إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات علمية / المياه




هنري كافينديش
آثار الأمطار الحمضية
أرنست روثرفورد
الأمواج الناتجة عن الرياح
النيل الأزرق
التلوث الكيميائي
التلوث الفيزيائي
الركام المزني
السمحاق الركامي
السمحاق الطبقي
الطخاء أو السمحاق
السحاب الطبقي المتوسط
السحب المزنية الطبقية
السحب الركامية
السحب الطبقية (الرهج)
الكرة الأرضية
بحيرة ماء عذب
تخزين النفايات الصناعية
بريستلي وشيلا
دلتا نهر النيل
خاصية التوتر السطحي
صور الماء المختلفة

منسوب الماء
الأمطار الحمضية
المد والجزر
المياه الجوفية
المياه الجوفية
المدارات الإلكترونية
التركيب الذري للهيدروجين
التركيب الذري للأكسجين
الجبال الجليدية
اندفاع المياه الجوفية من العين
الرابطة التساهمية
السحاب الناتج عن عملية النتح
السحب من البخر والنتح
تلوث الأنهار
تلوث المياه والأمطار الحمضية
تجاذب جزئي الماء
ترابط جزيئات الماء
تركيب الذرة
تركيب جزيء الماء
تركيز أيونات الهيدروجين
تكون الأنهار
جهاز قياس الأس الهيدروجيني
دورة الماء
حركة الأمواج
عملية البناء الضوئي
ذوبان ملح الطعام في الماء
قاع المحيط




مقدمة

أولاً: ماء المحيطات والبحار (ماء البحر ـ الماء المالح)

]وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ[ w  (سورة الفرقان: الآية 53).

تبدو الأرض من الفضاء، ككرة زرقاء تُغطى بالماء، وتتناثر فيها هنا وهناك بعض الجزر الكبيرة والصغيرة، لذا سميت الأرض "الكوكب الأزرق". فالمحيطات الثلاثة الرئيسية تتصل بعضها ببعض، ويمتد منها البحار والخلجان. وبين هذه المحيطات والبحار، تناثرت القارات، حيث تقع معظم أراضى هذه القارات، في نصف الكرة الشمالي.

فالماء يُغطي ما يقرب من ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية، بينما يغطي اليابس الربع الباقي، متمثلاً في القارات. وتصل كمية الماء في المحيطات والبحار، التي تغطي معظم مساحة الكرة الأرضية، ما يزيد عن 1.3 مليار كم3، مقسمة على المحيطات الرئيسية الثلاثة: الهادي، والأطلسي، والهندي، إضافة إلى بقية البحار المالحة.

وتتصل مياه المحيطات المختلفة بعضها ببعض، بحيث لا يمكن التفرقة فيزيائياً، بين ماء هذه المحيطات، عند نقطة التقائها. إلاّ أنه يمكن معرفة حدود هذه المحيطات، من خلال عدد من العلامات الجغرافية الثابتة، مثل: خطوط الطول، والجُزُر، والخلجان.

والمحيطات ليست كما تبدو للناظر، بحيرة بها ماء فحسب، بل هي عالم عجيب، تتجلى فيه عظمة الخالق وإبداعه. فهناك الجبال والوديان والشقوق، وتحت الماء جنات، وحدائق، وألوان تفوق مثيلاتها فوق الأرض، في الجمال والإبداع.

فسلاسل الجبال الضخمة المغمورة تحت الماء، تبدو بجانبها جبال اليابس تلالاً صغيرة متناثرة. والشقوق والخنادق Trenches في قاع المحيط، يزيد عمقها، آلاف المرات، عن شقوق الأرض. فأعظم جبال الأرض، سلسلة جبال الهمالايا في شمال الهند، تمتد نحو 2250 كم، وأعلى قممها هو قمة جبل إفرست Everest، حيث يبلغ ارتفاعها حوالي 8848 م، فوق سطح البحر. وجبال الألب في وسط أوروبا، يبلغ أقصى ارتفاع لها حوالي 4807 م فوق سطح البحر، عند قمة الجبل الأبيض Le Mont Blanc. كل هذه الجبال الشاهقة والسلاسل الضخمة، تبدو صغيرة، أمام سلسلة الجبال المحيطية Mid-Oceanic Ridge، التي تمتد نحو 60 ألف كم، حيث تبدأ من المحيط القطبي، وتمتد في سلسلة متصلة، في المحيطات الثلاثة الرئيسية، الهادي، والأطلسي، والهندي. وهذه السلسلة تختلف في الارتفاع، باختلاف المناطق الجغرافية، وقد ترتفع قمم هذه السلسلة في بعض المناطق الجغرافية فوق سطح البحر، مكونة عدداً من الجزر، مثل أيسلندا Iceland، وجزر الأزورس Azores Iands.

وينحدر قاع المحيط، من على جانبي السلاسل الجبلية، حتى يصل إلى السهول، والوديان في قاع المحيط، حيث يبلغ أقصى عمق للمحيط، عند هذه الوديان والسهول، في المحيط الهادي، إلى ما يقرب من 6 كم، ولا يبلغ عمق المحيط إلى هذه الأغوار السحيقة فحسب، وإنما ينحدر القاع بشدة في بعض الوديان والسهول، مكوناً الشقوق والخنادق القاعية Deep Oceanic Trenches، وفيها تبلغ المحيطات أقصى عمق لها. فعلى سبيل المثال، يبلغ عمق المحيط الهادي في شق، أو خندق مارياناس Marianas Trench حوالي 11 كم، حيث يعد أعمق مكان في الأرض، في حين يبلغ عمق شق بيرو ـ شيلى Peru - Chile Trench في المحيط الهادي، حوالي 8 كم. أمّا شق بورتريكو Puerto Rico Trench في المحيط الأطلسي، فيبلغ عمقه حوالي 9.2 كم.

وتمتد حواف القارات، داخل المحيطات والبحار، مكونة الامتداد الصخري للقارات، أو الأرفف القارية Continental Shelves. وهذا ما يحدث عند نزول البحر، عند الساحل، حيث يتدرج عمق البحر، كلما توغلنا فيه. وقد تطول الأرفف القاعية، في المحيط، أو البحر، إلى أكثر من مائة كيلومتر، قبل بلوغ عمق 200 م في الماء (أقصى عمق لهذه الأرفف). وقد تقصر إلى عدة كيلومترات، ثم ينحدر القاع بعد نهاية هذه الأكتاف، إلى القاع السحيق للمحيط. وتمثل هذه الأرفف القارية، حوالي 15.3% من مساحة المحيطات، حيث يسمح عمق المحيط عندها بدراسة الثروات المائية واستغلالها. أمّا عمق المحيطات، الذي يراوح بين 2 كم و6 كم، فهو يزيد عن 75% من مساحة المحيطات الكلية، بينما أعماق المحيطات، التي تزيد عن 6 كم، في الشقوق والخنادق، لا تزيد عن 1.5%، من مساحة سطح البحار والمحيطات (اُنظر شكل قاع المحيط).

والمتأمل لسطح البحار والمحيطات، يجدها ساكنة تارة، ومضطربة بالأمواج تارة أخرى. فهناك الأمواج السطحية، التي تحركها الرياح، وهي لا تتعدى 100 م في العمق، ولا تؤثر على الماء في أعماق المحيطات والبحار.

وقد تكون هذه الأمواج السطحية ضعيفة، تحركها ريحاً رقيقة، فلا يعدو سطح المحيط أن يرتفع وينخفض في حركة هادئة. وفي هذه الحالة فإن ارتفاع الموجة يكون منخفضاً، وقوة ارتطامها بالسّاحل ضعيفة. وقد تشتد الرياح المحركة لهذه الأمواج، فتزداد الأمواج شدة ويضطرب سطح المحيط، وترتفع الأمواج، وتزداد قوة ارتطامها بالسّاحل (اُنظر صورة الأمواج الناتجة عن الرياح) و(شكل حركة الأمواج).

وهناك الأمواج، التي تنشأ عن الاختلاف في الكثافة، مثلما يحدث في المناطق القطبية، حيث تقل درجة حرارة الماء عند السطح، فتتحرك هابطة للقاع، ومسببة تيارات مائية هائلة على أعماق سحيقة، قد تصل إلى ما يزيد على ألف متر في أعماق المحيط. أو تلك التي تنشأ نتيجة بؤر الزلازل والبراكين، والانهيارات الأرضية على الأرض، أو تحت الماء، وتسبب هذه التيارات المائية، أمواجاً شديدة ذات ارتفاعات كبيرة، قد تصل في بعض الأحيان إلى ما يزيد عن 30 متراً، وتصل سرعتها إلى عدة أميال في الساعة، وتتابع وراء بعضها، فتصبح كالتلال أو الجبال المتحركة، وتصير أكبر البواخر وسطها، كأنها ريشة في مهب الريح.

 ]أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ[ w (سورة النور: الآية 40).

وتتابع هذه الأمواج عند اقترابها من السّاحل، وتزداد سرعتها، وتبلغ قوة ارتطامها بالسّاحل في كثير من الأحيان أطناناً عديدة، لكل سنتيمتر مربع، وقد تسبب انهيار أجزاء ضخمة من الساّحل في قاع المحيط، أو غرق مدن بأكملها.

وتُعد التسوناميز Tsunamis، من أمثلة هذه الأمواج المدمّرة. وتنشأ هذه الأمواج في المحيط نتيجة بؤر الزلازل، أو البراكين، أو الانهيارات الأرضية، على الأرض، أو تحت الماء. وتساق هذه الأمواج في حركة دائرية من منطقة منشآها، ناحية السّواحل، آلاف الكيلومترات، محتفظة بقدرٍ كبير من الطاقة، وقد يصل طول الموجة الواحدة مئات الكيلومترات. وربما مرت الموجة "التسونامية" في عرض المحيط، دون أن تلحظها السفن، وذلك لعدم ارتفاعها عن متر واحد أو أمتار عديدة. إلاّ أنها عند اقترابها من السّاحل، ترتفع أمواجها، وترتطم بالساحل بشدة، مغرقة المدن، ومسببة الخسائر الفادحة.

1. المدّ والجزر Tides

هما ارتفاع وانخفاض سطح ماء البحر المتتابع. ففي بعض أوقات اليوم، ينحسر ماء البحر لعدة ساعات، فتبدو الصخور، والقواقع، فوق الرمال، ويسمى انحسار الماء "الجزر"، ثم يعود منسوب ماء البحر للارتفاع، فيغّطي السّاحل، ويسمى هذا الارتفاع "المد" (اُنظر شكل منسوب الماء). ويحدث المد والجزر مرتين في ما يقرب من 24 ساعة. والمد والجزر في حقيقته، عبارة عن أمواج، ذات أطوال موجية كبيرة.

ويبلغ أقصى تأثير للمد، عندما تقع الأرض، مع القمر، والشمس، على خط مستقيم واحد، حيث تعضد جاذبية الشمس، تأثير جاذبية القمر، على الأرض. ويسمى المد في هذه الحالة "المد الأعلى" أو التام Spring Tide، وهو يحدث في أول الشهر، ومنتصفه، حيث يزيد عن المد العادي بمقدار 20%. بينما يكون أقل تأثير للمد، حينما تتعامد الشمس والقمر، بالنسبة للأرض، حيث يُضْعِف كل منها تأثير الأخر، ويسمى "الجزر المحاقي" Neap Tide، وهو يحدث مرتين في الشهر، حينما يكون القمر في الربع الأول، وقريباً من ربعه الأخير، وتقل شدته، بمقدار 20%، عن المد العادي (اُنظر شكل المد والجزر).

ويخترق ضوء الشمس، سطح البحر، إلى أعماق قليلة، ويقل هذا الضوء بازدياد، عمق الماء، حتى يختفي الضوء كله، على نحو 450 م، تحت سطح البحر، حيث لا تستطيع العين الإبصار، بعد هذا العمق. لذا، توجد أغلب الأحياء المائية، حتى هذا العمق، حتى تستطيع الكائنات استخدام ضوء الشمس في الإبصار، وتكوين غذائها، أو البحث عنه.

وعلى الرغم من الظلام الدامس، في أعماق البحار، فهناك عدداً من الكائنات المائية، تستطيع الحياة، في هذه الأعماق المظلمة. فبعض أنواع الأسماك، يحتوي جسمها، على خلايا ضوئية، تضئ في الظلام الدامس، وتتحكم في إضاءته أو إطفائه. ويعتمد بعض آخر اعتماداً كلياً على حواس أخرى، غير حاسة الإبصار، مثل: حاسة الشم، أو اللمس.

والماء في هذه الأعماق السحيقة، شديد البرودة. فحرارة سطح البحر أو المحيط تقارب حرارة سطح الأرض. ومع ازدياد الهبوط إلى قاع البحر، تقل درجة الحرارة حتى تصل إلى، أو تقارب، الصفر المئوي على عمق 4 آلاف متر، وقد تقل الحرارة بعد ذلك باستمرار الهبوط، إلاّ أن الماء لا يتجمد، لأنه مالح وتحت ضغط كبير، عند هذه الأعماق.

فالضغط عند سطح البحر، يساوى تقريباً، ضغط الهواء عند سطح الأرض، وهو الضغط الذي تكيفت وظائف الجسم على العمل عنده. وبارتفاع الإنسان في الهواء عن سطح الأرض، يقل الضغط، كما يحدث عند ركوب الطائرات. أمّا عند الغوص في الماء، فإن ضغط الماء يزيد، بازدياد أعماق الماء، حتى لا يستطيع إنسان الغوص لعمق يزيد عن 150 م، وإلا تحطم جسده نتيجة ازدياد الضغط. وللغوص على أعماق تزيد عن 150 م، صُنعت بدل للغوص ذات مواصفات خاصة كي تتحمل الضغط الشديد، وتحمي الغواص أثناء أداء هذه المهمة، أو قد تستخدم في بعض الأحيان خزانات محكمة الغلق، ذات نوافذ زجاجية، تتحمل الضغط الشديد. ويمكن من خلال هذه الخزانات دراسة أعماق المحيطات والبحار.

ويعدّ المحيط الهادي أكبر المحيطات، من حيث المساحة، وأعمقها. ويقع بين غربي القارتين الأمريكتين، وشرقي قارة آسيا. وتصل مساحته إلى حوالي 180 مليون كم3، ويغطى أكثر من ثلث الكرة الأرضية. ويصل متوسط عمق المحيط الهادي إلى حوالي 3940 م، وبه أعمق نقطة في الكرة الأرضية، ممثلة في شق أو أخدود "ماريانا". ويحتوي المحيط الهادي على أكثر من نصف الماء على سطح الأرض، كما يحتوي، كذلك، على حوالي 25 ألف جزيرة، يقع معظمها جنوبي خط الاستواء.

وتوجد على حواف المحيط الهادي المتعرجة، عدداً من البحار، والخلجان، منها: البحر الأصفر، وبحر اليابان، وبحر الصين، وخليج ماجلان، الذي يصل المحيط الهادي بالمحيط الأطلسي.

أمّا المحيط الأطلسي فهو ثاني أكبر المحيطات، من حيث المساحة، ويقع ما بين غربي أفريقيا وأوروبا، وشرقي الأمريكتين. وينقسم المحيط الأطلسي إلى: المحيط الأطلسي الشّمالي، والمحيط الأطلسي الجنوبي، بالتيار الاستوائي المضاد، عند 8 درجات شمالي خط الاستواء. ويرتبط المحيط الأطلسي، بالمحيط الهادي، عند المحيط القطبي المتجمد في الشمال، وممر الدراك Drake Passage في الجنوب. كما يرتبط المحيط الأطلسي، بالمحيط الهادي، كذلك، عند قناة بنما Panama Canal.

وتصل مساحة المحيط الأطلسي، بالبحار الممتدة منه، مثل البحر المتوسط، إلى حوالي 107 ملايين كم3، حيث يغطي ما يقرب 20%، من مساحة الأرض. ويصل متوسط عمق المحيط الأطلسي، حوالي 3332 م، بينما يبلغ أقصى عمق فيه، إلى 8381 م، عند شق بورتريكو.

ويُعد المحيط الهندي، أصغر المحيطات الثلاثة، إذ تصل مساحته، بالبحار الممتدة منه، مثل البحر الأحمر، والخليج الفارسي، إلى حوالي 74 مليون كم3، مغطياً ما يقرب من 20% من مساحة ماء الكرة الأرضية، وتقع معظم مساحة المحيط الهندي في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، حيث يحده من الشمال، قارة آسيا، وشبه القارة الهندية، ومن الغرب، الساحل الغربي لأفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، ومن الجنوب، قارة أنتاركيتكا Antarctica، ومن الشرق، شبه جزيرة الملايو، وقارة أستراليا.

وبمقارنة متوسط عمق المحيطات والبحار، بارتفاع الأرض اليابسة، فوق سطح الكرة الأرضية، لوجدنا مفارقة عجيبة. فمتوسط ارتفاع القارات، يصل إلى حوالي 840 م، فوق سطح الأرض، بينما يصل متوسط أعماق المحيطات، إلى حوالي 3700 م. وبتوزيع كمية المياه الموجودة في هذه الأعماق على سطح الأرض، بفرض أنها كرة ملساء، فإن الماء، سيغطي سطح الأرض، حتى ارتفاع 2430 م، إلاّ أن رحمة الخالق وسعت كل شئ، باتساع هذه المحيطات، لهذا الكم الهائل من الماء.

وتُعد البحار أحواضاً جانبية، ممتدة من المحيطات، قريباً من سواحل القارات. لذا، فهي تتلقى كثيراً من مياه صرف الأنهار العذبة، الأمر الذي يحافظ على درجة الملوحة ثابتة في البحار والمحيطات. وإذا نظرنا إلى الكرة الأرضية، نجد أن غالبية البحار، تفصل بين القارات. فالبحر الأبيض المتوسط، يفصل بين شمال قارة أفريقيا، وجنوب قارة أوروبا. والبحر الأحمر، يفصل بين جنوب غربي آسيا، وشمال شرقي أفريقيا. والبحر الكاريبي، يفصل بين أمريكا الشمالية، وأمريكا الجنوبية. وفي بعض الحالات، توجد بحار تكونت على حواف القارات، وتحاط بسلاسل من الجزر، أو بمساحات من الأرض، مثل: الخليج العربي، الذي يمتد من المحيط الهندي، وبحر إيجة، الذي يمتد من البحر الأبيض المتوسط، وبحر اليابان، الذي يوجد بين اليابان والصين.

وعلى الرغم من اتساع المحيطات والبحار، وما تحويه من ماء، فإن هذا الكم الهائل من المياه، لا يعد سائغاً للشرب، أو للاستخدام الآدمي، لكونه ماء مالحاً. ويبلغ متوسط نسبة الملوحة في معظم مياه البحار والمحيطات، إلى حوالي 3.5%، وفي الخليج العربي إلى حوالي 4.2%، وفي البحر الأحمر إلى 4%، وفي البحر المتوسط تصل إلى حوالي 3.9%. وترتفع نسبة الملوحة، أو تنخفض، في ماء البحر، تبعاً لوجود مصبات أنهار عذبة، في البحر، أو تبعاً لظروف المناخ السائد، في المنطقة.

ففي حالة البحر المتوسط، نجد عديد من الأنهار التي تصب فيه، الأمر الذي يؤدي إلى ثبات نسبة الملوحة عند حد معين، وهو 3.9%. أمّا في البحر الأحمر، أو الخليج العربي، فلا توجد مصبات لمياه الأنهار العذبة الرئيسية في هذه البحار، الأمر الذي يؤدى إلى ازدياد نسبة ملوحتها عن البحر الأبيض المتوسط. كما تصل نسبة الملوحة في البحر الميت إلى 27.5%، وهي نسبة ليس لها مثيل في أي من بحار العالم. وقد أدت هذه الزيادة في الملوحة إلى اختفاء معظم الكائنات الحية منه، لذا، أشتقت تسميته من هذه الحقيقة، إذ لا تستطيع معظم الكائنات الحية، مقاومة زيادة نسبة الملوحة، في هذا البحر.

وقد سُمي ماء البحر "بالماء المالح"، نظراً لاحتوائه على عدد من الأملاح الذائبة فيه، التي يؤدي ذوبانها إلى ملوحة مياهه. ومن أهم الأملاح في مياه البحار والمحيطات، المسببة للملوحة، ملح الطعام، أو ما يعرف بالاسم الكيميائي "كلوريد الصوديوم". وتصل نسبة ملح الطعام إلى حوالي 75%، من مجموع الأملاح الذائبة في ماء البحر. كما يوجد هناك عدد من الأملاح الأخرى، مثل أملاح كلوريد البوتاسيوم، وسلفات الماغنسيوم، وسلفات البوتاسيوم، وأملاح الكالسيوم، التي تشكل في مجموعها مع ملح الطعام، حوالي 3.5% من ماء البحر أو (35 جزءاً من الألف من ماء البحر). ويعني هذا أنّ لتراً واحداً، من ماء البحر، لو عُرض لعملية التبخير، لأنتج كمية من الملح، تساوي 35 جراماً. كما تحتوي مياه البحر، كذلك، على جميع العناصر الكيميائية المعروفة، نظراً لاستقباله مياه صرف الأنهار العذبة، التي تكون محملة بما تحتويه القشرة الأرضية من عناصر، أثناء تدفقها على سطح الأرض. ومن العناصر، التي يحتويها ماء البحر، عنصرا الذهب والفضة، إلاّ أن استخراجهما من ماء البحر، يتطلب مشقة مضنية، وتكاليف عالية، تزيد كثيراً عن قيمة ما يمكن استخراجه.

وقد وجد العلماء، أن 99% من المواد الذائبة في ماء البحر، تتكون بصفة أساسية من ستة مكونات، أكثرها شيوعاً الكلور، ويوجد بنسبة 1.9%، يليه الصوديوم، ويوجد بنسبة 1.06%، ثم الماغنسيوم، ثم الكبريتات، فالكالسيوم، والبوتاسيوم. وعلى الرغم من وجود هذا الكم الهائل من الأملاح الذائبة في ماء البحر، فإن ذلك لا يغير من لون الماء شيئاً. فإذا قارنت بين كوبين، أحدهما يحتوي على ماء عذب، والآخر يحتوي على ماء مالح، من حيث اللون، فلن تجد هناك فرقاً، إذ يحتوي كلاهما على ماء شفاف لا لون له. بيد أن أحدهما يحتوي ملحاً أجاجاً لا يستساغ شربه، والآخر يحتوي عذباً فراتاً سائغاً شرابه. ولكن هناك عددٌ من الخواص الطبيعية، التي تغيرت بوجود هذه الأملاح، منها كثافة الماء. فالماء المالح أثقل من الماء العذب، لذا نجد الطفو فوق الماء المالح، أيسر كثيراً من الطفو فوق الماء العذب. وهذا نتيجة أن السنتيمتر المكعب الواحد من الماء العذب، يزن جراماً واحداً عند درجة حرارة 4°م، (وقد اتخذ هذا المقدار وحدة للأوزان). أمّا السنتيمتر المكعب من الماء المالح، فيزن ما يقرب من 1.026 جم، عند درجة الحرارة نفسها، نتيجة لوجود عددٍ من الأملاح الذائبة فيه، ويسمى هذا الوزن "الوزن النوعي" للماء المالح.

ولا يعتمد وزن الماء على مقدار الملوحة فقط، بل يتأثر، كذلك، بدرجة الحرارة. فقد وجد العلماء أن الماء الدافئ، أخف وزناً من الماء البارد. لذلك تسبب الحرارة الشديدة في المياه الاستوائية تسبب خفة وزن الماء، كما أنها تسبب، في الوقت نفسه، زيادة البخر، مما يزيد من نسبة الملوحة، ومن ثم زيادة وزن الماء. كما، أن ازدياد برودة الماء في المناطق القطبية، يسبب ازدياد وزنه، ومن ثم هبوطه إلى القاع، مسبباً التيارات المائية القطبية.

وفضلاً عن الأملاح، والأيونات، والعناصر الكيميائية، الذائبة في ماء البحر، فإنه يحتوي، كذلك، على عدد من الغازات الذائبة، أهمها غاز الأكسجين، الذي تستخدمه الكائنات البحرية، للتنفس. وتتنفس الكائنات البحرية، كالأسماك، والرخويات، والقشريات، الأُكسجين الذائب في المياه، عن طريق أعضاء تنفسية خاصة، تسمى "الخياشيم"، وهي مماثلة للرئتين في الكائنات البرية، إلاّ أن لها القدرة على استخلاص الأكسجين من الماء. أمّا الكائنات البحرية الثديية، مثل الحيتان، والدلافين، فإنها تتنفس الأكسجين من الهواء الجوي، عن طريق الرئة الموجودة داخل جسمها، حيث تصعد من آن إلى آخر، إلى سطح الماء، للحصول على جرعة من الهواء، وإخراج ناتج التنفس، من غازات محملة بثاني أكسيد الكربون.

وتتحكم درجة حرارة الماء، ونسبة ملوحته، في كمية الغازات الذائبة في الماء. فكلما انخفضت درجة حرارة الماء، وملوحته، ازدادت مقدرة الماء على التشبع بالغازات. لذا تزداد نسبة الأكسجين كثيراً، في المياه الباردة، وتقل في المناطق الاستوائية. كما تزداد نسبة الأكسجين في المياه العذبة، عنها في المياه المالحة.

وهناك مصدران رئيسيان للأكسجين الذائب في الماء، أحدهما عن طريق الهواء الجوي، لذا تزداد نسبة الأكسجين الذائب، في الماء الملامس للهواء الجوي، وتقل نسبته في المياه العميقة. ويُعد الأكسجين المتصاعد من عملية البناء الضوئي للنباتات البحرية، المصدر الثاني للأكسجين الذائب في الماء. وتمتص النباتات البحرية في هذه العملية، ثاني أكسيد الكربون الذائب في الماء ـ في وجود أشعة الشمس والكلوروفيل ـ وتكوِّن مركبات عضوية، يستفيد منها النبات، ويُخرج في المقابل الأكسجين.

ويُعَدّ ثاني أكسيد الكربون، من الغازات المهمة الذائبة في الماء. وتكمن أهميته في دخوله في بناء أجسام النباتات وتكوينها. إذ تستخدمه النباتات في عملية البناء الضوئي، لتصنيع غذائها. وتعد الأنشطة الحيوية في الماء، من تنفس للكائنات الحية، وتحلل لأجسامها، المصدر الرئيسي لغاز ثاني أكسيد الكربون.

2. درجة حرارة الماء

ترتبط درجة حرارة الماء بدرجة حرارة الجو؛ فترتفع درجة حرارة المياه في المناطق الاستوائية، وتقل بدرجة كبيرة في المناطق القطبية.

وقد ترتفع درجة حرارة المياه ارتفاعاً شديداً، حتى تصل في بعض الأحيان إلى 36 °م، كما يحدث في مياه الخليج العربي. وقد تنخفض، في المناطق القطبية، لتصل في بعض الأحيان، إلى أقل من الصفر المئوي، بدرجة أو درجتين. ويُعد هذا التباين في درجات حرارة الماء نعمة من الله، إذ تتباين الكائنات الحية المائية، في درجة الحرارة المثلى المناسبة لوجودها وحياتها، ما بين كائنات حية تفضل المياه الباردة، وكائنات تعيش في المياه المعتدلة، وأخرى تقطن المياه الحارة.

وتغير درجة حرارة الماء تبعاً لحرارة الجو، ليس مطلقاً، كما أنه لا يشمل كل طبقات الماء في آن واحد. فطبقة الماء السطحية تكتسب حرارة الشمس، ثم تفقدها ببطء شديد. لذا، تكون درجة حرارة الماء في الشتاء، أدفأ من درجة حرارة الهواء الجوي. كما تتسرب درجة الحرارة من الطبقات السطحية، إلى الطبقات العميقة ببطء شديد، لذا تكون درجة حرارة طبقات المياه العميقة، أبرد من طبقات المياه السطحية.

وبينما تقل درجة حرارة الماء، كلما ازداد عُمقه، فإن ضغطه يزداد، كلما أوغلنا في العمق. فكل عشرة أمتار عمق في الماء، يقابلها زيادة ضغط الماء، بما يعادل واحد ضغط جوي (14 رطلاً/ بوصة مربعة). لذلك يكون ضغط الماء شديداً للغاية، عند أعماق المحيطات، حيث يصل في بعض الأحيان لما يعادل ثلاثة أطنان/ البوصة المربعة. وعلى الرغم من هذا الضغط الهائل، فإن هناك كائنات بحرية تعيش، في هذه الأعماق، وتتحمل أجسامها هذا الضغط، الأمر الذي أثار فضول الباحثين وحير العلماء في هذه القدرة العجيبة، التي أودعها الله هذه الكائنات.

]الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى[ w (سورة طه: الآية 50)

وهذه الكميات الهائلة من المياه، التي تملأ المحيطات والبحار، ليست ساكنة أو راكدة، بل هي في حركة دائمة ومنتظمة. قد تكون هذه الحركة هادئة تارة، فيصبح الماء مثل البساط المتموج، وقد تزداد هذه الحركة، تارة أخرى، فتأخذ شكل الأعاصير، أو الأمواج المدمرة، أو الدوامات البحرية المميتة. ويتحكم في هذه الحركة عوامل عديدة، منها حركة الأرض حول نفسها، وتأثير أشعة الشمس، والتسخين غير المنتظم للماء، وبرودة المياه عند القطبين، وحركات المد والجزر، والبراكين، والزلازل.

وعلى الرغم من تأثر مياه البحار والمحيطات بدرجة حرارة الجو، إلاّ أنها، في الوقت نفسه، تؤثر في درجة حرارة الجو وحالته، تأثيراً كبيراً، نتيجة احتواء هذه المياه على الطاقة، المستمد غالبيتها، من الشمس، والجزء الباقي من باطن الأرض. وتعمل هذه الطاقة على تدفئة الجو في الشتاء، كما تعمل على زيادة نسبة البخر من المحيطات والبحار. ويتحول هذا البخار إلى سحب، تحملها الرياح إلى أماكن هطولها على هيئة أمطار أو جليد، كي تدخل في دورة الماء.