إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / الأحاديث الصحفية، التي أدلى بها، صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى:




مجلة المجالس، العدد 1338
مجلة الصقور
مجلة كلية الملك عبدالعزيز/42
الأمير و الجنود السعوديون
الأمير مع الأمير سلطان
الأمير مع خادم الحرمين
الأمير يهدي كتابه إلى السفير
الأمير خالد مع الشيخ جابر
الأمير خالد مع شوارتزكوف
الأمير في مسرح العمليات
الملك فهد يتفقد القوات
الملك فهد في حفر الباطن
حديث إلى مجلة الحوادث
حديث إلى مجلة كلية الملك عبدالغزيز
سمو الأمير خالد بن سلطان
صورة من مجلة المجالس
صورة من مجلة الرجل
صورة للأمير من مجلة الرجل
صورة للأمير خالد في مجلة الرجل
صورة للأمير، من مجلة الرجل
صورة لسفينة حربية سعودية
غلاف مجلة أكتوبر
غلاف مجلة الحوادث
غلاف مجلة الرجل
غلاف مجلة كلية الملك عبدالعزيز





حديث

إلــى جريدة "صوت الكويت الدولي"

لندن، الثلاثاء، 14 جمادى الأولى 1412، الموافق 19 نوفمبر 1991

ــــــــــــــــــــ

(العناوين)

* خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، الملك فهد، اتّخذ أعظم القرارات وأكثرها جرأة، بدعوة القوات الشقيقة والصديقة.

* خالد بن سلطان: الفريق الأول لا يتقاعد. ولكنها "استراحة محارب".

* كنت في الخفجي. كانت أكبر معركة واجهت المملكة. وحوّلتها إلى منطقة قتْل.

* تسألني عن الكويت؟ إنها قطعة من قلبي وتاريخي.

* للمرة الأولى في الحروب، يحاول قائد عسكري تخفيف الخسائر البشرية في صفوف العدو.

* سأحاضر في الغرب، وأبيّن ما قدمته المملكة لوجستياً.  وأكتب مذكراتي.

* أعمل على بناء مؤسسة عسكرية خيرية لرعاية ضحايا الحرب، وتشمل العراقيين، ولكن بعد زوال صدّام.

* العلاقة بـ "شوارتزكوف".

* سأبقى حتى الممات مخلصاً لربي، ووطني، وفي خدمة الملك فهد.

 

قال أحد زملائه في وداعه، بعد قبول استقالته كقائد للقوات المشتركة ومسرح العمليات "الأمير خالد لا يتقاعد، سوف يظل عسكرياً، ولو في زيٍّ مدني". ويقول الأمير خالد: "الفريق الأول لا يتقاعد، بالمعنى المعروف. حتى لو تقاعدت، فما زلت أحمل شرف تكريم خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، الملك فهد، لي بترقيتي إلى رتبة الفريق الأول، ومن يصل إلى هذه الرتبة، لا يتم الاستغناء عن خدماته، بل يستفاد من خبراته في مجالات عسكرية أو أي مجالات أخرى، ويظل دائماً في خدمة مليكهً" ويقول الأمير، الذي قلّدته الملكة إليزابيث الثانية أرفع وسام بريطاني، من رتبة فارس شرف: "ربما تقاعدت، كقائد، ولكنني حتى الممات، سأظل مخلصاً لربي، ووطني، وفي خدمة جلالة الملك فهد، وسوف أكون موجوداً، دوماً، لإعطاء أي استشارات تُطلب مني". ويقول الأمير الفارس: "أحياناً، ربما يحتاج المرء إلى استراحة محارب".

هي استراحة المحارب إذاً. وفي خلال هذه الاستراحة، فإن الفريق الأول الركن، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، وبطـل تحرير الكويت، يتذكّر، يستعيد ملحمة الخفجي التاريخية "إنها أكبر معركة واجهتْ المملكة العربية السعودية. كنت في الخفجي، حوّلتها إلى مصيدة ومنطقة قتْل. وفيها اكتشفت مدى الجهل العسكري لصدّام حسين".

والفريق الأول الركن، الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي أمضى عمره كله، تقريباً، في المؤسسة العسكرية، والذي كان يطل على المشاهدين في شبكة "سي.إن.إن C.N.N."، أثناء الحرب، حازماً، حاسماً، وعسكرياً محترفاً، يكشف عن وجْه آخر، في أثناء الحوار معه، في قصره في ريجينت بارك: وداعة خفيّة تطلّ من عينيه، وفي ضحكته المجلجلة تظهر شخصية الأب ورب العائلة، الذي احتجزته مسؤوليات القيادة بعيداً عن عائلته طيلة فترة الحرب، باستثناء مرة واحدة، جاء فيها أبناؤه وبناته (ثلاثة أولاد و ثلاث بنات)، يزورونه في غرفة العمليات. وتتكامل هذه الصورة، عندما يقول، بحزن واضح: "لم تكُن مهمّتي تقليل الخسائر إلى أقصى حدّ بين رجالي فقط، كانت أمنيّتي أن أقلّل الخسائر أيضاً في أرواح العراقيين". وهو يحترم الجندي العراقي. إنه جندي محارب، ولكن المشكلة هي مع صدّام حسين.

والأمير خالد يتحدث عن صدّام حسين بضمير الغائب، لم يذكُره بالاسم، إلا مرة واحدة. لقد انتهى عسكرياً، وما تبقى من المهمّة يكمله الشعب العراقي. أكثر من ذلك، إن "الحرب قاسية، ولا يعرف معنى السلام إلا قائد خاض الحرب". ومن هنا فإن مشروع هذا "الداعية المحارب"، هو إقامة مؤسسة خيرية، يكون أعضاؤها من القيادات العسكرية، التي شاركت في حرب تحرير الكويت، تتولى رعاية جميع الجرحى والمعوقين وأهالي الشهداء، الذين سقطوا في حرب تحرير الكويت، جميعهم ومن دون استثناء، بمن فيهم "العراقيون الجرحى والمعوقون وأهـالي القتلى ولكن بعد زوال صدّام". وفي انتظار قيام هذه المؤسسة، التي تقوم على أمانتها قيادات عسكرية، فإن الأمير الفارس سوف يكرّس وقته "بعد أن كتب الله ـ سبحانه وتعالى ـ لي شرف كسب ثقة الملك فهد" لإلقاء المحاضرات في العالم الغربي، "لأن إعلامنا العربي، للأسف، لا يعادل 5 بالمائة من الإعلام الغربي". ذلك، لأبين الدَّور العظيم الذي اضطلعت به القوات المشتركة، والقوات العربية وقياداتها، وما فعلت المملكة من الناحية اللوجستية، وهو أمرٌ لا تستطيع دول مثل بريطانيا وفرنسا، أن تقوم به، كما فعلت المملكة في فترة ثلاثة أشهر فقط، "وسـوف أكتب مذكراتي". ماذا ستحتوي هذه المذكرات؟

 

الكثير، ولعل أهم ما فيها "ما أسميه دائماً أعظم قرار تاريخي، وأجرأ قرار تاريخي للملك فهد. ولو تردّد يوماً واحداً، لانعكست الصورة تماماً". وينتهي الحوار مع جملة يطلقها الأمير الفارس: "تسألني عن الكويت؟ إنها قطعة من قلبي وتاريخي".

 

القصف السريع

بدأ الحوار مع الأمير خالد بن سلطان، كالتالي:

ـ سمو الأمير، أنت قائد طموح، ونحن صحيفة طموح، ونريد أن نحصل على أكثر ما يمكن من وقتك. أعطيت الكويت كثيراً، والآن نطمح في أن تعطي "صوت الكويت".

ـ وضحك الأمير خالد، وقال: إن شاء الله، اطمئن، فالرجل العسكري أجوبته فورية، وسريعة، ومباشرة.

 

ـ يعني مثل القصف السريع؟

ـ وضحك سموّه مطولاً، قبل أن يبدأ الفريق الأول الركن، بالقصف السريع.

 

يوم الأربعاء، الأول من أغسطس (آب)، كان يوماً عادياً في حياة قائد قوات الدفاع الجوي في المملكة العربية السعودية، الأمير خالد بن سلطان. في ذلك اليوم، غادر الأمير مقر القيادة في الرياض إلى مزرعته. ولكنه في الرابعة صباحاً، عاد إلى مقر القيادة، وبلباس الميدان.

 

ـ لم تكُن تتوقع أن يقوم صدّام حسين باجتياح الكويت؟

ـ "لا، بالطبع كانت هناك خلافات ووساطات وتوقعات من الجميع، وكنّا نعتبر المحادثات العراقية ـ الكويتية، في جدة، فألَ خير. وكانت التوقعات، في أسوأ الحالات، أن يحاول (صدّام) احتلال الرميلة وبوبيان. كان هذا أسوأ الاحتمالات، ولكن ما فعَله تجاوز أشد الكوابيس سواداً. ولم يخطر ببالي شخصياً، أن يغامر، بشكل جنوني، ويجتاح الكويت كلها".

ـ هناك سيناريو طرحته، الأسبوع الماضي، مجلة "بابل"، التي يُصدرها عدي بن صدّام حسين، وهو يقول: إن القوات العراقية كانت مهيأة لمتابعة الاجتياح داخل المملكة العربية السعودية، ولو فعلت ذلك، ربما تغيرتْ نتائج الحرب. هل خطر لكم أن العدوان لن يتوقف عند حدود الكويت؟

ـ "كل الاحتمـالات، بعـد اجتياح الكويت، باتت واردة. وما أعرفه، هو أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ كتب لي شرف كسْب ثقة خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الملك فهد، بتعييني قائداً للقوات المشتركة ومسرح العمليات، والقادة في ذلك الوقت، ما شاء الله، كانوا كثيرين، وكل واحد فيه الخير والبركة. ولم أكُن أتصور أن يحدث مثل هذا العدوان. لقد اتّخذ خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، ما أسميه دائماً، أعظم قرار تاريخي، وأجرأ قرار تاريخي، بدعوة الدول الشقيقة والصديقة. ولولا هذه الدعوة لكانت الصورة قد انعكست تماماً، ولو تردّد جلالته يوماً واحداً، لتغيّر الموقف نهائياً. وبعد هذا القرار، صار واضحاً أنه لا بد من اختيار قائد للمهمة المقبلة. وطبعاً، لكل قائد عسكري طموحات، ومن حق كل قائد أن يكون طموحاً، شريطة أن يحترم وطنه ويتفانى في سبيله. ولا أكذب عليك، كنتُ طموحاً إلى ما هو أكثر (يضحك). ولكن منذ أن نِلتُ شرف تعييني، بدت الخيارات المقبلة كلها مفتوحة ومحتملة الحدوث. فقد يقرر صدّام الانسحاب فجأة، بعد تغيير الحكومة كلها، أو بعد أن يجري تعديلات في تشكيلها، فيغيّر ما قد يسميه العناصر الفاسدة. أو أن ينسحب من الكويت جزئياً. أو يحاول مواصلة الاجتياح إلى رأس مشعاب أو الجبيل. وكان لكل احتمال خطة جاهزة لمواجهته".

 

ـ قلت في إحدى خطبك "استقبلنا حشوداً، لم يشهد العالم لها مثيلاً، منذ الحرب العالمية الثانية". كما أنك اضطّلعت بمهمّة لم يكلَّف بها أحد من قبل. وهذا صحيح. ولكن حتى في الحرب العالمية الثانية، لم يجتمع فوق رقعة محدودة من الأرض ما يقترب من مليوني جندي، كيف تعاملت مع هذا الواقع؟

ـ "ما قصدته في الحقيقة، عندما تحدثت عن الحرب العالمية الثانية، هو حجم القوات، وليس تعداد الدول. إن وحدات من قوات مسلحة لسبع وثلاثين دولة كانت في "عاصفة الصحراء"، تعمل في مسرح عمليات واحد. أمّا من حيث حجم القوات، أو الفترة الزمنية، فإن هذا لم يحدث له مثيل، منذ الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت نفسه، فقد كان لهذه الحرب تعقيداتها وخصوصياتها، بالنسبة إليّ شخصياً. لأن القيادة، كما تعرف، لم تكن تعتمد على أيزنهاور واحد، بل اثنين، ولا على ماك آرثر واحد، ولكن على اثنين، شوارتزكوف وأنا، هذه الناحية فريدة في الحروب ونادرة. طبعاً، كان الأصعب عليَّ شخصياً، أنا كقائد للقوات المشتركة، أن أحارب دولة عربية. كنت أدرك، تماماً، أن ما حدث لم يكُن من إرادة الشعب، ولكنها إرادة فرد واحد وجماعة معه، مصدره طموحات ومطامع شخصية. ولكن في الوقت نفسه، فإن اجتياح دولة شقيقة وجارة وقريبة إلى قلبي، لم يكُن يحتمل قولَين، فقضية تحرير الكويت كانت محسومة. وما كنت أفكر فيه هو كيفية دفْع طاغية، مثل صدّام وأعوانه، إلى الانسحاب من الكويت، وإلى احترام حقوق الجوار والأخوّة العربية في المستقبل، القريب أو البعيد. وهذه نتركها، اليوم، للزمن وللقادة السياسيين، الهدف الأهم كان تحرير الكويت. ومع هذا الهدف، كان لدي هموم أخرى، كيف يمكِن تقليل الخسائر؟ وللمرة الأولى، في تاريخ أي قائد عسكري، يفكر بينه وبين نفسه، في تقليص الخسائر، طبعاً كانت الأولوية هي لتحديد خسائر القوات التي أقودها، ولكن هاجسي كان في استمرار أن أخفّف من الخسائر البشرية في أرواح العسكريين العراقيين والشعب العراقي نفسه".

ـ وصفتَ، في إحدى محاضراتك، "عاصفة الصحراء" بأنها نموذج من حروب نهاية القرن العشرين وحرب المستقبل. هل تعتقد أن حرباً من هذا النوع يمكِن أن تتكرر؟

ـ "لا. وأتمنى ألاّ يعود هناك حروب، وألاّ تتكرر "عاصفة الصحراء"؛ فالحرب قاسية، ولا يعرف معنى السلام إلاّ قائد خاض الحرب. ومن وجهة نظر عسكرية بحتة، فإن الحرب التي نشبت، اعتمدت على محاولة استغلال نقاط الضعف لدى الخصم استغلالاً تاماً. ونحن نعرف تلك النقاط منذ البداية. وكانت نقاط القوة عندنا تكمن في القوات الجوية وفي الحصار البحري، وقد استفدنا من هذا التفوق استفادة كاملة. أمّا هو (صدّام حسين)، فكان يعتمد في نجاحه على العمليات البرّية. والحمد لله، أنه لم يكُن يملك أكثر من هذا الخيال العسكري المحدود. والعمليات البرّية الهجومية، كما تُدرس تكتيكاتها في كل بقاع العالم، تبدأ بتمهيد جوي ومدفعي، يستمران فترة من الزمن، تطول أو تقصر تبعاً لعوامل عديدة، بعدها يبدأ الهجوم على الخطوط الدفاعية. ولتحقيق النجاح، كان لا بد أن يكون نسبة عدد المهاجمين إلى المدافعين، ثلاثة إلى واحد على الأقل. وكانت قواته تصل إلى حوالى المليون، ما بين القوات العاملة وقوات الاحتياط. بينما قواتنا حوالي 750 ألفاً فقط. أي كان علينا أن نزيد عدَدَنا أربعة أضعاف، ولكننا لم نفعل. استفدنا من نقاط التفوق، وتلافينا نقاط الضعف. وكنّا على استعداد لأن نستمر في القصف الجوي أكثر من شهر ونصف الشهر، بل شهرين وثلاثة، حتى نحقق التفوق المطلوب. وفي الواقع، كان لدينا من الذخيرة والوقود والإمكانات، ما يتيح للحرب الجوية أن تستمر أكثر من شهرين، قبْل أن تبدأ العمليات البرّية. وقد بدأناها، ونحن ندرك أن معظم الجنود العراقيين يريدون الاستسلام من دون قتال. لذا، فقد استغرب عدد من ضباط هيئة أركاني عندما أصدرت، في يناير (كانون الثاني)، وبعد مرور أسبوع فقط على بداية القصف الجوي، أمراً بإنشاء معسكرات لأسْرى الحرب، تستوعب 100 ألف أسير، على الأقل. كان الضباط يعتقدون أنني متفائل، ولكنني في الواقع، كنت قد قرّرت ألاّ أبدأ الهجوم قبْل أن أتأكد من أن معنويات القوات العراقية منهارة، ومعداتها مدمرة، وإمداداتها وتموينها، مشلولة تماماً، واتصالاتها مقطوعة".

ـ كشفتَ، في كلمة ألقيتها بعد تحرير الكويت، أن التحرير تمّ قبْل 24 ساعة من الموعد الذي حدّدته الخطة العسكرية. هل كانت الخطة تحدّد 3 أيام لنهاية الحرب البرّية وهزيمة الجيش العراقي؟

ـ "في البداية، كنت أتوقع ألاّ تزيد فترة الحرب البرّية على أسبوع إلى عشرة أيام، على الأكثر. وحقيقة، لم أتصور أن تستمر أربعة. في اليوم الثالث، أُخلِيتْ مدينة الكويت من القوات العراقية. وفي اليوم الرابع، أعلنت تحرير الكويت. وكنتُ في مدينة الكويت، في اليوم الخامس. ويمكِننا أن نقول إن المعركة انتهت عندما بدأت القوات العراقية انسحابها، أمام هجوم القوات المتحالفة. ولكن كان هناك مسائل تكتيكية، وهناك قوات مخصص لها مهام في القطاعات المختلفة، تحت سيطرتي، وقطاعات أخرى تحت سيطرة شوارتزكوف. وعندما تحدثتُ عن الـ 24 ساعة، كنتُ أقصد أنني قدّمت موعد هجوم قواتي، في المنطقة الشمالية، مدة 24 ساعة". فالقوات الأولى (قوات المنطقة الشرقية)، التي دفعتها إلى ميدان القتال، حققت أهدافها قبل الموعد المحدد لها، وكان معدل تقدمها أسرع من المُخطط. ومن أجْل حماية الجانب الغربي لهذه القوات، أمرتُ بتقديم موعد بدء هجوم القوات السعودية والمصرية والكويتية والسورية، في المنطقة الشمالية، مدة 24 ساعة".

ـ دخلتْ قوات التحرير من الجنوب ومن الغرب. هل كانت هذه القوات تحت قيادتك المباشرة؟

ـ "كل القوات الموجودة في القطاعَيْن، الشرقي والشمالي، كانت تحت إمرتي".

 

ـ نعود إلى عبارتـك عن وجود اثنين أيزنهـاور، وليس أيزنهـاور واحـد، وقائـد واحد. هل كانت العلاقة بـ "شوارتزكوف" سهلة؟

ـ (يُطلق الأمير ضحكة مجلجلة) "صعبة صعبة. وكانت تتميز بخطر كبير. ولكن مهمّتنا لم تكُن بسيطة، ومن ثم فقد كنّا نجلس ونتناقش، ونصل دائماً إلى حل سريع، وبالطريقة العسكرية. لأن أي خلاف بين قائدَيْن، يملكان الصلاحيات نفسها، ولا يصدر أي أمر عمليات إلاّ بتوقيعَيهما معاً، يؤدّي إلى كارثة، كارثة للمملكة، وللكويت، وللولايات المتحدة نفسها، ولسبع وثلاثين دولة تشارك في عملية "عاصفة الصحراء"".

 

ـ هل الأوامر الميدانية، حتى في ساحة العمليات، لم تكن تصدُر إلاّ بتوقيعين: توقيعك وتوقيع شوارتزكوف؟

ـ "لا تصدر إلا بتوقيعين، وقد وضعنا خطة "عاصفة الصحراء" وملاحقها، وعدّلنا فيها الكثير، جلسنا معاً، أنا أبدّل وأغيّر، وشوارتزكوف يبدّل ويغيّر وانتهينا إلى اتفاق، وكان نحو الأفضل".

 

ـ هل ساهمت دوراتك العسكرية ودراساتك في الولايات المتحدة، في التقريب بين المدرستين، مدرستك ومدرسة شوارتزكوف؟

ـ "لا شك أن لتلك الدورات والدراسات تأثيرها العميق في الفهم المشترك بيننا. ولكن الأهم منها، الخدمة في الميدان والخبرات الميدانية المكتسبة. فخدمتي الميدانية في المملكة، وما حصلت عليه من دورات في الولايات المتحدة وفي إنجلترا، والاطلاع المستمر وتوسيع المعلومات بمبادرات شخصية، ساعدتني كثيراً، في الأمور العسكرية كلها".

 

ـ تردِّد في معظم خطبك وتصريحاتك، أن معركة الخفجي كانت تاريخية. ما هي أبعاد هذه المعركة؟

ـ "الخفجي من المحطات المهمة جداً في تاريخ حرب التحرير. ومهْما استرسلت في الحديث عنها، فلن أكُون قادراً على التعبير عن مدى أهميتها وخطرها؛ فهي أكبر معركة واجهتْ المملكة العربية السعودية، وكانت البداية الحقيقية للمعارك البرّية لقواتنا جميعهاً، كما كانت اختباراً لقدرة القيادة والسيطرة والاتصالات لقوات الدول المشاركة، واستُخدمتْ في هذه المعركة أسلحة ووحدات من القوات الجوية والبحرية والبرية. وتُعد هي حرب معنويات، أراد صدّام حسين أن يستخدمها في حرب نفسية ضد قوات التحالف، لأنه لا يمكِن الاستفادة منها، من الوجهة العسكرية. فهي، كمدينة، كان قد سبق إخلاؤها تماماً، بأوامر أصدرتها، في 16 أغسطس 1990، لأنها كانت في مرمى نيران مدفعية وصواريخ المعتدي، وكانت الأوامر حتى لوحدات الاستطلاع ألاّ تبقى في المدينة، بل عليها أن تجمع المعلومات وتعود بعد تنفيذ مهمتها. وكان أحد الاحتمالات التي وضعتُها في حسابي، أن يهاجم صدّام الخفجي. وكنت أدرك، أيضاً، أنه إذا استطاع البقاء فيها فترة أطول، ربما أدّى هذا إلى تحطيم معنويات القوات المشتركة، وإلى زرْع الشكوك بين هذه القوات في قدرتنا على إدارة حرب تحرير الكويت. وحوّل صدّام بنفسه المنطقة، ما بين الكويت والخفجي، إلى منطقة "قتْل" لقواته. واعتقد، في اليوم الأول، أنه سيطر على المدينة، وبدأ يدفع بقواته، بعد أن أخرجها من خنادقها الحصينة ومواقعها المحمية، في اتجاه الخفجي، فصارت مكشوفة، مما أعطاني الفرصة لأن أستخدم القوات الجوية ضدها، وحدّدت الأهداف، منذ البداية، ودمّرت القوات المتحالفة، على الأقلّ، ثلاث فِرق من فرق المعتدي. ولم تكشف معركة الخفجي فقط عن أن معلومات استخبارات صدّام عن الخفجي، هي شبه معدومة، بل كشفتْ عن مدى جهله بالمبادئ العسكرية الأساسية، لأنني لو خططتُ أن أحوّل الخفجي إلى مصيدة، لَمَا نجحتُ قدر ما نجحتْ الفرصة، التي وفّرها لنا صدام بتصرفه؛ إذ إن أيّ عسكري محترف، لا يمكِن أن يرتكب مثل هذه الخطيئة، وأن يدفع قواته إلى مصيدة هيأها لها بنفسه".

 

ـ أكثر من مرة، أشدتَ بدَور الحرس الوطني في معركة الخفجي. ما هي أبعاد هذا الدَّور؟

ـ "القطاع الذي شهد معركة الخفجي، كان قطاعاً مشتركاً بين وحدات من الحرس الوطني، والقوات المسلحة السعودية، والقوات القطَرية. وقد استخدمتُ في تحرير المدينة كتيبتين من الحرس الوطني مدعمتين بسريتين وفصيل صواريخ مضادة للدبابات قطرية، وكتيبتين من القوات البرية السعودية. وكانت هذه القوات تحت قيادة قائد مركز القيادة المتقدم لقيادة القوات المشتركة في المنطقة الشرقية. وجميعهم، قيادة ووحدات، أبلَوا خلال المعركة أحسن البلاء. وقد كنت أتوقع هذا؛ فالمعنويات كانت مرتفعة، والكفاءة القتالية جيدة، والتنسيق تاماً".

 

ـ قال أحد زملائك، في وداعك، بعد الإعلان عن تقاعدك: الأمير خالد لا يتقاعد، سوف يبقى عسكرياً، ولو في زِيٍّ مدني. ما هي مشاريعك للمستقبل، وأنت فريق أول ركن متقاعد؟ (يضحك الأمير مطولاً لدى سماع كلمة متقاعد) وأُضيف: لقد أمضيت حياتك كلها تقريباً في الخدمة العسكرية، وبلغت مركزاً لم يعرفه قائد عسكري عربي من قبْل. فهل يمكن أن تخطط لأيّ مشاريع أخرى، بعيداً عن المؤسسة العسكرية؟

ـ "أولاً، وبالنسبة إليّ شخصياً، ربما تقاعدت كقائد، ولكنني سأبقى حتى الممات مخلصاً ووفياً لربّي ووطني، وفي خدمة خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، الملك فهد. وسوف أكون موجوداً في استمرار لإعطاء أي استشارات تُطلب مني. حتى لو تقاعدت، فما زلت أحمل شرف تكريم الملك لي، في ترقيتي إلى رتبة الفريق الأول؛ ومن يصل إلى هذه الرتبة، لا يتم الاستغناء عن خدماته، بل يُستفاد من خبراته في مجالات عسكرية أو أي مجالات أخرى، ويظل دائماً في خدمة مليكه، وإذا تقاعد يظل جندياً. أمّا عن خططي للمستقبل، فأعتقد أنني أحتاج إلى "استراحة محارب"، ومع ذلك تبقى أمامي مسؤوليات ومهام لا بد أن أقوم بها. وبداية، أقول، وهذا ليس في معرض النقد، بل الحقيقة والواقع، إن الإعلام العربي ليس في قوة الإعلام الخارجي، وربما لا يصل إلى نسبة أكبر من خمسة بالمائة من قوة الإعلام الغربي. لذا، فمن الأمانة أن أستمر في إلقاء المحاضرات في المعاهد المختلفة في العالم الغربي، وأن أكتب عن كل ما من شأنه أن يبين ما فعلتْه القوات المشتركة، وتلاحم دولها في مسيرة الهدف الواحد، وهو تحرير الكويت، والجهد الجبار الذي بذلته القوات العربية المشاركة وقياداتها. والأهم من كل هذا، أن أُبين ماذا فعلتْ المملكة العربية السعودية على الصعيد اللوجستي، وماذا قدّمتْ للقوات المشتركة والقوات المتحالفة عموماً، والأمريكية من بينها؛ إذ إنه للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الأجنبية، تدخل الحرب، فتقوم الدول المضيفة بتأمين العمليات اللوجستية كاملة: ماء، طعام، مأوى، قطع غيار أحياناً، وسائل مواصلات، شراء سيارات. وكلها أشياء لو طُلبت من أي دولة، ربما باستثناء أمريكا، أن تؤمنها، بما فيها بريطانيا وفرنسـا، وفي فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر، لعجزتْ، "وإذا كان يسوّوها بسنة، بيعملوا زين". هذه الجهود لا بد من إظهارها وإعلانها والحديث عنها. وفي الحقيقة، قد أكُون دخيلاً على الكتابة، إلاّ أنني سأسعى إلى كتابة مذكراتي عن "عاصفة الصحراء"، التي قد تستغرق سنة أو أقلّ أو أكثر، لا أدري".

 

يتوقف الأمير خالد بن سلطان لحظات، تلمع عيناه بوداعة ظاهرة، قبل أن يتابع: "ولكن ما أفكر في تحقيقه، وهو أمر مهمّ جداً، أن أقوم بإنشاء مؤسسة خيرية، تضم جميع القادة العسكريين، الذين شاركوا في حرب تحرير الكويت، كأمناء فيه.، وتكُون مهمّتها العناية والرعاية، وصرْف المساعدات لكل أهالي الشهداء والقتلى، الذين سقطوا في حرب "عاصفة الصحراء"، وأن تُعنى وتساعد الجرحى والمعوقين، سواء كانوا من المملكة أو الكويت أو الولايات المتحدة أو نيجيريا أو السنغال. وربما للمرة الأولى في تاريخ المؤسسات الإنسانية والعسكرية، سوف ينضم إلى هؤلاء، المعاقون والجرحى وأهالي القتلى من العراقيين أيضاً، ولكن بعد انتهاء صدّام حسين، وليس قبله. وهذا ما أركّز عليه في الوقت الراهن، ويستهلك معظم وقتي".

 

ـ ولكن ماذا عن قيام جيش خليجي موحَّد؟ ألا ترى أن ما تحقق، ميدانياً وعلى الأرض، في أثناء الحرب، يمكِن أن يُستكمل، عبْر إنشاء هذا الجيش الدائم والموحد؟

ـ "أترك رأيي، في هذا المجال، إذا طُلب مِني لقادتي؛ فليس الإعلام هو مجال الحديث عنه. وما أستطيع قوله هو أن كل شيء ممكِن، والحمد لله يتوافر حالياً قادة يملكون من الحكمة، وبُعد النظر، ما يكفي لقيام قوة دفاعية تفي بالغرض".

 

ـ سؤال أخير عن الكويت ...

ـ ويقاطع الأمير خالد السؤال: "الكويت ... "ترى هي قريبة من القلب"".

 

ـ هل عرفت الكويت قبْل الاجتياح؟

ـ "أعرفها بقلبي. والحقيقة أخجل أن أقولها، ولكنها إرادة الله: أنا لم أزر الكويت في حياتي، ولكنني عرفتُ كثيراً من الكويتيين، وهم نِعم الرجال، ودخلتها، للمرة الأولى، يوم تحريرها، ثم زرتُها واجتمعتُ إلى قيادتها الحكيمة. الكويت قريبة من قلوبنا كلّنا في المملكة. ولكن الآن، وبعد تشريفي التاريخي بقيادة قوات التحرير، تحوّلتْ الكويت إلى قطعة كبيرة من قلبي وتاريخي".

ـــــــــــــــــــ