إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / محاضرات صاحب السموّ الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز في المعاهد والمنشآت التعليمية









بسم الله الرحمن الرحيـــــــــم

في افتتاح الموسم الثقافي

للمديرية العامة للدفاع المدني

 

حقائق لـَمْ تُبْـــرَزْ عن حرب الخليــــــــــج

ــــــــــــــــــــــ

الرياض، المملكة العربية السعودية

25 جمادى الأولى 1415، الموافق 30 أكتوبر 1994

ـــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالميـن

والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين

يسعدني أن ألتقي اليوم رجال الدفاع المدني، وضيوفهم الكرام.

يسعدني أن ألتقي الرجال، الذين يقع عليهم العبء الأكبر في تأمين الأرواح والمنشآت، وحماية اقتصادنا الوطني، واستقرار المواطنين، اجتماعياً ونفسياً، أثناء الأخطار التي قد تتعرض لها مملكتنا الحبيبة ـ لا سمح الله ـ من كوارثَ أو حروبٍ أو حوادثَ.

دَورٌ مهمّ، لا يقلّ أهمية عن دور القوات المسلحة في ميادين القتال.

إن دَور الدفاع المدني الذي يبدأ باتّخاذ الإجراءات الوقائية لمنـع وقوع الحوادث، أولاً، ثم تقليل خسـائرها عند حدوثها، ثانياً، ثم إزالة الآثار الناتجة منها، ثالثاً، يعدّ دَوراً حيوياً، وجزءاً مهماً من الخط الدفاعي الثاني، المتمثل في دَور وزارة الداخلية.

لم أتردّد لحظة في قبول دعوتكم، لقناعتي التامة بأهمية دَوركم في حرب تحرير دولة الكويت، وما لمستُه بنفسـي من شجاعة رجالكم وبسالتهم، وسرعة تَجاوبهم مع حركة الأحداث، وقدْرتهم على التغلب على نقاط الضعف بسـرعة وإيجابية في ما كنّا نواجهه، للمرة الأولى، في تاريخنا.

ولا أنسى في هذا المجال دَور وزارة الداخلية، بأجهزتها المختلفة، وما قدّمته إلى المملكة خلال تلك الحرب. لذا، أجد لزاماً عليَّ الاعتراف بفضل القائمين على شؤونها، وعلى رأسـهم صاحب السـموّ الملكي، الأمير نايف بن عبدالعزيز، وسـموّ نائبه، الأمير أحمد؛ فللمرة الأولى في تاريخ الحروب نجد أن الأمنَ أصبح أكثر استتباباً، والأمانَ أكثر رسوخاً.

كانت الأجهزة المختلفة بدءاً من: القيادات العليا، التي أجادت التخطيط والرقابة، والأجهزة الأمنية، التي حفظت الأمن في الخطوط الخلفية للقوات المسلحة: السعودية والشقيقة والصديقة، وسلاح الحدود، الذي كنا نَعُدّ مراكزه ودورياتـه نقـاط استطـلاع متقدمـة لنا. وإدارات المـرور، التي كانت تُنظـم حركـة سـير الأرتال العسـكرية بسـهولة ويُسر. وفِرق العمل، التي أُلحقت على قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، أو عملت ضمن مركز الدفاع الوطني، للتنسيق وتبادل المعلومات العسكرية: الأمنية والاستخبارية. كانت هذه الأجهزة جميعها، بلا استثناء، على مستوى المسؤولية، ومستوى الأحداث.

أَلَمْ أقُل إنكم كنتم، بحق، خط الدفاع الثاني عن المملكة، وحماة ظَهر قواتها المسلحة. فقد أدّت جهودكم إلى تفرّغ قادتِها للتخطيط والقتال، معتمدين ـ بعد الله ـ على من يحمي ظهورهم، واثقين بقدراتكم وإخلاصكم لبلدكم.

أتحدث إليكم اليوم، وأحداث حرب الخليج ما زالت تُلقي بظلالٍ كثيفةٍ على مجريات الأمور في منطقتنا، فما زال الخطر قائماً، والمعتدي يواصل تحدياته، ونحن نسعى إلى تحقيق أمننا الوطني بشتَّى الوسائل والأساليب.

سأحاول، في حديثي إليكم، أن أجيب عن بعض التساؤلات، التي أُثيرت منذ أربع سنوات، وما زالت تُثار. وقد تشارك إجاباتي في توضيح بعض ما يجري الآن على أرض الواقع. كما سأحاول إلقاء الضـوء على الدَّور السـعودي خلال هذه الحرب. هذا الدَّور الذي لم يأخذ ـ للأسف ـ حقَّه في الإعلام، الغربي أو العربي، أو في الكتابات الصادرة عن الشرق أو الغرب، وكأن ما حدث على أرضنا، لم يكن إلاّ حدثاً عارضاً، لم يشعر به أحد، ولا يرحب بتذكره الكثيرون. واستقرَّ في بعض النفوس، أن ما قد يحدث في المستقبل، سيكون صورة طبق الأصل لما حدث بالأمس، وهذا خطأ كبير.

لذلك، اخترت  "حقائق لم تُبْـرَزْ عن حرب الخليـج"، عنواناً للقائنا.

ولنبدأ الآن بالعنصر الأول من عناصر اللقاء، وهو أولى الصعوبات التي واجهناها عند بداية الأزمة، وهي كيفية بناء قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، التي استوعبت قوات مسلحة من خمس وعشرين دولة، وكانت مسؤولة عن إمداد وتموين وحدات من سبعٍ وثلاثين دولة.

كما تعلمون، إن أمر التكليف بتعييني قائداً للقوات المشتركة ومسرح العمليات، صدر في التاسع عشر من المحرم عام ألف وأربعمائة وأحد عشر للهجرة، الموافق العاشر من أغسطس عام ألف وتسعمائة وتسعين للميلاد، أي بعد تسعة أيام من بدء الأزمة، في ظل ظروف صعبة مرّت بها قواتنا المسـلحة حين كانت التهديدات العراقية من الشـمال، والتحركات السريعة للوحدات البرّية السعودية تدعيماً للجبهتين الشرقية والشمالية، والاستعداد الكامل للقوات الجوية في قواعدها المختلفة، والانتشار السريع للقوات البحرية في البحر الأحمر والخليج العربي، والتدفق الكثيف للقوات الأمريكية والعربية.

لقد بدأنا العمل في قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات بقائد وضابطين وثلاثة أفراد، كما ترَوْن على اللوحة أمامكم.

وكان على هذه القيادة الوليدة تنفيذ مهامّ جسيمة، بسرعة وكفاءة، إذ كان عليها: 

1. بناء تنظيم على المستوى العملياتي، يماثل، على قدر الإمكان، التنظيم الأمريكي، ويتفق مع التنظيمات السعودية.

2. إنشاء وتجميع عناصر القيادة لمواجهة المطالب المُلحّة من:

* وضع الخطط الدفاعية بما يتيسر لدينا من قوات، وتدريبها، واستكمال نواقصها، ورفْع كفاءتها القتالية.

* وتأمين الحدود السعودية مع الكويت والعراق.

* واختيار الضباط والقادة السعوديين الأكْفاء، للعمل في وظائف القيادة والأركان.

3. ومما زاد في مسؤوليات قائد القوات المشتركة ونطاق إشرافه، ارتباط جهات عديدة به ارتباطاً مباشراً، وذلك للمرة الأولى في تاريخ القوات المسلحة، فلقد انضم إلى القيادة:

*  فريق عمل من وزارة الداخلية، برئاسة اللواء محمد بن علي السحيلي، الذي سعدت بوجوده ضمن القيادة، فقد كان خيرَ عونٍ لنا.

*  وفريق عمل من وزارة الخارجية، برئاسة السفير محمد عمر مدني، الذي كان خير من مَثَّلَ وزارته.

*  وفريق عمل من هيئة الاستخبارات العامة، برئاسة اللواء محمد عيد، الذي أدّى واجبه بجرأةٍ وكفاءةٍ.

*  وهيئة استخبارات وأمن القوات المسلحة.

*  وفريق للحرب النفسية.

*  وفريق عمل من مصلحة الأرصاد وحماية البيئة.

*  وفريق عمل من وزارة البترول والثروة المعدنية.

وبفضل من الله، ثم بفضل الدعم الذي تلقيناه من قياداتنا العليا، والتعاون والتنسيق الكاملَيْن من جميع الوزارات والأجهزة الحكومية، تغلّبنا على هذه الصعاب، وأمكَن تشكيل القيادة، كما تَرَوْن في هذه اللوحة، من جميع الأجهزة والإدارات اللازمة، وأصبح عدد أفرادها خمسمائة وسبعة وثلاثين، بعد أن كان خمسة فقط.

ولإعطائكم فكرة موجزة عن العبء الجسيم، الذي كان مُلْقى على عاتق قيادة القوات المشتركة، فلنسـتعرض معاً أعداد الدول، والقوات التي كان يقودها كلٌّ من قائد القوات المشتركة وقائد القوات المركزية الأمريكية.

* كما تلاحظون، كان قائد القوات المركزية الأمريكية، يقود قوات من اثنتي عشرة دولة، بينما كان قائد القوت المشتركة، يقود قوات من خمسٍ وعشرين دولة.

* كان شوارتزكوف يقود حوالي خمسمائة وتسعين ألف مقاتل في مسرح الشرق الأوسط، وهي منطقة عمل القيادة المركزية، بينما كنت أقود حوالي مائتي ألف مقاتل في مسرح العمليات.

* كان شوارتزكوف يقود قوات دول تتكلم لغة واحدة، وتجمعها ثقافة واحدة، وعادات وتقاليد واحدة، وتعمل في ظلِّ عقائد قتالية واحدة، وسبق لها التدريب المشترك، بينما تتكون القوات المشتركة من قوات تتحدث لغات شتَّى، وتعمل بعقائد قتالية مختلفة، وتستخدم أسلحة مختلفة، وثقافاتها متعارضة، وعاداتها وتقاليدها متباينة، ولم يسـبق لها التدريب المشترك بتاتاً. 

فأيّ مهمةٍ أصعبُ من هذه المهمة؟

وللتغلب على هذه الصعاب، كانت قيادة القوات المشتركة مضطرة إلى اتّخاذ الإجراءات التالية:

* تحديد العلاقات القيادية بجميع وحدات وتشكيلات القوات المشتركة.

* وضْع ضباط للاتصال بين القيادات، وبين الوحدات المتجاورة، والعاملة في قطاع واحد، وتبادل أطقم المساندة النيرانية، بين القوات المختلفة.

* تنفيذ التدريب المشترك بين القيادات، والوحدات، والوحدات الفرعية.

* وضْع إجراءات عمل مستديمة لنظام القيادة والسيطرة.

* عدم السـماح لقادة بعض القوات المشـاركة، مثل قائد القوات المصـرية، والسـورية، والكويتية، والفرنسـية، والبريطانية، بحضور الاجتماعات اليومية، التي كانت تُعقد في القيادة، إلاّ قبل بدء العمليات بحوالي شهر، على الرغم من إلحاح القائد الأمريكي بضرورة حضورهم هذه الاجتماعات. وكان سـبب رفْضي لذلك هو خشـيتي من ضيـاع الموضوعـات المهمـة بين الموضوعـات الهامشـية، التي قـد تُثـار؛ فالوقـت ليس في مصـلحتنا، والمسـؤولية مسؤولية سعودية، وكنتُ غير مستعدٍّ للسماح لأحد بالتدخل في مسؤوليتنا. وحتى بعد حضور القادة الاجتماعات، لم يكن لهم الحق في تعديل ما نُقِرُّه، وكان عليهم الاستماع وعرض وجهات نظرهم، إذا طُلِب منهم ذلك.

* تنفيذ مبدأ وحدة القيادة، لتصبح هناك قيادة واحدة مسؤولة عن تأمين كافة الاحتياجات، بما فيها احتياجات القوات الأمريكية. ومن طريق هذه القيادة، يُجْرى الاتصال بجميع قيادات القوات: الشقيقة والصديقة، لحلّ كافة المشاكل مع أجهزة الدولة، حتى اتصالاتهم بوزارة الدفاع، كانت تُجرى من طريق قيادة القوات المشتركة. وهذا بالطـبع سَهَّل كثيراً من الأمور، ووضع ضوابط مُلزِمة للجميع، ولم يكن ذلك الوضع مريحاً لكثير منهم، الذيـن تَمَنَّوْا ألاّ يكون ثمة قيود على اتصالاتهم. أمّا ما يخصّ العمليات، فقد كان هناك قيادتان متوازيتان: إحداهما أمريكية، والأخرى وطنية سعودية، ويُجرى التخطيط العملياتي بصورة مشتركة، وبتفهم كامل من الجانبين.

* خُصِّـصَت قطاعات مسؤولية للوحدات والتشكيلات، بما يتلاءم وقدراتها القتالية، من دون التعرّض للعقائد القتالية أو مفاهيم الاستخدام لوحداتهم.

* أُنْشِأَت مراكز قيادة متقدمة لقيادة القوات المشتركة، في كلٍّ من المنطقتَيْن: الشرقية والشـمالية، كُلِّفـت بالسـيطرة العملياتية على القوات كافة المتمركزة في المنطقة. وأصدرتُ الأوامر بتفرّغ قائد المنطقة لعمليات الإسناد الإداري. نُفِّذ ذلك، للمرة الأولى، مخالفاً مبدأً مهمّاً من مبادئ الحرب، وهو أن تكون القيادة الإدارية والعملياتية في يد قائدٍ واحد، ولكن نظراً إلى الظروف الفريدة في نوعها، التي واجهناها، للمرة الأولى، في تاريخنا، كان علينا أن نتحرّر من هذا المبدأ. وقد تحقق نتيجة لذلك أكثر من هدف:

الأول: تفرّغ قائد المنطقة لأعمال الإمداد والتموين وحلّ المشاكل الإدارية لجميع القوات في منطقته، وكان هذا في حدّ ذاته عبئاً كبيراً.

الثاني: تفرّغ قائد آخر، ضمن المنطقة، لقيادة وحدات المناورة أثناء تمركزها، وقيادتها عند تقدُّمها تنفيذاً للعمليات الهجومية.

الثالث: اعتبار مركز القيادة المتقدِّم، في كل منطقة، مركز قيادة لقائد القوات المشتركة، عند انتقالي إليه وإدارة العمليات القتالية.

هذه أمثلة قليلة لطبيعة المشاكل، التـي واجهناهـا، والتي حاولنا حلّها بأسلوب علمي وعملي. ولنتعرف، الآن، بالأعباء الحقيقية التي نفّذتها القوات المشتركة، ولكن لَمْ تُلْقَ عليها الأضواء الكافية:

أولاً: احتلال الخط الدفاعي الأول في خطة "درع الصحـراء"

قد يظن بعض الناس أن القوات الأمريكية، هي التي تحمّلت عبء الدفاع عن المملكة. وأن دَور القوات المشتركة، كان هامشياً أو مسانداً فقط. ولكن الحقيقة تُخالف ذلك، فقد تحمّلت القـوات المشـتركة، وبوجه خاص القوات السعودية وقوات دول مجلس التعاون والقوات: المصرية والسورية والمغربية، عبء الدفاع عن الحدود السعودية، في الوقت الذي كانت فيه القوات الصديقة لا تزال في الخلف، في مناطق إنزالها أو تجمّعها.

ثانياً: نأتي بعد ذلك إلى معركة الخفجي

فكما تعلمون، إن القوات المسلحة السعودية ووحدات من الحرس الوطني ووحدات من دولة قطَر، هي فقط التي قاتلت في هذه المعركة، التي أهدانا الله فيها النصر، وجعلها نقطة مضيئة في تاريخ القوات المسلحة السعودية والحرس الوطني. لن أزعجكم بتفصيلات العملية العسكرية، فكلّكم قرأتم عنها. ولكن سأحاول أن أوضح لكم بعض الأهداف، التي كان المعتدي يأمل تحقيقها باحتلال الخفجي، ثم نتائج المعركة، ثم أهمية هذه المعركة، بالنسبة إلينا في المملكة العربية السعودية.

* كان المعتدي يهدف من هذه المعركة إلى:

** إظهار قدرة العراق على تهديد أراضي المملكة.

** والاستيلاء على هدف حيوي في المملكة، لتحويل القضية من تحرير الكويت، إلى الجلاء عن أراضٍ سعودية.

** ودفْع القوات المشتركة والصديقة إلى معركة برّية، يُحدد هو زمانها ومكانها الملائمَيْن لها.

** ورفْع الروح المعنوية المنهارة لقواته المسلحة، والتأثير السلبي في معنويات قواتنا.

** وأخيراً، تأييد ادعاءاته، بأنه لن يُهزم في أمِّ المعارك، ولو واحداً في المليون، كما ادَّعى صدام، خاصة أمام الجماهير، التي صدَّقته وأيَّدته في بعض البلدان: العربية والإسلامية.

لقد أكرمني الله ـ سبحانه وتعالى ـ بوجودي على أرض المعركة، بعد بدايتها بفترة قصيرة، ووفّقني في قيادتها، بمعاونة قائد مركز القيادة المتقدم في المنطقة الشرقية، اللواء الركن سلطان عادي المطيري، وضباط مركز القيادة، وقادة الوحدات.

ومن جانبي، فقد اعتبرت أن المعركة محسومة تماماً لمصلحتنا، بعد:

** محاصرة المدينة حصاراً كاملاً.

** والسيطرة على كافة الطرق من المدينة وإليها.

** واحتلال الهيئات الحاكمة حولها.

** وتخصيص المهامّ للقوات، التي كُلِّفت بالهجوم المضاد واستعادة المدينة.

** وتكثيف القصف الجوي ضد الأنساق الثانية والاحتياطيات وأيّ قوات تتحرك من العمق.

إن نتيجة المعركة تبدو واضحة من حجم الخسائر، التي تكبدها المعتدي. فلقد كانت خسائره اثنين وثلاثين قتيلاً، وخمسة وثلاثين جريحاً، وأربعمائة وثمانية وثمانين أسيراً. وبلغت نسبة خسائره إلى خسائرنا 9 : 1.

تأتي أهمية معركة الخفجي، كما تعلمون، من أنها:

* تُعد أكبر معركة برّية تشترك فيها القوات المسلحة السعودية وقوات من الحـرس الوطني، منذ نشـأتهما، ويكون القائد السعودي هو المسؤول الوحيد عن إدارة المعركة.

* وتُعد أول معركة تُختبر فيها الكفاءة القتالية للقوات المسلحة السعودية، وأول معركة تخوضها بإسناد جوي قريب، من دون خبرة قتالية سابقة.

* كما تُعد أول معركة يُختبر فيها نظام القيادة والسيطرة والاتصالات، في مستوى القيادة المشتركة، ومستوى الدولة.

* ولأنه لم يسبق أن احتُلَّت مدينة سعودية من قَبْل، فقد قاتلت القوات السعودية بضراوة، دفاعاً عن شرف هذه الدولة وترابها، حتى لا يكون الاحتلال سابقة في تاريخها.

* وقد كان النجاح في هذه المعركة يعني الثقة بالنفس، والروح المعنوية العالية للقوات السعودية خاصة، وللقوات المشتركة والقوات الصديقة عامة، والأهم من ذلك ثقة الشعب بقواته المسلحة.

* لقد كان النصر في الخفجي هدية من الله للمملكـة، حتى تظلّ هذه المعركة علامة بارزة خلال حرب الخليج، ودليلاً على شجاعة الجندي السعودي وكفاءته، وحتى يتميز دَور القوات السعودية في حرب تحرير الكويت، ويسجل التاريخ أنه لا معركة برّية باسم خاص بها، إلاّ معركة الخفجي.

ثالثاً: نأتي بعد ذلك إلى عاصفـة الصحراء، التي يعتقد كثير من الناس أنها خطة أمريكية 100  ٪، وما نحن إلاّ منفذون! إن هذا الاعتقاد ـ بطبيعة الحال ـ خاطئ من أساسه. فنحن لا ننكر أن الخطوط العريضة تمّت في واشنطن، ولكن تفصيلاتها وُضِـعت بمعرفتنا ومعرفة القائد الأمريكي. وقد كان لنا ولفريق التخطيط السعودي ضمن الفريق المشترك، بصمات واضحة في هذه الخطة، خاصة في موضوعات: تعديل الحدود، وتعديل المسؤوليات، وأسلوب عبور الموانع، إضافة إلى التخطيط التفصيلي لاستخدام القوات المشتركة.

وإذا نظرنا إلى الخطة الرئيسية لعاصفة الصحراء، نجد أن القوات المشتركة قامت بالدَّور الأصعب فيها؛ إذ كان عليها اقتحام موانع الأفراد، وخنادق الدبابات، وخنادق النيران، والسواتر الترابية، وحقول الألغام، بينما تلتف القوة الرئيسية الأمريكية والبريطانية والفرنسية من الغرب، حيث لا توجد موانع أو سواتر.

هذا في مجال القوات البرّية، أمّا في مجال القوات الجوية، فقد كانت القوات الجوية السعودية، هي الثانية في الترتيب، بعد القوات الأمريكية، من حيث الإمكانات والمهامّ المنفذة. وكان الطيار السعودي، النقيب الطيار عايض الشمراني، أول من أسقط  طائرتَيْن في طلعةٍ جويةٍ واحدةٍ.

وكذلك كانت القوات البحرية السعودية في مسرح العمليات، هي الثانية في الترتيب، بعد البحرية الأمريكية؛ إذ كان لها ثمانٍ وعشرون قطعة بَحَرية سعودية، من إجمالي مائتين وست عشرة قطعة. كما خاضت أول اشتباك بحري خلال "عاصفة الصحراء" مع قوات المعتدي، صباح التاسع من رجب عام ألف وأربعمائة وأحد عشر للهجرة، حين تمكّنت سفينة الملك فيصل من إغراق سفينة عراقية، كانت تزرع الألغام قرب السواحل الكويتية.

ننتقل إلى البند التالي، الذي يوضح مجهودات قيادة القوات المشتركة لإظهار القيادة كقيادة موازية.

* فمن المعلوم أن الولايات المتحدة دولة عظمى، توافرت لها جميع مصادر القوة الأساسية، سواء العسكرية أو الاقتصادية أو البشرية، ممّا منحها القوة السياسية والدبلوماسية. ولقد تعوّدت الولايات المتحدة، خلال تاريخها منذ أكثر من مائتي عام، أن يكون لها اليد العليا، والقيادة في أي حرب تشترك فيها قواتها المسلحة.

* وقد قرّرنا في قيادة القوات المشتركة، ألاّ يتكرّر هذا الأمر، بالنسبة إلينا في المملكة العربية السعودية، وصمّمنا أن يكـون هناك قيادة سـعودية موازيـة للقيـادة الأمريكيـة، وألاّ يكون ثمـة قائـد أعلى، أي ما يسـمى بـ Supreme Commander ، وأن تظهر القيادتان على قدم المساواة، تحقيقاً لاحترامنا لأنفسنا، وحفاظاً على مظهرنا وهيبتنا أمام العالم أجمع.

* لم يكن هذا العمل سهلاً، أو ممّا يُمكن أداؤه بالادعاءات والشعارات، بل هو أمر يجب أن يتعدى الفعلُ فيه القولَ، لإقناع العالم باستحقاقنا لما ندّعيه ونطالب به حقاً لنا، كدولة مضيفة.

* لم يكن في أذهاننا، بداهة، المساواة بيننا وبينهم في القوة أو الإمكانات، فقوّتنا وإمكاناتنا لا تُقارنان بما لديهم، ولذلك استخدمت في وصف القيادة كلمة "الموازية"، كما تلاحظون، ولم أستخدم كلمة "المساوية" أو "المتكافئة".

* كانت القيادة الموازية، بالنسبة إلينا تعني:

ـ أننا أصحاب اليد العليا، بصفتنا دولة مضيفة، وأن عليهم أن يحترموا قوانيننا، ويراعوا تقاليدنا وعاداتنا وثقافتنا.

ـ ألاّ تظهر قوّاتهم كقوات احتلال، تفعل ما يحلو لها، كما فعلت في كوريا وفيتنام وأوروبا.

ـ حق المساواة الكاملة في التخطيط، وعدم صدور أي خطة أو وضعها موضع التنفيذ، إلا بتوقيعَيْن: أحدهما توقيعي، والآخر توقيع القائد الأمريكي.

ـ حرية كاملة للقائدَيْن في التخطيط التفصيلي والتنفيذ الفعلي، ضمن قطاع المسؤولية، لتحقيق المهامّ المشتركة.

ـ أن هناك جهة واحدة يتعامل معها جميع القوات، وهي قيادة القوات المشتركة.

ـ إشعار جميع الدول أن المملكة لها السيطرة الكاملة على كل ما يجري على أراضيها.

* كما كانت القيادة الموازية الحل الأمثل لمشكلة عدم خدمة القوات الأمريكية تحت قيادة غير أمريكية، وفي المقابل، عدم خدمة القوات السعودية المضيفة تحت قيادة أجنبية، ورفض بعض القوات العربية، مثل القـوات: المصـرية والسورية والمغربية، الخدمة تحت العلم الأمريكي. 

* لذلك، اتّخذتُ بعض الإجراءات، من حيث المظهر والجوهر، لتأكيد هذا المبدأ، وليقتنع المجتمع الدولـي، وليسـجل التاريخ أن القيادة السعودية، كانت القيادة الموازية الأولى في التاريخ العسكري للولايات المتحدة الأمريكية. من هذه الإجراءات:

ـ إصرارنا على عقْد الاجتماعات المشتركة مع القائد الأمريكي في مكتبي.

ـ وإصرارنا على أن تكون قيادة القوات المشتركة، هي نقطة الاتصال الرئيسية لجميع القوات.

ـ وإصرارنا على إصدار بيانات عسكرية مستقلة، تتميز بالدقة والصدق، يعقبها مؤتمر صحفي للإجابة عن أي استفسارات، على الرغم من أن الجانب الأمريكي حاول، بشتَّى الطرق، أن يكون هذا الإيجاز اليومي مشتركاً، ولكننا لم نوافق على ذلك. وكان لنا إيجاز منفرد، يسبق إيجازهم، ويذاع على الهواء مباشرة، عبْر الأقمار الصناعية، وفي محطاتهم.

ـ وإصرارنا على عدم تدخل القائد الأمريكي في قطاع مسؤوليتنا، حتى لو كان في صورة مجاملة.

ـ وإصرارنا على عدم تنفيذهم أي نشاط عسكري خاص بهم، بما في ذلك التدريبات الروتينية، إلاّ بعد إعلامنا به والحصول على تصديق سابـق بذلك.

ـ أخيراً، الإصرار النابع من سياسة وتوجيهات خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسموّ وليّ عهده الأمين، وتعليمات سموّ النائب الثاني، بضرورة أن تَعْلَم القوات الصديقة، وعلى الأخص القوات الأمريكية، أن هناك خطاً أحمر يجـب الوقوف عنده، محافظـة على هيبة المملكة وكرامتهـا، وأنه لن يُسْـمح لكائن من كان أن يتجاوز هذا الخط.

لذلك، كانت واجبات قائد القوات المشتركة، وقتئذٍ، تشتمل، فعلاً، على مناطق مسؤولية أربع:

الأولى: مسؤولية عسكرية: وقد سبق شرحُهـا.

الثانية: مسؤولية الإمداد والتموين: وقد سبق إيضاحُها.

الثالثة: مسؤوليـة سياسية ـ عسكريـة: إذ كان علينا، كقيـادة عسـكرية، تنفيـذ وبلـورة القـرارات السـياسية، بالتطبـيق العسكري السليم، وبالأسلوب الذي تقبله القوات المتعددة، مُراعين في ذلك القيود السـياسـية وعلاقة كل دولة بالدول الأخرى.

الرابعة: مسؤولية وطنية: وهي، كما ذكرت المحافظة، على استقلال المملكة وهيبتها وكرامتها، مع حماية عقيدتنا، واحترام ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا.

ولم تكن المسؤولية الوطنية هي مسؤولية قيادة القوات المشتركة وحدها، بل وقع العبء الأكبر منها على وزارة الداخلية، وعلى أمراء المناطق. وفي هذا المجال، لا ننسى حكمة وخبرة الأمير نايف بن عبدالعزيز والأمير سلمان بن عبدالعزيز، والأمير أحمد بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن فهد، وجميع أمراء المناطق، في معالجتهم للمشاكل بهدوء ورويّة، وفي تيسير الأمور، صغيرها وكبيرها. لقد كانوا، ومَن وراءهم من العاملين معهم، أبطالاً حقيقيين.

كما يجب عليَّ، قبْل أن أنتقل إلى البند التالي، أن أشيد بالجندي السعودي، الذي أثبت أنه مقاتل كفء، يتعامل بسهولة ويسْـر مع الأسلحة والمعدات الأكثر تقدماً والأعقد تقنيةً، ويتحمل المسؤولية، وينفّذها بشجاعةٍ واقتدار.

لقد تحدثنا، حتى الآن، في نقاط عديدة، بدءاً من عملية بناء قيادة القوات المشتركة، ومروراً بخطة الدفاع عن المملكة، ثم معركة الخفجي، ومعركة تحرير الكويت، ثم تحدثنا عن معنى القيادة الموازية، وعن معـدن هذا الشـعب الأصيل، مُمثَّلاً في المقاتل، الذي أظهرت الحرب إرادته وصلابته وحُسْـن فطرته.

ولم أحاول الدخول في تفاصيل كثيرة، لأن الوقت لا يسمح بذلك، ولكن إذا أردتم معرفة المزيد، فيمكن تغطيته من خلال الأسئلة. بعد ذلك، أجد لزاماً عليَّ، وقد عاصرت الأحداث من بدايتها، أن أوضح لكم الإجابة عن سؤالَيْن، ترددا خلال الأزمة، وما زالا يترددان حتى يومنا هذا:

الأول: هل كان ثمة ضرورة لاستدعاء القوات الشقيقة والصديقة؟ وما هي حكمة خادم الحرمَيْن الشريفَيْن في اتخاذ مثل هذا القرار؟ وهل كان هناك خيار آخر؟

الثاني: هل كان علينا مواصلة التقدم إلى بغداد، لإسقاط النظام العراقي؟

ولنبدأ بالسؤال الأول: هل كان ثمة ضرورة لاستدعاء القوات الأجنبية؟

قبْل الإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نستعرض معاً اللوحة التي أمامكم، وهي تبيّن، ببساطة، مقارنة عددية في الأفراد فقط، بافتراض أن دول مجلس التعاون ومصر وسورية، ستحشد قواتها المسلحة برمّتها في مسرح العمليات، مع استحالة حدوث هذا الفرض.

أمّا عن الموقف العسكري، صباح السادس من أغسطس، فاللوحة أمامكم توضح أن العراق كان له، داخل مسرح العمليات الكويتي، تسع فرق، ولواء مشاة بحرية.

إذاً، يتضح لنا، من الناحية العسكرية، صعوبة الدفاع عن الحدود السعودية في حالة مهاجمتها، ومن ثَمّ، صعوبة طرد المعتدي من الكويت، ولولا سرعة اتخاذ هذا القرار التاريخي، لربما تغيرتْ خريطة شبه الجزيرة العربية.

أمّا من الناحية السياسية، فقد قضَى الاعتداء بصورة قاطعة على أي إمكان للتضامن العربي، وكلّنا يتذكر مؤتمر القمة العربية الطارئ، الذي انعقد في القاهرة، في العاشر من أغسطس عام ألف وتسعمائة وتسعين، وانقسمت فيه الدول العربية إلى اثنتي عشرة دولة مؤيدة لقرار استدعاء القوات، وثلاث دول معترضة (العراق وفلسطين وليبيا)، وثلاث دول متحفظة (الأردن والسودان وموريتانيا)، ودولتَيْن ممتنعتَيْن عن التصويت (الجزائر واليمن)، بينما لم تحضر دولة تونس المؤتمـر، من البداية.

فهل يُنتظر، في ضوء هذا الواقع، النجاح لأي حلّ عربي ؟

أمّا من الناحيـة الاجتماعيـة، فإن بشـاعة الجرائم التي ارتُكبتْ في حق الشـعب الكويتي، تجعل من الضـروري الاستعانة، بأسرع ما يمكن، بالقوات القادرة على ردْع المعتدي، لضمان عدم تكرار جرائمه في حق الشعب السعودي.

أمّا عن الحظر الاقتصادي، فالأمثلة التي تؤكد عدم فاعليته عديدة، خاصة في ظل حكم دكتاتوري، لأن الحظر يؤثر في الشعب فقط، ولا يتأثر به الدكتاتور ومؤيدوه.

إذاً، سياسياً، وعسكرياً، واجتماعياً، وحرصاً على مستقبل الأمة وأمْنها الوطني، كان لا بدّ من الاستعانة بقوات خارجية، قوات تتوافر فيها شروط محددة، مثل:

* أن تكون سريعة الاستجابة، ذات خفة حركة عاليـة.

* أن تكون قادرة على الردع، حتى قبْل أن تصل إلى أراضي المملكة.

* أن تكون قادرة على حماية خطوط الإمداد إلى المملكة، خاصة الطرق البَحَـرية.

* أن تكون قادرة على المساعدة في الدفاع عن المملكة، ومواجهة احتمالات الهجوم العراقي.

* أن تكون قادرة، في زمن قصير، على استعادة حُرّية دولة الكويت.

وبداهة، لا تنطبق هذه الشروط إلاّ على قوات دولة عظمى، هي الولايات المتحدة الأمريكية فقط. ومن هنا، كان القرار الجريء باستدعاء القوات الأمريكية، ثم القوات الشقيقة والصديقة الأخرى.

حقيقة، إن أقلّ ما يوصف به هذا القرار، أنه قرار تاريخي حكيم، صدر عن قائد عَرَفَ كيف يحمي بلده وشعبه في وقت الشدة. قائد كان له رؤية إستراتيجية صائبة. وأزمة احتلال الكويت توضح بُعد نظر مولاي خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، وكيف كان الاستدعاء أمراً ضرورياً وحيوياً، لا خيار فيه.

ننتقل، بعد ذلك، إلى السؤال الثاني: هل كان علينا مواصلة التقدم إلى بغداد لإسقاط النظام العراقي؟

لقد أجبت عن هذا السؤال صراحة، في حديث إلى مؤسسة دار الوطن الكويتية، وقلت: "إن الهدف، الذي كنّا نسْـعى إلى تحقيقه في خطة عمليات "عاصفة الصحراء"، هو تحرير مدينة الكويت وتطهيرها، وتحرير الكويت بالكامل، وطرْد القوات العراقية، وعودة الحكومة الشرعية لدولة الكويت، وتأمين حدودها الدولية. والحمد لله، تحقق هذا الهدف تماماً، ولم يكن دخول القوات المشتركة الأراضي العراقية وارداً على الإطلاق. ولا أذيع سراً إذا قلت إنني عدّلت في خطة العمليات مواجهات ومحاور الهجوم للقوات المشتركة، لتجنّب انتهاك الأراضي العراقية. وعلى المستوى الدولي، فإن التفويض الصادر عن مجلس الأمن، القرار ستمائة وثمانية وسبعين، أجاز استخدام القوة لتحرير الكويت، وليس لإسقاط النظام العراقي. فلقد كان من الحكمة التوقف عند هذه المرحلة، لأن تغيير الأنظمة الحاكمة من مسؤولية الشعوب، وليس من مسؤولية القوى الخارجية".

وكانت إجابتي هذه تُلخّص أسباب عدم التوغل في الأراضي العراقية، والتقدم في اتجاه بغداد لإسقاط الطاغية.

إن ما حدث، منذ بداية الأزمة وحتى تحرير دولة الكويت، يعدّ حدثاً فريداً، من المستحيل تكراره مستقبلاً. وعلينا أن نَعِيَ ذلك عند التخطيط لأمننا الوطني. وهذا ما يدفعني إلى أن أسرُد عليكم أهمّ درس مستفاد من حرب تحرير الكويت لتحقيق الأمن الوطني لمملكتنا الحبيبة، وهو ضرورة إعداد الدولة للدفاع إعداداً سليماً.  

* فلقد تطورتْ وسائل الصراع المسلح تطوراً كبيراً، وامتدت مسارحه وأبعاده لتغطي الفضاء الخارجي بوسائل متطورة ومذهلة، يواكبها تطور كبير في وسائل الدفاع. واستمر التنافس قائماً بين الوسيلة والوسـيلة المضـادة، مثل: الصـراع القائم بين الطائـرة والدفـاع الجوي، وبين الدبابـة والسـلاح المضاد للدبابات، وبين الصـواريخ الإستراتيجية والصواريخ التي تعترضها، مثل "الباتريوت"، وهذا ينعكس، في النهاية، على اقتصاد الدول، ومن ثمّ، على رفاهية الشعوب وشعورها بالأمن والأمان.

* وتشابكت الوسائل والأهداف الوطنية، وأصبح اقتصاد الدولة وسيلة للصراع، وهدفاً للخصم، واختفى الفاصل بين جبهة القتال وعمق الدولة.

* واتّسمت الحرب الحديثة بقِصرها وضراوتها وحدّتها البالغة، بغرض سرعة الوصول إلى تحقيق الهدف الإستراتيجي وفرْض الإرادة.

* وتنصّ العقائد العسكرية، الآن، وعلى الأخص العقائد الأمريكية، على أن الحـرب يجب أن تكون قصـيرة، قوية، حاسمة، موجَّهة إلى مراكز ثقل العدو: العسكرية والاقتصاديـة والسـياسية، بأقلّ خسـائر ممكنة في الأرواح والمعَدات، مستخدمة كل الإمكانات التكنولوجية. وإن كان ذلك لا يمنع، بالنسبة إلى دول العالم الثالث، من تحوّلها إلى حرب طويلة أو حرب استنزاف، كما حدث بين العراق وإيران.

* وعلينا أن نضع في الحسبان أن أي حرب قادمة، قد تشترك فيها المملكة ـ لا سمح الله ـ لن تكون مشابهة للحرب الماضية، سواء في قوّتها وحدَّتِها أو التقنية المستخدمة فيها، لأن إمكاناتنا وإمكانات التهديد المحتمل، تختلف عن إمكانات دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

لكلِّ هذا، كان إعداد الدولة للدفاع، لمواجهة أي عدوان، أمراً حيوياً ومهمّاً.

وكما تعلمون، فإن إعـداد الدولة للدفـاع، يتطلب حشْـد قـوَى الدولة: السـياسية والاقتصـاديـة والعسـكرية والاجتماعية، في إطار تخطيط شامل متناسق بعيد المدى، لتحقيق الغايات والأهداف الوطنية المحددة.

والحمد لله، نجحت المملكة في الماضي في إعداد الدولة للدفاع، وتجاوبت مع متطلباتها عند حدوث الأزمة. فلقد أقامت البِنْيَة الأساسية اللازمة، التي كانت مصدر إعجاب العالم أجمع واحترامه، وكان يصعب استيعاب قوات وصل حجمها إلى ما يُقارب ثمانمائة ألف مقاتل، من دون تخطيطٍ سابق. كما نجحت الدولة في توفير المخزون الإستراتيجي في جميع المواد، وتضافرت جهود القطاع الخاص والقطاع العام في توفير الاحتياجات كافة، فلم تحدث اختناقات، أو ارتفاع في الأسعار، أو وجود سوق سوداء. حدث هذا كله بفضل من الله، ثم بحُسن التخطيط، وجودة الأداء والتنفيذ.

إن الأهداف التي يجب أن تسعى أي دولة إلى تحقيقها، أثناء الإعداد للدفاع، هي:

* القدرة على صدّ التهديد المفاجئ، وتدميره، وانتزاع المبادأة.

* وتحقيق النصر في أقلّ وقت ممكن.

* مع القدرة على إدارة حرب طويلة المدى.

* وتحمّل ضربات مركزة من العدو، مع التعرض لأقلّ خسائر.

* والمحافظة على الروح المعنوية للشعب.

أمّا إعداد الدولة للدفاع، فيجب أن يشتمل على:

* بناء الاقتصاد الوطني الكفء، في الصناعة، والزراعة، والنقل.

* بناء السياسة الخارجية، القادرة على حشْـد الرأي العام العالمي لمصلحة الدولة، وإضعاف قدرات العدو: السياسية والاقتصادية والعسكرية، وعقد الاتفاقيات: السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي تحقق مصالح الدولة.

* إعداد القوات المسلحة المحترفة، لتكون قوات قادرة على الدفاع والتحول إلى الهجوم، إذا اقتضى الأمر.

* إعداد مسارح العمليات المحتملة وتجهيزها.

* إعداد الشعب.

* ثم إعداد الدفاع المدني، وهذه مهمّتكم التي أحسنتم أداءها، وستكونون دائماً عند حُسْـن ظنّ قادتِكم وبلدكم بكم، إن شاء الله.

ختاماً، آمل أن أكون قد وفِّقت في إلقاء الضوء على حقائق بعض ما تحمّلتْه المملكة العربية السعودية، وما تكبّدتْه القوات المسلحة، وما نفّذتْه قيادة القوات المشتركة، خلال حرب تحرير دولة الكويت. وآمل أن أكون قد أوضحت لكم أهمية الدائرة الأولى من دوائر الأمن، وهي الدائرة الوطنية، وكيف أن إعداد الدولة للدفاع، وبناء قدراتها الدفاعية، هما الأساس في بناء أمننا الوطني.

كما آمل أن نعْلـم عِلْمَ اليقين، أن الصداقـة تكـون بين الأفـراد، أمّـا بين الدول، فتُبنـى العلاقـات على المصـالح المشـتركة فقط، ولا نَعْجَب إذا أصبح عدو اليوم صديق الغد؛ فالمصالح هي الأساس.

لذلك، فإنه من الخطأ الجسيم أن نترك تحقيق أمننا في أيدي الآخرين، مَهْما كانوا أصدقاء أو موالين، كما يفعل بعض الدول الأخرى، وإنما يجب علينا أن نعتمد، بعد الله، على أنفسنا. نعتمد على سواعد أبنائنا. نبني قدراتنا. نتسلح بالعِلم والإيمان. نلتفّ حول قادتِنا. فهذا هو طريقنا إلى الأمن والأمان.

ونحمد الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن أنعم على هذا البلد الطيب، بأرضٍ طاهرةٍ، وشعبٍ أصيلٍ، وقيادةٍ واعيةٍ تعرف طريقها، وتقود السفينةَ إلى برِّ الأمان.

شكري العميق وتقديري لدعوتكم، ولحسن استماعكم، متمنياً لكم التوفيق والنجاح في أداء مهامّكم، وإنجاز مسؤولياتكم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله

ـــــــــــــــــــ