إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / الأحاديث الصحفية، التي أدلى بها، صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى:




مجلة المجالس، العدد 1338
مجلة الصقور
مجلة كلية الملك عبدالعزيز/42
الأمير و الجنود السعوديون
الأمير مع الأمير سلطان
الأمير مع خادم الحرمين
الأمير يهدي كتابه إلى السفير
الأمير خالد مع الشيخ جابر
الأمير خالد مع شوارتزكوف
الأمير في مسرح العمليات
الملك فهد يتفقد القوات
الملك فهد في حفر الباطن
حديث إلى مجلة الحوادث
حديث إلى مجلة كلية الملك عبدالغزيز
سمو الأمير خالد بن سلطان
صورة من مجلة المجالس
صورة من مجلة الرجل
صورة للأمير من مجلة الرجل
صورة للأمير خالد في مجلة الرجل
صورة للأمير، من مجلة الرجل
صورة لسفينة حربية سعودية
غلاف مجلة أكتوبر
غلاف مجلة الحوادث
غلاف مجلة الرجل
غلاف مجلة كلية الملك عبدالعزيز





حديث

إلـــى جريدة "الأنبـــــاء"

الكويت، العدد 5950، الأحد، 29 نوفمبر 1992

ـــــــــــــــــــ

العناويـن

* تحرير مدينة الكويت تمّ بقوات عربية. وعندما تولّتْ الشرعية الأمور، قدّمنا الدعم الذي طلبته.

* اختلافات وُجهات النظر مع شوارتزكوف، كانت تُحلّ بالتفاهم، بما يتفق والمصلحة العامة.

* لَقِينا تجاوباً كبيراً من القوات الأجنبية مع العادات والتقاليد السائدة في المملكة.

* الأخطار تحيط بدول مجلس التعاون، ويجب بناء نظام أمْن وطني قوي لكلٍّ منها.

* القوات العربية والإسلامية كانت تحت القيادة السعودية.

* هدف "عاصفة الصحراء"، كان تحرير الكويت، وتأمين حدودها، وليس إسقاط نظام بغداد.

* عملية الخفجي كانت استنزافاً للقوات العراقية، وأفادتنا كثيراً، على المستوى العملياتي، واستدرجنا فيها العدو إلى مناطق القتل.

* قوات المارينز، لم تشارك في معركة تطهير الخفجي.

* أعددْنا خططاً للطوارئ، لمواجهة أيّ إجراءات عدائية محتمَلة.

* لجنة أَمنية سعودية ـ أمريكية، لحلّ المشكلات في المنطقة الشرقية.

* قوات التحالف التي دخلت العراق، أَمدّت السكان بالغذاء والدواء.

* التوازن الإستراتيجي مع إيران، يخضع لحسابات كثيرة. ويجب التخطيط للدفاع عن أوطاننا تجاه كل الأخطار.

عندما وضعتْ حرب الخليج أوزارها، وبدأتْ حرب كتُب المذكرات، التي خاضها القادة العسكريون لقوات التحالف في حرب الخليج، تاهت الحقائق ما بين صفحات هذه الكتُب، التي انطلقت تمجد أصحابها، وتحتكر لهم أسباب النصر في معركة تحرير الكويت التاريخية.

وإذا كانت هذه الكتُب، التي كان آخرها كتاب القائد الأمريكي شوارتزكوف، قد اختلفت في توزيع حصص أسباب النصر، فإنها قد أجمعت على بخْس القوات العربية والقادة العرب حقهم في اقتسام النصر. وتحدثتْ عن دَورهم بشكل عابر، وغير منصف.

وسعياً وراء الحقيقة، وكشف أسرار هذه الحرب وحقائقها، وحقيقة دَور العرب في إدارتها وتحقيق النصر فيها، التقت "الأنباء" الأمير الفريق الأول الركن خالد ابن سلطان بن عبدالعزيز، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، في حرب الخليج، في حوار صريح كشفت من خلاله الكثير من الحقائق، التي تبعث فينا الفخر والاعتزاز بقدراتنا وطاقاتنا.

وفيما يلي حوار "الأنباء" الشامل مع الأمير خالد بن سلطان، الذي خصّ "الأنباء" ببضع ساعات من وقته، كان فيها مضيفاً كريماً سخياً، ومتحدثاً عسكرياً جادّاً.

 

ـ هل كان هناك صعوبة في التزام قوات التحالف المتعددة الجنسيات بفهْم واحترام العادات والتقاليد الثقافية والإسلامية للمملكة؟

ـ "حقيقة، لم يكن هناك أي صعوبات في هذا المجال. فالقوات العربية والإسلامية لها نفس التقاليد والعادات والقِيم الدينية، وكانوا حريصين على الظهور بأفضل مظهر يليق بهم. ومن جانبنا، تمّ التخطيط لأداء العمرة لِمَن طلب ذلك، وبما سمحت بها ظروف التحضير للدفاع، وظروف العمليات الهجومية. أمّا القوات الأخرى، وأقصد بها على الخصوص القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، فقد كان تجاوُبها كبيراً جداً. وهذه الجيوش لها نظام معين عند استخدام قواتها خارج الحدود. فكما علمت، تمّ توزيع الكتب والنشرات على الأفراد، التي توضح لهم العادات والتقاليد السعودية والقيم الإسلامية. وكان القادة يحضّون جنودهم على ضرورة احترام هذه العادات والتقاليد، بل احترام كل ما هو متّبَع في المملكة، من دون أدنى اعتراض. ومن جانبنا أيضاً، عقدنا لمعظم القوات محاضرات وندوات للتعريف بالدين الإسلامي الحنيف، والتعريف بالعادات والتقاليد والحضارة الثقافية والنهضة السعودية. وكان بعض من هذه المحاضرات يتمّ بناءً على طلبهم أيضاً.

ويهمّني أن أذكر أن قائد القوات المركزية الأمريكية، الجنرال شوارتزكوف، وقائد القوات البريطانية، الجنرال السير بيتر دي لابليير، وقائد القوات الفرنسية، الجنرال ميشيل روكجوفر، كانوا خير معاونين لي في هذا المجال، وكانوا حريصين على ألاّ يحدُث منهم ما يُسيء إلى ما هو متّبَع في المملكة. وللمرة الأولى، وباعتراف هؤلاء القادة، تختفي جرائم الجنس والسُكْر وتناوُل المخدرات، مما جعل القادة، على مختلف المستويات، يتفرغون للتدريب ورفْع الكفاءة القتالية لوحداتهم. وطبعاً، كما تعلم، فإن المملكة، التي أكرمها الله بأطهر بقعتَيْن في الأرض، وجعلها قبلـة المسـلمين، لا تفرّط ولا تسمح لأحد على أرضها أن يفرّط في القِيم الإسلامية، والتقاليد والعادات العربية الأصيلة".

 

صعاب ومشكلات

ـ نظراً إلى وجود هذا العدد الضخم من القوات المتعددة الجنسيات، هل كان هناك صعوبة أو مشاكل في القيادة والسيطرة، واجهتْ القيادة المشتركة؟

ـ "بالطبع واجهنا الكثير من الصعاب والمشاكل. ولكن تمّ، بفضل الله، التغلب عليها باتّباع الأسلوب العلمي والمنطقي. فكما تعلم، إنه كان من مسؤولية القيادة المشتركة قيادة قوات مسلحة من أربع وعشرين دولة، وإمداد وتموين قوات مسلحة من سبع وثلاثين دولة، وهذه الدول مختلفة العقائد العسكرية والتكتيكات المستخدمة، ومختلفة الأسلحة والذخائر والمُعَدات، ومختلفة الأذواق والعادات والتقاليد، ومختلفة اللغة. كل هذا شكّل تحدّياً كبيراً أمام القيادة المشتركة، وتنبّأ العديد من الخبراء العسكريين بفشل نظام القيادة والسيطرة على هذه القوات، وعدم استطاعتها تنفيذ أيّ مهامّ مشتركة.

لقد تمّ وضْع أنظمة إمدادية وعملياتية، تغلّبت على العديد من هذه المشاكل، بل استفدنا من وجود جميع القوات، خاصة تلك التي لها خبرات قتالية سابقة، أو خبرات في التعامل مع أسلحة مشابهة للأسلحة التي كانت بين أيدي القوات المعتدية أو خبرات في العقائد والتكتيكات المشابهة لما تطبّقه القوات المعتدية أيضاً.

حاولنا عدم التعرض للعقائد القتالية، أو الاستخدام القتالي التفصيلي للوحدات المرؤوسة. واكتفينا بتخصيص "قطاعات مسؤولية" لكل وحدة أو قوة، مع مراعاة العديد من الاعتبارات العملياتية، مثل مناسبة وحدات كل قطاع للمهمّة المكلفة بها، وتآلف كل قوة مع القوات التي على أجنابها، وتعاون القوات التي سبق لها إجراء تدريبات مشتركة. ولقد ساعد تجميع القوات، التي تتكلم لغة واحدة، وتبادل ضباط الاتصال بين الوحدات، في القضاء على كثير من المشاكل.

ولا أنسى أن أحد الأسباب، التي ساعدت القيادة المشتركة في القيادة والسيطرة على هذا الحشد من القوات، هو رغبة قادة الوحدات في التعاون التام مع القيادة، علاوة على إرسال الدول المختلفة لأفضل وحداتها وتشكيلاتها وقادتها".

 

القيادة والعمليات المشتركة

ـ قَلَبَ البيان، الصادر عنكم مؤخراً، الكثير من المفاهيم السائدة هنا عن حرب الخليج، وخاصة فيما يتعلق بالقيادة والعمليات العسكرية المشتركة لقوات التحالف ... ما هي، على وجْه التحديد، أهم أسباب عدم وجود قيادة موحَّدة لقوات التحالف؟

ـ "من الصعوبة بمكان وضْع القوات المسلحة السعودية تحت قيادة أجنبية، خاصة أنها الدولة المضيفة، والتي تسيطر على إمداد وتموين وتحركات وإجراء التمرينات الميدانية، بأنواعها المختلفة، لجميع القوات بما فيها القوات الأمريكية. ودستور الولايات المتحدة الأمريكية، يمنع وضع قواتها المسلحة تحت قيادة غير أمريكية. كما أن معظم الدول، التي أَرسلت قواتها للدفاع عن المملكة كمرحلة أولى، ثم تحرير دولة الكويت، كمرحلة ثانية، اشترطت وضْع هذه القوات تحت القيادة السعودية.

لذا، نشأت الحاجة المُلحّة إلى ضرورة وجود قيادتين متوازيتين، تعملان جنباً إلى جنب. إحداهما لقيادة القوات العربية والإسلامية والقوات من الدول الأخرى، التي استدعت طبيعة عملها وضْعها تحت القيادة السعودية، أو ما سمِّي بقيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات. والأخرى لقيادة القوات الأمريكية، والسيطرة العملياتية على القوات، التي استدعت طبيعة عملها التعاون الوثيق مع القوات الأمريكية، مثل بريطانيا، والدول التي أرسلت قوات بحرية فقط، أو أرسلت قوات جوية فقط. أمّا بالنسبة إلى القوات الفرنسية، فإنها كانت تحت السيطرة العملياتية لقيادة القوات المشتركة، في خطة "درع الصحراء"، للدفاع عن المملكة، وتحت السيطرة العملياتية للقيادة الأمريكية في خطة "عاصفة الصحراء".

هذه هي الأسباب التي دعت إلى عدم وجود قيادة موحدة. وبالطبع، تظهر هنا النظرة الثاقبة لمولاي خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، الذي شرّفني بتعييني قائداً للقوات المشتركة ومسرح العمليات، وإنشاء هذه القيادة بعد مضيّ ثمانية أيام فقط على غزو دولة الكويت الشقيقة".

 

اختلافات في وُجهات النظر

ـ يتحدث الجنرال شوارتزكوف كثيراً، في كتابه الأخير، عن خلافات بينكما، وصلتْ في بعض الأحيان إلى حدّ القطيعة ... هل تعود هذه الخلافات إلى تبايُن عادي في وُجهات النظر، أم تتعداه إلى اختلاف في النظرة الأيديولوجية لسير الأمور؟

ـ "حقيقة، لم يكن هناك خلافات حادّة بيننا، كما يتصورها بعض المحللين. واختلاف وُجهات النظر أمر وارد في جميع المجالات. فالجنرال شوارتزكوف ينظر من وُجهة نظر المصالح الأمريكية، وتحقيق أفضل الأوضاع العملياتية والإمدادية والتموينية لقواته، وللقوات التي وُضعت تحت سيطرته العملياتية. بينما ينظر قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات من وُجهة نظر مصلحة المملكة، أولاً، والمحافظة على تقاليدها وعاداتها وحضارتها الثقافية وقِيَمها الإسلامية، ثانياً، ومن وُجهة نظر تحقيق سياسات حكومة مولاي خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، ثالثاً، ومن وُجهة نظر مصلحة الدول، التي أرسلت قواتها لتقاتل تحت القيادة السعودية، رابعاً. هذه الاختلافات في وُجهات النظر، كانت تُحَل باستمرار بالتفاهم، وبما يتفق وتحقيق المصلحة العامة، وتحقيق تنفيذ المهمّة المحددة من كلٍّ من القائد الأعلى للقوات المسلحة السعودية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية، والواردة في قرارات مجلس الأمن.

أمّا ما يخص الخلاف، الذي أدّى إلى قطيعة استمرت أربعاً وعشرين ساعة، فقد أوضحت أسبابه في بيان الرد على كتابه. كما أوضحت في أكثر من مناسبة، إن الغرض من البيان هو الرد على عدم دِقة سرْد الأحداث، وقد قلتُ إنني "فوجئت بما ورَد فيه، أيْ الكتاب، من سرْد لأحداث لم تقع، وأخرى تنقصها الدِّقة في الرواية، وعبارات تحمل في طياتها أكثر من معنًى أو مغزًى". وقد أعلنت أنني، ببياني هذا، لا أقلّل من مكانة الجنرال شوارتزكوف، كقائد يتمتع بكفاءة عسكرية وإدارية عالية، وخبرة طويلة في مجال العمليات والقيادة".

<الفقرة (11) من بيان الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، "البطل يجب أن يتصرف كالأبطال". "ذكَر الجنرال شوارتزكوف في كتابه، أنه هاج عندما أعلنت في اجتماع عام، أن أفضل طريق للحرب، يكون بشنّ الهجوم من اتجاه تركيا، مما نتج عنه مناقشات حامية، تمّ على أثرها مقاطعة بيننا استمرت 24 ساعة. إن هذه القصة عارية من الحقيقة تماماً. فإنني لم أصدر مثل هذا التصريح، ويمكِن إثبات ذلك أو نفيه بمراجعة تصريحاتي خلال هذه الفترة. أمّا الحقيقة، فإن موضوع الهجوم من اتجاه تركيا، تمّ عبْر وثيقة سرية للغاية، تعليقاً على أول مسوَّدة لخطة "عاصفة الصحراء" تقدَّم لي، بعد أن أنجزها فريق التخطيط المشترك، الأمريكي ـ السعودي. وفي هذه المذكرة، أوضحت له ضرورة التفكير في هجوم آخر من اتجاه تركيا، كخطة طوارئ، وملاحظات أخرى، اعتبرَها الجنرال تدخلاً منّي في استخدام القوات، التي كانت تحت إمرته، على الرغم من أنني وجّهت إليه هذه الملاحظات كأسئلة استفهامية، إذ إن الاستخدام، كان يخالف ما ورَد في المراجع الأمريكية نفسها. كما أنني لم أعتذر له، كما ذَكَر، عندما حضر إلى مكتبي، لسبب بسيط هو أنني لم أخطئ في حقه، وعندما احتدم النقاش بيننا، غادرت مكتبه، لأن الظروف التي كنا نمرّ بها لم تكن تسمح لنا بالصياح كالصغار">.

 

أسباب تشكيل اللجنة الأمنية المشتركة

ـ تحدثتم في بيانكم عن تشكيل لجنة لِحَلّ المشاكل التي تنتج عن تصرفات أفراد القوات الأمريكية، قبْل أن تتفاقم ... هل يحدثنا سموّكم عن طبيعة هذه المشاكل، وإلى أي مدى كادت تتفاقم؟

ـ "في الحقيقة، إن هذه المشاكل، التي كانت سبباً في تشكيل لجنة أمنية، برئاسة قائد المنطقة الشرقية، لا تعتبر مشاكل في المجتمع الأمريكي. ولكن نظراً إلى جهْل بعض منسوبي القوات الأمريكية بنظام المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وببعض التقاليد والعادات السعودية، فقد ظهر هذا النوع من الأحداث، التي اعتبرناها مشاكل يجب إيقافها. وهي، على سبيل المثال، قيام بعضهم بالاتصال مباشرة بالدوائر الحكومية والمؤسسات العامة، من دون تنسيق مُسبَق مع إمارة المنطقة أو قيادة المنطقة العسكرية، أو من دون الحصول على تصريح بذلك، والقيام بأخْذ الصور التذكارية داخل المواقع العسكرية وخارجها، من دون إذْن مُسبَق، والطيران فوق المدن والمناطق المأهولة بالسكان، بطائرات عمودية، على ارتفاعات منخفضة، والاتصال بالمواطنين الموجودين بالقرب من المواقع العسكرية، بغرض التعارف. وبناءً على توجيهات سيدي صاحب السمو الملكي، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وفي أثناء أحد الاجتماعات اليومية، التي كانت تُعقد بيننا وبين الجنرال شوارتزكوف، أثَرت معه هذه المشاكل، ووجوب حلها في أسرع وقت ممكن، واتفقنا على تشكيل لجنة مشتركة سعودية ـ أمريكية، يرأس الجانب السعودي منها نائبنا، اللواء الركن عبدالعزيز آل الشيخ، ويرأس الجانب الأمريكي الجنرال يوساك، قائد الجيش، لدراسة وحصْر هذه المشاكل، والاجتماع مع صاحب السمو الملكي، أمير المنطقة الشرقية، والعرض على سموّه بمرئياتهم. وبعد الاجتماع مع سموّه، وتدارس الموقف والمشاكل، تمّ الاتفاق على تشكيل لجنة أمنية، تتكون من قائد المنطقة الشرقية، مندوباً عن وزارة الدفاع، ومدير شرطة المنطقة الشرقية، مندوباً عن وزارة الداخلية، وقائد الفيلق الثامن عشر، مندوباً عن القوات الأمريكية، ومدير فرع الأمن العسكري في المنطقة الشرقية، لِحَلّ جميع المشاكل التي تنتج من تصرفات أفراد القوات الأمريكية.

ووجهتُ خطاباً، بعد ذلك، إلى قائد القوات الأمريكية، طالباً أن تتمّ كافة المعاملات مع الجهات الحكومية أو المؤسسات العامة، من طريق قيادة القوات المشتركة. وقد أبدَى الجنرال شوارتزكوف والجنرال يوساك وقائد الفيلق الثامن عشر تجاوباً كبيراً، ووعدوا بإيقاف هذه المشاكل، وتلقين جنودهم، عند قدومهم إلى المملكة، كيفية التصرف السليم واللائق، المتفق مع عاداتنا وتقاليدنا. كما أبدَى قائد الفيلق الثامن عشر، عند اجتماعه مع أعضاء اللجنة الأمنية، رغبته في حلّ جميع المشاكل، والقضاء عليها، وعدم رفْعها إلى القيادة في الرياض وإشغالها بمثل هذه الأمور، وأنه على استعداد تامّ للتعاون مع قائد المنطقة الشرقية، وجميع أعضاء اللجنة. وكان موقفاً إيجابياً للغاية.

وبالفعل، تمّ ذلك بسهولة ويُسْر، ولم يحدث بعدها أيّ مشاكل تُذكر. وهذان التجاوب والتفاهم، لم يكونا من جانب القوات الأمريكية فقط، وإنما كانا من جانب جميع القوات المتحالفة، التي وجدت على أرض المملكة".

 

الجميع شاركوا في تحرير الكويت

ـ كيف تمّ دخول مدينة الكويت؟ وما تعليقكم على بعض التقارير الصحفية، التي تحدثتْ عن تجاوزات بعض أفراد القوات المتعددة الجنسيات؟

ـ "تمّ تحرير مدينة الكويت بواسطة قوات عربية. ومَن يقُلْ خلاف ذلك، فقد تجنّبه الصواب تماماً. بالطبع، كان أداء قوات التحالف مكملاً بعضه البعض، فتحرير مدينة الكويت هو جزء من خطة "عاصفة الصحراء"، هذه الخطة التي نفّذها جميع القوات، كلٌّ فيما يخصه، وكلٌّ طبقاً للمهمّة المحدّدة له. أمّا المدينة ذاتها، فتحريرها تمّ بواسطة القوات المشتركة، إذ كانت تقع في قطاع مسؤوليتها. فعند اقتراب القوات، التي كانت تحت إمرتي، من الحدود الخارجية للمدينة، أمرتُ بتشكيل قوتَي واجب من وحدات من جميع القوات العربية المشاركة، الأولى تهاجم المدينة من الجنوب، والأخرى من الغرب، لتقتحم الوحدات مدينة الكويت في وقت واحد. لقد وجدتُ، وقتها، أن الأمانة تجاه جميع القوات، التي كان لي شرف قيادتها، تقتضي منّي إشراكها جميعاً لتحقيق هذا الهدف، الذي كنّا نسعى إليه، وحتى لا يدَّعي أحد، في المستقبل، أنه كان لقواته فقط شرف السَّبْق في تحرير عاصمة دولة الكويت الشقيقة.

أمّا فيما يتعلق بما ذكرته الآن، عن وقوع بعض تجاوزات من قوات التحالف، فإنني لم أتلقَّ، طيلة فترة الأربعة أشهر، التي تَلَت عملية دخول المدينة وتحريرها، أيّ تقارير أو شكاوى تفيد بوقوع مثل هذه التجاوزات. وبفرض حدوث البعض القليل منها، فإنها لم تخرج عن النطاق الفردي، وحدوثها أمر محتمَل في أيّ مكان، وفي مثل هذه الظروف".

 

حفْظ النظام في الكويت

ـ خلال الأيام الأولى لتحرير الكويت، تولّى الجيش الكويتي مهمّة حفظ الأمن الداخلي، وإقامة حواجز التفتيش ... هل كان ذلك بارتباط بقيادة القوات المشتركة؟

ـ "من المهمّ أن يكون معلوماً، أن مهمّة القوات المشتركة، كانت تحرير مدينة الكويت، ثم تحرير دولة الكويت كلها من المعتدي الغاصب، وتأمين حدودها، والاستعداد لصدّ أيّ هجمات أو ضربات مضادّة للقوات المعتدية. وبمجرد إعلاني تحرير مدينة الكويت، ورفْعي تقريراً وتهنئة بذلك إلى مولاي خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، وإلى سمو وليّ عهده الأمين، وإلى سمو النائب الثاني، وتهنئة خاصة لسمو الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير البلاد، اعتبرتُ أنني أنجزتُ مهمّة المرحلة الأولى، وبدأنا في تنفيذ مهمّة المرحلة الثانية.

وللعِلم، فإنني، قبْل البدء في حرب التحرير، أصدرت كتاباً رسمياً، يحدد علاقة القيادة والسيطرة بيننا وبين قائد القوات الكويتية، أخي اللواء الركن جابر الصباح، وكان ينص على وجود الوحدات الكويتية تحت قيادة مركزَي القيادة المتقدمين لقيادة القوات المشتركة، في المنطقتين الشرقية والشمالية، خلال المراحل الأولى للعمليات. وعند اقتحام القوات المشتركة لمدينة الكويت وتأمينها، تتجمع الوحدات الكويتية كلها، لتكون تحت إمرة اللواء الركن جابر الصباح، وتتولّى بنفسها مهمّة حفْظ النظام، وأيّ مهامّ أخرى تُحدد لها. لقد أثبتت هذه الخطة نجاحها، من وُجهة نظر القيادة المشتركة، نظراً إلى تدفق العديد من المواطنين الكويتيين، وعدم انتظارهم حتى يتمّ تطهير المدينة، ووضْع النظام السليم لحفظ الأمن. وبمجرد تسلّم القيادة الشرعية للكويت زمام الأمور، اعتبرنا أنفسنا ضيوفاً عليها، نعاونها بقدر ما نستطيع، ولا نتدخل في شؤون إدارتها للبلاد.

ولذلك، أصدرتُ أوامري بسحب القوات العربية، التي اقتحمت المدينة، إلى خارج حدودها، وقدّمنا كل الدعم والمساندة اللذين طُلِبا منّا، وأخص بالذكر وحدات الحراسة ووحدات إزالة الألغام، التي قامت بعملها على أكمل وجْه خلال الشـهر الأول من التحرير".

 

إزالة الألغام

ـ تحدّث كثير من التقارير عن الجهود الكبيرة، التي بذلتها القوات السعودية، على وجْه الخصوص، في إزالة الألغام وتطهير الساحل الجنوبي للكويت ...

ـ "على الرغم من تحدّث كثير من التقارير عن هذه الجهود، كما ذكرت، إلاّ أنها لم تُعْطَ حقها من الإبراز الإعلامي اللائق، الذي تستحقه. فالقوات السعودية قامت بتطهير وإزالة الألغام على طول الساحل الجنوبي، من ميناء سعود حتى حدود مدينة الكويت. وكذلك قامت القوات المصرية بالتطهير والإزالة، في القطاع الذي خُصص لها. وللأسف الشـديد، ذهب ضحية تنفيذ هذه المهمّة العديد من الشهداء، الذين لن ننسى تضحياتهم بأرواحهم في سبيل تأمين الكويت، وعودة الحياة الطبيعية الآمنة لشعبها".

 

خطط لمواجهة الطوارئ

ـ هل كان هناك خطة لاحتواء أيّ عمليات عسكرية محتمَلة، يمكِن أن يقوم بها اليمن على الحدود السعودية، كنوع من الإسناد للنظام العراقي؟ وهل حدث بالفعل أيّ تحركات عسكرية يمنية؟

ـ "لقد ورَد في هذا الخصوص عدة تقارير، تحدثتْ عن حشود يمنية على الحدود السعودية، وعن وجود قوات عراقية في اليمن والسودان، وعن تهديدات باستخدام هذه القوات ضدّ المملكة وضدّ جمهورية مصر العربية. ولكن المعلومات، التي وردت في هذه التقارير، لم تتأكد بصفة قاطعة.

وعلى الرغم من ذلك، فقد أعددنا خططاً للطوارئ، لمواجهة أيّ إجراءات عدائية محتمَلة، فكل شيء، وقتها، كان محتمَل الحدوث، فمَن كان يصدق أن يعتدي العراق على دولة ساندته وأيدته في حربه على إيران لمدة ثماني سنوات، وتحمّلتْ الكثير نتيجة وقوفها بجواره؟ مَن يصدّق أن يلتهم العراق، في ساعات، دولة عربية إسلامية شقيقة، جارة له، طمعاً في ثرواتها وتهديداً. إن القائد المحترف، هو الذي يضع حساباته على حدوث أسوأ الاحتمالات، ويكون مستعداً لردع أيّ تهديد من أيّ اتجاه، وجاهزاً لمواجهته، بما يناسبه من أسلحة وقوات. وهذا ما حدث بالضبط".

 

هدف "عاصفة الصحراء"

ـ هل كانت خطة الهجوم على القوات العراقية، لتحرير الكويت، قد حدّدت نقطة معيّنة للتوقف عندها؟ أو أن قرار إيقاف تقدُّم القوات المتحالفة، ووقْف الحرب عند حدّ إخراج القوات العراقية من الكويت، كان قراراً خـارج حسـابات الخطة التي وضعتها القيادة العسكرية؟ وهل كان هناك خطة للتقدّم نحو بغداد؟

ـ لا بد أن نتفق، من البداية، على عدة حقائق: أولاً: أننا كنّا نعمل في إطار من الشرعية الدولية، ومن التفويض الذي أصدره مجلس الأمن الدولي، بقراره الرقم 678. هذا التفويض أجاز استخدام جميع الوسائل اللازمة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 660، الذي حدّد ضرورة انسحاب القوات العراقية فوراً، وبلا شروط، إلى المواقع التي كانت فيها، في الأول من أغسطس 1990. ثانياً: المهمّة، التي حُددت لي من القائد الأعلى للقوات المسلحة السعودية، هي الدفاع عن أراضي المملكة، والاستعداد لصدّ الهجمات المعادية، والقدرة على القيام بالهجمات والضربات المضادة، لطرد أيّ قوات تنجح في اختراق دفاعاتنا. ثم تطورت المهمّة إلى تحرير دولة الكويت، وتأمين حدودها الدولية مع العراق. ثالثاً: يجب أن نفرّق بين شعب العراق وقواته المسلحة، التي ظُلِمت في حرب غير شرعية، وبين قيادة الشعب العراقي، التي أوردت العراق موارد الهلاك. ومن ثمّ، لا نعاقب الشعب العراقي بما فعلته قيادته تجاهه، وتجاه الأشقاء العرب، وتجاه الأمة الإسلامية. رابعاً: لم يكُن من أهدافنا على الإطلاق، ولا من أهداف القوات الأمريكية والقوات التي كانت تحت سيطرتها العملياتية، التقدّم نحو بغداد وإسقاط النظام العراقي، لأن تغيير نظام الحكم هو من مسؤولية الشعب العراقي نفسه، وليس مسؤولية القوى الخارجية.

من هذه الحقائق، نستخلص أن الهدف الذي كنا نسعى إلى تحقيقه في خطة عمليات "عاصفة الصحراء"، هو تحرير مدينة الكويت، ثم تحرير الكويت بالكامل، وطرْد القوات المعتدية، وعودة الحكومة الكويتية الشرعية، وتأمين الحدود الدولية الكويتية. والحمد لله، تحقق هذا الهدف تماماً. ولا أُذيع سرّاً، الآن، أنني عدّلت في خطة العمليات، وفي مواجهات ومحاور هجوم القوات المشتركة، تجنباً لانتهاك الأراضي العراقية.

لذلك، فإن التقدّم نحو بغداد، لم يكُن وارداً في الفكر على الإطلاق، ولا يمكِن أحداً من المسؤولين المخلصين الموافقة على ذلك، مهْما كانت الأسباب. وقد طلبتُ من قادة القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية ضرورة التزام جميع القوات بعدم الدخول إلى القرى والهجر التي تواجههم، وأن يلتفوا من حولها، مع ضرورة احترام عادات السكان العراقيين وتقاليدهم، وصون كرامتهم، وعدم انتهاك حرماتهم. وقد وعدوا جميعاً تنفيذ ذلك. وبالفعل، لم تحدث أيّ انتهاكات، ولم تصدر عن السكان أيّ شكاوى، بل العكس هو الصحيح، إذ إن هذه القوات ساعدتهم وأمدتهم بالأغذية والمواد الطبية".

 

المارينز وعملية الخفجي

ـ حاول الإعلام الغربي أن يُعطي دَوراً لقوات المارينز الأمريكية في عملية الخفجي ... ما هي حقيقة دَور هذه القوات، أو أي قوات أخرى في هذه العملية؟

ـ "لم يكُن هناك أيّ وجود لقوات المارينز الأمريكية في قطاع مدينة الخفجي، إذ إن المدينة تقع في نطاق مسؤولية قيادة القوات المشتركة. أمّا قطاع قوات المارينز، فيبعد حوالي (60) كيلومتراً، غرب المدينة. ووُجد لهم فقط طَاَقَما استطلاع من (12) فرداً. ومن أجْل هؤلاء، أصدرتُ الأوامر بتأجيل شنّ الهجوم المضادّ، لإنقاذ الطاقمَيْن، أولاً، وإخلائهما خارج المدينة، حتى لا يتعرضوا للأسْر من جانب القوات المعتدية، أو لنيران القصف والاقتحام من جانبنا.

أما القوات التي شـاركت في عملية الخفجي، فهي: اللواء الثامن مشـاة الآلي من القوات البرية السـعودية، واللواء الثاني مشاة من قوات الحرس الوطني السعودي، إضافة إلى كتيبة من دولة قطَر الشقيقة، شاركت بحكم وجودها في قطاع المسؤولية".

 

عمليــة إعلاميــة

ـ صوّر العراقيون احتلال الخفجي على أنه اختراق إستراتيجي ضدّ قوات التحالف. ما هي الأسباب الحقيقية لاحتلال الخفجي؟ وأين يقع الخطأ في حدوث ذلك؟

ـ "هذا الادعاء عارٍ من الصحة تماماً. أولاً، لأن الاختراق الإستراتيجي، كتعبير عسكري، يعني الاختراق العميق لمسافات بعيدة، تصل إلى عمق دفاعات الجانب المقابل، وهذا لم يحدث، فالاختراق كان بعمق 17 ـ 20 كم فقط. ثانياً، نتيجة المعركة تُكذّب هذا الادعاء، فقد قُتِلَ من القوات المعتدية، للأسف الشديد، (32) فرداً، وجُرِحَ (35)، وأُسِرَ (448)، إضافة إلى تدمير (93) دبابة وعربة مدرعة وعربات أخرى متنوعة. أرقام لا أنساها، لأن المعركة شكلت أكبر تحدٍّ أمامنا، ولأنها تعدّ أكبر معركة برّية تشترك فيها القوات السعودية، منذ نشأة المملكة، ويكون قائد القوات المشتركة مسؤولاً عن إدارتها.

وكما تعلم، فإن مدينة الخفجي كانت مدينة خالية من السكان المحليين أو القوات العسكرية وذلك لِقُربها من الحدود الكويتية السعودية (17 كيلومتراً فقط، جنوب الحدود)، ولِوُقوعها في مرمى المدفعية والصواريخ الميدانية وصواريخ أرض ـ أرض (فروج 7) للقوات المعتدية. وإن إخلاءها في ذلك الوقت، يعدّ قراراً بديهياً وضرورياً، في الوقت نفسه. لذلك، فقد أصدرتُ أوامري بسحب القوات السعودية إلى الجنوب مسافة 30 ـ 40 كيلومتراً، طبقاً لطبيعة الأرض، واعتبرت هذه المنطقة منطقة أمْن ومنطقة قتْل لأرتال المعتدي، إذا حاولت عبور الحدود. وأمرتُ، أيضاً، أن يوجد في منطقة القتْل هذه وحدات استطلاع خفيفة الحركة، مهمّتها الإنذار فقط، عند اقتراب الأرتال المعادية. هكذا كان وضْع مدينة الخفجي والمنطقة المحيطة بها، ووضْع القوات جنوبها، قبْل تهوُّر القيادة المعتدية ودفْع قواتها تجاهها.

بالتأكيد، كانت للمعتدي أهداف كثيرة من هذه العملية، أهمها، محاولة إظهار قدرة العراق على تهديد أراضي المملكة، على الرغم من وجود القوات العربية والإسلامية والصديقة، ومحاولة الاستيلاء على هدف حيوي، يمكّنه من تهديد المناطق البترولية الساحلية للمملكة، وإجبار القوات المشتركة والصديقة على تغيير خططها العملياتية، والتركيز على استعادة منطقة الخفجي والمناطق الأخرى، التي كان يأمل في احتلالها، ومحاولة دفْع القوات المشتركة والصديقة إلى معركة برّية، يحدد هو نفسه الوقت والمكان المناسبَيْن لها، ومحاولة رفْع الروح المعنوية المنهارة لقواته المسلحة، مع التأثير في معنويات قواتنا، ومحاولة تأكيد قدرة القوات العراقية على الاستمرار في المعركة، والقيام بعمليات هجومية، أيْ قدرته على نقْل المعركة إلى أراضي المملكة.

والحمد لله، أخفقت القيادة العراقية في تحقيق أيٍّ من أهدافها، وكانت العملية استنزافاً للقوات العراقية، وشاهداً على ضعف الفكر العسكري لتلك القيادة. فلا يُعقل أن يدفع أيّ قائد عسكري قواته إلى معركة هجومية، من دون غطاء جوي، وهو يعلم، في نفس الوقت، أن الجانب المقابل يمتلك السيادة الجوية.

أمّا عن الأخطاء التي أدّت إلى احتلال المدينة، فيمكِن القول إنه لا توجد أخطاء عسكرية، بالمعنى المتعارف عليه، سوى تأخُّر المعاونة الجوية القريبة، وعدم الاستجابة للطلب في الوقت المناسب، إذ كانت السيطرة العملياتية الجوية من مسؤولية القوات الجوية الأمريكية. وكنّا، بالطبع، نضع في حسابنا احتمالات احتلالها، بل إن استدراج القوات المعتدية إلى مناطق القتْل، التي أُعدّت لذلك، كان أحد أهدافنا. ولا أكُون مبالِغاً إذا قلت إن هذه المعركة أفادتنا تماماً، خاصة على المستوى العملياتي، وأعتبرها تطعيماً حياً، جيّداً للمعركة، على المستوى التكتيكي، وتدريباً عملياً على العمليات البرّية المنتظرة، لطرد المعتدي من دولة الكويت. والحقيقة، إن أي قائد عسكري لا بد وأن يكون محظوظاً، إذا كان يواجه قائداً عسكرياً يفكر بمثل عقلية صدّام حسين!

 

الصعـــوبات

ـ طيلة شهور الأزمة، ما هي أهم الصعوبات التي واجهتْكم، كقائد للقوات المشتركة ومسرح العمليات؟

ـ "أصـعب الفترات التي واجهتهـا، هي الفترة الأولـى، عقـب الغزو، وعقـب تكليفـي بقيادة القـوات المشــتركة ومسـرح العمليات. فقد كنّا نواجه رابعة قوة مسلحة في العالم، ولا يوجد لدينا القوات الكافية لصدّ الهجوم على أراضينا. فلم نكن نتوقع أو نتصور أن يأتي التهديد والعَداء لنا من الشمال، من الدولة التي ساندناها وقدّمنا لها كل عون! لقد كان المطلوب منّا بناء القدرة العسكرية، في أقصر فترة، لتكُون قادرة على الدفاع عن أراضي المملكة، ومنْع قوات العدو من انتهاك حرماتنا ومقدساتنا. كانت فترة صعبة حقاً، خاصة بعد أن سمِعنا وشاهدنا الفظائع، التي ارتكبتْها القوات المعتدية عند غزوها الكويت. استمرت هذه الفترة إلى أن شَعرنا أنه في استطاعتنا، بتوفيق من الله، إيقاف تقدُّم أيّ قوات عراقية، إذا حاولت ذلك، وتنفيذ الهجمات والضربات المضادّة لطرْدها، بل تلقينها درساً لا تنساه.

من فترات المسؤولية الصعبة، فترة تدفّق وحدات من القوات المسلحة للدول المختلفة إلى موانيء المملكة ومطاراتها وطرقها، وضرورة استيعابها في وقت قصير، وتلبية كافة احتياجاتها، من أسلحة وذخائر ومُعَدات وسيارات (لبعض الدول)، وتأمين الطعام والوقود والمياه والخدمات لجميع القوات، وأهمية إرضاء كافة الأذواق؛ فقوات الدول ضيوفنا، ويجب إرضاء الضيف، مهْما طلب. وتندهش إذا قلت، الآن، إن الشكاوى التي وصلتنا، كانت بسبب الوفرة في الاحتياجات، وليس بسبب النقص فيها.

من اللحظات شديدة الصعوبة، التي لا تُنسَى أيضاً، هي مشاهدتي الإخوة الكويتيين الأعزاء، وهم ينزحون من بلادهم، العزيزة على نفوسهم ونفوسنا، من طريق مدينة الخفجي، والآلام مرتسمة على وجوههم. حقيقة، كنت أعاني هذه المشاهد الحزينة، التي تدل على وضاعة الجانب المعتدي، إلى درجة أنني، بعد الأسبوع الأول، امتنعت عن مشاهدة التلفزيون أو متابعة هذه المآسي في الصحف ووسائل الإعلام، حتى لا تؤثّر العاطفة في صناعة القرارات".

 

الاستعدادات لا تتمّ في أيام

ـ هل كانت قوات التحالف الدولي في حاجة إلى حوالي ستة أشهر من الاستعداد لبدء حرب تحرير الكويت؟ وهل كان للسياسة وحدها دَوراً في تأخير بدء الحرب؟

ـ "يمكِن القول إن الاستعدادات العسكرية والتطورات السياسية، سارت جنباً إلى جنب، منذ بداية الأزمة. ويمكِن القول، أيضاً، إن الاستعدادات العسكرية، لم تتأثر، سلباً أو إيجاباً، بإمكانات الحلّ، التي كانت تظهر بين الحين والحين، وهذا أفاد إلى حدّ كبير، من وُجهة النظر العسكرية.

إن الاستعداد لخوض معركة هجومية ناجحة على قوات، يزيد تعدادها على نصف مليون، مقاتل ولها خبرة قتالية، وتحتل مواقع دفاعية حصينة واسعة وأعماقاً كبيرة، ليس بالأمر الهين أو البسيط، الذي يتمّ في عدة أيام أو أسابيع. فقد بدأت عملية "درع الصحراء" برفْع كفاءة الحالة الدفاعية للمملكة، لتكُون قادرة على صد المعتدي، إذا حاول الاستمرار في اعتدائه. واتّسمت هذه المرحلة بالحشد العسكري، وتلبية الاحتياجات العملياتية والتموينية، وإنشاء وتكوين وحدات عسكرية سعودية جديدة، وتجميع وإنشاء وحدات قتالية كويتية، واستقبال قوات مسلحة من سبع وثلاثين دولة، وإجراء التدريبات المشتركة، وإنشاء نظام قيادة وسيطرة فعال. هذه الإجراءات، كما ترى، لا يمكن أن تتمّ في يوم وليلة. أمّا "عاصفة الصحراء"، وهي العملية الهجومية، فقد استلزمت تحقيق نسبة التفوق اللازمة، والتي يجب ألاّ تقلّ عن 3 : 1 على الأقلّ، أي يكون المهاجم ثلاثة أضعاف المُدافع. ومن ثمّ، استلزم الأمر استدعاء وحدات أمريكية جديدة، بأسلحتهم ومُعَداتهم وسياراتهم وطائراتهم الحربية. ليس ذلك فقط، فبعد وصولها، يجب إعادة تجميعها وإعادة تدريبها لرفْع كفاءتها القتالية، وإجراء التمرينات الميدانية المشابهة لظروف المعركة المقبلة، وإجراء التمرينات المشتركة بينها وبين القوات الأخرى. أي أن الأمر يستدعي فترة طويلة من الإعداد الناجح، لضمان تنفيذ عملية هجومية ناجحة.

إذاً، فترة السبعة أشهر، التي تتطلَّبها الاستعدادات العسكرية، لا تعدّ فترة طويلة، بجميع المقاييس، بل العكس هو الصحيح، فهي تعتبر قياسية، بالنسبة إلى حجم القوات المستخدمة. ولولا البنية الأساسية للمملكة، من طرق ومطارات وموانئ وجسور إيواء وكباري وخطوط مواصلات، لما أمكَن إنجاز هذه المهمّة في هذا الوقت القصير.

أمّا عن تدخل السياسة في تأخير بدء الحرب، فيمكِن القول إن هذا الأمر جائز، إذ إن شنّ الحرب ليس بالأمر السهل، ويتطلب إعداد المسرح الدولي سياسياً لقبول ذلك، مع إضفاء الشرعية الدولية على هذا العمل. ومن يتتبّع الأزمة من الوُجهة السياسية، يجد أنها أُديرت بشكل جيد، ولم تلجأ السياسة إلى الحرب، إلاّ بعد فشَل جميع المساعي والوساطات والمحاولات المضنية للوصول إلى حل سلمي. ولا ننسى أن استخدام القوات المسلحة هي إحدى أدوات السياسة".

 

تجربة قيادية

ـ بماذا خرج خالد بن سلطان من تجربة قيادة معركة تحرير الكويت؟

ـ "أعتقد أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد شرّفني بأكبر مركز قيادي عسكري، يمكن أن يتحقق لأيّ شخص في العالمَيْن، العربي والإسلامي. ثم الشكر والعرفان للشخص الذي أكرَمني بتولّي هذه القيادة، وهو مولاي خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، القائد الأعلى للقوات المسلحة، فهذا في حدّ ذاته سيكون شرفاً لي ما حييت.

التجارب التي خرجت منها كثيرة، وآمل أن تكون سنداً لي في خدمة دِيني ومليكي وبلدي، من موقعي كمواطن سعودي".

 

السعودية والتوازن الإستراتيجي

ـ أظهرت القوات السعودية، وخاصة الجوية والبحرية منها، تفوقاً كاملاً في الأداء أثناء حرب الخليج، وظهرتْ بشكل يوحي باكتسابها خبرة قتالية كبيرة ... هل يرى سموّكم أن ذلك دافعاً إلى الاطمئنان إلى تحقيق التوازن الإستراتيجي البحري مع إيران، خاصة بعد تدعيمها لقِطعها البحرية مؤخراً؟

ـ "مما لا شك فيه أن القوات المسلحة السعودية، بأفرعها الرئيسية، أبلَت بلاءً حسناً في حرب تحرير الكويت، واكتسبت خبرة قتالية لا بأس بها، وبالتالي، فإنه يجب الاستفادة من هذه الخبرة وتطويرها.

أمّا ما يخصّ تحقيق التوازن الإستراتيجي البحري مع إيران، فهذا موضوع آخر، لا يخضع للخبرة المكتسبة فقط، ولكنه يخضع لحسابات كثيرة ومعقّدة، سواء في العدد، أقصد عدد القطع البحرية، أو النوعية، أو الكفاءة القتالية. كما أن التوازن الإستراتيجي البحري، هو جزء من كلّ، أيْ جزء من التوازن الإستراتيجي العام أو الكلّي، ولذلك، يجب أن ننظر إلى هذا الأمر نظرة شمولية أوسع من تحديدها بنوع واحد من التوازن، فالتوازن الجوي، أو التفوق الجوي، لا يقلّ أهمية عن التفوق البحري، والتوازن البرّي، أيضاً، لا يقلّ أهمية عن التوازن البحري. وهناك العديد من العوامل الأخرى، التي تساعد وتعضد التوازن الكلّي، يجب إدخالها في الحسبان".

 

أُسس بناء قوة دفاع مشتركة

ـ ثارت شكوك كثيرة، عند بداية أزمة الخليج، حول أهمية الدّور الذي يمكِن أن تقُوم به قوات "درع الجزيرة" في حفظ أمن المنطقة ... ومؤخراً، في اجتماع وزراء دفاع مجلس التعاون الخليجي، أُثيرت مسألة إعادة بناء قوة دفاع "درع الجزيرة" ... في رأيكم، ما هي الأُسس والمقوّمات، التي تبني لنا قوة دفاع مشترك، تقُوم بواجبات فعلية ومؤثّرة لحفظ أمن الخليج؟

ـ "أولاً: يجب أن نتّفق على أن العدائيات والأخطار، تحيط بدول مجلس التعاون من كل جانب، ودرْس أزمة الخليج خير شاهد على ذلك.

ثانياً: يصعب على أيّ دولة من دول مجلس التعاون مواجهة هذه الأخطار منفردة.

ثالثاً: تهديد أيّ دولة من دول مجلس التعاون، هو تهديد لجميع الدول الأعضاء في المجلس، والأخطار التي ستصيب دولة منها، ستصيب الدول الأخرى عندما يحين دَورها.

رابعاً: تكامل دول مجلس التعاون في جميع المجالات، هو في مصلحة كل دولة منها، وليس في مصلحة دولة معينة على حساب الأخرى.

خامساً: يجب امتلاك وسائل الردع، التي تجعل المعتدي يفكر غير مرة، قبْل أن يبدأ عدوانه.

سادساً: إننا نعيش في عصر التكتلات والكيانات الكبيرة، ولا مكان للضعفاء والأقزام، الذين قد يعطف عليهم العالم، ولكنه لا يحترمهم.

من ذلك يمكن القول إنه يجب، قبْل أيّ شيء، إيجاد نظام أمْن وطني قوي لكل دولة من دول المنطقة، يحقق لها الاستقرار والأمن والأمان، ثم توضع الخطط لتكامل هذه الأنظمة في نظام أمني، يحقق أيضاً الاستقرار الداخلي والخارجي للمنطقة. ومن وُجهة النظر العسكرية، فإن بناء القدرة الذاتية لكل دولة، وتكوين قوة عسكرية خليجية، قادرة على التدخل السريع، وقادرة على الردع، يعتبران ضرورة ومطلباً أساسياً لتحقيق أمن المنطقة، مع الوضع في الحسبان أهمية التعاون مع قوات أخرى من خارج المنطقة، إذا كان التهديد أكبر من الإمكانات العسـكرية لدول المنطقة.

بالنسبة إلى قوات "درع الجزيرة"، يجب إعادة النظر في تكوينها وتسليحها وتطويرها واستخدامها، في إطار الحقائق التي ذكرتُها من قبْل، مع الاستفادة من دروس حرب الخليج، بأسلوب علمي واقعي، بعيداً عن العاطفة. فإننا نواجه أخطاراً حقيقية تهدد أمننا، ولا وقت للعاطفة والمجاملة، لأن المصير مصير شعوب ودول، وليس مصير أفراد فقط".

 

الدفاع ضدّ كلّ الأخطار

ـ يُعاب علينا، فيما مضى، أننا كنا نعايش بناء العراق لقوّته العسكرية، من دون أن نستشعر الخطر المحتمل، الذي يمكِن أن يُشكّله ذلك علينا ... اليوم، ومنذ نهاية حرب الخليج، دخلت إيران سباقاً ذاتياً لبناء القوة في مجال التسليح ... بل إن إيران لا تُخفي أنها تسعى إلى تحقيق التفوق الإستراتيجي في المنطقة ... ما هو دَورنا نحن في مواجهة ذلك ودرء أخطار التسليح الإيراني، كي لا تتكرر المأساة بصورة أخرى؟

ـ "أولاً، يجب ألاّ نُضخم الخطر أو نقلله وإنما نأخذه بحجمه الحقيقي مأخذ الجد، في التخطيط؛ وأنا من المؤمنين بإعطاء الفرصة كاملة للتفاهم الدبلوماسي. أمّا بالنسبة إلى التخطيط لحماية أنفسنا، فإن الدفاع عن أوطاننا ليس ضدّ إيران فقط، وإنما يجب أن نخطط بـ 360 درجة، وأن نضع كل الاحتمالات في صورة تخطيطنا، وأكرّر، مرة أخرى، وجوب وأهمية الإستفادة من الدروس السابقة، لكي نعالج نقاط الضعف، ونقوّي نقاط القوة ونطورها".

 

اجتماعات صفوان والأسْـرى

ـ ينظر الكويتيون بالكثير من التقدير إلى إثارتكم موضوع الأسْرى الكويتيين، خلال اجتماعات صفوان ... ما هي حقيقة ما دار حول الأسْرى في تلك الخيمة؟

ـ "اهتمامي بالأسْـرى الكويتيين أمر لا أستحق الشكر عليه، لأنه واجب. وكانت إثارة قضيتهم أمانة في عنقي، ومهمّة أساسية على عاتقي، كان يجب أن أقُوم بها، بل العكس، كان ينبغي أن أُحاسَب لو لم أقم بها. كان اهتمامي نابعاً من مركزي كقائد للقوات المشتركة، المسؤولة عن تحرير دولة الكويت الشقيقة، وثانياً، لأنني أعتبر نفسي ابن المملكة وابن الكويت، في الوقت نفسه.

أمّا في خصوص اجتماعات صفوان وما دار فيها، فَدَعِ الحديث عنها لكتابي، الذي سأصدره قريباً، إن شاء الله".

ـــــــــــــــــــ