إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / الأحاديث الصحفية، التي أدلى بها، صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى:




مجلة المجالس، العدد 1338
مجلة الصقور
مجلة كلية الملك عبدالعزيز/42
الأمير و الجنود السعوديون
الأمير مع الأمير سلطان
الأمير مع خادم الحرمين
الأمير يهدي كتابه إلى السفير
الأمير خالد مع الشيخ جابر
الأمير خالد مع شوارتزكوف
الأمير في مسرح العمليات
الملك فهد يتفقد القوات
الملك فهد في حفر الباطن
حديث إلى مجلة الحوادث
حديث إلى مجلة كلية الملك عبدالغزيز
سمو الأمير خالد بن سلطان
صورة من مجلة المجالس
صورة من مجلة الرجل
صورة للأمير من مجلة الرجل
صورة للأمير خالد في مجلة الرجل
صورة للأمير، من مجلة الرجل
صورة لسفينة حربية سعودية
غلاف مجلة أكتوبر
غلاف مجلة الحوادث
غلاف مجلة الرجل
غلاف مجلة كلية الملك عبدالعزيز





حديث

إلــى مجلة "أكتــــوبر"

القاهرة، الأحد، 12 يناير 1992

ـــــــــــــ

بعد عام على

"عاصفة الصحراء"

الأمير خالد، قائد القوات المشتركة يتذكّر:

قررت عدم زيارة الأسْـرى العراقيين، لأنني لم أتحمل مشاهدَ الذلِّ والانكسار!

أجرت الحوار: مريم روبين

(العناوين)

* في يوم 17 يناير، تستكمل "عاصفة الصحراء" عامها الأول.

* مَن الذي أصدر قرار الحرب؟ كيف تمّ تحديد هذا اليوم؟ لماذا كان الهجـوم الجـوي أولاً؟ ولماذا لم يستمر شهرين، كما كان مقرراً؟ ما هي أصعب المواقف التي جرت خلال هذه الحرب؟

* أسئلة كثيرة، يُجيب عنها الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان، الذي تولَّى مع الجنرال شوارتزكوف قيادة قوات 37 دولة، لم يسبق أن اجتمعت في مساحة محدودة، كما حدث في مثل هذه الأيام، منذ سنة واحدة.

* إن كلَّ قرارات الحرب وأوامرها العسكرية، حملت توقيعَيْن: توقيع خالد بن سلطان، وتوقيع شوارتزكوف.

* وقد خلع الأمير خالد رداءه العسكري، وطلب التقاعد ... لماذا؟

 في صراحة تامة، أجاب الأمير خالد عن كل ما وجهته "أكتوبر" من أسئلة. وهذا هو نص الحوار:

 

ـ هل كنت، في بداية الأزمة، تتوقع وقوع الحرب؟

ـ "كل الاحتمالات، بعد اجتياح الكويت، كانت واردة. إلاّ أنني لم أكُن أتصور حدوث ما حدث، إلى أن اتّخذ خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، ما أُسميه دائماً، أعظم قرار تاريخي، بدعوة الدول الشقيقة والصديقة. ولو تردَّد جلالته يوماً واحداً، لتغيّر الموقف تماماً".

ـ هل كان اختياركم قائداً للقوات المشتركة ومسرح العمليات مفاجأة لكم؟ أو كنتم تتوقعونه؟

ـ "بصراحة، كنت أتوقعه، ليس من باب الغرور. فلو عُدْنا إلى تسلسل الأحداث، فسنجد أنه كان هناك تفكير في وجود قيادتين منفصلتين. ولكن لكثرة الأعداد وتعدّد جنسياتها، اتّجه التفكير إلى تكوين قيادة مشتركة مسؤولة عن كل القوات المشاركة، باستثناء القوات الأمريكية. وكان ضرورياً لتحقيق ذلك اختيار قائد سعودي. وقد رُشِّحَ بالفعل خمسة من القادة السعوديين الأكفاء، كنت واحداً منهم. ومع تقديري الكامل لكل الزملاء، الذين رُشحوا، فإنني توقعتُ أن يقع الاختيار عليَّ، وهو ما حدث.

 

ـ هل لهذا التوقع أسبابه؟

ـ "أولاً، لأنني درستُ في كلية ساندهيرست، وبداية حياتي العملية العسكرية، كانت في سلاح الدفاع الجوي، مما جعلني مُلمّاً بنوعيات الأسلحة المختلفة، وجميع العمليات في القوات الجوية؛ فالدفاع الجوي موجود في جميع الأسلحة المختلفة. كما يدعم اختياري لهذه المهمّة مؤهلاتي ودراساتي العلمية، التي حصلتُ عليها طوال الإثني عشر عاماً الماضية. فقد حصلت على ماجستير من كلية قيادة والأركان العامة. كذلك درستُ في كلية الحرب الجوية، وهي تعادل درجة الدكتوراه في القوات الجوية. كما حصلت على دورة "إدارة الشؤون الدفاعية الدولية" من معهد الدراسات البحرية، في مونتريه، إضافة إلى مجال عملي الأساسي في قيادة قوات الدفاع الجوي، وحصلتُ أيضاً على ماجستير في العلوم السياسية والإدارية. فجميع المؤهلات العلمية والدراسة العليا كانت تجعلني أتوقع أن يختارني خادم الحرمَيْن الشريفَيْن لتنفيذ هذه المهمة".

 

حرب مختلفة، وفريدة

ـ ولكن رغم توقعاتك لهذه المهمة، أَلَمْ تشعر بخطر الدَّور الذي ستقوم به، بعد الاختيار؟

ـ "هذا كلام صحيح. فالحروب، عادة، يقودها قائد واحد، وهو ما كان مختلفاً عن هذه الحرب، التي كان لها قائدان: شوارتزكوف وأنا. وقد كانت مشكلتي، التي استولت على تفكيري، إضافة إلى مشاكل القيادة والسيطرة، هي كيفية تقليل الخسائر، ليس بالنسبة إلى القوات التي أقودها فقط، ولكن بالنسبة إلى خسائر الشعب العراقـي البشـرية أيضاً. فالشعور، بالفعل، كان صعباً أن أحارب، كعربي، جيشاً عربياً. إضافة إلى ذلك، فإن مجرد التفكير في وجود العدد الضخم من القوات في بلد، لم يشترك حتى في تدريب مشترك مع كتيبة واحدة من قوات مسلحة أخرى، هو أمرٌ يجعل أي قائد يتهيّب الموقف. لقد كان الأمر يتطلب تجميع هذا العدد الضخم من القوات في مسرح للعمليات، تجميعاً لا يحدِث معه تعارض في تصرفات هذه القوات مع العادات والتقاليد المعروفة في بلد، هو قِبلة المسلمين، ويضم مقدساتهم. حقيقة، إنها مهمّة لم يُكلَّف بها أحد من قبْل، فلم يحدُث أن اجتمع في رقعة محدودة هذا العدد الضخم من جنود 37 دولة".

ـ عايشتم قرارات صعبة عديدة ... ما هو أصعب هذه القرارات، من وجهة نظركم؟

ـ "أصعبها، بالتأكيد، كان قرار الحرب، لأننا كنّا نعرف، عن يقين، فداحة الثمن، الذي سوف يدفعه شعب العراق الشـقيق، بسبب جريمة لا يد له فيها، دفعها إليها رغبة حاكم طاغية، تُحركه أطماعه".

ـ مَن الذي اتّخذ هذا القرار: قرار الحرب؟

ـ "اتّخذه خادم الحرمين والرئيس الأمريكي، جورج بوش، بعد أن فشلت جميع المحاولات السياسية لإقناع صدّام بالخـروج سلماً من الكويت".

ـ مَن الذي حدد يوم 17 يناير موعداً لبدء الهجوم الجوي؟

ـ "القرار تمّ اتّخاذه بعد مناقشات جماعية، شاركت فيها مع جميع القادة العسكريين، وبعد موافقة خادم الحرمَيْن الشريفَيْن والرئيس بوش. وقد اعتمد التوقيت على دراسات وتحليلات وعناصر عدة، أهمها عنصر المفاجأة، لأن صدّام كان يتوقع أن يبدأ الهجوم بعد أسبوعين أو ثلاثة من نهاية الإنذار الأمريكي".

ـ كيف أمضيتَ الساعات السابقة على الحرب؟

ـ "تعمدتُ ألاّ يتغير برنامجي اليومي المعتاد، وألاّ يتنبّه أحد من زملائي، الذين يعملون معي، إلى أن حرب التحرير سوف تبدأ خلال ساعات. فقد تعمدتُ ممارسة التدريبات الرياضية اليومية في غرفة الرياضة (جمنزيوم) المجاورة لمكتبي، كما قطعتُ أكثر من ثمانية كيلومترات في رياضة المشي، بدلاً من الكيلومترات الثلاثة، التي كنت أقطعها يومياً. وزيادة في التمويه، حرِصتُ على تناول العشاء مع أصدقائي في مكتبي، قبْل بدء الحرب بساعات، ولم أتركهم إلاّ عندما دخلتُ حجرة النوم "بحجة النوم". إلاّ أنني لم أذق طعم النوم في تلك الليلة، فقد تلقيتُ مكالمة هاتفية من خادم الحرمين، أوضحت لجلالته فيها آخر التقارير العسكرية، فقال: "على بركة الله، والله ينصركم ويوفقكم". وعند منتصف الليل، خرجت من غرفة نومي إلى مكتبي، طالباً استدعاء جميع الضباط، الذين لم يكونوا، وقتئذ، في الخدمة. وفي الساعة الثانية من صباح الخميس، التقيت شوارتزكوف، بالأحضان، لنتوجّه معاً إلى "غرفة الحرب" المُعَّدة تحت الأرض، في مبنى القيادة".

ـ ما هو أول هدف عسكري عراقي تمّ تدميره؟ ومتى؟

ـ "أول هجوم على هدف عسكري عراقي، كان على محطة رادار، في جنوب غربي العراق. تمّ تدميرها في الساعة الثالثة إلا خمس دقائق، فجر الخميس 17 يناير، بتوقيت العراق".

ـ ما هو الموقف الحرِج أو الصعب، الذي عايشتموه خلال حرب التحرير؟

ـ "ما حدث في الخفجي، لم يكن موقفاً حرِجاً، بقدر ما كان صعباً، لأنني أدركت أنه إذا فشلت عملية استعادتنا لها، فسوف يُربِك ذلك باقي القوات. وعلى كلٍّ، أنا لا أستطيع، حالياً، أن أُحدد أصعب المواقف، إلاّ عندما أستجمع أفكاري، وأصبّها في كتابي، الذي بدأت في إعداده منذ أيام، والذي سيتضمن تفاصيل التجربة كما عايشتها".

ـ أعلنتَ أكثر من مرة أن معركة الخفجي كانت تاريخية ... لماذا؟

ـ "الخفجي من المحطات المهمة جداً في تاريخ حرب التحرير. ومهْما استرسلت في الحديث عنها، فلن أكُون قادراً على التعبير عن مدى أهميتها وخطرها؛ فهي أكبر معركة واجهتْ المملكة العربية السعودية، وكانت البداية الحقيقية للمعارك البرّية لقواتنا جميعهاً، كما كانت اختباراً لقدرة القيادة والسيطرة والاتصالات لقوات الدول المشاركة، واستُخدمتْ في هذه المعركة أسلحة ووحدات من القوات الجوية والبحرية والبرية. وتُعد هي حرب معنويات، أراد صدّام حسين أن يستخدمها في حرب نفسية ضد قوات التحالف، لأنه لا يمكِن الاستفادة منها، من الوجهة العسكرية. فهي، كمدينة، كان قد سبق إخلاؤها تماماً، بأوامر أصدرتها، في 16 أغسطس 1990، لأنها كانت في مرمى نيران مدفعية وصواريخ المعتدي، وكانت الأوامر حتى لوحدات الاستطلاع ألاّ تبقى في المدينة، بل عليها أن تجمع المعلومات وتعود بعد تنفيذ مهمتها. وكان أحد الاحتمالات التي وضعتُها في حسابي، أن يهاجم صدّام الخفجي. وكنت أدرك، أيضاً، أنه إذا استطاع البقاء فيها فترة أطول، ربما أدّى هذا إلى تحطيم معنويات القوات المشتركة، وإلى زرْع الشكوك بين هذه القوات في قدرتنا على إدارة حرب تحرير الكويت. وحوّل صدّام بنفسه المنطقة، ما بين الكويت والخفجي، إلى منطقة "قتْل" لقواته، واعتقد أنه سيطر على المدينة، وبدأ يدفع بقواته، بعد أن أخرجها من خنادقها الحصينة ومواقعها المحمية، في اتجاه الخفجي، فصارت مكشوفة، مما أعطاني الفرصة لأن أستخدم القوات الجوية ضدها، وحدّدت الأهداف، منذ البداية، ودمّرت القوات المتحالفة، على الأقلّ، ثلاث فِرق من فرق المعتدي. ولم تكشف معركة الخفجي فقط عن أن معلومات استخبارات صدّام عن الخفجي، هي شبه معدومة، بل كشفتْ عن مدى جهله بالمبادئ العسكرية الأساسية، لأنني لو خططتُ أن أحوّل الخفجي إلى مصيدة، لَمَا نجحتُ قدر ما نجحتْ الفرصة، التي وفّرها لنا صدام بتصرفه؛ إذ إن أيّ عسكري محترف، لا يمكِن أن يرتكب مثل هذه الخطيئة، وأن يدفع قواته إلى مصيدة هيأها لها بنفسه".

ـ كانت التوقعات أن تستمر الحرب الجوية حوالي شهرين، إلاّ أنها لم تستمر إلاّ خمسة أسابيع، وبعدها بدأتم الحرب البرّية. لماذا؟

ـ "فعلاً، كانت خطتنا وتمويننا من المحروقات المخزونة، يسمحان بأن تستمر الغارات الجوية لمدة شهرين وأكثر. وأثناء الخمسة أسابيع الأولى، تمكنت القوات الجوية من تنفيذ المهامّ كلها. وعندما رفض صدّام سحب قواته خلال المهلة الزمنية، التي حُددت له، قرّرنا بدء الحرب البرّية، حتى يمكِننا السيطرة على الأرض، وتحقيق النصر النهائي".

ـ تمّ حسْم الموقف في فترة قياسية، وأعلنتم بعدها أن تحرير الكويت قد تمّ قبْل موعده بـ 24 ساعة. كيف؟

ـ "في البداية، كنت أتوقع ألاّ تزيد فترة الحرب البرّية على أسبوع إلى عشرة أيام، على الأكثر. وفي الحقيقة، لم أكن أتصور أن تستمر أربعة. في اليوم الثالث، أُخلِيتْ مدينة الكويت من القوات العراقية. وفي اليوم الرابع، أعلنت تحرير الكويت. كنتُ في مدينة الكويت، في اليوم الخامس. ويمكِننا أن نقول إن المعركة انتهت عندما بدأت القوات العراقية انسحابها، أمام هجوم القوات المتحالفة. ولكن كان هناك مسائل تكتيكية، وهناك قوات مخصص لها مهام في القطاعات المختلفة، تحت سيطرتي، وقطاعات أخرى تحت سيطرة شوارتزكوف. وعندما تحدثتُ عن الـ 24 ساعة، كنتُ أقصد أنني قدّمت موعد هجوم قواتي، في المنطقة الشمالية، مدة 24 ساعة".

 

جميع الدول المشاركة دخلت ... الكويت

ـ تردد أن بعض الدول المشتركة رفضت دخول قواتها في الحرب البرّية، واكتفت بوجودها على حدودكم في حفر الباطن، كرمز للتضامن ... فما هي الحقيقة؟

ـ "للحقيقة والتاريخ، وبصفتي كنتُ قائداً للقوات المشتركة، لا بد أن أوضح أن جميع القوات سـاهمت في تحرير الكويت. أمّا كيف تمّ ذلك؟ فإننا شكّلنا ما أطلقنا عليه "قوة واجب Task Force"، من قوات تمثّل كل الدول، وقد دخلت الكويت في وقت واحد، ولهذا يحق للجميع أن يفتخروا بأنهم شاركوا في تحرير الكويت".

ـ كيف كانت علاقتك بـ "شوارتزكوف"؟ هل حدث بينكما أيّ خلاف؟

ـ "علاقتنا كانت ممتازة. وفي الوقت نفسه، كانت صعبة جداً، لخطورة المهمّة. وكنّا، دائماً، في لقاءات مستمرة، نعقِدها مرتين أو أكثر، يومياً، في "غرفة الحرب". وفي بعض الأحيان، كنّا نختلف في بعض القرارات، ولكن من خلال نقاش منطقيّ، تحكُمه ضوابط ومفاهيم عسكرية، كنّا نصِل إلى اتفاق مشترك نحو الأفضل. ومن الطبيعي أن تقع اختلافات وتباينات في التصورات العسكرية، إلاّ أنه من خلال المناقشات الموضوعية، كنّا دائماً نصِل إلى قرار مشترك، لأن أيّ خلاف بين قائديْن، يملكان الصلاحيات نفسها، ولا يصدر أمر عمليات إلا بتوقيعَيهما، يؤدّي إلى كارثة، كارثة للمملكة، وللكويت، وللولايات المتحدة نفسها، ولـقوات 37 دولة، تشارك في "عاصفة الصحراء".

وقَّعت كلّ قرار في الحرب

ـ وهل كانت جميع الأوامر الميدانية في مسرح العمليات، لا تصدر إلا بتوقيعَيكما؟

ـ "لم يصدر أمر عسـكري إلا بتوقيعَيْن، توقيعي وتوقيع شـوارتزكوف. وإذا رفض أحـدُنا التوقيع، لا يمكِن أن يصْـدر القرار للتنفيذ، إلاّ إذا حدث التغيير المطلوب. وكثيراً ما حدث التغيير للمصلحة العُليا".

ـ وما هي الموضوعات والقرارات، التي حدث حولها الخلاف؟

ـ "سوف أوضحها في كتابي، الذي بدأت في إعداده، الآن".

ـ وما هي طبيعة علاقتكم بـ "شوارتزكوف"، حالياً؟

ـ "الاتصالات الهاتفية بيننا، لم تنقطع. وقد اتصل بي خلال زيارتي القاهرة، مؤخراً. لقد خرجنا من هذه الحـرب بصـداقة قوية، نعتز بها معاً".

ـ ما هي الصفات التي جمعتكم مع بقية القادة العسكريين، الذين شاركوا في حرب تحرير الكويت؟

ـ "أداء المهمّة باحتراف، هو الذي جمعنا. الاحترام لعاداتنا وتقاليدنا، وإحساس كلّ منّا خاصة بيني وبين شوارتزكوف، بثقل مسؤولياتنا ومهامّنا، التي لا نسمح أن يشوبها أيّ خلاف أو اختلاف".

ـ وماذا عن علاقاتكم ببقية قادة القوات المشتركة؟ هل انتهت بانتهاء المهمّة؟

ـ "أحرص دائماً على استمرار تلك العلاقة الطيبة. وقد حرصتُ خلال زيارتي لبريطانيا لتسلّم الوسام من الملكة إليزابيث، أن أُلبّي دعوة السير بيتر دي لابيليير، القائد البريطاني في حرب التحرير، فقمتُ بزيارته، خارج لندن، وأقمتُ ليلة في ضيافته بمنزله. كذلك، لي علاقات قوية بالقائد الفرنسي، الذي قابلتُه في باريس، خلال تسلّمي الوسـام الفرنسـي من الرئيس ميتران".

 

كتابي عن الحرب يذكُر الحقائق

ـ بصراحة ... ماذا أضافت لكم تجربة حرب تحرير الكويت؟

ـ "رسخت "قوة" إيماني بالله ـ سبحانه وتعالى ـ كما ازداد يقيني أن العدالة لا بد أن تأخذ مجراها، وأن الحق لا بد أن يعود إلى أصحابه".

ـ وماذا أَخَذَتْ منكم؟

ـ "وبعد صمت للحظات، مفكراً، أجاب، وشبه ابتسامة ممزوجة بالمرارة، ألمَحها في عينيه: "لا أعرف، الآن ماذا أخذت منّي هذه التجربة. والأفضل أن أترك الإجابة عن هذا التساؤل لكتابي".

 

أنا فخور بِثقة مليكي ... وبِثقة الرئيس مبارك

ـ هل تعتقد أن هذه التجربة بعثت فيكم بعض درجات الفخر والاعتزاز، لمَا قُمتُم به من إنجاز تاريخي؟

ـ "بكلّ تأكيد، أشعُر، حقيقةً، بالفخر والاعتزاز، وذلك للثقة الغالية التي منحني إيّاها قائدنا الأعلى، خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، الملك فهد، إضافة إلى ثقة الشعب السعودي، إضافة على اعتزازي وفخري بثِقة قادة الجيوش العربية والإسلامية والصديقة، التي منحوني إياها، خاصة من دولة كبرى، مثل مصر، لها تجاربها وتاريخها وقيادتها في الحروب، ما يجعلني أخجـل من قيادة خبراء أَكْفَـاء، من القادة العسـكريين المصـريين؛ وهذا يرجع لعَظمة وفضـل الرئيس حسني مبارك، الذي وضع ثقته بي، رغم أنني لم أمارس الحرب من قَبْل".

ـ هل أثارت فيكم هذه التجربة درجات من الكبرياء والغرور؟

ـ "إطلاقاً، لم يخامرني هذا الشعور إطلاقاً. ولن يكون".

ـ ألمْ تشعُر لحظة ... بالمرارة والحزن، خلال تلك التجربة؟

ـ "بالتأكيد، شعَرت بالمرارة، كما شعَر بها كل قائد عربي عمل معي. شعَرنا جميعاً بالمرارة، لأننا نقاتل أشقاء لنا، نعلَم تماماً أن أكثر من 90% منهم، لا يرغبون في هذه الحرب، بل أُرغموا عليها، وخاصة أننا نعلَم أن الجندي العراقي من خيرة الجنود، إلاّ أنه لا يمكِن أن يقاتل في سبيل قضية لا يؤمن بها".

ـ ما هو الموقف الذي لا تنساه؟

ـ "مواقف كثيرة. لعلّ أكثرها عذاباً موقف الجندي العراقي، الذي استسلم مع مئات الجنود العراقيين، وأسرع نحوي يستعطفني مقبِّلاً يدي، طالباً حمايته من أجْل أطفاله وعائلته. كان موقفاً صعباً عليَّ، كإنسان، وفي الوقت نفسـه، كقائد عسكري. لذلك قررت، من بعدها، ألاّ أزور الأسْرى. كذلك، مشهد آخر لن أنساه، وما زال يعتصر قلبي، حينما شاهدت الجنود العراقيين، وهم يستسلمون ويقبِّلون أحذية الجنود الأمريكيين، داخل الكويت. كما أزعجني كثيراً مشـهد تقديم الطعام للأسْرى من الجنود العراقيين، فقد ظهروا على شاشة التلفزيون جوعى، في حالة يُرثى لها، يتصـارعون على الطعام الذي يُقدّم لهم. وقد أصدرت أوامري بأن يقدَّم الطعام لهم بأسلوب أفضل، يتّسم بالكرم والنظام، ويحفظ كرامتهم، لأنهم مغلوبون على أمرهم.

كذلك من المواقف الإنسانية التي لن أنساها، صورة الأم المصرية العجوز، التي أطلّت علينا، بعد منتصـف الليل، من خلال شاشة التلفزيون المصري، تتحدث بكل الفخر والاعتزاز، لمشاركة ابنها مع القوات المصرية في حفر الباطن، وكان طلبها الوحيـد أن تتسـلم منه رسالة، تطمئن من خلالها عن أحواله. وفي الحـال، قمتُ بالاتصـال بمسـؤولي الشـؤون المعنوية في القيادة، لأستفسر عن أسباب تأخير وصول وتسليم الخطابات لذويهم. ووصلنا إلى حلٍّ فوري، حتى تطمئن أمهات المحاربين وزوجاتهم على ذويهم".

ـ متى شعرت بالسعادة؟

ـ "عندما أتممتُ مهمّتي بنجاح، وتحررت الكويت، وعادت الشرعية إلى السلطة. شعرت بالسعادة تغمرني، خاصة بعدما نفّذتُ ما وعدتُ به، أقلّ الخسائر في الجانبين، وحسم المعركة في أسرع وقت".

 

ـ هل تقاعدت استمراراً لتقاعد الجنرالات الأجانب، الذين شاركوك في الحرب؟

ـ "أنا في حياتي لم أُقلِّد أحداً. والكلام الكثير، الذي تردَّد بعد تقاعدي، سببه أننا في العالم العربي، لم نتعود بعد أن يقوم الإنسان بعد أداء مهمّته، بتأدية التحية، ومغادرة الحلبة، وترك الآخرين يكملون المسيرة".

ـ إذاً بماذا تفسرون تقديم استقالتكم من منصبكم العسكري؟

ـ "لقد نفّذتُ الهدف من مهمّتي، تحت إمرة مليكي ووطني. وأعتقد أنه ربما لم يُشرَّف أيّ قائد من قائده الأعلى بأكثر مما شَرُفت به، سواء في التاريخ الإسلامي أو غيره. فلم يذكُر التاريخ أن هناك قائداً قاد جيوشاً بهذا العدد من الدول سواءً أكان قائداً إسلامياً أم غير إسلامي، علاوة على إيماني بأن المنصب ليس صكاً يتمسك به الإنسان إلى آخر العمر، فلا بد أن يترك المجال للآخرين، خاصة أن تكريمي بترقيتي إلى رتبة "الفريق الأول"، لا يعني التقاعد إلاّ كقائد".

ـ ما هي طبيعة نشاطاتكم الآن؟

ـ "أشعر أن من واجبي، الآن، أن أستمر في إلقاء المحاضرات في العالم الغربي، لأوضح كل ما من شأنه أن يُظهر ما فعلتْه القوات المشتركة، وكيف تلاحمت دولها في مسيرة الهدف الواحد، وهو تحرير الكويت. كما أبين الجهد الجبار الذي بذلتْه القوات العربية المشاركة وقياداتها. والأهم من كل هذا، أن ألقي الضـوء على ما فعلتْه المملكة العربية السعودية؛ إذ إنه للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأجنبية، تدخل الحرب فتقوم الدولة المضيفة بتأمين عمليات الإمداد كاملة، من ماء وطعام ومأوى وقطع غيار ووسائل مواصلات، إضافة إلى شراء سيارات. وكلها أشياء لو طُلِبَ من أيّ دولة، باستثناء أمريكا، أن تؤمِّنها، وفي فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر، لعجزت، بما في ذلك بريطانيا أو فرنسا. هذه الجهود لا بد من إظهارها وتوضيحها، خاصة أن الصحافة العربية والإعلام العربي لم يعطياها حقها كما يجب، بل قلّلا من أهمية القيادة، وكثيراً ما خلط الإعلام الأدوار، عندما أعطَـى القيادة الأمريكية ما هو من مسؤولية القيادة المشتركة.

وهناك أمر مهم جداً، أفكر، حالياً، في تحقيقه، وهو أن أقوم بإنشاء مؤسسـة خيرية، تضم جميـع القادة العسـكريين، الذين شاركوا في حرب تحرير الكويت، كأمناء فيها. وتكون مهمّتها العناية والرعاية، وصرْف المساعدات لكل أهالي الشهداء والقتلى، الذين سـقطوا، من المملكة العربيـة السـعودية والكويت ومصـر وسورية والولايات المتحدة الأمريكية والسنغال. وربما للمرة الأولى في تاريخ المؤسسات الإنسانية العسكرية، سوف ينضم إلى هؤلاء، المعوقون والجرحى وأهالي القتلى من العراقيين، ليس الآن، ولكن بعد انتهاء حكم صـدّام حسين، وليس قبله. وهذا المشروع هو ما أُركّز عليه في الوقت الراهن، ويستهلك معظم وقتي. ولقد قمتُ، شخصياً، بالتبرع بمبلغ مليوني دولار لهذه المؤسسة، وأنني على يقين من أن الغرف التجارية والدول كلها، ستتبرع لهذه المؤسسة. وأرجو، بعد أخذ الموافقة على تكوينها، أن يكون مَقّرها في الرياض، ويكون لها مكاتب في كل أنحاء العالم".

ـ أعلنتم أكثر من مرة، بعد تحرير الكويت، أن نظام صدّام سوف يسقط خلال ثلاثة أشهر ... وقد مرّ حوالي عام، ولم يسقط النظام. فما هو تعليقكم؟

ـ "أعترف أنني أخطأت التقدير. فسقوط صدّام يعود إلى الشعب العراقي المسكين، الذي يُحكَم بالحديد والنار. فهذا الطاغية، الذي لا يفكر إلاّ في نفسه، بعيداً عن مصلحة شعبه، كان من الواجب عليه أن يتنحّى عن الحُكم، لو كان يملك ذَرة حُب لهذا الشعب المسكين. ومن ناحية أخرى، نحن في المملكة نؤمِن، دوماً، بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. وصدّام حسين رئيس عراقي، إذا أراده شـعبه، فإننا نحترم خيار الشـعب، وإذا رفضـه، فإن الأمر من مسؤوليته".

ـ تردّد أن من أهداف القوات المشتركة، بعد تحرير الكويت ... دخول العراق لإسقاط صدّام ... فما مدى صحة ذلك؟

ـ "أنا شخصياً كنت ضد فكرة الدخول إلى بغداد، منذ البداية. وكان يشاطرني الرأي شوارتزكوف والجنرال البريطاني دى لابليير، بل اتفق الجميع على عدم الدخول إلى أي مدينة أو قرية عراقية، أو تطويقها عسكرياً، وترْك أهلها وشؤونهم. لقد كانت مهمّتنا، أثناء الحرب، هي حماية العراقيين في المناطق التي شملتها الحرب، ولقد أكرمناهم إلى درجة أنهم تألّموا عند انسحابنا".

ـ هل تشعر بالرضا لِمَا قمتَ به خلال الحرب؟

ـ "أشعُر بالراحة النفسية، بعدما حققتُ ما عاهدتُ عليه".

ـ ألمْ تشعر بالندم لحظة من اللحظات، بعد أن أدّيتم مهمّتكم الصعبة؟

ـ بعد صمت طويل، استغرقه في احتساء الشاي، الذي قُدِّم لنا، قال: "حتى هذه اللحظة، لم أشعُر بأحاسيس الندم لأيّ قرار اتّخذته أو نفّذته. ولكن، عندما أستجمع مذكراتي حول تفاصيل التجربة، ربما يظهر لي موقف، يمكِن أن أسجِّله في كتابي".

ـــــــــــــــــــ