إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / الأحاديث الصحفية، التي أدلى بها، صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى:




مجلة المجالس، العدد 1338
مجلة الصقور
مجلة كلية الملك عبدالعزيز/42
الأمير و الجنود السعوديون
الأمير مع الأمير سلطان
الأمير مع خادم الحرمين
الأمير يهدي كتابه إلى السفير
الأمير خالد مع الشيخ جابر
الأمير خالد مع شوارتزكوف
الأمير في مسرح العمليات
الملك فهد يتفقد القوات
الملك فهد في حفر الباطن
حديث إلى مجلة الحوادث
حديث إلى مجلة كلية الملك عبدالغزيز
سمو الأمير خالد بن سلطان
صورة من مجلة المجالس
صورة من مجلة الرجل
صورة للأمير من مجلة الرجل
صورة للأمير خالد في مجلة الرجل
صورة للأمير، من مجلة الرجل
صورة لسفينة حربية سعودية
غلاف مجلة أكتوبر
غلاف مجلة الحوادث
غلاف مجلة الرجل
غلاف مجلة كلية الملك عبدالعزيز





حديث

جريـــدة "الأهـــرام"

القاهـرة، العدد 38433، الجمعة، 28 فبراير 1992

ـــــــــــــــــ

بهــدوء. بقلم: إبراهيــــم نافــع

حوار سريع

مع قائد القوات المشتركة

في حرب الخليج

 

العناويـــن

* أسرار تُذاع للمرة الأولى بعد عام من تحرير الكويت.

* قائد القوات المشتركة يكشف خفايا حرب الخليج وعملياتها.

* الرئيس مبارك اهتم شخصياً بالقوات والمهامّ المكلَّفة بها.

* القوات المصرية جاءت على 4 مراحل، وبوصولها تناقصت احتمالات الخطر.

* اختصر المصريون الزمن عند تحرير الكويت.

* الخطة العراقية اعتمدت على تصفية الأسْـرة الحاكمة وفَرْض الأمر الواقع.

* النظام العراقي دمّر المساجد والمساكن في بلده، لإثارة المشاعر والرأي العام.

* الخفجي كانت أكبر معركة برّية في تاريخ السعودية.

* استعدّت الصواريخ السعودية لضرب أهداف عراقية، وفي اللحظة الأخيرة، رفض الملك فهد.

* 750 ألف مقاتل، وليس 500 ألف، اشتركوا في المعارك.

* الخسائر البشرية للقوات: ثلاثة فقط لكل عشرة آلاف.

* صدّام راهن على أن القتال لن يحدُث، فدفع شعب الكويت الثمن، ولا يزال العراق يدفع!

 

جرى هذا الحوار متأخراً عن موعده، وإن كان قد أتى في مناسبته! فلقد كنت أودّ أن يكون لقاء الأمير الفريق الأول الركن (متقاعد) خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، وقت إعدادي لكتاب "الفتنة الكبرى ... عاصفة الصحراء"؛ فالرجل كان على رأس قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، وبحُكْم موقعه هذا، يعرف خفايا ما جرى وكيف جرى؟

 

على أيّ حال، لقد كانت الرغبة في اللقاء متبادلة بيننا. وعندما جلست إليه في بيته، وعلى مدى حوار استمر ثلاث ساعات، وجدت الرجل والمعلومات تتدفق على لسانه بالحقائق والأرقام والتواريخ، واكتشفت أن ما يقوله يتضمن تصحيحاً جذرياً وهاماً لبعض المفاهيم، التي شاعت عن المعركة والقوات المشاركة فيها وكيفية سير العمليات، وقلت إنه لا ينبغي ترْك هذه المفاهيم، بمعلوماتها غير الصحيحة، سائدة، وإنه من الواجب نشْـرها خاصة أن هذا التوقيت جاء في مناسبته تماماً.

 

ففي مثل هذا اليوم من العام الماضي، أُعلن رسمياً عن إتمام تحرير الكويت، وانتهاء حرب الخليج. وكان النظام العراقي، في اليوم السابق، قد أعلن رسمياً عن قبوله لكل قرارات مجلس الأمن والتزامه بتنفيذها، وأن الكويت لم تعد جزءاً من العراق!

 

صادف أن جاء هذا اللقاء، إذاً، في مناسبته، فروى قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات فـي حرب الخليـج، كثيراً من أسرار ما جرى. غير أنه، ومع أهمية وحجـم ما قال، لا يزال عند الرجل كنز خطير من المعلومات، يمكِن تناولها مستقبلاً، في حدود المسموح به عسكرياً، ومن دون خرق لمتطلبات الأمن القومي.

 

هكذا كان اللقاء مثمراً مع الرجل، وخلاله تعمّق انطباعي عنه: متحضر عصري بكل معنى، لم يكن اختياره لهذا المنصب الرفيع الحساس عشوائياً، أو لدوافع شخصية. ولم يكُن منصبه مجرد شكل مظهري، إنما كان الاختيار موضوعياً. فقد بدا واضحاً، خلال سير العمليات، ومن خلال ممارسـة المسؤولية، أن الأمير خالد ـ بدراسته وأسلوبه العلمي ـ ضالع في التخطيط العسكري، وأن لديه الإمكانات التي جعلته قائداً متمكّناً، يدير عمليات وتحركات 750 ألف مقاتل، وليس 510 آلاف، كما كان معروفاً، جاءوا من 37 دولة، يتكلمون لغات مختلفة، ويدينون بعقائد عسكرية متباينة، ويتدربون وفق نُظُم متعددة، وكل فريق منهم جاء بمزاج معين وزِيّ خاص، بل إن بعض الوحدات جاءت بأفرادها من دون ملابس عسكرية!

مـــــن هو؟

الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، من مواليد مكة في 24 سبتمبر 1949 ميلادية، متزوج وله ثلاثة بنين وثلاث بنات، تخرج في أكاديمية ساندهيرست العسكرية، وحصل على الدورات العامة والتخصصية في الدفاع الجوي من الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك ماجستير في العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان في فورت ليفينوورث في كانساس سيتي، وعلى دورة كلية الحرب الجوية بماكسويل، ألاباما، ودورة إدارة الشؤون الدفاعية الدولية من معهد الدراسات البحرية في كاليفورنيا، وماجستير في العلوم الإدارية والسياسية بمرتبة الشرف الأولى من جامعة أوبورن، مونتجمري بألاباما، ومنها حصل على الدكتوراه الفخرية، في ديسمبر 1991م في العلوم الإنسانية، كما حصل على الدكتوراه الفخرية في الفلسفة من الأكاديمية الرياضية الأمريكية، في ديسمبر 1991م.

 

وقد شغل مناصب عسكرية عديدة، حتى أصبح قائداً لقوات الدفاع الجوي في المملكة العربية السعودية، ثم قائداً للقوات المشتركة ومسرح العمليات، في 10 أغسطس 1990.

 

ـ قلت للأمير الفريق الأول الركن (متقاعد) خالد بن سلطان بن عبدالعزيز: هل يمكن أن يصف لنا سموّكم الموقف في المملكة قبل صدور قرار مصر بإدانة الغزو، والموقف قبل وصول القوات المسلحة المصرية إلى مسرح العمليات؟ وما هو تقويمكم لأداء هذه القوات؟

ـ قال: "صدرت الإدانة، على ما أذكر، في الثالث أو الرابع من أغسطس 1990. وهذا الموقف كان متوقعاً من جمهورية مصر العربية، بثقلها السياسي والعسكري، وإيماناً بدَورها العربي، وانطلاقاً من قِيَمها ومبادئها، ومتوقعاً أيضاً من فخامة الرئيس محمد حسني مبارك، الذي وقف وقفة الرجال الشرفاء، وقفة المبادئ الأصيلة والقِيَم الإسلامية الصحيحة.

كان الموقف العسكري، قبل صدور الإدانة، يتمثل في وجود حشود عسكرية عراقية، تُقدر بحوالي (120) ألف ـ (140) ألف رجل، مدعمة بما لا يقل عن (900) دبابة قتال، و(640) قطعة مدفعية. وبإجراء مقارنة عددية بين القوات العراقية والكويتية، يتضح أن المهمة النهائية لهذه القوات، قد لا تكون احتلال الكويت فقط، وإلاّ لَمَا كان هناك أي سبب عسكري لحشد مثل هذه القوات على حدودنا. لذلك، فالمنطق يقول إن هذه الحشود، بالتأكيد، تهدد سلامة المملكة وأمنها، علاوة على أنه لا يمكِن الوثوق بمن لا عَهْد له، مَهْمَا وقّعنا معه من اتفاقيات أو معاهدات. وبناءً على ذلك، بُنِيَ تقدير الموقف السياسي والعسكري على افتراض أسوأ الظروف، وأكثرها احتمالاً، في ذلك الوقت.

إذاً، قبل صدور الإدانة كان هناك حشود، وكان هناك تهديد، وكان هناك حدود مفتوحة، وكان هناك أطماع بلا حدود.

للإجابة عن الموقف قبل وصول القوات المسلحة المصرية، يجب أن نذكُر أن القوات المصرية، وصلت على أربع مراحل: قوات خاصة أولاً، ثم الفرقة الثالثة الميكانيكية (الآلية)، ثم الفرقة الرابعة المدرعة، وأخيراً وحدات إسناد إداري وفني. وقد تزامن وصول القوات المصرية مع وصول قوات من دول أخرى. وبالتأكيد، فإن القدرة الدفاعية للمملكة كانت تتزايد، والأخطار المحتملة تتناقص، مع وصول هذه القوات. ويهمني، في هذا المجال، الإشادة باستجابة القيادة السياسية والعسكرية المصرية، بصدق وحماس وإخلاص، لجميع المتطلبات العسكرية، التي كنا في حاجة إليها، خاصة في فترة الاستعداد للعمليات، سواء كانت وحدات قتالية، أو وحدات إسناد قتالي، أو وحدات إسناد إداري، أو فِرق عمل للمساعدة على التخطيط.

أمّا عن أداء القوات المصرية، فإن الأداء الانضباطي كان عالياً، والمشاكل، في هذا المجال، تكاد تكون معدومة، على الرغم من كبر حجم القوات المصرية في مسرح العمليات. أمّا الأداء العملياتي، فقد كان ممتازاً، وظهر ذلك خلال فترة التخطيط العملياتي. وحضرت معهم أكثر من مرحلة من مراحل التخطيط، وظهر المستوى العالي لقائد القوات المصرية وهيئة قيادته، تخطيطاً وتنفيذاً. أمّا الأداء القتالي، فالكل، بلا استثناء، يشهد بقدرة المقاتل المصري وكفاءته.

وقد كان شرفاً لي أن أجد تحت قيادتي تشكيلات من القوات المسلحة المصرية، العريقة في الأصالة، والقديرة في الفن العسكري، والمتمسكة بالتقاليد العسكرية، وإنني قاتلت مع قادة وضباط مصريين محترفين، يتمتعون بالخـلُق، والعلم، والخبرة العسكرية العريضة.

ولقد برزت هذه الخبرة في مسرح العمليات، وسوف تُعلن، تفصيلاً، في المستقبل، ضمن الدراسة التي تقوم بها أجهزة وزارة الدفاع، الآن، عن القوات والعمليات، خاصة عن الدور الذي قامت به القوات المصرية في عمليات التخطيط، لتحطيم منصات صواريخ "سكود" العراقية بأسلوب أفضل، نتيجة المعرفة المصـرية بها وبمواصفاتها وتحركاتها والسرعة الخاصة بها. وقد أدّى الدور المصري، في هذا المجال، إلى تقليص هجمات صواريخ "سكود" والتقليل من تأثيراتها.

ومن العلامات المضيئة أيضاً، بروز المساندة المصرية في الاتصالات، وسط مسرح عمليات شاسع، وبينه وبين مراكز متعددة خارجه مسافات بعيدة.

وتفوقت القوات المصرية، أيضاً، في قصف وتدمير أقوى التحصينات الموجودة في القطاع المكلّفة به.

ونذكر، على سبيل المثال، أن الوحدات المصرية، عند اقتحام الكويت وتحريرها، تحركت في أسرع وقت إلى حد أنها اختصرت الزمن، وحققت الهدف، قبْل عشر ساعات من الموعد المحدد.

وفي تلك الليلة، كان للرئيس حسني مبارك موقف عظيم، لاهتمامه الشخصي بالقوات وحالتها، وبأن تنفّذ الخطة المحددة لها، حسب الأوامر والتعليمات بكل تفصيلاتها".

 

موقف القوات السورية:

ـ بِمَ تفسر، سمو الأمير، موقف القوات السورية ورفْضها الاشتراك في العملية البرّية لتحرير الكويت؟ وهل كانت قوات أخرى تتوقع ردود فعل غير عادية من القوات السورية أثناء العمليات؟

ـ "بداية، أودّ أن أؤكد لك أن القوات السورية في مسرح العمليات، لم ترفض الاشتراك في العمليات البرّية لتحرير دولة الكويت. وكما يعلم الجميع، كان فخامة الرئيس حافظ الأسد من أوائل القادة، الذين رفضوا العدوان وأيّدوا الحق، ومن أوائل القادة، الذين أرسلوا جزءاً من قواتهم للدفاع عن المملكة.

لقد أعلن معظم القادة أنهم أرسـلوا قواتهم للدفاع، أسـاساً، عن أرض المملكة العربية السـعودية، ضدّ التهديدات المحتملة من القوات المعتدية. وعندما تطورتْ الأحداث، ورفضتْ القيادة العراقيـة الانسحاب من الكويت، وإنهاء الاعتداء على دولة عربية إسلامية مجاورة، ولم تَنْصَعْ إلى قرارات المجتمع الدولي، وصدر قرار مجلس الأمن الرقم 678 في 29 نوفمبر 1990، أعلن هؤلاء القادة تأييدهم لضرورة إجلاء القوات المعتدية، بشرط أن يكون الهدف هو تحرير دولة الكويت فقط، وعدم انتهاك الأراضي العراقية.

وأذكُر أنه في رابع اجتماع لتنسيق المواقف، بين وزراء خارجية مصر وسورية والمملكة، في أوائل شهر يناير 1991، حمّلت الدول الثلاث كامل مسؤولية الموقف المتأزم للعراق، وأُعلن في القاهرة ودمشق، أن القوات المصرية والسورية ستشارك في العمليات العسكرية لتحرير الكويت، إذا أصبح من الضروري شنّ الحرب لهذا الغرض.

واحتراماً لقرارات قادة الدول المشاركة وتنفيذاً لها، فقد أمرتُ بتعديل قطاعات الهجوم واتجاه الضربات، حتى إن كان الموقف العملياتي يحتم دخول الأراضي العراقية، كما وضعتُ في الحسبان نوعية تسليح كل قوة، والخبرات السابقة لها، والتدريبات المشتركة مع القوات الأخرى.

أمّا عن القوات السورية، فقد كان لها دَور فعّـال، وتميّزت قيادتها بالتعاون التام مع قيادة القوات المشـتركة، وقيادة المنطقة الشمالية والقوات السعودية والعربية والصديقة. ولم تتردد هذه القوات في تنفيذ أي خطط أو أوامر عملياتية صدرت إليها. وليس سرّاً أن نقول إن جزءاً من القوات السورية، قد اشتركت ضمن قوة الواجب (Task Force)، التي ساهمت في تحرير مدينة الكويت".

 

أســرار الخفجي:

ـ أثارت عملية الخفجي ردود فعل كثيرة، وعميقة، ومتباينة. ما هي الأسباب الحقيقية للنجاح الجزئي للقوات العراقية في هذه العملية؟ وهل عكست هذه العملية نواحي ضعف تمّ الاستفادة منها فيما بعد؟

ـ "حقيقة، لك كل الحق في توجيه هذا السؤال، خاصة فيما يتعلق "بالأسباب الحقيقة للنجاح الجزئي للقوات المعتدية في هذه العملية"، لأن القوات المعتدية نجحت، فعلاً، في اقتحام المدينة، والبقاء فيها لمدة قصيرة. ولكن يجب أن نسأل أنفسنا، هل تمكّنتْ هذه القوات من الانسحاب من المدينة؟ وهل سُمِحَ بدخول أي تعزيزات، قتالية أو إدارية، إلى القوات المحاصرة داخل المدينة؟ وهل نجحت الأنساق الثانية والاحتياطيات، التي حاول المعتدي دفعها لفك الحصار عن قواته؟ أو تم تدميرها؟ وهل حققت هذه القوات أي أهداف لها؟ وما هي خسائر الجانبين في هذه المعركة؟ الإجابات عن هذه الأسئلة معروفة تماماً، وقد أوضحتها، تفصيلاً، في حديث صحفي، نُشر في مجلة "أكتوبر" المصرية، قبْل بداية الحرب البرّية.

وللحُكم على مدى صحة مقولة "تحقيق نجاح جزئي"، أودّ أن أوضح لك أن مدينة الخفجي، تبعد حوالي 17 كم عن الحدود السعودية ـ الكويتية، أي أنها في مدى المدفعية، والصواريخ الميدانية، وصواريخ أرض / أرض "فروج 7" للقوات المعتدية. ومن ثمّ، فإن المنطق العسكري يحتم ضرورة إخلاء المدينة من المدنيين، ومن كافة الأنشطة الاقتصادية، لعدم إعطاء الفرصة للمعتدي لتدميرها، أو إحداث أي خسائر بشرية. وهذا ما حاولنا تنفيذه تماماً، فلقد اعتبرت أن الحدّ الأمامي للدفاعات، يبعد 40 كم على الأقل من الحدود الدولية، واعتبرت أن المنطقة من الحدود الدولية إلى الحد الأمامي للدفاعات هي نطاق أمن وأرض قتل أيضاً لأي قوات مهاجمة. وقد أعطيت التعليمات بإخـلاء مدينة الخفجي تماماً، قبل بدء الحملة الجوية، ولم يوجد فيها إلا أعداد قليلة جداً من موظفي بعض الهيئات الحكومية. وكانت التعليمات الصادرة إلى وحدات الاستطلاع الخفيفة الحركة التي تمركزت بالقرب من الحدود الدولية: "رَاقِبْ وبَلِّغْ وارتدرَاقِبْ تحركات القوات المعتدية، وبَلِّغْ عن اقتراب أرتالها، وارتد جنوباً للانضمام إلى الوحدات الرئيسية. وهذه العملية معروفة في العلم العسكري، وغالباً ما تُعدّ كطُعم للقوات المهاجمة. والحمـد لله، فإن نتائـج المعركـة تشـهد بذلك، فقد قُتِلَ من القوات المعتدية، للأسف، 32 فرداً، وجُرِحَ 35، وأُسِرَ 488 آخرون، علاوة على تدمير 93 دبابة وعربة مدرعة وعربات أخرى متنوعة.

نتيجة لذلك، نجد أن القيادة العراقية لم تحقق أيّاً من أهدافها سواء السـياسية أو العسـكرية أو الإعلامية، وكانت المعركة استنزافاً للقوات العراقية، وتشهد على ضعف الفكر العسكري، فلا يُعقل أن يدفع أي قائد عسكري قواته إلى معركة هجومية، من دون غطاء جوي، وهو يعلم، في الوقت نفسه، أن الجانب المقابل يمتلك السيادة الجوية. ومن جهتي، فقد اعتبرت أن المعركة محسومة بعد ثماني ساعات فقط من بدايتها، وذلك بعد أن تمّت محاصرة المدينة حصاراً كاملاً، وتمّت السيطرة على كافة الطرق من المدينة وإليها، وتمّ احتلال الهيئات الحاكمة حوْلها، وتمّ تخصيص المهام للقوات، التي كُلّفت بالهجوم المضاد واستعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.

للإجابة عن الشق الثاني من السؤال، وهو الخاص بنواحي الضعف، التي ظهرت، وتمت الاستفادة منها، فقد تُدهش إذا قلت إن هذه المعركة أفادتنا إفادة لم يسبق لها مثيل، خاصة علـى المستوى العملياتي (التعبـوي)، ولم يكـن هناك نواحي ضعف بالمعنى المفهوم، بل لا أكون مبالغاً، إذا قلت إنها أظهرت نقاط قوة عديدة.

لقد كانت معركة الخفجي أكبر معركة برية تشترك فيها القوات السعودية، منذ نشأة المملكة، ويكون قائد القوات المشتركة هو المسؤول عن إدارتها، لحدوثها في قطاع مسؤوليته. وبالتالي، فإنها كانت اختباراً فعلياً لقدرة القوات التي خاضتها (وهي القوات المسلحة السعودية، ووحدات من الحرس الوطني السعودي، ووحدات من دولة قطر الشقيقة) ولقدرة القيادة على القيادة والسيطرة الحازمة، وفرصة لا تعوض لاختبار نظام الاتصـالات على المستوى العملياتي، والإستراتيجي أيضاً. كما كانت المعركة اختباراً عملياً لنظام التعاون والتنسيق بين القوات المشتركة والقوات الصديقة، خاصة في الإسناد الجوي. وكانت تدريباً عملياً على العمليات البرية المنتظرة، ونعلم جميعاً أهمية ذلك لقوات ليس لها خبرة قتالية سابقة".

ـ ربما لا يعلم كثيرون، أن "درع الصحراء" و"عاصفة الصحراء" كانتا واجهة لأضخم عملية نقْل إستراتيجي، في النصف الثاني من القرن العشرين. ما هو الدور السعودي في هذه العملية؟ وهل جرى تقويم حقيقي لأداء العناصر والأطراف المشاركة في هذه العملية للاستفادة منه في المستقبل؟

ـ "أتفق معك تماماً في أن ما حدَث يعدّ أضخم عملية نقْل إستراتيجي، منذ الحرب العالمية الثانية، بل أضيف أنها أضخم عملية نقل وحشد إستراتيجيين، تتم بكفاءة وفاعلية، وفي أقصر وقت ممكن.

قبْل أن أتحدث عن الدور السعودي في هذه العملية، يجب أن أوضح أن النقل هو إحدى المهام الفرعية للإسناد، الذي قدمته المملكة للقوات المتحالفة، فمثلاً كانت الأصناف الخمسة، التي وافقت المملكة على تقديمها إلى القوات الأمريكية هي: الوقود، والنقل، والطعام، والماء، واللوازم المعيشية. وقد قدّمت أكثر من هذه الأصناف لقوات الدول الأخرى.

والنقل، كما هو معروف، يشمل: وسائل النقل، ثم طرق تحرّك (برية، وبحرية، وجوية)، ثم موانئ استقبال، ثم طرق تحرك أخرى إلى مناطق الحشد أو التجمع. فإذا تحدّثنا عن دور المملكة نجد أنها ساعدت على تدبير وسائل نقل لمعظم القوات، وساعدت على تأمين تحرك وسائل النقل إلى موانئ المملكة، وجهزت الموانئ الجوية والبحرية لاستيعاب وصول هذه الأعداد الهائلة من القوات، وجهزت مسرح العمليات في فترة وجيزة، وساعدت البنية الأساسية لها على سهولة تحرك وحشْـد القوات التي وصل تعدادها إلى أكثر من (750) ألف مقاتل.

وهنا، لا يفوتني أن أنوّه ببُعد نظر قادة المملكة، بدءاً بجلالة الملك عبدالعزيز، مؤسس المملكة، وحتى خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، في الاهتمام بالبنية الأساسية للمملكة. هذا البُعد، مما لا شك فيه، كان أحد العوامل الأساسية في نجاح عمليتي "درع الصحراء" و"عاصفة الصحراء". وقد شهدت بذلك جميع القوات، بلا استثناء، لقدرة المملكة في هذا المجال. لقد كان هدف قادتنا من إنشاء البنية الأساسية المتطورة هو ازدهار الاقتصاد ورفاهية الشعب السعودي، ويشاء المولى ـ عزّ وجلّ ـ أن تصبح، أيضاً، وسيلة لدرء الخطر عن أرض المقدسات.

أمّا بالنسبة إلى تقويم أداء العناصر والأطراف المشاركة، فآمل أن تقوم وزارة الدفاع، بالتعاون مع الأجهزة الحكومية الأخرى، بهذا التقويم وبإظهار دور المملكة، ليس في مجال النقل فقط، ولكن في مجال الإسناد الإداري لجميع القوات، التي استضافتها المملكة".

 

الإستراتيجية الخاطئة لصدّام:

ـ كيف تفسرون، سموّكم، ردود الأفعال العراقية؟ هل كانت تعتمد إطاراً إستراتيجياً معيناً، أو أن صدّام حسين كان مغيّباً، أو واقعاً تحت سيطرة حالة نفسية معينة، تمّ دفْعه إليها تدريجياً، على امتداد فترة زمنية طويلة، الهدف منها أن يتصرف بطريقة رافضة ومعاندة على طول الخط؟

ـ "من عادتي، كقائد عسكري، ألاّ أقلل من قدر الخصم، مهْما كانت قدراته الحقيقية. ودائماً أعتبر أن القائد المقابل، يفكر بطريقة عقلانية، ويبني إستراتيجيته على أهداف واضحة ومحددة، وأنه يحدّد الأولويات التي تحقق الرفاهية لبلاده. والخطأ، من وجهة نظري، دائماً يكون في الحسابات التي يجريها القائد، وفي عدم إدخاله للمتغيرات الإقليمية والعالمية في حسبانه، وعدم دقة المعلومات التي تُقدّم له.

لقد وضع الرئيس العراقي في أولوياته، هيمنة العراق على الأمة العربية والإسلامية، تحقيقاً لرغبته في الزعامة، واتّخذ بعض الأساليب لتحقيق هذا الهدف، منها: بناء قوات مسلحة ضخمة، وحربه ضد إيران لمدة ثماني سنوات، من دون مبرر معقول، وتوسّـعه في تطوير وإنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والذرية، واستنزاف اقتصاديات بلاده في المجهود الحربي، ثم تصريحاته وتهديداته التي أكسبتْه بعض المؤيدين، ممن ينخدعون بالشعارات.

لقد كانت هذه إحدى أولوياته، وسخّر إمكانات الشعب العراقي لتحقيق هدفه، إرضاءً لنزواته. وخطط لذلك، بدءاً من صعوده إلى قِمة القيادة العراقية، ونهايةً بغزوِه دولة الكويت.

إذاً، يمكن القول إنه اعتمد إطاراً إستراتيجياً معيناً لتحقيق أهدافه، بصرف النظر عن خطأ الحسابات التي أجراها. فمثلاً، عندما غزا الكويت، أقام حساباته على ضرورة حدوث احتمال واحد، على الأقل، من أربعة احتمالات، الأول: أنه سيتمكّن من تصفية جميع أفراد الأسْرة الحاكمة في الكويت، كما فعل عبدالكريم قاسم من قبْل، عندما قام بالانقلاب العسكري، في 14 يوليه 1958. وبالتالي، لن يكون هناك مطالبة بعودة القيادة الشرعية للبلاد. الثاني: إمكان استقطاب المعارضة الكويتية إلى جانبه، وتشكيل حكومة منها، في ظاهرها كويتية، وفي       باطنها عراقية، تتلقى الأوامر، فتطيع. والثالث: أن خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، لن يطلب مساعدة الأشقاء والأصدقاء. والرابع: اعتماده على الاتحاد السوفيتي، وأنه سيؤيده في غزوه، وسيستخدم الفيتو في مجلس الأمن، وقد يُصعّد المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذا اقتضى الأمر ذلك، وأن معظم الدول ستقبَل الأمر الواقع، ولن تعرّض مصالحها مع العراق للخطر.

عندما لم يتحقق أي من هذه الاحتمالات غيّر إستراتيجيته في السعي إلى منْع تشكيل تحالف دولي ضدّه، أولاً، ثم السعي بشتى الطرق إلى شق هذا التحالف، ثانياً، ثم محاولته ترسيخ احتلاله للكويت، وإضفاء الصفة الشـرعية على هذا الاحتلال، وإقناع المجتمع الدولي بضرورة قبول الأمر الواقع، ثالثاً، ثم محاولته أن يصبح احتلاله للكويت أزمة مزمنة، مثل العديد من المشاكل في المنطقة.

نتائج هذه الإستراتيجية معروفة، وعدم تحقيق أي من أهدافه معلوم للجميع. وهنا يمكِن القول إن الحسابات، التي أقام عليها إستراتيجيته، لم تكُن مبنية على معلومات صحيحة وتنبؤات دقيقة. وبالتالي، نشأت عنها إستراتيجية خاطئة، كلّفت الشعب العراقي تكاليف باهظة، لا ذنب له فيها.

أمّا موضوع أنه كان واقعاً تحت سيطرة حالة نفسية، تمّ دفْعه إليها تدريجياً، على امتداد فترة زمنية طويلة، واستغلاله لتنفيذ مخطط معين، فكلها شكوك لا ترقى إلى اليقين، ويصعب الحُكم على مدى صحتها، في الوقت الحالي".

احتمالات مهاجمة السعودية

ـ بعد أن اجتاحت القوات العراقية الكويت، سرَت شائعات كثيرة، أن العراق ينوي مواصلة التقدم في اتجاه الدمـام أو الظهران، لاحتلالهما وفرض الأمر الواقع. هل هذا صحيح؟ وماذا كانت المملكة ستفعل في تلك الحالة؟ وما هو المصدر الحقيقي لهذه المعلومات الخاصة باحتمالات التقدم العراقي؟

ـ "حقيقة، لم أسمع هذه الشائعات. ولكني أجد أن سريانها، في ذلك الوقت، بل تصديقها أمر منطقي، لأنه لا أحد كان يصدق أن يعتدي العراق على دولة ساعدته وساندته في حربه على إيران، وتحمّلتْ الكثير من الأعباء والخسائر نتيجة موقفها، وهذه الدولة هي دولة عربية إسلامية مجاورة، أي أن المعتدي لم يراعِ حق الجوار، أو حق الإسلام، أو حق العروبة، وكان جاحداً للجميل، ناكراً للمساعدة؛ فما الذي يمنعه أن يتمادى في غيّه، ويستمر في عدوانه؟!

إن هذا الاحتمال، كان وارداً أمام القيادة السياسية والعسكرية. وكما أوضحت لمجموعة من المفكرين الاستراتيجيين المصريين، الذين التقيتهم، في منتصف شهر يناير الماضي، أن قرار خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، كان قائماً على تقدير موقف سياسي عسكري صحيح، ومبنياً على معلومات وشواهد واضحة (سياسياً وعسكرياً). وبدراسة أسلوب الرئيس العراقي في كيفية تصعيده للأزمة، بعد وقف إطلاق النار مع إيران، ودراسة أهدافه وإستراتيجياته وأساليبه، منذ تولّيه زمام الأمور في بلده، ودراسة نزعاته وصفاته وسلوكياته وأخلاقياته، وُجد أنـه لا يمكن الوثوق بأقواله أو وعوده، ولا يمكن التأكد من حسن نواياه. ثم بدراسة حجم الحشود العراقية على حدود المملكة، كما ذكرت في الإجابة عن السؤال الثاني، وإجراء المقارنات العددية والنوعية، يتضح أن احتمال مواصلة تقدم القوات المعتدية، هو احتمال قائم. وهنا، كان القرار التاريخي، والمنطقي، والمبني على الحسابات السياسية والعسكرية لخادم الحرمَيْن الشريفَيْن، الذي أظهر للمعتدي خطأ حساباته، واضطّره إلى تغيير إستراتيجيته السياسية والعسكرية، وتبنيه للإستراتيجية الدفاعية. ومع استمراره في الصلف والغرور والعناد، أصبحت هذه الإستراتيجية قيداً عليه، وسبباً رئيسياً في هزيمته.

أما سؤال: ماذا كانت ستفعل المملكة في تلك الحالة، فإن خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، لا ولم ولن يسمح، وبأي ثمن كان، أن تُدنس أرض المملكة بأقدام المعتدين، ولن يسمح أن تُنتهك الحرمات في الأراضي المقدسة. لذلك فقد كان هناك خطة للدفاع عن المملكة، وخطة لردع المعتدي، وكان لدينا صلاحيات بالرد السريع الحاسم. وبالتأكيد، كان سيتمّ طردهم، بإذن الله، ولكن بخسائر أكبر وتضحيات اكثر. وقد كنّا مستعدين لذلك تماماً.

أمّا مصادر المعلومات، فقد كانت معلومات استخبارية من عدة مصادر، محلية وإقليمية وعالمية، عسكرية ومدنية. وبالطبع، لا يمكن الكشف عنها".

دور اليمــن والأردن

ـ مثّل الموقف اليمني من الغزو العراقي للكويت أكثر من علامة استفهام، في ذهن المواطن العربي. ما هو تفسيركم لهذا الموقف، على الرغم من كل الإغداقات السعودية على اليمن؟ وهل هناك نية للوصول إلى نوع من أنواع التواؤم مع المطالب اليمنية الخاصة بالحدود؟ أو أن العامل العسكري وحده سيمثّل أداة حسم هذه المطالب؟

ـ "بالفعل، كان الموقف اليمني غريباً جداً. ولم يكُن متوقعاً من جار، أن يؤيّد احتلال دولة عربية إسلامية مجاورة وابتلاعها. وقد كان تأييد اليمن للغزو مثاراً للعديد من الأسئلة.

فمثلاً: هل كان هناك وعود معينة، أعطاها الرئيس العراقي للقيادة اليمنية؟ هل كان هناك خوف من الرئيس العراقي، خوف من بطشه أو انتقامه أو كشفه لهم، دَفعهم إلى مثل هذا الموقف؟ هل كان هناك إغداقات معينة منه على بعض المسؤولين؟ هل انخدع الشعب اليمني الواعي وقياداته بالشعارات والتصريحات، التي أطلقها المعتدي؟ وهل وصل انخداعهم إلى حد إصدارهم للتهديدات والمقالات، التي تهاجم المملكة ... الدولة التي تساندهم من دون مَنٍّ ... وتقف إلى جوارهم في كل مِحنة، من دون إعلان ... الدولة التي أعطت الرعايا اليمنيين أفضلية في جميع المجالات؟ هل كان نوعاً من ترابط المصالح، التي تقوم على حساب الآخرين؟ أسئلة كثيرة الإجابة عنها تثير في النفس ألماً، وفي الحلْق غُصة.

أمّا إذا نظرنا إلى هذا الموقف، من الجانب العراقي، فإننا نجد أن الرئيس العراقي خطط له جيداً، قبل إنشاء مجلس التعاون العربي وبعده، الذي كانت أهدافه، ظاهرياً، نبيلة ومشروعة، وفي حقيقتها، كانت تخدم أغراضه الشخصية، وتُرضي نزعاته. فقد كان يهدف من إقامة هذا المجلس إلى أن يطوّق دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الأخص المملكة.

لقد كان حريصاً على أن تنضم مصر إلى مجلس التعاون العربي، ليضمن حيادها، على الأقل، عند غزوِه الكويت، وإبعادها عن المملكة لإحساسه بخطر تقاربهما، المملكة بقوّتها الاقتصادية، ومكانتها الإسلامية، ومصر بقوّتها البشرية، وثقلها السياسي. وحرص أيضاً على أن ينضم كل من الأردن واليمن إلى ذلك المجلس، وبذلك تكتمل حلقة الحصار. للأسف، استجاب الأردن واليمن، وخضعا لتهديداته. والحمد لله، كان موقف مصر ورئيسها مشـرّفاً، مسانداً للحق، رافضاً للظلم. وهكذا مصر دائماً.

أما الإجابة عن الشق الثاني من السـؤال، فهي من مسؤولية السياسيين. ولكن ما أستطيع أن أؤكده، أن سياسة المملكة المُعلنة في كل مناسبة، هي: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وحلّ كافة المشاكل القائمة بالحوار وبالأسلوب الدبلوماسي الهادئ والصريح، وعدم اللجوء إلى استخدام القوة، مراعين حق الجوار، وحق العروبة وحق الإسلام، ومساعدة كل دولة تساند الحق، من دون تفضّل أو مِنّة. وفي الوقت نفسه، عدم السماح للآخرين بالتدخل في شؤوننا، والدفاع عن حدودنا، مهْما كلّفنا الأمر. هذه هي سياسة المملكة، منذ نشأتها".

ـ من وجهة نظر سموّكم، هل كان أداء مجلس التعاون الخليجي يتفق والذي كنتم تأملونه من إنشاء هذا المجلس؟ وإن كان ثمة خطأ فهل هذا الخطأ يكمن في الآليات، أو في الأسس، التي قام عليها المجلس؟

ـ "الحمد لله، كان أداء مجلس التعاون الخليجي متفقاً تماماً مع ما كنّا نأمله، وما كان يأمله الجميع من إنشائه. وجميع الخطوات، التي تُتخذ في هذا المجال، ويصدق عليها رؤساء الدول، هي خطوات منطقية وهادفة إلى مصلحة الدول الأعضاء. ولا أعتقد أن هناك أخطاء في الآليات، أو الأسس، التي قام عليها المجلس.

إن كل دولة من دول الخليج اشتركت بأقصى ما يمكن المشاركة به من قوات. ويمكنني القول إن هناك، كما أشرت من قبْل، لجاناً متخصصة فنية، قد شُكِّلَتْ بالفعل، وتقوم الآن بدراسة شاملة للتطوير في ضوء حرب الخليج ومسارها ونتائجها ... ولا يمكنني حالياً توضيح أكثر من ذلك".

ـ هل كانت آلية اللجوء إلى اتفاقية الدفاع المشترك من قِبَل الرئيس حسني مبارك، هي أفضل شكل يمكن أن تعمل في إطاره مصر؟ ولماذا لم تحظَ هذه الآلية بتأييد عدد من الدول العربية، من وجهة نظر سموّكم؟ وهل كان الأمر سيصبح أكثر سهولة، لو أن آليـة التعـاون المصري ـ السعودي، في المجال العسكري، أكثر عمقاً؟

ـ "حقيقة لم تُتَح لي الفرصة للاشتراك في مناقشات هذه الاتفاقية، أو التفكير في أي صِيَغ لاتفاقيات أمنية أخرى. وبالتالي، يصعُب الحديث عنها، أو الإدلاء بأي آراء في خصوصها. وأعتقد أنها أخذت مساراً سياسياً واقتصادياً، أكثر منه عسكرياً".

 

حجم القوات وأساليبها

ـ يعتبر وجود حوالي نصف مليون جندي في ساحة العمليات، أمراً يصعب تصوره. كيف أَمكَن السيطرة على هذه القوات؟ وكيف تمّ حلّ مشكلة التفاهم، مع اختلاف اللغات، وتوحيد أساليب الاتصال؟ وهل توصلت القوات السعودية والقوات العربية إلى إطار يمكن الاستفادة منه، مستقبلاً، في توحيد المفاهيم العسكرية لهذه القوات؟

ـ "أودّ، أولاً، أن أصحح الرقم، فالحقيقة أن العدد وصل إلى أكثر من (750) ألف مقاتل، من الأفرع المختلفة (البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي). بالطبع، واجهنا، في البداية، العديد من المشاكل، سواء العملياتية أو الإمدادية، وذلك نتيجة لوجود قوات من 37 دولة، وهو ما لم يحدث من قبْل في أي حرب عرفتها البشرية، مع اختلاف أسلحتها وذخائرها ومعداتها، وعقائدها القتالية، وعاداتها، وتقاليدها، وأذواقها، ولغاتها، إضافة إلى اختلاف طبيعة الأرض والطقس بالنسبة إلى العديد منها. فكان منطقياً أن نتوقع بعض المشاكل، وهذا ما توقعه الكثير من المحلّلين العسكريين أيضاً. ولكن بفضل الله، أَمكَن وضع أنظمة عملياتية وإمدادية، تغلبت على ما ظهر من مشاكل، بل استفدنا من وجود جميع القوات، خاصة تلك التي لها خبرات قتالية سابقة، أو خبرات في التعامل مع أسلحة مشابهة للأسلحة التي كانت بين أيدي القوات المعتدية، أو خبرات في العقائد والتكتيكات المشابهة لِمَا تطبّقه القوات المعتدية أيضاً.

كما أن تخصيص "قطاعات مسؤولية"، من دون التعرض للعقائد القتالية، أو الاستخدام القتالي التفصيلي للوحدات المرءوسة، كان هو أساس التخطيط العملياتي، بالطبع مع مراعاة العديد من الاعتبارات مثل: مناسبة وحدات كل قطاع للمهمة المكلّفة بها، وتآلف كل قوة مع القوات التي إلى أجنابها، وتعاون القوات التي سبق لها إجراء تدريبات مشتركة، وتجميع القوات التي تتكلم لغة واحدة. كما أن تبادل ضباط الاتصال، وتبادل أطقم المعاونة النيرانية، والتدريب المشترك المستمر للقيادات والوحدات، من العوامل الرئيسية للقضاء على كثير من المشاكل".

المناورة العراقية المضحكة

ـ هناك موقف ما زال يثير العديد من علامات الاستفهام، حتى الآن .. وهو: لماذا طلب صدّام حسين وقْف إطلاق النار فجأة، يوم الجمعة السابق على الحرب البرّية؟ هل أفادت التقارير أنه أَدرك عِظَمَ حجم خسارته، وأنه في طريقه إلى هزيمة كاملة؟ أو أن ذلك يرجع إلى القنابل الجديدة التي استخدمتها القوات الجوية للتحالف؟ أو أن هناك أسباباً أخرى؟

ـ "في 15 فبراير، بالتحديد، أعلن مجلس قيادة الثورة العراقي، برئاسة الرئيس صدّام، قبوله قرار مجلس الأمن الرقم 660، في 2 أغسطس 1990، واستعداده لتطبيقه، بما في ذلك الفقرة المتعلقة بالانسحاب العراقي من الكويت، وذلك لأول مرة يُذكر فيها كلمة الانسحاب. ولكن تمّ رفْض هذه المبادرة تماماً، من جانب خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، ومن جانب قادة دول التحالف، وعلى الأخص فخامة الرؤساء محمد حسني مبارك، وحافظ الأسد، وجورج بوش، وفرنسوا ميتران، ورئيس الوزراء جون ميجور. لماذا؟ لأن القيادة العراقية وضعت شروطاً، كأنها هي المنتصرة، شروط أبسط وصف لها أنها مضحكة، ولا يمكن لعاقل قبولها. وبالتأكيد، كان العراقيون يعلمون أن المجتمع الدولي سيرفضها، خاصة أن المبادرة رافقتها دعايات وشعارات تقليدية وعبارات طنانة، ووعود بخوض الحرب حتى النصر النهائي، وأن "أمّ المعارك" ستكون مقبرة للقوات المتحالفة.

لقد كان الشيء الوحيد المقبول لوقف العمليات، هو إعلانه للانسحاب الفوري غير المشروط من الكويت الشقيقة وقبوله جميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن.

من وجهة نظري، إن السبب في إصدار هذه المبادرة المشروطة، من جانبه، أنه تأكد من الهزيمة المحققة، التي ستلحق بقواته البرية، التي كان يعول عليها كثيراً، والتي كان يأمل، قبْل ذلك، أن تبدأ العمليات البرية مبكراً، حتى يتمكّن من طريقها من إطالة أمَد الحرب. وكانت بداية هزيمته إخراج قواته البحرية من المعركة أولاً، ثم إخراج قواته الجوية من المعركة أيضاً، سواء بتدميرها جواً أو في ملاجئها أو هروبها إلى إيران، ثانياً، ثم إحداث الخسائر في قواته البرية، لتحقيق نسب التفوق اللازمة لبداية العمليات الهجومية ثالثاً.

للأسف، لقد أراد أن يطبّق الإستراتيجية نفسها، التي اتبعها في حربه على إيران، من دون أن يدري أن القوات المقابلة اختلفت، والظروف اختلفت، وطبيعة الأزمة اختلفت، والنظام العالمي تغيّر.

ولعل مأساة الحرب كلها تكمن في أن الرئيس العراقي كان متأخراً في اتّخاذ القرار المناسب. فقد كان يمكِن أن يتجنّب الكارثة، لو أنه قبِل نداءات ومبادرات قادة الدول العربية والإسلامية والصديقة، في بدء الاحتلال، أو خلاله، أو استغل الفرص العديدة، التي سنحت له قبْل بدء الحملة الجوية، أو لو أنه أعلن، بعد بدء القتال (إذ كان رهانه الأصلي أن القتال لن يحدث) عزْمه على الانسحاب من دون شروط، غير أنه تأخر في كل مرة، فدفعت الكويت الثمن أولاً، ولا يزال شعب العراق يدفعه حتى اليوم".

 

0.03 %  فقط خسائر

ـ لاحظنا جميعاً، سمو الأمير، أنه كان هناك مبالغات كبيرة في حجم القوات العراقية وتجهيزاتها، كما كان هناك مبالغات كثيرة في تقدير حجم نتائج الضربة الجوية في المرحلة الأولى. هل كانت هذه المبالغات متعمدة؟ وهل أسفرت هذه المبالغات عن نتائـج سلبيـة؟ وما هي هذه النتائج؟

ـ "للإجابة عن الشق الأول من السؤال: نقول نَعم، كان هناك بعض المبالغات. ولكنها ليست في حجم القوات العراقية. إنما كانت في نِسب استكمال المعدات والأسلحة، وفي الخبرة القتالية، التي تصورنا أن العراقيين اكتسبوها خلال حربهم على إيران، وفي الروح القتالية لدى القوات، وفي كفاءة وحدات الحرس الجمهوري المدللة والمميّزة على كافة قطاعات القوات المسلحة العراقية. كما أن دعايتهم ساهمت، إلى حد كبير، في هذه المبالغات.

ومن جانبنا، كنّا نأخذ أي بيان لهم أو تهديد أو معلومة صادرة عنهم مأخذ الجد، حتى إذا كان لدينا ما يفيد عكسها. وكنا نقدر دائماً الموقف العسكري على أساس أسوأ الاحتمالات، وقد أدّى ذلك إلى الاستعداد الكامل لوحداتنا، وتحقيق نسب التفوق اللازمة، خاصة في القوات البرية، وعدم حدوث أي مفاجآت، خلال الحرب، وبالتالي تقليل الخسائر إلى الحد الذي يصعب تصديقه. فهل يُصدق أحد أن نسبة الخسائر الناتجة عن القتال، كانت أقلّ من ثلاثة من مائة في المائة (0.03 %) أي ثلاثة لكل (10) آلاف مقاتل.

أمّا المبالغة في حجم الخسائر الناتجة عن الضربات الجوية، إذا كان هناك مبالغة، فأعتقد أن سببها أولاً: تطبيق القوات العراقية لأعمال الإخفاء والتمويه، واستخدام المواقع والمعدات والأسلحة والمطارات الهيكلية، وتشبيه الإصابات الحقيقية في الأهداف (لمنع قصفها مرة أخرى) بنجاح، خاصة في الأيام الأولى من الحملة الجوية. ثانياً: قصور نظام التقدير الدقيق للخسائر والتدمير، من جانب القوات المتحالفة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنني أعتقد أنه حدَث، أحياناً، أن الخسائر الحقيقية للهجمات الجوية لم تُعلن. ولعلمك، إننا كنا حريصين، خلال الحرب، على أن نقلل الخسائر بين المدنيين إلى أقصى حد، لأننا نعرف أنه لا ذنب لهم في جريمة دفَعهم إليها رئيسهم. وفي الوقت نفسه، نزيد من فاعلية الهجمات ضد الأهداف العسكرية، التي تسمح لهذا الرئيس باستمرار عدوانه، واستمرار جريمته، واستمرار تحدّيه لإرادة المجتمع الدولي.

ويجب ألا ننسى، ونحن نتحدث عن الخسائر الناتجة عن الهجمات الجوية، ما أحدَثه النظام العراقي نفسه من تدمير في بعض المساجد والأماكن الدينية، لإثارة المشاعر الدينية للعالم الإسلامي، وما أحدَثه من تدمير في بعض المناطق السكنية، لإثارة الرأي العام العالمي".

عندما تحركت الصواريخ السعودية

ـ ما هو تقدير سموكم لقوة الصواريخ البالستيكية العراقية؟ وهل كان هناك توقعات أن يستخدم صدّام حسين أسلحة الدمار الشامل؟ وإذا كانت المدن السعودية قد تعرضت لراشقات الصواريخ العراقية، فهل كان هناك نوايا لاستخدام الصواريخ السعودية "رياح الشرق"؟ وما هي الظروف التي كانت ستحكُم ذلك العمل؟

ـ "لقد كانت قوة الصواريخ البالستيكية العراقية قوة لا يستهان بها، إلاّ أن التعديلات، التي أُدخلت عليها، لزيادة مداها (صواريخ "العباس" و"الحسين") كانت على حساب دقة الإصابة. كما أن عدم الاستخدام القتالي الصحيح لها أضعف تأثيرها، وأمكَن الصواريخ "الباتريوت" اعتراضها بكفاءة. وكلنا نعلم أن لهذه الصواريخ تأثيراً معنوياً أكثر منه تأثيراً تدميرياً. ولكن يجب ألا نقلّل من تأثيرها، إذ إن قدرة الرأس الحربية للصاروخ تعادل، على الأقل، تأثير قنبلة ألف رطل للصاروخ "سكود"، وحوالي (650) رطلاً للصاروخ المسمى "الحسين"، و(350) رطلاً لصاروخ "العباس".

وفي خصوص توقعات استخدام المعتدي لأسلحة التدمير الشامل، أقول: نَعم، كنّا نتوقع استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية أيضاً، وقد اتخذنا الإجراءات الكفيلة بالوقاية منها، وفي الوقت نفسه، للردّ المناسب على استخدامها، حتى تكون درساً آخر له. وأعتقد أن الرئيس العراقي لم يجرؤ على استخدام هذه الأسلحة، لِعِلمِه بردّ الفعل المحتمل، وبعدم قدرته على مواجهة قدرات القوات المتحالفة، في هذا المجال.

أمّا عن نوايا استخدام الصواريخ أرض / أرض السعودية، فقد كانت جاهزة وموجّهة إلى عدة أهداف عسكرية، ونظراً إلى اعتبارها صواريخ ذات طبيعة إستراتيجية، فإن أوامر إطلاقها تصدر من القائد الأعلى للقوات المسـلحة. وأتذكر أنه، في إحدى المرات، أُعطيت الأوامر بالتجهيز الفعلي لإطلاق قصفة مركزة على أحد الأهداف، ولم يكُن ينقصنا سوى أمر الإطلاق. ولكن بحكمة القائد الأعلى وإنسانيته ومراعاته لظروف الشعب العراقي، أمَر بعدم الإطلاق، في آخر لحظة. لقد كنت أعلم أن خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، لن يأمر بالإطلاق إلاّ بعد استخدام كافة الأسلحة المتيسرة الأخرى، وبعد استنفاد جميع الوسائل، وبعد الاقتناع بأن إطلاقها أمْر ضروري وحتمي. حقيقة، يمكِن القول إنها كانت حرباً نظيفة، من جانبنا بالطبع".

ـ هل كانت قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات تتوقع هذه الأعداد من الأسْـرى العراقيين؟ وماذا كانت ردود أفعال هؤلاء الأسْـرى؟ وهل تمّت الاستفادة منهم في التخطيط للعمليات؟ وكيف؟

ـ "نعم، كنت متوقعاً لهذه الأعداد، بل كنت موقناً بذلك. أمّا السبب، فهو عِلمي بأن الجندي العراقي لا يثق بأهداف هذه المعركة، ولا يثق بادعاءات قيادته، وأن بقاءه في وحدته ناتج عـن الخوف من المصير الذي ينتظـره وينتظر عائلتـه، إذا حاول اللجـوء إلى المملكة. ولا ننسى كتائب الإعدام، التي شكلها المعتدي لمنْع الهروب أو الاستسلام أو التعاون معنا. ولقد أصدرتُ الأوامر، في أوائل شهر ديسمبر، ببناء معسكرات للأسرى تتسع لمائة ألف أسير. وكان هذا الأمر مثاراً للتساؤل والاستغراب في القيادة من جميع ضباط الأركان، خاصة من ضباط إدارة شؤون الأسْـرى واللاجئيـن. وبالفعل، وصل عدد الأسْـرى إلـى حوالي 75 ألف أسير، وعدد اللاجئين إلى أكثر من (30) ألف  لاجئ.

أمّا عن الأسْرى أنفسهم، فكانت أحوالهم الشخصية واضحة على شاشات التليفزيون، فالأفراد جائعون، ملابسهم مهلهلة، روحهم المعنوية منهارة، فرحون لوقوعهم في الأسْـر، وابتعادهم عن وسائل التهديد والإرهاب والتعذيب، وقد كان معظمهم أكثر من متعاون. وبالتأكيد، تمّت الاستفادة منهم، بعد استجوابهم. وأذكُر لك مثالَيْن عن مدى الاستفادة منهم، الأول: تأكدنا أن خطة الحرب النفسية، التي اتّبعتها قيادة القوات المشتركة، ناجحة تماماً، بينما تمّ إجراء بعض التعديلات على خطة الحرب النفسية، التي اتبعتها قيادة القوات الصديقة، خصوصاً ما يتعلق بتصميم المنشورات، التي كانت تُلقَي على الوحدات العراقية. المثال الآخر: تأكدنا من نجاح خطة الخداع العملياتي، وعلى الأخص اتجاه الضربة الرئيسية، التي كانت قيادة القوات المعتدية تتوقعها من الشرق (من الساحل) وليس من الغرب، كما خُطِطَ لها".

 

دور القوات القطرية والعُمانية

ـ أشادت مصادر عديدة بأداء القوات القطَرية. هل يمكن أن نُلقي مزيداً من الضوء على هذه القوات؟ وهل كان وجودها ضرورياً؟ ولماذا لم تشارك قوات عُمانية في العمليات الفعلية، على الرغم من توافر إمكانات عُمانية؟

ـ "كان أداء القوات القطَرية مشرّفاً، خاصة الوحدات البرية، التي اشتركت في معركة الخفجي، فقد أبلَت بلاءً حسناً. ولم يكن اشتراك هذه الوحدات متعمداً أو مدبراً، ولكنها اشتركت في هذه المعركة لتمركزها في هذا القطـاع ولمسـؤوليتها الدفاعية مع وحدات القوات المسلحة السعودية ووحدات الحرس الوطني السعودي، وللعلم، فإنني لم أستدعِ أي قوات من خارج قطاع المسؤولية.

لقد اشتركت قطَر، في حرب تحرير الكويت، بقوات برية وقوات جوية تمثل في مجموعها أكثر من 23% من إجمالي القوات المسلحة القطَرية، وهذه النسبة تمثل مدى الأهمية التي أعطتها الدولة للمشاركة الفعلية في هذه الحرب، وكما كان الأداء المشرّف للوحدات البرية، كان مثله للقوات الجوية القطَرية، إذ نفّذت أكثر من ستين مهمة جوية.

وبالتأكيد، كان وجود القوات القطَرية ضرورياً في مسرح العمليات، لأنها، أولاً، من دول مجلس التعاون الخليجي، وثانياً، لأنها دولة عربية إسلامية، يكره سمو أميرها الظلم والعدوان، ويساند الحق والعدل.

أمّا عن القوات العُمانية فقد نفّذت بكفاءة جميع المهام، التي خُصصت لها في قطاع مسؤوليتها، واشتركت عناصر منها في قوة الواجب (Task Force)، التي شُكلت لتحرير مدينة الكويت".

ـ في نهاية الحوار، قلت للأمير الفريق الأول الركن (متقاعد) خالد بن سلطان بن عبدالعزيز: أخيراً، سمو الأمير، ما هي الأسباب الحقيقية، التي دعتكم إلى تقديم الاستقالة؟

ـ قال: "لك كل الحق، أيضاً، في هذا السؤال، لأننا في العالم العربي، لم نسمع قَط عن قائد ترك منصبه طواعية، بعد تنفيذه المهمّة التي كُلف بها. لم نسمع عن قائد يقول: "سأترك مكاني لِمَن يواصل تنفيذ المهـام التالية، لأن المنصـب ليس حكراً على أحد". لقد تعودنا أن يظل القائد في مكانه إلى أن يُنتزع منه.

والحمد لله، لقد أكرَمني الله ـ عز وجل ـ أكرمني بتشريف مولاي القائـد الأعلى بتكليفـي بقيادة القوات المشـتركة ومسرح العمليات، وأكرَمني بتشريف مولاي بمنحي وشاح الملك عبدالعزيز من الطبقة الأولى، ثم ترقيتي إلى رتبة الفريق الأول. لقد كان تشريفـاً بالتكليف، وتشريفاً بالتكريم.

الحمد لله، الذي أكرمني وساعدني على تحمل المسؤولية، وأداء الواجب، وتنفيذ المهمة، وأكرَمني بتشريف قادة الدول، الذين أرسلوا قواتهم إلى مسرح العمليات، بقيادة هذه القوات، وأكرمني بحمل أرفع الأوسمة، من أكثر من إحدى عشرة دولة. أي شرف أكبر من هذا؟ وأي فرصة أنسب من هذه لترْك المجال لِمَن يكملون التنفيذ والتطوير؟

وعلى الرغم من هذه الاستقالة، فإنني سأظل جندياً مطيعاً، وخادماً مخلصاً، لدِيني ثم لمليكي ووطني".

ـــــــــــــــــــ