إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / الأحاديث الصحفية، التي أدلى بها، صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى:




مجلة المجالس، العدد 1338
مجلة الصقور
مجلة كلية الملك عبدالعزيز/42
الأمير و الجنود السعوديون
الأمير مع الأمير سلطان
الأمير مع خادم الحرمين
الأمير يهدي كتابه إلى السفير
الأمير خالد مع الشيخ جابر
الأمير خالد مع شوارتزكوف
الأمير في مسرح العمليات
الملك فهد يتفقد القوات
الملك فهد في حفر الباطن
حديث إلى مجلة الحوادث
حديث إلى مجلة كلية الملك عبدالغزيز
سمو الأمير خالد بن سلطان
صورة من مجلة المجالس
صورة من مجلة الرجل
صورة للأمير من مجلة الرجل
صورة للأمير خالد في مجلة الرجل
صورة للأمير، من مجلة الرجل
صورة لسفينة حربية سعودية
غلاف مجلة أكتوبر
غلاف مجلة الحوادث
غلاف مجلة الرجل
غلاف مجلة كلية الملك عبدالعزيز





حديث

إلى مجلة "المجالس" الكويتية

الكويت، العدد 1338

الخميس، 28 ذو القعدة 1418، الموافق 26 مارس 1998

ـــــــــــــــــــ

أجرت الحوار: هداية السلطان السالم

العناويـــن:

* حوار جريء مع صانع نصر تحرير الكويت.

* الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز: لا أستبعد أن يعيد صدام غزو الكويت.

* الجنود العراقيين فقدوا الروح المعنوية فاستسلم عشرات الألوف.

* سوريا ومصر وتركيا وباكستان تمثل إحدى دوائر الدفاع عن أمن المنطقة.

* الاتفاقيات الأمنية هي الملاذ الأخير لدول مجلس التعاون الخليجي.

* إنشاء جيش خليجي وتجميع وحداته أمر تكتنفه مصاعب كثيرة.

* مرحباً بإيران والعراق في نظام جديد لأمن الخليج إذا قبلتا الشروط.

* أسرار كثيرة في "حرب تحرير الكويت" لم يحن الوقت لكشفها.

* إسرائيل تزداد تعنتاً وغطرسة لامتلاكها ترسانة أسلحة دمار شامل.

 

ما أن يذكر اسم صاحب السمو الملكي، الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، حتى تذكر حرب تحرير الكويت، ودوره المشرف في قيادة قوات التحالف من جيوش الدول الشقيقة والصديقة، حتى تحقق الانتصار واندحرت قوات الغزو والعدوان العراقية. لذا، فللفريق الأول الركن (المتقاعد) الأمير خالد وللمملكة العربية السعودية ملكاً وقيادة وحكومة وشعباً وقوات مسلحة، مكانة سامية في نفس كل كويتي، وعرفان بالجميل نحفظه من جيل إلى جيل، ونقره كل لحظة من لحظات حريتنا واستقلالنا وسيادتنا فوق أراضينا.

 

وفي غمرة انشغال المنطقة والعالم بالأزمة التي افتعلها النظام العراقي مع الأمم المتحدة حول مهام فرق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، وما أدت إليه هذه الأزمة من حشد للقوات الأمريكية والبريطانية، وتهديد بحرب جديدة لم تزل محتملة رغم نجاح كوفي عنان أمين عام المنظمة الدولية بمهمته، جمعني لقاء مع صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، ليمتد حواري معه حول تلك الأيام المجيدة التي شارك فيها بقيادة قوات التحالف الدولي، وما سبق ورافق وأعقب حرب التحرير، وصولاً إلى الأزمة الأخيرة.

 

وكان كعادة سموه متابعاً ودقيقاً وملماً بكل القضايا ليس فقط كعسكري إنما كمراقب ومتابع ومشاهد .. وهذا ما دفعني إلى تحويل النقاش الشخصي إلى حوار صحفي، تناول فيه الأمير خالد بجرأة وصراحة رؤيته إلى مجموع القضايا التي تشغل المنطقة، وحاولت أن أطرح على سموه التساؤلات التي يطرحها المواطن العادي في دول مجلس التعاون محاولاً تفسير وفهم ما يجري أمامه وحوله، سواء تجاه النظام العراقي، أم تجاه الجارة إيران، أم الوجود العسكري الأمريكي، أم أمن المنطقة حيث للأمير خالد في كل منها رأي وموقف ووجهة نظر بعيدة وصائبة ودقيقة وموضوعية .. وإلى الحوار:

 

المجالس: سمو الأمير خالد، من خلال قراءتكم ومعلوماتكم عن القوة العسكرية العراقية حالياً، هل تمكِّن هذه القوة النظام العراقي من تهديد أمن وسلام المنطقة، وتمكنه من شنّ عدوان على هذه أو تلك من الدول المجاورة؟

الأمير خالد: قبل الإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نوضح أن القوة العسكرية والقدرة القتالية لا تقاسان بأعداد الجنود والوحدات، وكمية الأسلحة والمعدات، المتوافرة لدى الدولة فقط، بل تقاسان بقدرة الدولة على الاستمرار في القتال. فالقوات المسلحة مجموعة من الأنظمة، تعمل كسلسلة متشابكة. وكما تعلمين، فإن قوة السلسلة تقاس بقوة أضعف حلقاتها. فهل يتيسر للقوات المسلحة العراقية نظام للإمداد والتموين، يسمح بالإسناد الإداري لها أثناء القتال، والعراق يعاني نقصاً في جميع الأصناف العسكرية والتموينية والطبية؟ وهل لدى العراق نظام كفؤ للصيانة والإصلاح والإمداد بقطع الغيار، بعد حصار دام أكثر من سبع سنوات؟ وهل تمتلك القوات العراقية أنظمة أسلحة حديثة، بعد أن توقف إمدادها بكل ما هو جديد في الترسانة الحربية منذ عام 1990؟

والأهم من هذا وذاك، الروح المعنوية، وهي العامل الحاسم وراء كل نجاح، خاصة في القوات المسلحة، التي ستشن الحرب، أو تهدد الأمن والسلام. فهل لدى الجنود العراقيين اقتناع بالهدف الذي سيقاتلون من أجله؟ إن عدم اقتناع المقاتل بالهدف، يؤدي إلى الهزيمة، بل إلى شر هزيمة. وما لمسناه في حرب تحرير الكويت ليس ببعيد. فقد استسلم عشرات الألوف من الجنود العراقيين، ليس عن ضعف أو عدم كفاءة قتالية، بل لعدم اقتناعهم بالهدف. وكما تعلمين، فإن الروح المعنوية هي التي تحدد نتيجة المعركة قبل أن تبدأ.

والإجابة، في ظل الحصار، والواقع المفروض على العراق الآن، لا أعتقد أنه يستطيع أن يهدد سلام المنطقة وأمنها. أمّا إذا رُفع الحصار، واستعاد العراق عافيته، وظل صدّام في سدة الحكم، وأطماعه في الكويت وغيرها لا تزال تراوده، وتغيرت الظروف الإقليمية والدولية، وتمكن صدّام من تحديث قوّاته، وتطوير أسلحته، فإنه لن ينسى ما حلّ به عندما غزا الكويت، ولا أستبعد أن يعاود مغامرته.

 

الاكتفـــاء الأمنـــي:

المجالس: تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على الاتفاقيات الأمنية مع الدول الكبرى للمساهمة في الدفاع عن أمنها، برأي سموكم هل يمكن في المدى المنظور أن تحقق هذه الدول اكتفاء أمنياً ذاتياً، وما متطلبات تحقيق مثل هذا الاكتفاء؟

الأمير خالد: من وجهة نظري، لا تعتمد دول مجلس التعاون، في دفاعها، على الاتفاقيات الأمنية فقط، إنما تمثل هذه الاتفاقيات الملاذ الأخير أو الدعامة الأخيرة، بعد استنفاد الوسائل المتاحة لدى كل دولة على حدة، ولدى دول المجلس مجتمعةً.

لقد ذكرت في كتاب "مقاتل من الصحراء"، كيف ومتى تكون للاتفاقيات الأمنية ضرورة، وهل عند تهديد المصالح المشتركة، سيقف وجود اتفاقية أمنية أو عدمه، عقبة في سبيل الدفاع عن الدولة؟ فمثلاً، في عام 1990، حضرت وحدات من القوات المسلحة الأمريكية والدول الغربية، والدول العربية والإسلامية، من دون وجود اتفاقيات أمنية. ولأن التهديد، وقتها، كان أكبر من قدرة الدولة، تم الاستعانة بقوات خارجية.

إنني أنظر إلى الدفاع عن أي دولة منفردة، ودول مجلس التعاون ككل، كمجموعة من الدوائر ذات المركز الواحد، تتفاعل ويعزز بعضها بعضاً. فالدائرة الأولى تشمل الدولة، أي دولة، وقواتها المسلحة. أمّا "الدائرة الثانية"، فتشمل الشركاء الستة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. أمّا "الدائرة الثالثة"، من وجهة نظري، فتتكون من الدول الصديقة، ضمن الحدود الأوسع لمنطقة الشرق الأوسط وجنوبي آسيا. وأعني بها مصر وسورية، وهما دولتان عربيتان وقفتا إلى جانبنا إبَّان أزمة الخليج، إضافة إلى تركيا وباكستان، وهما قوّتان صديقتان مسلمتان، تقعان على الحدود المباشرة لمنطقتنا. فإذا خطَّطت هذه الدول الأربع، إضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي لدفاع مشترك يجمع بينها جميعاً، ونفَّذت تدريبات مشتركة، فإنها ستسهم اسهاماً كبيراً وفعّالاً في أمن المنطقة.

وإذا ما نشبت أزمة في المنطقة، لا قِبل لنا، ولا لأصدقائنا بها، فعلينا التوجه بطلب المساندة إلى "الدائرة الرابعة" لدفاعاتنا، وهي تشمل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا. ويمكِن أن تنضم إليها روسيا والصين.

الجزء الثاني من السؤال، هل يمكن أن تحقق هذه الدول اكتفاءً أمنياً ذاتياً؟ لدقة الإجابة، يجب أن نحدد، أولاً، التهديدات التي على الدولة أن تُحقق اكتفاءً ذاتياً ضدها. فمثلاً، إذا كان التهديد من جانب العراق، كيف تحقق دولة صغيرة اكتفاءً أمنياً ضده. وبالمِثل، إذا كان التهديد من إيران أو إسرائيل. من هنا، أصبحت الاستعانة بقوى خارجية، لها مصالح مشتركة، لتعويض  نقص الاكتفاء الذاتي الأمني، ضرورة أمنية لا بدّ منها.

 

درع الجزيـــرة:

المجالس: قوات درع الجزيرة، اعتُبرت منذ تأسيسها نواة لجيش خليجي موحد، يساهم في الدفاع عن أمن دول مجلس التعاون الست، وقد طرحت مشاريع وأفكار لتطوير هذه القوات عدداً وعتاداً، ولكن ذلك لم يُنفذ، برأي سموكم، ما المعوقات التي تحول دون التنفيذ، وما رؤيتكم المستقبلية لقوات درع الجزيرة؟

الأمير خالد: مما لا شك فيه، أن قوة "درع الجزيرة" لها أهمية كبيرة، خاصة أنها شكلت بناءً على اعتبارات سياسية، لا تقلّ أهمية عن الاعتبارات العسكرية. وعُدَّت الجناح العسكري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. وكما قلتِ، إنها من الممكن أن تتطور إلى جيش خليجي. وقد وُجهت انتقادات عدة إلى هذه القوة، إبّان حرب الخليج. وقيل، وقتها: أين كانت هذه القوة عندما تعرضت إحدى دول المجلس للاجتياح؟

إن مثل هذا الانتقاد، بالتأكيد، قد جانبه الصواب تماماً. فماذا تفعل قوة لواء أمام هجوم فِرق عراقية؟ فالقاعدة العسكرية تقول: إن أي قوة عسكرية مدرَّبة، وذات كفاءة قتالية، يمكنها أن تصدّ ضعف أو ثلاثة أمثال قوّتها. أي أن مجموعة لواء، يمكنها أن تصدّ حتى فرقة معادية. إذاً، يجب ألاّ نُحمّل قوة "درع الجزيرة" من المهام ما لا تطيق.

أمّا إذا انتقلنا إلى اقتراح زيادة قوّتها إلى مائة ألف رجل، أو أكثر أو أقلّ، فأجد أن مثل هذه الاقتراح تنقصه الدراسة العميقة الواقعية. لأنه قبل تحديد القوة، يجب أن نحدد التهديدات المحتمل مواجهتها، أولاً على مستوى كل دولة، وثانياً على مستوى دول المجلس مجتمعة، وكيفية صدّ هذه التهديدات والتغلب عليها. وبعد ذلك، نصل إلى تصور: هل يمكن مواجهتها؟ وبأي قوات؟ وهل نستطيع ذلك بمفردنا، أو بالاستعانة بالأشقاء والأصدقاء؟

إن إنشاء جيش خليجي، وتجميع وحداته في مكان واحد، أمرٌ تكتنفه مصاعب جَمّة. على سبيل المثال، هل ستوافق الدول الأعضاء على تخصيص أفْضل وحداتها بشكل دائم لتشكيل قوة دفاع إقليمية كهذه؟ ثم أين سيتم انتشار هذه القوة؟ ومن الذي سيقوم بتمويلها وتموينها؟ وكيف تُحَلّ المشاكل الاجتماعية، التي ستترتب على وجود الضباط والجنود، من مختلف دول مجلس التعاون، بعيداً عن ذويهم؟

لذلك، سبق أن اقترحت إنشاء قيادة عسكرية مشتركة، يكون مقرّها الرياض، ويُعَيّن فيها ضباط محترفون على أعلى المستويات. على أن لا تنضم إلى هذه القيادة، أي قوات عسكرية بصفة دائمة، بل تبقى كل قوة في بلدها، وتُستدعى فقط عند تنفيذ التدريبات المشتركة أو مواجهة الأخطار. وتُقسم القوات المسلحة في كل دولة إلى ثلاثة أقسام:

              ‌أ.   قوات الأسبقية الأولى، وتكون هذه القوات جاهزة، على نحو دائم، للتعامل مع أي أخطار أو تهديدات.

             ‌ب.   قوات الأسبقية الثانية، وهي قوات تعزيز لقوات الأسبقية الأولى، وتكون جاهزة للتحرك عند الضرورة، وبتعليمات من القيادة المشتركة.

             ‌ج.   قوات الأسبقية الثالثة، وهي القوات المتبقِّية في بلدها، وتتولى مهام الأمن الداخلي.

على أن تُحدَّد صلاحيات ومسؤوليات تلك القيادة العسكرية المشتركة، بناءً على توجيهات قادة دول مجلس التعاون الخليجي ووزراء دفاعهم.

بهذا الاقتراح، نكون قد حققنا الأمن الداخلي لكل دولة، والتجميع القتالي الملائم، وفقاً لتطور الأزمات وتصاعدها في كل حالة. وبدمج هذا الاقتراح في فكرة الدوائر، التي ذكرتها في إجابتي عن السؤال السابق، يمكن رسم إستراتيجية عسكرية صحيحة، تحقق ردع المعتدي، كما لا تعوق خطط التنمية الشاملة في كل دولة.

 

أمــن الخليــج:

المجالس: أمن الخليج شعار قائم وهدف تسعى إليه دول المنطقة والعالم، ولكن هناك رؤى متعددة للسبيل الأمثل من أجل تحويل الخليج العربي إلى بحيرة سلام وممر آمن للنفط، ما الأسس التي يجب أن يُقام عليها النظام الأمني في المنطقة ويرضي كل الأطراف؟

الأمير خالد: في السؤال مصطلحان يحتاجان إلى تعريف محدد قبل الإجابة. وفي تقديري، أن عدم التحديد، قد يؤدي إلى ما نحن فيه الآن من جدل عقيم، حول النظام المطلوب لتحقيق "أمن الخليج". أولاً: ما المقصود بـ "الأمن"؟ هناك عدد لا يُستهان به من التعريفات لمفهوم "الأمن"، وكل دولة تُحدد هذا المفهوم من واقع ما تتمتع به من قوى: اقتصادية وسياسية وعسكرية. لذا، تختلف هذه المفاهيم الأمنية للدول المختلفة بعضها عن بعض. من وجهة نظري، فالأمن على مستوى الفرد، يعني أن يكون الإنسان آمناً على نفسه، وعلى أُسرته، عنده قُوت يومه، والظروف حوله تُحَقق له إشباعاً لحاجاته الأساسية والتكميلية. وعلى مستوى الدولة، هو إحساس مجموع الأفراد (أي المجتمع) بالأمان، إضافة إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعقائدي، والحدود الآمنة، والحياة المستقرة المزدهرة. وبذلك يصبح مفهوم "الأمن" غير مقتصر على الجانب العسكري، بل يأخذ في الحسبان أبعاد الأمن، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ننتقل إلى المصطلح الثاني: "دول الخليج". بالتأكيد، عندما نتحدث عن دول الخليج، أي الدول المطلّة على الخليج، لا يمكن أن نتجاهل إيران والعراق. وإذا قلنا، إننا دول شبه الجزيرة العربية، فلا يمكن استبعاد اليمن. أمّا إذا قلنا دول مجلس التعاون، فمن الأفضل أن نستبدل المصطلح، ليكون: "أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية".

والسؤال هنا، هل نقبل أن تدخل إيران والعراق في ترتيبات أمنية للخليج؟ من وجهة نظري، لا مانع من ذلك، ولكن بشروط: أهمها التخلي عن النظرة التوسعية واحتلال أراضي الدول الأخرى. وعدم اللجوء إلى القوة لحل المشاكل. وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. فإذا قبلت هاتان الدولتان هذه الشروط، فمرحباً بهما في نظام جديد لـ "أمن الخليج".

 

أسلحـة الدمـار الشامـل:

المجالس: مقابل الحديث عن أسلحة الدمار الشامل، التي يمتلكها النظام العراقي يثور الحديث عن امتلاك إيران لأسلحة مشابهة، ودعوات لتحجيم القوة الإيرانية، مما يُثير المخاوف من أن تكون إيران مستهدفة مستقبلاً، فهل يمكن أن يحدث مثل هذا الأمر وتبقى المنطقة أسيرة التجاذبات العسكرية، وما الموقف المطلوب من دول مجلس التعاون الخليجي؟

الأمير خالد: أودّ أن أوضح المفهوم السائد لـ "أسلحة الدمار الشامل"، والمصطلح الذي نسمعه يتردد كثيراً، وهو "الأسلحة فوق التقليدية". إن "أسلحة الدمار الشامل"، تعرف في كثير من الكتب العسكرية: بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية. ولكن، المؤلفات الحديثة تذكر الأسلحة فوق التقليدية، وتعني بها الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وأسلحة الدمار الشامل، وتعني بها الأسلحة النووية.

إنني لا أستبعد أن تكون إيران مستهدفة مستقبلاً، فقد بدأت الادعاءات الإسرائيلية تتجه إلى إيران، وإلى الخطر النووي الإيراني، وأخذت تستعدي الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي على إيران، وتَعُد أن امتلاك أي دولة، عدا إسرائيل، لهذه الأسلحة هو تهديد للسلام العالمي. متجاهلة أن أحد أسباب عدم الاستقرار في المنطقة، هو امتلاك إسرائيل لترسانة أسلحة قوية من الأسلحة التقليدية، وفوق التقليدية، وأسلحة الدمار الشامل. وبسبب هذه الترسانة، تزداد إسرائيل تعنّتاً وغطرسة، وتفرض الشروط، وتتوسع في الاستيطان، ولا تعترف بالحقوق. وبات ما هو حرام على الآخرين حلالاً لها.

ليس معنى هذا أنني أؤيد الدخول في سباق تسلح نووي، بل العكس هو الصحيح. فأنا مع النداءات بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. ويكفي المنطقة ما حلّ وما يحل بها من كوارث ونكبات، نتيجة مغامرات شخصية فاشلة، وأطماع على حساب الشعوب الأضعف. وإذا لم يتوقف هذا السباق، ستظل المنطقة في دوامة الصراعات، ودوامة الاستنزاف، وستتبدد ثرواتها لهثاً وراء القوة العسكرية، ولن تلحق شعوب المنطقة بركْب التقدم والاعتماد على النفس، ولن تحقق لشعوبها الاكتفاء والرفاهية.

ولكن إذا أصرت إسرائيل، ودول أخرى، على امتلاك أسلحة الدمار الشامل، ورفض جميع القرارات التي تحظر ذلك، أقول ألاَ يدعو مثل هذا الموقف إلى أن تُغيّر دول مجلس التعاون من سياستها المتحفظة على هذه الأسلحة، وتُضطر أن تبحث عن أسلحة ردع تحمي مصالحها، ولا تدَع الآخرين يطمعون فيها؟

 

"الخطــر" الإيرانـــي:

المجالس: نمو القوة الإيرانية، هل يمكن استثماره ليكون عمقاً استراتيجياً  عربياً وبالتالي خليجياً، أم أن إيران تحاول من خلال بناء قوّتها بالشكل الذي نلحظه لفرض هيمنتها، وجعل نفسها قوة كبرى في المنطقة؟

الأمير خالد: من المنطق، أن ننظر إلى إيران، الدولة المسلمة الجارة، نظرتنا إلى أي دولة مسلمة أخرى، تُعَد سنداً وقوة للدول العربية. فيكفي أن تجمعنا معاً: كلمات خالدة هي: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله. هذه الكلمات قادرة على توحيد الصفوف، والسير في اتجاه واحد تحقيقاً للهدف الأسمى. لم نكن، في يوم من الأيام، ضد الشعب الإيراني، وإنما كنّا دائماً ضد النزعة الفارسية التوسعية، والتوجهات النووية، وتشجيع التطرف الديني، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واحتلال أراضي الغير، وتأليب الجماعات الشيعية ضد حكوماتها، لأن ذلك كله يمثل تهديداً حقيقياً لأمن المنطقة. فإذا تخلت إيران عن هذه التصرفات والتهديدات، وأظن أنها في سبيلها إلى ذلك، فلا أعتقد أن هناك دولة عربية لا ترحب بهذا الاتجاه، ولا ترحب أن تضطلع إيران بدور حيوي فاعل في المنطقة، وتمانع أن تكون إيران إحدى ركائز الأمن والاستقرار.

 

الوجود العسكري الأمريكي:

المجالس: كثيرون يحمّلون الوجود العسكري الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً في المنطقة الخليجية مسؤولية السباق على التسلح بين دول المنطقة، فإلى أي مدى برأي سمو الأمير خالد هذا الأمر صحيح، وما رؤيتكم الخاصة لهذا الوجود حالياً وبالمستقبل؟

الأمير خالد: قبل أن أجيب عن هذا السؤال، علينا أن نتساءل: ما سبب الوجود العسكري في المنطقة؟ إن سببه، أساساً، حماية مصالح دولِه، والسبب الآخر بعض دول المنطقة نفسها. فمثلاً، لو لم تنشب الحرب الإيرانية ـ العراقية، هل كانت الولايات المتحدة الأمريكية ستكثف من وجودها في الخليج؟ ولو لم يحتل صدّام حسين الكويت، ويُشرد أهلها، ويهدد الممنطقة، هل كانت الدول، من شرقي المعمورة إلى غربيها، ستجيش الجيوش ضده؟ إذاً، سباق التسلح ناتج، في المقام الأول، من أطماع بعض الدول في أراضي الدول الأخرى وخيراتها، ومن أحلام بعض القادة في الزعامة والهيمنة، وظنهم أنهم بالقدرة العسكرية، وحدها، يستطيعون فرض إراداتهم. لا ينبغي أن نلوم الولايات المتحدة الأمريكية، أو أي دولة أخرى، إن سعت إلى الدفاع عن مصالحها. وعلى كل دولة أن ترحب بذلك، إذا توافقت المصالح المشتركة، ولم يحدث أي انتهاك لسيادة الدولة، ولم يحدث أي تدخل في سياستها الخارجية أو الداخلية.

إن الوضع المثالي، أن تكون المنطقة خالية من الوجود الأجنبي، وأن تتولى دول المنطقة نفسها تحقيق الأمن والاستقرار، وأن تحافظ على كيان كل دولة واستقلالها. ولكن كيف يتحقق مثل هذا الوضع المثالي؟ وكيف تتخلى كل دولة عن أطماعها وتصدير أيديولوجيتها وفرض هيمنتها وتهديد الآخرين بقوّتها؟

 

تنويــع الأسلحــة:

المجالس: تعتمد المملكة العربية السعودية سياسة تنويع مصادر الأسلحة الدفاعية التي تمتلكها، إلى أي مدى حققت هذه السياسة النجاح، وهل تنصح باعتمادها من قبل جيوش المنطقة الخليجية؟

الأمير خالد: من المؤكد، أن سياسة تنويع مصادر السلاح، هي سياسة حكيمة، تدل على بعد نظر. فالتنويع كسر لاحتكار السلاح، خاصة إذا رافقه محاولات التأثير في القرار السياسي أو العسكري. كما يسمح تنويع المصادر للدولة باختيار الأفضل والأقل نفقة والأسرع استجابة للتوريد. ولكن يقابل ذلك جانب سلبي واحد، وهو تباين أنظمة الأسلحة والمعدات المتحصل عليها من الدول المختلفة. لأن هذا التباين يؤثر في تكامل الأنظمة والتنسيق والتعاون بينها، ويضع عبئاً على أنظمة التعليم والتدريب والصيانة والإصلاح والإمداد والتطوير. ولكن في النهاية، تكون إيجابيات تنوع مصادر التسليح أكثر من سلبياته. وبلا شك، أرى أنها سياسة ينبغي أن تتّبعها كل دولة غير منتجة للسلاح، مع ضرورة الاتجاه إلى التصنيع الحربي، وإلى تطوير وتعديل الأسلحة والمعدات، لزيادة عمرها الافتراضي، والمحافظة على كفاءتها.

 

الجندي العربــي:

المجالس: شكلت حرب تحرير الكويت مناسبة لالتقاء جيوش التحالف، التي ضمّت قوات من دول عربية شقيقة ودول صديقة. كيف أمكن تحقيق التنسيق والتعاون بين هذه الجيوش؟ وبالمقارنة ما تقييم سموكم لأداء الجندي العربي عموماً، والسعودي خصوصاً في هذه الحرب؟

الأمير خالد: لم يكن تحقيق التنسيق والتعاون بين قوات من سبع وثلاثين دولة بالأمر الهيّن، في ظل قوات تتحدث لغات شتَّى، وتعمل بعقائد قتالية مختلفة، وتستخدم أسلحة ومعدات مختلفة، وثقافاتها متعارضة، وعاداتها وتقاليدها متباينة، ولم يسبق لها التدريب المشترك بتاتاً.  

هنا، كانت تكمن الصعوبة، ولكن ـ بفضلٍ من الله ـ أمكن التغلب على هذه المشاكل، باتخاذ إجراءات عدة، منها على سبيل المثال:

·    حدّدنا العلاقات القيادية بجميع وحدات وتشكيلات القوات المشتركة، تحديداً واضحاً، لا لبْس فيه.

·    وضعنا ضباطاً للاتصال بين القيادات، وبين الوحدات المتجاورة، والعاملة في قطاع واحد، وتبادل أطقم المساندة النيرانية، بين القوات المختلفة.

·    كنا حريصين على تنفيذ التدريب المشترك بين القيادات، والوحدات، والوحدات الفرعية.

·    وضعنا إجراءات عمل مستديمة لنظام القيادة والسيطرة، تلتزم بها القيادات والوحدات.

·    حرصنا على تنفيذ مبدأ وحدة القيادة: لتصبح هناك قيادة واحدة، وهي قيادة القوات المشتركة، مسؤولة عن تأمين كافة الاحتياجات، بما فيها احتياجات القوات الأمريكية. أمّا ما يخصّ العمليات، فقد كان هناك قيادتان متوازيتان: إحداهما أمريكية، والأخرى وطنية سعودية، ويتمّ التخطيط العملياتي بصورة مشتركة، وبتفهم كامل من الجانبين.

هذه أمثلة قليلة، مما اتخذناه لتحقيق التعاون والتنسيق الكاملَيْن. ولا داعي لإزعاج القرّاء بتفاصيل أكثر من هذه.

أمّا تقييم أداء الجندي العربي، فهو أكثر من ممتاز، إذ إنه يتميز بالتضحية والإخلاص، إذا وُجدت القيادة الصالحة التي ترعاه، وتوجهه، وتُحسن تعليمه وتدريبه، وتُحسن رسم الخطط العملياتية، وتبدع في تنفيذها. والجندي السعودي، تكفيه معركة الخفجي، شهادة على كفاءته، على الرغم من أنها كانت أول اختبار حقيقي له.

 

خيمــة صفــوان:

المجالس: شارك سموكم باجتماعات خيمة صفوان في أعقاب انتهاء حرب تحرير الكويت، حيث وقّع النظام العراقي على إقرار هزيمته في عدوانه على الكويت، هل يمكن أن تصف لنا تلك اللحظات التي استسلم فيها نظام عربي أمام العالم؟

الأمير خالد: أودّ قبل الإجابة، أن أصحح معلومة مهمة وردت في السؤال، وهي "توقيع النظام العراقي على إقرار هزيمته في عدوانه على الكويت". فالنظام العراقي لم يوقع أي إقرار أو وثيقة، ولم يُذكر في محضر الاجتماعات، أنه يقر بخطئه أو يقر بهزيمته. ولم تدرج هذه المسألة، أساساً، في جدول الأعمال.

لذا، فقد قلت في غير مناسبة وحديث صحافي، إن هدف اجتمـاع صفـوان كان الدعاية، لا أكثر ولا أقلّ. أراد الأمريكيون له أن يكون حدثاً إعلامياً، دون مردود سياسي أو عسكري. وبدلاً من مناقشة إجراءات الاستسلام الرسمية، أو الاعتراف العلني بأن صدّاماً قد خسر الحرب، طُلب منّا أن "نناقش" مع الجانب العراقي بعض القضايا الفنية، كإطلاق الأسرى، وجمْـع جثث القتلى، وتحديد مواقع حقول الألغام، والفصل بين القوات. قضايا كان يمكن لضباط الأركان مناقشتها على نحو أكثر تفصيلاً.

كان عدم وجود وثيقة رسمية للاستسلام أمراً مخيباً للآمال. فقد كان من شأن تلك الوثيقة أن تساعد على الإطاحة بصدّام. وعدم الاستسلام بصورة رسمية، أدى إلى ادعاء الرئيس صدّام أنه انتصر في "أم المعارك"، وأخذ يوزع الأوسمة يميناً ويساراً. وأدّى، أيضاً، إلى كل ما يحدث حالياً من مشاهد متكررة، من تصعيد الأزمة لتصل إلى شفا الحرب، ثم التراجع في آخر لحظة. ولا يدفع الثمن إلاّ الشعب العراقي.

ولو أن المجتمع الدولي أصرّ على توقيع وثيقة الاستسلام، لكان ذلك في مصلحة الشعب العراقي نفسه، لأنه سيكون أمراً واضحاً أمامه، أن النظام قد غرّر به، وأورده موارد التهلكة، ولَمَا استطاع النظام ورموزه الاستمرار في خداع الشعب.

ولقد وافقني الرئيس بوش هذا الرأي، عندما ذكر أن أحد الأخطاء التي ارتُكبت في نهاية الحرب، هو التسرع في إنهائها، وعدم الحصول على استسلام صريح من النظام العراقي. ومن وجهة نظري، أن مأساة الكويتيين الأسرى والمفقودين، نتاج طبيعي لِمَا حدث في صفوان. ولقد أفردت فصلاً خاصاً في كتاب "مقاتل من الصحراء" عن أحداث الاجتماع الذي عقد، وأسميته "الفشل في صفوان".

 

مقاتل من الصحراء:

المجالس: أصدرتم كتاب "مقاتل من الصحراء"، عرضتم فيه تجربتكم ودوركم في حرب تحرير الكويت، إلى أي مدى تحريتم الحقيقة والوقائع، وهل هناك أسرار من تلك الحرب لم يحن الوقت للكشف عنها بالنسبة لسمو الأمير خالد؟

الأمير خالد: إن كتاب "مقاتل من الصحراء"، يُعَدّ نوعاً من كتابة السـيرة الذاتية، مَثَّلت فيها حرب الخليج جزءاً من سجلي العسكري وأحداث حياتي. ولم أكتفِ بسـرد الأحداث والوقائع، بل اختتمته بفصل كامل عن "الدروس المستفادة والرؤية المستقبلية". وأؤكد لكِ أن كلَّ ما ذكر هو دقيق وحقيقي، ومن دون مبالغة، وهذا ما أخّر نشر الكتاب مدة تزيد على أربع سنوات، لتحري الدقة، والتعرف بكلِّ ما كُتب عن هذه الحرب، وسرد الحقيقة، ثم تَرْك الحُكم للقارئ الذكي، الذي يستطيع أن يفرق بين الغث والسمين. وللإجابة عن الشق الثاني من السؤال، أقول نعم، هناك أسرار كثيرة لم يحن الوقت أو المناسبة للكشف عنها، ليس بالنسبة إليّ فقط، بل بالنسبة إلى كلِّ دولة، وإلى كلِّ معركة، وإلى كلِّ حدث. وهذا أمرٌ عادي، في جميع الحروب، فالوثائق والحقائق الخاصة لا يُفرج عنها إلاّ بعد مرور ثلاثين أو خمسين عاماً. فلننتظر إلى انقضاء هذه المدة!!

 

الأب والأبناء والأحفاد:

المجالس: أي القِيَم والمبادئ، التي تعمل على غرسها في نفوس أبنائك، وكان صـاحب السـموّ الملكي الأمير سلطان يحرص على غرسها في نفس سموّكم وأصحاب السموّ أشقائك؟

الأمير خالد: أولاً: يصعب عليَّ أو على أحد من إخوتي، أن نتشبه بهذا الرجل العظيم. وكل ما نفعله مع أولادنا هو جـزء يسـير مما غرسـه فينا. فقـد علّمنا وربّانا، ووجّهنا وأدّبنا، زرع في نفوسنا الشـعور بالمسـؤولية، وحُـبّ الوطن والتضـحية في سـبيله، ونكران الذات، والشـجاعة في الرأي، والصدق في القول، والأمانة في العمل. زرع في نفوسنا حُبّ العائلة وخدمة أفرادها، علّمنا الترابط والتلاحم في العسر قبل اليسر.

كان قدوة لنا ومثلاً يحتذى، تصرفاته كانت خير معلم لنا، وحكمته كانت خير موجه لنا. نتشـبه بـه فـي الرجولة والشهامة، ونقتبس منه روح العمـل والواجب. وكل ما نحاوله الآن، أن نقتفـي أثـره، ويا ليتنا ننجح.

ـــــــــــــــــــ