن الممرات المائية الرئيسية في المنطقة. ثالثاً: استمرار إسرائيل حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية. والتأكد من تفوقها العسكري والتكنولوجي على جيرانها. رابعاً: تأييد استمرار عملية السلام العربي ـ الإسرائيلي، لتحقيق السلام الآمن الشامل. خامساً: مواجهة المد الإسلامي السياسي. سادساً: العمل على حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة (باستثناء السلاح النووي لإسرائيل). سابعاً: نمو العلاقات التجارية وازدهارها بين الأسواق العربية والاقتصاد الأمريكي.

     وخلال الأعوام الأخيرة الماضية، أَقْحم عامل جديد وخطير نفسه في "أمن الخليج"، وهو إسرائيل. ويحضرني في هذا الصدد، دراسة حديثة نشرها "دوري جولد"، المستشار الرئيسي للسياسة الخارجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بعنوان "إسرائيل والخليج: إطارات أمنية جديدة للشرق الأوسط"، تكشف الكثير عن أطماع إسرائيل في منطقة الخليج. يقول "دوري جولد": إن إسرائيل يجب أن تكون جزءاً من نظام أمني جديد للمنطقة بأسرها، بما في ذلك دول الخليج.

خامساً: روسيـا

     تضع روسيا لنفسها إستراتيجية مستقلة، مُنَاِفسة، وليست مُواجِهة، للإستراتيجية الأمريكية. فهي تتبنى إستراتيجية مزدوجة ذات ذراعين: الذراع الأولى دفاعية في أوروبا، لصد الاختراق الأمريكي، الذي يحاول توسيع عضوية حلف شمال الأطلسي شرقاً. أمّا الذراع الثانية، فهي هجومية، تحاول الاختراق في آسيا، بتوطيد علاقتها بإيران، وفي الوقت نفسه، عدم تخلّيها عن العراق حليفها القديم في المنطقة، وإقامة علاقات عسكرية واقتصادية، إنْ أمكن، بالدول الخليجية العربية، ومد جسور الثقة والعلاقات الاقتصادية إلى إسرائيـل.

     أصبح التحدي أمام السياسة الروسية، في ضوء التغيرات الدولية، هو كيفية إدارة المعادلة الصعبة في هذه المنطقة الحساسة مع كافة الأطراف الدولية المتنافسة، ومع كافة الأطراف الإقليمية المباشرة وغير المباشرة، بما يُحقق مصالح الأطراف كلها في توازن دقيق غير متصادمٍ.

     فعلى المستوى الدولي، على روسيا أن تُدير المعادلة، ليس فقط في مواجهة القوى الغربية الموجودة بالفعل في المنطقة، بل في مواجهة القوى الجديدة التي تسعى إلى موطئ قدم تضمن به مصالحها، وهي الصين واليابان، لضمان تسويق منتجاتها وتدفق النفط إليها، فالخليج يمثل سوقاً كبيرة لا يمكن تجاهلها.

     وعلى المستوى الإقليمي، فإن روسيا لا تستطيع تجاهل نفوذ دول لها مكانتها في المنطقة، كمصر وسورية، وهي أطراف غير مباشرة في معادلة أمن الخليج. كذلك تسعى روسيا إلى عدم تجاهل طرفَي المعادلة الرئيسيين على المستوى الإقليمي، وهما إيران والعراق، إذ إن علاقتها بهما مستمرة، وتتقدم تقدماً ملموساً، خاصة على الجانب الإيراني.

     وقد صرح أحد خبراء يلتسين بشؤون العالم العربي قائلاً: "لا نريد أن يكون أحد محاور سياستنا في الخليج نقيضاً للآخر؛ فروسيا تضع ضمن أولوياتها المزيد من الانفتاح على منطقة الخليج، الغنية بنفطها وأسواقها، والاهتمام بالمنطقة على جميع المحاور، وفي جميع المجالات، خاصة مجالَي الأمن والدفاع. وروسيا بوصفها أقرب جار، ودولة بحرية عظمى، وعضواً دائماً في مجلس الأمن، فهي مهتمة بأن تكون أحد ضامني الأمن في منطقة الخليج".

     تحاول روسيا، لتبديد شكوك الكويت وجذبها إلى صفها، ممارسة ضغوطها على العراق لإعلان اعترافه بالكويت، وإنهاء كافة المشاكل المعلقة. كما تُعلن روسيا تضامنها مع الكويت في ضرورة عودة كل الأسرى الكويتيين، الذين تُطالب بهم الكويت، وفي الوقت نفسه، تؤجل مطالبة العراق بدفع مديونيته التي تعدّت سبعة مليارات دولار.

     وعلى روسيا أن تجد حلاًّ لمعادلة دعمها لإيران، في المجالات العسكرية، وإمدادها بالمفاعلات النووية، مما يُشكل خطراً على أمن الخليج، ويخلق مناخاً من عدم الاستقرار في المستقبل. وإزاء ذلك كله، فإن روسيا تسعى، من خلال أسلوبها في نهج العلاقات المتوازية لتهدئة الخليجيين، إلى التصريح دوماً بمساندتهم وتأييدهم في أحقية دولة الإمارات العربية المتحدة في الجزر الثلاث.

     وهكذا تحاول روسيا أن تُدير "دورها التوازني" في إطار هذه المعادلة الصعبة: الحفاظ على وجودها، مع بذل الجهد في تبديد شكوك الخليجيين تجاهها، مع استمرار مصالحها في المنطقة، عسكرياً واقتصادياً، فضلاً عن مواجهة الدول الكبرى والإقليمية من دون صِدَام، وبما يحفظ أمن الخليج العربي واستقراره.

سادساً: فرنسـا

     إن أفضل من عبّر عن مدى اهتمام فرنسا بأمن منطقة الخليج، هو قائد القوات الفرنسية في الخليج،  حين حدّد أهداف قواته في المنطقة، في نوفمبر الماضي، في الآتي: حماية الجزر الفرنسية في المحيط الهندي، وحماية المصالح الفرنسية في منطقة الخليج، وعلى الأخص حماية مناطق وممرات الطاقة، التي تمثل حوالي 30 ٪ من احتياجات فرنسا والدول الحليفة الغربية. وتدعيم التعاون مع دول المنطقة: لحمايتها واستتباب الأمن فيها، وتأمين انسياب التبادل التجاري بين دول المنطقة والدول الغربية، وبوجه خاص وصول الطاقة من الخليج إلى الأسواق الغربية والعالمية، بأمن وسلام. وكسب المزيد من الخبرات بالتدريب المشترك مع القوات المسلحة لدول الخليج.

والآن إلى الاستنتاجات

     يتبين مما عرضناه حتى الآن، أن التهديدات التي قد يتعرض لها أمن الخليج، ذات أبعاد رئيسية أربعة:

أولاً: البعد الوطني، ويتمثل في المشاكل الداخلية، التي تهدد أمن كل دولة واستقرارها، وتختلف هذه المشاكل من دولة إلى أخرى.

ثانياً: البعد المحلي، ويتمثل في الأزمات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وأهمها القضايا الحدودية، التي يعمقها ويؤخر حلها عدم وجود آلية عملية قوية لفض المنازعات، فضلاً عن عدم فصل النواحي الأمنية عن النواحي الشخصية.

ثالثاً: البعد الإقليمي، الذي تتسم أنماط التهديد فيه بالقوة، واعتمادها في أغلب الأحيان على الردع واللجوء إلى العمل العسكري. ونستطيع أن نلحظ ذلك بين العراق ودول مجلس التعاون، وبين إيران ودول المنطقة. ويُعد التهديد الإيراني المتنامي، في الوقت الحاضر، حقيقةً، هو الأخطر، لضخامة طموحاته. فما يحدث في الجزر الإماراتية الثلاث خير شاهد على هذه الأطماع، بجانب ما تُظْهره إيران من استعراض للقوة، ومحاولتها المستمرة والدائمة لمعارضة استبعادها من أي نظام أمني، ومعارضة الوجود الغربي في المنطقة، وفصل أمن الخليج عن الأمن القومي العربي الشامل. فضلاً عن تهديدها الأخير، في فبراير الماضي، لدول مجلس التعاون بإحراق المنطقة، إذا تعرضت إيران لعدوان عسكري من القوات الأمريكية أو الغربية الموجودة في الخليج.

      وفي الوقت نفسه، فإن التهديد الإسرائيلي لا يقل خطراً عن التهديد الإيراني. فإسرائيل تسعى إلى الهيمنة على المنطقة، ومن ثم السيطرة على الخليج، طمعاً في الغاز، والنفط، ورؤوس الأموال الخليجية. وسيكون اقترابها، في البداية، اقتصادياً، ويعلم الله وحده ما ستؤول إليه النهاية!

رابعاً: البعد الدولي، الذي يتخذ أشكالاً عديدة: اقتصادية، للسيطرة على منابع النفط والتحكم في إمداداته وأسعاره، وفتح الأسواق الخليجية أمام المنتجات الغربية، بُغية استكمال حلقات الاستثمار الغربي. وسياسية، إذ إن انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على المنطقة، يُقلل قدرة دول المنطقة على المناورة في العلاقات البينية، والدولية، بما يُعزز ويخدم تبعية تلك الدول كلياً للولايات المتحدة الأمريكية. وعسكرية، حيث الوجود الكثيف للقوات الأجنبية، الذي يُعزز من ارتباط الأمن الخليجي بالإستراتيجيات العسكرية للقوى الأجنبية.

     أمّا إذا  تطرقنا إلى الترتيبات الأمنية المحتملة في المنطقة، فنجد أنها تدور حول نماذج ثلاثة، هي: النموذج المحلي، والنموذج الإقليمي، والنموذج الدولي. وكان بودّي أن يتسع الوقت لشرح كل نموذج منها تفصيلاً.

     قبل أن أنتقل إلى الحلول المقترحة، أودّ أن أعرض عليكم بعض المبادئ التي أعدها مقدمة منطقية لاقتراحاتي:

أولاً: إن كل النزاعات الحدودية هي بمثابة قنابل وألغام موقوتة، يُمكن أن تنفجر في أي لحظة، نتيجة لتغلّب المصالح الفردية. كما يمكن أن تُستغل من قِبَلْ كل الأطراف، الداخلية والخارجية، المستفيدة من عدم استقرار النظام الإقليمي الخليجي. فالمشكلات الحدودية، البرية والبحرية، لا يحسمها السلاح ولا الحرب، وإنما الحل السياسي العادل. وإن منطق الاعتداء وفرض الأمر الواقع بالاحتلال، هو أسلوب مرفوض للتعامل بين الدول المتجاورة والحدودية، وخسارة مادية وبشرية لقوى يمكن ادّخارها لخدمة السلام والتنمية.

ثانياً: إن الحماية الخارجية ـ فقط ـ التي تنشدها بعض الدول في النظام الإقليمي الخليجي، لا يمكنها، مهما كانت طبيعتها وجنسيتها، أن تحقق الأمن الدائم أو تبعث الطمأنينة المستمرة. فلا يمكن للأمن أن يتحقق وللطمأنينة أن تسود من دون الاعتماد على النفس، وبناء المواطن الحر، المنتج، المنتمي إلى وطنه وأرضه، الذي يعيش هموم الأخطار والتحديات والمسؤوليات.

ثالثاً: إن ترديد الشعارات لا يحوّل الأماني إلى واقع، والأماني وحدها لا تحل المشكلة، أي مشكلة. ولكن العمل والإقدام هما الطريق الصحيح لنقل الأماني من عالم التصور إلى عالم الحقيقة، والعمل الذي يتم من دون مشروع متكامل، لا جدوى من ورائه، والآمال التي تفتقر بدورها إلى تخطيط مدروس لتنفيذها، لا خير فيها.

رابعاً: إن محاولة حل النزاعات الإقليمية من طريق توازن القوى، هي محاولة تصل دائماً إلى طريق مسدود، لأن اختلال تـوازن القوى بين الدول الإقليمية هو حافز لسباق التسلح التقليدي والنووي. بينما يمكن للسلام الدائم أن يتحقق، إذا أُقيم على قاعدة من التوازن الكامل في القوى والمصالح، من خلال اتفاقيات عادلة وحكيمة.

خامساً: إن الأمن المطلق لدولة ما، يُعد وهماً أو خيالاً، لا يمكن تحقيقه، لأنه يؤدي إلى الإحساس بعدم الأمن لدى باقي الدول. فالاستقرار الإقليمي ينتج من الإحساس بالأمن المتبادل لكل الدول الإقليمية.

سادساً: قبل اختيار الترتيب الأمني الذي نريده، علينا تحديد إطاره. فهناك أُطر أمنية متعددة: وطنية، ومحلية، وخليجية، وإقليمية، وعربية، ودولية. ففي أي الأطر نبحث؟

سابعاً: لكي نكون واقعيين عند اقتراح حل لمشاكل "الأمن" في الخليج وفي المنطقة، يجب أن يكون تفكيرنا شاملاً، وغير مقتصر على الجانب العسكري وحده. فلن يتحقق الأمن، إذا اعتمدنا على القوة العسكرية فقط، فضلاً عن صعوبة تفوقنا ـ بمفردنا ـ على التهديدات المحيطة بنا. لذا، فإنني أرى أن يبدأ التفكير "اقتصادياً" في المقام الأول، ثم عسكرياً، ثم اجتماعياً، وأخيراً سياسياً.

ثامناً: قبل أن نسترسل، علينا أن نطرح سؤالاً محدداً: هل نحن جادّون حقّاً في محاولاتنا إنشاء نظام "أمني جماعي"؟ أو أننا نفضل الاتفاقيات الثنائية مع أطراف دولية، لتحقيق الأمن الوطني الفردي؟ إن الإجابة بوضوح عن هذا السؤال ستنير لنا الطريق إلى البدائل الناجحة، بدلاً من التخبط يميناً ويساراً، مهدرين الوقت والجهد، وغيرنا يبني ويتطور، ويرقى ويتطاول.

تاسعاً: إننا في مرحلة لا تحتمل التهدئة، أو التغاضي، أو الترضية، أو المجاملة. علينا أن نواجه مشاكلنا بوضوح، وصراحة، والتزام، وموضوعية، وأن نعترف بحقائق حياتنا ووجودنا.

عاشراً: حتى تتم الاستفادة الكاملة من البحوث المقدمة في الندوات المحلية والدولية، يجب التوصل  في ختامها، إلى خطة واضحة، وإجراءات محددة، وبدائل دقيقة.

    بعد أن استعرضت المبادئ العشرة السابقة، سأطرح عليكم بعض الاقتراحات، التي أرى أنها صالحة كأُسسٍ مُحددة عند التفكير في "أمن الخليج":

أولاً: على مستوى دول مجلس التعاون

1. يجب أن تكون خطة "أمن الخليج" شاملة لجميع الجوانب، الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والسياسية.

2. ضرورة امتلاك أسلحة ردع مناسبة للتغلب على نقص القوة البشرية، ونقص الاحترافية، والحرص على توحيد أنظمة الأسلحة والمعدات.

3. أهمية تحسين وتطوير أساليب صناعة واتخاذ القرارات، وإعادة النظر في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات الشعب. والسماح بمزيد من التطبيقات الديموقراطية، التي تتفق مع الإسلام، شريعةً وعقيدةً، وزيادة مشاركة المواطنيـــن في صناعة القرارات وعرض البدائل على ولاة الأمر.

4. تأكيد ما ورد في كتاب "مقاتل من الصحراء" في خصوص دوائر الأمن، وفي خصوص إنشاء قيادة عسكرية مشتركة، يكون مقرّها الرياض، ويُعَيّن فيها ضباط محترفون. وتكون مهمتها ممارسة القيادة العملياتية على قوات دول مجلس التعاون، لردْع أي عدوان محتمَل أو دحْـر أي عمل عدائي. على ألاّ تنضم أي قوات عسكرية بصفة مستديمة إلى هذه القيادة، بل تبقى كل قوة في بلدها، وتُستدعى فقط عند تنفيذ التدريبات المشتركة أو مواجهة التهديدات.

ثانياً: عربيـاً

1. ضرورة أن يرتبط أمن الخليج العربي بأمن البحر الأحمر، وبالأمن القومي العربي.

2. وضع إستراتيجية عربية واضحة تشارك فيها دول الخليج العربية، والدول المطلة على البحر الأحمر، من أجل الحفاظ على أمن المنطقة.

3. ضرورة حل النزاعات العربية ـ العربية.

ثالثاً: إقليميــاً

1. في إمكان دول مجلس التعاون الخليجي أن تكون سبّاقة إلى تبني خيار "المصالح المشتركة" مع إيران حول قضايا هامة، كالنفط وتسويقه، وأمن المنطقــة السياسي، مقابل أن تتفهم الأخيرة، أهمية العلاقة الإستراتيجية بين دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية، وضرورة أن تتخلى عن اتّباع سياسة القوة وفرض الأمر الواقع، وأن تتخلى عن مطامعها العقائدية، ونعرتها الفارسية، وتدخلها في شؤون الدول الأخرى، وعدم إثارة المشاكل أو الاضطرابات في المنطقة. مع الترحيب بالمساعي الصادقة إلى تحسين العلاقات المتبادلة.

2. يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي، أيضاً، أن تتبنى خيارات واضحة تجاه العراق، بالتنسيق المباشر وغير المباشر مع إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً حول أخطر السيناريوهات التي يمكن أن تبرز في حالة سقوط صدام حسين، وكيفية التفاهم مع القوى الوريثة.

3. عدم تأييد أي مسعى قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لأن ذلك سيؤثر سلباً في استقرار الأوضاع في المنطقة، بل يجب أن يكون تحسن العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية فرصة طيبة لدول الخليج، تستغلها مدخلاً طبيعياً لحوار مع إيران حول القضايا المُعلّقة، مثل قضية الجزر مع الإمارات، وتخفيف حدة النزاعات في المنطقة.

4. بنـــاء منظمات إقليمية قادرة على حل النزاعات بين الدول حلاًّ سلمياً، والتخطيط لمواجهة أي تهديدات خارجية بجهود جماعية.

رابعاً: دوليــاً

1. يجب ألاّ نغفل الدور الروسي والدور الصيني، في التوازن مع القوى الدولية الأخرى في المنطقة.

2. العمل على أن تبقى المنطقة بعيدة عن الصراعات الدولية.

     هذه هي توصياتي العامة، التي ورد كثير منها مكتوباً في المؤلفات والدراسات، ومسموعاً في المحاضرات والندوات. وهي في مجملها تمثل الخطوط الرئيسية المنطقية في التفكير، ولكنها لا ترقى إلى أكثر من ذلك، فهي تفتقر إلى خطة، وإجراءات، وآليات للتنفيذ والرقابة والتحكيم.

     وللوصول إلى الحل الأنسب، من وجهة نظري، وكي لا ندور في حلقة مفرغة من الاقتراحات العامة، التي لا تقدم ولا تؤخر، ولا نجهد أنفسنا في عقد الندوات، المحلية والدولية، أقترح ما يلي:

1. تشكيل فريق بحث علمي، في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

2. يُـنتقى أعضاؤه من العلماء والباحثين وذوي الخبرة، المشهود لهم بالكفاءة والحياد، من دول المنطقة، ومن خارجها، من جميع التخصصات، ومن غير الأعضاء في اللجان المختلفة للمجلس.

3. تُـحدد للفريق مهمة واضحة، هي: دراسة أفضل السبل والبدائل، لتحقيق المعادلة الصعبة لكيفية تحقيق الأمن الوطني لكل دولة من دول المجلس على حدة، ثم أمن الدول الست مجتمعة في مجلس التعاون. وتكون هذه هي المرحلة الأولى في الدراسة. أمّا المرحلة الثانية، فتكون إعداد شروط وخطوات خطة أمنية، تشمل أمن الدول المطلة على الخليج، مع الأخذ في الحسبان عدم انفصال الأمن، في المرحلتين، عن الأمن العربي، وعدم إغفال مصالح الدول الكبرى في المنطقة. على أن تُـحدد أيضاً المجالات التي ستشملها الدراسة. ومن وجهة نظري، يجب أن تكون مجالات الدراسة شاملة للمجالات: الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والسياسية.

4. تُحدد فترة زمنية معينة، ينقطع فيها أفراد الفريق للبحث والدراسة والتحليل والحصول على المعلومات اللازمة، من خلال أمانة مجلس التعاون، لإنجاز المهام المطلوبة.

5. يجب أن يرتكز البحث على دراسة الماضي، وتحليل الحاضر، واستقراء المستقبل. مع الأخذ في الحسبان تجارب الدول الأخرى، والمنظمات الدولية الناجحة، في تحقيق أمنها واستقرارها.

6. يجب أن تخرج الدراسة: بخطة محددة الخطوات، وإجراءات متسلسلة واضحة، تعكس: آلية التنفيذ، وآلية الرقابة على التنفيذ، وآلية التحكيم.

7. يجب أن تتصف الدراسة: بالجرأة، والحياد، والصراحة، والموضوعية، والبحث عن حلول عملية، تعالج أسباب المشاكل وجذورها، ولا تدور حول الأعراض أو المسكنات المؤقتة.

8. بعد انتهاء الفريق من إنجاز مهمته في التوقيت المحدد، تُعرض الخطة ومشتملاتها على دول مجلس التعاون، لتناقش  على مستوى كل دولة، أولاً، ثم على مستوى المجلس، بعد ذلك. ويكون القرار محدداً واضحاً: إمّا الاتفاق والإصرار على تنفيذ الخطة بأكملها وطرحها على المستوى الشعبي للحصول على التأييد اللازم، أو الاكتفاء فقط بالأمن الوطني لكل دولة (بمعنى أن يكون لكل دولة الخيار في أن تعقد ما تشاء من اتفاقات)، أو بالأمن المحلي لدول مجلس التعاون فقط، أو بالتحرك نحو أمن الدول المطلة على الخليج.

     هذا هو اقتراحي بإيجاز، فإنْ أصبت فيه، كان لي أجران. وإنْ أخطأت، كان لي أجر واحد. والحمد لله أنني أقتنع دوماً بالأجر الواحد في حياتي.

 

وفقكــم الله

والسلام عليكم ورحمة الله.

ــــــــــــــــــــــــ