إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / محاضرات صاحب السموّ الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، في المعاهد والمنشآت التعليمية









بسم الله الرحمن الرحيـــــــم

في جامعة العلاقات الدولية

التابعة لوزارة الخارجية الروسية

أمن منطقة الشرق الأوسط

وجهة نظر شخصية، ورؤية مستقبلية

ــــــــــــــــــــ

موسكو، روسيا الاتحادية

الأربعاء، 13 جمادى الأولى 1417، الموافق 25 سبتمبر 1996

ــــــــــــــــــــــــــ

 

السيدات والسادة

إنها لسعادة عظيمة، أن أقف بينكم، اليوم، في هذا الجمع العلمي، الذي يمثل دبلوماسيي هذا البلد، العظيم بتاريخه العريق. وتقديراً لِمَا أكنّه لبلدكم، وإزاء إدراكي لأهمية دوركم على الساحة الدولية، لم أتردد لحظة في تلبية دعوتكم الكريمة لهذا اللقاء. إننا نعتز بتبادل الخبرات بين بلَدَيْنا. ونشعر أن التعاون المستمر بيننا، يسير، ويجب أن يسير، على طريق ممهد، ومكلل بالنجاح. كما إننا نعتز بمواقف الاتحاد السوفيتي (السابق)، الذي كنتم المُشكّلين فيه لحجر الزاوية، والموجهين لسياسته الخارجية. ونقدّر وقوفكم إلى جانب العرب، أثناء العدوان الثلاثي، عام 1956، وأثناء حرب 1967، وإمدادكم إيّاهم بالسلاح، في وقت منع فيه الغرب سلاحه. ثم وقوفكم إلى جانب الحق، أثناء أزمة الخليج الثانية، وتحرير دولة الكويت. فقد وافقتم على قرارات مجلس الأمن، ولم تعترضوا عليها، بل ساعدتم على تنفيذها، وحرمتم المعتدي كل دعم وسند. مواقف مشرفة، لن ننساها.

سأحاول، خلال هذا اللقاء، أن ألقي الضوء على ما يَشغل ويُشعل المنطقة، مستغلاً ما تيسر لي من خبرة، ومُركزاً في نقاط، قد تغيب عن أي محلل من خارج المنطقة. وسأبدأ بالعنصر الأول، وهو مفهوم الأمن في الشرق الأوسط.

* إن مصطلح "الأمن"، على مستوى الفرد، يعني، ببساطة، أن يكون الإنسان آمناً على نفسه، وعلى أسْـرته، عنده قُوت يومه، والظروف حوله، تُحَقق له إشباعاً لحاجاته الأساسية والتكميلية.

* أمّا مصطلح "الأمن"، على مستوى الدولة، فيعني إحساس مجموع الأفراد بالأمان، إضافة إلى الاستقرار: السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعقائدي، والحدود الآمنة، والحياة المستقرة المزدهرة. لذا، فإن تعريف الأمن لم يَعُد مقتصراً على مفهومه العسكري، بل يجب أن يُنظر إليه بصورة متكاملة تأخذ في الحسبان أبعادَه: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

بعد أن عرَّفنا مفهوم "الأمن"، على مستويَي الفرد والدولة، نسأل أنفسنا: هل نجدُ معنىً موحداً لمصطلح "الأمن"، في مستوى دول منطقة الشرق الأوسط؟ حقيقةً، إن لهذه الكلمة معاني مختلفة كل الاختلاف، بين دولة وأخرى. وأصبحت كلّ دولة تبرر أعمالها العدوانية، التي تضرّ أمن الآخرين، بدعوى محافظتها على "أمنها القومي"، حتى غدت كلمة "الأمن"، في عالم اليوم، "هاجساً" لكل دول المنطقة، وأصبح "الأمن" لدولة يعني التهديد لدولة أخرى. ولنضرب مثالاً على ذلك بالسؤال: ماذا تعني كلمة "الأمن" لإسرائيل؟

إن الأمن الإسرائيلي، يعني، ببساطة، القوة، والتوسع، والاستيطان، والتفوق، والهيمنة. وما حدث في الماضي، ويحدث في الحاضر، هو خير شاهد على اعتناق قادتها لهذا المفهوم، حمائم أو صقوراً. وما اعتداءات إسرائيل الشرسة، التي عُرفت باسم "عناقيد الغضب"، في شهر أبريل الماضي، ضد لبنان، والتي تَوَّجتْها بمجزرة "قانا"، التي راح ضحيتها (102) من القتلى، معظمهم من النساء والأطفال ـ سوى محاولة لفرض الأمر الواقع بالقوة، وهو احتلال جنوبي لبنان، بدعوى الأمن. فقد أصبحت القوات المسلحة الإسرائيلية، وأعمالها العدوانية، هما الوسيلة الوحيدة لممارسة إسرائيل سياستها، لتحقيق أمنها، كما تدعي. وأصبحت سياستها من صنع القوة، وليس العكس، كما هو معروف في دنيا السياسة.

ولا أحد ينكر، أن استخدام القوة، كإستراتيجية هجومية، قد لازم العقيدة الصهيونية، منذ التفكير في اغتصاب فلسطين لتكوين الدولة اليهودية؛ إذ يَعُدّ قادتُها أن أمنها في قوّتها، فكتب تيودور هرتزل، في كتابه "الدولة اليهودية"، الذي أصدره عام 1896: "لا حلّ لمشاكلنا، إلاّ بأن يكون لنا دولة. ولا سبيل إلى تحقيق هذا الحلم، إلاّ بتطبيق المبدأ السائد في العالم، وهو مبدأ القوة فوق الحق؛ وهو مبدأ، سيظل سائداً إلى أمد غير محدود".

أمّا موشيه دايان، فقال: "لا يتحقق الأمن الإسرائيلي، إلاّ بالأرض. وما نفعله، الآن، بالاستيطان هو الأفضل؛  لأن الاستيطان هو العمل الفعلي، والعمل هو الذي يخلق الواقع السياسي. والحديث عن قداسة الحدود، هو مجرد هراء؛ فالحدود في منطقتنا، ليست شيئاً مقدساً، بل هي قابلة للتعديل والتغيير".

وفي ظلِّ تلك العقائد المتوارثة، سادت النظريات التوسعية الإسرائيلية، بضم الأراضي العربية، عقب كل صدام مسلح. فيرى بن جوريون مثلاً "أن القوة العسكرية، وحدها، هي الكفيلة بتحديد حدود إسرائيل التاريخية. فبقدر ما يتوافر لإسرائيل من قوة، تمتد حدودها، بغض النظر عن أي معايير قائمة، اعتماداً على أن من صفات القوة الانتشار، حتى تجد قوة أخرى تتصدى لها، فتوقفها، أولاً، ثم تجبرها على التراجع إلى حيث أتت. وما دام العرب، لا يتوافر لهم القوة المضادة، فإن إسرائيل، يمكن أن تتوسع بقدر ما تسمح لها قوّتها".

* ومن يقرأ الوثيقة الرسمية للخطوط العريضة لحكومة نيتانياهو، في مايو الماضي، يجدها تجسيداً لمفهوم الأمن الإسرائيلي: القوة، والتوسع، والاستيطان، والتفوق، والهيمنة.

* لقد أصبح مصطلح "الأمن" كلمة مطاطة، تستخدمها كل دولة تبريراً لأفعالها، وتنفيذاً لمصالحها، من دون اعتبار لمصالح الآخرين. إن هذه المنطقة، لن تعرف الاستقرار، بسبب تعدد مفهوم الأمن لكل دولة. وأتوقع، إن لم أكن متأكداً، أنها ستظل منطقة صراعات، داخلية وخارجية، إلى أن تقوم الساعة، أو أن تحدث معجزة في عصرٍ انتهت فيه المعجزات.

ننتقل إلى العنصر الثانـي، وهو مشاكل المنطقة، التي تُشكل تهديداً إستراتيجياً لأمنها.

تكتنف منطقة الشرق الأوسط مشاكل عديدة. ولا توجد منطقة في العالم، تختص بهذا الكمّ الهائل من المشاكل. فهناك، أولاً المشاكل الحدودية، وادعاءات السيادة على أجزاء من أراضي الغير أو جُزرِه. ثانياً: مشاكل الهيمنة وإثبات التفوق العسكري، وحلّ أي مشكلة بالقوة العسكرية.  ثالثاً: مشاكل المياه، خاصة بين إسرائيل والدول العربية، وبين تركيا وسورية والعراق. رابعاً: المشاكل الأمنية الداخلية، في بعض الدول. وأهم المشاكل وأشدّها خطراً الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وكيفية تحقيق السلام العادل. وهو ما سأتحدث عنه باستفاضة.

لن أتحدث عن تاريخ هذا الصراع؛ فتلك قصة، كلّكم تعرفونها جيداً. ولكن، سأبدأ بتذكيركم بنظرية الأمن الإسرائيلية، التي قامت عليها الدولة الإسرائيلية. وستدركون بأنفسكم كيف تُصرّ إسرائيل على تطبيق تلك النظرية، منذ نشأتها حتى يومنا هذا، من دون مراعاة لحقٍّ أو عدلٍ؛ وللأسف، فإن دولاً عديدة، ساعدتها على تطبيقها. فالنظرية تنص على التفوق العسكري الساحق، والبدء بالعدوان، والمبادرة بنقل الحرب إلى الأراضي العربية المحيطة بإسرائيل، وتنفيذ مبدأ الحرب الخاطفة؛ ومواجهة "الكمّ العربي" الهائل "بكيف إسرائيلي" مُنْتقى، بالهجرة أساساً من بلاد متقدمة؛ وبثّ الرعب في قلوب العرب، من "ضربات إسرائيل القوية، ويدها القادرة على الوصول بالعقاب إلى كلِّ مكان"؛ والاستناد إلى حدود آمنة، ترتكز على موانع طبيعية؛ والتحكم في المصادر المائية، والتمسك بحدود توفر تلك المصادر؛ ثم الضمان الأخير لهذه النظرية، وهو الاعتماد على قوة عظمى، تساند إسرائيل وتدعمها، من دون تردد، وبلا حدود، كما فعلت كلٌّ من بريطانيا وفرنسا، في الماضي، وكما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، في الحاضر.

ولنسأل: هل حققت إسرائيل، في ضوء نظريتها الأمنية، ما كانت تحلم به من أمن وأمان؟ لقد نفّذت بنود نظريتها تنفيذاً دقيقاً، وعلى الرغم من ذلك لم يتحقق ما كانت تصبو إليه؛ إذ إن تحقيق الأمن، لا يكون على حساب أمن الآخرين!

* لذا، فإن موقف نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، الذي أعلنه، بوضوح وصراحة، من السلام، عبْر لاءاته الكثيرة، هو موقف، لم يعلنه من فراغ، وإنما هو استمرار لتنفيذه نظرية الأمن، خاصة في بندها الأخير، اعتماد إسرائيل على قوة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدعمها بلا تردد، وبلا حدود. لقد ظهرت حقيقة هذه النوايا قبْل انتخابه، وتأكدت بعد قراءة الوثيقة الرسمية للخطوط العريضة لحكومته. إنها وثيقة خطيرة، ستعود بالمنطقة إلى أيام الحروب والانتفاضة والأعمال العدائية، بل هي تشجع الإرهاب بكل صوره وأساليبه. فهي وثيقة تتحدث عن: مفاوضات سلام مع سورية، التي لا يحق لها إبداء شروط مُسبقة؛ بينما تملي إسرائيل شروطها، من بقاء سيادتها على الجولان، وسيطرتها الكاملة على مصادر المياه، وتعزيز الاستيطان اليهودي فيها. وتتحدث عن استعدادها للتفاوض مع السلطة الفلسطينية، حول التسوية النهائية، وفي الوقت نفسه، تتجاهل اتفاقية أوسلو، وترفض قيام الدولة الفلسطينية، وتطالب الفلسطينيين بالاكتفاء بحكم ذاتي، وتعارض "حق العودة" لمن أُجبروا على ترك بلادهم. أي ظلم هو هذا! وأي استهتار بالمبادئ الإنسانية والأخلاقية!

ولنتذكر ما جرى، ويجري الآن، في أماكن الحكم الذاتي، لندرك كيف تتعامل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لا فرق بين سياسة حزب العمل أو حزب الليكود، تجاه الشعب الفلسطيني، من استمرار للاحتلال العسكري، والتهديد بالتدخل في المناطق، التي أعادت إسرائيل نشر قواتها فيها، وإغلاق هذه المناطق، والحصار: العسكري والاقتصادي، من البر والبحر والجو، واستمرار الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، ونزع ملكيتها بالقوة، واستمرار بناء المستوطنات، وهدم المنازل وإزالتها، لبثِّ الرعب في قلوب الفلسطينيين، واستمرار تعريض المواطنين للجوع والتعذيب.

فهل تقود هذه الإجراءات إلى سلام عادل وشامل؟ أم إنها النازية بعينها، وقد عادت في أبشع صورها!

ولندرك كيف تفكر إسرائيل في فرض هيمنتها وسطوتها على المنطقة، وكيف تنظر إلى مفهوم الأمن الإسرائيلي، فلنقرأ ما نُشر في السابع من أبريل الماضي، والقصف مستمر على لبنان، من تصريحات على لسان مدير معهد الدراسات الإستراتيجية، في تل أبيب، مارتن كرامر، الذي تحدث عن موقف إسرائيل من احتلال إريتريا لجزيرة "حنيش الكبرى"؛ وعن الاتفاق بين تل أبيب وأنقرة: "إن نشر طائرات إسرائيلية شرقي تركيا، وانتزاع جزيرة حنيش من اليمن، يندرجان في إطار إستراتيجية إقليمية وقائية، تنفذها إسرائيل، تحسباً لتهديدات سودانية محتملة، تعرّض للخطر الخطوط الملاحية الإسرائيلية، في البحر الأحمر، ومواجهة لأي تهديد يمكن أن يصدر عن إيران". ثم خَلص إلى القول: "إن ما حدث في تركيا، وفي البحر الأحمر، هما وجهان لعملة واحدة. تمركز مبدئي، في الوقت الحالي، استعداداً لحاجة مستقبلية، إذا تطور الموقف".

إن المُهددَ، الآن، ليس "القضية الفلسطينية"، وحدها؛ إذ إن الخطر، أصبح يهدد الأمن العربي كله، وهو ما تجلّى، مؤخراً، في الوجود الإسرائيلي عند مداخل البحر الأحمر، في الجنوب العربي، وفي تركيا عند سقف الأمة العربية. وإن الخلل في موازين القوة، هو الذي يدفع إسرائيل إلى التمادي في غيِّها، والتطلع إلى احتواء الأمة العربية بأسرها، مع التمسك بفرض سلام، يحقق ما تدعيه من متطلبات أمنية، من طريق قهر الآخرين وإخضاعهم.

ولكي نقتنع بحقيقة مواقف هذه الدولة ونواياها، فلنقرأ ما كتبه الصحافي الإسرائيلي، (ارييه شافيت)، في مقالٍ نشرته له  جريدة هآرتس، في عددها الأسبوعي، عقب توقف حملة "عناقيد الغضب"، في شهر أبريل الماضي: "كيف قتلناهم بسهولة، من دون أن نذرف دمعة واحدة؟ يبدو أننا تقدمنا في الشرِّ كثيراً، إلى درجة أننا بتنا نطلق الرصاص، دون أن نبكي. لقد قررنا أن نسفك دماء الكثيرين. وعندما اتخذنا القرار بإبعاد نصف مليون شخص عن منازلهم، وبقصف من تبقى منهم، في وقت لم يتعرض فيه أي إسرائيلي للقتل، فإننا نكون قد قررنا، في الحقيقة، أن نقتل العشرات من الأبرياء. قتلناهم لأن الفرق شاسع بين الاهتمام الضخم بحياتنا، وهو اهتمام يصل إلى حق التقديس، وبين عدم الاهتمام بأرواحهم؛ لأننا مقتنعون أن حياة الآخرين ليس لها أي قيمة، وما دام البيت الأبيض، والكونجرس الأمريكي، وجريدة نيويورك تايمز ـ طوع أصابعنا، فمن حقنا أن نتعامل مع منازلهم كأهداف عسكرية، وأن نُلْقي ستة آلاف قذيفة، وأن نقتلهم من دون أن نشعر بأيّ ذنب".

* إن إسرائيل ما كانت لتجرؤ على ذلك، لولا الدعم اللامحدود، في جميع المجالات، من الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت تكيل الأمور بمكيالَيْن مختلفَيْن، حتى أصبح في مقدور أي متتبع للأخبار، أن يتنبأ بالخطوات الأمريكية في كلِّ مشكلة تخص المنطقة. والأمثلة كثيرة على الكيل بمكيالَيْن مختلفَيْن:

أولاً: في العاشر من يونيه الماضي، ندد البيت الأبيض بمقتل (5) إسرائيليين، وَعَدّ ذلك عملاً إرهابياً، ولم يندد بمقتل ضحايا "قانا" المائة والاثنَيْن، بل جهدت واشنطن في منع إصدار أي قرار، يحمل ولو كلمة "إدانة" واحدة.

ثانياً: تطالب الولايات المتحدة الأمريكية بقصف مشروع لمصنع كيماويات في ليبيا. وتجبر مصر على توقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتتوتر العلاقات بينهما عندما طالبت القاهرة بضرورة توقيع إسرائيل كذلك. وتصر واشنطن على نسف المنشآت الكيماوية في العراق، وتحذر الهند وباكستان وإيران من امتلاك أسلحة ذرية؛ ولا تتعرض بكلمة واحدة لإسرائيل، ولا تطالبها حتى بالخضوع للتفتيش، بل تُساند مواقفها المتعنتة.

ثالثاُ: إجبار الدول على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، والتغاضي عن انتهاكات إسرائيل المواثيق والأعراف الدولية، واستخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرارات التي تدينها.

رابعاً: وفي الخامس عشر من يونيه الماضي، حذر كريستوفر، وزير الخارجية الأمريكي، القادة العرب من أي عمل، أو حتى إصدار تصريح، قد يغلق الأبواب أمام سياسة نيتانياهو، ويصعّد من التوتر. ولكن لم يفكر في تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي، عندما أعلن اللاءات الثمانية، لا للدولة الفلسطينية، لا للتخلي عن مرتفعات الجولان، لا لتقسيم القدس، لا لعودة اللاجئين، لا لمبادلة الأرض بالسلام، لا لإعادة انتشار القوات، لا لوقف بناء المستوطنات، ولا للانسحاب من جنوبي لبنان. ولم يكتف كريستوفر بتحذير العرب، بل جَدّد التزام بلاده التام بأمن إسرائيل، أي أنه حذّر العرب، وطَمأن إسرائيل.

خامساً: قَصْف العراق بالصواريخ، عندما حرّك قواته داخل حدوده، وعلى ترابه الوطني. في حين لم تُحرك الولايات المتحدة الأمريكية ساكناً، وهي ترى ما تفعله إسرائيل، داخل مناطق الحكم الذاتي.

* إن اللوبي الصهيوني، وإسرائيل، يمارسان كل ألوان التأثير والسيطرة على مراكز اتخاذ القرار، في الدول المختلفة، شرقية وغربية، بل يرهبان كل من يجرؤ على أن يقول كلمة حق، قد تمس المصالح الإسرائيلية. وتحاول إسرائيل تعميق عدة نظريات أمام الشعوب المختلفة، وعلى الأخص أمام الشعب الأمريكي، منها على سبيل المثال: إظهار الإسلام كعدو محتمل، أمام القوة العظمى الوحيدة، بدلاً من الشيوعية والاشتراكية في النظام العالمي القديم؛ وارتباط العرب والإسلام بالإرهاب الدولي؛ وإظهار أن المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، مضمونة في ظل تمزق العرب وضعفهم، وأنّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة، التي تستطيع تنفيذ الأهداف الإستراتيجية لواشنطن، وتنفيذ أي عمليات بالوكالة في مصلحتها.

ولننتقل، الآن، إلى مشكلة أخرى من مشاكل المنطقة. وهي مشكلة تهدد بحروب، لم يسبق لها مثيل؛ لأنها ستكون حروب حياة أو موت. فالمنطقة العربية، تتجه نحو أزمة حقيقية في الحصول على المياه، مع نهاية القرن. وتدل الشواهد كلها، منذ عقد مضى، أن منطقة الشرق الأوسط برمتها، تندفع نحو أزمة مائية واقعة، لا محالة، ما لم تتضافر الجهود، المحلية والإقليمية والدولية، على إيجاد معادلة مقبولة لتقاسم المياه وترشيدها، وإيجاد خيارات متعددة، بدلاً من مصادر المياه الآخذة في الانحسار.

* ففي أبريل 1988، أقرّ خبراء المياه في جامعة الدول العربية، أن "أمن المياه في العالم العربي، لا يقلّ أهمية عن الأمن القومي أو الأمن العسكري". أمّا إسرائيل، فحاولت، وتحاول، استبدال مبدأ الأرض مقابل الماء، بالأرض مقابل السلام، كما جاء على لسان وزير خارجيتها، شيمون بيريز، عام 1993 في القاهرة. لقد أصبحت المياه هي الأولوية الرقم واحد في ملف (أجندة) المفاوض الإسرائيلي مع الدول العربية. وهو ما يُعدّ تنفيذاً حرفياً لما ورد في النقطة السابعة من نظرية الأمن الإسرائيلي، وهي التحكم في المصادر المائية، وعدم التفريط في قطرة ماء واحدة، والتمسك بالحدود، التي توفر هذه المصادر.

* ثمّة بديلان، لا ثالث لهما، لإدارة الأزمة المائية بفاعلية، في المستقبل القريب. أولهما، استخدام الأمة العربية القوة العسكرية، لوقف استغلال الدول الأخرى للحاجات المائية للمواطن العربي. وهو بديل أقل احتمالاً في التنفيذ، وغير مرغوب فيه، ويصعب تطبيقه في إطار التوازنات الدولية، القائمة في عالم اليوم. ثانيهما: يستند إلى مبدأ المنفعة المتبادلة بين دول الجوار أو بين دول الحوض الواحد، من منطلق الإيمان بوجود المصلحة المشتركة، من دون مغالاة أو تجاوز، مع معرفة حقيقية لحاجات الدول من الماء، والاستخدام الأمثل له، إذ من المحتمل أن تصبح نقطة الماء، في العقد القادم، أغلى بكثير من برميل النفط.

ولنتحدث، الآن، عن منطقة الشرق الأوسط، في ظل النظام العالمي الجديد.

* كان الرئيس السوفيتي السابق، جورباتشوف، أول من تحدث عن النظام العالمي الجديد، وذلك في إطار توضيح سياسته إزاء التقارب مع الغرب. وقد قصد به "النظام الذي يخلف الحرب الباردة، ويستند إلى الوفاق، وإنهاء خطر المواجهة بين الشرق والغرب".

* ولم يصبح هذا المصطلح متداولاً إلاّ في أعقاب نشوب أزمة الخليج الثانية، واتجاه الرئيس الأمريكي، جورج بوش، إلى تكرار الإشارة إليه وتأكيده، لا سيما بعد تحرير دولة الكويت. ففي خطابه، في الخامس من مارس 1991، أمام الكونجرس، قال: "إننا أمام نظام دولي جديد، يبرز في الأفق. عالم جديد، تتحرر فيه الأمم المتحدة من الحرب الباردة، وتكون قادرة على تحقيق أحلام مؤسسيها الأوائل، عالم تجد فيه الحرية وحقوق الإنسان موطناً لها، في كل الأمم".

* لقد استخدم كلٌّ من الزعيمَيْن هذا المصطلح، ليشرح سياساته، ويبررها أمام شعبه. لذا، يتحفظ عدد من الفقهاء والمحللين من مصطلح "النظام الدولي الجديد"، ويفضلون بدلاً منه مصطلح "الوضع الدولي الجديد"، الذي يرونه أقرب إلى واقع العلاقات الدولية الراهنة. ويبررون ذلك بأنه ظاهرة انتقالية من عالم ثنائي القطبية، إلى عالم آخر أحادي القطبية، عالم تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وتحاول فيه الانفراد بقراراتها وتحريكها للأحداث العالمية.

* لقد كان العالم يأمل أن يكون "النظام الدولي الجديد" نظاماً أكثر استقراراً، أكثر أمناً وأماناً، أكثر احتراماً لحقوق الإنسان، أكثر ديموقراطية وعدلاً. فإذا به يتحول إلى عالم أكثر فوضوية، عالم تسود فيه شريعة الغاب، عالم يخضع للمصالح الإستراتيجية لدولة عظمى وحيدة، ومن يدور في فلكها، عالم لا مكان فيه للحق، ما لم يُنتزع بالقوة.

أين منطقة الشرق الأوسط في ظل هذا العالم الجديد؟ إن ما يحدث، حالياً، في المنطقة، يجعلنا ندرك، أننا نشاهد سيناريو واضحاً، ومحدد الأبعاد، يُشير إلى أن المنطقة، تعيش إيقاعاً جديداً، تُعيد فيه إسرائيل، وحدها، وبدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية، ترتيب الأوراق؛ ويؤكد للعالم أن إسرائيل هي صاحبة الكلمة الفصل، واليد العليا في المنطقة، حرباً أو سلماً.

* إن خريطة الأزمات والتوترات، كما نراها الآن، تمتد على مساحة واسعة، من ليبيا غرباً إلى العراق وإيران شرقاً، ومن السودان جنوباً إلى لبنان وتركيا شمالاً. ولعل هذه المنطقة، التي يُراد إعادة تخطيطها، ونعني بها الشرق أوسطية الجديدة، لن تقوم إلاّ على أسُس جديدة، تقتضي هدم القواعد القديمة، حتى ترسى القواعد الجديدة على مسطح جغرافي سياسي مُمَهّد، ومُعدّ جيداً، لا يقبل التمرد أو الاعتراض.

* إن الهدف الإسرائيلي ـ الأمريكي، هو إحكام القبضة على هذه المنطقة، وفق مخططات جديدة، وجريئة. ولكي يتحقق هذا الهدف، وتنجح مخططاته، فإن المقدمة الحقيقية، هي إفراغ المنطقة من كل قوة حقيقية، قائمة أو محتملة.

ولنستعرض معاً مخطط إعادة تشكيل المنطقة:

1. الإعلان عن توقيع معاهدة دفاعية، بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

2. احتواء إيران، والتمهيد لضربها.

3. احتواء العراق، وإبقاء صدام حسين في الحكم رمزاً لتهديد دول الخليج وتخويفها به، وليظل "الوحش"، الذي يثير الخوف والتوتر لدول الجوار، فتلجأ إلى مظلة الحماية، الأمريكية والغربية، ما دام الهاجس الأمني قائماً.

4. تهميش دور مصر وسورية، وإبعادهما عن المملكة ودول الخليج.

5. تكوين حلف تركي ـ إسرائيلي، يهدد سورية والعراق وإيران، ويسيء إلى العلاقات العربية ـ التركية.

6. تهديدات تركيا بسلاح المياه، ضد سورية والعراق، إذا اتخذت الدول العربية أي إجراءات ضد اتفاقها مع إسرائيل.

7. محاولة جر الأردن إلى التحالف التركي ـ الإسرائيلي، ليكون تحالفاً تركياً ـ إسرائيلياً ـ أردنياً.

8. سيطرة إسرائيل على مدخل البحر الأحمر من طريق إريتريا.

9. استمرار عقاب ليبيا وحصارها.

10. حصار السودان، وتشجيع انفصال جنوبيّه، وتهديد إريتريا وإثيوبيا له.

11. الاختراق الاقتصادي الإسرائيلي لبعض دول مجلس التعاون الخليجي.

12. فصل دول المغرب العربي عن دول المشرق العربي، وانغماس كل دولة في مشاكلها.

13. إشعار الدول العربية، أن طريقها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، يجب أن يمر بإسرائيل أولاً، وأن ما تود الحصول عليه، لا بدّ أن يحظى بمباركة إسرائيل.

14. وأخيراً، ترك ما يجري في أفغانستان، من دون أي تدخل جادّ، كي يظل هذا البلد نموذجاً لتصارع الإسلاميين على الحكم.

حقيقة، لا بدّ أن نعترف، أننا نعيش، الآن، في عالم، يسوده عدم الاعتراف بالقوانين أو التقاليد، أو بالقيم والأخلاق. عالم لا يؤمن إلاّ بالقوة منطقاً، وبالهيمنة هدفاً، وبالمال معبوداً.

* ولننتقل إلى العنصر الرابع والأهم في لقائنا، وهو الفرق بين الإرهاب والجهاد، الذي أودّ أن ألقي الضوء عليه، حتى نوضح متى يكون العمل إرهابياً، ينبذه المجتمع الدولي، ومتى يكون جهاداً، ترضى عنه الشـرائع السـماوية، ويحميه المجتمع الدولي نفسه.

* بدايةً، إن تعريف الإرهاب، كما تعلمون، هو: "استخدام العنف غير القانوني أو التهديد به، بأشكاله المختلفة، كالاغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب والنسف، بغية تحقيق هدف سياسي معيّن". ويُعرَّف الإرهاب الدولي، أنه "نوع من العنف غير المبرر، وغير المشروع، بالمقياسَيْن، الأخلاقي والقانوني، والذي يتخطى الحدود السياسية للدول".

* أمّا الجهاد، فهو الدفاع عن النفس والمال والأرض، أي الدفاع عن أمن الفرد وأمن دولته. فمن يحارب عدواً، اغتصب أرضه أو عِرضه، فهو في جهاد. ومن يحارب عدواً، يهدّد أمنه، ويهدد أسْرته، فهو في جهاد. ومن يُحارب محتلاً لبلده، فهو في جهاد. إذاً، الفرق بين الإرهاب والجهاد، وإن تشابهت وسائلهما، في بعض الأحيان، هو مشروعية الهدف لكل منهما.

* وحتى نكون منصفين، علينا أن نتعرَّف وندرس أسباب الإرهاب: الدولي أو المحلي، ليسهل العلاج، فلا تختلط الأمور اختلاطاً، يصبح معه الجاني مجنياً عليه، والمجني عليه جانياً. فإسرائيل، مثلاً، تَعُدّ العمليات العسكرية ضدها، في المنطقة التي تحتلها من جنوبي لبنان  ـ عمليات إرهابية؛ بينما، في الواقع، هي التي تحتل الأرض، وتهدّد أمن المواطنين، وتمارس ضدهم كل أنواع الإرهاب. والحلّ المنطقي الشرعي، يكمن في انسحاب إسرائيل من هذه الأراضي، لتعود لأصحابها. وعندها، لن يكون لدى المجاهدين دافعٌ إلى استمرار عملياتهم العسكرية.

* إن أسباب العنف الدولي، الذي يتأرجح بين الإرهاب والجهاد، هي عديدة. أذكر منها، على سبيل المثال، ثلاثة أسباب رئيسية، هي:

أولاً: أزمة ضمير وأخلاق حادّة، ومستحكمة، يعيشها النظام السياسي الدولي. وهي الأزمة، التي يبرز معها التناقض الفاضح، بين ما تحض عليه مواثيقه من مبادئ، وتدعو إليه من قِيم ومُثُل إنسانية رفيعة، وبين ما تنمّ به سلوكياته الفعلية، من تنكّر كامل لكلِّ تلك القِيم والمُثُل!

ثانياً: افتقار النظام السياسي الدولي إلى الحزم، في الردّ على الانتهاكات، التي تتعرض لها مواثيقه، بعقوبات دولية رادعة. إن هذا المظهر الخطير من مظاهر العبث أو التسيب الدولي، هو الذي يفتح المجال واسعاً أمام أخطبوط الإرهاب الدولي، الذي يجمع في صفوفه القتلة المحترفين، والمرتزقة المأجورين، وغيرهم من المُغَرَّر بهم، دينياً أو سياسياً أو عقائدياً.

ثالثاً: عدم معالجة الجذور والأسباب، التي تغذي الإرهاب، وتُتيح له النماء والانتشار. إن الإرهاب تمتد جذوره في مشاعر الظلم واليأس والمعاناة، التي تفوق، أحياناً، طاقة البشر على احتمالها.

* وماذا عن الإرهاب الدولي في منطقة الشرق الأوسط؟ لعل أبرز سماته، هي تلك المحاولات الفاضحة لإسرائيل لإلصاق تهمة الإرهاب بالعرب خاصة، وبالمسلمين عامة، محاوِلةً طَمْس الحقائق، التي تشير إلى أنها دولة قوامها الإرهاب، تتغذى به، وتمارسه بكل أشكاله وصوره. وإذا حاولتُ أن أذكر لكم إرهاب الإسرائيليين ضد العرب، أصحاب الأرض الأصليين، لاستعدنا إلى الأذهان مذابح يشيب من هولها الولدان. فقد مارسوا جميع أنواع الإرهاب، من نسف للطائرات، واغتيالات، ومجازر، وهدم للديار، وإبعاد من الأرض. أذكر لكم منها، على سبيل المثال: مذبحة اللد، عام 1948، التي قُتل فيها (250) عربياً، ومذبحة دير ياسين، التي سقط فيها 360 قتيلاً، ومذبحة الدوايمة، وسقط فيها مئات من القتلى، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، ومذبحة غزة، عام 1955، ومذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، ومجزرة الأقصى، عام 1990، ومجزرة الحرم الإبراهيمي، عام 1994، التي سقط فيها ستون مصلياً قَتْلَى وأكثر من مائتي جريح، وأخيراً، مذبحة "قانا"، عام 1996.

* وأذكركم أنه في عام 1991، صدرت إحصائية، ورد فيها أن في العالم 370 منظمة إرهابية، تتمركز في 63 دولة، وتباشر أعمالها في 120 دولة. والعمليات الإرهابية التي نُفّذت، طبقاً للإحصائيات، تفوق الخيال، إذ بلغت: 744 عمليــة إرهابية عام 1986، و832 عملية عام 1987، و864 عملية عام 1988. وبعد كل هذه الإحصائيات نتساءل: هل الإرهاب ظاهرة عربية فقط؟ ولِمَ يركز الإعلام الغربي في تعميق هذه المقولة وتأكيدها؟

* إن العدل يقتضي أن نفرق بين العنف لتنفيذ أهداف غير أخلاقية، وبين الجهاد لتنفيذ أهداف نبيلة.

قبل أن نصل إلى محطتنا الأخيرة في هذا اللقاء، وهي: الرؤية المستقبلية من وجهة نظر شخصية، وبعد هذا العرض للأحداث والتحليلات، أودّ أن أوضح لكم، أنني لن أفعل ما يفعله غيري من إلقاء المسؤولية على الغير، وتعليق الأخطاء على شماعات الآخرين. فكما أوجّه اللوم إلى المجتمع الدولي، فإنني أوجّهه إلى أنفسنا. لذا، سأبدأ بما يجب علينا أن نفعله، نحن العرب، أولاً، ثم ما ننتظره، بعد ذلك، من الآخرين.

أولاً: علينا، نحن العرب، التخلي عن دوامة الخلاف العربي ـ العربي. إننا نستطيع، بالتضامن والكلمة الموحدة، أن نوقظ الغرب، وأن نخرجه من حالة الاطمئنان بأن حماية مصالحه الإستراتيجية في المنطقة، تكون مضمونة في ظلّ التمزق العربي؛ فهذه حسابات خاطئة، ومغرضة.

ثانياً: علينا، نحن العرب، أن نواجه التحديات: الدولية والإقليمية، على الصعيد الاقتصادي، بمزيد من التعاون الاقتصادي العربي، وإحياء فكرة السوق العربية المشتركة على أُسُس علمية صحيحة. وأن يكون تعاوننا قائماً على أساس تبادل المصالح مع كل القوى: الإقليمية والعالمية.

ثالثاً: علينا توجيه رسالة واضحة، لا غموض فيها، إلى القوى الكبرى الدائمة في مجلس الأمن، بأن الدول العربية لن تقبَل الكيل بمكاييل مزدوجة إلى الأبد. وعليه، فإذا كان منتظراً من الدول العربية الالتزام بقواعد الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، فعلى هذا المجلس، أن يُلْزم إسرائيل بامتثال قواعد هذه الشرعية وقراراتها، بدءاً بالقرارات 242،338، 425 والقرارات المتعلقة بالقدس الشريف.

رابعاً: علينا توجيه رسالة إلى إسرائيل، نؤكد فيها "أن الدول العربية، قبلَت بإسرائيل، ضمن حدودها عام 1967، شريكاً في المنطقة، بل عضواً فعالاً فيها، على قدم المساواة والتكافؤ، وتحقيق السلام، الذي يحقق الفائدة لجميع الأطراف. فإن كانت إسرائيل، حقاً، تريد أن تُقبَل عضواً في مجموعة دول الشرق الأوسط، فإنها لن تستطيع تحقيق ذلك من خلال سعيها الدائم نحو الهيمنة، وفرض أهدافها التوسعية على باقي دول المنطقة، أو مراعاة مصالحها على حساب مصالح باقي الدول. وإن كانت إسرائيل تريد حدوداً آمنة مع لبنان، فإن تحقيق هذا الأمن، سيتم فقط بالانسحاب من لبنان. وإن كانت تريد حدوداً آمنة مع سورية فعليها الانسحاب من الجولان. وإن كانت تريد أماناً مع الفلسطينيين، فعليها معاونتهم في العيش حياة كريمة، وقبول إقامتهم لدولتهم، على البقية الباقية من أراضيهم المغتصبة".

خامساً: علينا أن نستمر في الحِوار العربي ـ التركي، ونطور علاقاتنا بتركيا؛ فإن مواقفها، في عامَي 1967، و1973، كانت مؤيدة للحق العربي، وهي من أوليات الدول، التي اعترفت بدولة فلسطين، كما أنها امتنعت عن التصويت على إلغاء قرار الأمم المتحدة، باعتبار الصهيونية حركة عنصرية.

سادساً: ضرورة إعادة التوازن العسكري في المنطقة بصورة تحقق الردع الكافي للسلوك الإسرائيلي، وإلاّ نكون قد سلّمنا لإسرائيل بالحق المطلق في استخدام قوّتها العسكرية، وقتما تشاء، وفي الاتجاه الذي تريده، وبالحجم والكيف اللذَيْن ترغب فيهما. فالسلام الذي نطلبه، هو سلام الأقوياء فعلاً، لا قولاً، كما يردده بعض القادة، أحياناً.

سابعاً: أهمية تطبيق مبادئ باندونج الخمسة، التي تحكم العلاقات بين الدول ذات الأنظمة: السياسية والاجتماعية، المختلفة. حقيقةً، أنها مبادئ سامية تستحق الإعجاب. ولكنها، للأسف، تتعرض للانتهاك أكثر مما تحظى بالالتزام.

ثامناً: إن الموقفَيْن، الروسي والأوروبي، يُشكلان، بالنسبة إلينا، أحد أساسيات التوازن المطلوب؛ ليس في العملية السلمية فقط، بل في كل القضايا الدولية. فقد أثبتت الأزمة اللبنانية ـ الإسرائيلية الأخيرة، أنه من الممكن أن يكون لدولة أوروبية كبيرة، مثل فرنسا، صوت مسموع، ومؤثر في اتجاه الأحداث. كما أثبتت الأحداث الأخيرة في منطقة الخليج، كيف كان الموقف الروسي عادلاً، ومؤثراً، وفاعلاً.

إننا، أيها الإخوة، نتطلع إليكم لتأخذوا دوركم وتتبوءوا مكانتكم، التي تستحقونها في المجتمع الدولي. دورٌ معادلٌ وموازن، لا عودة فيه إلى الحرب الباردة، ولا إلى سياسة الأحلاف والمحاور، ولا إلى التسابق في تكديس أسلحة الدمار الشامل. إنه الدور الذي يحقق العدل للشعوب التي ظُلمت، ويعيد الحق لمن اغتُصبت حقوقهم، ويكبح تمادي القوى المعتدية في عدوانها، ويضع شعارات القِيم والمبادئ موضع التنفيذ. دورٌ يزن الأمور بميزان الحق والعدالة. إننا لا نريد عطفاً أو منةً، بل نريد أن تكون علاقاتنا مبنيةً على المصالح المشتركة، في جميع المجالات، قائمةً على رفع الظلم، وإقرار الحق. نريدكم قوة عظمى، مرة أخرى.

أشكر لكم حسن استماعكم.

وأرجو ألاّ أكون قد أثقلت عليكم. وإني على استعداد للإجابة عن أسئلتكم.

ـــــــــــــــــــ