إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / الأحاديث الصحفية، التي أدلى بها، صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى:




مجلة المجالس، العدد 1338
مجلة الصقور
مجلة كلية الملك عبدالعزيز/42
الأمير و الجنود السعوديون
الأمير مع الأمير سلطان
الأمير مع خادم الحرمين
الأمير يهدي كتابه إلى السفير
الأمير خالد مع الشيخ جابر
الأمير خالد مع شوارتزكوف
الأمير في مسرح العمليات
الملك فهد يتفقد القوات
الملك فهد في حفر الباطن
حديث إلى مجلة الحوادث
حديث إلى مجلة كلية الملك عبدالغزيز
سمو الأمير خالد بن سلطان
صورة من مجلة المجالس
صورة من مجلة الرجل
صورة للأمير من مجلة الرجل
صورة للأمير خالد في مجلة الرجل
صورة للأمير، من مجلة الرجل
صورة لسفينة حربية سعودية
غلاف مجلة أكتوبر
غلاف مجلة الحوادث
غلاف مجلة الرجل
غلاف مجلة كلية الملك عبدالعزيز





حديث

إلى جريدة "الشرق الأوسط"

العدد 4741، الخميس

15 جمادى الأولى 1412، الموافق 21 نوفمبر 1991

ـــــــــــــــــــــــــ

الحرب .. ما قبلها، أثناءها، وما بعدها

في حديث لـ الشرق الأوسط مع الأمير خالد بن سلطان

تقاعدت قائداً كي أبقى جندياً

كتبت الحوار: هدى الحسيني

وصل الأمير خالد بن سلطان إلى لندن، من أجل أن يتقلد وساماً من رتبة فارس، من ملكة بريطانيا، قبل أن يتوجه، في الخامس من الشهر المقبل، إلى باريس، ليتسلم وساماً فرنسياً، وبعد ذلك، يستعد للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لإلقاء عدة محاضرات في جامعاتها. كان يتمنى ألاّ يتأخر عن تلبية دعوة كلية الأركان السعودية، التي طلبت منه إلقاء محاضرة فيها.

وفي المناسبة، تجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية، هي الدولة العربية الوحيدة، التي وجهت إلى قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، الأمير خالد بن سلطان، الدعوة لإلقاء محاضرة، بينما يستعد للتنقل في أوروبا وأمريكا، من أجل إلقاء ما يقارب خمس عشرة محاضرة.

في لندن، خطرت له فكرة إنشاء مؤسسة إنسانية، يكون مقرها في الرياض، ويتألف مجلس أمنائها من القادة العسكريين، الذين شاركوا في حرب الخليج. وتكون مهمتها الاهتمام، المعنوي والمادي، بعائلات الشهداء، والمعوقين، الذين أصيبوا في معركة تحرير الكويت. وقد تبرع، لتأسيسها بمبلغ مليوني دولار. وسيبدأ الاتصالات من أجل الانطلاق في هذه المؤسسة وإنجاحها. ويأمل أن تنفذ الشروط، التي تسمح بإلغاء المقاطعة للعراق، كي تهتم المؤسسة بعائلات الشهداء العراقيين أيضاً.

وكان اسم الجنرال الأمير، قد برز، قبل حرب تحرير الكويت وأثناءها، إلى جانب أسماء كبار الجنرالات الأجانب.

وفي لندن، عتب الأمير الجنرال على الإعلام العربي، الذي أصرّ، أثناء الاستعدادات لتحرير الكويت وإباء تحريرها، على ذكر اسمه، دون مهامه، "وكأنكم لم تصدقوا أن عربياً مسلماً، يستطيع أن يقوم بهذه المهام".

وسام الشرف برتبة فارس، الذي قلدته الملكة أليزابيث الثانية للأمير خالد، يعد الوسام الأرفع، بالنسبة إلى الأجانب، ونادراً ما يمنح. ومن الحاصلين عليه الجنرال الأمريكي نورمان شوارتزكوف، والرئيس الأمريكي رونالد ريجان.

عن الحرب، نبدأ الحديث مع الجنرال خالد بن سلطان، من لحظة تسلمه مهام التنسيق العسكري بين مئات الألوف من الجنود (950 ألفاً)، الذين كانوا ينتمون إلى عدة دول. فيقول إن مجرد التفكير في هذا العدد الضخم، ووجوده في بلد، لم يتعامل حتى في تدريب كتيبة واحدة، ليست تابعة له، يجعل الإنسان يتهيب الموقف. إذاً، كيف يكون الأمر عندما تتطلب المهمة أكثر من تجميع القوات في مسرح العمليات، بل تتطلب، كذلك، ألاّ تتعارض تصرفات هذه القوات مع العادات والتقاليد، خاصة أن هذه القوات، أتت إلى بلد هو قِبلة المسلمين، ويضم مقدساتهم؟ "لم يراودني رفض هذه المهمة ولو للحظة واحدة. فقد أقسمت على القرآن الكريم، أن أؤدي الأمانة، حتى لو استشهدت. وقد كنت مستعداً لذلك. لكن المفاجأة كانت في أن المواجهة هي مع العراق، إذ لم يكن الأمر وارداً، كما قال الملك فهد بن عبد العزيز، أن يكون العدو هو العراق؛ فالمملكة والكويت ربتا الجيش العراقي، حتى اشتد عوده، فإذا به يحتل الكويت، ويهدد المملكة. وأمام هذا الفرق الهائل، بين عدد القوات والعدد المواجه، كان أول قرار اتخذ، أنه في حال قيام العراقيين بهجوم، تنقل القيادة من الرياض إلى رأس مشعاب فوراً، وتلتزم القوات كلها بعدم الانسحاب من رأس مشعاب، حتى آخر جندي".

 

ولكن، هل كانت الحرب ستقوم، لو أن صدام حسين أمر قواته بالدخول إلى منطقة النفط في المملكة؟ وزير الدفاع الأمريكي، ريتشارد تشيني، كان قد قال إنه لو حصل هذا الأمر، لتغير الوضع، ولربما طالت المفاوضات، وتأخـر نشـوب الحرب، أو لأخذت مساراً آخر.

 

خالد بن سلطان، يستبعد هذا الأمر، لأن الحرب كانت ستقوم، كما يقول، وستنتهي بالانتصـار، إنمـا بخسـائر أكثر: "احتلال موقع حساس، لا يعني حسم الأمور لمصلحة المحتل، لأن أمامه كيفية المحافظة عليه". كمـا حصـل في مدينة الخفجي؟ يجيب: كلا. ويضيف الأمير خالد، ،ن من حسن الحظ في معركة الخفجي، أن صدام حسين خطط لها، فبرز "جهله برسم الخطط العسكرية. لقد كانت الخفجي منطقة خالية، ولا أهمية عسكرية لها، كنا نتوقع أن يشن هجوماً عليها، ولهذا، أخليناها من سكانها، من طريق البر ومن طريق إرسال السفن لنقلهم. لكن احتلال أرض سعودية، ليس بالبساطة التي تصورها صدام. وقد نفذنا الخطة، وأدركت أنه وقع في مصيدة. لم يكن في استطاعة أحد الخروج أو الدخول. كان المهم، في نظري، توقيت دخول قواتنا، مع أقل الخسائر. لو أطلنا الانتظار، لكانت الخسائر أقلْ. لكن من أجل أن تظل الحالة النفسية عند جنودنا مرتفعة، وبسبب "البروباجندا"، التي طبّل لها صدام حسين، قررت الدخول. انتظرنا، عن قصد، يوماً قبل صد الهجوم. وقد استفدنا كثيراً من هذا اليوم، إذ إنه حرك قواته المحصنة من الكويت في باتجاه الخفجي. وأثناء تحركها، حطمنا ثلاث فرق. ولم نتأكد من عدد الخسائر، لأنها سقطت داخل الكويت، وأمام حفر الباطن، إذ إنه حرك فرقتين من أمام حفر الباطن، وفرقتين من جنوب مدينة الكويت.

 

بعد انتهاء المعركة، أعطينا الأعداد الحقيقية للخسائر، منذ البداية، وكان القرار، أن لا نذكر أي عدد من الخسائر، إذا لم نكن متأكدين تماماً من الرقم. وهذا لم يحصل أبداً في حرب  الشرق الأوسط".

 

ورداً على السؤال التالي: إنه في حرب المائة ساعة، كان من المفروض، أن تبدأ الهجوم القوات الخليجية والعربية، لكن حصل تغيير فوري، للحظة، ولم تكونوا أنتم البادئين! يقول الأمير خالد بن سلطان: "هذا ليس صحيحاً، الخطة كانت بالدخول في آن واحد، إنما مع اختلاف في الساعات، بسبب طوبوغرافية الأرض. فأخرنا قوات عن قوات، لكن خططنا الدخول واحتواء الكويت لكل من الخفجي إلى رفحة. ومن المستحيل تغيير خطة عسكرية في آخر لحظة، وهناك 750 ألف جندي".

وفي الكتاب، الذي يعدّه الأمير خالد بن سلطان حول حرب تحرير الكويت، يذكر عدد الخطط العسكرية، التي أعدت، ثم تم تغييرها. لكنه يقول، في حديثه إلى "الشرق الأوسط"، إن كل خطة تبدأ بعشرات التصورات، ترسم على الورق وتمزق: "الخطط والخرائط العسكرية، كانت بيتي وكانت عائلتي". وأتوقف عند ذكر العائلة، فيؤكد الأمير، أنه كان يتصل هاتفياً بعائلته، كل يوم، ليطمئن إليها، وكان يمر، في الأسبوع، ساعة واحدة لرؤية أولاده، فهو مع اهتمامه بتفاصيل الحرب، وتوزيع القوات، كان يسمح لنفسه أن يشتاق إلى الذين يحبونه، وهم أفراد عائلته.

وتنتهي الحرب، ويذهب الجنرال خالد بن سلطان، والجنرال نورمان شوارتزكوف إلى لقاء قادة عسكريين عراقيين، في خيمة صفوان، فوق الأراضي العراقية. عندما دخل الجميع، أغلقت الخيمة، وسط حراسة مشددة. وظل السؤال عن الذي حصل في داخلها. يجيبني: "التفاصيل وضعتها في كتابي"... ويضيف أنه لا يستطيع أن يزيد على الذي قيل أثناءها: "لم نذهب للمناقشة، توجهنا لنكرر ما قلناه، ولنسمع نعم التنفيذ من قبل الطرف العراقي. ذهبنا لتحديد عدة نقاط، وتنظيم وجود القوات العراقية في المنطقة، التي كنا قد احتويناها، في البصرة وما يحيط بها، ومن أجل تثبيت وقف إطلاق النار، وكي نطّلع من الطرف العراقي على الأشراك الخداعية والألغام المزروعة وخرائطها. وأخذنا كل ما طلبناه. كما أبلغناهم عد الأسرى وكيفية تبادلهم، وما زالت عملية التبادل مستمرة حتى الآن.

 

كلا، عندما دخلنا الخيمة، أنا لم أصافح الوفد العراقي، لم يتبادل أفراد الطرفين المصافحة، إنما في النهاية، وقبل عودتهم إلى العراق، أدوا التحية العسكرية، فرددت بتحية عسكرية".

 

وهل كان أمر وضع شروط وقف إطلاق النار مع دولة عربية، سهلاً؟ يقول الأمير السعودي: "نقطة الضعف الوحيدة، التي آلمتني، منذ بداية الحرب حتى نهايتها، أن الذي اعتدى عليّ، هو عربي شقيق ساعدته على محنته، أعرف علاقة صدام حسين بالملك فهد. وأعرف علاقة الملك فهد بشعب العراق ومحبته لهم. أعرف محبتي أنا لشعب العراق".

 

وماذا عن صدام حسين؟ هل استمرار بقائه، تم على أساس أن "الشر، الذي تعرفه، أفضل من الخير الذي تتعرف عليه" ويشير الأمير خالد إلى أن الإجابة عن هذا السؤال، ليست من اختصاصه، بل من اختصاص السياسيين. ويذكر بأن مهمة العسكريين، جاءت تنفيذاً لقرار من مجلس الأمن، وكانت تحرير الكويت، وليس إسقاط صدام. ومن ناحية أخرى، إن المبدأ الذي تسير عليه المملكة باستمرار، هو عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. وصدام هو رئيس عراقي، إذا أراده الشعب العراقي، فإننا نحترم خيار الشعب. وإذا رفضه، فإن الأمر من مسؤوليته، أمر إسقاطه. "وأنا مع أن يرفضه الشعب العراقي. ويبقى أن أؤكد أنني أتكلم بصفتي الشخصية".

 

وماذا عن محاولة اغتيال صدام حسين، أثناء الحرب، كما قال العسكريون الأمريكيون؟ يقول الأمير خالد بن سلطان: "تم قصف قافلة من السيارات (كارافان)، في إحدى المرات، ويقال أن صداماً كان في إحداها، ونجا. أنا أظن أن احتمال وجوده في السيارة قليل جداً، لأنه من النوع الجبان، إذ ظل بين المدنيين، لأنه كان متأكداً أننا لن نضرب المدنيين". ويضيف قائلا: "إن تلك الحرب، كانت حرب التناقضات، فهي كانت أنظف حرب من ناحية القوات المشـتركة، إذ لم نقصـف غير المناطق العسكرية على الرغم من أن طائراتنا تعرضت للخطر، إذ أن صداماً، نشر المدافع المضادة للطائرات فوق سطوح البنايات المدنية، ولكننا لم نقصفها.

 

ومن ناحية أخرى، كانت الحرب من الأقذر، لأن ما فعله صدام بشعبه وبالكويت، البلد والشعب، من أفظع الأمور".

 

وينفي الأمير خالد بن سلطان أنه تم بحث الدخول إلى بغداد. فهو، أولاً، كان ضد فكرة الدخول إلى بغداد، منذ البداية. وكان الجنرال شوارتزكوف، يشاطره التفكير، وكذلك الجنرال دو لابليير. لا بل أضاف قراراً إلى قرارات عسكرية أخرى، وكان قراره عدم الدخول إلى أي قرية أو مدينة عراقية، والاكتفاء بتطويقها عسكرياً، وترك أهلها وشؤونهم، والسبب، كما يوضح: "أن مهمتي لا تنتهي الآن، بل تمتد إلى سنوات بعيدة. فأنا أتمنى أن يلعب ابني مع طفل عراقي، وأن يصافح ويدرس مع شاب عراقي، عندما يكبر". ويعرف الأمير الجنرال، أن الشعب العراقي، كان يرغب في دخول القوات المشتركة، ووصولها حتى بغداد، من أجل إسقاط صدام، لكنه يؤكد أن الدخول، الذي لم يكن مطروحاً، لو تم، لوقعت مجازر، ثم إنه يؤمن بمبدأ المملكة، تْرك العراق وحكومة العراق لشعب العراق.

 

ويستعيد العادات والتقاليد العربية، ويتذكر كيف، وهو صغير، كان يذهب إلى الصيد في العراق، في مناطق متاخمة للمملكة، حيث التقاليد هي نفسها والعادات كذلك. ثم "إن محبتنا لشعب العراق، لم تتغير. ونعرف أنه إذا أخلّينا بالتقاليد، فلن يغفر لنا الشعب ذلك، ولهذا كانت مهمتنا أيضاً حماية العراقيين في المناطق، التي شملتها الحرب. أكرمناهم إلى درجة أنهم تألموا عندما انسحبنا. وما آلمنا نحن، هو أن صدام حسين خان شعبه. طموحاته الشخصية دمرت شعبه. أحاول كثيراً أن أحلل الأسباب، التي دفعته إلى غزو الكويت، وتهديد الخليج، فأجد أنه لا يعرف كيف يسير العالم. صدّق الذين جعلهم حوله ويعدون كلامه درراً، فاعتقد أن أعماله حق، لا يمكن للعالم أن يستوعبها، إلى درجة أنه ظن بأن العالم سيسكت عن احتلاله للكويت.

 

لقد كان يعتقد أنه كلما ازداد عدد القوات المشتركة، صعب التنسيق، وازدادت الخلافات، وتفرقت الكلمة. وضع نصب عينيه ما جرى في حروب 1948و1956و1967 و 1973، حين اختلفت الدول في ما بينها، على قلة عددها، إذاً، كيف يكون الأمر بمشاركة برية من 24 دولة، ومشاركة شاملة من 37 دولة!".

 

وماذا لو استعمل صدام حسين أسلحته الكيماوية؟ يجيب الأمير بأن الأسلحة، ما كان في استطاعتها أن تصل بقوة مدمرة. ثم "لأنه جبان، ويخاف على نفسه، ويعرف أنه إذا استعمل هذه الأسلحة، سيكون الرد عليه قاسياً، ويؤدي إلى قتل جماعي، فيفقد هو حياته". ويضيف الأمير أنه لو قامت القوات المشتركة بالهجوم، لكان صدام حسين استعمل الغازات السامة، عبر المدفعية وصواريخ فروج، وليس بالطائرات لأنه تم القضاء على الطيران العراقي، منذ اللحظة الأولى للحرب الجوية.

 

وعن نتائج الغارات، التي قامت بها طائرات القوات المشتركة، وما إذا أدت بالقوات العراقية إلى ترك خنادقها، والاستسلام، يوضح الأمير أن التحصينات والخنادق، التي أقامها صدام حسين لجيشه، كانت لغرضين أهمها: "ألاّ تستطيع قواته العبور مستسلمة لنا. وكنا أثناء الحرب النفسية نفكر في كيفية فتح ثغرات، تسمح لهذه القوات بالعبور، لكن تطور الأوضاع، كان أسرع من رسم خطط لاستسلام الجيش العراقي.

 

أثناء الحرب، كنا نعرف نقاط ضعفنا ونقاط قوّتنا. لو قمنا، منذ البداية بالهجوم البري، لتكبدنا خسائر كبيرة، فقواته أكثر عدداً من قواتنا. لذا، قمنا بالحرب الجوية، التي استمرت أكثر من خمسة أسابيع. ولو لم تكن القوات جاهزة للتحرك، كانت الخطة تسمح بأن نستمر في الغارات الجوية لمدة شهر وشهرين. وعندما اكتفينا بخمسة أسابيع، واجهنا أزمة كيفية تصريف المحروقات المخزونة لدينا".

 

ويتوقف قليلاً، عند الحديث عن الحرب الجوية، التي كان يمكنها أن تؤدي المهام كلها، لو سحب صدام حسين قواته، ضمن المهلة التي حددت له. لكن، عندما رفض وبما إن القوات الجوية لا تستطيع السيطرة على الأرض، تحركت القوات البرية.

 

ونسأل الأمير، هل صحيح أن القوات المشتركة، سمحت للحرس الجمهوري العراقي بالانسحاب مع أسلحته من الكويت، بسبب دخول قوات إيرانية إلى جنوبي العراق، وصل عددها إلى 30 ألف جندي إيراني؟ يجيب بأن لا علم له بالدخول الإيراني. والحرس الجمهوري، انسحب عندما طلبت منه القيادة العراقية الانسحاب. وانسحبت القوات من دون أسلحتها. وذلك قبل التفاف القوات المشتركة.

 

وبعد سؤاله ما إذا كانت القوات، الأمريكية والفرنسية والبريطانية، دخلت إلى العراق من دون إعلان ذلك، قبل البدء بتنفيذ الخطة؟ يقول الأمير خالد إنه يفضل ترك التفاصيل، ليشرحها في كتابه.

 

ويذكر الفريق الركن خالد بن سلطان بالتمرينات، التي قامت بها القوات البرمائية في عُمان، مما جعـل صدام حسـين، يترك ثلاث فِرق من قواته في مواجهة البحر. "في الوقت نفسه، قمنا بتحريك القوات، التي في أقصى الغرب، مع القوات، التي في أقصى الشرق. وتركنا القوات، التي في الوسط، على حالها. وبعد حوالي 12 ساعة. بدأنا بالهجوم".

 

فيما يتعلق بالعراق، يؤكد الأمير خالد بن سلطان، أن المملكة ضد تقسيم العراق. ويصر بين وقت وآخر، على القول إنه يتكلم بصفته الشخصية، كقائد متقاعد، وإنه لا علاقة له بالسياسة ولا بالعسكرية ولا باتخاذ القرارات.

 

ونسأله إذا كان على علم بما يعانيه الشعب العراقي، بسبب المقاطعة الاقتصادية، وإذا كان هناك حل آخر، غير إسقاط صدام حسين؟ فيجيب: "أنا لا أعرف حلاً لإنهاء معاناة الشعب العراقي ولا للقضاء على ذلك الطاغية. المشكلة أنه إذا رفع الحصار، من يضمن أنه لن يجلب الأسلحة؟ أو إذا جلب الغذاء، من يضمن أن يستفيد منه الشعب العراقي كله، وليس المقربين من صدام فقط؟ لكن ماذا نستطيع أمام هذه المعاناة؟ إنها حكمة الله".

 

عن تحرير مدينة الكويت ودولة الكويت، يقول الأمير خالد بن سلطان: كثيرون تكلموا عن الذين دخلوا الكويت وساهموا في تحريرها، وعن الذين لم يدخلوها. للحقيقة وللتاريخ، واضطلاعاً بأمانة القائد، واستبعاداً للّبس في من حرر مدينة الكويت، أوضح أننا شكلنا ما أسميناه "قوة واجب".  انطلقت إحدى فرقها من جنوب مدينة الكويت، وأخرى من غربها، وشكلت فرقها من قوات مختلطة تمثل كل الدول المشاركة في الحرب، ودخلتاها في وقت واحد. ولهذا يحق للجميع، أن يفتخروا بمشاركتهم في تحرير الكويت.

 

عن الحملة التي يشنها على المملكة العربية السعودية بين الحين والآخر، بعض الأقلام الأجنبية، يذكرنا الأمير بإسرائيل وبأن بقاءها يعود إلى مساندة أمريكا لها، حرصاً من واشنطن على المنطقة. وفجأة، ترى أمامها دولة، تستطيع، بعقلانية وحق، أن تحافظ على الأمن، ليس داخل حدودها فقط، إنما في منطقـة الشرق الأوسط. "إن النجـاح الذي حصل، والعمل العظيم الذي قامت به المملكة اثبتا فاعلية التفاهم العربي ـ الأمريكي، فتضاءلت أهمية اللوبي الإسرائيلي. وأنا أعتقـد أن الحملة، التي تشـن على المملكة، بين الحين والآخر، هي خطـة ذكية لمحترفين من اللوبي الصـهيوني، تتوخى التشكيك في مقدرة المملكة في نظر الرأي العام الأمريكي، كي تأتي قرارات الإدارة الأمريكية مبنية على رأي الشعب الأمريكي".

ويضيف الأمير خالد، أن الكونجرس الأمريكي، صار يتفهم الوضع السعودي ولكن ليس بالمستوى اللازم. ويشير إلى أن قوة اللوبي الصهيوني، سببها ضعف الصوت العربي في المحافل الأمريكية.

 

في خصوص الجنرال السير بيتر دو لابليير، يؤكد الأمير خالد أنه صديقه، وأن الجنرال البريطاني، أصر على أن ينام سمو الأمير في بيته الريفي. كما أن فرح دو لابليير فاق فرح الأمير نفسه، عندما قامت الملكة إليزابيث الثانية بتقليد سموّه وسام الشرف برتبة فارس.

 

ونسأل الأمير ما إذا كان آثر أن يتقاعد تيمناً بالجنرالين شورارتزكوف ودو لابليير؟ فنفى ذلك قائلاً: "أنا في حياتي لم أقلد أحداً، والكلام الكثير الذي تردد، بعد تقاعدي، سببه أننا في العالم العربي، لم نتعود بعد أن يقوم إنسان، بعد أداء مهمته، بتأدية التحية، ومغادرة الحلبة؛ ويستمر في الوقت نفسه جندياً وخادماً أميناً لمليكه ووطنه. هذا أنا. فإذا استدعيت لخدمة بلدي، فأنا خادم مطيع. أنا تقاعدت كقائد، وأصبحت جندياً.

 

الآن أشعر أنه من واجبي إعطاء المحاضرات، وكتابة الشؤون العسكرية، لإبراز دور قيادة القـوات المشـتركة. مع الإشارة إلى أن الإعلام العربي، قلّل من قيمة القيادة ربما لعدم خبرته."

 

الآن، الأمير منصرف إلى إتمام تأليف كتابه عن حرب الخليج، ثم إلى تأسيس مؤسسة خيرية، يتكون مجلس أمنائها من كل القادة العسكريين، الذين شاركوا في حرب الخليج، ابتداء من شوارتزكوف ودو لابليير، حتى قائدَي القوات النيجيرية والسنغالية، من أجل الاهتمام بعائلات الشهداء والمعوقين، الذين شاركوا في حرب الخليج، من كل الجيوش، دون أي فرق بين الجندي السعودي والجندي الفرنسي أو المصري أو السوري. و"اليوم، قمت شخصياً بالتبرع بمبلغ مليوني دولار لهذه المؤسسة، وأنا متأكد أن الغرف التجارية، والدول كلها، ستتبرع لهذه المؤسسة. ونأمل أن تتحقق الشروط لفك الحصار عن العراق، كي نضيف أيضاً كل عائلات الشهداء والمعوقين العراقيين. وهذه المؤسسة هي، الآن أهم شيء في حياتي. وبعد أخذ الموافقة، أرجو أن يكون مقرها في الرياض. وسيكون لها مكاتب في كل أنحاء العالم".

 

عن الصفات التي جمعته مع بقية القادة العسكريين، الذين شاركوا في حرب الخليج، قال: "الحرص على أداء المهمة باحتراف، هو الذي جمعنا، والاحترام لعاداتنا وتقاليدنا، وإحساس كل واحد منا، ولا سيما شوارتزكوف، الذي كان يقاسمني المسؤولية العسكرية، بأن الحمل الثقيل، الذي منحنا شرف حمله، لا يسمح لنا بأي اختلاف، لأنه ممكن أن يسبب كارثة. ويقولون إن أقوى صداقة هي صداقة الحرب. جمعتنا الصداقة المخلصة. وقد لاحظت أن الجنرال دو لابليير كان يكتب، يومياً، أثناء الحرب رسالة إلى زوجته". وعن الوسام البريطاني، يقول الأمير القائد إنه يعده "شرفاً عظيماً" وإنه بتسلمه الوسام، "كان يمثل الملايين من الشباب العربي".

 

بعد القيادة، وخوض غمار الحرب، والوصول إلى التقاعد، لا بد أن نسأل من كان وراء اعتناقه الجندية؟ يوضح الأمير خالد بن سلطان، أنه يشعر وكأن الله ـ سبحانه وتعالىـ  أعده الإعداد الذي أهّله لتسلّم المسؤولية الكبيرة. ويؤكد أن الفضل الأول والأخير في اختياره العمل العسكري، يعود إلى والده، الأمير سلطان بن عبدالعزيز. بعد وصوله إلى شهادة الكفاءة في الدراسة، أراد أن يدخل الكلية العسكرية، فمنعه الأمير سلطان ريثما يحصل على التوجيهية. بعد ذلك، سأله والده إذا كان مصرّاً على خياره. فكان جوابه أنه يريد التوجه إلى كلية ساندهيرست حيث بدأ من القاعدة، كجندي، متزوداً بنصيحة والده، بعدم العودة إذا لم يتخرج في ساندهيرست. ولما عاد إلى المملكة، كان يحمل رتبة ملازم ثانٍ، وأقدميّة سنة واحدة فقط. وبينما حمل زملاؤه رتبة ملازم أول. ثم دخل الدفاع الجوي، الذي كان ضمن القوات البرية؛ والقائد في الحروب، هو قائد القوات البرية، فكان لا بد له من دراسة القوات البرية أيضاً. في الوقت نفسه، كان الدفاع الجوي مرتبطاً، عملياً بالقوات الجوية، وكان موجوداً في البحرية. وهكذا اضطر الشاب المتخرج حديثاً إلى دخول كلية قيادة الأركان البرية، التي تعادل الماجستير، ثم دخل كلية الحرب ـ قوات جوية، فإدارة الدفاع الدولي في البحرية. وفي الوقت عينه عمد إلى الدراسة الليلية، حتى حصل على الماجستير في العلوم السياسية. ويقول، بعد أن يشكر الله ـ جل وعلا ـ الذي أعده للوصول إلى منصب القيادة إن الفضل يعود إلى الملك فهد، الذي اختاره، "فلولا جلالته، لكان الناس يتحدثون عن شخص قائد آخر غيره". لكنه يؤكد أن الغرور لم يزره إطلاقاً، فلم يتغير طبعه. وهو "قبل الحرب وأثناءها وبعدها ما زال يشعر أنه من السعداء في هذا العالم".             

ـــــــــــــــــــ