إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات علمية / اللغات





لغة الإشارة
التابوت "دورة الثبات"
الحيّات في الصليب
الفصائل اللغوية
جدول اللغة الأُوغاريتية
رسم الهلال "شهر"
رسم الفصول في الهلال
عين حورس




مقدمة

المبحث الأول

تعريف اللغة ونشأتها

    هي كلام البشر المنطوق، أو المكتوب، وهي نظام الاتصال الأكثر شيوعاً بين البشر؛ لأنها تتيح للناس جميعاً التحدث بعضهم مع بعض، والتعبير نطقاً أو كتابة، عن أفكارهم وآرائهم. وقد ورد في كتاب الله الكريم ما يفيد أن الله علم الإنسان البيان، قال عز وجل: ]الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ[ w، (سورة الرحمن: الآيات 1-4).

    ويمكن استخدام كلمة لغة بصورة غير محددة، لتدل على أي نظام للاتصال كإشارات المرور الضوئية أو الإشارات الدخانية للهنود، إلا أن أصل الكلمة يبين معناها الأساسي.

    وتوجد اللغة أينما وُجد المجتمع البشري. وتعتمد معظم أشكال النشاط البشري، على تعاون اثنين أو أكثر من الناس. وتمكِّن اللغة المشتركة الناس، من العمل معاً، بوسائل متنوعة غير محدودة. وقد يسرت اللغة تشييد حضارة تقنية متطورة، ولولا وجود اللغة لما كانت العلوم، والتجارة، والحكومة، والفن، والأدب، والفلسفة.

أولاً: نشأة اللغة

    لم يختلف العلماء في مسألة من مسائل اللغة، مثل اختلافهم حول نشأة اللغة، ولم يحظ موضوع من موضوعات اللغة في تاريخ الفكر الإنساني بقدر من الاهتمام والتفكير مثلما حظي موضوع نشأة اللغة وأصلها. ففي كل العصور، وعلى امتداد الحضارات القديمة في مصر وبابل، والهند والصين واليونان والرومان، ثم في العصور الوسطى، إبان ازدهار الحضارة الإسلامية، ثم أثناء عصور الظلام في أوروبا وعصر النهضة بعدها، كان الفلاسفة، وعلماء اللغة، ورجال الدين، مشتغلين بفكرة البحث عن أصل اللغة الإنسانية، كيف نشأت؟ ومن أين جاء الإنسان بهذه القدرة على الكلام؟.

    وفي ذلك يقول ماريوباي: "فيما يختص بنشأة اللغة، وطبيعتها، لدينا مصادر، تعتمد على الأساطير والروايات المتناثرة، والمناقشات الفلسفية، ولكن تنقصنا الحقائق العلمية في هذا الصدد".

    ولذا فقد تجنب كثير من العلماء الخوض في هذا الموضوع، بينما تناوله بعضهم الآخر، باعتبار أن الكلام فيه نوع من الفلسفة اللغوية، التي قد يكون من المفيد معرفة طالب علم اللغة بها.

ثانياً: كيف بدأت اللغة

    لا أحد يعرف كيف بدأت اللغة، ونظراً لأن جميع الناس غير المعاقين لديهم القدرة على الكلام، فمن المحتمل أن اللغة قد وجدت منذ ظهور الجنس البشري. وليس هناك سجل للغة يغطي معظم فترات وجودها.

    إن الدليل الفعلي الأول للغة هو الكتابة. إلا أن الباحثين يعتقدون أن الكتابة لم تظهر، إلا بعد نشوء اللغة المنطوقة بآلاف السنين. إن السجلات المكتوبة، الأولى، والمعروفة حتى الآن، هي صور الكلمات السومرية الموضوعة في حوالي عام 3500 ق.م، والكتابة الهيروغليفية المصرية التي تعود إلى عام 3000 ق.م. تقريباً. وتعود الصينية المكتوبة إلى حوالي عام 1500 ق.م. والإغريقية إلى عام 1400 ق.م.، على وجه التقريب، واللاتينية إلى حوالي عام 500 ق.م.

    ولا بأس من الإلمام هنا إلمامة سريعة بأبرز النظريات، والآراء، التي حاول بها العلماء تفسير نشأة اللغة الإنسانية، وقد دارت الآراء والنظريات بين اتجاهين رئيسين:

·   اتجاه يرى أن اللغة "توقيفية" أي هبة من الله.

·   اتجاه يرى أنها اصطلاحية مكتسبة من صنع الإنسان.

    بين هذين الاتجاهين، مضت الدراسات حول نشأة اللغة الإنسانية، تأخذ صوراً شتى، من الآراء والنظريات، أبرزها:

1. النظرية الأولى: "التوقيف" أو الوحي والإلهام

    ويرى أصحاب هذه النظرية، أن اللغة هبة من الله عز وجل، وأنه لمّا خلق الأشياء ألهم آدم u أن يضع لها أسماء فوضعها. قال تعالى ]وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا[ w، (سورة البقرة: الآية 31) أضف إلى ذلك قول أفلاطون Plato  [1]، فيلسوف اليونان الأشهر، في القرن الخامس ق.م، حيث يقول: "إن اللغة ظاهرة طبيعية لا شأن للإنسان في وجودها".

    وفي إحدى محاورات أفلاطون، يتحيز أحد المتناظرين، ويدعي كرايتليس، للرأي القائل بأن اللغة هبة منحتها السماء لبني الإنسان، وأن أسماء الأشياء ليست رموزاً مجردة، ولكنها جزء لا يتجزأ من جوهر المسمى.

    وكذلك قال الفيلسوف اليوناني هيراقليلتوس Heraclitus [2] :إنها وحي من السماء"، في القرن الخامس قبل الميلاد.

    وكثير من علماء اليهود والنصارى يقولون بذلك الرأي مستدلين بما ورد في التوراة حيث جاء فيها: "والله خلق من الطين جميع حيوانات الحقول، وجميع طيور السماء، ثم عرضها على آدم ليرى كيف يسميها، وليحمل كل منها الاسم الذي يضعه له آدم، فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنسة وطيور السماء ودواب الحقل"[3].

    وأكثر علماء المسلمين على هذا الرأي، واستندوا إلى قول الله عز وجل: (سورة البقرة: الآية 31).

    وقال مجاهِدٌ: علَّمه اسمَ كلِّ شيءٍ حتى القَصْعة والقُصَيْعة، والفَسْوة والفُسَيْوة[4]،. وعن سعيد بن جُبَيْر: حتى البعير، والبقرة، والشَّاة، واسم الإنسان، واسم الدَّابة، واسم كل شيء. وعن قتادة: علَّم آدم من أسماء خلقه ما لم يعلِّم الملائكة، فسمّى كل شيءٍ باسمه، وألجأ كل شيءٍ إلى جنسه. وعن عطاء: "قال يا آدمُ أَنْبِئهم بأسمائهم"، فقال: "هذه نَاقَة، جَمَل، بَقَرة، نَعْجَة، شَاة، فَرَس، وهو من خلق ربِّي". فكلُّ شيءٍ سمّاه آدمُ فهو اسمه إلى يوم القيامة، وجعل يدعو كلَّ شيءٍ باسْمه، وهو يمرُّ بين يديه، فعَلِمت الملائكةُ أنه أكرمُ على الله وأَعْلم منهم.

    ومن هؤلاء العلماء أبو الحسن الأشعري[5]، وأتباعه، وابن فورك[6]، قال ابنُ فارس[7]: دليلُ ذلك قولُه تعالى:"وعلَّم آدم الأسماء كلها"، قال ابن عباس: وهي هذه الأسماء التي يتعارفها الناس؛ من دابة، وأرض، وسهل، وجبل، وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.

    قال السُّيوطيُّ: وفي هذا فضيلةٌ عظيمةٌ، ومَنْقَبةٌ شريفةُ، لعِلْم اللُّغة. وقال ابنُ فارس: "وقد كان في الصحابة، وهم البُلَغاءُ والفُصَحاءُ، من النَّظر في العلوم الشَّريفة، ما لا خفاء به، وما عَلِمناهم اصطلحوا على اختراع لغةٍ واحدة، أو إحداث لفظةٍ لم تَتَقدَّمْهم. ومعلوم، أنَّ حوادث العالم لا تّنْقَضي، إلاّ بانقِضائه، ولا تزول إلاَّ بزواله، وفي كلِّ ذلك، دليل على أنَّ أصل اللُّغة، وحْيٌ وتوقيف، لا مُواضَعَة واصطلاح، وأن الله سبحانه، ذمّ قوماً على تسميتهم بعضَ الأشياء، من دون توقيف بقوله: ]إنْ هِيَ إلاّ أسْماءٌ سمَّيْتُموها أنْتُم وآباؤُكمْ، ما أنْزَل اللهُ بها مِنْ سُلْطَان[ w، (سورة النجم، الآية 23). فقد صنعوا الأصنام وعبدوها ووضعوا لها أسماءً ابتدعوها، من عند أنفسهم.

    فلو لم تكن اللُّغة توقيفيِّةً لمَا صحَّ هذا الذمُّ. وقال أبو الفتح بن جني: " إنني تأملت حال هذه اللغة الشريفة، الكريمة، اللطيفة، فوجدت فيها من الحكمة، والدقة، والإرهاب، والرقة، ما يملك عليَّ جانب الفكر، حتى يكاد يطمح به، أمام غلوة السحر، فعرفت بتتابُعِه، وانقياده، على بُعد مرامِيه وآماده، صِحَّة ما وُفِّقوا لتقديمه منه، ولطف ما أُسعدوا به، وفُرق لهم عنه. وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله، فقوِيَ في نفسي اعتقادُ كونها من الله تعالي، وأنها وَحْيٌ".

    وقد جمع الإمام السيوطي، كل ما قيل من آراء، حول هذا الاتجاه في كتابه المزهر. والآية التي ذَكَرَت تعليم الله ـ عزّ وجلّ ـ لآدم الأسماء كلها، حين استدل بها علماء العربية والأصول، قالوا: "الأسماء كلها معلمة من عند الله بالنص، وكذا الأفعال، والحروف، لعدم القائل بالفصل، ولأن الأفعال والحروف أيضاً أسماء، لأن الاسم ما كان علامة".

    وأضافوا "لو كانت اللغات اصطلاحية لاحتاجت في التخاطب بها إلى اصطلاح آخر، من لغة، أو كتابة، ويعود إليه الكلام، ويلزم إما الدور أو التسلسل في الأوضاع، وهو محال فلابد من التوقيف".

    والإمام الغزالي يقول: "لعل الله ألهم آدم الحاجة إلى وضع الأسماء، فوضعها بتدبيره وفكره، ونسب ذلك إلى تعليم الله تعالى؛ لأنه الهادي والملهم. أو لعل الله علم آدم لغة، كان قد اصطلح عليها الجن، أو فريق من الملائكة. أو لعل آدم تعلم اللغة ثم نسيها، أولم يعلمها غيره، ثم اصطلح بعده أولاده على هذه اللغات المعهودة".

    وقبول الغزالي لمذهب التوقيف، يأتي من طريق أن الله تعالى قد خلق الأصوات والحروف، وخلق العلم بدلالتها على المسميات المختلفة، وتلك مقدرة للخالق، لا يمكن إنكارها.

    وهكذا أدلى العلماء المسلمون بدلوهم، وقد أُوجزت أقوالهم فيما ذُكر من قبل، وفي العصور الحديثة قال بهذا الاتجاه طائفة من العلماء على رأسهم الأب لامي Lami في كتابه "فن الكلام" L'Art de parler.

2. النظرية الثانية: مذهب "المواضعة والاصطلاح"

    أي أن اللغة اصطلاح واتفاق بين البشر. وقد تبنى أرسطوAristotle [8]ـ أشهر فلاسفة اليونان قاطبة ـ هذا الرأي، عندما عالج اللغة، على أنها رابطة اجتماعية. ويقال إن الفيلسوف اليوناني ديمقريطوس [9] Democritus ، قد سبقه إلى هذا القول. وقد استمر القول بهذا الاتجاه أيام الرومان القدماء، وإبان العصور الوسطى، وعصر النهضة، وحتى العصور الحديثة، حيث كان أشهر من قال بــه في القــرن التاسع عشر الفيلسوف الإنجليزي آدم سميث Adam Smith [10]، والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو  Jean Jacques Rousseau[11]. ليسوا هم وحدهم، بل إن بعض علماء العربية قال به مثلهم من هؤلاء ابن جني حيث يقول: "إن أصل اللغة لابد فيه من المواضعة، وذلك كأن يجتمع حكيمان، أو ثلاثة فصاعداً، فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء، فيضعوا لكل منها سمة ولفظاً يدل عليه، ويغني عن إحضاره أمام البصر. وطريقة ذلك أن يقبلوا مثلاً على شخص، ويومئوا إليه قائلين: إنسان!! فتصبح هذه الكلمة اسماً له، وإن أرادوا سمة عينه، أو يده، أو رأسه، أو قدمه، أشاروا إلى العضو وقالوا: يد، عين، رأس، قدم….الخ. ويسيرون على هذه الوتيرة، في أسماء بقية الأشياء، وفي الأفعال والحروف، وفي المعاني الكلية، والأمور المعينة نفسها".

والذي يقرره هذا المذهب يتعارض مع القواعد العامة التي تسير عليها النظم الاجتماعية، فالعهد بهذه النظم أنها لا تُرتجل ارتجالاً، بل تتكون بالتدريج، هذا إلى أن التواضع على التسمية يتوقف في كثير من مظاهره على لغة صوتية يتفاهم بها المتواضعون. فكيف نشأت هذه اللغة الصوتية إذن؟ وهكذا نرى أن ما يجعله أصحاب هذه النظرية منشأ للغة، يتوقف هو نفسه على وجودها من قبل.

    فهذه الصورة الخيالية للمواضعة، إذا افترضنا تصورها مع الأسماء، فمن الصعب تصورها في الأفعال ناهيك بالحروف التي لا يوجد لها معادل في الواقع.

3. النظرية الثالثة: وتسمى نظرية بوه ـ بوه Pooh-Pooh

    وسماها البعض "التنفيس عن النفس"[12].

    وهذه النظرية، تقرر أن الفضل في نشأة اللغة، يرجع إلى غريزة خاصة، زُود بها في الأصل، بنو الإنسان، وأن هذه الغريزة، كانت تحمل كل فرد على التعبير عن انفعالاته، بحركات وأصوات خاصة، مثل انقباض الأسارير، وانبساطها، أو الضحك، أو البكاء، أو غير ذلك، مما يعبر به عن انفعالاته كالغضب، والخوف، والحزن، والسرور، وأنها كانت متحدة عند جميع الأفراد في طبيعتها، ووظائفها، وما يصدر عنها، وأنه بفضل ذلك اتحدت المفردات، وتشابهت طرق التعبير، عند الجماعات الإنسانية الأولى، فاستطاع الأفراد التفاهم فيما بينهم.

    ويدين أصحاب هذه النظرية بما نادى به " داروين Charles Darwin" [13]، في نظريته المشهورة، الخاصة بتطور الكائنات الحية، فقد ربط بين نشأة اللغة، وتلك الأصوات الغريزية الانفعالية، من تأوهات، وآهات، وشهقات. كما حاول أن يربط بين هذه الأصوات، وتقلصات أعضاء النطق وانبساطها، فالشعور بالازدراء أو الغضب مثلاً، يصحبه عادة ميل إلى النفخ بالفم، أو الأنف، فينشأ الصوت (Pooh) أو ـ أُف[14] ـ المستخدم في العربية للتعبير عن الضيق أو الغضب، وإليه أشار القرآن الكريم في قوله تعالى: ]فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا[ w (سورة الإسراء، الآية 23)، ومثل ذلك حين يُدهش المرء، فينطق صوتاً يشبه صوت الضمة Oh، أو صوت الفتحة (آه) نتيجة لاستدارة الفم في الصوت الأول، أو فتحه في الصوت الثاني، وهكذا.

    وكان الفلاسفة الأبيقوريون اليونان في القرن الرابع ق.م[15]، هم أول من آمن بهذه النظرية، وأيدها الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، في القرن الثامن عشر الميلادي، وكل من العلامة الألماني ماكس موللر  Max Muller[16] في كتابه "علم اللغة"، والفرنسي أرنست رينان[17] Ernest Renan في القرن التاسع عشر.

    وهذه النظرية تبدو غامضة وناقصة، فأما غموضها، فلأنها لا تشرح لنا السر في أن تلك الأصوات الساذجة، الانفعالية، قد تحولت إلى ألفاظ أو أصوات. وأمّا نقصها، فلأنها لا تبين منشأ الكلمات الكثيرة، التي لا يمكن ردها إلى أصوات انفعالية.

4. النظرية الرابعة: نظرية البو ـ واو Bow-Wow. وتسمى أيضاً "المحاكاة"

    ويرى أصحابها، أن اللغة نشأت من تقليد أصوات الطبيعة، وهي النظرية التي أشار إليها ابن جني بقوله: "وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها، إنما هو من الأصوات المسموعات، كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ونحو ذلك. ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح متقبل".

    وترى هذه النظرية أن الإنسان الأول، عندما أراد أن يميز بين الكائنات، بأسماء ليتحدث عنها، أو يشير إليها في غير وجودها، أخذ في محاكاة أصواتها الطبيعية، فنباح الكلب، مثلاً، اتخذ رمزاً ليدل على هذا الحيوان، ومثل ذلك عواء الذئب، وزئير الأسد، ومواء القط، ومن ثم أصبحت هذه الأصوات الحيوانية المختلفة رموزاً، يشير بها الإنسان الأول إلى هذه الحيوانات، ومثل ذلك في حفيف الشجر، وزفير النار، وقصف الرعد، وخرير الماء وغيرها.

    ومن هذه الأصوات، تكونت مجموعة من الكلمات، هي أقدم الكلمات في لغات البشر، ثم تطورت هذه الأصوات، أو الكلمات من الدلالة على هذه المعاني الحسية المباشرة، إلى معان أخرى، أكثر تجريداً، ومن هذه الأصوات البدائية، تكونت اللغات فيما بعد على مدى قرون طويلة.

    وآمن بهذه النظرية الفلاسفة الرواقيون اليونان[18]، ولاقت قبولاً كبيراً، في القرن التاسع عشر، والعشرين. وأيدها علماء بارزون، مثل جسبرسين، و د. إبراهيم أنيس، و د. علي عبدالواحد وافي، ودافعوا عنها دفاعاً شديداً ووصفوها بأنها: "أدنى النظريات إلى الصحة، وأقربها إلى المعقول، وأكثرها اتفاقاً مع طبيعة الأمور، وهي إلى هذا وذاك تفسر المشكلة التي نحن بصددها، وهي الأسلوب الذي سار عليه الإنسان في مبدأ الأمر".

    وقد سخر بعض النقاد من هذه النظرية، حيث وصفوها بأنها تقف بالفكر الإنساني عند حدود حظائر الحيوانات، وتجعل اللغة الإنسانية الراقية مقصورة النشأة، على تلك الأصوات الفطرية الغريزية.

    ومن الجدير بالذكر، أن جمهرة اللغويين المحدثين، يرفضون هذه النظرية. ويقررون أن المنهج العلمي "لعلم اللغة" يتعارض مع هذه النظرية، ويجعلها وهما باطلاً. ومن المعلوم، أن المتحدثين بلغات مختلفة، يسمعون الأصوات الطبيعية بأشكال مختلفة، ثم يقلدون هذه الأصوات بطرق متباينة، فينتج من ذلك كلمات تدل على صوت واحد، ولكنها تختلف من لغة إلى أخرى. فنباح الكلب، يرمز إليه المتحدث باللغة الإنجليزية "باو واو" أو "ووف ووف"، في حين أن الإيطالي يرمز للصوت نفسه بكلمة "بو بو"، والفرنسي "واء واء" كما أن صياح الديك، يرمز إليه بكلمات صوتية، تختلف باختلاف اللغات. ولو كانت هذه النظرية صحيحة لكانت أسماء الحيوانات، والكائنات الأخرى، أو مظاهر الطبيعة واحدة، في جميع اللغات، لأنها تقليد أو حكاية لأصوات لا تتغير من بيئة إلى أخرى، وإنما الذي نجده غالباً أن مثل هذه الكلمات، تختلف من لغة إلى أخرى، مما يدل على أنها موضوعة، أو مصطلح عليها، فليست تقليداً لأصوات الطبيعة.

    زد على ذلك أن الإنسان، عندما يقوم بالمحاكاة، فإنه يقتصر في محاكاته على ماله صوت فحسب، فكيف بتقليد الأشياء الجامدة وتسميتها، كالحجر والمنزل، والمثلث، والمكعب وسواها. ولذا فالقول بهذه النظرية، يعني النزول بالتفكير، إلى مستوى التصوير الفوتوغرافي.

    وأهم ما يؤخذ على هذه النظرية، أنها تحصر أساس نشأة اللغة، في الملاحظة المبنية على الإحساس، بما يحدث في البيئة، وتتجاهل الحاجة الطبيعية الماسة، إلى التخاطب والتفاهم، والتعبير عما في النفس، تلك الحاجة، التي هي من أهم الدوافع إلى نشأة اللغة الإنسانية. أضف إلى هذا أن هذه النظرية، لا تبين لنا كيف نشأت الكلمات الكثيرة، التي نجدها في اللغات المختلفة، ولا نرى فيها محاكاة لأصوات المسميات، ويتضح ذلك بوجه خاص في أسماء المعاني، كالعدل والمروءة، والكرم، والشجاعة، وغيرها.

5. النظرية الخامسة: نظرية دنج دونج Ding Dong

    وتسمى نظرية الاستعداد الفطري". وهي النظرية التي أذاعها اللغوي "ماكس موللر"، ودعاها نظرية: "دنج دونج" وخلاصتها، أن الإنسان مزود بفطرته، بالقدرة على صوغ الألفاظ الكاملة، كما أنه مطبوع على الرغبة في التعبير عن أغراضه، بأية وسيلة من الوسائل، غير أن هذه القدرة على النطق بالألفاظ، لا تظهر آثارها إلا عند الحاجة، أو في الوقت المناسب. وحينما سمي "موللر" نظريته هذه، نظرية "دنج دونج" إنما كان يريد أن يشبه هذه القوة الفطرية، بلولب الساعة الملتف في باطنها، وأن يشبه حوادث الزمن ببندول الساعة، الذي يتحرك، فيخرج بتحركه القوة الكامنة في الساعة، التي ينطوي عليها اللولب، فالزمن ومقتضيات الأحوال، هي التي تخرج هذه المقدرة، من حيز القوة إلى حيز الفعل. فكأن النفس البشرية مخزن ممتلئ بالألفاظ، ينفتح شيئاً فشيئاً، بمفتاح الزمن، ومقتضيات الحياة الواقعية.

    وهذه النظرية لا تحل المشكلة، فهي لا تُبين كيف ومتى زُود الإنسان بهذه الذخيرة اللغوية؟ وكيف انطوت نفسه على تلك الألفاظ الكاملة؟ وإذا كان قد زود بفطرته بهذه الألفاظ، فلم اختلفت اللغات وتعددت اللهجات؟ فإن آثار القوى الفطرية، لابد أن تكون متحدة إلى حد ما. ثم كيف يتسنى للإنسان أن يخرج تلك الألفاظ من مكامنها، ويطلقها على المسميات المختلفة؟ فهذه النظرية، تنقل الباحث من مشكلة إلى مشكلات أشدّ غموضاً ولبساً.

6. النظرية السادسة: "نظرية يو ـ هي ـ هوه Yo- He- Ho"

    أي نظرية الملاحظة، وصاحبها هو العالم الألماني جيجر Geiger، وتقول هذه النظرية إن اللغة نشأت من أصوات جماعية، صدرت عن مجموعة من الناس، أثناء قيامهم بعمل شاق، يحتاج إلى تعاون على أدائه، ويشبه هذا ما نسمعه أحياناً، من بعض العمال، حين يؤدون عملاً شاقاً وهم يرددون أصواتاً مثل "هيلا ـ هوب"، أو عبارات لا تكاد تتضمن معنى مفهوماً. وهم بهذه الأصوات، وما يشبهها يتلمسون عوناً لأنفسهم ولوناً من تنظيم الحركة، أثناء قيامهم بعملهم الشاق، ويكررون تلك العبارات، دون ملل أو سأم. ثم ما لبثت هذه الأصوات أن تنوعت، بتنوع العمل، بحيث أصبحت رمزاً لعمل معين، ينطقون بها كلما أرادوا هذا العمل. وبتكرار التجارب المتشابهة، تطورت الأصوات إلى كلمات.

    وهذه النظرية أيضاً خاطئة، لأنه من المتعذر، بل من المستحيل، إرجاع جميع الكلمات التي تتكون منها اللغات إلى تلك التجارب، فهي مجرد وسيلة لإضفاء الرتابة على العمل وتسهيله، ولا تتوفر فيها الوظيفة الأصلية للغة، وهي الدلالة والربط، فكيف نجعلها أساساً للغة. كما أن هذه النظرية تفترض وجود إنسان بلا لغة. إنسان كان موجوداً ثم انتقل بطريق انفعالاته الخاصة إلى وضع لغته، وهذه فرضية خاطئة إذ لا يمكن وجود إنسان دون لغة يتخاطب بها.

7. النظرية السابعة: "نظرية التطور اللغوي"

    تأثر واضعو هذه النظرية، بنظرية التطور العام، التي أذاعها "داروين"، وحاول أن يبرهن على أثرها في جميع النواحي عامة، وفي حياة الفرد والنوع الإنساني خاصة. وأن الإنسان عندما سار على قدميه، وشد قامته، تغير تركيب خلايا مخه، بدرجة مكنته من استعمال الخلايا المخية، التي تتحكم في أعضاء الكلام استعمالاً فاعلاً. وقد أمكن ذلك لأن الإنسان من البداية سخر ما لديه من طاقات، ومواهب، في مناضلة الطبيعة لتحقيق البقاء وتحسينه. ولمّا كان الإنسان قد تميز على جميع المخلوقات، فقد سخر قواه العقلية لتحقيق تطوره من استخدام قواه العضلية، فبدأ باستخدام ذراعه، ثم استخدم العصا والحجر، ثم انتقل إلى تسخير الحيوان وتأهيله، ثم إلى المحركات البسيطة ثم المعقدة، ثم البالغة التعقيد. وكل هذا تطلب التفاهم مع الآخرين، مما فرض إحداث جهاز خاص، فحملت عضلات الحنجرة وظائف إضافية أكثر مرونة، وصارت أجهزة الفم تصدر الصوت تلو الآخر لهدف معقول. وبالتالي لا يمكن دراسة ظهور اللغة منفصلة، عن ظهور الإنسان وتطوره".

    وذهب إلى هذه النظرية فريق من اللغويين المحدثين، وعلى رأسهم جسبرسين، وقامت هذه النظرية على أسس ثلاثة:

·   دراسة مراحل نمو اللغة عند الطفل.

·   دراسة اللغة في الأمم البدائية.

·   دراسة تاريخية للتطور اللغوي.

فأمّا الأساس الأول، فقد اهتم به العلماء، وتابعوا مراحل نمو الطفل، وقاسوا مراحل نمو لغة الطفل، على مراحل نمو جسده. وتوصلوا إلى أن هذه المراحل ثلاث:

أ. مرحلة الصياح.

ب. مرحلة البأبأة.

ج. مرحلة الكلام، وهذه الأخيرة تنقسم إلى فترتين:

الأولى: فترة اللغة الساذجة الخاصة بالطفل.

والثانية: فترة اللغة المشتركة، أو لغة الجماعة.

وفي هذه الفترة يكون خضوع الطفل للمجتمع، وتأثره به، آخذاً في الازدياد شيئاً فشيئاً.

(1) مرحلة الأصوات الساذجة

    هي تلك الأصوات التي صدرت عن الإنسان في العصور الأولى، حين كانت أعضاء النطق لديه غير ناضجة، وميوله ورغباته غير محددة، تماماً مثلما تصدر عن الطفل ـ في أول عهده بالنطق ـ بعض أصوات مبهمة، لا تفهم أحياناً.

(2) مرحلة الأصوات المكيفة، المنبئة عن الأغراض والرغبات، المصحوبة بالإشارة المتنوعة

    وهي تساعد الأصوات في الإبانة عن الأغراض، وقد ساعد على هذا التطور في الأصوات وتكيفها، نمو أعضاء النطق، من جهة، ونمو الإحساس والشعور الذاتي لدى الإنسان، من جهة أخرى.

    وتُقابل هذه المرحلة أواخر السنة الأولى من حياة الطفل، وذلك حين تصدر عنه أصوات مكيفة، مصحوبة بإشارات تنبئ عن أغراضه. وفي هذه المرحلة من مراحل النمو اللغوي عند الإنسان، تصدر أصواته الدالة على شعوره بالخوف، أو الحنين، أو النفور، أو الرضا، أو القلق والاضطراب، وهو بهذه الأصوات يعبر عن شعوره، ويستغيث بغيره من بني جنسه.

(3) مرحلة المقاطع

    وفيها انتقلت لغة الإنسان من أصوات غير محددة المعالم، إلى أصوات محددة، في صورة مقاطع قصيرة. وهي تناظر مرحلة تطور الطفل في الشهور الأولى من السنة الثانية، وذلك حين ينطق بمقاطع متكررة، يطلب بها ما يريد، متأثراً في ذلك بما يسمعه مما حوله.

(4) مرحلة الكلمات

    وفي هذه المرحلة تتكون اللغة من المقاطع، التي سبق الحديث عنها، وهي الكلمات التي يستعملها الإنسان للتعبير عن حاجته ورغباته. وقد وصل الإنسان إلى هذه المرحلة، حين اكتمل عقله، ونضجت أعضاؤه الصوتية، واتسع نطاق حياته، واشتدت حاجته إلى التفاهم مع غيره.

    ويوازي هذه المرحلة عند الطفل تلك المرحلة التي يستطيع فيها التكلم. ويتألف معجمه اللغوي من الكلمات الشائعة في بيئته، اللازمة للتعبير عن أغراضه.

(5) مرحلة الوضع والاصطلاح

    وهذه آخر مرحلة من مراحل النمو اللغوي، وهي مرحلة تقوم على أساس فطري، هو حاجة الإنسان الملحة إلى الاحتكاك ببيئته، ومسايرة اللغة التي يستخدمها لتفكيره وعقله، ومشاهداته التي يتسع نطاقها على مر الأيام، وكثرة التجارب، وتشعب دروب الحياة.

    وفي هذه المرحلة، وُضعت المصطلحات العلمية، وابتكرت الأسماء الدالة على المسميات المستحدثة. ويوازي هذه المرحلة، مرحلة النمو اللغوي عند الطفل، عندما يذهب إلى المدرسة، ويدرس العلوم والفنون، ويتعلم معها المصطلحات المختلفة.

    وهذا الأساس في النظرية، أساس عقيم، وفيه غلو واضح، لأن الظروف التي يعيشها الطفل الآن لا يمكن أن تقاس بالظروف التي مر بها الإنسان، في مراحله الأولى. إن الطفل في تعلمه اللغة لا يتعدى عملية التقليد للأصوات التي تصدر عن أبويه، فهو يبدأ، أولاً، بتقليد الأصوات تقليداً عارياً من الدلالة، وبذلك يكتسب مراناً على بعض المقاطع التي يجد في ترديدها لذة وسعادة، وهي في الوقت نفسه سهلة على جهازه النطقي. وهو في مزاولته هذه العملية، يكتسب عادة جديدة، هي الربط بين الأصوات التي ينطقها، وبعض المدلولات التي يتاح له إدراكها. وفي ذلك يقول ماريوباي: "كان من الطبيعي أن يلجأ الباحثون، إلى دراسة تطور مهارة الكلام عند الطفل، منذ مولده، إبان محاولتهم إلقاء الضوء على نشأة اللغة وتطورها. وعندما أجريت التجارب على أطفال أسوياء، في ظروف طبيعية، انتهت إلى نتائج غير مقنعة، فكل ما دلت عليه هذه التجارب، هو أن الطفل يحاكي حديث الكبار في المجتمع الذي يعيش فيه".  زد على ذلك، أن أصحاب هذه النظرية مقتنعون بنظرية داروين، وأن الإنسان تطور من فصيلة من فصائل القرود، ولعمر الحق إن هذا لهو الضلال المبين، فما كان الإنسان قرداً ولن يكون، بل قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: ]وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً[ w (سورة الإسراء، الآية 70) وقال: ]لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ[ w، (سورة التين، الآية 4).

    ولعل الأساس الثالث في هذه النظرية، وهو الدراسة التاريخية للتطور اللغوي، هو أجدر هذه الأسس بالبحث، ولذا وجه المحدثون كل جهودهم لهذه الدراسة التاريخية. ولكنهم بدأوها بطريقة عكسية، أي أنهم بدأوا البحث في لغات العصر الحاضر، ثم عادوا إلى الوراء جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، مستخدمين معلوماتهم عن حال اللغات في العصور الماضية من النصوص اللغوية، والمستندات التاريخية، وهم في هذا البحث يعقدون المقارنات ليستنبطوا قوانين أو قواعد للتطور اللغوي، فمثلاً يقارنون حال الإنجليزية الحديثة، بحالها في عصر شكسبير William Shakespeare[19]، ثم في عصر تشوسر Geoffrey Chaucer [20]، ثم بالألمانية القديمة، ويقارنون اللهجات الهندية الحديثة، بالنصوص التي أثرت عن اللغة السنسكريتية، ويقارنون اللهجات العربية الحديثة باللهجات القديمة، فإذا تجمعت لديهم، عن طريق تلك المقارنات التاريخية، قواعد عامة للتطور اللغوي. أمكن تطبيق تلك القواعد على عصور ما قبل التاريخ.

    كانت تلك أهم النظريات التي حاولت تفسير نشأة اللغة، والتي اشتهرت في القرنين التاسع عشر والعشرين، تناولها البحث بإيجاز، ولاحظ أنها كلها تقوم على افتراضات، لا سبيل إلى التحقق من صدقها وواقعيتها، ولعل ذلك هو الذي دفع الإمام السيوطي إلى القول: "إن بحثها في الأصول فضول". أي زيادة عن ما هو مطلوب. ولعل ذلك هو الذي دفع الجمعية اللغوية في باريس إلى أن تقرر عدم مناقشة هذا الموضوع نهائياً أو حتى عرضه في جلساتها. وهناك لغويون كثيرون يرون أنه ليس من المفيد البحث في نشأة اللغة، باعتبارها حدثاً من أحداث ما قبل التاريخ، وأنه إذا كان الإنسان، لم يجمع في يده حتى الآن أطراف التاريخ، فأولى به أن يفرغ جهده فيما ينفعه، ويجد له من الدلائل ما يفسره.

    وعارض هذا الرأي كثيرون، باعتبار أنه من المفيد لبيان أهمية اللغة، وقِدَم مشكلتها، أن يبحث اللغوي في نشأتها، كما أنه ضرورة منهجية لا ينبغي تجاهلها.

    وهكذا، يتضح أن النظريات السابقة دارت بين اتجاهين، الاتجاه الأول يرى أن اللغة توقيف، أي هبة من الله، والاتجاه الثاني يرى أن اللغة اصطلاحية، أي من وضع البشر، وحاول أصحاب هذا الاتجاه طرح نظرياتهم وافتراضاتهم، التي ثبت أن كلها غامضة وعقيمة، والتي عارض بعضهم بعضاً عليها. وإذا كان لهذا البحث أن يدلي بدلوه في هذه المسألة، فإنه يرى أن الاتجاه الأول هو الاتجاه الذي يمكن قبوله باعتبار أن الله ـ عزّ وجل ـ قال: ]وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا[ w، (سورة البقرة، الآية 31). وقال: ]فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ[ w، (سورة البقرة، الآية 37). وقال، عن آدم وزوجه: ]قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ w، (سورة الأعراف، الآية 23) .

    فالله ـ عزّ وجلّ ـ من سياق الآية الكريمة، علّم آدم الكلام، وألهمه وزوجه النطق بعبارات التوبة، والله ـ عزّ وجلّ ـ ]وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا[ w، (سورة الفرقان، الآية 2). ولا ريب أن الله ـ عزّ وجل ـ حين خلق آدم عَلّمه لغة واحدة، واضحة، تَعَلّمها منه أولاده، ثم حين صار الناس شعوباً وقبائل، تفرعت اللغة إلى لهجات، ثم تحولت اللهجات إلى لغات شتى، وسارت البشرية في طريقها.



[1] أفلاطون plato (428-347 ق.م): فيلسوف يوناني، يُعَدّ، هوَ وسقراط (وكان أفلاطون من أتباعه) وأرسطو، واضعي الأسس الفلسفية للثقافة الغربية. معظم مؤلفاته محاورات Dialogues، عالج فيها موضوعاتٍ مختلفةً، كالرياضيات، والسياسة، والتربية، والحب، والصداقة، والفضيلة. وأشهر محاورات أفلاطون كتاب: الجمهورية The Republic. وقد رسم فيه صورة للمدينة الفاضلة، كما تخيّلها، مُعْلناً ألاّ صلاحَ للجنس البشري إلا إذا أصبح الفلاسفة حكاماً، أو أصبح الحكام فلاسفة.

[2] هيراقليتوس (540 - 480 ق.م): فيلسوف يوناني. كتب بأسلوب غامض، يغلب طابع الحزن على كتاباته، ولذا، عُرف بالفيلسوف الباكي. تأثر بأفكاره كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو. قال بأن النار هي الجوهر الأول، ومنها نشأ الكون. وضع كتاباً وحيداً، لم يصلنا منه غير شذرات. ولا يعرف المؤرخون عن حياته إلاّ القليل.

[3] سفر التكوين، الإصحاح الثاني: 19-20.

[4] الفَسْوة والفُسَيْوة كلمتان يكنى بهما عن تافه الأمور، والمعنى أن الله علمه كل الأسماء عظيمها وأقلها شأناً.

[5] أبو الحسن الأشعري (873 ـ 935م.): فقيه مسلم. بدأ حياته معتزليّاً، ثم انقلب على المعتزلة، وشنّ عليهم حملةً شعواء، مؤكّداً  ضرورة التمسك بأهداب كتاب الله وسنَّة رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ وما رُوي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث. يُعرف مذهبه بـ `الأشعرية`، أو `مذهب الأشاعرة`. أشهر آثاره: `مقالات الإسلاميين`، و`الردّ على المجسِّمة`، و`استحسان الخوض في الكلام`، و`الإبانة في أصول الديانة`، ومقالات الملحدين.

[6] ابن فورك، الأصبهاني: أديب، نحوي، فقيه، واعظ من فقهاء الشافعية المشهورين. بلغت مصنفاته في أصول الدين والفقه، ومعاني القرآن، مائة مصنف تقريباً. توفي مسموماً عام 406 هـ. ونقل إلى نيسابور. أهم آثاره: `مُشكل الحديث وغريبه`، `غريب القرآن`، تفسير القرآن.

[7] أحمد ابن فارس (توفي عام 1004م): لغوي وأديب عربي، فارسي الأصل، ردّ على الشعوبية، على الرغم من أصله الفارسي، ردّاً عنيفاً. من آثاره: `مقاييس اللغة`، و`الإتباع والمزاوجة`، و`المُجْمَل` في اللغة، و`الصحابّي` في فقه اللغة. وقد ألّفَهُ لخزانة الصاحب بن عباد.

[8] أرسطو (أرسْطوطاليس 384 - 322 ق.م): فيلسوف يوناني. تلميذ أفلاطون. وأستاذ الإسكندر المقدوني. جرت فلسفته في اتجاه مغاير لمثالية أفلاطون، وتعاظم اهتمامها، شيئاً فشيئاً، بالعلم وظواهر الطبيعة، ويُعدّ أرسطو واحداً من أعظم فلاسفة الدنيا، وقد انسحب أثره في جميع الذين جاءوا بعده، إلى العصر الحديث.

[9] ديمقريطوس (460 ؟ - 370 ق.م): فيلسوف يوناني تتلمذ على `لوسيبّوس` وتبنّى نظريته الذرية وطوَّرها. قال بأن الأجسام تتألف من ذرات متجانسة في طبيعتها، ولكنها مختلفة من حيث الشكل والترتيب والحجم، ومن ثم، من حيث الوزن أيضاً. عالج في مؤلفاته، التي بلغ عددها ثلاثةً وسبعين، والتي لم يبق منها غير شذرات، فروع المعرفة الإنسانية، على اختلافها. دُعي `الفيلسوف الضاحك` بسبب مزاجه المرح.

[10] آدم سميث (1723 - 1790): فيلسوف اجتماعي، وعالم اقتصاد اسكتلندي. يُعدّ مؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي. دعا إلى تعزيز المبادرة الفردية، والمنافسة، وحرية التجارة، بوصفها الوسيلة الفضلى لتحقيق أكبر قدر من الثروة والسعادة. أهم آثاره كتاب `بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها` (عام 1776) وقد اشتهر اختصاراً، باسم "ثروة الأمم".

[11] جان جاك روسو (1712 - 1778): كاتب وفيلسوف فرنسي. عدّه بعض النقاد الوجه الأبعد نفوذاً في الأدب الفرنسي الحديث والفلسفة الفرنسية الحديثة. وليس من ريب في أن مقالاته ورواياته، قد مهّدت السبيل لاندلاع الثورة الفرنسية وانبثاق الحركة الرومانسية في آنٍ معاً. عُرف بتمجيده للطبيعة عامةً، وللطبيعة البشرية خاصةً. أشهر آثاره: `في العقد الاجتماعي` (عام 1762)، و `إميل` (عام 1762 أيضاً).

[12] ويقول فندريس: `عند هذا السلف البعيد، الذي لم يكن مخه صالحاً للتفكير، بدأت اللغة بصفة انفعالية محضة؛ إذ يطلق الإنسان صيحات تُعبر عن انفعالاته المختلفة، ثم أصبحت كل صيحة ترمز إلى تعبير معين، مما جعلها إشارة قابلة لأن يكررها الآخرون، عندما يريدون التعبير نفسه.

[13] داروين ، تشارلز روبرت (1809 - 1882): عالم طبيعة بريطاني. يُعد أبرز علماء الطبيعة في القرن التاسع عشر، وأبعدهم أثراً في التفكير العلمي والديني. قام برحلة بحرية (1831 - 1836) زار خلالها جزر الرأس الأخضر، وجزر آزور، وسواحل أمريكا الجنوبية. وجمع معلومات غزيرة عن نباتاتها وحيواناتها وطبيعتها الجيولوجية. فكانت تلك الرحلة منطلقاً لدراساته الواسعة، التي صاغ نتائجها، بعدُ، في النظريـة الداروينية. أشهر آثاره `في أصل الأنواع` (عام 1859).

[14] أُف : اسم فعل أمر، أي اسم يؤدي معنى الفعل المضارع، ومعناه أتضجر.

[15] الأبيقورية ، المذهب الأبيقوري: مذهب أنشأه الفيلسوف اليوناني أبيقور. وهو يقول بأن المتعة هي الخير الأسمى. والمراد بالمتعة في هذا المذهب ـ بخلاف ما هو شائع ـ هو التحرر من الألم والاهتياج العاطفي. وقد أكد أبيقور أن هذه المتعة، لا تتمّ للمرء من طريق الانغماس في الملذات الحسيّة، بل بممارسة الفضيلة.

[16] ماكس موللر (1823 - 1900): مستشرق بريطاني وعالم لغوي. ألماني المولد. صنّف الأساطير وفقاً للغرض الذي هدفت إليه، ودرس الأديان دراسة مقارنة. من أشهر أعماله: `محاضرات في علم اللغة` (1861 - 1863) و`المدخل إلى علم الدين` (1873).

[17] أرنست رينان (1823 - 1892): مؤرخ وفيلسوف فرنسي. عانى أزمة إيمان، أدّت به إلى الارتداد عن عقيدته الكاثوليكية. تميّزت بحوثه بالنزعة العقلانية وبالإيمان بالعلم. زار لبنان في مهمة آثارية (1860)، ثم عرّج على فلسطين (1861)، بحثاً عن مادة أصيلة لكتابه الأشهر: `حياة يسوع` (1863).

[18] الرواقية : مذهب فلسفي، أنشأه الفيلسوف اليوناني زينون السيشومي، حوالى عام 300 ق.م. وهو يقول: إن العالم كلٌّ عضويّ، تتخلله قوة الله الفاعلة، وإن رأس الحكمة معرفة هذا الكل، مع التأكيد أن الإنسان، لا يستطيع أن يلتمس هذه المعرفة، إلاّ إذا كبح جماح عواطفه، وتحرر من الانفعال. والرواقيون يدعون إلى التناغم مع الطبيعة، والصبر على المشاقّ، والأخذ بأهداب الفضيلة، لأن الفضيلة هي إرادة الله. ومن أشهر الرواقيين، في عهد الرومان، سنيكا وماركوس أوريليوس.

[19] وليم شكسبير (1564 - 1616): وُلد في يوركشاير بإنجلترا شاعر وممثل وكاتب ومخرج. كتب عديداً من القصائد، وستّاً وثلاثين مسرحية. ويعد أعظم كاتب مسرحي، على الإطلاق.

[20] تشوسر ، جيفري (1340 ؟ - 25 أكتوبر 1400): شاعر إنجليزي, يُعدّ أبرز الشعراء الإنجليز، قبل عهد شكسبير، وأكبر شاعر هزلي في تاريخ الأدب الإنجليزي كله. عمل في خدمة الدولة، وعُهد إليه في أداء بعض المهام الدبلوماسية، في الفلاندر وفرنسا وإيطاليا وقد مكّنته رحلاته هذه من الاطلاع على الأدبين، الفرنسي والإيطالي. أشهر آثاره `حكايات كانتر بري` (وقد شرع في وضعها حوالى عام 1386م ولم يقدّر له أن يُتمّها). وهي تتميز بالظرف والواقعية، وبنزعة إنسانية متّقدة.