إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات علمية / الأرقام





لوحة الأعداد
وثيقة اكتشفت في العراق
أقدم الأرقام العربية
الرسوم المختلفة للصفر
الزوايا في الأرقام العربية
العصا الإنجليزية
استخدام الأصابع في العدّ
عد النقود




الفصل الأول

2. الأعداد عند شعوب ما بين النهرين

عُثر، في أماكن متفرقة، على أختام قديمة، تدل على وجود علاقات تجارية بين السومريين ـ أقدم شعوب بلاد ما بين النهرين ـ ومصر والهند كما عُثر أيضاً على كثير من الألواح الطينية، وعليها كتابات سومرية، تكشف عن حياة تجارية نشطة، فيها عقود يشهد عليها شهود، ووثائق تكشف عن أساليب القروض، وفوائدها، التي تتراوح بين 25 % إلى 33 % في السنة. ويبدو أن السومريين قد أخذوا علوم الحساب عن المصريين، أو العكس، ولكنهم على أية حال، توصلوا إلى اكتشاف الأرقام، في حدود عام 3700 ق.م، في تل حرمل بالعراق ، ومما ورد، في هذا الشأن، نص عن رجل يسمى آشور بانيبال يذكر فيه أنه تعلَّم كيفية إيجاد العوامل المشتركة، وإجراء العمليات الحسابية. ونصٌ آخر، بعنوان "قضايا علمية"، يتحدث عن أساليب تدريس الرياضيات، في المدارس، وجداول الضرب.

وجاء البابليون، بعد السومريين، وورثوا عنهم معرفة الأعداد، في حوالي 2400 ق.م، ثم الآشوريون كذلك. وقد أولت شعوب ما بين النهرين الأعداد عناية بالغة، وتوصلوا إلى وضع عدد من القواعد الحسابية، مثيرة للإعجاب. وكتبوا الأعداد على أقراص من الفخار، باستخدام آلات حادة، في خط أفقي من اليمين إلى اليسار، واستخدموا علامات تدل على الطرح، فمثلاً العدد 19 يكتبونه 20 مطروحاً منها واحد، كما فعل الرومان بعد ذلك.

وكانت الرموز التي استخدموها تُعرف بالأشكال المسمارية، فجعلوا رمز العدد "واحد" على شكل مسمار قائم، يتكرر من الواحد إلى التسعة، أما العشرة فجعلوها على الشكلأما الأحد عشر، فهي العشرة معها علامة المسمار "واحد" إلى يسارها، أما المائة فجعلوها على شكل    أي خطين، أحدهما عمودي، والآخر أفقي عن يمينه. أما الألف، فكان يُصوَّر باعتباره عشر مئات  فإذا زيدت عشرة على اليسار، كان العدد عشرة آلاف وهكذا. وكانت أسماء الأعداد، من واحد إلى خمسة، موافقة لأسماء أصابع اليد الواحدة، كالتالي:

1 =       آش

2 =       من

3 =       إش

4 =      لمو

5 =      أي أويا

ثم يضيفون "أي" إلى الأرقام الأولى، لتعني زيادة خمسة، فأصبحت:

6 =      ياش (آي آش)

7 =     أي من

8 =     أيشو (آي شو)

9 =     ألمو (أي لمو)

أما العشرة، فاسمها (أو)، وضعفها العشرون هو نش، ومن العشرة ومركباتها جاءت:

30 =    أو شو (أي 3 عشرات)

40 =    نش من (أي 2 × 20)

50 =    نينو (نيني أو) أي (2 × 20 + 10)  .

وهكذا توصل السومريون، ومن بعدهم، إلى النظام العشري، وابتكروا النظام الستيني، واتخذوه وحدة عددية، عندما رأوا أن محيط الدائرة ينقسم إلى ستة أوتار متساوية، كل وتر منها يساوي نصف قطر الدائرة، وقد فطنوا لذلك لمَّا رأوا بيوت النحل سداسية الأشكال. ثم لاحظوا أن الدائرة تنقسم إلى ستة مثلثات متساوية الأضلاع، قياس كل زاوية فيها ستون درجة، ثم وافق تقسيمهم هذا تقسيم السنة موافقة عجيبة: 6 × 60 = 360 يوماً.

ويظهر اعتماد النظام الستيني في تقسيم الساعة إلى ستين دقيقة، والدقيقة إلى ستين ثانية. ولا يزال هذا النظام معمولاً به، حتى الآن، في قياس الزوايا والزمن. وكذلك المثقال يساوي ستين وَزْنَة، والوزنة ستين حبة. ومن ثم كان للرقم ستين اسم خاص، وليس مركباً كغيره، فهو "جش"، ومربعه (60×60)= 3600 يسمى "سار"، أما قوته المربعة (3600×3600)= 12.960.000 فتسمى "السار العظيم".

والنظام الستيني أفضل من النظام العشري؛ نظراً لقابلية العدد 60 للقسمة بسهولة على 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 12، وهذا يُيسِّر عمليات حساب الكسور (فالكسر 3/10 مثلاً يُعبَّر عنه، في النظام الستيني، بالعدد الصحيح 18)، ومن ثم، أدى استعمال النظام الستيني، من جانب علماء بابل، إلى التخلص من بعض الكسور، مما نتج عنه سهولة في إجراء عمليات الضرب والقسمة.

عرف البابليون النظام الإثني عشري للأعداد؛ فقسَّموا اليوم إلى اثنتي عشرة فترة، مدة كل منها ساعتان، وقسَّموا الأعداد إلى دزّينات (أي وحدات، قيمة الوحدة 12).

وجعلوا الرطل (وهو 12 أوقيَّة) وحدة للوزن، ثم جاء النظام الستيني مكملاً للنظام الإثني عشري، لا ناقضاً له.

ولقد استعمل علماء بابل الجداول الرياضية لإجراء عمليات الضرب والقسمة، واستخراج الكسور، وأسس الأعداد، والجذور التربيعية، والتكعيبية. وقد وُضعت الجداول لتعليم الرياضيات للطلاب. وقد اكتشف العلماء نحو مائتي لوح فخاري تتضمن جداول رياضية.

وقد وفَّرت هذه الجداول للبابليين الكثير من الوقت والجهد، ومكنتهم من إجراء عمليات الضرب والقسمة في الأعداد الكبيرة.

ومن هذه الجداول، الجداول المقلوبة، التي استخدموها في القسمة، وبذلك حوَّلوا عملية القسمة إلى عملية ضرب، فلإيجاد قيمة الكسر كانوا يكتبونه كحاصل ضرب  وفي الوسع معرفة باستخراجه من الجداول ككسر ستيني، لأن الستين تمثل الوحدة هنا.

وقد مكنهم العدد 60 من كتابة كسور كثيرة بسهولة فإن(3 عشرات) يعني عندهم النصف، ويعني 30، ويعني 30×60، وكذلك 30×60 ن، حيث ن أي عدد صحيح موجب أو سالب كما أن   تعني 20 و 1 أي

 

كما نكتبها كسراً اعتيادياً، ويُلاحظ هنا أن تحويلها إلى الطريقة العشرية سوف يؤدي إلى كسر دوري غير مُنْته. وقد اُكتشفت، مؤخراً، وثيقة في منطقة تل الضباعي، في العراق بها نماذج من هذا القبيل (أُنظر شكل وثيقة اكتشفت في العراق). وهناك مثال من الوثيقة هو:

أ
1

أ
1

أ
2

أ
30

أ
5

أ
12

أ
30

أ
2

56.15

1.40

1.52.30

32

4

15

20

3

50

1.12

1.40

36

3.45

16

15

4

48

1.15

1.30

40

3.20

18

12

5

45

1.20

1.20

45

3

20

10

6

44.26.40

1.21

1.15

48

2.30

24

7.30

8

 

 

1.12

50

2.24

25

6.40

9

 

 

1.6.40

54

2.13.20

27

6

10

وتوصل البابليون إلى طرق إيجاد مساحات المثلثات، والمستطيلات، والأجسام متعددة السطوح، والأسطوانة، وشبه المنحرف، واستخدموا معادلات من الدرجة الثانية، كالمسألة الآتية (التي وردت في أحد نصوصهم).

ما طول بعدي مستطيل، إذا كان مجموع مساحته، والفرق بين ضلعيه يساوي 183، ومجموع الضلعين يساوي 27. والوضع الجبري لهذه المسألة:

س ص + س - ص = 183  

س + ص = 27   .          

(الحل: س = 14 ، ص = 13   أو     س = 15 ، ص = 12)

الصفر. هل اكتشفه البابليون؟

يكاد يجمع النقاد على أن أهل بلاد ما بين النهرين ـ شأنهم شأن أهل الحضارات القديمة الأخرى ـ لم يتوصلوا إلى معرفة الصفر  وإن كان البعض يرى أن البابليين عرفوا الصفر، وكانوا يستعملونه بانتظام، بدءاً من العصر السليوقي حوالي عام 300 ق.م، وأنه انتقل، بعد ذلك، إلى الهنود، الذين وضعوا له رمزاً خاصاً، وسموه سونيا أي الفراغ .

3. الأعداد عند الصينيين

رمز الصينيون إلى اللون الأبيض، والنهار، والحرارة، والشمس، والنار بالأعداد الفردية، ورمزوا إلى اللون الأسود، والليل، والبرودة، والماء، والأرض، والمادة بالأعداد الزوجية. وكانوا يكتبون الأعداد على لوحة مقدسة، هي المربع السحري، أو يستخدمون حبات، تشبه الكرات، مثقوبة تنزلق على قضبان رفيعة من الخيزران، وهو ما يُعرف بالمعداد الصيني.

وقد اشتهر بين الصينيين العالم الرياضي جانج تسانج (الذي توفي 152 ق.م)، الذي وضع كتاباً في الجبر والهندسة. كما برز العالم تسو تشونج جي، الذي توصل إلى القيمة الصحيحة للنسبة التقريبية إلى ثلاثة أرقام عشرية.

ووضع الصينيون أساس التقويم الفلكي، بتقسيم اليوم إلى 12 ساعة، والسنة إلى 12 شهراً قمرياً، يتحدد بداية الشهر فيها بظهور الهلال، وكانوا يضيفون شهراً آخر في كل ثلاث سنوات تقريباً، ليتوافق التقويم القمري مع التقويم الشمسي.

أمّا نظام الترقيم لدى الصينيين، فيرجع تاريخه إلى القرن الثاني عشر ق.م. وهو نظام بدائي، يسمى نظام "الباكو"، ويقوم أساساً على شكلين، أولهما يانج Yang، ويرمز إليه بالخط ــ، والثاني ينج Ying، ويرمز إليه بخطين ــ ــ ، ومن هذين الرمزين تتركب الأرقام.

ولقد عرف الصينيون نظام المراتب العددية، والمرجح أنهم اقتبسوه من النظام البابلي، أما أشكال الأرقام الصينية، وبالأحرى الصينية اليابانية فكانت عبارة عن رسوم خاصة.

ـــ

ـــ

_ _

_ _

ـــ

_ _

ـــ

_ _

_ _

_ _

_ _

_ _

3

Wind

2

Water

1

Mountain

0

Earth

ــ

ــ

ــ

_ _

ــ

ــ

ــ

_ _

ــ

_ _

_ _

ــ

7

Heaven

6

Stream

5

Fire

4

Thunder

4. الأعداد عند اليونان والرومان

أ. اليونان

دامت الحضارة المصرية، والحضارة البابلية، نحو خمسة وثلاثين قرناً، ولكنهما شهدا نهايتهما عندما زحفت الجيوش اليونانية، وعلى رأسها الإسكندر المقدوني، في القرن الرابع ق.م، واستولت على مصر والعراق ومن ثمّ، أخذ اليونانيون الكثير من العلوم والفنون عن المصريين، والبابليين. بالإضافة إلى ذلك أن اليونانيين كانت لهم صلات كبيرة بهاتين الحضارتين، عن طريق التجارة، والهجرات. وقد استفادوا في علوم الحساب من هاتين الحضارتين. وزادوا على ما أخذوا، وأضافوا إضافات هامة. واشتغلوا بالهندسة (وقد ارتبطت عندهم بالحساب ارتباطاً وثيقاً) وحققوا في ذلك تقدماً ملحوظاً، وأقاموا لها البراهين العقلية، والخطوات المنطقية ويعدُّ كتاب إقليدس، في الهندسة، هو أهم الكتب التي وُضعت في هذا العلم، فقد جعله في ثلاثة عشر بابا، خصصَّ الأبواب السابع، والثامن، والتاسع، عن الأعداد والحساب.

ذكر إقليدس، في هذه الأبواب الثلاثة، خواص الأعداد القابلة للقسمة، وحدَّد ما هية وخواص الأرقام الفردية والزوجية، والأُس التربيعي، والتكعيبي، والأعداد التامة، والأعداد الناقصة. وخصصَّ الكتاب السابع للأرقام الأولية، وأثبت أنها لا نهائية، فمهما يكن عدد الأرقام الأولية، المعروفة لدينا، فإن بالإمكان إيجاد رقم آخر يختلف عن كل منها.

اقتبس اليونانيون الأبجدية الفينيقية أو الأرامية، في نهاية الألف الثاني ق.م، وزادوا بعض الحروف، وأجروا بعض التغيير على الأشكال الأصلية لها لتلائم لغتهم، واستخدموا حروفها للدلالة على الأرقام منذ القرن السابع ق.م. ولتمييز الحرف الهجائي عن الرقم التعدادي، رسموا خطاً صغيراً إلى يمين الحرف من أعلى بالنسبة للآحاد والعشرات، والمئات، حتى العدد 900 . أما ما يلي ذلك فقد عادوا فاستخدموا له الحروف الأبجدية التسعة الأولى بعد تمييزها بوضع خط صغير إلى يسار الحرف من الأسفل . فجاء نظام العدد عند اليونان خليطاً مشوشاً من النظام العشري البابلي المصري، والنظامين الاثني عشري والستيني السومري.

(1) فيثاغورس والحساب

هاجر فيثاغورس Pythagoras (582 ـ 500 ق.م) من جزيرة ساموس في بلاد اليونان إلى جنوب إيطاليا وقد استقى جميع نظريات الحساب من مصدر ما، وسرعان ما كوَّن مدرسة لها اتجاهها الخاص، كان أعضاؤها ينظرون إلى الأرقام نظرة تقديس، ويرون أن لها خواصاً معينة، وأن لكل رقم مغزى خاص به. وقد اعتبروا الأعداد الزوجية قابلة للذوبان، ومن ثم فهي مؤنثة ودنيوية وفانية، باستثناء الرقم 4، أما الأعداد الفردية، فهي ليست كذلك، بل هي سرمدية، غير قابلة للذوبان، ومذكَّرة، وسماوية. وربطوا بين كل عدد، من الأعداد، بصفة من الصفات الإنسانية، كالتالي:

الواحد: يمثل العقل، ولا يقبل التغير.

والاثنان: تمثل الرأي.

والثلاثة: تمثل أول عدد مذكر.

وأربعة: تمثل العدل، لأنها أول مربع كامل، أي حاصل ضرب عددين متساويين.

وخمسة: تمثل الزواج، لأنها اتحاد أول عدد مؤنث (2) بأول عدد مذكر (3).

ويلاحظ أن الواحد لم يعتبر عدداً فردياً، أو زوجياً، بل هو أصل جميع الأعداد.

وكان، لأتباع فيثاغورس، صلواتهم، التي يتوجهون بها إلى المربع الكامل (أي العدد 4)، قائلين:

    "باركنا أيها العدد السماوي الذي خلق الآلهة والناس. أيها الرباعي المقدس، الذي يشمل أصل هذا الخلق، الذي لا ينقطع إلى الأبد". وهذا الرباعي المقدس، عندهم، يمثل العناصر الأربعة: النار والماء والهواء والتراب. وإذا جردنا هذه الفلسفة مما يحيط بها من أسرار دينية، نجد أنها شملت فكرة أساسية، هي أنه عن طريق العدد يستطيع الإنسان أن يلم بطبيعة الكون. ولذا عبر أحد تلامذة فيثاغورس عن تلك الفكرة بقوله: "إن جميع الأشياء في الكون لها عدد يعبِّر عنها، وبدون العدد لا يمكن إدراك أي شيء، أو معرفته". وقال غيره: "إن جميع الأشياء قد وضعت في ترتيب من عمل الآلهة، التي خلقت جميع الأشياء تبعاً لعدد يمكن للعقل وحده إدراكه، وعلى ذلك فهي حقيقة أبدية". وعندما سُئل فيثاغورس عمن هو الصديق، أجاب: "هو من كان صورة منِّي، مثل العددين 220 و 284". ويعنى هذا بالمفهوم الحديث أن عوامل 284 هي 1 و2 و4 و71 و142 ومجموع هذه العوامل 220. وأما عوامل 284 فهي: 1 و2 و 4 و5 و10 و11 و 20 و22 و44 و55 و110، وهذه مجموعها 284. ويطلق فيثاغورس على مثل هذين العددين، اللذين يكون مجموع عوامل كل منهما مساوياً للآخر أعداداً متحابة. وكان الإغريق يجدون متعة، لا حد لها، في اكتشاف مثل هذين الزوجين من الأعداد المتحابة، وقد عرفوا منها نحو مائة زوج.

وقد وضع فيثاغورس صيغة للأعداد، التي سُميت فيما بعد باسمه (الأعداد الفيثاغورية)، وهي الأعداد التي تُشكل أضلاع مثلث قائم الزاوية، أطوال أضلاعه أعداد صحيحة. والصيغة التي وضعها فيثاغورس هي:

إذا كان م أي عدد فردي، فإن:

م2 + (م2 - 1)2 = (م2 + 1)2

        2             2

وهناك صيغة أخرى هي:

(2م) 2 + (م 2 - 1) 2= (م 2 + 1) 2

أما شرط فيثاغورس أن تكون م فردية، فهو من أجل أن يكون العدد عدداً صحيحاً، وكذلك العددإذ أنمربع العدد الفردي هو عدد فردي، فإذا طرحنا من المربع العدد 1، أو أضفناه إليه أصبح عدداً زوجياً.

(2) الأعداد اللانسبية[4] (غير القياسية):

اعتقد الفيثاغوريون أن لكل رقم ميزة خاصة به، أو قُل، سحراً خاصاً به. وأنه ليس هناك شيء في الكون إلا يمكن التعبير عنه برقم مضبوط، بلا تقريب. وكان من الأسباب، التي حملتهم على هذا الاعتقاد، ملاحظتهم أن السُلَّم الموسيقي يتغير على أساس عددي بشكل يقابل الأعداد 1/ 2، 1/ 3، 1/ 4 من طول الوتر، ولهذا السبب، أطلقوا على مثل هذه الأرقام، والتي مقلوباتها متوالية عددية، بالأرقام التوافقية. غير أنهم وجدوا أن قطر المربع، الذي ضلعه الوحدة الواحدة، لا يمكن قياسه بدقة تامة؛ بمعنى آخر، ليس هناك مقياس مشترك بين قطر المربع وضلعه. وهذا يعني أنلا يمكن أن يُكتب بشكل نسبة بين عددين صحيحين. وكان برهانهم على أنعدد غير نسبي، كما ذكره أرسطو، كالتالي:

نفترض أن طول مربع ما هو (أ) وطول قطره هو (ج) ينبغي أن نبرهن على أن النسبة بين الطولين ج/أ  تُشكِّل عدداً غير نسبي، فلنفترض أن ج/أ هو عدد نسبي، ونرمز له بشكل أبسط هو ل/م حيث ل ، م عددان صحيحان، ليس بينهما عامل مشترك (أي أوليان) فيكون

ج22 = ل22 = 2

لأن ج 2 = 2أ 2

فيكون ل 2 = 2م 2  

إذاً ل 2 عدد زوجي، وبالتالي فإن ل كذلك. ويجب أن يكون م عدداً فردياً.

إذن كان ل عدداً زوجياً، وليكن ل = 2 ن، فإن ل2= 4ن2 = 2م 2.

إذن م 2 عدد زوجي، ولذا فإن م عدد زوجي.

وهكذا وجدنا أن م عدد فردي وزوجي في آن واحد، وهذا مستحيل. إذاً فالعدد

ج/أ = هو عدد غير نسبي.

(3) تعريف بالأعداد الإغريقية

استخدم الإغريق أكثر من نظام عددي، وأهمها هو استخدام حروفهم الهجائية، وعددها 24 حرفاً، أضافوا إليها ثلاثة أحرف، أخذوها عن الفينيقيين؛ وقسَّموا هذه الحروف السبعة والعشرين إلى ثلاثة أقسام، كل قسم منها مكوَّن من تسعة أحرف:

التسعة الأولى تمثل أرقام الآحاد.

والتسعة الثانية تمثل أرقام العشرات

والأخيرة تمثل أرقام المئات

أما الآلاف فعبَّروا عنها بوضع علامة  '  فوق أي رقم تعبيراً عن الألف. فالحرف A معناه واحد أما فمعناه ألف. والحرف معناه عشرة، أما فمعناه عشرة آلاف، وهكذا.

وإذا كان كل حرف يُمثِّل عدداً معيناً، فإن مجموع الأعداد، التي تُمثِّل حروف الكلمة، يُمثِّل العدد الدال عليها. ويعني هذا أن الكلمتين تكونان متكافئتين، إذا كان حاصل جمع الأعداد، الدالة على حروف أحدهما، مساوياً لحاصل جمع الأعداد، الدالة على حروف الأخرى. ومن ثم، فقد فسَّروا ما ورد في أساطيرهم، من انتصار البطل اليوناني أخيلليس Achilles، في ملحمة الإلياذة، على البطل الطروادي هكتور Hector، بأن مجموع أعداد حروف اسم الأول (1276) أكبر من مجموع أعداد حروف اسم الأخير (1225).

وذكرت إحدى أساطيرهم، أن أحد الشعراء، أراد القضاء على خصم له، يسمى تاماجوراس Tamagoras، فجمع الأعداد، التي تدل عليها حروف اسمه، وأثبت أنها تساوي مجموع حروف كلمة، هي اسم لمرض عُضال، فهلك.

وتوصل اليونانيون إلى معرفة المعداد، كما ذكر ذلك المؤرخ هيرودوت، والمؤرخ بوليبيوس، الذي يقول عن مجلس البلاط في أيام الملك فيليب الثاني، في مقدونيا:

"إن رجال حاشية الملك أشبه بحبَّات العدّ على المعداد، يمكن التحكم فيها، بكل سهولة، على هوى الذي يستخدم المعداد، وهذه الحبات، قد تكون، في وضع ما، ذات قيمة كبرى، وقد تكون في اللحظة التالية، عديمة القيمة".

وذكر هيرودوت استخدام الفرس لطريقة في حصر الأعداد الكبرى، أخذ بها اليونانيون، وذلك بقوله: " توقف الملك الفارسي، دارا الأول، في وادٍ فسيح بجوار شاطئ البحر. ووجد أن هذا هو أنسب مكان يعدُّ فيه جيشه. فبدأ بجمع عشرة آلاف رجل في مكان، متراصين بجانب بعضهم البعض، ثم رسم حولهم خطاً، وبنى سوراً منخفضاً، على هذا الخط، بعد إخراج هؤلاء الأفراد، ثم أمر بإدخال مجموعة أخرى، وهكذا، فكان العدد الإجمالي هو مليون وسبعمائة ألف.

(4) أرشميدس، عبقري الأعداد، يعد حبات الرمال

أثبت أرشميدس[5]  Archimedes   (287 – 212) ق.م ، في القرن الثالث ق.م، أن من المستطاع التوصل إلى معرفة، وتحديد، عدد أي شيء في هذا الكون، مهما كان؛ ففي مؤلَّفه "حاسب الرمال" Psammites  يقول:

"يظن بعض الناس أن عدد حبات الرمال، في جزيرة صقلية، لا نهائي ويظن البعض الآخر أنه لا يمكن ذكر عدد، كائناً ما كان، يدل على عدد حبات رمال الأرض كلها. وإنني أقول، لو أننا تصورنا كتلة رملية في مثل حجم الأرض، بما فيها من بحار، وبعد ملء ما فيها من فجوات حتى تتساوى مع أعلى الجبال، فإنه يمكن معرفة عدد حبات رملها، بل يمكنني التوصل إلى عدد الحبات في كتلة رملية تعادل حجم الكون كله كذلك". والطريقة، التي يعرضها أرشميدس، لكتابة الأعداد الكبيرة في مؤلَّفة المشهور، تماثل الطريقة التي تُكتب بها الأعداد الكبيرة، في العلوم الحديثة؛ فهو يبدأ بأكبر عدد في علم الحساب اليوناني القديم، وهو "ميرياد Myriad "، أي عشرة آلاف، ثم يضيف عدداً جديداً هو "ميرياد ميرياد" أي مائة مليون، ويسميه أوكتاد Octade، ويستمر على هذا المنوال، فيضيف "أوكتاد أوكتاد" أي عشرة ملايين من البلايين، ثم أوكتاد أوكتاد أوكتاد"، وهكذا. وكان على أرشميدس أن يعرف مقدار اتساع الكون حتى يستطيع أن يحسب عدد حبات الرمال، اللازمة لملئه. وكان المعتقد، في ذلك الوقت، أن الكون تحيط به كرة، من البللور، ثُبّتِت النجوم على سطحها الداخلي. وكان أرستارخوس Aristarchus، عالم الفلك الشهير، الذي كان معاصراً لأرشميدس، قد قدَّر بُعد الأرض، من محيط تلك الكرة السماوية، بعشرة بلايين ستاديوم (أي ما يعادل بليون ميلاً تقريباً). وبمقارنة حجم هذه الكرة بحجم حبة الرمل، أجرى أرشميدس سلسلة من العمليات الحسابية المعقدة، خلص منها إلى النتيجة الآتية:

"من الواضح أن عدد حبات الرمل، التي تملأ فراغ الكون، بحسب البعد، الذي توصَّل إليه أرستارخوس، لا يزيد عن ألف ميرياد × أوكتاد 7"، أي ما يعادل بترقيمنا الحديث 10 63، أي واحد صحيح، وعن يمينه 63 صفراً.

ب. الرومان

استخدم الرومان رموزاً تعبر عن أرقامهم، وكانت هذه الرموز سبعة فقط، بها كتبوا كل أعدادهم، هذه الرموز إما منفردة وإما مركبة. وتشمل هذه الرموز السبعةI  (1)،V (5)،X   (10)، L (50)،C  (100)، D (500)، M (1000)  وقد رمزوا إلى رقم 5 بعلامة تمثل كفاً مفتوحة V، إلا أن اتجاه فتحتها إلى أعلى، ورقم 10 بتكرار علامة الخمسة X، غير أن النظام العددي الروماني الذي كان مستخدماً نحو القرن الخامس قبل الميلاد يختلف عن النظام المستخدم الآن. فمثلاً يكتبون 4 بالشكل IIII، ورقم 9 بالشكل VIIII أما في الجمع فكان لهم رموز مختلفة للأرقام القابلة للقسمة على 1.000.

وتُكتب الأعداد الرومانية من اليسار إلى اليمين، باستخدام مبدأ الإضافة في معظم الحالات، فتكتب الآلاف أولاً تليها المئات ثم العشرات وأخيراً الآحاد. ويكتب اليوم الوطني الماسي للمملكة العربية السعودية، (مرور 75 عاماً على تأسيسها) بالتقويم الميلادي، الذي يصادف سنة 2007، كالآتي MMVII .

في نظام الأعداد الرومانية، يكون وضع عدد أصغر قبل عدد أكبر، معناه أن الرقم الأصغر مطروح من الرقم الأكبر. ويُستخدم هذا المبدأ عموماً في الأربعات والتسعات. وعلى ذلك فإن رقم 4 يُكتب IV، كما يكتب رقم 9 IX وعادة ما ينطبق هذا المبدأ على أي رقم يبدأ بعدد 4، أو 9 مثل؛ 40 (XL) و90 (XC) ومع ذلك يمكن أيضاً استخدام مبدأ الجمع في كتابة مثل هذه الأعداد فمثلاً يمكن كتابة 400 CCCC بدلاً من CD.

استخدم الناس في كل أنحاء أوروبا الأرقام الرومانية، حتى القرن السادس الميلادي. فقد وجدوا سهولة في الجمع والطرح باستخدام الأعداد الرومانية. غير أنهم وجدوا صعوبة في إجراء العمليات الحسابية الأخرى. وفي أواخر القرن السادس عشر، بدأ استخدام الأعداد العربية بدلاً من الرومانية. ويُستخدم الآن النظام الروماني لترقيم أوجه بعض الساعات، ولتسجيل التاريخ على الآثار والمباني العامة وأحياناً في ترقيم فصول بعض الكتب أو المطبوعات (أُنظر جدول الأعداد الرومانية من 1 إلى مليون).

وجدير بالذكر أن الرومان استخدموا النظام العددي الاثنا عشري، ويبدو أنهم نقلوه عن حضارات البابليين السابقة عليهم وكان الرومان يعتبرون الرقم 12 رقماً مقدساً، وكانت البوصة، والأوقية تقسيمتين اثنا عشرية. والكلمة الإنجليزية دزينة dozen مشتقة من كلمة لاتينية تعني اثني عشر.

5. الأرقام عند الهنود القدامى

أدلى الهنود بدلوهم، وأحدثوا طفرة في علم الحساب، ويذكر المؤرخون بكل تقدير واحترام اسم الرياضي الهندي (أريابهاتا) ـ أعظم الرياضيين والفلكيين الهنود ـ الذي ترك قصائد شعرية رياضية تناولت المعادلات الرياضية، وحساب المثلثات، وتقدير النسبة التقريبية (ط) في استخراج مساحة الدائرة. ففي الحساب والجبر يعطى أريابهاتا قواعد لحساب القوى، والجذور، والمتواليات العددية، ومجموع مربعات الأعداد المتوالية، ومجموع مكعباتها، وحل المعادلات التربيعية.  وفي الهندسة نجد بضع قواعد لحساب المساحات والحجوم. وفي كتابه مبادئ للمثلثات.

ومن أطرف ما في كتاب أريابهاتا الطريقة التي يشرحها للترقيم. وجدير بالذكر هنا أن الهنود أخذوا الطريقة البابلية الستينية في الترقيم. ولكنهم، في أراجيزهم (أي أناشيدهم)، يذكرون الأعداد بالألفاظ. إلا أن أريابهاتا يرمز إلى الأعداد من 1 إلى 25 ثم 30، 40 إلى 100 بحروف صوتية. ويستعمل حرف الألف والياء لتمييز المنازل، فيستعمل الألف للدلالة على الآحاد والعشرات، والياء للدلالة على المئات والألوف.

كما تناول أسباب ظاهرتي الكسوف والخسوف، والفصول الأربعة، وكروية الأرض، ودورانها حول محورها كل يوم وليلة. وجاء بعده خلفه (برهما جوبتا) الذي أرسى النظام العشري للأعداد.

ويبدو أن العرب قد أخذوا الأرقام عن الهند، فإننا نرى الأرقام العربية منقوشة على صخرة تسمى "صخرة المراسيم"، التي خلَّفها الكاهن أشوكا (عام 256 ق.م)، أي قبل استخدامها في الكتابات العربية بنحو ألف عام. ومن المسائل الطريفة التي وردت في نقوش الهند القديمة ما يلي:

هناك خلية من النحل، وقف خُمسها على زهرة كادامبا، ووقف ثُلُثُها على زهرة سلنذرة، وطار ثلاثة أمثال الفرق بين هذين العددين فوقف على زهر الكوتاجا، وبقيت نحلة واحدة تحوم في الهواء، فانبئيني أيتها الفتاة الفاتنة الجمال، كم عدد النحل كله؟

وقد عرف الهنود الأعداد التامة والمتحابة من قبل فيثاغورس. وهناك قصة من تراثهم عن أمير مجموع حروف اسمه يساوي 284، كان يبحث عن عروس مجموع حروف اسمها يساوي 220، معتقداً أن هذا هو ضمان السماء له بالسعادة معها.

وقد ظل الهنود يستخدمون نظاماً للترقيم شبيهاً بالنظام الصيني حتى عام 300 ق.م حين توصلوا إلى نظامهم العشري. والأسباب الحقيقية والكيفية، التي توصل بها الهنود إلى ذلك، يلفها الغموض. ويذهب البعض إلى أن الأرقام من 4 إلى 9 في أشكالها الأصلية، التي تعود إلى القرن الثالث ق.م، قد اشتقت من أحرف مقابلة لها في الأبجدية الهندية، وتسمى البكتريا Bactria وهو اسم قديم لمنطقة في شمال الهند". أمّا الأرقام الثلاثة الأولى من 1 إلى 3، فالمرجح أنها جاءت من سحبة القلم مرة، ومرتين، ثلاث مرات، أو أنها محاكاة للأصابع. بينما يرى البعض الآخر أن الأرقام الهندية قد اشتقت من الأحرف العشرة الأولى في الأبجدية الآرامية القديمة، التي اقتبسها الهنود، مع الأبجدية، مع النظام العشري، من البابليين، وذلك في نحو عام 405 ق.م. وهذا الرأي ليس ببعيد، فقد ذكر ابن النديم (في كتاب الفهرست ـ 30) أن علماء المشرق تشتتوا بعد غزو الإسكندر لبلادهم، وذهب بعضهم إلى الهند، واستقر بها".

واخترع الهنود، في الحساب، طرقاً متنوعة فيها ابتكار وطرافة. وكان الدافع إليها التسلية والمتاع العقلي، فعرفوا المتواليات العددية، وتفننوا في المربعات السحرية. ووصلوا إلى معادلات الدرجة الثانية، وعرفوا العلاقات بين الأقطار والأضلاع في المربعات والمستطيلات، والأحجام، والمساحات.

قصة تتعلق ببراعة الهنود في الحساب:

    برع كثير من علماء الهند في الحساب، وعرف بعضهم الأعداد المتناهية في الكبر، ومن ذلك ما روته أسطورة قديمة أن الملك شرهام، ملك الهند، أراد أن يكافئ وزيره سيسيا، البارع في الحساب، لاختراعه لعبة الشطرنج، وإهدائها له، وكانت رغبة الوزير الماكر تبدو متواضعة للغاية، فقد ركع أمام الملك، وقال: "مُر لي يا مولاي بحبة قمح واحدة توضع على المربع الأول من رقعة الشطرنج، وبحبتين على المربع الثاني، وأربع حبات على المربع الثالث، وثمان على الرابع، وهكذا تُضاعف لي العدد عند كل مربع تال، حتى تغطى مربعات الرقعة الأربعة والستين".

    قال الملك وهو يخفي سروره، لأنه تصور أن ما يطلبه الوزير لن يكلف خزائنه كثيراً: "لقد أوتيت سؤلك يا عبدي المخلص". ثم أمر الملك بإحضار جوال كبير من القمح، ولكن عندما أخذ في عد الحبوب، حسبما طلب الوزير، نفذ الجوال قبل عد ما يكفي للمربع العشرين، فأخذ رجاله يحضرون الأجولة، تلو الأجولة، حتى بدا واضحاً أن الملك لن يستطيع أن يفي بوعده لوزيره، حتى لو جمع محصول الهند من القمح، إذ كان يحتاج، ليفي بوعده، إلى 1 + 2 + 2  2 + 2 3... + 2  62 + 2  63  أي 18.446.744.073.709.551.615 حبة قمح!! وهذا العدد، لو أننا حسبنا متوسط محصول العالم كله من القمح، في العام، لوجدنا أن حبات القمح، التي التمسها الوزير، تعادل محصول العالم كله لمدة ألفي سنة تقريباً!!!

    وقد اتصل العرب بالهند، وأخذوا عنهم الكثير، وأعجبوا بهم إعجاباً هائلاً، قال الجاحظ: "ولولا خطوط الهند لضاع من الحساب الكثير والبسيط، ولبطلت معرفة التضاعيف،... ولصار الناس في حال معجزة وحسور، وإلى حال مضيعة، وكلال حد".

    وقال أيضاً: "وأمّا الهند فوجدناهم يُقدمون في النجوم والحساب، ولهم الخط الهندي خاصة، ويُقدمون في الطب، ولهم أسرار الطب وعلاج فاحش الأدواء خاصة، ولهم خرط التماثيل...، ولهم الشطرنج، وهو أشرف لعبة، وأكثرها تدبيراً وفطنة، ولهم السيوف، وهم ألعب الناس بها، وأحذقهم ضرباً بها..، ولهم السحر،... ومن عندهم خرج الفكر، وما إذا تُكلِّم به على السم لم يضر، وأصل حساب النجوم من عندهم أخذه الناس خاصة".

    وقال صاعد بن أحمد: "الهند أمة كثيرة القدر، عظيمة العدد، فخمة الممالك، وقد اعترف لها بالحكمة، وأقر لها بالتبرُّز في فنون المعارف، جميع الملوك السالفة، والقرون الماضية، فكانت الهند عند جميع الأمم، على مر الدهور، معدن الحكمة وينبوع العدل والسياسة.. وقد ألحقوا بعلوم  الأعداد صناعة الهندسة، ونالوا الحظ الأوفى في معرفة حركات النجوم، وأسرار الفلك، وسائر العلوم الرياضية.. وأشهر مذاهبهم في الرياضيات، مذهب السند هند، الذي تقلَّده جماعة من أهل الإسلام، وألفوا فيه الأزياج (أي الكتب) كمحمد بن إبراهيم الفزاري، ومحمد بن موسى الخوارزمي، والحسين بن محمد، المعروف بابن الآدمي،.. وتفسير السند هند "الدهر الداهر". ومما وصل إلينا من علومهم في العدد حساب الغبار، الذي بسطه أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي، وهو أوجز حساب، وأخصره، وأقربه تناولاً، وأسهله مأخذاً، وأبدعه تركيباً، يشهد لأهل الهند بذكاء الخواطر، وحسن التواليد، وبراعة الاختراع".

    وكتاب السند هند، هو كتاب جامع لعلم الأفلاك والنجوم والحساب، وغير ذلك من أمور العالم. وهو يتكون من 24 باباً، وقد أُلِّف في سنة 7هـ، وجاء به رجل من وفد أهل السند، الذين قدموا إلى بغداد في سنة 154هـ.

    وذكر صاعد بن أحمد أنه قدم على الخليفة أبي جعفر المنصور، في سنة ست وخمسين ومائة، رجل من الهند عالم بالحساب المعروف بالسند هند في حركات النجوم، مع تعاديل معلومة على كردجات (جداول) محسوبة لنصف نصف درجة، مع ضروب من أعمال الفلك، في كتاب يحتوي على اثنى عشر باباً، وذكر أنه اختصره من كردجات منسوبة إلى ملك من ملوك الهند يسمى قبغر، فأمر المنصور بترجمته إلى اللغة العربية، وأن يُؤلَّف منه كتاب تتخذه العرب أصلاً في حركات الكواكب، فتولى ذلك محمد بن إبراهيم الفزاري، وعمل منه كتاباً يسميه المنجمون بالسند هند الكبير،… فكان أهل ذلك الزمان يعملون به إلى أيام الخليفة المأمون، فاختصره أبو جعفر بن موسى الخوارزمي، وعمل منه زيجه المشهور ببلاد الإسلام، وعدَّل فيه،.. واخترع فيه من أنواع التقريب أبواباً حسنة،.. فاستحسنه أهل ذلك الزمان، وما زال نافعاً عند أهل العناية بالتعديل إلى زماننا هذا".

    وفي فصل، عنوانه "وجوه الحسابات" من كتاب "مفاتيح العلوم" تحدث أبو عبدالله الخوارزمي عن حساب الهند فقال إن قوامه تسع صور (أي تسعة أرقام من 1 إلى 9) يُكتفى بها في الدلالة على الأعداد إلى مالا نهاية له، وأسماء مراتبها أربعة، وهي الآحاد، والعشرات، والمئون، والآلاف، فالواحد يقوم مقام العشرة، ومقام مائة، ومقام ألف، ومقام عشرة آلاف، وألف ألف، ومائة ألف ألف، إلى مالا نهاية من العقود".

    ويتميز الحساب الهندي بأنه يضع الأرقام، التي تُجرى فيها العمليات الحسابية، بعضها فوق بعض، ثم يجري العمليات المطلوبة. وهذه العمليات قد تُجرى على تخت (لوح)، أو على الرمل، ولذلك يسمى أحياناً حساب التخت، أو حساب "الرمل"، تمييزاً على حساب "اليد". وطريقته تيسر العمليات الحسابية كثيراً. وأقدم الكتب المؤلَّفة التي وصلتنا في الحساب الهندي، هو كتاب "الفصول في الحساب الهندي" لأحمد بن إبراهيم الاقليدس (عام 332هـ). وذكر ابن النديم في كتابه الفهرست عدداً من الكتب، التي عنوانها "حساب الهند" أُلِّفت في أواخر القرن الثالث، وأوائل الرابع، الهجريين، منها:

أ. الحساب الهندي لسند بن علي

ب. حساب الهند لأحمد بن عمر الكرابيسي

ج. استعمال الحساب الهندي

د. التخت من حساب الهند لسنان بن الفتح

هـ. التخت الكبير في الحساب الهندي لعلي أحمد الأنطاكي وغير ذلك كثير.


 



[1] ويمثل هذا النظام الأعداد من خلال مجموعات يتكون كل منها من عشرة. ولنفترض أنك تود إحصاء الهللات أو القروش التي جمعتها. فبدلاً من عدها واحدة واحدة، يمكن عدها باستخدام مجموعات من 10، أي تضعها في ربط من 10، ومن ثم يكون ترتيب الربط في مجموعات بحيث توضع 10 منها في كل مجموعة كما هو موضح في الرسم. كم هللة لدينا؟ يمكن أن نجيب على النحو التالي: لدينا مجموعتان في كل واحدة منها 10 ربط، وفي كل ربطة 10 هللات = 2 (10 10) = 200، و 4 ربط في كل منها 10=4   10=40، إضافة إلى هللات منفردة. أي لدينا ما مجموعه 200+ 40+ 80 = 248 هللة.

[2] ذكر أن تشارلز ديكنز يصف استخدام تلك العصى، متهكماً: `منذ زمن بعيد، عمدت الحكومة إلى استخدام طريقة بدائية في إجراء الحسابات، وإمساك الدفاتر، هي طريقة عصا العد، فكأنها رجعت إلى عهد روبنسن كروزو، حين كان يسجل أعداد الأيام، على أرض جزيرة نائية. وهكذا، رغم وجود أعداد هائلة من المحاسبين، وخبراء المراجعة، ظل الروتين الرسمي يميل إلى استخدام العصى القديمة، كما لو كانت شيئاً مقدساً لا يجوز الاستغناء عنه. وفي عهد جورج الثالث، أظهر كثير من المثقفين سخطهم من هذا الأمر، قائلين إنه طالما لدينا الأوراق والأقلام، فمن المكابرة الاستمرار في التمسك بتقاليد بالية.

[3] الخط الديموطيقي: هو صورة متطورة من الكتابة الهيروغليفية في مصر القديمة، وهو صورة أبسط وأسرع في الكتابة.

[4] العدد النسبي: هو العدد الذي يمكن التعبير عنه على شكل أ/ب حيث أ، ب عددان صحيحان، ب لا يساوي صفر، وحاصل القسمة عدد صحيح أو كسر عشري متناه. والأرقام التي لا يمكن التعبير عنها على هيئة كسر تسمى أعداد لانسبية، فمثلاً يمكن كتابة ط (باي) على شكل كسر عشري بقيمة تقريبية  3.14159 غير أن الكسر يستمر بصورة غير محددة، وكذلك الجذر التربيعي للعد 2.

[5] يكاد ينعقد الإجماع على أن أرشميدس هو أعظم علماء العصور القديمة. وهو صاحب قاعدة الأجسام المغمورة في السوائل المشهورة والتي يقال إنه اكتشفها وهو يستحم فخرج عارياً وهو يصيح: وجدتها وجدتها! كما ينسب إليه اختراع جهاز المرايا الذي أحرق به الأسطول الروماني وهو يحاصر ميناء سرقطة. وقتله جندي روماني عقب اقتحام المدينة.