إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات علمية / البترول: علمياً وجيولوجياً وكيماوياً





أنواع مصائد البترول
أنواع الضغط الذاتي
مناطق حقول البترول
مخطط الملامح الجيولوجية
مصائد البترول/1
مصائد البترول/2
الإزاحة الحرارية
المسح الجيوفيزيائي بالطريقة السيزمية
الصفيحة العربية
العناصر الرئيسية لتكوين البترول
العلاقة بين المسامية الفعالة والنفاذية
استخدام النيترونات وأشعة جاما
تحديد الطية المحدبة
تصنيف الهيدروكربونات
طية محدبة من مكامن البترول
طريقة تسجيل الآبار




المقدمة

المبحث الثالث

البترول جيولوجيا

أولاً: تصنيف الصخور

تقدمت دراسات علم الصخور[1] Petrology في القرن التاسع عشر الميلادي[2]، وخاصة فيما يتصل بالتركيب المعدني، وأصبحت تصنف حسب نشأتها وتكوينها إلى صخور نارية، ورسوبية، ومتحولة. والصخور النارية هي صخور أولية متبلورة عامة، تكونت إما بتجمد بعض المواد الصخرية السائلة، غليظة القوام، وعالية الحرارة في باطن الأرض، وهي التي تسمى بالصهير Magma، أو نتيجة قذف بعض هذه المواد المنصهرة فوق سطح الأرض، أو تحته بقليل، أو إلى قاع المحيط في صورة حمم بركانية Lave Flows.

أما الصخور الرسوبية فهي صخور ثانوية اشتقت من صخور أقدم بسبب عوامل التعرية والنحر، ثم ترسب الحطام الصخري في ظروف عادية من الضغط والحرارة بعد أن كانت عالقة في الماء أو في الهواء، وتعرضت هذه الصخور أثناء تكوينها وبعده للتجوية الكيميائية شاملة النشاط العضوي والأكسدة والاختزال والكربنة والتموء والتحليل بالماء والذوبان، وللتجوية الفيزيائية من تمدد بالحرارة أو الانكماش بالبرودة أو تفكك، أو تجمد للمياه في شقوق الصخور، وللتأثيرات الميكانيكية بفعل حركات القشرة الأرضية والصخور الرسوبية إما بحرية تترسب في أحواض البحار والمحيطات، أو قارية، تتكون في القارات سواء كانت رواسب هوائية، أم تكونت في المياه الجارية كالرواسب النهرية ورواسب البحيرات والثلاجات.

وتكونت الصخور المتحولة تحت سطح الأرض، ونتجت عن تأثيرات عوامل الضغط والحرارة وبعض المحاليل على صخور أقدم، رسوبية أو نارية أو متحولة أيضاً، ما يؤدي إلى تغيير تركيبها المعدني ونسيجها الصخري.

وتغلف الصخور الرسوبية نحو 75% من سطح الأرض، ولكنها لا تشكل سوى 5% من الحجم الكلي للقشرة الأرضية إلى عمق يصل حتى 16 كم. وتتميز الصخور الرسوبية باحتوائها في الغالب على أنواع مختلفة من الحفريات، وتتكون في أحيان وأماكن معينة بفعل تجميع المواد والرواسب العضوية كما هو الحال بالنسبة لطبقات الفحم، أو الطبقات الجيرية العضوية في مياه البحار والمحيطات، وتحقق دراسة الصخور الرسوبية معرفة التسلسل الزمني للحوادث المتعاقبة في تاريخ الكرة الأرضية، ويعني علم الجيولوجيا الطباقية أو علم الطبقات Stratigraphy بذلك السلم الجيولوجي، الذي يبين تتابع صخور الطبقات والعصور الجيولوجية التي تنتمي إليها.

ثانياً: أنواع الصخور الرسوبية

تصنف طبقاً لدور التفكك الفيزيائي، أو التحلل الكيميائي في تكوينها، ولأنواع الصخور الأقدم التي اشتقت منها، وقد تكون نارية أو رسوبية قديمة أو متحولة، وحسب أسلوب نقل الركام المتفكك بواسطة الرياح أو المياه قبل ترسيبها في أماكن مناسبة، سواء في الصحاري أو البحار. وهناك صخور فتاتية Clastic Rocks تتكون وتترسب بفعل عوامل فيزيائية بحتة، دون تدخل عوامل كيميائية أو ترسب مواد عضوية، ومن أمثلتها الحصى والرمل والطين. ولدينا الصخور الكيميائية Chemical Roc، التي تكونت نتيجة النشاط الكيميائي الصرف، دون تدخل النشاط العضوي، الحيواني أو النباتي، في بيئات قارية أو مائية مثل الرواسب الحديدية، وبعض الصخور الكلسية، ورواسب الأملاح. أما الصخور الكيمائية الحيوية Biochemical Rocks فتكونت نتيجة النشاط العضوي لبعض الكائنات الحية، كالصخور الكلسية مثل الطباشير، والسيليسية كالصوان، والحديدية، والفوسفاتية، والكربونية وأشهرها الفحم.

وهناك صخور يصعب تصنيفها مثل الحجر الجيري العضوي الفتاتي Bioclastic Limestone والبترول، كما نعرف مادة هيدروكربونية سائلة توجد في بعض أجزاء الصخور الرسوبية المختلفة مثل الحجر الرملي، والحجر الجيري، ولكنه لا يوجد إطلاقاً في الصخور النارية أو المتحولة.

ويعني علم الكيمياء الأرضية Gochemistry بجميع التحليلات والاختبارات الكيميائية التي تجري على الصخور لمختلف الأغراض، وأهمها من الناحية الاقتصادية تحديد نسب الخامات المختلفة وأنواعها فيها وفي صدرها البترولي، وكذا دراسة توزيع نظائر العناصر المختلفة على مكونات الأرض وتركيباتها الكيميائية وتفاعلاتها.

ثالثاً: تتابع الطبقات في الصخور الرسوبية

يهتم علم الطبقات Stratigraphy بدراسة القوانين والظروف المختلفة التي تتحكم في تكوين طبقات الصخور في السلم الجيولوجي، وأماكن ترسيبها في مختلف مناطق العالم، ويحدد أنواعها وخصائصها الصخرية وأعمارها، ويوجه عناية خاصة للصخور الرسوبية. ومن ذلك نشأ حديثاً فرع مستقل بذاته، ويختص بكل ما يتعلق بالترسيب، ويسمى علم الرواسب Sedimentology. ولما كانت المحيطات والبحار تغطي أكثر من ثلاثة أخماس سطح الأرض، كانت الترسيبات البحرية هي الغالبة، وقد تراكمت أساسا تحت سطح الماء في طبقات Strata متباعدة وسميت أحياناً بالصخور الطباقية Stratified Rocks أو الطبقات المضغوطة Laminated Rocks. وتوجد الطبقات الأقدم تاريخياً في القاع، وتعلوها الطبقات الأحدث زمنياً، ما لم تكن الصخور قد تعرضت لحركات القشرة الأرضية. وعندما تموت الحيوانات والنباتات تطمرها الترسيبات، وتعلو حولها وفوقها، ومنها ما دفن - مثل الرخويات البحرية - حيث عاشت قرب قاع البحر، ومنها ما تحرك مع المواد المترسبة، قبل أن يدفن في مكان آخر، حركة شبيهة بطوفان النهر الذي يجرف الأشجار وفروعها في مجراه.

وتحوي الصخور الرسوبية حفريات شديدة التنوع والاختلاف، حتى أنها تخدم مباشرة دراسات التطور التدريجي للحيوانات والنباتات عبر العصور، وهنا نشير إلى أهمية علم الحفريات[3] Paleontology والحفريات الدقيقة Micro-Paleontology في مجال جيولوجيا البترول عامة، والتنقيب عنه خاصة، فإن الحفريات، وهي بقايا الكائنات الحية من حيوانات ونباتات، عادة ما تكون مميزة للبيئة التي عاشت فيها.

تكونت الصخور الرسوبية -إذاً- فوق سطح الأرض، أو تحت سطح الماء في شكل طبقات متتابعة. ويصنف هذا النوع من الصخور وفق أسلوب تكوينها أو تركيبها أو طبقا لهما معاً، ولدينا طبقا لكيفية تكوينها ترسيبات الرياح، كرمال الصحراء والكثبان الرملية وركام الحصي، ولدينا الرواسب النهرية من رمال وحصي وطين وطفل وطمي أو غرين، ورسوبيات البحيرات، والترسيبات الجليدية، ثم الرواسب البحرية التي تراكمت طبقات تحت البحر، وقد تتصل بها ترسيبات مصبات الأنهار أو الخيران أو البحيرات الضحلة. وتعد الحفريات، ولا سيما الحيوانية منها، من أفضل دلائل تحديد كيفية تكوين الصخور الرسوبية. وتصنف الصخور الرسوبية من حيث التركيب إلى البريشة، والحصباء أو الرمال، والطفل، والطين. وعندما تتماسك الرمال تكون الحجر الرملي، والمواد التي تربطها سويا تكون، عادة، من معادن مختلفة ترسبت بعد الرمال وتخللتها، وهي تحت سطح الماء، ومنها كربونات الكالسيوم في الحجر الجيري، وأملاح الحديد أو السيليكا في حجر الكوارتزيت أو حبيبات الفلسبار Felspar.

ومن بين الصخور الرسوبية طبقات الصخور ذات الأصل العضوي، الحيواني أو النباتي. والصخور العضوية من النوع الأول تشمل أنواعا عدة من الأحجار الجيرية مثل الطباشير Chalk، والجزر والصخور المرجانية، والدولوميت. أما الصخور العضوية نباتية الأصل فمنها الفحم والأنثراسيت بصفة خاصة، والجرافيت والتي تسمى بالصخور الكربونية التي تحوي المواد الهيدروكربونية، ونسبا صغيرة من الأملاح المعدنية. وفي ظروف معينة تتحول المواد العضوية النباتية الأصل إلى زيت البترول. وعادة يصعب فصل الصخور الكيميائية التكوين والعضوية بسبب تأثيرات الكائنات الحية مثل الطحالب التي تؤدي إلى ترسيبات كيميائية ولا تترك آثارا واضحة لوجودها.

الحياة البحرية ـ إذاً ـ هي مصدر البترول الرئيسي بوجه عام، والطبقات الغنية ببقايا الكائنات العضوية مثل الحيوانات البحرية الدنيا والرخويات والطحالب يرجح أن تكون صخوراً مولدة للبترول، كما أن الصخور الرسوبية ذات السمك الكبير والطبيعة المسامية تعد أهم أنواع الصخور الخازنة Oil Reservoir Rocks، التي تكاد توجد في أغلب العصور الجيولوجية، وتكون غالبا متصلة بالصخور المولدة من نفس العصر الجيولوجي. وتوجد التجمعات النفطية في مسام الصخور الرسوبية نتيجة لهجرة البترول، أو حركة الطبقات أو بسبب التفاعلات الكيميائية، أو في تشققات الصخور النارية تحت ظروف معينة. وتوجد تلك التجمعات، غالباً، مع مواد أخرى أهمها المياه الجوفية وبعض الشوائب، وبذلك لا تشكل المواد البترولية مائة في المائة من حجم المسامية والنفاذية المتاحة في المصائد البترولية، سواء كانت تركيبية أم رسوبية. كذلك فإن درجة التشبع البترولي في مسام الصخور تؤدي إلى وجود كمية قابلة للاستخراج، وأخرى ملتصقة بأسطح الحبيبات المكونة للصخور التصاقا قد يكون كيميائيا، ويصعب استخراجها بغير إجراء عمليات مكلفة لتغيير خاصية الالتصاق هذه.

وتوضح دراسة الطبقات الجيولوجية في مختلف أرجاء إقليم الشرق الأوسط تشابه ظروف تكوين الطبقات الرسوبية في مناطقه الشاسعة، وتكاد تتماثل في أنواع الكائنات الحية التي وجدت فيها. وتختزن الصخور الرسوبية في هذا الإقليم، الذي تشكل الصفيحة العربية جزءا رئيسيا من تكوينه الجيولوجي، كميات ضخمة من البترول والغاز الطبيعي. وتتكون هذه الصفيحة العربية من منطقتين رئيسيتين (اُنظر شكل الصفيحة العربية) وهما الدرع العربي المكون من صخور نارية ومتحولة ورسوبية قديمة، ويقع في غرب شبه الجزيرة العربية، وحوض الترسيب العربي الكبير المسمى أحيانا بالرصيف العربي، ويتكون من صخور رسوبية من الدهر الوسيط Mesozoic ومن العصر الثلثي Tertiary وهو الأول في الحقبة الحديثة Cenozoic. وتمتد هذه الصخور الرسوبية في الحوض العظيم حول الدرع الأفريقي العربي الذي تحده شمالا جبال طوروس، وكردستان، وجبال زاجروس، وشرقا جبال عُمان، وغربا جبال لبنان، وتغطي تلك الصخور كذلك شبه جزيرة سيناء ومعظم أراضي مصر.

وقد قدر احتياطي البترول والغاز الطبيعي في الصفيحة العربية عام 1991م بأكثر من 663مليار برميل من الزيت، وحوالي 1325 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي[4]. ويمثل الرشح البترولي أو آثاره على سطح الأرض أول مؤشرات وجود زيت البترول في باطنها، وقد اشتهرت منطقة حوض الترسيب العربي الكبير منذ زمن بعيد بانتشار دلائل وجود البترول على سطح الأرض[5].

وتعد مكامن الصخور الجيرية، التي ترسبت في بيئات بحرية وشاطئية ومرجانية، المكامن الرئيسية لحقول البترول والغاز الطبيعي في حوض الترسيب العربي الكبير. وتأتي مكامن الصخور الرملية التي ترسبت في بيئات بحرية أو متنوعة، من شاطئية، أو قارية، أو دلتاوية، إلى جليدية، أو كثبانية، في المرتبة الثانية من حيث الأهمية والإنتاج. ويوجد البترول في صخور مختلفة الأعمار الجيولوجية في هذا الحوض، تمتد من أواخر حقبة الحياة القديمة قبل حوالي 590 مليون سنة إلى العصر الثلثي أو الثلاثي قبل حوالي 36 مليون سنة وربما أحدث من ذلك، وإن كانت الصخور الطينية والجيرية الغنية بالمواد العضوية والتي تتخلل الطبقات المسامية هي المصدر الأساسي لبترول المنطقة العربية.

وينتج البترول في منطقة جبال "أم الرؤوس" في حقل قبة الدمام "الظهران" من طبقة جيرية تابعة للعصر الجوراسي سميت "متكون العرب"، وعلى عمق 4737 قدما أي 1443.6 مترا، وفي نفس الحقل ينتج البترول من طبقة البحرين التي تنتمي إلى العصر الطباشيري Cretaceous. أما خزان البترول في حقل بقيق جنوب غرب الدمام، فيقع في الصخور الرسوبية للعصر الجوراسي الأعلى Upper Jurassic على عمق نحو 1500 قدم وتحت طبقات سميكة من عصري الطباشيري والإيوسين، وتكسو طبقة الإيوسين طبقة رفيعة من رسوبيات الميوسين والبليوسين، والتركيب الجيولوجي في هذا الحقل عبارة عن طية محدبة مطولة Elongated، وينتج فيه البترول من الحجر الجيري الدولوميتي والكلسي.

وهناك عوامل عديدة جعلت من حوض الترسيب العربي الكبير أغنى منطقة بترول حالياً (اُنظر شكل مناطق حقول البترول)، حيث تختزن أكثر من نصف احتياطيات العالم من الزيت والغاز الطبيعي، كما أن خمس دول من الدول الست الأولى عالميا في غناها باحتياطيات البترول المؤكدة هي من دول الحوض وهي المملكة العربية السعودية، والعراق والإمارات العربية المتحدة، والكويت وإيران، والدولة السادسة هي روسيا الاتحادية.

وأول هذه العوامل هو استمرار الترسيبات في هذا الحوض العربي في ظروف هادئة بنائياً، ولحقب جيولوجية متعاقبة بدأت في أواخر حقبة الحياة القديمة، وامتدت حتى العصر الحديث، وقد تعاقب ترسيب الصخور الغنية بالمواد العضوية، وهي الصخور المولدة كالطفل والطمي، في مختلف بيئات الترسيب البحرية والشواطئ والدلتا والمستنقعات وغيرها، مع تكوين طبقات سميكة من الصخور ذات المسامية والنفاذية الملائمتين ونعني بها صخور المكامن البترولية التي كانت في معظمها من الأحجار الرملية والجيرية، ثم ترسيب طبقات من الصخور الصماء عديمة النفاذية وهي الصخور الحابسة.

والعامل الثاني هو تكون مصائد البترول الطباقية نتيجة ترسيب صخور ذات مسامية ونفاذية مناسبة قريبا من الصخور المولدة للبترول، ما هيأ إمكانية تجميع البترول منذ بداية هجرته في هذه الصخور الخازنة وحفظه، حتى تكوين المصائد البنائية (اُنظر شكل العناصر الرئيسية لتكوين البترول) على هيئة طيات محدبة Anticlines، وقباب نتيجة تحركات القشرة الأرضية، وهجرة النفط إليها. وقد كان توقيت تكوين المصائد البنائية ملائما تماما في حوض الترسيب العربي الكبير، وحدث عند تكوين البترول أو بعد تكونه مباشرة وهجرته، مما أدى إلى حفظ البترول وتجميعه في مصائد عظيمة انتشرت بصفة أساسية على امتداد الجانب الشرقي للحوض.

وهناك عامل ثالث أسهم في وفرة البترول بالحوض العربي، هو ندرة التحركات الأرضية العنيفة، وعدم تداخل الصخور النارية في التتابع الطبقي الرسوبي لمنطقة الحوض، ما أدى إلى احتفاظ الصخور الرسوبية بخصائصها الطبيعية كالمسامية والنفاذية، وساعد على حفظ المواد العضوية في صخور المصدر، وعلى تماسك وصلابة الصخور الحابسة.

ويشمل حوض الترسيب العربي الكبير ذلك التجمع البترولي الهائل في طية النعلة المحدبة العملاقة، التي يمتد طولها نحو 240 كيلو متر، ويبلغ عرضها 20 - 24 كم، والتي تشكل حقل الغوار، وهو أكبر حقل بترول في العالم وتبلغ مساحته زهاء 5300 كم2. ويأتي بعده حقل البرقان، ثاني أكبر حقل بترول عالميا، على الشاطئ الغربي للخليج العربي.

ويعد حقل السفانية في الخليج أكبر حقل بترول مغمور في العالم، كما يزخر الخليج بحقول مغمورة أخرى مثل المرجان والظلوف في المملكة العربية السعودية، وحقل زاكم العلوي في الإمارات العربية المتحدة. ويتميز حقل قبة قطر الشمالي بأنه أكبر حقل غاز طبيعي في العالم، كما اكتشف السعوديون البترول والغاز الطبيعي في حقلي شيبة وكدن في الربع الخالي، وفي حقول الحوطة والدلم والرغيب والجلوة والنعيم والهزمية والغينة في قلب شبه الجزيرة العربية وغربها، ثم حقلي بركان ومدين قرب مدخل خليج العقبة.

وفي حقل كركوك العراقي، الذي يمتد في رقعة طولها 60 ميل، وعرضها أكثر من ميلين يستخرج البترول من طبقة الحجر الجيري المسامية ذات الشقوق التي ترسبت في الحقبة الجيولوجية الممتدة من الإيوسين الأوسط إلى الميوسين الأسفل Lower Miocene، ويلاحظ هنا أن البترول ينتج في كركوك، وفي حقل سدر على خليج السويس في مصر من الطبقات الرسوية لنفس الحقبة الجيولوجية، مع اختلاف نوع المصائد البترولية في الحقلين.

ويعد الخزان البترولي في حقل البرقان الكويتي أحد أكبر الحقول المنتجة في العالم، ويستخرج البترول من رسوبيات الحجر الرملي في فترة العصر الطباشيري الأوسط والأسفل، وتمتد رقعة هذا الحقل فوق مساحة 135 ميل مربع، ويتخذ التركيب الجيولوجي له شكل قبة يمتد محورها الأطول من الشمال للجنوب بطول 12 - 15 ميل، والمحور الأقصر لمسافة 8 - 10 ميل من الشرق للغرب، وفي مصر يستخرج البترول من طبقة الحجر الرملي النوبي في نفس الفترة من العصر الطباشيري.

أما حقول البترول على الشاطئين الشرقي والغربي، وفي مياه خليج السويس فتعد من أهم حقول الحوض العربي، ولا يزال هذا الخليج المصدر الرئيسي لأكبر احتياطيات مصر البترولية حتى الآن، مع أنه أصغر إقليم فرعي لتجمع وتكوين الهيدروكربونات في الشرق الأوسط، ويحده صدعان جيولوجيان من الشرق والغرب أديا إلى تكوين الخليج.

وينتج البترول من الصخور الرسوبية في السهول الشاطئية، وتحت مياه الخليج، والتي تشمل الحجر الجيري من عصر الميوسين، والحجر الرملي في العصر الطباشيري الأعلى من الحقول البحرية كبلاعيم، ومن الأحجار الرملية في العصر الكربوني في السهول الشاطئية للخليج.

أما بالنسبة للشاطئ الشرقي لمصر على البحر الأحمر فإن الحفر العميق لأكثر من ثلاثة آلاف قدم في مياه البحر يجعل الاستكشاف عالي التكلفة الاقتصادية، وإن كان إنتاج الغاز الطبيعي والمكثفات من جزيرة برقان قرب الشاطئ السعودي جنوب شرق مدخل خليج العقبة يشجع مزيداً من التنقيب. وفي شمال مصر تستمر جهود الاستكشاف للغاز الطبيعي في المياه العميقة للبحر المتوسط في مناطق شمال سيناء، ثم شمال رأس البر فمنطقة الســاحل الشمالي على البحر المتوسط في غرب دلتا النيل.

وقد أعطت جهود التنقيب والاستكشاف في الصحراء الغربية نتائج مشجعة في التكوينات الرسوبية من حقبة الحياة العتيقة Paleozoic إلى عصر الميوسين، ويُنتج البترول حاليا من الأحجار الرملية والجيرية والدولوميت في حقل العلمين. وفي جنوب مصر يجري البحث عن البترول والغاز الطبيعي في بعض مناطق مصر العليا كأسوان وأسيوط وبني سويف، إلى جانب استغلال الغاز في حقل "أبو ماضي" في دلتا النيل الذي يستخرج من الصخور الرملية، وأغلبها يعود إلى عصر الميوسين الأعلى.

رابعاً: الخصائص الجيولوجية والبتروطبيعية للصخور البترولية

تختلف الخامات البترولية في خواصها الجيولوجية والصخرية الطبيعية وتركيبها الكيميائي وفـقاً لمصادر إنتاجها، على الرغم من أنها تكونت في الغالب من رواسب عضوية متماثلة التركيب والخواص بدرجة كبيرة. ويرجع ذلك إلى تكوين البترول في ظروف متباينة من الضغط ودرجات الحرارة وعمق الرسوبيات، كما أن حركة الخامات تكون من خلال مسام الصخور الرسوبية التي تتفاوت في خواصها الكيميائية والمعدنية والطبيعية، وتختلف في أعمارها الجيولوجية.

والمرجح أن البترول والغاز الطبيعي لم يتكونا في الصخور التي يوجدان فيها، بل إليها هاجرا؛ ذلك لأن صخور المكامن تتميز بالنفاذية والمسامية التي لا تساعد على حفظ المواد العضوية التي يتكون منها البترول، إذ تتلف هذه المواد بفعل الأكسدة الناتجة عن نفاذية صخور المكمن، مما يتطلب طمرها بطبقات سميكة من الرسوبيات الناعمة لحفظها من الأكسدة. ومن ثم فإن البترول لابد أن يكون قد هاجر من بيئة صخور المصدر المختزلة إلى صخور المكمن.

ولا شك أن وجود البترول والغاز في الطبقات العليا للمصائد التركيبية أو الطبقية يؤكد الهجرة الرأسية والجانبية للخامات، كما أن الرشح البترولي يؤكد حركة الزيت من أعماق كبيرة إلى سطح الأرض. نلحظ كذلك وجود البترول والغاز والماء في صخور المكمن المسامية والمنفذة في ترتيب طبقي طبقا للثقل النوعي لهذه المواد، فيكون الماء أسفلها والغاز أعلاها، ما يدلل على حرية حركتها رأسيا وأفقيا. ومن ناحية أخرى فإن وجود البترول في بعض الحالات القليلة في صخور نارية أو متحولة يؤكد هجرته إلى مثل هذه الصخور، إذ يستحيل عمليا أن يتكون البترول في تلك الصخور التي تخلو تماما من الكائنات العضوية.

وهناك نوعان أساسيان من هجرة البترول، الهجرة الأولية، والهجرة الثانوية التي تحدث مرة ثانية خلال صخور المكمن. وتجري الهجرة الأولية بحركة الهيدروكربونات من صخور المصدر إلى صخور المكمن بفعل عوامل الضغط وتأثير الخاصية الشعرية والتيارات المائية، وتغير حجم المسام واختلاف أنواع الغازات المصاحبة. وفي منتصف الثمانينيات أوضح عدد من علماء الجيولوجيا منهم سيلي Seilley أن الهجرة الأولية تكون في طور انتقالي في صورة نفط أولى Proto Oil قبل أن تنضج الهيدروكربونات لتعطي البترول الخام.

ويتكون النفط الأولي من مركبات قابلة للذوبان في الماء، وتشمل الكيتونات Ketones والأحماض والإسترات Esters. ولكن هذه النظرية لا تفسر كيفية انفصال هذه المركبات عن الماء بعد وصولها إلى صخور المكمن، كما أنها تتميز بخاصية الامتزاز Adsorption بأسطح معادن الصلصال، ما يؤدي إلى صعوبة تخلصها منها وطردها من صخور المصدر، والأهم من ذلك أنه يصعب تصور طريقة تطور النفط الأولى إلى بترول خام غير قابل للامتزاج في الماء Immiscible.

وطرح سيلي فكرة هجرة الهيدروكربونات من صخور المصدر، بعد تحولها إلى نفط خام، وهي ذائبة في الماء[6] بفعل ارتفاع درجات الحرارة ووجود المواد المسيلة. وهناك من يرى أن نسبة ذوبان الهيدروكربونات في الماء المالح تزيد في حالة ارتفاع الضغط عليها. وتزيد المسيلات[7] من قابلية ذوبان الهيدروكربونات في الماء، إذا وجدت نسبة كبيرة منها في صخور المصدر، لكنها في الواقع توجد بنسبة ضئيلة، عادة، في تلك الصخور، كما أن حجم جزيئات أغلب المسيلات أكبر من قطر مسام صخور المصدر الطينية.

وهناك وجهة نظر أخرى ترى أن الهيدروكربونات قد تصعد في الصورة الغازية نحو سطح الأرض، قادمة من الطبقات العميقة، ثم تتكثف إلى بترول بانخفاض الضغط ودرجات الحرارة، وهو افتراض يفسر، أيضا، الهجرة الثانوية للمكثفات خلال صخور المكمن أو المصيدة، وإن كان لا يقدم في رأينا تفسيرا مقبولاً للهجرة الأولية للبترول الخام.

وتبقى نظرية هجرة البترول من صخور المصدر إلى المكمن في صورة نفط طليق Discrete Oil Phase، سواء بانتقاله في شكل جزئيات كروية Globules، أم في هيئة متصلة ثلاثية الأبعاد، هي السائدة. ولما كانت أقطار جزيئات البترول أكبر من أقطار مسام أغلب صخور المصدر، فالمرجح أن صخور المصدر الغنية بالمواد العضوية تكون مبللة بالبترول Oil - Wet، ما يساعد على هجرته في حالة متصلة ثلاثية الأبعاد، وبغير شك تكون هذه النظرية مناسبة عندما تكون صخور المصدر غنية جداً بالمواد العضوية، وفي ظل ظروف مواتية من الضغط والحرارة في مرحلة التوليد.

وأحدث النظريات هي هجرة الهيدروكربونات الأولية عن طريق الانتشار على طول خيوط شبكة الكيروجين[8] الرفيعة والمتصلة وثلاثية الأبعاد، إذ يمكن للبترول أو الغاز أو محلول أي منهما في الآخر أن يهاجر عن طريق الانتشار عبر هذه الشبكة في اتجاه ميل الضغط. ومن المعروف أن تراكم الصخور الرسوبية فوق طبقات صخور المصدر يزيد من تضاغط وضغط Compression and Pressure الطبقات الحاوية للبترول، ما يساعد على هجرة السوائل البترولية إلى طبقات عالية المسامية والنفاذية من الصخور الرملية أو الجيرية. وبالطبع لا يتحرك البترول عند هجرته من خلال طبقات الصخور بمجملها، ولكنه يتحرك ويهاجر من خلال التشققات والصدوع الطبقية Fissures and Faults، التي تتكون بفعل التحركات المستمرة للقشرة الأرضية على هيئة مسارات شبكية تسمح بتسرب السوائل والغازات من منطقة إلى أخرى. وأثناء حركة البترول تطرأ عليه تغيرات في صفاته الطبيعية وخواصه الكيميائية، نتيجة لعمليات الترشيح والامتزاز واختلاف الضغط والاحتكاك بالعناصر والمعادن الأرضية، تحت ظروف متغيرة من الضغط ودرجات الحرارة لفترات طويلة، تمتد من آلاف إلى ملايين السنين.

ومع وجود أدلة عديدة على تحركات البترول من صخور المصدر إلى المكامن البترولية، سواء رأسيا أو عرضيا، ولعدة كيلومترات أحيانا، إلا أن ذلك لا يتعارض مع ظاهرة تكون وتجمع البترول في طبقة واحدة دون هجرة أولية، وربما يقتصر الأمر على حركة محدودة لمسافات صغيرة في الطبقة ذاتها. وبعد تجمع البترول في المصائد البترولية ذات التراكيب الجيولوجية الخاصة التي تحد من حركته وتبقيه في مناطق محدودة، فإنه يقع تحت تأثيرات عوامل طبيعية وكيميائية عدة، منها تأثير الجاذبية الأرضية والضغط، ما يؤدي إلى انفصال الغازات والسوائل البترولية عن المياه، وتحقيق حالة من الاتزان الطبقي وفق الكثافة النسبية من خلال تكوين طبقة علوية غازية Gas Cap، وطبقة وسطى تحتوي على خام البترول بما فيه من غازات ذائبة، أو مواد صلبة ذائبة أو معلقة في السوائل البترولية، وكذا معلقات الماء في الزيت، ثم طبقة سفلية من ماء التكوين والمياه الجوفية.

وتتميز المكامن البترولية بتراكيبها الجيولوجية المتميزة، ومن أهمها القباب Domes أو الطيات المحدبة Anticlines، والقباب الملحية، والمكامن العدسية Lens Traps، والحافية Peripheral، والصدوع الطبقية Faults وشعاب الحجر الجيري Limestone Reefs. أما الطبقات الصماء "الحابسة" من الصخور الرسوبية أو المتحولة فتوجد أعلى طبقة الصخور الرسوبية الخازنة لزيت البترول وأسفلها، وتسمى الطبقة العليا بالغطاء الصخري Cap Rock، والطبقة السفلية عديمة النفاذية بالقاعدة الصخرية Base Rock، وتعملان على عدم تسرب السوائل البترولية والغازات، وكما تعملان على تجمع الزيت على هيئة حبيبات دقيقة في مسام الصخور الرسوبية وتشققاتها. ويجب أن يأخذ المكمن شكلا تركيبيا ملائما كالطية المحدبة، أو القبة، أو طبقيا مع تغير في درجات مسامية ونفاذية الصخر.

ومن أجود صخور الغطاء أو السقف صخور الطين الطفلي التي تعد السقف الحابس لمعظم صخور المكامن الرملية في أكثر من 60% من حقول البترول العملاقة في حوض الترسيب العربي الكبير، وكذا رواسب البخر المركز أو التام مثل الجبس Gypsum، والأنهيدريت Anhydrite والملح الصخري Halite ، وهي عادة ما تكون غطاءً لصخور المكامن الجيرية في نحو 25% من حقول البترول الكبرى، ثم صخور السمنتة Cementation عندما تتعرض بعض صخور المكمن إلى عملية السمنتة التي تسببها المحاليل الغنية بالمعادن والتي تؤدي إلى الإقلال الشديد من مسامية صخور الخزان البترولي، وهو ما يحدث في كثير من حالات صخور المكمن الفتاتية خشنة الحبيبات، بينما يقل في الصخور الجيرية. وأخيرا قد تكون طبقة الغطاء الصخري من صخور رسوبية تتميز بحبيباتها الدقيقة والمتضاغطة، وبمساميتها ودرجة نفاذيتها الضئيلة، التي تمنع تسرب الزيت أو الغاز الطبيعي، ومن أمثلتها أنواع مختلفة من الطفلة Shales & Clay.

أما الصفات الطبيعية Physical Properties التي تساعد الصخور الرسوبية على الاحتفاظ بالخامات البترولية، فإن أهمها المسامية والنفاذية التي تحقق سعة احتفاظ عالية بالسوائل، تسمح باحتواء أكبر قدر من هذه الخامات، وانسيابها وتجمعها في نطاق الحقل البترولي، وسهولة إنتاجها بكميات اقتصادية. وتتراوح المسام بين فتحات شعرية إلى شعرية الحجم، وفجوات المحاليل في الصخور الخازنة وبصفة خاصة الحجر الجيري، وهي إما مسام سلسلية تتصل سوياً بأكثر من قناة أو ممر قنوي، أو مسدودة الطرف تتميز بممر قنوي واحد إلى بعض المسام، أو مسام مغلقة لا تتصل بمسام أخرى.

وتشكل المسام السلسلية ومسدودة الطرف المسامية الفاعلة[9] للصخور، التي تقل عن المسامية الكلية بنحو 5 - 10%، وهي التي تسمح بتحرك البترول خلال الصخور وتجمعه وإنتاجه من مكامنه. وتعد الصخور الرملية والجيرية ذات مسامية فاعلة عالية. وتتفاوت نسبة مسامية[10] الصخور الرسوبية ودرجة نفاذيتها حسب ظروف تكوينها وتركيبها الكيميائي، وتتراوح نسبة المسامية، عادة، بين 5%، 30% من حجم الصخور، كما يصل قطر المسام إلى نحو ملليمتر واحد. ومن جهة أخرى تتميز الصخور الرسوبية بوجود فراغات فيها أكبر من المسام، وهي فراغات الحفريات Fossil Cavities الناتجة عن تآكل بعض هذه الحفريات بعد تكلسها.

 وفي مكامن البترول يجب أن تكون المسام متصلة أي منفذة، وتعرف نفاذية الصخور بأنها قدرة السوائل البترولية والغازات على الحركة أو التدفق داخل الصخر المسامي (اُنظر شكل العلاقة بين المسامية الفعالة والنفاذية). ويحسب معامل نفاذية الصخر بوحدة "دارسي Darcy" نسبة إلى العالم الفرنسي الذي بحث تدفق السوائل في الأوساط المسامية[11].

وتتحكم في نفاذية الصخر عوامل عدة منها أبعاد الفراغات، والممرات أو القنوات بينها، وقوة الجاذبية الشعرية بين الصخر والسائل المتدفق، ولزوجة ذلك السائل، والضغط الذي يتعرض له. ولا يجب أن تقل نفاذية صخور المكمن عن 0.1 - 1 دارسي، والأفضل أن تزيد النفاذية عن 1 دارسي كما في الحجر الرملي الذي تبلغ نفاذيته 1 - 2 دارسي. وإذا كانت معظم الصخور الرسوبية تتميز بمسامية ونفاذية عاليتين عند ترسيبها، فإن عملية الدمج والإحكام قد تقلل من قيمتيهما ما يظهر أهمية المسامية الثانوية.

وتصنف صخور المكامن إلى فتاتية وجيرية ومتنوعة، والفتاتية هي صخور رسوبية نشأت بطريقة "ميكانيكية"، وتكونت من فتات وحطام صخور أخرى بفعل عوامل التعرية وبخاصة تأثيرات العوامل الجوية، وكذا العوامل الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، ثم نقلت إلى حوض الترسيب، وبالتالي تعتمد خصائصها على طبيعة صخور المنشأ التي تكونت منها، والمسافات التي قطعتها الحبيبات أو الجسيمات حتى تراكمت في حوض الترسيب.

ومن أهم أنواع الصخور الفتاتية الحجر الرملي Sandstone ، والحجر الجيري السرئي Oolite، والحجر الصديفي Coquina، والطباشير Chalkstone، والمرجان. وصخور المكامن الجيرية ذات نشأة محلية، وتتكون داخل أحواض الترسيب ذاتها نتيجة عمليات كيميائية، وكيميائية حيوية، ومن أمثلتها الحجر الجيري والدولوميت. وقد تكتسب بعض أنواع الصخور الصماء النارية والمتحولة بعض صفات صخور المكمن بفعل الحركات البنائية التي تتسبب في تشققها، واكتسابها مسامية ثانوية تسمح بهجرة السوائل البترولية إليها من صخور رسوبية مجاورة، ولكن هذه حالات تبقى محدودة في توزيعها الجغرافي وعائدها الاقتصادي.

خامساً: الخصائص الاستراتيجرافية[12] والتكتونية لحقول البترول العربية

ترتكز هضبة بلاد العرب وإثيوبيا على قاعدة من الصخور النارية والمتحولة التي تنتمي إلى العصر الآركي، وتعلو هذه القاعدة طبقات رسوبية في بعض الجهات، وطبقات طفحية بركانية في بعضها الآخر، وهذه جميعا تكونت في حقب الحياة القديمة والوسيطة والحـديثة. وتتميز هذه الهضبة التي تشكل جزءا من الكتلة الأفريقيـة بظاهرة الصـدوع والطيات التي أصابتها نتيجة لتأثرها بحركات القشرة الأرضية، ومعلوم أن الأخدود الأفريقي بفروعه العديدة، وهو الأثر المباشر الذي نتج عن هذه الانكسارات والطيات، يعد أعظم أخاديد العالم، وأهمها جميعا، ولقد تأثرت به مساحات واسعة من قارتي أفريقيا وآسيا وكان سببا في حدوث ظواهر جغرافية مهمة كالبحر الأحمر، وخليجي العقبة والسويس، والبحيرات الأخدودية في فلسطين، وهضبة البحيرات في جنوب حوض نهر النيل. وبفعل حركات القشرة الأرضية، والانكسارات الكثيرة التي تعرضت لها كتلة القارة الآسيوية، هبطت أجزاء كبيرة منها، فأصبحت كل من منطقة خليج عٌـمان والخليج العربي منـطقة غارقة، وكذا منطقة خليج عدن والبحر الأحمر، وخليج العقبة.

وقد أدت حركات القشرة الأرضية التي كونت الدرع الأفريقي - العربي وما ارتبط بها من صدوع وطيات، وبخاصة من الدهر الوسيط إلى عصر البليوسين Pliocene (اُنظر جدول الزمن الجيولوجي) إلى توفير القوى الأساسية التي كونت خزانات البترول الرئيسية على النقيض مما حدث في باقي حقول البترول في الشرق الأوسط. فقد نشأت حقول البترول في السعودية والعراق وإيران والكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة نتيجة حركات تكوين الجبال Orogenesis. إن الطيات المتعاقبة التي حدثت متقطعة، في الفترة من عصر الميوسين الأعلى إلى عصر البليستوسين Pleistocene، بصخور المقعرات الأرضية المتكونة في الشرق الأوسط خلال العصر الثلثي وهي جزء من المقعر الأرضي الكبير Tethys Basin - الذي يشكل البحر المتوسط حاليا - قد أطاحت بمحتويات هذه المقعرات الأرضية Geosynclines إلى الصدوع الممتدة شبه الأفقية، والطيات ذات الأجناب الطويلة وشديدة الانحدار، وكذا التموجات المعتدلة والعريضة.

نتجت نطاقات طي مختلفة من مقعرات العصر الثلثي الأرضية في إقليم الشرق الأوسط، بفعل دفع الطبقات الرسوبية بواسطة القوى التي أطلقها تكوين السلاسل الجبلية، وبخاصة جبال طوروس في تركيا، وزاجروس وكردستان في إيران والعراق، وجبال عُمان في شبه الجزيرة العربية تجاه الصخور النارية والمتحولة في الدرع العربي المستقر التي تعود إلى حقبة الحياة العتيقة Paleozoic (اُنظر شكل مخطط الملامح الجيولوجية).

وقد اتخذت نطاقات الطي أو الالتواء اتجاهات مختلفة في إقليم الشرق الأوسط، ففي السلاسل الجبلية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط كان الاتجاه السائد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، وبزاوية 55 درجة شرق اتجاه الشمال في سلسلة بالميرا السورية، ومن الشرق إلى الغرب في طيات السفوح الجبلية في شمال سورية. وكان اتجاه الطي الغالب من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي في جبال كردستان، وسفوح الجبال في شرق العراق، وجنوب غرب إيران، وحزام الطي المحدب في شرق المملكة العربية السعودية، وطيات أراضي عُمان، وساد الاتجاه من الشمال إلى الجنوب في طيات البحرين وقطر. وتتوافق اتجاهات هذه الطيات المختلفة مع وضع الدرع العربي في أجزائه المتنوعة التي دفعت على طولها رسوبيات المقعد الأرضي وتميزت بنتوءاتها.

ويتميز إقليم الشرق الأوسط بوجود نطاقين متناقضين بشدة في التركيب الجيولوجي، أولهما نطاق من أحزمة الطي شديدة الانحدار، والمحدبة الممتدة طوليا، حتى 250 ميل، في المناطق الجبلية العراقية، وجنوب غرب إيران، في مواجهة نطاق آخر من الطيات المحدبة العريضة، وشبه المسطحة في الحزام الشرقي للعراق والساحل الغربي للخليج العربي. ويرجع وجود تركيبات جيولوجية عديدة في إقليم الشرق الأوسط إلى الاختراقات العديدة التي حدثت في العصر الثلثي الأعلى، بواسطة عدد كبير من القباب الملحية، التي تعود إلى عصر الكمبري Cambrian. وترتبط هذه القباب الملحية غالبا بقمم طيات محدبة مهمة مثل تلك الموجودة في كركوك بالعراق.

وتسهل دراسة الاستراتيجرافية الإقليمية أو علم الطبقات في الشرق الأوسط نتيجة تشابه الظروف التي تكونت فيها الصخور الرسوبية في أرجائه الواسعة. هذه الرسوبيات قد تكونت في حوض عظيم امتد في كل الرقعة الشاسعة حول الدرع الأفريقي ـ العربي، وتحده جبال طوروس، وزاجروس، وكردستان وعُمان، ويضم سيناء ومعظم أراضي مصر، ويتميز بتاريخه الجيولوجي الطويل. وتسهل ملاحظة ذلك الارتباط بين أجزاء من سلاسل جبال زاجروس عبر صحراء سورية الوسطى والساحل الشرقي للبحر المتوسط، كما ثبت تشابه الأحياء الدقيقة، بل وتماثلها أحيانا في مختلف مناطق الإقليم. والأمثلة عديدة على هذا التشابه. ولنبدأ بحقل مسجد سليمان في إيران الذي ينتج فيه البترول من منطقة مساحتها 18 ميلاً طولاً × 4 ميل عرضاً، ومن الحجر الجيري Asmari Limestone الذي ينتمي إلى عصور الأوليجوسين - الميوسين الأسفل، فهو يماثل حقول بترول خليج السويس في تماثل العمر الجيولوجي للغطاء الصخري للمكامن البترولية، وفي ترسيب الكائنات البحرية الدنيا من نوع Globigerina في قاعدة الحجر الجيري الأسمري في إيران والدولوميتي في خليج السويس، وإن اختلف سمك وامتداد الصخور الخازنة للبترول.

ويعتبر حقل الغوار السعودي، الذي يبعد ثمانين كيلومترا من شاطئ الخليج العربي أكبر حقل بترولي في العالم، تغطي مساحته المنتجة 2300كم2، وتنتمي طبقاته الرسوبية إلى العصر الجوراسي، وتقع على عمق نحو ألفي متر تحت سطح الأرض في المتوسط، وهو عبارة عن طية محدبة يمتد محورها من الشمال إلى الجنوب ويصل سمك الطبقة المنتجة إلى 400 متراً.

وفي حقل أبقيق السعودي ينتج البترول من الطبقات التي تسمى بالمتوالية العربية Arab Series، والتي تفصلها طبقات الأنهيدريت، ويعود الخزان البترولي إلى العصر الجوراسي الأعلى Upper Jurassic، والتركيب الجيولوجي الذي يمتد 30 ميلاً طولاً، وستة أميال عرضاً هو طية محدبة استطالت وانخفض ارتفاعها. وللمقارنة فإن اكتشافات الغاز الطبيعي والبترول قد اكتشفا في الصحراء الغربية المصرية في الطبقات العميقة، التي تعود إلى العصر الطباشيري الأسفل والعلوي والعصر الجوراسي.

وينتج البترول في حقل كركوك العراقي من الحجر الجيري الذي ينتمي إلى عصر الميوسين الأسفل، وهو ما يشابه استخراج البترول في حقل سدر المصري من الصخور الرسوبية لعصري الإيوسين والميوسين. كذلك يتشابه الزمن الجيولوجي والصخر الخازن في منطقتي كركوك العراقية والغردقة المصرية، وإن اختلف التركيب الصخري. ويستخرج البترول من حقل البرقان الكويتي، وهو ثاني أكبر حقل منتج في العالم، من طبقات أربع من الحجر الرملي الذي يعود للعصر الطباشيري الأوسط والأسفل، ويفصلها عن بعضها الطفل الصفحي أو الحجر الجيري. وهذا الحقل يختزن البترول في طبقات رسوبية عند مستويات قليلة العمق، وتقع في حدود 1150 متراً في المتوسط، ويبلغ سمك الطبقة المنتجة للبترول 240م.



[1] يعرف الصخر بأنه مادة طبيعية صلبة، تتكون من معدن أو أكثر، ولها تركيبان كيميائي ومعدني ثابتان تقريباً.

[2] تم ذلك حين نجح العالم ويليام نيكول في إعداد واستخدام القطاعات المجهرية لصخور عديدة

[3] يعنى علم الحفريات Paleontology بصور الحياة القديمة بدءاً بعصور ما قبل التاريخ من خلال دراسة الحفريات النباتية Paleobotany والحفريات الحيوانية Paleozology.

[4] للمقارنة تشير بيانات منظمة أوابك إلى أن حجم احتياطي البترول الخام بالدول العربية أعضاء المنظمة قد ارتفع عام 1999 إلى 636 مليار برميل، بينما زاد احتياطي الغاز الطبيعي إلى 32267 مليار متر مكعب.

[5] إن أغلب الآبار الاستكشافية في منطقة الشرق الأوسط قد حفرت في مناطق حدث فيها الرشح البترولي على سطح الأرض. وقد اكتشفت حقول مسجد سليمان في جنوب غرب إيران، والنفطخانة (نفط الشاه) في منطقة خانقين، وبابا كركر والقيارة في شمال العراق، والعوالي في البحرين، والبرقان في الكويت ـ جميعها قد اكتشفت بعد وجود دلائل سطحية على مصائد البترول وإن لم تكن هناك مثل هذه الدلائل في منطقة الظهران.

[6] يمكن أن تتحقق نسبة ذوبان قليلة جدا للهيدروكربونات في الماء عند درجة حرارة (150)5م، ولكن بعض الهيدروكربونات التي تتناقص أعداد ذرات الكربون فيها ـ مثل البارافينات والسلسلة العطرية ـ ذات نسبة ذوبان عالية في الماء تزيد كثيرا عن أغلب الهيدروكربونات السائلة والصلبة .

[7] المسيلات Micelles هي أحماض عضوية صابونية غروية Colloidal أحد طرفي جزيئاتها غير قابل للذوبان في الماء Hydrophobic والآخر يذوب فيه، مما يجعل لوجودها تأثيرا فاعلاً في زيادة قابلية الهيدرروكربونات للذوبان في الماء.

[8] الكيروجين مادة هيدروكربونية صلبة توجد في أغلب صخور المصدر، ولا تذوب في مذيبات النفط العادية، وتتكون كيميائيا من الكربون والهيدروجين والأكسجين وكميات ضئيلة من النيتروجين والكبريت. والكيروجين له ثلاثة أنواع، أولها طحلبي ينتج عنه تكوين النفط، والثاني دهني يؤدى إلى تكوين خليط من البترول والغاز، والثالث دبالي Humic ينتج عنه تكوين الغاز الطبيعي عند درجات حرارة ما بين 120هم إلى 225هم.

[9] إلى جانب المسامية الأولية التي تكونت مع ترسيب الصخر هناك المسامية الثانوية التي يكتسبها الصخر الرسوبي بعد تكوينه، وتنشأ بواسطة الإذابة أو إعادة التبلر أو الحركات البنائية من طيات وصدوع. وتزيد المسامية الثانوية من سعة اختزان البترول في المكمن، ومن النفاذية كذلك. ويمكن أن تكتسب بعض الصخور الطينية والنارية والمتحولة المسامية الثانوية شأنها في ذلك شأن الصخور الرملية والجيرية.

[10] تقسم صخور المكمن حسب مساميتها إلى عالية السعة والتي تزيد عن 15%، ومتوسطة السعة من 5 - 15%، وقليلة السعة، وهى التي تقل مساميتها الفعالة عن 5%، والأخيرة بدون جدوى اقتصادية ما لم ترتفع مساميتها لاحقا. وتتأثر المسامية بحجم وشكل ومدى تكور الحبيبات، وطريقة الترسيب، وترابط الرسوبيات، وإحكام أو دمج الحبيبات سويا خلال وبعد الترسيب.

[11] يعرف الدارسي بأنه حجم السائل ذو وحدة اللزوجة (1 سنتى بواز) الذي يمر في وحدة المساحة (واحد سنتيمتر مربع) من وسط مسامي في وحدة الزمن (الثانية) عندما تتعرض لضغط يعادل 1 ضغط جوي لمسافة 1 سم. وتبلغ نفاذية المرشحات الرملية 25 - 140 دارسي.

[12] الاستراتيجرافية هو علم دراسة ووصف وتصنيف الصخور الطبقية شاملا أصولها وتركيباتها وخواصها وتوزيعها، وتتابعها وتحديد التغيرات التاريخية في جغرافية وتركيب القشرة الأرضية.