إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / محاضرات صاحب السموّ الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، في المعاهد والمنشآت التعليمية / محاضرات باللغة العربية









من محاضرة جامعة الإمام

في محاضرة

بعنوان: "الجوانب الإنسانية في حياة الأمير سلطان بن عبدالعزيز"

ــــــــــــــــــــــــ

الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة

الثلاثاء، 7 جمادى الأولى 1434، الموافق 19 مارس 2013

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، القائل في مُحكم آياته: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ اِرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِـيَةً مَرْضِـيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي

والصلاةُ والسلامُ على سيدِ المرسَـلينَ، الذي أبلغنا أنه إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ

 

أمّا الولد الصالح، فأنتم أبناؤه، الذين لن تبخلوا بالدعاء له، والتضرع إلى الله، طالبين له المغفرة والرحمة. أمَّا العِلْم النافع فمشاريعه العلمية والتعليمية والبحثية، وإقامة المسابقات في مختلف المجالات، كلّها خير شاهد على ذلك العِلْم. أمَّا الصدقة الجارية، فمشاريعه: الإنسانية والخيرية والعلاجية، وما أوقفه من مالٍ في سبيل استمرارها، خير دليل على ديمومة الصدقة، التي نرجو أن تشفع له، يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

الأساتذة الأفاضل

الأبناء الأعزاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحيّيكم بتحية الإسلام، الإسلام القائم على العلم والعمل به. الإسلام الذي يحثنا على التفكر والتدبر، والذي يدفعنا إلى عمارة الأرض، التي لا تتأتى إلاّ بالعِلْمِ أولاً، ثم العَمَلِ ثانياً؛ وهما معاً طريق القوة والعزّة والكرامة.

يسعدني أن أكون بينكم، في هذه الجامعة الإسلامية العريقة؛ منارة علمية عَمِلَتْ وعلّمت، ما يزيد عن نصف قرنٍ من الزمان. جامعة حدَّدت أهدافها بدقة ووضوح، أوَّلها تبليغ رسالة الإسلام الصحيحة الخالدة إلى العَالَمِ، من طريق الدعوة والتعليم الجامعي والدراسات العليا. فَتَحَتْ أبوابها لطالبي العلم من المسلمين، والتزمت توفير الرعاية لهم: اجتماعية وثقافية، رياضية وصحية؛ فضلاً عن توفير كلّ عوامل استقرارهم وراحتهم. جامعة فريدة في أهدافها، فريدة في أنشطتها، فريدة في مسؤولياتها. فتحيةٌ وتقديرٌ لقيادتها ولكلّ القائمين على شؤونها، علماء وأساتذة، ومحاضرين وإداريين. ولقد لفتني ما أقدمتْ عليه، منذ خمس سنوات، استجابة للتطور الواقعي للحياة، وتقديماً للعلم الشرعي الصحيح بطرق حديثة تتناسب ومتطلبات العصر؛ إذ بدأت نظام "التعليم عن بعد"، مُقَدِّمَةً الدراسة الجامعية لأبناء المسلمين من شتَّى أنحاء العالم، من دون تحملٍ لعناء السفر والاغتراب؛ فضلاً عن تقديم برامج ومسارات علمية بمواصفات تنافسية عالية الجودة. حقّاً إنها منارة علمية شامخة، نفخر بها، ونعتز برسالتها، ونقدر خدماتها، بارك الله في كل من أسهم في إنشائها وتنظيمها، تطويرها وتشغيلها: أكاديمياً وإدارياً وفنياً.

طُلِب منِّي أن أتحدث عن "الجوانب الإنسانية في حياة سيدي ووالدي صاحب السموّ الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز"، وهو موضوع يُسعدني الحديث فيه، على الرغم من صعوبته علي نفسي؛ فسموّه كان لي المثل الأعلى والقدوة الحسنة، أباً وقائداً، قلباً ممتلئاَ رحمةً وروحاً تفيض حناناً.

لذا، سيكون منهجي في هذا اللقاء، هو الحديث عن فلسفته الخاصة في كلّ جانب من تلك الجوانب، التي تشمل الحقول الإنسانية والتعليمية، البحثية والثقافية، الخيرية والعلاجية، التنموية والعسكرية؛ لأنه لم يكن يعمل من فراغ، بل عن عقيدة وإيمان، وفلسفة وإستراتيجية، جامعاً بين الدين والدنيا، بين عمارة الأرض وعمارة الآخرة.

لقد كانت مواقفه كافة، محكومة بعددٍ من المبادئ، التزمها في حياته، وأوصانا بها قبل رحيله. سأذكر منها ثمانية نماذج فقط، وهي، أولاً: خدمة المجتمع وتيسير أمور المواطنين، فرض واجب على كل مسؤول. ثانياً: العمل في صمت، والسعي إلى الخير بلا مِراء. ثالثاً: لا مَنّ على أحد، مهما امتدت المشاريع داخل المملكة أو خارجها، مصداقاً لقوله تعالى: "قَوْلٌ مَعْرُوفٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذَى". رابعاً: الرؤية الإنسانية الخالصة، من دونِ تحيزٍ لدينٍ أو عرقٍ أو جنسٍ أو نَوْعٍ. خامساً: الأبواب المفتوحة، وعدم ردّ أصحاب الحاجات، فالله بهم يكرمنا بالحسنات فلا ينبغي ردّها. سادساً: البشاشة، ومخالطة الناس بوجه طلق، بشاشة في الاستقبال، وبشاشة عند قضاء حوائج الناس، وبشاشة عند التوديع، وكان يردد قول العزيز الحكيم: "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ". سابعاً: العدل هو المنهج والمقصِد، فعدلُ ساعةٍ أفضلُ من عبادةِ ستّين سنةً. ثامناً: الرحمة، إذ كان يوصي بها، ويذكر قول المصطفى ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، و"مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ". رحمك الله يا سيدي وغفر لك، وأدخلك فسيح جناته.

سأتناول أمثلة موجزة، ألقي من خلالها الضوء على فلسفة سموّه في مشاريعه الخيرية والإنسانية، وأبدأ بأحبِّها إليه، وهو: مسابقة حفظ القرآن:

أولاً: كان يرى أن الحفظ ليس غاية في نفسه، بل هو إعداد الحافظ لحمل رسالة القرآن بوعيٍ وتدبرٍ.

ثانياً: كان يؤمن أن العمل بالقرآن العظيم، والتحلِّي بصفاته، هو طريق هذه الأمة إلى استعادة مجدها وريادتها؛ والسبيل إلى لحاقها بالركب الحضاري والتقدم الإنساني، والتفوق العلمي. وكان يؤكد أن ليس بالحفظ وحده نرقَى، إنما بالحفظ والعمل به نسود؛ حتى يأتي يوم نأكل فيه مما نزرع، ونلبس مما نصنع، ونذود عن ديارنا بسلاح من إنتاج أيدينا.

ثالثاً: إنَّ تَعَهُّدَ الله ـ سبحانه وتعالى ـ بحِفْظِ كتابه الحكيم، لا يُسقط مسؤوليتنا في المحافظة عليه والدفاع الموضوعي عنه، المُعْتَمِد على الأسانيد والحُجَجِ الشرعية، والخالي من السِّـباب والشَّـتْم، واتهامات الكفر والإلحاد، والزَّنْدقة والارتداد.

رابعاً: كان ما يزيده إصراراً على الاهتمام بهذه المسابقة أن قادتنا على مر العصور ظلّوا يُولون القرآن العظيم جلّ اهتمامهم؛ فهو دستورهم، وهاديهم ومرشدهم، وسبيلهم إلى تحقيق أمن البلاد، ورفاهية العباد، موقنين أن من قال به صَدَق، ومن حَكَمَ به عَدَلَ، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى الصراط المستقيم.

خامساً: كان أمله أن يضحى القرآن، في الدول الإسلامية قاطبة، دستوراً ومنهج حياة. يتأدب المسلمون بآدابه، ويعملون وفق أحكامه.

هذه لمحة من فلسفته ورؤيته في ذلك العمل الخيري التعليمي. وإننا جميعاً، لله نسجد شاكرين، أن هدانا إلى كتابِه العظيم، ونوره المُبين.

فلسفة سموّه في مشاريع بناء القوات المسلحة السعودية وتطويرها، والاهتمام بمنسوبيها

وجّه سموّه عناية خاصة لإنشاء المناطق العسكرية، ومشاريع الإسكان، والمستشفيات، والمدارس والمعاهد والمنشآت الرياضية، وغيرها من مشروعات عملاقة؛ لتحقق لمنسوبي القوات المسلحة كلّ أسباب الاستقرار: الوظيفي والنفسي، الاجتماعي والمادي، حتَّى يؤدوا أعمالهم بكفاءة وفاعلية. وقد اعتمدت فلسفة سموّه في إقامة تلك المشروعات على أن القوات المسلحة منوط بها:

أولاً: امتلاك القوة، إذ امتلاكها ضروري، وتوازنها مع القوى الخارجية حتمي؛ فالقوة العسكرية هي التي تحمي قوى الدولة الأخرى؛ فهي تحمي القوة الاقتصادية، فلا اقتصاد من دون قوة تحمي إنجازات الدولة الاقتصادية وموارده الطبيعية، والاقتصاد بلا قوة تعصمه، يظلّ مهدداً، يستجدي حماية الآخرين. والقوة العسكرية هي التي تحمي القوة السياسية؛ فالسياسة تعتمد على ما تمتلكه من أدوات، تتعامل بها داخلياً وخارجياً، وأولها وأهمها القوة العسكرية.

ثانياً: تكامل منظومة القوى العسكرية، أي تكامل أفرعها، فلا يطغى الاهتمام بفرع على حساب الأفرع الأخرى. والاهتمام بالأفرع جميعها بلا استثناء؛ حتى تستطيع القوات المسلحة، تنفيذ مهامها المحددة لها.

ثالثاً: الدفاع عن حرمة المملكة، واتخاذ جميع التدابير والاستعدادات اللازمة لتحقيق ذلك، في أوقات السِّلم والحرب والأزمات؛ أي الدفاع عن المملكة وسيادتها ووحدتها وأراضيها وأجوائها وبحارها، والردع والصدّ لمن يحاول المساس بأمنها؛ وفي الوقت نفسه، السعي الجاد، المستمر، إلى المحافظة على الاستقرار الإقليمي، الذي من شأنه دعم المحافظة على أمن المملكة وحماية مصالحها ورعايتها.

رابعاً: اتخاذ جميع التدابير والاستعدادات، اللازمة لمواجهة مختلف أشكال التهديد والخطر وأنواعهما ومصادرهما. ولهذا، اعتمدت المملكة إستراتيجية عسكرية مبنية على العقيدة الإسلامية، ثم السياسة العسكرية الوطنية للمملكة، ووجَّهَتْهَا إلى أهداف عسكرية وطنية واضحة، تدعم تحقيق الأهداف الوطنية المرسومة، التي تضمن الحماية والرعاية لمصالحها.

خامساً: امتلاك قوة الردع؛ فالردع يحتاج إلى توافر مزيج من عوامل ثلاثة: القوة والإرادة والعزيمة على استخدامها، وتصديق العدو بوجود هذَيْن العاملَيْن. وإذا كانت القوة لازمة من قبل، فقد باتت، الآن، ضرورة مصيرية، لمن يُريد أن يحيا في عزة وكرامة.

سادساً: لكي تكون قواتنا المسلحة ذات كفاءة قتالية، يجب على القادة، في جميع المستويات، الاهتمام الكامل بمرؤوسيهم، صحة طبية ونفسية، لياقةً بدنيةً وتدريباً، روحاً معنوية وانضباطاً؛ فضلاً عن الاهتمام بأسرهم وذويهم.

ثامناً: حقوق الضباط والأفراد، أمانة في أعناق قادتهم.

كانت هذه هي فلسفته وتوجيهاته، خلال توليه منصب وزير الدفاع. والحمد لله، أن قواتنا المسلحة تزداد كفاءة وفاعلية يوماً بعد يوم، خاصة أن قيادتنا السياسية لا تبخل عليها بالتسليح الحديث، والمعدات ذات التقنية العالية، وتزوِّدها بأسلحة الردع اللازمة.

فلسفة سموّه في إنشاء جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه؛ كان سموّه يرى الآتي:

أولاً: المياه عصب الحياة، وسبب النمو والنماء، وقاطرة التنمية الشاملة المستدامة.

ثانياً: تُعد مشكلة متعددة الأبعاد، تؤثر في الحياة كافة. فنقطة الماء إنْ عذبت وصلُحَت، شربت العباد، وارتوت البلاد، وازدهرت الثمار؛ وإنْ نضبت أو فسدت هلك الإنسان، ونفـق الحيوان، وذبلت الأغصان. وسبحان من قال: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.  

ثالثاً: أهمية محاربة أربعة عناصر تُحْكِمُ حصارَها على كل قطرة ماء: وهي: الندرة، التلوث، التصحر، الصراع؛ وخاصة إذا علمنا أن أقلّ من 1% من هذه المياه العذبة، هو المتاح للاستخدام البشري.

رابعاً: الاهتمام بالماء والمشاريع المائية ليسا ترفاً أمام الحكومات، بل مطلباً مُلحّاً وتحدياً حقيقياً، عليها مواجهته وتخصيص الميزانيات الكافية، وجعْل هذا الأمر في أعلى درجة من أولوياتها.

خامساً: إن الفجوة المائية، بين المتاح والمطلوب، تنذر بخطر يتفاقم يوماً بعد يوم. إذ كلّما ازداد العطش، ازداد الجوع؛ وكلّما استفحل الاثنان، استشرى الفقر في أبشع صوره. وحيثما يحلّ الفقر، تتقلص فرص التنمية والنمو. وأينما تناقصت هذه الفرص، ضاعت حرية الرأي وامتلاك القرار. إن تجاوز الفجوة المائية الحالية، ما بين العرض والطلب، في المنطقة العربية، لا يكون إلاّ بترشيد الاستهلاك، وتنمية الموارد المتاحة، وإضافة موارد مائية جديدة: تقليدية وغير تقليدية.

سادساً: الاهتمام الزائد بالمياه أكثر من ضروري؛ إذ إن الإنسان، الذي يحارب التلوث بضراوة، هو نفسه المتسـبب فيه، أحياناً، بما يلقيه في الأنهار والبحيرات والسدود، من فضـلات القطاع الصناعي، ومخلفات القطاع المدني؛ وبما يَدُسُّه من إفرازات الصناعة، في التربة مباشرة؛ فيلوث الآبار الجوفية، ويفسد مصادره المائية، ثم يكدُّ في البحث عن مصادر أخرى نظيفة، شاكياً نضوب مصادره القديمة. هنا يأتي دور التوعية، والإبداع أمام هذه الأخطار، وأمام ما يُنْبِىء به المستقبل المائي، من صراعات متوقعة.

أمام استشعار سموّه لتلك الأخطار، لم يقف مكتوف الأيدي، بل كان السَّـباق، إلى فعل الخير، كلّ الخير، مصداقاً لقول الحق ـ تبارك وتعالى: "أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ". لذا، أنشئت المشاريع المائية، ومراكز الأبحاث للمياه، داخل المملكة وخارجها.

فلسفة سموّه في تَبَنِّي المشاريع الخيرية والإنسانية، وأهمها إنشاء مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية:

أولاً: إنشاء مؤسسة تكون صرحاً رائداً للأعمال الإنسانية والخيرية والاجتماعية، وأن تسهم بشكل فاعل ومؤثر في خدمة المجتمع بمنظور إنساني، طبقاً لمفاهيم وأساليب العمل الخيري بالمملكة العربية السعودية. وقد وصلت تلك الآثار الخيرية أقاصي العالم. وهو ما دفع إلى اختيارها أفضل منظمة إنسانية: عربياً وإسلامياً، من قِبَلِ منظمة "المحسنين الدولية".

ثانياً: إن الأهداف الخيرية المنبثقة من تعاليم الإسلام، التي تضمنها النظام الأساسي للمؤسسة، تحتم مواصلة العمل الجاد والدؤوب، لكي تواصل هذه المؤسسة دورها، وتحمل مشاعل الخير والعطاء لأبناء هذا البلد الكريم ومواطنيه، ولترعى شؤون إخوة لنا جعلتهم ظروف الحياة في حاجة إلى الرعاية والعناية المميزة، التي تقدمها هذه المؤسسة، بفضل الله وتوفيقه.

ثالثاً: إن فكرة إنشاء المؤسسة انبثقت لتُولي اهتمامها أولئك الذين لا تساعدهم ظروفهم المادية والاجتماعية، من العلاج خارج المملكة، وأولئك الذين يحتاجون إلى خدمات متميزة. وأن لا تقتصر أعمال المؤسسة فقط على تقديم خدماتها الإنسانية، التي تتمثل في التأهيل والرعاية الصحية للمرضى والمسنين والمعاقين، بل تمتد إلى أبعد من ذلك، حيث تسهم في كلِّ ما هو مفيد، ويخدم المجتمع في حدود أهدافها.

رابعاً: على المؤسسة أن تتميز عن غيرها، وأن تمتد خدماتها إلى تأمين الاحتياجات اللازمة للبحوث والدراسات: الأكاديمية والتطبيقية، في مجال الخدمات الإنسانية بالتعاون مع الهيئات العلمية والمؤسسات الحكومية والمنظمات الإقليمية والدولية، وتقديمها للجهات التي يمكن أن تستفيد منها.

لذا، كانت جهود سموّه في إنشاء الكراسي العلمية والمراكز الطبية، ودعم المشروعات العلمية والبحوث العلاجية، والمشاركة الفاعلة في القطاع الصحي الخاص.

لقد أحبّ الخير، فحبّبه الله إلى الخير. يسعى إلى قضاء حوائج الناس، غير منتظرٍ أن يُسْعَى إليه. مشاريعه الخيرية، التي قارنت اسمه الكريم، تطاول المجالات كافة: إنسانية واجتماعية، صحية وعلمية. لا يبتغي بها إلاّ وجه الله ـ تبارك وتعالى.

فلسفة سموّه في الاهتمام بالمجالات: العلمية والبحثية

أولاً: إنَّ تَعَلُّمَ العِلًم لله خِشْيَةٌ، وَطَلَبَهُ عبادةٌ، ومذاكرته تسبيحٌ، والبحث عنه جهادٌ.

ثانياً: طلب العلم فريضةٌ على كلِّ مسلِمٍ، وكان سموّه يستشهد بمأثور القول: ما تصدَّق النّاسُ بصدقةٍ مِثْلِ عِلْمٍ يُنْشَرُ، ومدادُ العالِمِ أفضل من دمِ الشهيد.

ثالثاً: إن العلم والمعرفة ـ وسبيلهما البحث وتطوير أدواته ـ هما الطريق إلى القوة، في عالم لا يعترف إلاَّ بالأقوياء؛ وأن العمل والإنجاز هما ثمرتهما؛ فنعيش في عزة وكرامة؛ يحترمنا الأصدقاء ويهابنا الأعداء، ونضحى بحق خير أمة أخرجت للناس.

رابعاً: يرى إن موقعنا البحثي في هذا العصر، لا يحقق الطموحات. وكان يتساءل أين المسلمون من الاختراعات الحديثة؟ وأين هم من الأبحاث الجادة الهادفة؟ وما هو المجال الذي يتفوقون فيه؟ أسئلة كثيرة يطرحها كلِّ غيور على سمعة وطنه، وكلّ حريص على الارتقاء بأمته الإسلامية، وكلّ متطلع ليكون لبلده مكان في عالم التقنية والتقدم.

خامساً: إن طريق العِلْم طويل وشاق، فَلْنُهَيِّء أجيالاً تُحب العلم، وتُعمل الفكر، وتُجيد التخطيط، وأن تكون قيمة المرء بما عَلِم وعَمِل، وليس بما عَلِم واستكان.

سادساً: إن استقراء تاريخ الحضارة في مسيرتها العربية والإسلامية واجب على كل مسلم، إذ بالعلم والعمل ترقى الأمم، وبهما ساد المسلمون العالم، في مختلف المجالات: معماراً وفكراً، أبحاثاً وتأليفاً.

سابعاً: إن علماء المسلمين، أثروا الحضارة الإنسانية، في مختلف المعارف، وبالاهتمام بالعلم لن نكون أقل شأناً منهم أو أضعف فكراً.

ثامناً: إن العلم وسيلة، وليس غاية، وسيلة لتحقيق الأهداف في المجالات جميعها؛ فالأهداف: سياسية أو عسكرية، أو اقتصادية، لا تتحقق من دون علم.

هذه كانت فلسفته، وتلك كانت حكمته.

ختاماً: انتهز هذه الفرصة وأتوجه إلى القائمين على شؤون الجامعة، وأقول لهم: إننا نشيد بما أوتيتم به من الحكمة وسَـعَةِ الأُفق، واتساعِ المدارك؛ ونأملُ:

* أنْ تكونَ الجامعة عُنواناً للوسطيةِ بمعناها الشاملِ.

* وأنْ تعتمدَ نَشْـرَ ثقافةِ الحِـوارِ والاختلافِ، وقَبُوْلِ الآخَـرِ.

* وأن تكونَ سَـبَّاقَةً إلى نَشْرِ فِقْهِ الأولوياتِ، واعتمادِ القضايا ذاتِ الأولويةِ القُصوى في عالمنا الإسلامي.

كلُّ ذلك استجابةً لِقولِ الحقِّ ـ تباركَ وتعالَى ـ: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".

أَشكرُ لكم حُسنَ الاستماعِ، وسَعَةَ الصدرِ، وكَرَمَ الضيافةِ. وتقديرِي العميقُ لِمَا تحملونه على عاتِقكم مِن أمانةٍ، وما تُؤَدُّوْنَه مِن مسؤوليةٍ.

وَفَّقَكم اللهُ، وبارَكَ في جُهدِكم.

والسلام عليكم ورحمة الله.

ـــــــــــــــــــ