إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / الأحاديث الصحفية، التي أدلى بها، صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى:




مجلة المجالس، العدد 1338
مجلة الصقور
مجلة كلية الملك عبدالعزيز/42
الأمير و الجنود السعوديون
الأمير مع الأمير سلطان
الأمير مع خادم الحرمين
الأمير يهدي كتابه إلى السفير
الأمير خالد مع الشيخ جابر
الأمير خالد مع شوارتزكوف
الأمير في مسرح العمليات
الملك فهد يتفقد القوات
الملك فهد في حفر الباطن
حديث إلى مجلة الحوادث
حديث إلى مجلة كلية الملك عبدالغزيز
سمو الأمير خالد بن سلطان
صورة من مجلة المجالس
صورة من مجلة الرجل
صورة للأمير من مجلة الرجل
صورة للأمير خالد في مجلة الرجل
صورة للأمير، من مجلة الرجل
صورة لسفينة حربية سعودية
غلاف مجلة أكتوبر
غلاف مجلة الحوادث
غلاف مجلة الرجل
غلاف مجلة كلية الملك عبدالعزيز





حديث

إلى مجلة "معهد الدراسات المساحية والجغرافية العسكري""

الرياض، العدد الثاني، ربيع الآخر 1425، يونيه 2004

ــــــــــــــــــــ

أجرى الحوار:

العميد الدكتور الركن عبدالعزيز بن إبراهيم العبيداء، المشرف العام

والمقدم المهندس الركن صالح بن عبدالعزيز التويجري، رئيس التحرير

 

 س1: صاحب السموّ، أنتم من خريجي مدرسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز. هلاّ أطلعتمونا على تلكم المدرسة، وتأثيرها في حياتكم عامة، وحياتكم العسكرية خاصة.

ج1: إنها موئل الفضائل، والخلق، تُجَسّد القيم والمبادئ: انضباط في رحمة، حسم في عدل، رأفة مع حزم. تكاد تقدّس العمل وتضعه في مصاف العبادة. مدرسة تعلمك الالتزام بالحقِّ، والثبات في الأزمات، وحسن التصرف في الشدائد. مدرسة ترسخ في النفوس حب الوطن وإيثاره، وتعمق الوازع الديني. حقيقة، ليس له مدرسة، إذ هو نفسه مدرسة؛ عمادها التشدد المستقيم، والإشراف الرحيم. أطال الله عمره، وجعلني فداءً له.

س2: الحياة ميدان واسع من الخبرات والتجارب، ما أبرز دروسها المستفادة، في رأي سموّكم؟ وأيّ قراراتكم كان، من وجهة نظركم، هو الأصعب؟

ج2: في كلِّ يوم نتعلم، وفي كلِّ ساعة نزداد خبرة، والذاكرة تختزن ذلك كلّه، وتعكسه في السلوك والتخطيط واتخاذ القرارات. من أهم الدروس، التي أُذَكِّر بها نفسي قبل غيري، أن تضع لنفسك منهاجاً وسطياً قويماًً تسير عليه، وقِيَماً عُليا تلتزم بها، ولا تحيد عنها؛ واليقين بأن احترام المرء نفسه هو أكثر ضرورة من احترام الآخرين له؛ وأن القول ما لم يصدقه العمل، يورد صاحبه موارد الهلاك، من عدم الثقة به، أو تصديقه، أو الاهتمام بما يقول. أمّا أصعب القرارات، من وجهة نظري، فهي تلك التي يُضطر المرء إلى اتخاذها عقلاً، وقد يأباها قلباً. وما أكثرها في حياة الإنسان!

س3: سموّكم عايشتم عن قرب رجالاً دخلوا التاريخ بفكرهم، وبُعْد نظرهم، بما قَدَّموه من عطاءٍ وبذلٍ لبلدنا أو لبلدانهم. ما مدى تأثير أولئك في سموّكم؟ وأيهم كان أشدّ تأثيراً؟

ج3: تأثري بشخصية ذات سمات فريدة، ليس رهيناً بمعايشتها؛ فقد أعايشها في الحقيقة، أو في كتاب، أو دراسة، أو تأريخ. وفي مختلف المجالات، خلال رحلة حياتي، كان هناك شخصيات اجتذبتني. فمثلاً، خامس الخلفاء الراشدين، عمر بن عبدالعزيز، أعلى شأن الدولة الإسلامية، وجعلها مهيبة الجانب، وأشاع العدل، وكان مثالاً في الزهد والورع، والتشدد في حرمات الله. ولم يجد في نهاية فترة حكمه، التي لم تدم أكثر من تسعة وعشرين شهراً، من يحتاج إلى  الزكاة في أمّتِه.

والملك عبدالعزيز، الذي خرج ذات يوم على رأس أربعين رجلاً، وعمره واحد وعشرون عاماً، سلاحُه الإيمان بالله، ومنهجه التوكل على الله. استطاع توحيد القبائل، وحوّل المجتمع البدوي إلى دولة حديثة، من البحر إلى الخليج، دولة موحدة آمنة ترفع راية لا إله إلا الله، قاد الدولة، خلال صراعَيْن دوليَّين، وخرجت منهما من دون أن تتعرض لاحتلال، أو تقع في دائرة نفوذ.

الفيلد مارشال روميل، ثعلب الصحراء، وعملياته الشهيرة في شمالي أفريقيا، التي تدل على عبقريته العسكرية الفذّة، وقيادته أعظم انسحاب في القرن العشرين، من دون التعرض لخسائر جسيمة أو هزيمة عسكرية حاسمة.

والملك فيصل، الأمين القوي، تعلمنا منه الدقة في العمل، والانضباط في الأداء، حتى ليقال إن الناس كانت تضبط ساعاتها على مواعيد تحركاته. تحمل كلَّ العبء: السياسي والدبلوماسي، في الصراع ضد عبدالناصر، في الستينيات، ونجح في إدارة الأزمة آنذاك، إذ كان مُحيطاً بالبديهيات الإستراتيجية لليمن، وعلى معرفة بقبائلها القوية وبطبيعتها الجبلية وتاريخها الحافل بالأحداث. كان قائداً ملهماً، أنزل العائلة والدولة مكانتهما في المجتمع الدولي؛ فضلاً عن كونه رجل مواقف، تشهد عليها حرب رمضان المجيدة، قبلها وأثناءها وبعدها.

والرئيس محمد أنور السادات، بطل حرب رمضان، والذي تميز برؤية إستراتيجية عميقة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فما كان ممكناً منذ خمسة وعشرين عاماً بات اليوم مستحيلاً.

وعلى رأس كلّ هؤلاء، القائد والقدوة والمثل الأعلى، رسولنا ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ الذي أمرنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن نتخذه أسوة حسنة.

س4: نجح سموّكم في التعامل مع الغرب، ونجحتم في التعامل مع الشرق كذلك. كيف ترون مستقبل العالم، والصين تتقدم بقوة اقتصادياً وتقنياً؟ وكيف يرى سموّكم العالم، بعد عشر سنوات؟

ج4: الصين وضعت أقدامها على العتبة الصحيحة للانطلاق، وهي القوة الاقتصادية. فتحت حدودها لكلِّ تقدم تقني، وصدّرت سلعها إلى كلِّ الأسواق الخارجية. فمنتجاتها متنوعة، وذات نوعية جيدة، وتشبع الحاجات الإنسانية. ومنذ فترة قصيرة، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية،أنها تخشى أن ينافسها، في يوم من الأيام، التقدم الذي تحرزه الصين. قد يكون هذا الإعلان مبالغاً فيه، ولكنه يمثل جزءاً واقعياً من الحقيقة؛ إذ سيكون للصين شأن، في خلال السنوات المقبلة. أمّا منافستها للولايات المتحدة الأمريكية، فأمر مستبعد وليس مستحيلاً. فكما ذكرت مرات عدة، أن القرن الحادي والعشرين هو قرن أمريكي، بما أحرزته واشنطن من تقدم علمي رهيب، لا ينافسها فيه أحدٌ.

س5: التعامل مع المرؤوسين، ورفع المعنويات، معادلة صعبة لتحقيق التوازن في الأداء والإنتاج. كيف يمكن تحقيق ذلك، من واقع خبرة سموّكم الطويلة.

ج5: ينبغي لكلِّ قائد، في المستويات كافة، وضع مرؤوسيه في بؤرة اهتمامه؛ فمنهم نستمد وجودنا العسكري، ومن خلالهم نؤدي مهامنا، وبفضلهم، بعد فضل الله، نحقق أهدافنا، ونسعد بنجاحنا. القائد الناجح، حقيقة، هو الذي يسعى إلى احترام مرؤوسيه قبل محبتهم، يسعى إلى ثقتهم قبل سعيه إلى إرضائهم. فالتعامل معهم يجب أن يبنى على الحزم مع الرأفة، والحسم مع العدل. ينبغي أن يشركهم في مرحلة صناعة القرار، ليزداد ولاؤهم وانتماؤهم. يأخذ الحق لهم، ولا يرضى الظلم لهم. أمّا رفع المعنويات، فطريقه بعد ما ذكرنا سهل، فالتعليم والتدريب والانضباط ورفع المستوى القتالي، أفراداً ووحدة، وثقة الضابط أو الفرد بنفسه وقائده وكفاءة وحدته، كلّ أولئك يُعدّ كافياً لمعنويات مرتفعة، وأداء ناشط، وإنتاج متقن.

س6: في عام 1997، نشر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجي محاضرة لسموّكم، تناولتم أمن الخليج العربي من منظور وطني، وتطرقتم فيها إلى قدرة الدولة على حماية قِيَمِها من التهديدات الخارجية؛ ما يستلزم أن تكون الدولة أقوى من نظيراتها المنافسة. ورأى سموّكم أن أي تهديد للبناء الاقتصادي هو تهديد للأمن الوطني؛ وقلتم إن الأمن يعني التنمية. من يقرأ هذه المحاضرة، يدرك ما نحن فيه الآن من استهداف. ما تعليق سموّكم؟

ج6: بداية، أودّ أن أصحح أنها لم تكن محاضرة، إنما كان بحثاً بعنوان: "أمن الخليج، المنظور الوطني". حاولت خلاله تعريف معنى الأمن، وعلاقته بالمجالات المختلفة، السياسية والاقتصادية والعسكرية، وخلصت إلى أنه: إحساس مجموع الأفراد (أيْ المجتمع) بالأمان، إضافة إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعقائدي، والحدود الآمنة، والحياة المستقرة المزدهرة. وبهذا التعريف، يصبح مفهوم "الأمن" غير مقتصر على الجانب العسكري، بل يتعداه إلى الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

أمّا تهديد البناء الاقتصادي بالأعمال الإرهابية، فقد قلت فيه: "لن أتحدث عن الإرهاب والعنف والتطرف بصفتها مصدراً للتهديد الداخلي للأمن الوطني للدولة، فضلاً عن تهديده لوجود الدولة نفسها. فهذا أمرٌ أصبح واضحاً إلى درجة لا يحتاج المرء معها إلى الحديث عنه. ولكني أقول شيئاً واحداً، هو أن كلّ ما صدر عن الجهات، التي عالجت وبحثت واجتهدت في هذا المجال، من آراء وتحليلات وبدائل، كان يدور حول أعراض المشكلة وظواهرها، ولم يُبحث في أسبابها. وعلينا الإسراع في بحث الأسباب الحقيقية للمشكلة وجذورها، وعدم التهاون بها أو تقليل شأنها؛ والتعاون والتنسيق الوثيقاْن لسد أيّ ثغرات من المنبع إلى المصب، من المُخَطِّط إلى المُنَفِّذ، من المجرم الحقيقي إلى المُغَرَّر به". أليس هذا هو المطلوب اليوم؟

وفي نهاية هذا البحث، اقترحت خطة عمل، محددة واضحة، من تسع مراحل؛ فضلاً عن آلية تنفيذها. فماذا حدث؟ انفض الجمع، وذهب كلّ باحث بما بحث. وصدرت المطبوعات الأنيقة، التي توثق الحدث، وسيقت إلى مثواها الأخير، رفوف المخازن والمكتبات. للأسف، إن هناك انفصالاً كاملاً بين مراكز البحوث في الوطن العربي ودوائر صناعة القرار. ليتنا ننظر إلى ما يجري في الدول المتقدمة، وندرس تأثير مثل هذه المراكز في اتخاذ القرار؟

س7: قرأنا لكم، وسمعنا منكم، يا صاحب السموّ، أن من أبرز نتائج الحروب الاتجاه إلى تطوير قواتنا المسلحة وتحديثها. فما المراحل التي ينبغي الأخذ بها، لإحداث مثل هذا التطوير؟ وهل تحققت طموحات سموّكم لتطوير القوات المسلحة؟

ج7: عقب كلّ حرب، محلية كانت أو إقليمية أو دولية، وسواء اشتركنا فيها أو لم نشترك، علينا استنباط الدروس المستفادة، بأسلوب علمي، يُجرى من خلال أربع مراحل رئيسية، هي: أولاً، دراسة الخطط والأوامر وتطور أعمال القتال والظروف المحيطة والخلفية التاريخية للحرب. ثانياً: تحليل العمليات القتالية كافة، طبقاً للموازين المختلفة، من عقائد وخبرات وعلم عسكري ومبادئ حرب. ثالثاً: تحديد نقاط القوة والضعف لكِلا الطرفين، منذ بداية الأزمة وحتى انتهاء الحرب. رابعاً: استنتاج الدروس المستفادة، طبقاً للمجال والمستوى.

والمقصود بالمجال، هنا، هو ذاك العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ وبالمستوى هو ذاك الإستراتيجي والعملياتي والتكتيكي. ومن أهم الأمور الاستفادة من تلك "الدروس المستخلصة"، وذلك باستيعاب كلِّ درس، وتحديد خطة تنفيذه. وسأضرب لكم مثلاً، في أثناء دراستي في كلية القيادة والأركان، في فورت ليفنورث، في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان قد مضى على انتهاء حرب رمضان نحو خمس أو ست سنوات، قرأت في كتب الإستراتيجية، والتكتيك، والأسلحة، كيف استفادت واشنطن من دروس حرب رمضان، في إعادة تنظيمها للكتائب، وخاصة كتائب المشاة الآلية، وإضافتها أعداداً كبيرة من الأسلحة المضادة للدبابات؛ وكذلك في تكتيكات الوحدات والتشكيلات المقاتلة. وكانت تكتب كلّ ذلك في صراحة ووضوح. إذاً، التطوير والتحديث عمليتان مستمرتان، ولا تتوقفان عند حدٍّ معين.

أمّا المراحل، التي ينبغي الأخذ بها، فقد أصدر سموّ سيدي أوامره بتشكيل لجنة لتطوير القوات المسلحة السعودية، في المجالات كافة؛ واختص بالمرحلة الأولى "إعادة التنظيم وتحديث النُظُم". وتعمل اللجان بجدٍّ واهتمام على إنجاز مهام هذه المرحلة. وبالفعل، أنجزت اللجنتان: الأولى والثالثة، مهامهما. ويجري حالياً مراجعة "السياسة والإستراتيجية والعقائد العسكرية"، وكذلك "الأنظمة العسكرية المختلفة". ونطمح، بإذن الله، ألاّ يقتصر التطوير على المرحلة الأولى فقط، بل يتعداها إلى مراحل أخرى، تشمل: إعادة تنظيم الوحدات والتشكيلات، والتسليح، واستخدام القوات؛ حتى نصل إلى تحقيق هدفنا، بفضل من الله، وهو: بناء قوات مسلحة محترفة، تتسم بالخواص الآتية: قليلة العدد، عالية الكفاءة القتالية، منخفضة النفقات، قادرة على الردع.

س8: تسعى وزارة الدفاع إلى تطوير منظوماتها العسكرية المختلفة. ما رأي سموّكم في تحويل معهد الدراسات المساحية والجغرافية العسكري إلى كلية تمنح درجتَي الدبلوم والبكالوريوس في العلوم المساحية؟ وما الآلية الملائمة لتحقيق ذلك؟

ج8: الفكرة في حدِّ ذاتها مقبولة، لا اعتراض عليها، للوهلة الأولى. ولكن، دعونا نفكر في أهمية هذه الخطوة، في الوقت الحالي. وهل نحن، حقاً، في حاجة ماسة إلى ذلك؟ وما هي مهمة المعاهد الأكاديمية الأخرى المتخصصة في هذا الحقل؟ والأهم من ذلك كلّه، هل سيبعدنا هذا التحويل عن المهمة الأساسية للمعهد ولهيئة المساحة؟ دائماً، أُذَكِّر نفسي والآخرين بأنه قبل التفكير في "التطوير"، لا بدّ من إنجاز مهامنا، واستيعاب ما بين أيدينا، من معدات وأسلحة وأنظمة، قبل أن نُزيد من أعبائنا.

من وجهة نظري، المساحة العسكرية، أولاً، ليست جهة أكاديمية تعليمية. وإنشاء مثل هذه الكلية، سيصرفها عن أهدافها الأساسية، إلى متابعة أمور أكاديمية، خاصة بأعضاء هيئة التدريس وترقياتهم وتعيينهم، والطلاب وتسجيلهم والمنتظم منهم والمنسحب، وغير ذلك من الأمور، التي قد لا يتوافر لدى الهيئة من الكوادر الفنية والبشرية من يُديرها على الوجه المطلوب. ثانياً: هل يستلزم الأمر، حالياً، أن نخرّج، سنوياً، أفواجاً ممن يحملون درجة "البكالوريوس" في العلوم المساحية؟ وأين الوظائف التي تنتظرهم؟ وهل يحتاج سوق العمل "المدني أو العسكري"، إلى تلك الأعداد المتوقعة؟ أم سنزيد مشكلة البطالة تعقيداً؟ ثالثاً: في حالة الاحتياج إلى عدد محدود من ذوي الكفاءات الخاصة في هذا التخصص، فالأَوْلى الابتعاث، داخلياً أو خارجياً، أو التنسيق مع الأقسام المختصة في جامعاتنا، وإنشاء برامج دراسية مشتركة، ترعاها الجامعات، بالمواصفات التي تتطلبها القوات المسلحة، وذلك على غرار ما هو معمول به في بلدان عديدة.

س9: صاحب السموّ، زرتم كثيراً من المعاهد والكليات، العسكرية منها والمدنية. ومن خلال تجربتكم داخل المملكة وخارجها، هل يري سموّكم جدوى من تعديل اسم المعهد الحالي من "معهد الدراسات المساحية والجغرافية العسكري" إلى "المعهد الجغرافي العسكري"؛ ليلائم التخصص، ويدل على شمولية أكثر؟

ج9: معهدكم أُنشئ عام 1407هـ، أيْ منذ ثمانية عشر عاماً، فهل هناك ضرورة ملحّة، الآن، لتغيير اسمه، بما سينجم عنه من إجراءات إدارية ونفقات مالية؟ وهل اسمه الحالي يسبب أيّ مشكلات تعليمية أو إدارية؟ في الدول الأجنبية يحافظون على أسماء وحداتهم وتشكيلاتهم ومنشآتهم، بصرف النظر عما آل إليه محتواها. فما زالت وحدات في القوات المسلحة الأجنبية تحمل اسم " فوج فرسان، أو كتيبة فرسان"، على الرغم من عدم استخدامهم أيّ نوع من الخيول! إنها المحافظة على الأصل، والتمسك بالقديم، وعدم التغيير إلاّ عند الضرورة القصوى؛ فضلاً عن أن هناك نقطة خاصة بالاسم المقترح، وهي: تخصيص "الجغرافي" مسمى للمعهد؛ ما يعني أنه يشمل كلّ فروع علم الجغرافيا من دون استثناء، وما أكثرها! أمّا الاسم الحالي، فيسمح لنا باستخدام ما يلائم احتياجاتنا من فروع الجغرافيا، من دون الالتزام بشموليتها. وذلك، في رأيي، أكثر واقعية.

س10: سموّ الأمير، قلتم: "إن الجيوش تسير على بطونها، محمية بإلكترونياتها، ومهاجمة بها". هل يمكن إلقاء الضوء أكثر على هذه العبارة؟ وهل هناك نية في تحديث منظومات الأسلحة في قواتنا المسلحة؟

ج10: تلك المقولة، استلهمتها من تعريف المصطلح، الذي ما فتئ يتردد ويستخدم كثيراً، وأصبح هو محور التفوق، وهو: "عمليات المعلومات Information Operations"، التي تُعرف بأنها "إجراءات، تُتخذ للتأثير في معلومات العدو وأنظمته المعلوماتية، بينما تدافع عن معلومات القوات الصديقة وأنظمة معلوماتها. وطبقاً لهذا التعريف، فهي تشمل العمليات الهجومية والدفاعية. وتتمثل أولاهما في الاستخدام المتكامل للقدرات والأنشطة، المخصصة والمساندة، والمدعمة بالاستخبارات؛ للتأثير في صانعي القرار المعادين، وتحقيق أهداف محددة. وهي تشمل، مثلاً لا حصراً، أمن العمليات، الخداع العسكري، العمليات النفسية، الحرب الإلكترونية، الهجوم/التدمير المادي، وعمليات المعلومات الخاصة؛ وقد تشمل هجوم شبكات الحاسب.

أمّا العمليات الدفاعية فهي تتجسد في التكامل والتنسيق بين السياسات والإجراءات، والعمليات، والأفراد، والتقنية، لحماية المعلومات والأنظمة المعلوماتية والدفاع عنها؛ من خلال سلامة وأمن المعلومات، وأمن العمليات، وحماية شبكات الحاسب، والتأمين المادي، والخداع المضاد، والدعاية المضادة، والاستخبارات المضادة، والحرب الإلكترونية، وعمليات المعلومات الخاصة. وهي بذلك تضمن انسياب المعلومات الآنية الصحيحة والدقيقة، وتحرم العدوّ فرصة استغلال معلومات القوات الصديقة وأنظمة معلوماتها.

أمّا تحديث منظومات الأسلحة، فكما قلت، إن عمليات التطوير والتحديث مستمرة، طبقاً لاحتياجاتنا وإمكانياتنا، والأهم من ذلك كلّه التهديدات المحتملة لأمننا الوطني، الذي يهون في سبيل المحافظة عليه كلّ رخيص وغالٍ.

س11: وَرَدَ في كلمة سموّكم، في افتتاح ندوة الحرب الإلكترونية الثانية، أن المعلومات والسيادة المعلوماتية هي سلاح القرن الحادي والعشرين. ما هو إسهام المعلومات الجغرافية في هذا السلاح؟ وما تأثير المعلومة الجغرافية في العمليات العسكرية؟

ج11: ما دعاني إلى هذا القول، أنني قرأت في أحد البحوث المقدمة إلى الندوة، "أن الحرب الإلكترونية هي سلاح القرن الحادي والعشرين"، فقلت إنني لا أوافق الباحث على هذه المقولة؛ إذ إن "المعلومات هي سلاح ذلك القرن؛ ومن دانت له السيادة المعلوماتية، فقد انتصر، قبل أن تبدأ المعركة". قد تكون مقولة الباحث تلك صحيحة بالنسبة إلى القرن الماضي، أمّا الآن فالموقف مختلف تماماً، والحرب الإلكترونية باتت في عباءة المعلومات وعملياتها الهجومية والدفاعية وإحدى أدواتها. وأضحى الناس أجمع يلهثون وراء المعلومة الصحيحة، الموثوق بها، الموقوتة.

أمّا إسهام المعلومات الجغرافية من هذا السلاح، فهو الإسهام الأوفى، من دونه تصبح المعلومة قاصرة؛ وبالمعلومات الجغرافية، يكون للمعلومة معنى وتحديد وتوجيه. أمّا تأثيرها في العمليات العسكرية، فهي حيوية، ولا يمكن الاستغناء عنها في كلِّ جزئية من جزئيات القتال. فالعنصر الرئيسي في تقدير الموقف فيّ أي مستوى قيادي أو ركني، هو دراسة الأرض؛ وكفاءة توجيه الأسلحة والمعدات، تعتمد على المعلومة الجغرافية؛ والتحركات العسكرية، والانتشار العملياتي، وإدارة العمليات القتالية، لا تجرى بكفاءة في غياب المعلومات الجغرافية. وتسألني بعدها عن تأثيرها!

س12: سموّ الأمير، قلتم: "أضحت المعلومات عنصراً من عناصر القدرة الوطنية، جنباً إلى جنب مع القدرات: السياسية والاقتصادية والعسكرية، تُنفَّذُ في العمليات العسكرية كافةً، وفي جميع مراحلها، وفي كلِّ مستويات الحرب: الإستراتيجية والعملياتية والتكتيكية". كما اقترحتم: "حل مشكلة الأمن لحرب المعلومات، وإنشاء مكتبة التهديدات العامة والمشتركة Threat Library، لاستخدامها في أنظمة الإنذار بالتهديدات Threat Warning Systems؛ فضلاً عن استحداث نظام لتبادل المعلومات والمعرفة Knowledge؛ وتأسيس قاعدة معلومات وطنية، تنفرد بالمعلومات الجغرافية الرقمية؛ وإمكانية إطلاق قمر صناعي للأغراض العسكرية قاطبة". سيدي، هذه الاقتراحات تبهر المتخصصين، وتقفز ببلدنا الحبيب إلى مصافّ الدول المتقدمة. هل هناك خطة لتنفيذ هذه الاقتراحات؟

ج12: إن ما ذكرته في هذا الشأن، هو التذكير فقط ببعض المشاكل والقضايا، التي تدعونا إلى الاهتمام بها والعمل على ابتكار حلولها العملية، وطلبت من الباحثين أن يأخذوها في حسبانهم، في الدراسة والمناقشة. وينبغي لهم صياغة توصياتهم، لتكون في خطة شاملة، محددة المراحل والتوقيتات والنفقات والأولويات. ويا حبذا لو اشتملت تلك التوصيات على بدائل عدة، مع بيان المكاسب الآنية، والخسائر المستقبلية، إذا لم تُنفذ التوصية. وكلّ ذلك في إطار من الوضوح والشفافية والحِرفية، وإدراج جميع التفاصيل والاقتراحات. عند ذلك فقط، يمكن لصاحب القرار أن يتخذ من القرارات ما يطمئن إلى صوابه، ويتحمس لتنفيذه، لأنه على ثقة أن الأمر قد دُرس بعناية. إننا في  انتظار ما يَرِدُنا من اللجنة، التي أشرفت على الندوة.

س13: بالاطلاع على موسوعة "مقاتل من الصحراء" في إصدارها الخامس، كان من اللافت إضافة أربع كلمات أسفل شعارها، وهي العمل، الإنتاج، التطوير، الإبداع. فهل يمكن إلقاء الضوء على سبب اختيار سموّكم لتلك الكلمات، لتكون في مقدمة ما يقرأه الباحث أو القارئ؟

ج13: اخترنا هذه الكلمات الأربع لأنها مفتاح التقدم، عند الأخذ بها، ومفتاح التخلف، عند إهمالها؛ فلا إنتاج من دون عمل نافع، ولا إنتاج متطور من دون تطوير مستمر، ولا تطوير فعّال من دون إبداع فكري مثمر. فمن السهل التشدق كثيراً بأهمية العامل الرئيسي في العملية الإنتاجية، وهو "العمل"، الذي لا يُعطى الثقل الملائم، ولكن من الصعب وضعه نصب أعيننا، منهاجاً وسبيلاً. فديننا الحنيف يولي العمل أهمية قصوى؛ بل يقرنه بالعبادة، إن لم يسبقها، والعمل يُعدّ غاية بقدر ما هو وسيلة. ومن أفضل ما قرأت، أن "العمل حق لله؛ لتعلقه بالنفع العام للجماعة البشرية. وحق للعباد؛ لنفعه الخاص لكلِّ شخص في حفظ حياته". وينبغي لأي دولة أو أمة، تريد مواكبة العصر، ولا تبقى في مصافّ الدول المتخلفة، أن ترى في العمل وظيفة اقتصادية، ونفسية، واجتماعية.

س14: صاحب السموّ، أنتم قائد وقدوة. ما هي الجوانب التي تلفتون إليها قادة الكليات والمعاهد والمدارس العسكرية ومنسوبيها وطلبتها؟

ج14: من السهل ادعاء الكمال، وتوزيع النصح والإرشاد؛ ومن الصعب العمل بهذه النصائح، والالتزام بها. والآية القرآنية توضح لنا مثل هذا التناقض وعاقبته، إذ يقول المولى ـ عزّ وجلّ: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)". ولا أجد أفضل من إجابتي على السؤال نفسه، في مجلة الصقور، إذ قلت: "سأجمِل هذه النصائح في سبع، أوصي نفسي وكل قائد وطالب وفرد الالتزام بها، والعضّ عليها بالنواجذ، وهي: الإيمان، العلم، الانضباط، القدوة، الأمانة. الإخلاص في السر والعلن، العدل في الرضا والغضب".

ـــــــــــــــــــ