إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات علمية / ثورة المعلومات




مؤتمر بالفيديو
موسوعة بروكهاوس
موقع QQ
موقع تويتر
موقع فلكر
موقع فيسبوك
مخلفات أجهزة الحاسبات
إجابات لا داعي لها
محاكي الطيران
إحدى المكتبات العامة
مسافر يقرأ كتاباً الكترونياً
مكتبة الإسكندرية
الإنترنت في الطائرة
الإنترنت في قطار
المكوك أتلانتيس
انتشار المطبوعات الصحفية
استخدام مواقع التواصل الاجتماعي
استخدام الحاسب في التجارة
استعمال لوحات الطاقة الشمسية
ثورة المعلومات والحرب المعلوماتية
ثاني أكسيد الكربون
تشكيل مواقع "ويب 2"
جندي يتدرب على الهبوط بالمظلة
حاسب محمول مزود بشاشة متحركة
حاسب الشبكة المحمول
خريطة للعالم
خريطة رقمية على هاتف
طائرة بوينج 777
سائق سيارة يتصفح الإنترنت
صاروخ بتقنية "أطلق وانس"
سيارة تحمل ست كاميرات
شخص يتصفح الإنترنت
كاميرا وشاشتا عرض
كتاب إلكتروني
فصل للتعليم المدمج
فصل للتعليم التقليدي
ذاكرة الفلاش
قارئ بصمات الأصابع
قاعة محاضرات افتراضية

نظام قاعدة البيانات
التقاء التقنية الحيوية مع تقنية المعلومات
الربط بين شبكتين موجهتين
تكامل المستشعرات
خريطة رقمية
جزىء DNA
شبكة موجهة
شبكة موجهة تضم مركزاً متخصصاً
شبكة الحرب المركزية
شبكة غير موجهة




خامسا: الجديد فى تقنية المعلومات:

خامسا: الجديد في تقنية المعلومات

التقنية، أو التقانة باللغة الإنجليزية Technology[1]، لها أكثر من تعريف، وأحدها: أنها تطوير الأدوات، وإدخال الآلات والمواد والعمليات، التي تساعد على حل المشاكلات. أي إنها استعمال الأدوات والقدرات المتاحة لزيادة إنتاجية الإنسان، وتحسين أدائه من خلال التطبيقات العلمية للعلم والمعرفة في جميع المجالات. وتقنية المعلومات، حسب تعريف مجموعة تقنية المعلومات الأمريكية  The Information Technology Association of America ITAA هي: دراسة، تصميم، تطوير، تفعيل، دعم أو تسيير أنظمة المعلومات، التي تعتمد على الحاسبات. وتهتم هذه التقنية باستخدام الحاسبات والتطبيقات البرمجية لغرض تحويل، وتخزين، وحماية، ومعالجة، وإرسال، والاسترجاع الآمن للمعلومات.

تقنية المعلومات اختصاص واسع، يهتم بالتقنية ونواحيها المتعلقة بمعالجة وإدارة المعلومات، خاصة في المنظمات الكبيرة. ومن موضوعاتها: علوم الحاسب، وعلوم المعلومات، وأمن المعلومات، والشبكة العنكبوتية الدولية WWW World Wide Web ، وإدارة البيانات، ومعالجة البيانات، والتنقيب في البيانات Data mining، ونقل البيانات، وتخزين البيانات، وقواعد البيانات، وتشبيك البيانات Data networking، وهكذا، يشهد مجتمع المعلوماتية انفجاراً يكاد يصل إلى حد التخمة في مصطلحات ومسميات واستخدامات التقنية الحديثة. ومن الواضح أن السمة المميزة للألفية الثالثة تكمن في هذا الانفجار المعرفي والمعلوماتي، والذي ساعد في نموه توافر بيئة خصبة أوجدتها ثورة تكنولوجية يشهدها العالم كل يوم.

للآثار المترتبة على التقدم المستقبلي في صناعة الكمبيوتر والمعلوماتية مجالات عدة، منها ما يتصل بالبنية الاجتماعية، ومنها ما يرتبط بالهيكل الاقتصادي للمجتمعات، ويكشف أخطرها عن تأثيرات سياسية على الدول والأفراد.

1. الويب 2 WEB 2

تحولت شبكة الانترنت[2] من شبكة محدودة المواقع، موجهة لأغراض معينة، الى بحر لملايين المواقع الالكترونية والمدونات الشخصية، تزخر بوسائط الإعلام المتعدد بالنصوص، والصور الحية، والصوت. وقد أسس تيم بيرنرز لي Tim Berners-Lee، الملقب "أب الشبكة"، أول موقع الكتروني عليها في أغسطس عام 1991. ويعود الفضل الى هذا العالم، الذي أوضح أن الشبكة العنكبوتية الدولية تتكون من النصوص الفائقة مضافة الى الإنترنت، حيث الإنترنت هي البنية التحتية للشبكة، والشبكة العنكبوتية الدولية هي الهيكل الذي يرتكز عليها، وتنفذ فيه الأعمال، عبر النصوص الفائقة المترابطة.

ومع انطلاق الشبكة، تفجرت الثورة المعلوماتية المعاصرة عبر العالم، وتحولت الإنترنت إلى مكتبة تسمح محركات البحث Search Engines فيها بالتنقيب عن كل معلومة، صغيرة وكبيرة. كما تحولت، في الوقت نفسه، الى شارع كبير، تمارس به شتى المهن، الجيدة منها والرديئة. إلا أن المهم هو تحولها إلى وسط إعلامي يزخر بصنوف الإعلام، يشارك فيه المتصفحون بأفكارهم التي ظهرت في المدونات الشخصية. وأصبح الشغل الشاغل لمطوري ومصممي صفحات الشبكة هو كيف جذبون مستخدميها بجعل الصفحات التي يتعاملون معها أكثر تشويقا وفاعلية. وأيقن مطورو الشبكة أن لغة تصميم صفحاتها، والمعروفة بلغة النصوص المتشعبة Hyper Text Markup Language HTML ، لم تستطع إثراء المواقع التي يتم تصميمها، فلجأ مطورو هذه اللغة إلى برامج إضافية لإحداث الفاعلية للمواقع، ما زاد من البطء في تحميل الصفحة.

لذا، بدأ التفكير في البحث عن لغة جديدة، تعمل على تصميم صفحات تفاعلية، بلغة واحدة، دون الحاجة إلى برامج إضافية تحمل المبرمجين أعباء كتابة شفرات برمجية إضافية. وهذا هو ما دعا المبرمجين الى التحول من "ويب 1"  WEB 1 إلى "ويب 2"WEB 2  ، التي تقوم على مبدأ المشاركة والتفاعل مع المستخدم (أنظر صورة تشكيل مواقع "ويب 2"). ومنذ بداية ظهور "ويب 2" وهى ترفع شعار إذا كان "ويب 1" تأخذ الناس إلى المعلومات فإن" ويب 2" سوف تأخذ المعلومات إلى الناس، وتعمل على تحرير البيانات، والتخلي عن مبدأ السيطرة على البيانات، والذي تميز به الجيل الأول للويب.

أثرت "ويب 2" على مجالات عديدة، منها وسائل الإعلام، والتجارة، وبدأت تفرض وجودها كأحد المستحدثات التكنولوجية (أنظر جدول أوجه الاختلاف بين "ويب 1" و"ويب 2"). ويظهر هذا الجدول خاصية التشارك بين المستخدمين، بحيث ينتقل العمل من موقع على الإنترنت إلى ورشة عمل، تتداخل فيها الأحداث والمشاركون لبناء شبكة اجتماعية عبر العالم الفسيح. وهو الاتجاه الذي بدأ يسود بيئة المعلوماتية، ليصبح المجتمع مشاركاً في بناء المعرفة الإنسانية, من خلال تحول مستخدم الانترنت من مستخدم فقط يقضي معظم الوقت في البحث في هذه الشبكة، يقرأ ما يريد، ويُحمّل Download منها ما قد يعثر عليه، إلى مشارك في بناء هذه القاعدة المعرفية، عن طريق المشاركة مع الآخرين بالأفكار، والصور، وشرائط الفيديو، والاتصال بالنصوص والصوت والفيديو، أو إضافة معلومات خاصة إلى الخرائط التي تغطي العالم كله.

وما يميز هذه المواقع، أيضاً، هو أنها متاحة للجميع، وأن المستخدمين هم من يقومون على خدماتها. لذا، فإن التطبيقات التي تعمل عليها مواقع "ويب 2 " هي تطبيقات لا تخضع لدورة حياة البرمجيات، بمعنى أن عمليات التطوير والصيانة والتحليل والتصميم دائما مستمرة، طالما أن هذا الموقع يقدم خدماته، ما يجعل المستخدم للموقع هو مطور مساعد لفريق التطوير في هذا الموقع عن طريق معرفة أرائه وتصرفاته مع النظام، وطريقة تعاطي المستخدم مع الخصائص التي يقدمها النظام.

يطغى استعمال "ويب 2" على الحياة اليومية بشكل متزايد، إذ يقضي ملايين المستخدمين جزءاً  غير قليل من وقتهم في كتابة مدوناتهم الإليكترونية، أو في نشر مقالاتهم على موقعها. كما ينشرون مراجعة نقدية لكتب جديدة، أو يقيّمون بعض السلع التي تعرض على مواقع البيع، أو ينشرون صوراً اٌلتقطت خلال العطلة، أو يقومون بتعريف أنفسهم على مواقع التعارف.

تعد تقنية الارتباط بطريقة سهلة وبسيطة RSS Really Simple Syndication، من أهم التقنيات المساهمة في هندسة وبناء "ويب 2 "، وأهم مميزاتها إمكانية نشر الخدمة خارج نطاق الموقع، من خلال تمكين المتصفحين من الارتباط بصفحات ومواقع الانترنت التي تدعم هذه الخدمة، وتكون، عادة، في المواقع التي تتغير باستمرار، مثل مواقع الأخبار، والمدونات، بحيث يتم إعلام المستخدم المشترك بأي تغيير أو تحديث طرأ على تلك الصفحة أو الموقع مباشرةً، ما يسمح بمتابعة عدد كبير من المواقع والمدونات، دون الحاجة لزيارة المواقع كلها. وتتيح هذه التقنية للمستخدمين متابعة عدد كبير من المواقع الإخبارية والمدونات دون الحاجة لزيارة المواقع كلها، حيث تساعد على اختيار الأخبار، وتعمل على جلبها ووضعها في صفحة واحدة.

2. الويب الدلالي

من الرؤى والأهداف التي يسعى العلماء إلى تحقيقيها مفهوم الويب الدلالي[3]Semantic Web ، وهو مفهوم يطمح العلماء من خلاله إلى تحويل شبكة الانترنت من حاوية أو مستودع كبير للمعلومات المبعثرة والمتناثرة فحسب، إلى قاعدة بيانات عالمية ضخمة، تكون المعلومات فيها مترابطة جيداً، ومعرَّفة بشكل تفهمه الآلة، ويمكن لها معه إدراك العلاقات الترابطية بين المعلومات، وتحليل وفهرسة أصناف المعرفة، لتجعل البحث عن المعلومة عملية تقوم الآلة بجزء كبير منها، وليس على الإنسان إلا استقبال النتائج شبه جاهزة، والاستفادة منها.

يجد الباحثون عن المعلومات في الوب، عادة، عدداً كبيرا ًمن الأجوبة غير الملائمة إطلاقا، والتي تحتاج إلى الانتقاء من قبل المستخدم. فإذا كان المستخدم يبحث، على سبيل المثال، مستخدما الكلمة المفتاحية "باب" ، فإن الحاسب ليس لديه أية طريقة لمعرفة ما إذا كان المستخدم يبحث عن باب غرفة، أو عن باب فى كتاب، أو ببساطة عن مكان، أو عن شخص، أو منشأة تجارية، أو أية كينونة أخرى تضم كلمة "باب" في اسمها. المشكلة هي أن الكلمة  "باب"  ليس لها أي معنى أو محتوى دلالي بالنسبة إلى الحاسب.

تتكون الشبكة الدلالية Semantic Network من مجموعة من العقد Nodes تربطها أقواس Arcs. تمثل العقد، بوجه عام، مفاهيم، بينما تعطى الأقواس العلاقات بين هذه المفاهيم. وسيرتب الوب الدلالي محتوى صفحات الوب الممتلئ بالمعاني، وسينشئ بذلك بيئة يستطيع ضمنها عملاء البرمجيات[4] ، أثناء تجوالهم من صفحة إلى أخرى، القيام بمهام معقدة لصالح المستخدمين. فالعميل الذي يصل إلى الصفحة الخاصة بالعيادة الطبية، مثلا، سيعرف ليس فقط أن الصفحة تحوي الكلمات المفتاحية، مثل "معالجة، طب طبيعي، علاج"، ولكن سيعرف، أيضاً، اسم الدكتور الذى يعمل في هذه العيادة أيام الاثنين والأربعاء والجمعة.

إن الوب الدلالي هو امتداد للوب الحالي، بحيث تُعطى المعلومات معناً معرفا بدقة، ما يسمح للحاسبات وللمستخدمين بالعمل المتشارك على نحو أفضل، وستقود هذه التطويرات إلى إضافة قدرات جديدة، فيما تصبح الآلات ذات مقدرة أكبر على معالجة وفهم البيانات بدلا من أن تكتفي بعرضها فقط. وقد تطور الوب بسرعة كبيرة كبيئة لوثائق يستخدمها البشر أكثر منها كبيئة لبيانات ومعلومات يمكن معالجتها آليا. إن الوب الدلالي يهدف إلى معالجة هذا الأمر. ولكي يؤدي وظيفته، فينبغي للحاسبات أن تتمكن من الوصول إلى مجموعات مهيكلة من المعلومات، إضافة إلى مجموعة من قواعد الاستنباط التي تسمح بالاستنتاج المنطقي الآلي.

إن إضافة المنطق إلى الوب، بمعنى إضافة الوسائل التي يمكن بواسطتها استخدام القواعد في الاستنباط، واختيار مسارات العمل، والإجابة عن الأسئلة، هي المهمة الملقاة على عاتق الباحثين في مجال الوب الدلالي. وعن طريق دعم صفحات الوب بالبيانات الموجهة للحاسبات، وإضافة وثائق مخصصة للحاسبات فقط، سيتحول الوب إلى الوب الدلالي. وستجد الحاسبات معاني البيانات الدلالية بإتباع الوصلات الفائقة hyperlinks إلى تعاريف التعبيرات المفتاحية، وإلى قواعد استخدامها في الاستنتاج المنطقي.

سيمكِّن الوب الدلالي الآلات من فهم الوثائق والبيانات الدلالية، وليس من فهم كلام البشر وكتاباتهم. إضافة إلى ذلك، فإنه يسهل من تطوير برامج تستطيع الإجابة عن أسئلة معقدة، قد لا تكون إجاباتها موجودة ضمن صفحة واحدة. إن القوة الحقيقية للوب الدلالي ستتضح عندما يبني المستخدمون عدداً كبيراً من البرامج التي تجمع محتويات الوب من مصادر متنوعة، ومن ثم تعالِج هذه المعلومات، وتتبادل النتائج مع برامج أخرى. وستزداد فاعلية عملاء البرمجيات مع زيادة عدد صفحات الوب وعدد الخدمات المقدمة آلياً "المؤتمتة"، التي يمكن للآلة قراءتها. ويعزز الوب الدلالي من هذا التعاون، فحتى العملاء الذين لم يصمموا في البداية لكي يعمل بعضهم مع بعض، يستطيعون تبادل البيانات فيما بينهم، إذا ما كانت هذه البيانات مدعمة بالدلالات.

وإذا تحقق هذا المفهوم على أرض الواقع بالشكل الذي يخطط له العلماء، فسوف يحدث تغييراً مهماً في نظرة المستخدم وتعامله مع شبكة الانترنت، وسيكون له الأثر الإيجابي الكبير على محركات البحث، بصفتها البوابة الرئيسية للحصول على المعلومة، حيث يصبح من السهل على محرك البحث أن يعي الجملة أو مفردة البحث التي يبحث عنها، ولا يتعامل معها كمجموعة كلمات أو أحرف غامضة له، بل معانٍ يشرحها المستخدم له، وفق دلالات ومعطيات محددة ومفهومة من قِبله، كأن يحدد المستخدم أنه يبحث عن اسم شخص، مكان، مصطلح علمي، عنوان كتاب...إلخ.

وربما يحدد المستخدم بشكل أدق، أيضاً، العديد من المعطيات الأخرى، التي تساعد على دقة النتائج، وعدم التباسها على محرك البحث، كأن يوضح أن ما يبحث عنه هو الاسم الأول لعالم عاش في القرن الثاني عشر، أو عنوان كتاب ألفه شخص معين، وهكذا، حسب المعلومة المرادة، وحسب المعطيات التي يحددها المستخدم. وقد تؤول الأمور إلى أبعد من ذلك، وتزول، ببساطة، محركات البحث بشكلها الحالي، ليحل محلها جيل جديد من محركات البحث التخصصية، والتي يهتم كل منها بموضوع معين، أو فن، أو علم من العلوم، وتكون بالأحرى واجهات برمجية ذكية ومتكاملة، يكون البحث من خلالها وفق أساليب منظمة، تضمن سهولة العثور على المعلومة المطلوبة، في يسر ودون عناء.

هذا التطور الجديد من شأنه، أيضاً، أن يوكل مهمة التحليل والاستنباط، التي يقوم بها المستخدم للوصول إلى ما يبحث عنه إلى جهاز الحاسب، الذي يُجري بكل كفاءة وسرعة العمليات الحسابية والمنطقية المعقدة على البيانات والمعلومات المختلفة ليقلل كثيراً من المشقة في استخلاص النتائج المطلوبة والتدقيق فيها.

ويمكن أن نتخيل، عندئذ، أمام هذا الكم الهائل من المعلومات المتوافرة على الشبكة، كم يمكن لبرنامج أو محرك بحث معين أن ينتج من إحصائيات معقدة، واستنتاجات وتحليلات دقيقة ومذهلة، وحسب الطلب، تستمد تنوعها وقوتها من تنوع المعلومات الموجودة على الويب، وتخفف الكثير من العبء عن الباحث، الذي يصعب عليه، وربما يستحيل، أن يقوم بهذه الأعمال ذاتياً. ولجعل هذه الصور أو الطموحات ممكنة التحقق على النحو الأفضل، يطور العلماء العديد من الأدوات والحلول التي تمهد الطريق للمواقع الإلكترونية، لتحويلها إلى مواقع تتماشى مع مفهوم الويب الدلالي، وتحقق معاييره في صيانة المعلومات وتنظيمها الأمثل.

وبذلك يمكن لمطور الموقع أن يجعل من موقعه مصدراً وهدفاً ليس للقراءة والتصفح التقليدي فحسب، بل كتلاً وعناصر من المعلومات التي تتكامل وتتحد مع مثيلاتها في المواقع الأخرى، لكي تستفيد منها البرمجيات المختلفة في معالجتها، ومن ثم تقدمها للمستخدم النهائي بالشكل الذي يطلبه.

3. الوسائط فائقة التداخل

يعكس مصطلح وسائط فائقة التداخل Hypermedia البنية التحتية للعمل الذي لا يعتمد على الاسترجاع التتابعي، ولكنه يعتمد على إنشاء مجموعة من عقد Nodes المعلومات، أو ما يعرف بالروابط، حيث تربط تلك العقد بوصلات أو روابط فعالة. فالوسائط فائقة التداخل هي أسلوب بناء عناصر معلوماتية مترابطة، تساعد على إثراء معلومات المستخدم، وعن طريقها تحول المعطيات إلى معلومات، والمعلومات إلى معرفة، في حين أن الوسائط المتعددة Multimedia تعنى تعدد الشكل المادي للعمل الذي يظهر أمام المستخدم.

يُستخدم مصطلح "الوسائط فائقة" التداخل ليعبر عن تقديم الأفكار والمعلومات، عن طريق الترابط بين أي من النصوص المكتوبة والرسومات والصور، ويختار من بينها العناصر التي يتفاعل معها. وهي تختلف عن النصوص فائقة التداخل Hypertext ، التي تتمثل في تصميم بيئة تعليمية لاستخدامها في تصفح النصوص المكتوبة، والتنقل بين معلوماتها وعناصرها. وبذلك يعد النص فائق التداخل جزءاً من الوسائط فائقة التداخل.

ولمّا كانت الوسائط فائقة التداخل تعد كموسوعة لإنتاج الأشكال الجديدة من البرامج التعليمية، فهي تزود المتعلم بإمكانات ميسرة لتنظيم وإدارة المعلومات والبيانات، التي تحملها الوسائط المتعددة لكي تقابل متطلباته واحتياجاته الخاصة؛ ومن ثم، فإن مفهوم الوسائط فائقة التداخل يعمل على دمج عناصر الوسائط المتعددة في برامج تعليمية فعّالة. ويمكن القول إن الوسائط فائقة التداخل تقدم مجموعة من الوسائط التعليمية المتعددة، التي تستثمر تبادليا بطريقة منظمة في الموقف التعليمي، والتي تتضمن الرسوم البيانية، والصور، والتسجيلات الصوتية والموسيقية، ومشاهد الفيديو، ساكنة ومتحركة، وخرائط، وجداول، ورموزاً، ورسوماً متحركة. وهنا تتكامل هذه الوسائط كلها، أو معظمها، مع بعضها عن طريق جهاز الحاسب بنظام يكفل للمتعلم الفرد تحقيق الأهداف المرجوة بكفاءة وفعالية، من خلال تفاعل نشط يسمح له بالتحكم في السرعة والمسار والمعلومات وتتابعها تبعاً لقدراته الذاتية. وبذلك يمكن تعريف أنظمة الوسائط فائقة التداخل على أنها برنامج لتنظيم وتخزين المعلومات بطريقة غير متتابعة، كما تعد أسلوباً لتقديم تعلم فردي في أطر متنوعة، يساعد على زيادة الدافعية لدى المتعلم من خلال زيادة قدرته على التحكم في عملية التعلم.

وتتضمن الوسائط فائقة التداخل ما يلي:

أ. النص المكتوب: هو أبسط أشكال عناصر الوسائط؛ وتجري معالجته بمؤثرات متنوعة، من حيث نوع الخط، والحجم، واللون، والحركة، وغيرها. وعندما يكون هذا النص له علاقة أو صلة بنص آخر، أو رسم، أو صورة، أو صوت، يربط النص بتلك العناصر باستخدام وصلات الترابط.

ب. الرسومات بأنواعها: ومن بينها الرسومات البيانية، والتوضيحية، والتخطيطية، وغيرها، سواء كانت ثابتة، أو متحركة.

ج. الصور: وتشمل الصور الثابتة والمتحركة، والثنائية والثلاثية الأبعاد. وتوضح الصور الرقمية المكونات بدقة وجودة عاليتين[5].

د. المؤثرات الصوتية: وتشمل الأصوات الطبيعية والاصطناعية والموسيقى. وثمة تشابه بين الصور الرقمية والمؤثرات الصوتية الرقمية؛ إذ إن الصوت الرقمي يُخزّن كملف.

هـ. جهاز الحاسب: بمواصفاته الحديثة وسرعته العالية، حيث يحتوي تجهيزات الوسائط المتعددة: من صوت، وصور، وفيديو، وإنترنت، وماسح ضوئي، وطابعة، والتجهيزات الصوتية الرقمية لإدخال الصوت وعرضه.

4. قرص ذاكرة Flash Memory 

تتميز ذاكرة الفلاش Flash Memory  بصغر حجمها (أنظر صورة ذاكرة الفلاش)، ورخص سعرها، علاوة على سرعتها في القراءة والكتابة ونقل البيانات، وقابليتها للكتابة عليها والمسح منها مرات عديدة، وتحمل بعض أنواعها للصدمات. كما تستخدم كذاكرة إضافية للحاسب، ووسيط لنقل البيانات والمعلومات وتخزينها، وتبادل الملفات والبرامج، بين بعض الأجهزة الإلكترونية. ويمكن لذاكرة ذات سعة 16 جيجابايت تخزين حوالي 150 ألف صورة، أو 4000 ملف صوتي، أو 1.3 مليون مستند. وتعد ذاكرة الفلاش وحدة تخزين ثابتة؛ لأن مكوناتها كلها إلكترونية، أي أنه لا يوجد بها حركة ميكانيكية أو أجزاء تتحرك, وتعتمد في اتصالها بجهاز الحاسب على منفذ يسمى "ناقل متسلسل عام"[6] Universal Serial Bus USB ، موفرة سرعة نقل بيانات عالية, وهي تعمل بميزة التشغيل المباشر، أي إيصال وتشغيل فقط.

ومع كل هذه المزايا، فإن ذاكرة الفلاش تعد ناقلاً نشطاً للفيروسات والبرامج الخبيثة بين أجهزة الحاسب، وهو ما يتطلب الفحص المستمر لها. كما أنها أصبحت إحدى أهم الوسائل التجسسية التي يستخدمها موظفو الشركات، لنقل المعلومات وبيعها لشركات منافسة.

5. برنامج ويكي

ويكي[7] Wiki هو برنامج يوضع على مواقع تسمح للمستخدمين ـ أعضاء كانوا أو غير أعضاء في الموقع ـ بالمشاركة في إضافة أو حذف أو تعديل محتوى الموقع بسهولة. وتتميز هذه المواقع بسهولة إنشاء صفحات جديدة بطريقة بسيطة، مع القدرة على استرجاع أي صفحة إلى إحدى حالاتها السابقة، إضافة إلى تسجيل أي تغيير يطرأ على محتوى الموقع في قاعدة بيانات. إلا أن هناك بعض المآخذ على مواقع ويكي، من حيث عدم المصداقية والدقة في المعلومات. فلا يُشترط أن كل ما في موقع الويكي من معلومات هو صحيح ودقيق، وذلك بسبب مشاركة جميع مستخدميه في كتابة موضوعاته. لكن هناك بعض مواقع ويكي، وأشهرها موسوعة ويكيبيديا  Wikipedia العالمية[8] تفرض نوعاً من الحماية على الموضوعات الرئيسية، تتمثل في عدم السماح لأي شخص بالتعديل إلا لعضو مرخص. وعلى الرغم من ذلك، لا تكفي هذه الحماية لتحري الدقة في جميع الموضوعات.

    والويكيبيديا العالمية موسوعة متعددة اللغات، يسهم فيها الآلاف من المتطوعين حول العالم. وتكمن قوتها في نظام إدارة محتواها، وهو نظام الويكي، الذى يسمح بتعديلات وإضافة صفحات بحرية كاملة. أي أن أى زائر يستطيع التعديل على أي صفحة، باستثناء عدد قليل من الصفحات المحمية. وقد انطلق مشروعها في 15 يناير 2001، والنسخة العربية منها في يوليه 2003.

تتلخص فكرة مواقع ويكي في أن كل زائر للموقع، يمكنه المشاركة في كتابة المحتويات في الموقع. فكل صفحة تحوي أسفلها رابط بعنوان Edit (تحرير)، ومن خلال الضغط عليه يمكن للزائر أن يعدل في محتويات الموقع. وتستخدم مواقع ويكي أوامر بسيطة لتنسيق النص لتبسيط عملية إضافة المحتويات على المستخدمين، وتشجع على إنشاء روابط بين صفحات الموقع، ويمكن لأي مستخدم إنشاء رابط بسهولة لأي صفحة في الموقع، أو حتى لصفحة غير موجودة، أو لمواقع خارجية، ومعظم مواقع ويكي لا تطلب من المستخدم تسجيل بياناته ليكون عضوا في الموقع، ويمكن التعامل مع التعديلات بسهولة.

وقد تضع مواقع ويكي بعض سياسات محددة لتحرير المحتويات، فعدد منها تسمح لكل زائر بتعديل بعض الصفحات، وبعضها الآخر مفتوح للجميع، والأمر يعتمد على نوع الموقع ومحتوياته، ويمكن وضع حماية على بعض أو كل الصفحات.

6. محركات البحث الجديدة

محرك البحث Engine Search أداة توجد على موقع على الإنترنت لتساعد المتصفحين على البحث عن المعلومات، أو النصوص المخزنة في الصفحات والمواقع الموجودة في شبكة الانترنت، حيث يستخدم المحرك برمجيات متخصصة، تسمى روبوتات البحث Search Robots، لتقصي الشبكة، وتخزين كل ما يصادفها من نصوص، وعناوين الملفات، والروابط، والصور، ومقاطع الفيديو، في فهارس يسهل البحث فيها وفقاً لمعايير معينة. ويصل حجم هذه الفهارس إلى عدة مليارات من الصفحات والمواقع. وعند البحث عن مصطلح معين أو عبارة في أي محرك بحث، سيقوم المحرك بالبحث في فهارسه عن أي صفحة أو موقع أو ملف يحتوي على عبارة البحث، ويعرض هذه النتائج في شكل أنيق، وربما تكون هذه النتائج إما صفحات على الإنترنت، أو ملفات نصية، أو غير ذلك. وتعمل محركات البحث بصورة تلقائية باستخدام أدوات آلية تماماً. 

تمكنت محركات البحث في شبكة الإنترنت من إحداث تغيير جذري في الأسلوب الذي يجمع الناس به معلوماتهم؛ فلم تعد ثمة حاجة إلى السعي إلى المكتبات بحثا عن معلومة ما، بل بات ميسوراً استحضار جميع الوثائق ذات الصلة ببضع نقرات على لوحة المفاتيح. وفيما صار النفاذ إلى محرك البحث المسمى جوجل[9] Google مرادفاً لإجراء البحث على الشبكة، تتحفز محركات البحث المباشر لكي تشهد سلسلة من التحسينات التي تعد بتطوير طريقة البحث أكثر فأكثر.

وسينعم مستخدمو الإنترنت بفوائد محركات البحث الجديدة، للحصول على إجابات مباشرة عن استفساراتهم بعد أن كانوا يتلقون كما هائلا من الإجابات التي لا حاجة لهم بها (أنظر صورة إجابات لا داعي لها). وقد بدأت محركات البحث الجديدة بتحسين نوع النتائج عن طريق التعمق في صميم مخزون مواد البحث المتاحة على الخط On Line، وتصنيف تلك النتائج، وتقديمها بطريقة أفضل، وتتبع اهتمامات الباحث على المدى البعيد بصورة تمكن محركات البحث من تحسين التعامل مع أي طلبات جديدة للمعلومات. ويُنتظر لمحركات البحث في المستقبل أن توسع آفاق محتواها، بحيث تتجاوز معالجة الاستفسارات بكلمات مفتاحية Key Words فقط. وتستطيع محركات البحث الجديدة أن تتيح، مثلا، التعيين الدقيق لموقع أقرب مطعمٍ لشخص على سفر، بل يتوقع أن تتمكن حتى من تسمية لحن موسيقي قد نسى المستخدم معظمه، ما إن يبدأ بدندنة بضع نغمات منه.

وترتبط محركات البحث بمجال علمي يسمى "استرجاع المعلومات" Retrieval  Information. ومع استمرار تزايد أعداد مواقع الانترنت بسرعة كبيرة، بات مستخدموها بحاجة إلى محركات بحث أكثر دقة لاستحضار ما ينشدونه من معلومات، بآلية أكبر سرعة وأعلى كفاءة. وستحسن محركات البحث القادمة نتائج البحث من خلال تمحيص أعمق للمواد مباشرة، وفرزها، وتصنيفها، وإظهار المعلومات ذات الصلة على نحو أفضل، وكذلك بمتابعة اهتمامات المستخدم بقصد تحقيق استجابة أكثر دقة وعمقا لعمليات البحث المستقبلية، وسوف تستخدم برمجيات جديدة تكون قادرة على معالجة البيانات والموسيقى، إضافة إلى النصوص.

ستتمكن محركات البحث الجديدة من الكشف عن المعلومات الرقمية المنشورة برمتها، تقريبا، من نصوص، ومصادر صوتية وڤيديوية (مسموعة ومرئية). وبذلك، فان السيل العارم من المعلومات العامة التي توفرها شبكة الإنترنت، سيختزل كثيراً، مع ظهور محركات بحث قادرة على أخذ مساقات المستخدم ـ مثل اهتماماته الطويلة الأمد، وموقع وجوده، وغير ذلك من العوامل ـ في الاعتبار لدى إجراء عملية البحث.

الهدف الأصلي لاستخدام الإنترنت هو الوصول إلى المعارف والمعلومات بسهولة، في أي وقت، ومن أي مكان، والحالة المثالية التي يتحقق فيها هذا الهدف هي وجود أداة للبحث عن المعلومات تفهم اللغة الطبيعية للباحث عن المعلومات، وتستخدمها في الوصول للمعلومات، واستخلاصها، وعرضها بالصورة المطلوبة. ولأن تقنية المعالجة الآلية للغات الطبيعية تعثرت طويلا قبل أن تصل إلى مرحلة تمكنها من تحويل النصوص إلى معرفة، كان من الطبيعي أن تزدهر محركات البحث التي تقدم للباحث روابط وقنوات تدله وتقوده إلى أماكن يفترض أن توجد فيها المعلومة المطلوبة، لا أن توفر له المعلومة نفسها، وهنا يكمن الفارق بين محركات البحث ومحركات المعرفة.

محركات المعرفة هي أدوات بحث يطرح فيها المستخدم الأسئلة العادية، بالأسلوب نفسه والتركيب الذي يستخدمه عندما يلقي سؤالا على صديق أو طالب؛ فمثلا، من الممكن أن يكتب المستخدم: ما المسافة بين القاهرة والأقصر؟  فيتلقى إجابة عن السؤال تتضمن المعلومات المطلوب الإجابة عنها، ولذلك يطلق عليها أحيانا محركات الإجابات عن الأسئلة. ويتطلب محرك المعرفة تقنية أكثر تطورا في استرجاع المعلومات واستخدام اللغة الطبيعية، حيث يستخدم إما قاعدة بيانات مجهزة مسبقا، أو مجموعة من الوثائق والمستندات المكتوبة باللغة العادية أو الطبيعية، مثل المقالات، والتحليلات، وسائر النصوص فى مختلف مواقع شبكة الانترنت.

وتشتمل محركات الإجابة عن الأسئلة على عدة وحدات، منها: وحدة لتصنيف الأسئلة، وتحدد نوع السؤال، ونوع الإجابة. وبعد تحليل السؤال، يستخدم المحرك عدة وحدات تطبق تقنيات معقدة لمعالجة النصوص، بحيث يقل النص المستهدف تدريجياً، ثم تستخدم وحدة لاسترجاع المستندات محركات البحث لتحديد المستندات، أو الفقرات في النص التي تحتوي على الإجابة. ويعمل الفلتر على تحديد أجزاء النصوص الصغيرة التي تحتوي على مقاطع مشابهة للإجابة المتوقعة، فإذا كان السؤال "من الذي اخترع البنسلين؟ "، فإن الفلتر يحدد النصوص التي تحتوي على أسماء الأشخاص، ثم تبحث وحدة استخراج الإجابة عن مفاتيح أخرى في النص لتحديد ما إذ كانت الإجابة المرشحة تجيب فعلا عن السؤال أم لا.

إن المستندات والنصوص هي المادة الخام التي تعتمد عليها هذه المحركات، ومن دونها تغدو عديمة الفائدة. وكلما زاد حجم هذه النصوص، زاد كم المعلومات والحقائق التي تحتويها. ويؤدي تكرار البيانات والمعلومات وصياغتها بأكثر من طريقة إلى ميزتين: الأولى، تقليل الأعباء على نظام محرك الأسئلة، فلا يحتاج إلى تنفيذ مهام المعالجة المعقدة للنصوص من أجل فهم النصوص، بسبب وجود المعلومات المناسبة فى عدة أشكال؛ والميزة الثانية، هى إمكانية "فلترة" الإجابات الصحيحة من الخاطئة، من خلال الاعتماد على ظهور الإجابة الصحيحة عدد مرات أكثر من عدد الإجابات الخاطئة.

وتتعامل محركات الإجابات على الأسئلة مع باقة واسعة من أنواع الأسئلة عن الحقائق والقوائم والتعريفات والكيفية والأسباب والافتراضات، وتعتمد هذه المحركات على مجموعة، أو باقة، معينة من المستندات والوثائق. وتنقسم هذه المحركات إلى نوعين: النوع الأول، محركات تجيب عن الأسئلة فى موضوع أو نطاق محدد (الطب، صيانة السيارات، الرياضيات، العلوم، غير ذلك)، ومحركات تجيب عن الأسئلة في أي موضوع أو أي نطاق. وتعتمد  هذه المحركات على آليات تحليل المعرفة، واستنباط المعلومات من النصوص، ومن الطبيعي أن تكون قاعدة المعلومات والوثائق التي تتعامل معها هذه المحركات أكبر حجما.

من الناحية التاريخية، ظهرت أولى محركات الإجابة عن الأسئلة في ستينيات القرن العشرين. وشهدت تطوراً كبيراً منذ ذلك الحين، تزامن مع تطور تقنيات المعالجة الآلية للغات الإنسانية، وتطور البرمجيات التي تستخلص الإجابات من المستندات النصية المستخدمة كمصدر للمعرفة، وتطور الأجهزة والمعالجات، التي يمكنها تنفيذ ملايين الأوامر والتعليمات والمهام في الوقت نفسه، ومن ثم، سهلت البحث في آلاف المستندات في أجزاء من الثانية، وعرض النتائج بسرعة وكفاءة.

تأثر تطور هذا النوع من المحركات، أيضاً، بالتطور الذي شهدته نظم الذكاء الاصطناعى[10] Artificial Intelligence، التى كانت تمتاز بقاعدة بيانات معرفية كتبها خبراء متخصصون. وفي كل الأنظمة كانت الإجابات مقيدة بحجم المعلومات، أو المعرفة المخزّنة في قاعدة البيانات، ناهيك عن أن الأسئلة لابد أن تكون بصيغة وطريقة معينة حتى تحصل على الإجابة المناسبة.

شهدت فترة السبعينات والثمانينات فى القرن العشرين ظهور مشروعات عملاقة في فهم النصوص وإجابة الأسئلة. وتزايد الاهتمام بدمج آليات الإجابة عن الأسئلة بمحركات البحث، التي تزايد استخدامها لتقنيات البحث باللغة الطبيعية؛ غير أن هذه النظم ما زالت تعمل، في الغالب، باستخدام وسائل سطحية، حيث تعرض نتائج البحث مع عرض الفقرة التي يُرجح أنها تحتوي على الإجابة المطلوبة. وتعد محركات الإجابة عن الأسئلة الخطوة التالية أو الجيل المتطور من محركات البحث، إذ تتطلب آليات معقدة للغاية. 

كل أنظمة المعلومات في العالم جرى تطويرها بمنهجية واحدة تقريباً؛ فالمصمم يحدد المعرفة التي يحتاج النظام إلى تغطيتها، وأنواع الاستعلامات التي يستطيع الرد عليها، والإجابات عن هذه الاستعلامات. ثم يصمم بعد ذلك مخططات قواعد البيانات، وتسكين المعلومات والبيانات في الجداول، ثم يكتب المهندسون شفرات "أكواد" الأوامر لقراءة البيانات والمعلومات من هذه الجداول، وتقديمها للمستخدمين في الشكل المطلوب، وبعد فترة من الوقت وإنفاق قدر كبير من المال، يخرج إلى النور نظام معلومات يمكنه الإجابة عن الاستعلامات التي صمم من أجلها. وتجدي هذه الطريقة في المجالات المتخصصة لكنها لا تجدي في المجالات العامة المفتوحة، التي قد تتضمن عدداً لا حصر له من المجالات المتخصصة؛ والسبب أن الوقت والمال موارد محدودة، ولهذا ينبغي في أي محرك معرفة كيفية تمثيل المعرفة هيكلياً في صورة لا ترتبط بالمعنى. ويتسم مخطط قاعدة البيانات بحجم ثابت، لكنه قابل لاستيعاب أنواع جديدة من المعرفة، بإضافة المزيد من المعرفة في هذا التمثيل الشامل للحقائق والمعلومات. كما ينبغي أن يكون محرك المعرفة الذي يجيب عن الأسئلة محايداً، بمعنى ألا يشتمل على أوامر برمجية مقصورة أو مرتبطة بمجال معرفي معين.

ولا يمكن الإجابة عن أي سؤال ما لم يتم ترجمته، أولاً، إلى استعلام غير لغوي تفهمه الآلة أو الحاسب، أو بعبارة أخرى، تفسير دلالي كامل لنية أو مقصد المستخدم. وعلى الرغم من أنه يمكن بناء أنظمة لإجابة الأسئلة من خلال مطابقة الأسئلة النصية للإجابات المكتوبة مسبقاً، الا أن هذا الأسلوب غير قابل للتطور مع الزمن؛ فالأسئلة بأي لغة إنسانية تحتوى على عدد كبير من المتغيرات، وحلها يتطلب المعالجة الدلالية، أو تحويلها دلاليا إلى صيغة يفهمها الحاسب والبرمجيات.

ويمكن الإجابة عن نسبة قليلة من الأسئلة، من خلال البحث عن الإجابة في مصدر ثابت؛ فأغلب الأسئلة تتطلب خطوة منطقية، أو أكثر من عملية حسابية، للحصول على الإجابة التي يريدها المستخدم. ويحدث ذلك بغض النظر عن ضخامة مصدر المعلومات، مثل مليارات الصفحات التي تفهرسها محركات البحث. فمثلاً، يمكن الإجابة عن سؤال: متى وأين توفى نابليون بونابرت؟ فهذه البيانات متوافرة بغزارة عن الشخصيات العامة في مختلف أنحاء العالم، ويمكن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة دون استدلال؛ ولكن في سؤال مثل: "كم تبعد الأقصر عن القاهرة بالكيلومترات ؟ يحتاج الأمر إلى تفكيك السؤال وعمليات حسابية استدلالية؛ فمثلاً، إذا كانت البيانات المتوافرة هي المسافة بين القاهرة وقنا، والمسافة بين قنا والأقصر، ولأن الأقصر جزء من محافظة قنا، سوف يجمع النظام بُعد المسافة بين القاهرة وقنا وبين قنا والأقصر، من أجل الوصول للمسافة المطلوبة. ومن الأفضل في هذا الصدد أن تكون المعلومات والحقائق الجغرافية والتاريخية والعلمية والسكانية متوافرة بكثرة، حتى يمكن الإجابة عن الأسئلة دون الحاجة إلى استدلال قد يصيب وقد يخطئ.

وأغلب محركات المعرفة تعتمد على موسوعة الويكيبيديا في الحصول على المعلومات والحقائق العلمية والبيانات، التي يتم تخزينها في قواعد بيانات قابلة للتحليل والاستنتاج. وأي محرك معرفة ناجح ينبغي أن يتيح للمستخدمين الفرصة لإضافة المعلومات وتصحيحها. ومن الصعوبات التي تواجه هذا المبدأ مشكلة عدم الثقة في المتطوعين خلافاً للموظفين، ويحتاج محرك المعرفة الفعال إلى إيجاد طرق ووسائل أخرى للتعامل مع مصادر المعرفة غير الموثوقة.

إذا لم يستطع محرك المعرفة تقديم إجابة مباشرة جيدة، فليس من الحكمة أن يقدم إجابة خطأ أو غير صحيحة، ومن الأفضل أن يصمت. ويمكن تقديم أنواع أخرى من النتائج للمستخدم، مثل مواقع الانترنت التي تظهر في النتائج عند الاستعلام في محركات البحث التقليدية، فالحصول على إجابة خطأ، أو الخطأ في فهم مقصد المستخدم، يساوي تماما عدم الإجابة عن السؤال.

ويحتوي أي محرك معرفة على تصنيف شامل يغطي كل الأشياء في العالم، ويحولها إلى مئات الآلاف من الفئات (أشخاص، أماكن، حيوانات، عناصر، وغير ذلك)، وهذا التصنيف يشكل أساس أي محرك معرفة يحول أسئلة المستخدمين إلى استعلامات بحث تماثل ما يقصدونه. كما يُستخدم هذا التصنيف في فك لبس أي مصطلح، ومن دون هذا التصنيف والمعرفة العامة، سيكون من الصعب الرد أو الاستجابة لأسئلة المستخدمين بطريقة معقولة.

إذا تمكن محرك المعرفة من الإجابة عن سؤال معين وتقديم الحقائق والمعلومات، لابد من إتاحة مصدر المعلومة الأساسي للمستخدم، لكي يتعرف على مزيد من التفاصيل بنفسه. ويمكن أن تشتمل مصادر متعددة على الحقيقة نفسها، وتستخدم هذه البيانات للتقييم التلقائي لمدى مصداقية الحقائق. وهذا الأسلوب أفضل بكثير من عرض الإجابة فقط، دون أن يعلم المستخدم مصدرها.

أصبح ممكناً استخدام الشبكة العنكبوتية دون خشية مصادفة محتويات إباحية، وذلك بعد إعلان شركة هولندية أنها أطلقت في 2 سبتمبر 2009 أول محرك بحث إسلامي يسمى ImHalal ، ويعمل كسائر محركات البحث الأخرى المتاحة في الإنترنت. فعندما يدخل المستخدم مفردات ربما تصنف على أنها غير مقبولة، عندئذ يصنف مؤشر المحرك نتائج البحث "الحرام" المحتملة إلى ثلاثة مستويات مختلفة. ويعني التصنيف واحد في "مؤشر الحرام" أن نتائج البحث مأمونة وخالية من محتوى قد يصنف على أنه "حرام"، وفقا للشريعة الإسلامية. وفي الترتيب الثاني، قد يرسل المحرك رسالة تحذيرية تشير إلى أن نتائج البحث المحتملة مصنفة ضمن المستوى الأول أو الثاني على "مؤشر الحرام"، ويستطيع المستخدم المخاطرة وطلب رؤية النتائج رغما عن هذا التحذير، أو تجنب رؤية النتائج وتجربة مفردات بحثية أخرى. وفي حال أن نتائج البحث المحتملة مصنفة ضمن المستوى الثالث على "مؤشر الحرام"، يتلقى المستخدم رسالة تحذيرية تقول: "لقد وصلت نتائج بحثك للمستوى الثالث على مؤشر الحرام، لذا ننصحك بتغيير مفردات البحث وتكرار المحاولة".

طرأت هذه الفكرة لمصممى محركات البحث، عندما اشتكى بعض مستخدمي الانترنت من أن عمليات البحث قد تسفر أحياناً عن محتويات إباحية. واستغرق تطوير محرك البحث هذا سبعة أشهر، في 15 لغة مختلفة، منها العربية والفارسية والتركية، إضافة إلى الإنجليزية، وهو يستخدم نظاماً ثنائي الطبقات، حيث يحلل أولا المحتوى الذي جلبه الموقع، ثم غربلة كافة المواقع التي تحتوي على مواد إباحية، ثم تمر النتائج على نظام تصفية ثانٍ أكثر تقدماً، لضمان خلوها من أي محتوى إباحي أو محرّم.

7. تقنية المعلوماتية الحيوية

ظهر مصطلح "المعلوماتية الحيوية" Bioinformatics في الأدبيات العلمية عام 1991؛ ولكن بداية استخدامه ترجع إلى عام 1968 كعلم يلتقى فيه نمو التقنية الحيوية مع التطور فى تكنولوجيا المعلومات (أنظر شكل التقاء التقنية الحيوية مع تقنية المعلومات)، حيث يتضاعف حجم المعلومات البيولوجية مرة كل سنة ونصف أو سنتين، فكان لا بد من اللجوء إلى تقنيات المعلومات التي تتضاعف قوتها كذلك بالوتيرة نفسها تقريباً.

يمكن تعريف مصطلح المعلوماتية الحيوية بأنه: استخدام الحاسب للتعامل مع المعلومات البيولوجية؛ أو لتخزين المعلومات الجينية، وكذلك للبحث عن المعلومات الخاصة بالشفرات الوراثية للجينات، وللبروتينات الأساسية المتصلة بعمل هذه الجينات ووظائفها. وهذا العلم يدمج علم البيولوجيا Biology مع علوم الحاسب والتقنيات الرقمية، بوصفها ضرورة لإدارة وتحليل وفهم الكم الهائل من المعلومات الناتجة من ثورة المعلومات الجينية.

حدث تقدم في علوم الوراثة والجينات، خصوصا في مشاريع التعرف على التركيب الوراثي لعدد من الكائنات الحية، مثل خميرة الخبز، والفأر، وذبابة الفاكهة، وغيرها. ونظراً لأن جميع الكائنات الحية ترتبط بعلاقات مشتركة من خلال التشابه في بعض متواليات DNA، تُمكّن التبصّرات التي يتم الحصول عليها من الكائنات الحية غير البشرية، من تحقيق المزيد من الفهم والمعرفة لبيولوجية الإنسان. وتوجت هذه الجهود بالكشف عن التركيبة الوراثية (الجينية) للإنسان، وولدت سيلا من المعلومات في مجال علم البيولوجيا، تضمنت الخريطة الجينية (أي الشفرة الوراثية) للكائنات المختلفة، والمركبات التي تتفاعل في الخلية مع تلك الشفرة، وما ينتجه ذلك التفاعل من بروتينات أساسية وإنزيمات، وغيرها من المركبات المسؤولة عن قراءة الشفرة الوراثية والتعامل مع معطياتها، بما في ذلك نسخ المعلومات التي تحملها تلك الشفرة الحية والفريدة من نوعها. وبذا، استطاع العلماء التعرف الى تلك المعلومات التي تحدد تركيب الجسم، وطبيعة عمله، ونسق نموه. وأدت تلك التطورات إلى نمو نوعي في معلومات البشر عن الظواهر البيولوجية وتراكيبها وآلياتها.

وتحفظ هذه المعلومات في قواعد بيانات بيولوجية Biology Databases، يراوح عددها بين 500 و1000 قاعدة. ويمكن النظر إلى حمض الوراثة، الذي يتألف من سلاسل بروتينية، بأنه كتاب فيه 67 مليون ملف من المعلومات المشفرة في سلاسل من 71 مليون حلقة، تسمى كل منها قاعدة مزدوجة. وأدى التزايد الكمي للمعلومات البيولوجية إلى ثورة فى مجالات علمية أخرى، خصوصا الطبية منها.

إن فهماً أفضل لكيفية انتظام الجينات، ودورها في الخلية وفي تطور الكائنات، يفتح الباب لتصميم علاجات تتناسب مع المواصفات الوراثية للإنسان، ولفهم المشاكل الصحية المترافقة مع التقدم في العمر. ويحدث ذلك الأمر يوميا. فبصورة فعلية، شكلت المعلومات الجينية المكتشفة، وبسرعة، الأساس لتصميم الكثير من الأدوية ومكوناتها، كما أصبحت أداة لتحسين الكثير من التراكيب الوراثية لعدد كبير من المحاصيل الزراعية والحيوانات ذات الأهمية الاقتصادية. وفي المقابل، واجه العلماء تحدي التنقيب والبحث عن معلومات محددة، بطريقة سريعة وفعالة، بوصف ذلك من المتطلبات الأساسية في البحث العلمي. فالعثور على المعلومة المطلوبة بات يشبه محاولة العثور على إبرة في كومة من القش.

انعكس التطور في تقنيات التعرف إلى الشفرة الوراثية على نمو المعلوماتية الحيوية وتطورها؛ ما مكنها من توفير الأرضية التقنية لمساعدة الاختصاصيين من التعامل مع الكميات الهائلة من البيانات العلمية، ومن أجل أن تتكامل المعلومات وتتضافر لتشكل صورة شاملة عن نشاطات الخلايا الحية، ما يساعد الباحثين في الكشف عن أسباب تغير هذه النشاطات في حالات المرض المختلفة. ويدين ذلك العلم للتطورات التقنية في لغات البرمجة، والتقدم في تنسيق عمل الحاسبات، وزيادة قوة التخزين في الأقراص الصلبة والمتحركة، والتقدم في الشبكات، مثل ظهور الانترنت السريعة، وغيرها. ففي بداية الثورة الجينية، انصب الاهتمام على إنشاء قاعدة بيانات لتخزين معلومات علوم البيولوجيا، بما في ذلك مقارنة المعلومات وتحليلها.

إن تطوير القواعد البيانية لا يشمل مسائل التصميم فقط، وإنما كذلك تطوير وصلات أو روابط الكترونية متطورة بينها، لتضمن توفير المعلومات بطريقة سهلة وديناميكية، فضلاً عن إمكان إدخال بيانات جديدة وتنقيحها. ولكي تتم الاستفادة القصوى من هذه البيانات، لا بد من توافر الأداة التي تمكن المستخدم من البحث في قاعدة البيانات المعنية، وأن تجلب له المعلومة التي يبحث عنها تحديداً. وظهرت مجموعة من تلك البرامج التي تستطيع إعطاء المعلومة المطلوبة، من خلال أسلوب استفسار مرَكب.

إن تحديد وظيفة عمل البروتينات الأساسية، ومعرفة تراكيبها الهيكلية، أصبح من التحديات الكبيرة في مجال تصميم الأدوية. ومع ازدياد الفرق بين كمية المعلومات التى تنشرها مشاريع الجينوم، وعدد البروتينات المكتشفة باستمرار؛ مع وظائفها وتركيبها؛ يصبح اللجوء إلى أدوات المعلوماتية الحيوية أمراً لا مفر منه. ومن أهم تلك الأدوات وأكثرها استخداما، البرامج التى تقوم بمقارنة سلاسل القواعد المزدوجة والبروتينات الأساسية، لمعرفة ما يشابهها في قواعد البيانات، وبهذا يمكن استنتاج العلاقة الوظيفية بين البروتينات الأساسية في الخلية والقواعد المزدوجة للجينات، إضافة إلى التعرف إلى الفئة التي ينتمي إليها الجين.

كما يشغل التنبؤ بتركيب البنية الثلاثية الأبعاد للبروتين حيزاً كبيراً في علم المعلوماتية الحيوية. فمنذ أن حُددت البنية التركيبية الأولى للبروتين، طور العلماء برامج للحاسب قادرة على رسم ملامح البنية الثلاثية الأبعاد للبروتين. ومن أهم هذه الطرق وأكثرها قوة ودقة، التقنية التى تبنى صورة ثلاثية الأبعاد للبروتين، انطلاقا من المعطيات الأولية عن تركيبه. كما تُعطي بعض أدوات علم المعلوماتية الحيوية فكرة تقريبية عن عمل البروتين الأساسي، انطلاقاً من تركيبه الأولي أيضاً.

وتشمل نشاطات المعلوماتية الحيوية الأساسية مستويات عدة، بداية من العمل النظري، ووصولاً إلى صنع جداول إحصائية يستطيع الحاسب التعامل معها؛ ما يمهد لصنع أدوات التحليل المختلفة. ويعطي التحليل المقارن للتشكيلات الوراثية نموذجاً من تلك الأدوات التقنية المتقدمة في علم المعلوماتية الحيوية. ويمكّن هذا التحليل من التعرف إلى العلاقة بين الكائنات، عبر اكتشاف أماكن التشابه والاختلاف في تراكيبها الجينية. وكذلك، فإن المعلومات التي يوفرها التحليل المقارن للتشكيلات الوراثية تساعد على فهم أفضل لعمل جينات الإنسان، ومن ثم، صوغ استراتيجيات أفضل لمكافحة الأمراض.

إن أحد التحديات التي تواجه المعلوماتية الحيوية هي كيفية تحويل الملاحظات البيولوجية إلى نموذج يستطيع الحاسب أن يفهمه. وفي المقابل، يواجه ذلك العلم معضلة تتمثل في قلة عدد المتخصصين فيه. فمنذ أواسط تسعينات القرن العشرين، يتزايد دور هذا العلم، في مجال أبحاث البيولوجيا والصيدلة والجينات، بنسبة تزيد على 25 في المائة سنويا. ولم تترافق هذه القفزة مع ارتفاع مماثل في عدد الاختصاصيين. وبادر عدد من الجامعات في الغرب إلى إدخال علم المعلوماتية الحيوية وتخصصاته في صلب مناهجها الأكاديمية، وكذلك بادرت الى وضع برامج كفيلة بتدريسه عبر الانترنت.

نشأت صناعة خاصة تحول فيها البيانات الخام للجينوم البشري إلى معرفةٍ تستخدم في تصنيع أدوية جديدة، وتنشط الشركات في مجالات متنوعة، مثل جمع البيانات وتخزينها، وتقصي قواعد البيانات، وتفسيرها. ويبيع معظمهم حق الحصول على هذه المعلومات إلى الشركات الصيدلانية برسوم اشتراكات ضخمة، قد تصل إلى ملايين الدولارات. ويرجع السبب في رغبة الشركات الدوائية في أن تدفع مقابل هذه الخدمات، إلى أن المعلوماتية الحيوية تمثل الأمل في العثور على أهداف أفضل للأدوية في وقت أبكر، وذلك ضمن عملية تطوير الدواء. ويمكن لهذه الفاعلية أن تقلل عدد أنواع المعالجات المحتملة، التي على الشركة أن تجريها ضمن اختباراتها السريرية، مخفّضة التكاليف الكلية تخفيضاً كبيراً. كما يمكن لهذه الفاعلية أن تحقق مكاسب إضافية لشركات الأدوية عن طريق اختصار الوقت، الذي يتطلبه البحث عن الدواء وتطويره، مطيلة بذلك مدة بقاء الدواء في السوق قبل انتهاء صلاحية الفترة الخاصة ببراءة الاختراع.

ارتكزت بداية هذا المجال في أوائل ثمانينات القرن العشرين على قاعدة بيانات أنشأتها وزارة الطاقة الأمريكية، لتخزين تتاليات قصيرة من تسلسلات للـ DNA، بدأ العلماء بالحصول عليها من مجموعة من الكائنات الحية المختلفة. وفي الأيام الأولى لقاعدة البيانات هذه، كانت هنالك مجموعة محدودة من الفنيين تعمل على حاسبات تحوي لوحاتها أربعة أحرف، هي A وC وT وG. وكانت هذه المجموعة تدخل تسلسلات الـ DNA، التي كانت تُنشر في المجلات الأكاديمية. ويتكون جزيء DNA في البشر من خيطين يلتف كل منهما حول الآخر بحيث يشبهان السلم الملتوي (أنظر شكل جزيء DNA)، والذي يتصل جانباه، والمكونان من جزيئات السكر والفوسفات، بواسطة روافد من المواد الكيميائية المحتوية على النتروجين، ويرمز إليها اختصاراً بالحروف A وT وC وG. وتتكرر هذه القواعد ملايين أو مليارات المرات في جميع أجزاء الجينوم. ويحتوى الجينوم البشري، على سبيل المثال، على ثلاثة مليارات زوج من هذه القواعد، في حين يحتوي الجسم البشري على نحو 100 تريليون خلية. ويعد الترتيب المحدد للحروف A وT وC وG في غاية الأهمية، فهذا الترتيب يحدد جميع أوجه التنوع الحيوي، وفيه تكمن الشفرة الوراثية Genetic Code، فكما أن ترتيب الحروف التي تتكون منها الكلمات هو الذي يجعلها ذات معنى، فإن ترتيب هذه الحروف يحدد كون هذا الكائن الحي إنساناً، أو ينتمي إلى نوع حي آخر، كالخميرة، أو ذبابة الفاكهة، مثلاً، والتي يمتلك كل منها الجينوم الخاص بها، والتي ركزت عليها أبحاث وراثية خاصة عدة.

بمرور السنين، ظهرت بروتوكولات جديدة مكنت الباحثين من الاتصال مباشرة بقاعدة البيانات، وتفريغ التسلسلات التي كانوا يحصلون عليها. ومع إطلالة شبكة الانترنت صار في قدرة الباحثين في جميع أنحاء العالم الحصول بسهولة على بيانات القاعدة، من دون مقابل. وحال انطلاق مشروع الجينوم البشري رسمياً في عام 1990، نما حجم بيانات تسلسلات DNA في قاعدة البيانات بدرجة كبيرة. وبحلول ربيع عام 2000، ضمت القاعدة بيانات التسلسلات عن أكثر من 7 بلايين وحدة من DNA. وفي الوقت الذي انطلق فيه مشروع الجينوم البشري، بدأت شركات خاصة مشاريع موازية، وأسست لنفسها قواعد بيانات ضخمة.

ولكن المعلوماتية الحيوية تشمل، أيضاً، مقارنة جينات من كائنات حية مختلفة. وبالبحث عن جينات في كائنات حية نموذجية تماثل جينة بشرية معينة، يستطيع الباحثون التعرف على البروتين الذي تكونه هذه الجينة، كما يستطيعون البحث عن عقاقير لإعاقته. وتتضمن إحدى أهم العمليات الأساسية في المعلوماتية الحيوية البحث عن التشابهات، أو عن التماثلات، بين قطع DNA التي تمت سلسلتها حديثا، وبين قطع من كائنات حية أخرى سبق أن سلسلت. إن العثور على التسلسلات المتقاربة يتيح للباحثين التنبؤ بنمط البروتين الذي يشفّره "يكوده" التسلسل الجديد. وهذا لا يتمخض فقط عن نتائج تقود إلى أهداف دوائية في مرحلة مبكرة من تطوير الدواء، إنما يستبعد أيضا أهدافا كثيرة أخرى قد تؤدي إلى طريق مسدود.

إن بعض شركات المعلوماتية الحيوية تتوجه إلى شركات التقانة الحيوية والمؤسسات الصيدلانية، حيث توفر لهم برمجيات مصممة وفق طلبهم، وتقدم لهم خدمات استشارية. وأسس الكثيرون أقساماً كاملة لتكامل البرمجيات، ولتسهل الوصول إلى قواعد البيانات عبر أقسام متعددة، بما في ذلك تطوير منتجات جديدة، وإيجاد الصيغ الملائمة، وإجراء الاختبارات السمية والسريرية. ومع اكتمال القسم الأعظم من الجينوم البشري[11]، يرى المنظّرون البيولوجيون أن العلماء سيكونون قادرين على استعمال المعلوماتية الحيوية لوضع النماذج الملائمة للعدد الفلكي من التفاعلات الكيميائية الحيوية، التي تثري حياة الإنسان. ومن خلال المعلوماتية الحيوية سيعرف العلماء أي جينة أو أي تسلسل من الجينات يعطلون، وفي أي ترتيب؛ كي يوجهوا خلية سرطانية ما إلى سلوك لا سرطاني، أو يوجهوا تجدد بعض الأنسجة بحيث لو حدث أن فقد إنسان نصف بنكرياسه، فسيكون لدي العلماء القدرة على تجديده؛ أو على تجديد خلايا لدى المصابين بالداء السكري.

تستخدم تقنيات المعلوماتية الحيوية فى أنظمة القياس الحيوية Biometric لمهام متعددة، كحماية المواقع الصناعية، ومراقبة الحدود والمطارات والموانيء، وكشف الهوية، وغيرها من المهام الأمنية. وهذه الأنظمة مهمتها الأساسية، التعرف على بصمات الأصابع والوجوه، وتحليل قزحية العين. وتوجد في الأسواق مجموعة واسعة من هذه النظم، التي تسمح بتخزين معلومات عن هوية الشخص، والتحقيقات الإجرامية، وكشف بطاقات الهوية والقيادة والجوازات والبطاقات الانتخابية غير القانونية، ولمكافحة التزوير والتسلل، كما تستعمل، أيضاً، لحماية المنشآت الحساسة، كمختبرات الأبحاث والمصانع، وغيرها.  سمحت تقنيات المعلوماتية الحيوية بإيجاد حلول مناسبة لحفظ أمن النقل الجوي والمسافرين والعاملين في المطارات. وطورت لهذه الغاية بطاقات هوية، وجوازات، وتأشيرات، ومراكز كشف قبل العبور الى الطائرة. وتؤمن مستشعرات دقيقة، حفظ المعلومات بواسطة أنظمة القياس الحيوية على البطاقات، أو جوازات السفر، أو التأشيرات، حيث تقرأ بواسطة أجهزة موضوعة أمام مداخل العبور الى الطائرات أو في الأماكن التي يراد حمايتها من التسلل. وتستطيع هذه الأجهزة، التى تم تطويرها، الكشف بسهولة عن أي انتحال للشخصية، أو عملية تزوير. وسوف تشكل هذه التقنيات الجديدة عامل ردع فعال في المطارات والحدود، وستكون المرجع الأول والأخير لكل دولة تريد الحفاظ على أمنها واستقرارها.

تشكل كلمة السر أداة بسيطة للتحكم في الدخول إلى الحاسبات والشبكات والتعاملات على الإنترنت؛ ولكن المسيئين يمكنهم سرقتها أو تخمينها، في حين تقدم قارئات بصمات الأصابع أمانا أكبر (أنظر صورة قارئ بصمات الأصابع)، لأنه يكاد يكون مستحيلا تزوير بصمة إصبع بشرية. ولكي يتم السماح بالدخول أو عدمه، تُحلل البرمجيات النسق الهندسي للبصمة بكل دقائقه، كالمرتفعات والمنخفضات الفريدة والخاصة بكل إصبع، ومن ثم مقارنته بالأنساق المسجلة لديها للمستعملين الشرعيين.

وتعد بصمات الأصابع أول ميزة جسدية يتفرد بها كل إنسان. وعمليا، يقدم رسم الإصبع معلومات غزيرة لا يمكن استعمالها كلها، ويعمل، من ثم، على استخلاص الميزات الأساسية منها، مثل انعطافات المرتفعات، والجزر والخطوط التي تختفي. وتحتوي كل بصمة إصبع على حوالي مئة نقطة مميزة. وسمحت التقنيات الجديدة بأنه عند فحص البصمة بصورة جيدة، يمكن استخراج حوالي عشرين من هذه النقاط فقط، لتفي بالغرض المطلوب.

أدت التحسينات التقنية لقارئات بصمات الأصابع إلى تقليل معدلات الخطأ فيها وتخفيض تكلفتها، ما وسع مجال الطلب عليها. فمعدلات الخطأ في القارئات الجيدة تبلغ أقل من 25 في المليون. وساعدت سهولة دمج البرمجيات في أنظمة التشغيل الرائجة على تقليل نسبة الخطأ. وقد تكون أكبر عقبة ينبغي تذليلها هي المخاوف المتعلقة بخصوصية الفرد، إذ يخشى الناس على بصماتهم من التخزين والنسخ والتقليد، غير أن التقانة قادرة على تدارك مجمل هذه الاحتمالات. وكما هي الحال عند إرسال معلومات بطاقة الاعتماد عن طريق الإنترنت، فإن ثقة الناس تتوقف في نهاية الأمر على السياسات والممارسات الحاذقة المتبعة.

ويمكن أن يزدهر سوق قارئات بصمات الأصابع بشكل كبير، إذا سمح الناس باقتران بصمات أصابعهم إلكترونيا بحساباتهم المصرفية، أو ببطاقات اعتمادهم. عندئذ، يستطيع الشخص سحب النقود من جهاز الصرّاف الآلي فور أن يضغط بإصبعه على ماسحة موجودة في شاشة الجهاز. وكذلك، يمكنه دفع ثمن عشائه عند منضدة المحاسبة، أو ثمن وقود سيارته عند المضخة، أو ثمن مشترياته من البقالة، عند ممرات تسديد الحساب.

تعرض في الأسواق أنظمة تعتمد على كف اليد، حيث تضمن قياس عدة ميزات في اليد، كالشكل، وطول الأصابع وعرضها، وشكل المفاصل الظاهرة من أصابع اليد، والمسافة أو الطول ما بين المفاصل. والتكنولوجيا المستعملة للقياس هنا هي التصوير بالأشعة تحت الحمراء، وهذا النظام شائع كثيراً في الولايات المتحدة، على الرغم من أنه يتضمن بعض العيوب والأخطاء.

وتستخدم أنظمة قياس قزحية العين للتمييز بين شخصين، بطريقتين مختلفتين: الشبكية، والقزحية. وتعد أنظمة القياس الحيوية لشبكية العين هي أسبق بقليل من قياس القزحية، والتي هي أكثر موثوقية من تقنية القزحية. ويتمتع النسق المعقد للشعيرات الصغيرة الممتدة في قزحية العين، بقدرة تمييز أدق من بصمة الإصبع. وتحقق منظومات التعرف، التي تلتقط هذا النسق الهندسي، معدلات خطأ في التعرف منخفضة للغاية. ومع ذلك لم يستخدم هذه المقاربة سوى عدد قليل من المنظمات، لأن ماسحات القزحية تكلف ضعفيّ تكلفة قارئات بصمات الأصابع، ولأن المستخدمين يرونها مربكة، حيث تتطلب التحديق في عدسات آلة التصوير. وتستخدم بعض شركات الطيران منظومة التعرف عن طريق القزحية في المطارات، إذ تتيح لدؤوبي السفر بالطائرة التوجه إلى ماسحة القزحية عند نقاط التفتيش، متخطين بذلك صفوف الانتظار الطويلة عند منافذ التحقق من أوراق إثبات الهوية.

8. تقنية المعلومات الصديقة للبيئة

يمكن تعريف مصطلح "تقنية المعلومات الصديقة للبيئة" على أنه البحث في مجال تقنية المعلومات، وتوظيفها بشكل يلتزم الكفاءة ومراعاة عدم الإضرار بالبيئة في دورة حياة المنتج؛ بما يشمل تطوير تقنية المعلومات، وإنتاجها، واستخدامها، وأخيرا التخلص من مخلفاتها بشكل صحيح من الناحية البيئية.

إن الانتشار المتزايد لتقنية المعلومات يشكل جزءاً من الضغط الواقع على البيئة، إلا أنها، في الوقت ذاته، قد تشكل عاملاً فعالاً يسهم في حماية البيئة في المستقبل. وكل ما يتطلبه الأمر هو الإرادة والقدرة على التفكير بشكل منظم، ونشر الحلول المبتكرة لتقنية المعلومات. وسوف يكتسب التأثير البيئي الناتج عن تقنية المعلومات أهمية متزايدة على جدول أعمال المناخ العالمي. ولذلك، فإنه يتعين على الدول أن تتخذ إجراءات فعالة في مجال الحد من الآثار الضارة لتقنية المعلومات على البيئة، من خلال استخدام هذه التقنية بشكل يراعي البيئة على نحو أفضل.

ومع الدور المتزايد الأهمية الذي تلعبه تقنية المعلومات في المجتمع، فإنها تكتسب أهمية متزايدة، أيضاً، في الحد من الآثار البيئية السلبية لإنتاج المعدات واستخدامها. وفي الوقت نفسه، تتمتع تقنية المعلومات بإمكانات هائلة للحد من الآثار السلبية على البيئة للأنشطة الأخرى في المجتمع. ولذلك، فإن تقنية المعلومات تمثل بؤرة اهتمام حيوية للجهود الرامية لمكافحة الاحترار العالمي، وغيره من المشكلات البيئية. وتعتمد كفاءة تقنية المعلومات على كيفية استخدامها، وينطبق ذلك تماما على المستهلك الفرد، مثلما ينطبق على المؤسسة الكبرى، أو الهيئة العمومية.

إن زيادة انتشار تقنية المعلومات له عواقب على البيئة؛ حيث تشير التقديرات إلى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (أنظر صورة ثاني أكسيد الكربون) الناتجة عن هذه التقنية على المستوى العالمي، تعادل في حجمها ما ينتج عن صناعة الطيران بأكملها، والتي تشير التقديرات إلى مسؤوليتها عن نسبة 2% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. فكما حملت أجهزة الحاسب فوائد جمة في جوانب الحياة المختلفة، حملت، كذلك، معها الكثير من الجوانب السلبية الأخرى. فعلى المستوى البيئي، مثلا، أصبح التخلص من أجهزة الحاسبات القديمة أحد أهم أسباب التلوث البيئي المعروف بالتلوث الإلكتروني E-waste، أو التلوث الناتج عن مخلفات ثورة المعلومات (أنظر صورة مخلفات أجهزة الحاسبات). ويكفي لإدراك حجم هذه المشكلة، العلم بأنه يتم التخلص يوميا من 130 ألف جهاز حاسب في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وأن عدد أجهزة الحاسب التي تجد طريقها إلى مقالب القمامة على مستوى العالم يزيد عن 300 ألف جهاز يومياً.

إن الثقافة الإلكترونية، المرتكزة على أن الجديد هو الأفضل والأحسن، تؤدي إلى التخلص من مئات ملايين الأجهزة الإلكترونية، مثل الهواتف النقالة، وأجهزة التلفزيون، وأجهزة الفيديو، وأجهزة الحاسب بداهة، وغيرها الكثير. إن انتشار استخدام الانترنت عبر أجهزة الحاسب، يضر بالبيئة، ذلك أن الحاسبات والطاقة الضرورية لهذه الغاية تبث ما لا يقل عن 20 مجم من غاز ثاني أكسيد الكربون كل ثانية يتصفح فيها زائر الشبكة العنكبوتية (أنظر صورة شخص يتصفح الانترنت) إن قراءة قصة واحدة على الانترنت من شأنه أن يسفر عن انبعاث آلاف المليجرامات لما يعرف بالغازات الدفيئة، التي تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، أي ارتفاع درجة حرارة الأرض، ما قد يؤدي إلى ظهور كوارث طبيعية كثيرة وخطيرة على مستقبل الإنسانية. وعلى افتراض أن الآلاف من الناس يزورون المواقع الإلكترونية، فإن كمية الغازات المنبعثة تكون كبيرة للغاية. والسبب في هذا الأمر هو أن تصفح الانترنت يتطلب استخدام أجهزة عديدة، من محولات وشبكات وحاسبات وغيرها، والتي من شأنها أن تكلف البيئة غالياً. ولذلك، فانه من الضروري إنشاء نظام بيئي أخضر للانترنت، أي يعمل بأجهزة وعبر وسائل طاقة لا تضر بالبيئة.

أخذاً في الاعتبار حقيقة أن الأجهزة الإلكترونية تحتوي ضمن مكوناتها على العديد من العناصر الكيميائية السامة، مثل الرصاص، والزئبق، والكروميوم، والتي يتراوح تأثيرها بين التسبب في تلف المخ والأعصاب، والفشل الكلوي، إضافة إلى الطفرات الجينية والأمراض السرطانية، فانه يمكن تقدير مدى الخطر البيئي الصحي الذي أصبحت تمثله القمامة الإلكترونية، والتي تعد أجهزة الحاسب الشخصي أحد أهم مكوناتها. فعدا الملوثات الكيميائية السامة، التي تجد طريقها إلى الطعام والشراب، تشكل أجهزة الحاسب خطراً صحياً آخر نتيجة الإفراط في استخدامها. وهذه الحقيقة ثبتت بالفعل من خلال العديد من الدراسات والأبحاث العلمية، مثل الدراسة التي قامت بها مجموعة من العلماء في اليابان، وأجريت على عشرة آلاف موظف وعامل يستخدمون جميعهم الحاسب يومياً بشكل مكثف، ضمن نطاق عملهم أو حياتهم اليومية. وأظهرت الدراسة أن الإفراط في استخدام الحاسب مرتبط بشكل ما بزيادة احتمالات إصابة العين بالجلوكوما أو المياه الزرقاء، وخصوصاً بين الأشخاص قصار النظر. وعلى المنوال نفسه، صدرت دراسة مشابهة، أجراها علماء فى نيوزيلندا، أظهرت أن الجلوس لساعات طويلة أمام شاشة الحاسب، قد يؤدي إلى الإصابة بجلطة دموية قاتلة، تماماً كتلك التي قد تحدث خلال السفر بالطائرات لساعات طويلة[12].

وأظهرت إحدى الدراسات أن الحوادث والإصابات التي تقع داخل المنزل بسبب جهاز الحاسب، قد تضاعفت سبع مرات، وخصوصاً بين الأطفال. فبين عامي 1994 و2006، سجلت المستشفيات والمراكز الطبية في الولايات المتحدة 78 ألف حالة إصابة، أو حادث بسبب الحاسب المنزلي، وخصوصاً بين من هم دون سن الخامسة، تراوحت ما بين السقوط بسبب التعثر في الأسلاك، والحروق بسبب سكب سائل على الحاسب، وإصابات الرأس بسبب الارتطام بشاشة الحاسب، أو سقوطها على الطفل. وعلى الرغم من أن غالبية هذه الإصابات والحوادث بسيطة نسبياً، إلا أن جزءاً لا يستهان به منها، كان ضمن نطاق الحوادث الخطيرة.

لا ينبغي أن تتعلق تقنية المعلومات الصديقة للبيئة بالرجوع بالتطوير إلى الفترة السابقة على الثورة الرقمية؛ فمن المسلم به أن يستمر المواطنون العاديون، والقطاعان، العام والخاص، في استغلال الفرص التي تقدمها تقنية المعلومات. ويعود ذلك إلى حقيقة أن الاستخدام المتزايد لمنتجات تقنية المعلومات يعود –بلا شك- بعواقب سلبية على البيئة، إلا أن فرص الخروج بمحصلات إيجابية من خلال توظيف تقنية المعلومات تفوقها بمراحل، لأن تقنية المعلومات هي مفتاح تطوير الحلول الذكية، التي تحد من استهلاك الطاقة في البيوت وفي إنتاج السلع والخدمات، ومن ثم، فهي تسهم بشكل فعال في تحديد إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وتتمتع تقنية المعلومات بإمكانية الحد من استهلاك الطاقة، والارتقاء باستغلال المصادر إلى المستوى الأمثل. فالمعدات الحديثة لتقنية المعلومات تجعل من الممكن عقد اجتماعات تخيلية، فتلغي بذلك الحاجة إلى الطيران وغيره من وسائل المواصلات. وعلى الشاكلة نفسها، تقدم المكاتب المنزلية الفرصة للعمل عن بعد، وهو ما يعمل أيضا على توفير المواصلات. ومن الأمثلة الأخرى على حلول تقنية المعلومات المبتكرة، هناك "التحكم المؤتمت" في استهلاك الطاقة، والذي قد يشكل جزءا من المنازل ومقرات العمل الموفرة للطاقة في المستقبل. وفي هذا الشأن، فمن الضروري الاستثمار في البحث في مجال تقنية المعلومات الصديقة للبيئة.

ولا يخفى مدى الانتشار الهائل الذي حققته أجهزة الحاسب الشخصي خلال العقود القليلة الماضية، حيث أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة العصرية الحديثة، سواء في العمل أو في المنزل، أو في المستشفيات والمطارات والجامعات وغيرها من نقاط ارتكاز المجتمعات البشرية. وعلى الرغم من إدراك هذه الحقيقة، فإن هذا الانتشار لا زالت بعض حقائقه تثير الحيرة، وتبعث على الدهشة. فعلى سبيل المثال، كان عدد الحاسبات الشخصية في العالم عام 1977 يقل عن خمسين ألف جهاز، لكن بحلول عام 2002 وصل عدد هذه الأجهزة إلى مليار جهاز، وفي السنوات الست اللاحقة، أي بحلول عام 2008، وتحديداً في شهر يونيه 2008، تخطت أجهزة الحاسب حاجز الملياري جهاز. لكن هذا الانتشار يتسم بغياب التوزيع المتساوي عالميا، حيث فازت الولايات المتحدة وحدها بنصيب الأسد، أو 40% من إجمالي الحاسبات الشخصية، تلتها الدول الأوروبية بنسبة 20%.

ثمة حقائق علمية تتعلق بتقنيات المعلومات الصديقة للبيئة، فإنتاج حاسب شخصي واحد يتطلب 1.7 طن من المواد الخام والماء، ويتناقص متوسط عمر الحاسب من ستة أعوام في عام 1997 إلى عامين فقط، ويستهلك الحاسب العادي 30 في المائة من الطاقة بسبب تركه في وضع التشغيل، عندما لا يكون قيد الاستخدام. ويتم توفير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في كل مرة يعمل فيها أحد الموظفين من المنزل باستخدام تقنية المعلومات، وفي كل مرة تقوم فيها إحدى الشركات أو الهيئات العامة بالإنتاج بشكل أكثر فعالية بمساعدة تقنية المعلومات، وكذلك عندما يستبدل بالكتالوجات والإعلانات المطبوعة والخطابات مستندات إلكترونية ورسائل للبريد الإلكتروني.

ولتفادي استهلاك زائد للكهرباء، وللاعتناء بالحاسب ومكوناته، يجب معرفة بعض الأمور مثل أن كل مكونات جهاز الحاسب تستهلك الكهرباء (الشاشة، الوحدة المركزية، الطابعة، وغيرها)، حيث يستهلك حاسب عادي بين 100 و250 وات في الساعة، وتحتاج الشاشة نصف هذه الكمية، وكلما كبر حجم الشاشة ازداد الاستهلاك، وتحتاج الأنواع القديمة منها لثلاثة أضعاف ما تتطلبه الشاشات المسطحة. ويحتاج المعالج الأساسي Microprocessor في الحاسب إلى طاقة كبيرة، مقارنة ببقية المكونات. وتشغيل لعبة ثلاثية الأبعاد يستهلك أكثر مما يستهلكه برنامج لمعالجة النصوص، مثلاً. وفي حال تحميل ملفات ضخمة، مثل الأفلام والصور، من الانترنت، يُنصح بإيقاف تشغيل الشاشة، لتوفير ما تستهلكه من الكهرباء، مع الإشارة إلى أن ذلك لا يؤثر على التحميل.

وتبدي شركات الحاسب عناية كبيرة بمسألة الاقتصاد في الطاقة. وعلى سبيل المثال، قررت بعض الشركات خفض استهلاكها للطاقة بنسبة 20 في المائة، في ما يتعلق بأجهزة التبريد في الحاسبات الضخمة الأساسية لهذه الشركات. وكمساهمة منها في التخفيف من حدة التلوث، قررت خفض نسبة تنقلات مستخدميها بواسطة الإكثار من الاجتماعات الافتراضية، التي تستعمل أنظمة الفيديو، ما يجعل المستخدمين يتفادون الانتقال جسدياً إلى مواقع الاجتماعات. وكذلك قررت أن تستثمر في استعمال الطاقة النظيفة في أقسام مصانعها التي تنتج حبر الطابعات. ولا يبدو هذا الهاجس البيئي جديداً، فقد شرعت بعض شركات إنتاج الحاسب في استعمال لوحات الطاقة الشمسية (أنظر صورة استعمال لوحات الطاقة الشمسية). وعلى غرار ذلك، يمكن الإشارة إلى المجهود الذي تبذله بعض الشركات في تغيير الكثير من المواد التي تستعملها، لتصبح أكثر استخداماً للمواد الأقل خطورة على البيئة، وتحاول هذه الشركات أن تطبق فكرة إمكانية التوفيق الفعلي بين المحافظة على البيئة والربح التجاري.

*********************************



[1] تشتق كلمة Technology من اللغة اللاتينية, حيث تتكون من مقطعين techno، وتعنى الفن أو الحرفة، و logia ، وتعني الدراسة أو العلم.

[2] اشتقّت الانترنت اسمها من كلمة Internetting في اللغة الانجليزية، والتي تعنى ربط الشبكات بعضها ببعض.

[3]  اقترح الويب الدلالي من قبل مدير منظمة W3C World Wide Web Consortium تيم برنارز لي Tim Berners Lee، كوسيط عالمي لتبادل المعلومات والمعرفة البشرية. وهذه المنظمة هي تجمع صناعي دولي هدفه قيادة شبكة الانترنت إلى أقصى إمكانياتها. وينخرط في هذا التجمع أعضاء من أكثر من 500 منظمة موزعة حول العالم، ما يجعل الرابطة تنال اعترافاً دولياً بمساهمتها في تطور الشبكة ونموها.

[4] العميل agent هو برنامج يعمل من دون تدخل التحكم البشري أو الإشراف المستمر من أجل إنجاز المهام التي يطلبها المستخدم. ويقوم العملاء عادة بتجميع وفلترة ومعالجة المعلومات الموجودة على شبكة الانترنت، وأحيانا بمساعدة عملاء آخرين.

[5] الصورة الرقمية هي سلسلة من النقاط المتجاورة لتكوين الصورة، وتستخدم بعض الأجهزة لمسح أو تحويل الصورة التقليدية إلي صورة معالجة رقميا.

[6] هو ناقل من النوع "ركب وشغل" (Plug and Play)، يسمح بوصل الأجهزة الطرفية بالحاسب لنقل المعلومات تسلسليا.

[7] كلمة ويكي Wiki مأخوذة من لغة جزر الهاواي، من عبارة Wiki Wiki ، وتعني سريع أو بسرعة.

[8] يطلق عليها الموسوعة الحرة.

[9] بدأ محرك البحث Google.com كمشروع لرسالة دكتوراه حول تقنيات الذكاء الاصطناعي والمعالجة الطبيعية للغة في جامعة ستانفورد Stanford في الولايات المتحدة، وتحول إلى بوابة إنترنت عالمية كبرى، تخدم البحث بـ 66 لغة، منها العربية، وتعالج 120 مليون طلب بحث يومياً.

[10] أحد مجالات الدراسة التى تُعنى بتصميم وبرمجة الحاسبات لتحقيق مهام وأعمال تحتاج من البشر، عادة، إلى استخدام ذكائهم فى حالة قيامهم بها.

[11] الجينوم البشري Human genome هو الطقم الكامل المكوّن من أكثر من 500 ألف جين موجودة في نواة الخلية لأغلب الخلايا البشرية. ويتوزع الجينوم النووي للأنثى على ثلاثة وعشرين زوجاً من الكروموسومات المتشابهة بنيويا، لكن الكروموسوم X في الذكور يقترن مع الكروموسوم Y غير الشبيه به، وبذلك يصبح هناك 24 نوعا مختلفاً من الكروموسومات البشرية. وبكلمات أخرى، يمكن القول بأن الجينوم هو كامل الحمض النووي منزوع الأكسجين، (أو الـ DNA اختصاراً)، في كائن حي معين، بما فيه جيناته genes. وتحمل تلك الجينات (المورثات) جميع البروتينات اللازمة لجميع الكائنات الحية. وتحدد هذه البروتينات، ضمن أشياء أخرى، كيف يبدو شكل الكائن الحي، وكيف يقاوم العدوى، وأحياناً يحدد حتى الطريقة التي يتصرف بها.

[12] تحدث هذه الحالة - ضمن أسباب أخرى عديدة- نتيجة انعدام الحركة في الساقين لفترة طويلة، ما يسبب ركود الدم، وزيادة لزوجته، ومن ثم تخثره، أو تجلطه، وهو ما يؤدي إلى انسداد الأوعية الدموية، والتعرض لإصابات حيوية خطيرة، والوفاة أحياناً.