إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات علمية / اللغات





لغة الإشارة
التابوت "دورة الثبات"
الحيّات في الصليب
الفصائل اللغوية
جدول اللغة الأُوغاريتية
رسم الهلال "شهر"
رسم الفصول في الهلال
عين حورس




ملحق

ملحق

اللغة العربية

إحدى أكثر لغات العالم استعمالاً، وإحدى اللغات الست الرسمية في هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها، وهي اللغة الأولى لأكثر من 200 مليون عربي، واللغة الرسمية في 18 دولة عربية، كما يُجيدها أو يلم بها نحو 200 مليون مُسلم من غير العرب إلى جانب لغتهم أو لهجاتهم الأصلية. ويُقبل على تعلمها كثيرون آخرون من أنحاء العالم لأسباب تتعلق بالدين، أو بالتجارة، أو بالعمل، أو بالثقافة أو غير ذلك.

والعربية هي اللغة السامية الوحيدة، التي قُدّر لها أن تحافظ على كيانها، وأن تصبح عالمية. وما كان ليتحقق لها ذلك لولا نزول القرآن الكريم بها؛ إذْ لا يمكن فَهمُ ذلك الكتاب المبين، الفَهم الصحيح والدقيق وتَذَوُّقُ إعجازه اللغوي، إلا بقراءته بلغته العربية. كما أن التراث الغني من العلوم الإسلامية، مكتوب بتلك اللغة. ومن هنا كان تعلم العربية مَطْمَحاً لكل المسلمين، الذين يبلغ عددهم نحو مليار مُسلم في شتّى أنحاء العالم. ويمكن القول إن أكثر من نصف سكان أفريقيا يتعاملون بالعربية.

خصائص العربية

1. الأصوات

تتميز العربية بما يمكن تسميته مركز الجاذبية في نظام النطق، كما تتميز بأصوات الإطباق؛ فهي تستخدم الأعضاء الخلفية من جهاز النطق، أكثر من غيرها من اللغات، فتوظف جذْر اللسان وأقصاه، والحنجرة، والحَلْق، واللَّهاة، توظيفاً أساسياً. ولذلك فهي تحتوي على مجموعة كاملة لا وجود لها في أي لغة سامية فضلاً عن لغات العالم، وهي مجموعة أصوات الإطباق: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والقاف، ومجموعة الأصوات الخلفية، وتشمل الصوتين الجذريين الحلقيين: الحاء والعين، والصوت القصي الطبقي: الغين، والصوت القصي اللهوي: القاف، والصوت الحنجري: الهمزة.

2. المفردات

يُعَدُّّ معجم العربية، أغنى معاجم اللغات في المفردات ومرادفاتها؛ إذ تضم المعاجم العربية الكبيرة أكثر من مليون مفردة. وحصْر تلك المفردات لا يكون بحصر مواد المعجم؛ ذلك لأن العربية لغة اشتقاق، والمادة اللغوية في المعجم العربي التقليدي هي مُجَّرد جِذْرٍ، والجِذْرُ الواحد تتفرع منه مفردات عديدة، فالجذر (ع و د) مثلاً تتفرع منه المفردات: عادَ، وأعادَ، وعوَّد، وعاودَ، واعْتادَ، وتعوَّدَ، واستعادَ، وعَوْد، وعَوْدة، وعيد، ومَعَاد، وعيادَة، وعادة، ومُعاوَدَة، وإعادة، وتَعْويد، واعتِياد، وتَعَوُّد، واسْتِعادَة، وعاديّ. يُضاف إليها مفردات أخرى بالأسماء المشتقة من بعض تلك المفردات. وكل مفردة تؤدي معنى مختلفاً عن غيرها.

والعربية تتطور كسائر اللغات؛ فقد أُميتَت مفردات منها واندثرت، وأُضيفت إليها مفردات مُولَّدة ومُعَرَّبة ودخيلة، وقامت مجامع اللغة العربية، بجهد كبير في تعريب كثير من مصطلحات الحضارة الحديثة، ونجحت في إضافتها إلى المعجم المستخدم، مثل: سيَّارة، وقطار، وطائرة، وبرقية، وغير ذلك.

3. التلفُّظ والتهجّي

تتكون الألفباء العربية من 28 حرفاً، فضلاً عن ألف المدّ. وكان ترتيب الحروف قديماً على النحو الآتي: أبجد، هوَّز، حطِّي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ. وتُكتب لغات كثيرة في العالم بالحروف العربية، مع استبعاد أحرف، وإضافة أخرى، منها الفارسية، والأوردية، والبَشْتو، ولغة الملايو، والهَوْسا، والفُلانيَّة، والكانوري. وكانت التركية والسواحيلية الصومالية، تُكتب إلى عهد قريب بالحروف العربية.

وتعتمد العربية على ضَبْط الكلمة بالشكل الكامل لتؤدّي معنىً محدداً؛ فالكلمات: عَلِمَ، وعُلِم، وعَلَّمَ، وعِلْم، وعَلَم، هذه الكلمات كلها متفقة في التَّهَجَّي، مختلفة في التَّلَفُّظِ والمعنى. إلا أن مُجيد العربية، يمكنه أن يفهم معنى الكلمة دون ضبط من خلال السياق، وكان القدماء يقولون: شَكْلُ الكتابِ سُوءُ ظنٍّ بالمكتوب إليه.

ومن سمات العربية أن تَهجِّي الكلمة فيها مُوافقٌ للتَّلَفُّظِ بها، وهذه مَيْزَةً تَتَمَيَّزُ بها العربية عن بعض اللغات الأوروبية. وهي ظاهرة عامة في العربية، إلا في بعض الحالات القليلة، كنُطق ألف لا يُكتب في نحو: هَذَا، ولكنْ، وكتابة الألف اللينة على هيئة ياء، نحو: مَضَى الفَتَى.

4. الصرف

تقوم الصيغ الصرفية في العربية على نظام الجذر، وهو ثلاثي غالباً، ورباعي أحياناً. ويُعبّر الجذر ـ وهو شيء تجريدي ـ عن المعنى الدقيق للكلمة ووظيفتها بإضافة الحركات أو مقاطع من أحرف معينة في صدر الكلمة أو في وسطها أو في آخرها.

وتُقسِّم العربية الاسم إلى جامد ومشتق، ثم تُقسِّم الجامد إلى أسماء الذوات المادية، مثل: شجرة، وأسماء المعاني، مثل: قراءة، ومصادر الأسماء المشتقة، مثل قارئ، ومقروء. ولا تعرف العربية الأسماء المركبة إلا في كلمات نادرة تُعبَّر عن الأعلام، مثل: "حضرموت" المركبة تركيباً مزجياً، و"جاد الحق" المركبة تركيباً إسنادياً. إلا أن المضاف والمضاف إليه يرتبطان ارتباطاً وثيقاً، يصل أحياناً إلى حالة شبيهة بالتركيب، وخاصة في الأعلام، مثل: عبدالله، وصلاح الدين.

وتَتَمَيَّزُ العربية عن لغات كثيرة بوجود صيغة للمُثنَّى فيها. وتنفرد هي والحبشية، عن سائر اللغات السامية باستعمال جمع التكسير، فإلى جانب الجمع السالم الذي ينتهي بنهاية تلحق الاسم، كما هي الحال في اللغات الأوروبية، تصوغ هاتان اللغتان جمع التكسير بتغيير الاسم داخلياً. وتُصنِّف العربية أسماءها إلى مذكر ومؤنث، وتترك المذكر دون تمييزه بأي علامة، وتميز طائفة من الأسماء المؤنثة، إما بالتاء، مثل: شجرة، وإما بالألف المقصورة، مثل ليلى، وإما بالألف الممدودة، مثل: صحراء، ثم تترك الطائفة الأخرى من الأسماء المؤنثة دون علامة، مثل: شمس، ونَفْس.

5. النحو

من خصائص درس النحو الإسناد. والإسناد هو نواة الجملة العربية، ويُمثِّل في ذاته جملة بسيطة: اسميّة أو فعليّة. ويتكون الإسناد إما من مبتدأ وخبر، وإما من فعل وفاعل أو نائبٍ للفاعل، ثم يمكنه تنمية تلك الجملة البسيطة بالفضلات أو المكملات المفردة. ثم تتكون الجملة المركبة من جملتين بسيطتين أو أكثر، ويتم هذا بالربط بين الجمل البسيطة بأدوات معينة، أو بالضمائر، فتنشأ من ذلك الربط دلالات كالشُّرط أو الملابسة أو الوصفية أو العطف أو غيرها.

ويقوم الإسناد في الجملة الاسمية بغير رابط مما يُسمّى في اللغات الأوروبية بأفعال الكينونة، وكذلك تقوم الإضافة دون رابط، ويُراعى أن يكون المضاف خالياً من أداة التعريف. وحين يدخل الاسم المُعرب في الجملة، فلا بد له أن يتخذ حالةً من ثلاث حالات: إما أن يكون مُعرفاً بأل، أو مضافاً، أو مُنَوَّناً. ولا تجمع حالتان من تلك الحالات، في الاسم الواحد، وتعتمد العربية في تركيب الجملة على قرائن تُعين على تحديد المعنى، وتتمثل في العلامة الإعرابية، والبنْية الصرفية، والمطابقة، والرتبة، والربط، والأداة، والنغمة. والعربية من اللغات السامية القليلة التي احتفظت بنظام الإعراب. ويستطيع مُجيد العربية أن يقرأ نصاً غير مضبوط، وينطق العلامات الإعرابية نُطقاً صحيحاً، كما يستطيع من خلال ذلك أن يفهم النص فهماً تاماً.

والرتبة في العربية محفوظة (أي: واجبة)، وغير محفوظة (أي: جائزة)، وعرفية. فالرتبة المحفوظة مثل: وجوب تقديم الفعل على الفاعل، والمضاف على المضاف إليه، والاسم الموصول على صلته، والمتبوع على التابع، إلا في حالة العطف بالواو. والرتبة غير المحفوظة، متروكة لتصرُّف المتكلم، حسب مقتضيات السياق، مثل رتبة الخبر، ورتبة المفعول به، ورتبة الحال، ورتبة المعطوف بالواو، مع المعطوف عليه. والرتبة العُرفية هي ما جرى عليه عُرْفُ العرب، ولا يعد الخروج عن الخطأ نحوياً، مثل تقديم الليل على النهار، وتقديم العاقل على غير العاقل، وتقديم الذكر على الأنثى.

وتنقسم الكلمة العربية، إلى اسم، وفعل، وحرف، ولكن بعض الباحثين المعاصرين قسّموها تقسيمات أخرى، لم تطبق حتى الآن في برامج تعليم العربية.

ومن أهم خصائص العربية، ميلها إلى الإيجاز المعبّر عن المعنى، وتلجأ في سبيل التعبير عن المعاني المختلفة، ومناسبته للمقام إلى وسائل، منها: التقديم والتأخير (وهو الرتبة غير المحفوظة)، والفَصْل والوَصْل، والحَذْف، والتأكيد، والقَصْر، والمجاز.

6. الخط العربي

يحتل الخط العربي مكانة فريدة، بين مختلف خطوط اللغات الأخرى، من حيث جماله الفني وتنوع أشكاله، وهو مجال خصب لإبداع الخطاطين، حيث برعوا في كتابة المصاحف، وتفننوا في كتابة لوحات رائعة الجمال، كما زيّنوا بالخطوط جدران المساجد وسقوفها. وقد ظهرت أنواع كثيرة من الخطوط على مر تاريخ العربية، والشائع منها الآن: خطوط النسخ، والرقعة، والثلث، والفارسي، والديواني، والكوفي، والخطوط المغربية.

تطور العربية

1. الأصول

العربية إحدى اللغات السامية، وهي تنتمي إلى الفرع الجنوبي من اللغات السامية الغربية، ويشمل هذا الفرع شمالي الجزيرة العربية وجنوبيها والحبشة. وقد نشأت العربية الفصيحة في شمالي الجزيرة، ويرجع أصلها إلى العربية الشمالية القديمة، التي كان يتكلم بها العدنانيون. وهي مختلفة عن العربية الجنوبية القديمة، التي نشأت في جنوبي الجزيرة وعُرفَت قديماً باللغة الحِمْيرية، وكان يتكلم بها القحطانيون.

وتعد النقوش القليلة التي عُثر عليها، الدليل الوحيد لمعرفة المسار الذي سارت فيه نشأة العربية الفصيحة. ويمكن القول من خلال تلك النقوش، إن أسلاف العربية الفصيحة هي: الثمودية واللحيانية والصفوية، وتشمل معاً فترةً تُقَارِبُ ألف عام، إذ يُؤَرَّخُ أقدم النقوش الثمودية بالقرن الخامس قبل الميلاد، ويُؤَرَّخ أحدثها بالقرن الرابع أو الخامس الميلاديين، وترجع النقوش اللحيانية والصفوية، إلى زمن يقع في الفترة ذاتها.

أمّا أقدم نص وُجد مكتوباً بالعربية الفصيحة، فهو نقش النمارة، الذي يرجع إلى عام 328م، ولكنه كان مكتوباً بالخط النَّبطي. ويُلاحظ في ذلك النَّص، التطور الواضح من الثمودية واللحيانية والصفوية إلى العربية الفصيحة. وأما أقدم نص مكتوب بالخط العربي، فهو نقش زيد الذي يرجع إلى سنة 513م، ثم نَقْشَا حَرَّانَ وأم الجمال اللذان يرجعان إلى عام 568م. وقد لوحظ أن الصورة الأولى للخط العربي، لا تبعد كثيراً عن الخط النبطي، ولم يتحرر الخط العربي من هيئته النبطية، إلا بعد أن كتب به الحجازيون لمدة قرنين من الزمان. وظلت الكتابة العربية قبيل الإسلام مقصورة على المواثيق، والأحلاف، والصكوك، والرسائل، والمعلَّقات الشعرية، وكانت الكتابة آنذاك محصورة في الحجاز

ويُعد القرن السابق لنزول القرآن فترة تطور مهمة للعربية الفصيحة، وصلت بها إلى درجة راقية. يدل على ذلك ما وصل إلينا على ألسنة الرواة، من الشعر والنثر الجَاهِلِيَّيْنِ.

2. العربية بعد نزول القرآن الكريم

كان نزول القرآن الكريم بالعربية الفصحى، أهم حدث في مراحل تطورها؛ فقد وحَّد لهجاتها المختلفة في لغة فصيحة واحدة، قائمة في الأساس على لهجة قريش، وأضاف إلى معجمها ألفاظاً كثيرة، وأعطى لألفاظ أخرى دلالات جديدة. كما ارتقى ببلاغة التراكيب العربية. وكان سبباً في نشأة علوم اللغة العربية، كالنحو، والصرف، والأصوات، وفقه اللغة، والبلاغة، فضلاً عن العلوم الشرعية، ثم إنه حقق للعربية سعة الانتشار والعالمية.لقد حَمَلَت العربية الفصيحة القرآن الكريم، واستطاعت من خلال انتشار الإسلام أن تبدأ زحفها جنوباً، لتحل محل العربية الجنوبية القديمة، ثم عبرت البحر الأحمر إلى شرقي أفريقيا، واتجهت شمالاً فقضت على الآرامية في فلسطين، وسورية، والعراق ثم زحفت غرباً فحلَّت محلَّ القبطية في مصر وانتشرت في شمال أفريقيا، فخلفت لهجات البربر، وانفتح لها الطريق إلى غرب أفريقيا والسودان ومن شمال أفريقيا انتقلت إلى أسبانيا وجُزر البحر المتوسط.

كما كان للعربية أثر عميق في لغات الشعوب الإسلامية؛ فتأثيرها في الفارسية، والأوردية، والتُركية، والبشتو، ولغة الملايو، واللغات واللهجات الأفريقية. ومن غير الممكن الآن، معرفة لغة أيّ بلد إسلامي وأدبه ومناحي تفكيره معرفة جيدة، دون الإحاطة الجيدة بالعربية. وحين أخذ الأوروبيون ينهلون من الحضارة الإسلامية في الأندلس، دخلت ألفاظ عديدة ترجع إلى أصل عربي، كالجبر، والكحول، وتعريفة، ومخزن، وعود، وغير ذلك كثير.

3. العربية في العصر الأموي

ظلت العربية تكتب غير مُعجمة (غير منقوطة) حتى منتصف القرن الأول الهجري، كما ظلت تُكتب غير مُشَكَّلَةٍ بالحركات والسكنات. فحين دخل أهل الأمصار في الإسلام واختلط العرب بهم، ظهر اللحن على الألسنة، وخِيفَ على القرآن الكريم أن يتطرق إليه ذلك اللحن. وحينئذ توصل أبو الأسود الدؤلي، إلى طريقة لضبط كلمات المصحف، فوضع بلون مخالف من المداد نُقطة فوق الحرف للدلالة على الفتحة، ونقطة تحته للدلالة على الكسرة، ونقطة عن شماله للدلالة على الضمة، ونقطتين فوقه أو تحته أو عن شماله للدلالة على التنوين، وترك الحرف الساكن خالياً من النقط. إلا أن هذا الضبط لم يكن يُستعمل إلا في المصحف. وفي القرن الثاني الهجري، وضع الخليل بن أحمد طريقة أخرى، بأن جعل للفتحة ألفاً صغيرة مُضطجعة فوق الحرف، وللكسرة ياءً صغيرة تحته، وللضمة واواً صغيرة فوقه، وكان يُكرر الحرف الصغير في حالة التنوين. ثم تطورت هذه الطريقة إلى ما هو شائع اليوم.

أمّا إعجام الحروف (تنقيطها) فتم في زمن عبدالملك بن مروان، وقام به نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر العدواني، كما قاما بترتيب الحروف هجائياً، حسب ما هو شائع اليوم، وتركا الترتيب الأبجدي القديم (أبجد هوَّز).

وَخَطَتِ العربية خُطُواتِها الأولى نحو العالمية، في الثُّلُثِ الأخير من القرن الأول الهجري، وذلك حين أخذت تنتقل مع الإسلام إلى المناطق المحيطة بالجزيرة العربية. وفي تلك الأمصار، أصبحت العربية اللغة الرسمية للدولة، وأصبح استخدامها دليلاً على الرُّقي، والمكانة الاجتماعية. وظلَّت لغة البادية حتى القرن الثاني الهجري الحجَّة عند كل اختلاف. وكان من دواعي الفخر للعربي، القدرة على التحدث بالعربية الفصحى كأحد أبناء البادية. أما سُكان الأمصار الإسلامية، فقد بدأت صلتهم بلغاتهم الأصلية تضعف شيئاً فشيئاً، وأخذ بعضهم يتكلم عربيةً مُوَلَّدَةً متأثرة باللغات الأم. وقد كانت منطقة الشام أولى المناطق تَعَرُّباً لاختلاف القبائل العربية الوافدة، ومن هنا كان اختلاف لهجات الكوفة، والبصرة والشام، والعراق ومصر بعضها عن بعض.

وقبيل نهاية العصر الأموي، بدأت العربية تدخل مجال التأليف العلمي، بعد أن كان تراثها مقصوراً على شعر وأمثال على ألسنة الرواة.

4. العربية في العصر العباسي

شهد العصر العباسي الأول مرحلة ازدهار الحضارة الإسلامية، في مشرق العالم الإسلامي، وفي مغربه، وفي الأندلس، وبدأت تلك المرحلة بالترجمة، وخاصة من اليونانية، والفارسية، ثم الاستيعاب وتطويع اللغة، ثم دخلت طور التأليف والابتكار. ولم يَعد معجم لغة البادية قادراً وحده على التعبير عن معاني تلك الحضارة، فحمل العلماء على عاتقهم، مهمة تعريب مصطلحات غير عربية، وتوليد صيغ لمصطلحات أخرى، وتحميل صيغ عربية، دلالات جديدة لتؤدي معانياً أرادوا التعبير عنها. وبهذا استطاعت العربية التعبير عن أدق المعاني، في علوم تلك الحضارة الشامخة وآدابها.

وفي مطلع ذلك العصر، بدأ التأليف في تعليم العربية، فدخلت العربية مرحلة تَعَلُّمِها بطريق الكتاب، وكان هذا هو الأساس، الذي قام عليه صرح العلوم اللغوية، كالنحو، والصرف، والأصوات، وفقه اللغة، والبلاغة والمعاجم.

وعلى الرغم من انقسام العالم الإسلامي إلى دويلات، في العصر العباسي الثاني، واتخاذ لغات أخرى للإدارة كالفارسية، والتركية، فإن اللغة العربية بقيت لغةً للعلوم والآداب، ونمت الحركة الثقافية والعلمية في حواضر متعددة، كالقاهرة وحلب، والقيروان، وقرطبة.

5. العربية في العصر الحديث

حين ضَعُفَ شأن المسلمين والعرب، منذ القرن السادس عشر الميلادي، وتعرضت بلادهم للهجمات الاستعمارية، رأى المستعمرون، أن أفضل وسيلة لهدم تماسك المسلمين والعرب هي هدم وحدة الدين واللغة. وقد حاولوا هدم وحدة اللغة بإحلال اللهجات العامية محل العربية الفصيحة، وبدأت تلك الدعوة في أوائل الثمانينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، فأخذ دعاتهم يُرَوِّجُون لفكرة كتابة العلوم باللغة التي يتكلمها عامة الناس، وطفق بعضهم يضع قواعد للهجة أبناء القاهرة واقترح آخرون كتابة العربية الفصيحة بالحروف اللاتينية. إلا أن كل تلك الدعوات أخفقت إخفاقاً تاماً.

ولكن كان من آثار تلك الهجمات الاستعمارية، ضَعْفُ شأنِ العربية في بعض البلاد العربية، وخاصة دول الشمال الأفريقي، واتخاذ اللغات الأوروبية وسيلة لدراسة العلوم والفنون الحديثة، فيما يُعرف بمدارس اللغات وفي أغلب الجامعات. وقد بدأت في البلاد العربية حركة نشطة للتعريب، تتمثل في اتجاهين: الأول، تعريب لغة الكتابة والتخاطب في بلاد الشمال الأفريقي، والثاني تعريب لغة العلوم والفنون على مستوى البلاد العربية كلها. وقد نجحت في الاتجاه الأخير سورية والعراق وأحرزت بلاد عربية أخرى بعض النجاح. وتحدو القائمين بالجهد في هذا الاتجاه الثقة بأن العربية التي وَسعت الحضارة الإسلامية في الماضي لن تكون عاجزة عن أن تسع الحضارة الحديثة.

والعربية الفصيحة اليوم هي لغة الكتابة، وتُستخدم لغة للحديث في المحافل العلمية والأدبية، وفي الإذاعة والتلفاز، وأحياناً في المسرحيات والأفلام، ولها سحر عجيب إذا صدرت عمن يجيدها. أما لغة التخاطب العامي، فلهجات عديدة في العالم العربي. ولكن اللغة العربية الفصيحة، مع ذلك، مفهومة فهماً تاماً في كل أنحاء العالم العربي.