إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / الأحاديث الصحفية، التي أدلى بها، صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى:




مجلة المجالس، العدد 1338
مجلة الصقور
مجلة كلية الملك عبدالعزيز/42
الأمير و الجنود السعوديون
الأمير مع الأمير سلطان
الأمير مع خادم الحرمين
الأمير يهدي كتابه إلى السفير
الأمير خالد مع الشيخ جابر
الأمير خالد مع شوارتزكوف
الأمير في مسرح العمليات
الملك فهد يتفقد القوات
الملك فهد في حفر الباطن
حديث إلى مجلة الحوادث
حديث إلى مجلة كلية الملك عبدالغزيز
سمو الأمير خالد بن سلطان
صورة من مجلة المجالس
صورة من مجلة الرجل
صورة للأمير من مجلة الرجل
صورة للأمير خالد في مجلة الرجل
صورة للأمير، من مجلة الرجل
صورة لسفينة حربية سعودية
غلاف مجلة أكتوبر
غلاف مجلة الحوادث
غلاف مجلة الرجل
غلاف مجلة كلية الملك عبدالعزيز





حديث

إلى مجلة "الصقور"

تصدرها "كلية الملك فيصل الجوية"، بالرياض

السنة السادسة والعشرون ـ العدد التاسع والأربعون، شعبان 1423 ـ أكتوبر 2002

ـــــــــــــــــــــــــــ

أجرى الحوار:

اللواء الطيار الركن عبدالله بن عبدالكريم السعدون، المشرف العام

 

مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشؤون العسكرية، مقاتل يعشق الحياة العسكرية، مظهراً وجوهراً؛ بل عشقها منذ الصغر. وليس بالعشق وحده بذل لها، بل خاض في فنونها في أعرق الأكاديميات العالمية. وقبل ذلك كله فهو طالب (وما يزال) في مدرسة أبيه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام. تدرج في تعليمه العسكري بعد المرحلة الثانوية، في كلية ساندهيرست العسكرية المشهورة، وكذلك كلية القيادة والأركان الأمريكية، وكلية الحرب الجوية. وحصل على ماجستير في العلوم السياسية من أمريكا، وتعمق في إدارة الشؤون الدفاعية الدولية، في مدرسة الدراسات العليا البحرية الأمريكية. أما حياته العملية العسكرية، فهي مليئة حافلة بالعمل الجاد المثمر، وهذا يحتاج إلى كتاب كامل لإعطاء فكرة عن حياته العملية، ويكفي أنه أسس قواتنا الرابعة "قوة الدفاع الجوي". وللغوص في معرفة حياته العملية، نقترح قراءة كتابه "مقاتل من الصحراء". ويطيب لنا، الآن، عزيزي القارئ أن نتركك مع ضيفنا الكريم.

                                                                                          التحرير

س1: في كتاب سموّكم "مقاتل من الصحراء"، أوردتم الآتي: "عشقت الجندية منذ نعومة أظفاري، وأدركت، منذ صباي، أنني لم أخلق للحياة المدنية. كنت أتوق إلى حياة خشنة مثيرة، أحقق فيها طموحاتي، وأقوم بأعمال بطولية، لا تضارع".

        كيف يرى سموّكم صياغة هذا العشق، ليصبح إحدى سمات طلبة الكليات العسكرية؟

ج1: العشق، من وجهة نظري، أن تُحب بإخلاص، أن تؤثِر من تُحب على نفسك، وأن تُضحي بالنفس والنفيس في سبيله. هكذا كان عشقي للجندية. لقد أحببت مظهرها. الزيّ المميز، الخطوات الممشوقة، والحركات المحسوبة، الاعتزاز بالنفس، والرشاقة البدنية. ثم أحببت جوهرها. فهي أشرف مجال، خدمة للدين، ثم المليك والوطن؛ مجال يحفزك إلى البذل والعطاء. لذا، فليُحِب طلبة الكليات العسكرية، قادة المستقبل وأمل الأمة، المجال الوطني الذي اختاروه، مظهراً وجوهراً، وليستعدوا لتأدية المهمة، واثقين من نصر الله، وليعمل القائمون على شؤونهم على إرساء هذه المبادئ، وبثّ روح الاعتزاز باختصاصهم، وترسيخها في نفوسهم.

س2: في مقابلة لسيدي صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، مع مجلة "كلية الملك خالد العسكرية"، عام 1411هـ، أجاب سموّه الكريم عن سؤال في خصوص أداء الكليات العسكرية، بقوله: "نحن نحرص على أن تكون كلياتنا العسكرية مماثلة، من حيث البرامج والمناهج، لأرقى الكليات والمعاهد العسكرية في الدول المتقدمة".

كيف يرى سموّكم الكريم التعليم العسكري وتطويره، في الكليات والمعاهد العسكرية التابعة لوزارة الدفاع؟

ج2: طالما حرص سموّ سيدي على دعم قطاع التعليم العسكري في القوات المسلحة؛ لإيمانه الكامل أن بالعلم، والعلم وحده، ترتقي الأمم. فهو البداية الصحيحة لكل كفاءة وفاعلية. ولدينا، والحمد لله، كليات ومعاهد عسكرية، تغطي الأفرع الأربعة جميعها، بتخصصاتها المختلفة، ومستويات القتال: التكتيكية والعملياتية؛ ومجهزة بالمعدات الحديثة، والأدوات المتكاملة؛ ويُصطَفَى لها معلمون أكفاء، مدنيون وعسكريون. أمّا التطوير، فينبغي أن يكون مستمراً؛ فالتطلع إلى الأفضل لا يتوقف. ويجب أن يكون معلوماً، أن التطوير لا يقتصر على تطبيق برامج ومناهج أرقى الكليات في الدول المتقدمة؛ لأن تلك البرامج، ما هي إلاّ حلقة من حلقات العملية التعليمية المتعددة: الطالب، والمعلم (الضابط، وضابط الصف، والأستاذ الجامعي)، والفلسفة التعليمية، والمناهج التعليمية، والمواد والموضوعات والبرامج العلمية، والمنشأة التعليمية بجوانبها المختلفة: مكانها، وتنظيمها الإداري، وتخطيطها التعليمي، ومساعدات التدريب وساحاته، والمراجع، ومكتبتها، ومعاملها، ونظامها الإداري، ونظام الاختبارات والتقييم؛ وأخيراً البيئة التعليمية نفسها. كل ذلك حلقات، ينبغي تطويرها، في الوقت نفسه، الذي تُطور فيه البرامج والمناهج. ولأن قوة السلسلة، تُقاس بقوة أضعف حلقاتها، فالتطوير يجب أن يشمل الحلقات كافة.

س3: لأبيكم، صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان دور تربوي عظيم في حياتكم، وصفتموه بقولكم: "كان ينتابني في صغري شعور بأن أبي لا يحبني قدر حبه لإخوتي، وأنه يفضلهم عليّ. ولكن عندما أصبحت رجلاً، تبيَّن لي أنه يحبني حباً جماً، وأن ما حسبته قسوة منه، لم تكن سوى محاولة منه لتربيتي وتهذيب شخصيتي. فلا غرو، أن أحمل له حباً، لا يماثله حب، واحتراماً، لا يدانيه احترام. ولا أملك إلا أن أخفض له جناح الذل، اعترافاً بفضله".

هلاّ أعطيتم القارئ نموذجاً لذلك الأسلوب، الذي نهجه سموّ والدكم الأمير سلطان في التربية والتهذيب؟

ج3: أولاً: الوالد، بالنسبة إلي، هو القدوة والمثل الأعلى. هو قائدي وأستاذي، سيدي ومولاي. أقدم حياتي فداءً له. هذه المشاعر تأصلت في نفسي، يوماً بعد يوم. وأنا واخوتي، ننهل من نبع حبه وعطفه، نحاول أن نتشبه به، رجولةً وشهامةً، ونقتبس منه روحَ العملِ وتَحَمُّلَ المسؤوليةِ. أمّا عن تنشئته إيّانا، فيمكن أن اختصرها في جملة واحدة، هي: "كان يجمع بين القسوة والشدة اللازمتَيْن، والرحمة واللِّين الواجبَيْن". ألا ترون، أن ذلكم ما يُنادي به علم النفس الحديث وأصول التربية الصحيحة؟

س4: في كتابكم "مقاتل من الصحراء" ذكرتم أهم درس استفدتموه في دراستكم في ساندهيرست، حيث قلتم: " وعندما أنظر إلى ما تعلمته في ساندهيرست، يظهر لي أن أهم درس استفدته، كان حسن التصرف، ليس بصفتي ضابطاً فحسب، بل حسن التصرف بوجه عام، تعلمت أن آخذ الأمور مأخذ الجد، وأن أكون منضبطاً انضباطاً ذاتياً، عقلاً وجسداً ومشاعر، وهي أشدها صعوبة". ما هي النقاط البارزة التي لمسها سموّكم، وتودُّون التركيز فيها في الكليات العسكرية؟ وما هي الوسائل، التي يراها سموّكم، معززة للانضباط الذاتي لدى الطلبة؟

ج4: على الرغم من مضي أكثر من (35) عاماً على وجودي في أكاديمية ساند هيرست، إلاّ أنني أتذكر نقاط قوة عديدة؛ طالما سألت الضباط البريطانيين، أثناء حرب الخليج الثانية، عن مستواها الأكاديمي والعملي، وهل ما زالت تتمتع بالسمعة القوية نفسها. من ضمن النقاط التي أتذكرها: الانضباط العسكري، والتقيد بالتقاليد العسكرية؛ اللياقة البدنية العالية، والأنشطة الرياضية والاجتماعية؛ الاهتمام بالثقافة العامة، ودراسـة العلوم الإنسـانية إلى جانب المواد العسكرية؛ كثرة التمارين العملية، والرماية بالذخيرة الحية.

أمّا عن الانضباط الذاتي، فلا بدّ من تعريف الانضباط أولاً؛ بعد أن أصبح مَبْكى كلّ فشل، مَنْسِيّ  كلِّ نجاح. فهو لا يقتصر على القوات المسلحة. فديننا الحنيف هو دين انضباط، في المقام الأول؛ والتربية السليمة في الأسرة عمادها الانضباط. إذاً، ما هو الانضباط؟ إنه تدريب منظّم، وتنمية، وضبط للقوى: العقلية، والمعنوية، والطبيعية. وهو نظام تعليم، يرسي في الذهن الاستجابة للسلطة المقررة، وتمالك النفس، وإيثار السلوك السوِيّ.

من هنا يجيء دور معلمي الكلية، تعليماً وتدريباً، في غرس هذه القيم والمبادئ والإصرار عليها وعدم التهاون فيها، مَهْما صغرت. وخير ما يفعله المعلمون، بعد ذلك، إعطاء القدوة الحسنة للطلبة، في القول والفعل، في الحركة والسكون، في النطق وفي الصمت. ومتى أحسن المعلمون هذا الدور، وكانوا قدوة، أصبح الانضباط ذاتياً، تصرفاً وتفكيراً.

س5: ما أثر تدرُّب سموّكم على الطيران في Black Bush في حياتكم العسكرية؟

ج5: استفدت كثيراً، الدقة المتناهية، الحذر والحيطة، الاهتمام بالأمور كلّها، صغيرها وكبيرها، سرعة رد الفعل، وسرعة اتخاذ القرار، النظر إلى الأمام، والاستعداد للأسوأ. هذه المسائل جميعها، تغرسها العسكرية في نفوسنا، ويزيدها الطيران أهمية؛ لأن النجاة رهينة حُسن اتخاذ القرار في أجزاء من الثانية الواحدة؛ وبالطبع، أنتم أدرى بذلك.

س6: ما رأي سموّكم في وضع برنامج لتأهيل ضباط الكليات العسكرية، أكاديمياً، للحصول على درجات علمية في تخصصاتهم التي يدرسونها؟

ج6: لا أعلم ما الذي تعنيه بقولك "درجات علمية في تخصصاتهم"، ذلك أن الكليات العسكرية، أساساً، كليات أكاديمية متخصصة، متخصصة بالعلوم العسكرية، بمعنى أن هذه العلوم، لا سبيل إلى إجادتها ومعرفتها، إلاّ في ظل المعرفة العلمية المصاحبة لها؛ فلا بدّ من دراسة الرياضيات والفيزياء والكيمياء، فضلاً عن اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي. والكليات العسكرية، تمنح الخريج درجة "بكالوريوس في العلو م العسكرية". وكلية القيادة والأركان، تمنح خريجيها درجة "ماجستير في العلوم العسكرية". ولا يمنع النظام العسكري، أن يدرس الضابط برامج، تؤهله للحصول على درجة "الدكتوراه"، في المواد الأخرى المكملة للمواد العسكرية، أو في "الإستراتيجية والأمن الوطني"، والتي يمنحها بعض البلدان.

س7: الاحتراف العسكري، كيف نحققه لدى الضابط السعودي؟

ج7: إذا عدنا إلى كلمة الاحتراف نجدها مشتقة من "حِرْفة" أي مهنة. والمحترف هو الصّانع الماهر الذي يتقن عمله. لذا، كان الاحتراف العسكري، من وجهة نظري، مهنة ودوراً وليس وظيفة. فإذا امتهن المرء الجندية أحبّها، وأخلص لها، وأتقنها، وأصبحت هي حياته، يصحو عليها، ولا ينام عنها. هذا هو المعنى الذي نقصده في قواتنا المسلحة.

ولكي نحقق الاحتراف العسكري ونيسِّـره، فإننا نبدأ بشروط القبول لمن يتقدم إلى الكليات العسكرية، والتي تؤكد لياقته: الطبية والبدنية والنفسية والسلوكية والعلمية، أي تؤكد صلاحيته للمهنة التي اختارها. ثم يبدأ دور المعهد العسكري في تيسير سُبل الاحتراف، علماً وتطبيقاً. فالعلم العسكري، لا ينحصر في ما تقدمه الكليات والمعاهد العسكرية، وإنما يستمر قراءة وتحصيلاً، جمعاً واستيعاباً، تطبيقاً وتطويراً، على امتداد الخدمة العسكرية، وفي مجال علومها وما يتعلق بها من تقنيات ومعارف. ومقومات هذا الاحتراف: العلم، والانضباط، القدوة، التضحية، الإيثار، الإصرار.

س8: كان لسموّكم الدور الأول في ظهور الدفاع الجوي، بصفته قوة رابعة. كيف ترون كلية الدفاع الجوي، بكونها منبعاً لضابط قوات الدفاع الجوي؟

ج8: في عام 1408هـ، في حديثي إلى مجلة "كلية الملك عبدالعزيز" الحربية، سئلت "هل هناك نية لإنشاء كلية عسكرية خاصة بقوات الدفاع الجوي؟"، وكانت إجابتي "أنه من المنطق أن تكون لقوات الدفاع الجوي كلية خاصة بها كقوة رابعة، أسوة بالقوات البرية والجوية والبحرية. ولكن نظراً إلى ترشيد الإنفاق، وضرورة الاستفادة من إمكانات كلية الملك عبدالعزيز الحربية، فإن هذه الفكرة مؤجلة حالياً. وعندما يتطلب الموقف، ويزداد عدد خريجي قوات الدفاع الجوي، فسيتم ـ بمشيئة الله ـ إنشاء مثل هذه الكلية، وجار إعداد الدراسات الخاصة بذلك". وكانت وجهة نظري، في هذا الصدد، تأخذ المنحى العلمي البحت، وهو أهمية أن يتلقى ضابط الدفاع الجوي كلَّ ما يخص القوات البرية من العلوم العسكرية. وكلّما أتقن تكتيكها أمْكنه تقديم الإسناد القتالي اللازم للوحدات والتشكيلات البرية. أمّا الآن، فحجم وحدات قوات الدفاع الجوي وتشكيلاتها في ازدياد؛ ما يزيد الحاجة إلى أعداد أوفر من الخريجين. لذا، كان قرار سمو سيدي الأمير سلطان بضرورة وجود كلية خاصة بقوات الدفاع الجوي، لتكتمل بها منظومة التعليم العسكري للدماء الجديدة، التي تضخ في شرايين القوات المسلحة، متسلحة بالعلم والفن العسكريَيْن.

س9: أشدتم سموّكم بالقوات الجوية، في كتابكم "مقاتل من الصحراء"، بقولكم: " واستطاعت القوات الجوية الملكية السعودية، أن تشارك بكفاءة، وتتكامل بسهولة مع قوات التحالف الجوي الرئيسية. ويعزى ذلك إلى أن عقائدها العسكرية، وتدريبها وتسليحها، ودرجة استعدادها، لا تقلّ عن مثيلاتها في الولايات المتحدة أو بريطانيا".

ما رأي سموّكم في مستوى خريجي كلية الملك فيصل الجوية؟

ج9: من السهل أن أجيبك، أن مستوى الخريج من أفضل المستويات، التي لا يضارعه فيها أحد. وأوالي الإجابة بأَفْعَل التفضيل، والتي قد تمنح النفس راحة، ولكنها تبعدنا عن رؤية واقعنا. والحقيقة أنه لا يمكن الحكم على مستوى الخريج، وخاصة الطيّار، حكماً صحيحاً، إلاّ إذا اختُبِر؛ والاختبار الحقيقي، هو ميدان المعركة. لذا، فالقوات المسـلحة، من جانبها، تُعِدّ الخريج لكي يبلي بلاءً حسناً، في اللحظة الحاسمة. فهي تضع شروطاً خاصة لقبول الطالب، وتزوّد الكلية بخيرة الضباط والمعلمين، وبالحديث من معدات وأسلحة تدريب، وتزود طلابها بالمعارف والعلوم الجوية، وتوفر لهم أفضل أساليب التعليم، وأرقى أنواع التدريب. ولا تتوقف رعاية الخريج بتخرجه، ولكن يُتابع مستواه في القوات الجوية، ويرتقي حتى يحقق مستوى الاحترافية، ويكون جاهزاً حينما تحين لحظة الدفاع عن الوطن.

وما يؤيد ذلك، ما تناقلته وكالات الأنباء، في حرب تحرير دولة الكويت، في شأن كفاءة الطيار السعودي، والقوات الجوية السعودية، مستشهدة بذلك الطيار، الذي أسقط طائرتَيْن، في طلعة واحدة. المعركة، إذاً، هي المحك الرئيسي في الحكم على الكفاءة. فما أسهل الأقوال، إن لم تصدّقها الأفعال!

س10: عن دراستكم في كلية الحرب الجوية، في ماكسويل، ألاباما، قلتم يا صاحب السموّ: "ولو كنت أعلم ما يخبئه المستقبل لي من تحديات، لبذلت جهداً كبيراً ولما غفوت طرفة عين خلال بعض المحاضرات".

ماذا تقولون، يا صاحب السموّ، لطالب عسكري، ينام أثناء المحاضرة؟

ج10: من الممكن أن نمطر هذا الطالب بالنصائح والتحذيرات والمواعظ. "لا تنم، فتضيع الفرصة"، "انتهز كلّ دقيقة، فما يمضي لن يعود". "العلم سبيلك إلى الرقي، فلا تَغْفُ". وغيرها من النصائح التي ربما لا تجد أذاناً صاغية. ولكن، علينا أن نفرق بين أسباب غفوة نتيجة إجهاد شديد، أو مرض، أو ملل من المادة العلمية أو من مقدمها؛ وهذا يحدث لنا جميعاً. وفي هذه الحالة، ينبغي أن نبحث عن السبب، ونعالجه. أمّا من يغفو عامداً متعمداً، فنقول له: "ستندم، في وقت لا ينفع فيه الندم".

س11: كان لسموّكم الكريم دور بارز، ودعم غير محدود لكلية القيادة والأركان للقوات المسلحة. فهل هناك تفكير في إنشاء كلية حرب؟

ج11:  إن إنشاء معهد علمي، يُعنى بالدراسات الإستراتيجية، المدنية والعسكرية، هو هدف نسعى إليه في قواتنا المسلحة. ففي معظم الدول، توجد أنواع مختلفة من هذه المعاهد في مستوى القوات المسلحة، مثل كليات الحرب، وكليات الدفاع الوطني. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، توجد كليات حرب في مستوى الأفرع الرئيسية، مثل: كلية الحرب للجيش Army War College، وكلية الحرب الجوية Air War College. إذاً، هذا المستوى ضروري لتأهيل قادة القوات المسلحة. لذا، تُرسل البعثات إلى كثير من الدول، للوقوف على فن وعلم الإستراتيجية والأمن الوطني، والعقائد العسكرية لقواتها المسلحة. أمّا إنشاء هذا النوع من الكليات، فيخضع لعوامل عدة، وثمة دراسات جادة في هذا الشأن، ستتحقق، بمشيئة الله، في القريب العاجل.

س12: يدرك سموّكم أهمية البحث والتطوير في قواتنا المسلحة. ما مدى الأخذ بذلك المنهج؟ وكيف يرى سموّكم دور الجامعات ومراكز البحث في ذلك؟

ج12: البحث والتطوير هما أساس ملاحقة هذا العصر، في جميع جوانبه، وليس في القوات المسلحة فقط؛ إنما في جميع مرافق الدولة، وفي كلِّ المجالات. وهما البداية العلمية الصحيحة لكل عمل أو مشروع؛ إذ لا يمكن اتخاذ قرار سليم، من دون بحث أو دراسة. لذلك، كان تقدم الدول العظمى مرهوناً بمقدار ما أنفقته وتنفقه في مجال البحث العلمي. لذا، يقع على الجامعات ومراكز البحوث والدراسات عبء كبير، لكي تنهض بواجباتها، وتقدم توصياتها بأسلوب علمي صحيح، يمكِّن صناع القرار من اتخاذ القرار السليم، في الوقت الملائم. وكلّ مال أو جهد، يُنْفق في البحث والتطوير في الجامعات ومراكز البحوث، لا يقدر عائده بثمن؛ لأنه يبني المستقبل، ويصنع الرجال. ومن جانبي أقول: "قلْ لي كم تنفق الدولة على البحث، أقلْ لك مستواها وقَدْرَها". والدليل على ذلك، ما تنفقه الدول المتقدمة على المجال البحثي، ونسبته إلى دخلها الوطني؛ ونسبة ما تنفقه الدول الأقل تقدماً، والدول النامية، التي ستظل نامية، طالما كانت بعيدة عن العلم والبحث، طريقاً وأسلوباً وتطبيقاً.

س13: في كثير من الدول المتقدمة، تُعْتَمَد رؤى مستقبلية، وخطط طويلة المدى، لتحديث العقيدة العسكرية، وتطوير واختيار أسلحة تلائمها. فهلاّ بيَّنتم للقارئ الكريم ما تبذلونه، حالياً، في هذا الخصوص، لقواتنا المسلحة، بأفرعها الأربعة؟

ج13: نظراً إلى ما يوليه سموّ سيدي القوات المسلحة من اهتمام، بناءً وإعداداً، تعليماً وتدريباً، تسليحاً واستخداماً، كانت توجيهاته بتشكيل لجنة تطوير القوات المسلحة، وأولى مهامّها: "مراجعة السياسة العسكرية، والإستراتيجية العسكرية، والعقائد العسكرية". وبالفعل، شُكِّلَت ثلاث لجان للتطوير، أولاها "لجنة إعداد السياسة، والإستراتيجية، والعقائد العسكرية"، برئاسة  وعضوية ضباط أَكْفاء من أفرع القوات المسلحة. وتُعدّ نتائج عمل هذه اللجنة، هي  المفتاح الرئيسي للتخطيط على المدى البعيد، في مجالات التنظيم والتسليح خاصة.

س14: تُعاب القوات المسلحة في دول العالم الثالث، بتدني فاعلية "العمل المشترك" و"تكامل العمليات" بين أفرعها، سواء على مستوى الإنسان أو الآلة؛ وهو ما يعرف بـ (Inter – Operability). وقد راعت القوات المسلحة الأمريكية هذا العامل مراعاة واضحة، في حرب تحرير الكويت. فما رأي سموّكم في ذلك؟ وهل هناك خطط لتقوية هذا العامل لدى أفرع القوات المسلحة السعودية؟

ج14: سؤال جيد، جاء في موعده. فالعمل المشترك والعمليات المشتركة، موضوع يشغل بال قواتنا المسلحة، في الوقت الحاضر؛ لأن القتال يدور بمفهوم مشترك، ولا يمكن فرعاً واحداً من أفرع القوات المسلحة، أن يقاتل بمفرده، أو يحقق نصراً بذاته. يجب أن تعكس العمليات المشتركة:  طبيعة الحرب الحديثة، والمطالب الإستراتيجية للدولة. وأن تُبنى على نظريات القتال، والخبرة العملية. وتتضمن مبادئ الحرب، ومبادئ العمليات المشتركة، والأفكار الرئيسية الأخرى، المتعلقة بسياسات الحكومة. وهي توفر (أي العمليات المشتركة) لقياداتها: بدائل عدة لهزيمة العدو في الحرب، أو في عمليات أخرى، عدا الحروب. وأخيراً، ينبغي أن تراعي العمل الجماعي، ووحدة الجهود، وتزامن وتكامل العمليات العسكرية، في الزمان والمكان والهدف.

وعلى قادة القوات المشتركة تأكيد تكامل عملياتهم المشتركة وتزامنها، في الزمان والمكان والهدف، مع أعمال القوات العسكرية الأخرى، والتنظيمات غير العسكرية.

س15: تُعَدّ طائرات ف5 من أفضل الطائرات، وأكثرها فاعلية، من حيث التدريب المتقدم. فهل هناك نية في تحديث هذا النوع من الطائرات، كما هو حاصل في كثير من الدول، التي لديها هذا النوع؟ وخاصة أن للتحديث داخل المملكة كثيراً من الميزات، كامتلاك التقنية، وإيجاد مزيد من فرص العمل لدفع عملية الاقتصاد.

ج15: سأقسم الإجابة عن هذا السؤال قسمَيْن: الأول، يخص طائرات F-5؛ والثاني، يخص موضوع التحديث.

استخدم هذا النوع من الطائرات في حرب فيتنام بفاعلية، وظلت تعمل حتى استغني عنها في معظم الدول المتقدمة، وأصبحت جيلاً قديماً لا يتماشى مع التقنية الحديثة. واستبدلت بمنظومة حديثة تتفق ومفاهيم العمليات المشتركة الحديثة، وعمليات الإسناد القريب. وكما تعلمون أن قدرات الطائرات العمودية الحديثة تفوق قدرات طائرات F-5، خاصة في الإسناد القريب.

أمّا عن التحديث، فيحكمه عوامل عدة، أمام متخذ القرار، أهمها: جدوى هذا التحديث، والنفقات اللازمة، والأولويات، والنفقات المقارنة بإحلال منظومة جديدة. فإذا نظرنا إلى هذه العوامل كان تحديث هذا النوع غير مجدي عملياتياً، وبالمثل تدريبياً. ومن الأفضل توجيه ما سينفق على التحديث، إلى منظومات حديثة وتقنية متقدمة، تتفق مع منظومات القوات الجوية الحالية. وأود أن أطمئنك أن القوات المسلحة تُدْخِل العوامل كافة في حسبانها، عند تقرير التحديث أو التطوير، أو الشراء؛ وعند تعزيز القدرات، وزيادة الكفاءة والفاعلية.

س 16: ختاماً لهذا الحديث الممتع، هل لسموّكم من ارشادات، توجهونها إلى أبنائكم خريجي كلية الملك فيصل الجوية؟

ج 16: كل الفضائل: الدينية والعلمية، السلوكية والإنسانية، يمكن صياغتها في نصائح غالية، لا نهاية لها. فما أسهل النصح! وما أصعب اتِّبَاعه! ولكني سأجمِل هذه النصائح في سبع، هي: الإيمان، العلم، الانضباط، القدوة، الأمانة. الإخلاص في السر والعلن، العدل في الرضا والغضب.

ـــــــــــــــــــ