إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات علمية / اللغات





لغة الإشارة
التابوت "دورة الثبات"
الحيّات في الصليب
الفصائل اللغوية
جدول اللغة الأُوغاريتية
رسم الهلال "شهر"
رسم الفصول في الهلال
عين حورس




مقدمة

المبحث الثاني

علم اللغة

أولاً: علم اللغة

    هو الدراسة العلمية للغة. ويحاول الإجابة عن أسئلة حولها، مثل: كيف تتغير اللغات؟ ولماذا يكون للمفردات معان معينة؟ ويبحث علماء اللغة في اللغات، التي يتكلمونها، وتلك التي لا يتكلمونها على حدٍّ سواء.

    وعندما يدرس علماء اللغة لغة حديثة، فانهم يحلّلون كلامَ واحدٍ أو أكثر من المتحدثين الأصليين بتلك اللغة، ويطلقون على مثل هذا الشخص مُخبراً لغوياً (راوية).

    إن كثيراً من اللغات ليست لها أنظمة كتابية، ولذا يتجه علماء اللغة ـ في الغالب ـ إلى استخدام رموز تسمى (الألفباء) الصوتية لتدوين الأصوات الكلامية للمخبر اللغوي. كما يدرس علماء اللغة، أيضاً، اللغات الميتة، لتتُّبع نشوء اللغات الحديثة.

    يجمع علماء اللغة المادة اللغوية، وتكوين النظريات واختبارها، ومن ثم يتوصلون إلى حقائق حول اللغة. ويعتقد هؤلاء الاختصاصيون، أنهم لا يعرفون سوى القليل جداً، حتى عن أكثر اللغات المألوفة قبل انقراضها. وهناك مجالان رئيسيان لعلم اللغة، هما علم اللغة الوصفي، وعلم اللغة المقارن.

1. علم اللغة الوصفي:

    يتناول علم اللغـة الوصفي بحث اللغة المستخدمة، في مكان واحد، وفي فترة زمنية محددة. ويدعى هذا العلم أحياناً بـ "علم اللغة التزامني". ويحاول عالم اللغة، المتخصص في هذا المجال، وصف اللغة بالطريقة، التي يكتسبها الأطفال، في مجتمع ما، ويستخدمها الكبار هناك. وتركز مثل هذه الدراسة على قدرة هؤلاء الناس على تكلم لغتهم وفهمها.

    إن علماء اللغة بالطبع، يدركون أن الناس دائماً يرتكبون الأخطاء، عندما يتكلمون. وكمثال توضيحي، نجد أنه عندما يجري عالم اللغة أبحاثاً حول اللغة العربية، فربما يسجل الجملة التالية، كما تفوه بها عدد من المخبرين اللغويين: "حمل الأولاد رايات حمراء"، ومع ذلك، فإن بعض أولئك المخبرين اللغويين، يدركون أنه كان يجب عليهم أن يقولوا: حمل الأولاد رايات حُمْراً. وهكذا يستخدم علماء اللغة مصطلح الأداء اللغوي للدلالة على ما يقوله الناس بالفعل.

2. تكوين قواعد اللغة:

    يدوّن عالم اللغة الوصفي، الكلمات والجمل، التي يقولها المخبرون اللغويون، ويستنبط من هذا السجل قواعد تلك اللغة، أي وصفاً لقدرة الناس على استخدام لغتهم الأصلية. وتُسَمَّى هذه القدرة بالقدرة اللغوية. ويعتمد عالم اللغة دائماً على حصافة المتحدثين الأصليين للغة، ليساعده ذلك على استنباط قواعدها.

    إن لجميع اللغات جانباً إبداعياً يتمثل في قدرة المتكلمين الأصليين للغة، على قول جمل لم يصادفوها مطلقاً من قبل، وفهمها. كما أن عدد الجمل في أي لغة لا يحصى. ومن الطبيعي، فإنه لا يمكن وصف لغة ما، بوضع قائمة بالجمل المستخدمة فيها. وتعويضاً عن ذلك، يستنبط عالم اللغة قواعد توضح، بشكل تدريجي، الكيفية التي يمكن بها تكوين أي شكل من أشكال الجملة في اللغة قيد البحث.

    وتؤدي قواعد اللغة وظيفتها، بأن تبين لنا كيف يمكن تكوين جمل جديدة، بالاستناد إلى جمل سابقة لها. وعلى سبيل المثال، فإن كلمة "ذلك" يمكن أن تحلَّ محلَّ جملة "أحصى عالم فلك عدد النجوم" في جملة: "اعتقدت الملكة ذلك" حيث تنشأ نتيجة لهذا الإحلال جملة جديدة هي "اعتقدت الملكة أن عالم الفلك أحصى عدد النجوم" وقد تضمنت الجملة الجديدة قدراً أكبر من المعلومات.

    ويمكن استخدام قواعد اللغة بطريقة معيارية، أو وصفية، وتحاول القواعد اللغوية المعيارية، أن تبين للناس كيف يجب عليهم، أن يستخدموا اللغة. وكمثال على ذلك، تقترح القواعد المعيارية استخدام جملة: "ليست لديّ أيّ نقود" بدلاً من جملة "ليس لديّ نقود" ومع ذلك، فإن القواعد النحوية للغة ما، قد لا تعكس استخدام الناس الفعلي لتلك اللغة. إضافة إلى ذلك، فإن الناس، يعبّرون دائماً عما يقصدونه بشكل واضح، حتى لو اتبعوا قواعد مختلفة.

3. عناصر قواعد اللغة:

تتكون قواعد اللغة من أربعة عناصر هي:

أ. العنصر الصوتي

يتألف من القواعد التي تبين كيفية نطق الكلمات والجمل. ويمكن أن يختلف النظام الصوتي للغة ما اختلافاً كبيراً، عن النظام الصوتي للغة أخرى. فعلى سبيل المثال، لا يميّز النظام الصوتي للغة الأسبانية نطق الصوتين الصائتين العربيين في الكلمتين (زيرْ) و (زِرْ). ومن ناحية أخرى، تميّز اللغة التايلندية نطق الصوت (T) في (steam) و(team) بينما لا تفعل الإنجليزية ذلك.

ب. العنصر الصرفي

وهو يهتم بدراسة بنية الكلمة، وكيفية تشكلها، وصياغتها، وما يطرأ عليها من زيادة أو حذف أو تغيير. فالكلمة الإنجليزية "Boys"، مثلاً، تتكون من عنصرين، هما "Boy" الدال على معنى محدّد، و"S" الدال على معنى الجمع. وفي اللغة العربية، الفعل "خَرَج" تزيد على بنيته الهمزة والسين والتاء فتصبح "استخرج" بمعنى جديد، يشمل معنى الخروج وزيادة في المعنى تفيد "طلب الشيء"، أي: استخرجه. والفعل "قال" إذا أسندته إلى ضمير الفاعل المتكلم، قلت: "قُلْتُ" فحذفت وسطه، والفعل "وقف" إذا صُغْتَ منه المضارع، قلت: "يقف" فحذفت أوله، وهكذا، مما يطرأ علي بنية الكلمة من زيادة وحذف وتغيير.

ج. العنصر الدلالي

يبين ماذا تعني الجمل. فهو يبين ما إذا كان معنىً ما، مماثلاً لمعنى جملة أخرى، فعلى سبيل المثال، فإن جملة: "تمكن الطالب من النجاح في الاختبار" تعني ضمنياً: "نجح الطالب في الاختبار"، لكن جملة مثل: حاول الطالب أن ينجح في الاختبار لا تعني ضمنياً: نجح الطالب في الاختبار.

د. العنصر النحوي النظمي

يبيّن العلاقة بين معنى جملة، ونظم الكلمات فيها. كما يبين هذا العنصر أنه يمكن ترتيب الكلمات في جملة بطريقتين مختلفتين، ويظل معنى الجملة واحداً. وكمثال على ذلك، نجد أن الجملتين التاليتين تعنيان الشيء ذاته. وهما "أعطت المضيفة الشطيرة لأطول فتاة"، "والمضيفة أعطت أطول فتاة الشطيرة". ويقول علماء اللغة: إن الجملة الواحدة هي إعادة صياغة للأخرى.

4. علم اللغة المقارن:

    إن علم اللغة المقارن هو دراسة اللغة من حيث الاختلاف في استخدامها، من متكلم إلى آخر، وباختلاف الأمكنة والأزمنة. يطلق على هذا المجال أحياناً علم اللغة التاريخي.

    يحاول بعض الباحثين المتخصصين في علم اللغة المقارن، صياغة استنتاجات صحيحة عالمياً، حول بنية اللغة، والتغير اللغوي. ويشكل البحث في تصنيف اللغات على أساس نوعها مجالاً للدراسة قائماً بذاته.

    ويسعى الباحثون المتخصصون في علم اللغة المقارن، التمكن من تبيان كيف نشأت اللغة في المقام الأول، ووصف الظروف التي أدت إلى نشوئها. لكن السجلات المكتوبة تعتبر حديثة نسبياً، لأن الناس استخدموا أنظمة لكتابة الكلمات منذ حوالي 5000 سنة فقط، بينما نجد أنهم استخدموا اللغات المنطوقة منذ فترة أطول. وبقدر ما يستطيع علماء اللغة تبيانه، فإن لجميع ثقافات هذا العصر لغات متساوية في التعقيد. ولكل هذه الأسباب، فإننا لا نعرف أي شيء تقريباً حول أصل اللغة.

    إن الباحثين المتخصصين، يستخدمون في علم اللغة المقارن طريقتين رئيسيتين في دراستهم للغة، هما إعادة التركيب اللغوي الداخلي، وإعادة التركيب اللغوي المقارن.

أ. إعادة التركيب اللغوي الداخلي

    تنطوي هذه الطريقة على استخدام مرحلة من مراحل نشوء لغة ما لتوضيح خصائص مرحلة سابقة لها، أو مضاهاة كلمة، أو صيغة في لغة ما بنظيراتها في اللغة ذاتها، أي بالبيانات الداخلية. ففي العربية، على سبيل المثال، نجد أن نمط الأفعال المعتلة أولها المثال هو: وَسَمَ ـ يَسِمُ ـ سِمْ ـ وَعَدَ ـ يَعِدُ ـ عِدْ. لذا يمكن افتراضاً أن نقيس على ما تقدم فنقول: وَصَفَ ـ يَصِفُ ـ صِفْ.

ب. إعادة التركيب اللغوي المقارن

    وهي طريقة يستخدم فيها عالم اللغة عدة لغات متشابهة، لإعادة تركيب لغة افتراضية، تدعى اللغة البدائية ويفترض عالم اللغة أن اللغة البُدائية هي الأصل المشترك للغات التي جرت إعادة تركيب تلك اللغة منها.

    فربما يقارن عالم اللغة بعض الكلمات، كالضمائر في اللغة العربية الجنوبية، ومنها ضمائر التثنية في اللغتين السبئية والمعنية باللغة العربية الشمالية (الفصحى). أو يقارن بعض الضمائر الفينيقية كضمير المخاطب والغائب بنظائرها في اللغات السامية الشمالية الغربية الأخرى كالآرامية والعبرية.

    يمكن لعالم اللغة أن يفترض أن لغتين كالإغريقية واللاتينية، على سبيل المثال، تحتويان على الأصوات الصامتة للغة البدائية. كما يستخلص أيضاً أن اللغة الإنجليزية، قد خضعت لتحول صوتي، استبدلت فيه بعض الأصوات الصامتة بأخرى منتظمة. ويعتبر هذا التحول الصوتي أحد الخصائص التي تتسم بها اللغات الجرمانية، ومنها الإنجليزية، والألمانية، والهولندية.

5. علم اللغة ومجالات الدراسة الأخرى

    يتناول كثير من علماء اللغة بحث جوانب معينة من اللغة، تتصل بمجالات أخرى. فعلى سبيل المثال، يبحث علماء اللغة الأنثروبولجيون، التأثيرات المتبادلة بين اللغة والعناصر الأخرى للثقافة. ويحاول علماء اللغة الاجتماعيون معرفة كيف تتغير استخدامات اللغة، وفقاً للاختلافات في العمر، والجنس، والمكانة الاقتصادية، والاجتماعية. أما علماء اللغة النفسيون، فيسعون لمعرفة السمات العامة للطرق التي يكتسب بها الناس اللغة ويستخدمونها. كما يقومون أيضاً بدراسة الأمراض والإصابات التي تؤثر في قدرة الفرد على استخدام اللغة. ويهتم المتخصصون في علم اللغة الرياضي بالعلاقة بين فئات البشر واللغات الاصطناعية المستخدمة في برمجة الكمبيوتر. أما المتخصصون في علم اللغة التطبيقي، فيحاولون استخدام المبادئ اللغوية، لتحسين تعليم اللغات الأجنبية.

6. نبذة تاريخية عن علم اللغة عند العرب

    كان العرب سباقين في التصنيف في علم اللغة، وبدأوا التصنيف في هذا العلم منذ أواخر القرن الأول الهجري، (السابع للميلاد). وقد انصب تصنيفهم في الحقبة الأولى، على علم المعاجم التي تشرح معاني الألفاظ المشكلة، من غير تبويب لها. فقد كان ترتيب المادة اللغوية آنذاك بحسب الدلالة، وليس بحسب الموضوعات. ومن أبرز اللغويين العرب، الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأشهر مصنفاته في اللغة: كتاب العين، وابن عمرو الشيباني وأشهر كتبه كتاب الجيم، وابن جني وكتابه الخصائص، وابن فارس وكتابه الصاحبي، وكتاب فقه اللغة وسر العربية للثعالبي.

7. المقارنون

    حاول الناس منذ القدم، الإجابة على كثير من الأسئلة المثارة حول اللغة. بدأ المقارنون دراستهم في نهاية القرن السابع عشر الميلادي. في ذلك الوقت، كان علم اللغة يسمى بعلم اللغة المقارن، ولا يزال هذا المصطلح يستخدم أحياناً في الوقت الحاضر. وقد لاحظ البريطانيون الذين كانوا يعيشون في الهند أن الهندستانية، وهي إحدى اللغات المستخدمة في الهند تشبه اللغة اللاتينية والإغريقية، واستنتجوا أن اللغة اللاتينية والإغريقية والسنسكريتية (الشكل القديم للهندستانية) نشأت جميعها من لغة واحدة أكثر قدماً.

    بدأ الباحثون بعد ذلك في دراسة اللغات الأوروبية الحديثة وإجراء المقارنات بينها، فاكتشفوا أن جميع اللغات الأوروبية تقريباً، وكذا لغات فارس وأفغانستان وشمالي الهند قد نشأت، من لغة واحدة، توصف باللغة الأصل. وقد أطلق علماء اللغة على تلك اللغة البدائية، اسم الهندو ـ أوروبية. ولا يوجد اليوم شيء مدون من الهندو ـ أوروبية، ولكن يعتقد بأنها كانت لغة الحديث المتداولة في أوروبا الشرقية قبل عام 2000 ق.م.

    كان أبرز المقارنين القدماء، باحث ألماني اسمه جاكوب لودوج جريم، وهو أحد أخوين عُرفا بجمعهما لحكايات الجن. وقد بيّن جريم أن اللغتين الإنجليزية والألمانية واللغات الجرمانية الأخرى، نشأت من الهندو ـ أوروبية، تماماً مثلما نشأت منها اللغات الإغريقية واللاتينية والسنسكريتية. ووضع هذا الباحث قانون جريم الذي يوضح العلاقة بين الأصوات الصامتة للغات الجرمانية والأصوات الصامتة للغات الهندو ـ أوروبية الأخرى.

    ومن المقارنين الآخرين، فرانز بوب وأوجست شليخر، وكلاهما ألماني. قارن بوب بين السنسكريتية واللغة الألمانية ولغات أخرى، بينما قام شليخر بتصنيف قواعد اللغة الهندو ـ أوروبية ذاتها.

    في العقد السابع من القرن التاسع عشر، انبثقت عن المقارنين مجموعة من علماء اللغة، أطلقوا على أنفسهم اسم النحويين المحدثين. وأعلنوا أن قانون جريم، والقوانين اللغوية الأخرى كلها صحيحة، دون استثناء، وزعموا أن الحالات الشاذة الظاهرة في تلك القوانين، هي نتاج لعمل قوانين أخرى.

8. البنيويّة

    نشأت في أوائل القرن التاسع عشر، وقد نظر البنيويون إلى اللغات كأنظمة تتألف من أنماط من الأصوات والكلمات، وقاموا بدراسة هذه الأنماط، بهدف معرفة كل شيء عن بنية اللغة. واعتقد البنيويون أن لكل لغة بنية متميزة، لا يمكن مقارنتها ببنية أيّة لغة أخرى. وأصبح عالم لغة سويسري اسمه فرديناند دو سوسير أول زعيم للبنيويين.

9. النظرية التوليدية للغة

    بدأت في الظهور خلال الخمسينات من القرن العشرين، على يد نعوم تشومسكي وهو عالم لغة أمريكي. ويعتقد علماء اللغة التوليديون، أن نحو اللغة يتألف من قواعد معينة لتكوين عدد غير محدد من الجمل. لقد أثبت التوليديون، أن بعض التصورات البنيوية للنحو، غير ملائمة لوصف اللغات.

    ووفقاً لما يقوله علماء اللغة التوليديون، فإن أدوات نحوية، تسمى التحويلات النحوية هي التي تبين علاقة الجمل بعضها ببعض. وتعتبر هذه التحويلات، ضرورية لتقديم وصف كامل لكثير من الجمل. أما في النظرية البنيوية، فلم يكن لأدوات نحوية من هذا القبيل أي دور يذكر، وفي أواخر السبعينات من القرن العشرين، برزت خلافات كبيرة بين علماء اللغة التوليديين، في إطار مساعيهم للوصول إلى تحديد خصائص عالمية وأساسية للغات.

    واللغة تتطور بتطور مراحل الحياة إلى يومنا هذا. ولا يستطيع أحد، الوقوف دون تطور لغة من اللغات، لأن اللغات تتصارع فيما بينها، وتتأثر بعوامل اجتماعية متنوعة، ولذا، فالفصول التالية تتحدث عن: تطور اللغة، والصراع بين اللغات.

ثانياً: تطور اللغة والصراع بين اللغات

من القوانين المقررة، التي لا خلاف عليها، أن اللغة تتطور، وأن هناك أسباباً كثيرة لتطور اللغات. وقد بذل العلماء جهوداً واضحة، في دراسة هذا التطور، من طريق دراسة الموضوعات المتعلقة بهجرات الشعوب وانتقالها، وتزاوجها، وحروبها، اعتماداً على معطيات الآثار، والأنثروبولوجيا، والتاريخ، والنقوش، والكتابات المتنوعة، ونتائج الحفريات، واستقراء الوثائق المختلفة من العصور السابقة. وتعرف العلماء من خلال ذلك على كثير من ملامح لغات المجتمعات الأولى التي أنشأها الإنسان، وتوصلوا إلى نتائج مهمة منها:

·   أن اللغات لا تعرف مراحل، الولادة، والنضج، والازدهار، ثم الشيخوخة، كما هو الشأن مع النبات والحيوان والإنسان.

·   لا يحدث في تاريخ اللغات أي نوع من الانفجارات، أو الظهور المفاجئ للغات جديدة.

·   إن تطور اللغة، والتحولات التي قد تطرأ عليها، تتم دون أن يحدث انقطاع في ديمومة اللغة، بالإضافة إلى أن وتائر هذه التحولات، تتغير في العصور المختلفة. فقد تمر فترات يظل فيها بناء اللغة ثابتاً خلال ألف سنة، ثم يطرأ تغيير كبير على هذا البناء، خلال مائتي سنة، كتغير نظام الأفعال في اللغة الروسية، بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر، أو تبدل النظام اللفظي للصوتيات في اللغة الإنجليزية بين القرنين الخامس عشر، والسادس عشر.

·   أن المفردات تتغير حتى مع بقاء القواعد الرئيسية كما هي. ومن أمثلة ذلك، أن البناء القواعدي للغة العربية الفصحى، لا يزال هو البناء الذي ورثناه عن قريش، بينما تغيرت المفردات تغيراً كبيراً وفقاً للعصر الذي نعيش فيه. ويكون التغير عادة بطيئاً جداً. فالمتحدثون باللغة الإنجليزية، لا يلاحظون أن لغتهم تتغير من سنة إلى أخرى. ولكن إذا حاول الناطقون بالإنجليزية في الوقت الحاضر قراءة الإنجليزية القديمة، فسيجدون أنها مختلفة عن الإنجليزية الحديثة بقدر اختلاف الفرنسية أو الألمانية عنها. وفي المجتمعات الصناعية المعاصرة، تحدث التغيرات اللغوية بشكل أكثر بطئاً. فالأنظمة التربوية وأنظمة الاتصال المركزية كالمذياع، والتلفاز، تعزز استخدام شكل قياسي للغة. وفي ظل الظروف، تبقى اللغة، على الأرجح، أكثر ثباتاً. ومع ذلك، فمن المؤكد، أن اللغة لن تتوقف مطلقاً عن التغير إلا عندما تفقد اللغات جميع الناطقين بها، فعندئذ فقط يتوقف التغيير فيها بصورة تامة. ويطلق على اللغة التي لم يعد أحد يتكلم بها لغة ميتة، ومن الأمثلة على اللغات الميتة، السومرية والمصرية القديمة.

·   أن هناك تزاوجاً وصراعاً، بين اللغات، لا يمكن تجاهل قيمته وأسبابه، وآثاره.

1. صراع اللغات

    جرت سنة الحياة على أن تتشابك المجتمعات الإنسانية، وتختلط، وتنشأ بينها العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، فإن بني الإنسان في تدافع مستمر. قال تعالى: ]وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ[ w، (سورة البقرة، الآية 251).

    ويتخذ هذا التدافع صوراً متعددة منها: التعاون، والود، والسلام، ومنها العداء والحرب والصدام. وعن الحروب تتمخض نتائج تشمل التأثير في اللغة.

    وينبغي أن نعلم، أن وجود لغة واحدة لا يمنع الصراع، فقد كان قابيل وهابيل، ابنا آدم، يتكلمان لغة واحدة، ولا ريب، وقتل أحدهما الآخر[1]. وتصارع القادة الرومان، ماريوس  Gaius Marius[2] وسولا Lucius Cornelius Sulla [3]؛ وبومبي Gnaeus Pompeius (Pompey the Great) [4] وقيصر Gaius Julius Caesar [5]؛ وأنطونيوس Mark Antony (Marcus Antonius) [6] وأوكتافيوس Gaius Octavius Augustus [7]، وكانوا جميعاً يتكلمون لغة واحدة. والعرب قبل الإسلام كانوا قبائل يتكلمون لغة واحدة، ولا يفتأون يتقاتلون، ويشنون الغارات، ويعملون النهب والسلب بين بعضهم البعض.

    وكان التفاهم اللغوي قائماً، بين دعاة الوحدة والانفصال، إبان الحرب الأهلية الأمريكية، وبين البلشفيين[8] والقيصريين[9]، في روسيا، وبين الملكيين والجمهوريين في أسبانيا فمن الواضح أن سبب الصراع هو سوء الفهم بين الأطراف. ومن أسبابه أيضاً تعارض المصالح، والأطماع، والنزوات المختلفة.

2. تأثر اللغة حال الحرب

    إذا حدث غزو من شعب ضد شعب آخر، وكان الشعب الغازي يتحدث لغة غير لغة أصحاب البلاد، فإنه يبدأ مع مرور الوقت صراع بين اللغتين، وليس من الضروري، أن ينتهي هذا الصراع على غرار نتيجة المعركة الحربية، فقد يكون الشعب المغلوب أصلب عوداً في تمسكه بلغته، وقد يكون ضعيفاً مستسلماً. ولابد من أحد احتمالين:

أ. إمّا أن تنتصر إحدى اللغتين على الأخرى، وتصبح هي اللغة السائدة بين الجميع.

ب. وإمّا أن تستويا في القوة، فلا تتمكن إحداهما من هزيمة الأخرى فتتعايشان معاً.

ويتحكم في هذه النتيجة أحد عاملين، أو هما معاً:

أ. التقدم الحضاري.

ب. التفوق العددي.

    فإذا تساوى الشعبان في الناحية الحضارية، بأن كانا متخلفين، فإن نتيجة الصراع حينئذ تعتمد، في الغالب، على كثرة العدد، وتسود لغة أكثرهما عدداً سواء أكان غالباً أم مغلوباً، وذلك لأن العدد القليل سوف يغرق وسط طوفان بشري، فلن يظهر له أثر. وهذه النتيجة لن تتحقق إلا إذا كانت اللغتان المتصارعتان من فصيلة لغوية واحدة، أو من فصيلتين متقاربتين.

    مثال ذلك: عندما زحفت قبائل الأنجلو ـ ساكسونAnglo - Saxons[10] من أواسط أوروبا إلى إنجلترا لم تلبث لغتهم أن تغلبت على اللغات الكلتيةCeltic  للسكان الأصليين، وذلك لأن عدد الكلتيين Celts[11] لم يكن شيئاً يذكر بجوار عدد الغزاة، وكلا الشعبين كان متخلفاً حضارياً وثقافياً، فانتصرت لغة الكثرة على لغة القلة، وكلتاهما من فصيلة اللغات الهندية ـ الأوروبية.

    قارن هذا المثال بمثال آخر: وهو أنه عندما زحف النورمانديون[12] على إنجلترا في أواسط القرن التاسع، واحتلوا أغلب أراضيها، كان عدد النورمانديين قليلاً مقارنة بجماهير الإنجليز، ولذا تلاشت لغة النورمانديين أمام اللغة الإنجليزية، التي أصبحت هي اللغة السائدة. لذا فإننا نجد أن لغة المغلوب هي التي انتصرت على لغة الغزاة، وكلتا اللغتين من الفصيلة الهندية ـ الأوروبية. والكم هو العامل الأساسي في المثالين، وهو الذي يرجح كفة انتصار لغة ما على أخرى (الهندو ـ أوروبية Indo - European).فإذا اختلفت فصيلتا اللغتين، فلن تتغلب إحداهما على الأخرى، إلا بصعوبة شديدة، وبعد أمد طويل، واللغة التي يكتب لها الغلبة لابد أن ينالها كثير من التحريف، في ألسنة المتحدثين بها، لشدة الاختلافات بينها وبين لغتهم الأصلية.

    مثال ذلك: أن البلغاريين، حينما نزحوا إلى البلقان، وامتزجوا بشعوب الصقالبة (الشعوب السلافية)[13] أخذت لغتهم تنهزم شيئاً فشيئاً أمام لغة هذه الشعوب، حتى انقرضت، وكانت السيادة للغة الصقالبة،  لأن عدد البلغاريين لم يكن شيئاً مذكوراً، بجانب عدد الصقالبة الممتزجين بهم، وكلتا الفئتين كانت إذ ذاك همجية منحطة في مستوى حضارتها. ولكن هذا التغلب لم يتم إلا بصعوبة، وبعد أمد طويل، وصراع عنيف خرجت منه اللغة الغالبة، مشوهة، محرفة، بعيدة بعداً كبيراً عن صورتها القديمة، وذلك مرده إلى اختلاف فصيلتي اللغتين، فلغة الصقالبة من الفصيلة الهندية ـ الأوروبية، على حين أن لغة البلغار من الفصيلة الفينية.

3. تأثر اللغة حال التفوق الحضاري:

    أمّا إذا كان الشعب الغالب، أرقى من الشعب المغلوب حضارة، وثقافة، فإن هذا التفوق الكيفي يكتسح أمامه أي تفوق كمي، ولو كان عدد أفراده قليلاً، على شريطة أن تدوم غلبته، وقوته زمناً كافياً يمكن معه تحقيق نتيجة حاسمة للصراع اللغوي، كما أنه لابد من استمرار إقامة مجموعة كبيرة من أبنائه، بين مجموعات الشعب المغلوب، وتختلط به على جميع مستويات الاتصال اجتماعياً وثقافياً. والسر في ذلك أن الشعب الغالب يملك، إلى جانب قوته المادية، قوة حضارة لا تتوافر أدواتها للشعب المغلوب، الذي يدرك أفراده، أنهم بحاجة إلى استيعاب أصول الحضارة الجديدة، وقواعدها، ومظاهرها، ويحاولون تمثلها وإتباعها، ابتداء من مجرد الإعجاب بها، إلى حد اعتقادها، والدفاع عنها. وهكذا يتم للغالب الانتصار في المعركة اللغوية، وتسود لغته على لغة المغلوب مهما كان عدد أفراده كبيراً.

    مثال ذلك: أن فتوح الرومان في وسط أوروبا، وجنوبها، وشرقها، أعقبها تغلب لغتهم اللاتينية على اللغات الأصلية، في باقي أرجاء إيطاليا وأسبانيا وبلاد الغال (فرنسا الحالية) وغيرها، مع أن الرومان الغزاة كانوا أقلية بالنسبة إلى السكان الأصليين.

    وكذلك تغلبت لغة الآراميين[14]، على الأكادية[15]، والفينيقية[16]، والعبرية[17]، بعد أن غزا الآراميون بلادهم، على الرغم من أن الآراميين الغزاة كانوا أقلية بالنسبة لسكانها الأصليين.

    وها هي فتوحات العرب، في صدر الإسلام، للشام، والعراق ومصر وشمال أفريقيا، يواكبها اكتساح اللغة العربية أمامها لجميع اللغات التي كانت سائدة في تلك البقاع الواسعة. فقد اكتسحت القبطية في مصر والبربرية في شمال أفريقيا، والكوشية في الشرق، وسادت اللغة العربية في هذه البقاع كلها، والسر في ذلك، أن العرب المسلمين، كانوا دعاة حضارة جديدة، يحملها دينهم الجديد، على حين كانت هذه الأمم، ترزح تحت نير الاستعمار الروماني، أو الفارسي، وتعيش في مهانة وذل، فجاءهم العرب المسلمون، حاملين مشعل الحضارة والإيمان، ينادون بالعدالة الاجتماعية، والمساواة بين الناس، دون نظر إلى جنس أو لون، أو مستوى مادي، ولذلك هبت الشعوب من فورها، مستجيبة لداعي الحضارة الجديدة، ولغتها الجديدة أيضا.

    في كلتا الحالتين السابقتين، لا يتم النصر غالباً لإحدى اللغتين إلا بعد أمد طويل، يصل أحياناً إلى أربعة قرون، وقد يمتد إلى أكثر من ذلك.

    والرومان قد أخضعوا بلاد الغالة (فرنسا) في القرن الأول الميلادي، ولكن لم يتم النصر للغتهم اللاتينية على اللغة الكلتية، التي كان يتكلم بها أهل هذه البلاد إلا في حوالي القرن الرابع الميلادي.

    والعرب، مع ما كان لهم من قوة الشوكة، ورقي اللغة، واتساع الحضارة، وحماية الدين، لم يتم النصر للغتهم على القبطية والبربرية إلا بعد أمد طويل. فقد ظل انتشار اللغة العربية بطيئاً في مصر طوال القرن الأول الهجري، وقبيل نهاية هذا القرن، أي في سنة 87هـ، وفي ولاية عبدالله بن عبدالملك على مصر من قِبل أخيه الوليد، أمر بالدواوين فنسخت بالعربية، وكانت من قبل تكتب باليونانية. وظل التحول من الكتابة باليونانية في الدواوين والتحدث بالقبطية، إلى الكتابة والتحدث بالعربية خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة. حتى إذا كان القرن الرابع بدأت غالبية الشعب المصري يتكلم العربية ولا يفهم القبطية، بدليل أن رجال الكنيسة أنفسهم اضطروا في ذلك القرن أن يلقوا مواعظهم في الكنائس باللغة العربية. وإن ظلت القبطية باقية في بعض المناطق مدة طويلة بعد ذلك، بدليل ما يذكره المقريزي من أن المأمون، حين جاء إلى مصر عام 217هـ، كان يتنقل في ريف مصر ومعه مترجم.

    أمّا اللغات البربرية، فلا تزال إلى الوقت الحاضر، لغة محادثة لدى بعض العشائر في المغرب، وفي بعض الواحات التابعة لليبيا ومنها واحة "أوجلة" الواقعة عند حدود برقة من الجنوب.

    وهذا يدل على أن انتصار اللغة الغالبة ـ رغم ما تحمل من دعوة حضارية ـ يحتاج إلى عدة قرون. ويختلف مبلغ هذا التأثر باختلاف الأحوال: فتكثر مظاهره كلما طال أمد احتكاك اللغتين، وكان النزاع بينهما عنيفاً، والمقاومة قوية، من جانب اللغة المقهورة، وتقل مظاهره، كلما قصرت مدة الصراع، أو كانت المقاومة ضعيفة. وفي كل الأحوال، لابد من أن توجد آثار من اللغة المغلوبة في اللغة الغالبة[18]. فقد خرجت الإنجليزية (المنتصرة) على النورماندية، وقد اقتبست منها مفردات كثيرة جداً، تصل إلى نصف مفرداتها. كما أن الألفاظ الأصيلة ينالها شيء من التحريف، على ألسنة الناطقين بها (المغلوبين لغوياً) فتبعد بذلك في أصواتها، ودلالاتها وأساليب نطقها عن صورتها الأولى. ويبلغ ذلك أقصى درجاته، إذا كانت اللغة المقهورة من فصيلة أخرى، غير فصيلة اللغة الغالبة، كما ذكرنا من قبل.

    كما ينال الألفاظ الدخيلة التي تقتبسها اللغة الغالبة من اللغة المغلوبة، كثير من التحريف، في أصواتها ودلالتها وطريقة نطقها، فتبعد في جميع هذه النواحي عن صورتها القديمة.

    فإذا حدث العكس، وكان الشعب المغلوب، أرقى حضارة من الشعب الغازي، فإن النتيجة حينئذ بدهية، وهي استحالة انتصار الهمجية، ولو غلبت، على المدينة ولو قُهرت، فهذا الانتصار مؤقت ولا ريب، ولابد أن يسترد الشعب المتحضر المقهور شخصيته، عاجلاً أو آجلاً.

    مثال ذلك: أن اللغة اللاتينية لم تقو على مقاومة سيادة اللغة الإغريقية، مع أن الأولى كانت لغة الشعب الغالب، لأن الإغريق، مع خضوعهم للرومان، كانوا أعرق حضارة، وأوسع ثقافة، وأرقى لغة. وكذلك لم تقو لغات الشعوب الجرمانية، التي قوضت الإمبراطورية الرومانية الغربية، في فاتحة العصور الوسطى، على التغلب على اللغة اللاتينية، في البلاد التي قهرتها في بلاد الغال.

    ومن الجدير بالذكر أن عدم تغلب إحدى اللغتين، لا يحول دون تأثر كل منهما بالأخرى. فقد تأثرت اللاتينية بالإغريقية، في أساليبها وآدابها، واقتبست منها طائفة كبيرة من مفرداتها. وتأثرت الإنجليزية بعض التأثر باللاتينية.

    وقد تركت اللغة العربية، آثاراً قوية في الأسبانية، والبرتغالية، وبخاصة في الأندلس[19]، حيث دام الحكم الإسلامي عدة قرون[20].

    والاحتمال الثالث في قضية الصراع: هو أن يكون الشعبان ذوي حضارة عريقة، ولغة كل منهما قوية راقية. وحينئذ، لا يمكن أن نجد لهذا الصراع أي أثر لغوي، وإنما يكاد ينحصر أثره في الميدان الاقتصادي، أو السياسي، ومن الأمثلة على ذلك صراع الألمانية مع الفرنسية في داخل سويسرا حيث نجد بين الشعب السويسري قسما يتحدث الفرنسية، وقسماً آخر يتحدث الألمانية. وكل ما يحدث هو أن تطرد الألمانية الفرنسية من إحدى القرى، أو العكس، دون أن يقال: إن الصراع بين اللغتين، قد أضفى أثراً معينا على إحداهما من الأخرى.

    وقد يكون للعامل السياسي أثر كبير، في حسم نتيجة الصراع اللغوي، حتى بين اللغتين المتكافئتين، وقد برز هذا العامل في العصر الحديث، حين وجدنا كثيراً من الشعوب، التي كانت خاضعة للاستعمار، تعمد إلى إحياء لغتها، كوسيلة إلى بعث شخصيتها، وقصداً إلى إذكاء روح الكفاح في الأفراد من أبنائها، في مواجهة لغة المستعمرين.

    ففي حالة الجزائر مثلاً، سيطر الاستعمار الفرنسي عليها مائة وثلاثين عاماً، حاول خلالها أن يدمر كل رابطة تربطها بالإسلام والعربية، لينفرد بها لقمة سائغة، وقد كان لدى الفرنسيين تخطيط شامل لهذا التغيير الجذري، يبدأ بالطفل الجزائري، إلى أن يصبح رجلاً كبيراً متعاملاً مع المستعمرين بلغتهم وبأسلوبهم، يؤازرهم في ذلك تفوق حضاري، حتى لقد سادت الفرنسية كل مستويات النشاط الثقافي، في الجزائر فكان المفكرون والأدباء والصحفيون، ومن دونهم من أبناء الشعب، يتكلمون ويستعملون الفرنسية، رسمياً وشعبياً، ويجهلون العربية إلا بضع كلمات. وقد اهتمت حركات التحرر هناك، بمعركة التعريب على قدم وساق، من أجل رسم وجه الجزائر العربي المسلم. واسترد الشعب الجزائري روحه حين استرد اللسان العربي.

    الخلاصة، في موضوع الصراع إنه متى اجتمعت لغتان في صعيد واحد، فإنه لا مفر إطلاقاً، من أن تتأثر إحداهما بالأخرى، سواء في ذلك أتغلبت إحداهما على الأخرى، أم بقيت كل واحدة منهما بجوار أختها.



[1] قصّ القرآن الكريم تفاصيل ذلك الحدث، في الآيات 27 ـ 31 من سورة المائدة.

[2] ماريوس، جايوس (157 - 86 ق.م): قائد عسكري وسياسي روماني. يُعد أحد أبرز الوجوه في أواخر عهد الجمهورية. أصبح قنصلاً، عام 108 وعام 101 ق.م.، أحرز انتصارات عسكرية متعددة في شمالي أفريقيا وفي بلاد الغال، وطرد الغزاة الجرمان من إيطاليا عُرف بخصومته لـ `سولا`.

[3] سولا، لوكيوس كورنيليوس (138 - 78 ق.م): قائد عسكري وسياسي روماني. أصبح قنصلاً، عام 88 ق.م. نشب صراع عنيف بينه وبين ماريوس وأنصاره، انتهى، عام 82 ق.م.، بانتصار سولا، وبسط هيمنته على روما، وقيامه ببعض الإصلاحات الدستورية، في محاولة لتعزيز الجمهورية الرومانية. اعتزل الحكم، عام 79 ق.م.

[4] بومبي (106 - 48 ق.م): زعيم عسكري وسياسي روماني. شن حملات عسكرية ناجحة على أسبانيا وجنوبي فرنسا وشمالي إيطاليا أطاح بمملكة السلوقيين، في سورية، عام 64 ق.م. عُرف بخصومته ليوليوس قيصر، في معركة فرسالوس، عام 48 ق.م، ففر إلى مصر حيث اغتيل. يُعرف بـ `الكبير`.

[5] قيصر، جايوس يوليوس (100 - 44 ق.م): سياسي ومؤرخ وقائد عسكري روماني. دكتاتور روما (49 - 44 ق.م). يُعد أحد أعظم القادة العسكريين في تاريخ الغرب. فتح غالة، فرنسا الحالية، بحملات متعددة عامَي 58 و50 ق.م. غزا بريطانيا (55 - 54 ق.م.). أمره مجلس الشيوخ بتسريح جيشه، فاجتاز نهر روبيكون، عام 49 ق.م.، متحدياً أمر المجلس. وبذلك، اندلعت الحرب الأهلية الرومانية (49 - 45 ق.م). اتهمـه كاسيوس وبروتوس بالاستبداد، وتآمرا على قتله (عام 44 ق.م).

[6] أنطونيوس، ماركوس؛ مارك أنتوني (82 ؟ - 30 ق.م): قائد روماني. ناصَر يوليوس قيصر في صراعه مع بومبي. وبعد مصرع يوليوس قيصر، انتصر في معركة فيليبي (42 ق.م.). اشتهر بحبه لكليوباترا. هزمه أوكتافيوس في معركة `أكتيوم`، فانتحر.

[7] أوكتافيوس (أوغسطوس) (63 ق.م - 14م): أول أباطرة الرومان (27 ق.م - 14 م). أعاد الاستقرار والازدهار إلى ربوع العالم اليوناني - الروماني. ركّز سلطة الإمبراطورية الرومانية في مدينة روما نفسها. قام بإصلاحات إدارية واجتماعية كثيرة، أعاد تنظيم الجيش، وشجّع الفنون. اسمه الأصلي أوكتافيوس، أمّا أوغسطوس، فلقبٌ خُلع عليه، عام 27 ق.م. يُعرف أيضاً بـ أوكتافيان.

[8] البلاشفة: اسم يطلَق على أعضاء الجناح المتطرف، من حزب العمال الاجتماعي الديموقراطي الروسي. وهو الجناح الذي استولى على السلطة في روسيا (25 أكتوبر 1917)، بزعامة لينين، بعد نشوب الخلاف بينه وبين الجناح المعتدل، الذي عُرف أصحابه بالمناشفة Mensheviks (عام 1903). وقد أَطلق البلاشفة على أنفسهم، ابتداء من مارس 1918، اسم الحزب الشيوعي الروسي (البلاشفة). وفي عام 1952، عُدّل الاسم فأصبح `الحزب الشيوعي السوفيتي". ولفظ "البلاشفة" مأخوذ من الكلمة الروسية Bolsheviki  ومعناها "فريق الأكثرية".

[9] القيصر: لقب اتخذه أمراء موسكو الكبار، في القرن السادس عشر. وهو مأخوذ من لقب "قيصر" Caesar الإمبراطوري الروماني القديم، وقد اشتقت منه، في اللغة الروسية، ألقاب متعددة هي "التساريتسا" Tsaritsa (زوجة القيصر)، و"التساريفيتش" Tsarevich (ابن القيصر)، و"التساريفنا" Tsarevena (ابنة القيصر)، و"التسيساريفيتش" Tsesarevich (ولي عهد القيصر). وكان إيفان الرهيب Ivan the Terrible، أول من اتخذ لقب "القيصر"، عام 1547. ثم جاء بطرس الأكبر Peter the Great، فاتخذ بدلاً منه لقب "الإمبراطور" Imperator، عام 1721، بَيْد أن حكام الروسيا، ظلوا يُعرفون بالقياصرة حتى عام 1917، وهو العام الذي أطيح فيه النظام القيصري.

[10] الأنجلو ـ ساكسون Anglo-Saxons: اسم يطلق على القبائل الجرمانية (الآنْجلز Angles والسكسون Saxons والجوت Jutes)، التي استقرت في إنجلترا في القرنين الخامس والسادس للميلاد، والتي بسطت سيطرتها عليها حتى الفتح النورماندي، عام 1066. وبعد الفتح النورماندي، أطلَق المؤرخون، في إنجلترا هذا الاسم على الشعب الإنجليزي.

[11] الكلتيون Celts: مجموعة من الشعوب الناطقة باللغة الكلتية. يُعدّ جنوب غربي ألمانيا مَهدَ الكلتيين (حوالي 1500 ق.م) ومنه انتشروا، عبر فرنسا في شمالي أسبانيا وفي الجزر البريطانية (القرن السابع ق.م.). وقد غزا الكلتيون بوهيميا وهنغاريا وشمالي إيطاليا (في القرن الرابع ق.م.)، ثم غزوا آسيا الصغرى أيضاً (في القرن الثالث ق.م.).

[12] النورمانديون Normans also Normen: اسم أطلق في أوروبا الغربية الوسيطية Medieval على القراصنة الوثنيين الاسكندنافيين، الذين يُعرفون بـ "الفايكنجز" Vikings، الذين أغاروا على كثير من المناطق الساحلية أو احتلوها. أمّا في الاستخدام الحديث، فيطلق هذا الاسم على الفايكنجز الذين استقروا في ما عرف، بعدُ، بدوقية نورمانديا في شمال غربي فرنسا ومن نورمانديا انطلَق النورمان، في أوائل القرن الحادي عشر، ليفتحوا جنوبي إيطاليا وجزيرة صقلية. وفي أواسط ذلك القرن، فتحوا، بقيادة وليم، دوق نورمانديا، إنجلترا ومن ثم انتشروا في ويلز واسكتلندا وأيرلندا.

[13] السلاف ؛ السلافيون Slavs: مجموعة من شعوب شرقي أوروبا، تنتسب، لغوياً، إلى الأسرة الهندية ـ الأوروبية. يقسم السلاف، عادة، إلى الشعوب السلافية الشرقية (وأهمها الروس والأوكرانيون والبيلوروسيون)، والشعوب السلافية الغربية (وأهمها البولنديون والتشيكيون والسلوفاكيون)، والشعوب السلافية الجنوبية (وأهمها الصرب والكرواتيون والسلوفينيون والمقدونيون والبلغار). ومن الناحية الدينية، يقسم السلاف، تقليدياً، إلى قسمين رئيسيين: السلاف التابعين للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية (كالروس والصرب والمقدونيين ومعظم الأوكرانيين وبعض البيلوروسيين)، والسلاف التابعين للكنيسة الكاثوليكية (كالبولنديين والتشيكيين والسلوفاكيين والكرواتيين والسلوفينيين ومعظم البيلوروسيين وبعض الأوكرانيين). ويُعدّ السلاف أكبر مجموعة عرقية في أوروبا، إذ يقدّر عددهم بنحو 275 مليون نسمة.

[14] اللغة الآرامية: إحدى لغات الشرق الأوسط، التي تنتمي إلى مجموعة اللغات السامية، كالعربية والعبرية. وتصنف اللغتان، الآرامية والعبرية، ضمن اللغات السامية الشمالية الغربية. ويرجع تاريخ اللغة الآرامية إلى القرن العاشر قبل الميلاد. ولا يزال يتكلم بها أقوام من الأشوريين النصارى، في بقاع متفرقة في كل من سورية وتركيا والعراق وإيران كما أن انتشارها في رقعة جغرافية متسعة، جعل لها لهجات عديدة، شديدة التنوع. ترجع أقدم نماذجها المكتوبة إلى حوالي عام 900 ق.م وقد كُتبت باللغة الآرامية أجزاء من سِفرَي عزرا ودانيال في التوراة (العهد القديم)، إضافة إلى بعض الكتابات القديمة، المعروفة بمخطوطات البحر الميت. وفي الفترة، التي امتدت من العام الأول للميلاد إلى عام 600م، تم نظم عدة أعمال عبرانية.

[15] الأكّاديون: شعب سامي، قطن في أواسط بلاد ما بين النهرين (العراق)، حوالي الألف الثالث قبل الميلاد. انتشرت لغتهم، الأكادية، في عهد مؤسس الأُسرة الأكادية المالكة، سرجون الأول Sargon، في رقعة عريضة، امتدت من سواحل البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي. وفي حوالى عام 2000 ق.م.، حلت محل السومرية، بوصفها اللغة المحكية في الجزء الجنوبي من بلاد ما بين النهرين. وتنقسم الأكادية إلى لهجتين: اللهجة الأشورية (أو الشمالية) واللهجة البابلية (أو الجنوبية). والأكادية تُكتب بخط مسماري، تطور من الخط السومـري المسمـاري. وقد حل العلماء رموز هذه اللغة، في القرن التاسع عشر.

[16] الفينيقيون: شعب ساميّ قديم، سكن فينيقيا، حوالي عام 3000 قبل الميلاد. والمؤرخون لا يعرفون، على وجه اليقين، موطن الفينيقيين الأصلي، ولكن كثيراً منهم، يذهب إلى أنهم وفدوا إلى فينيقيا من منطقة الخليج العربي. وقد أنشأ الفينيقيون في موطنهم الجديد، بضع دول مَدينية City-States، احتفظت دائماً بقدر من الاستقلال المحلي. وبسبب ندرة الأرض المنزرعة، انصرف الفينيقيون إلى النشاط التجاري البحري، فكانت سفائنهم تجوب البحر الأبيض المتوسط، حاملة إلى بلدانه خشب الأرز، والصبغ الأرجواني، والزجاج، والمنسوجات النفيسة. وقد أسسوا عدة مستعمرات، أو محطات تجارية، أعظمها قَرْطاجة Carthage، ووصلوا إلى الجزر البريطانية وشواطئ أوروبا الغربية، وأبحروا حول القارة الأفريقية. وثمة دلائل تؤيد الرأي القائل إنهم عبروا المحيط الأطلسي، ونزلوا في مواطن عدة من نصف الكرة الغربي. ويعد استنباطهم الأبجدية الفينيقية، ونشرها في العالم، أعظم مآثرهم الحضارية، على الإطلاق.

[17] العبرية: واحدة من أقدم اللغات. تحدث وكتب بها بنو إسرائيل في العهد التوراتي. وهي واحدة من لغات اليهود الرسمية اليوم. كما يستعمل الكثير من الكتاب اليهود اللغة البيدية. تطورت العبرية من لهجة من اللهجات الكنعانية. وهي فرع من اللغات السامية الشمالية الغربية. ومن حيث الصوت، لها سمات العربية والآرامية نفسها. وتلفظ اللغة العبرية بعدة طرق، لكن النطق الأوسع انتشاراً هو الأشكنازي (وسط أوروبا)، والنطق السفاردي (البحر المتوسط). ويكمن الاختلاف بين هذين النطقين، في نطق الصوائت (الحركات أو حروف العلة)، وفي نبر كلمات مختلفة. تكتب الكلمات، في اللغة العبرية، من اليمين إلى اليسار. وتتكون الألفبائية من ستة وعشرين حرفاً صامتاً، إضافة إلى علامات، تسمى صوائت (حركات). وهي نقط بأشكال مختلفة، تبيّن نطق الصوائت. ويتكون معظم الكلمات العبرية من جذر ثلاثي الأحرف، وتبنى الكلمات من الجذور بإضافة سوابق ولواحق، وبتغيير في أصوات الصوائت. ومن حروف الألفبائية العبرية خمسة، هي: الكاف، الميم، النون، الفاء، الصاد، يتغير شكل كتابتها، إذا وقعت في آخر الكلمة.

[18] نذكر أمثلة لكلمات مصرية (قبطية)، لا تزال موجودة في اللهجات المصرية: (أمبو) يعني أنا أشرب. و (تاتا) معناها امش. و(البعبع) اسم عفريت مصري قديم. و (بخ) معناها شيطان. والسماء (ترخ) أي تنزل المطر بغزارة. و (المدمس) يعني الفول المطبوخ، و(البصارة)، و(ياما) يعني كثيراً. وكلمة (عنتيل) يعني قوي. و (باش) الخبز أي تبلل. و (يا ليل يا عين) يعني يا فرحة عيني. ويقول البحارة (ياللا هيلا ليصا) ومعناها وقعنا في الطين. وفلان (لايص) أي وقع في الوحل. وكلمة (جاي) معناها أغيثوني. وكلمة (شبرا) معناها الحقل؛ ويقال "شبرامنت" أي شبرا الغربية و "شبراخيت" أي شبرا الشمالية. وكلمة (ميت)، التي تسبق أسماء بعض البلاد معناها طريق. وكلمة (مينا) معناها محطة. ومعظم أسماء الأدوات المنزلية، ترجع إلى أصول مصرية قبطية مثل: الفوطة والفاس والماجور والمنشة وغير ذلك كثير.

[19] الأندلس: منطقة في الجزء الجنوبي الأقصى من أسبانيا تطـل على المحيط الأطلسي وعلى البحر الأبيض المتوسط. احتلها العرب من عام 711م إلى عام 1492م. وأنشأوا فيها حضارة، لا تزال آثارها قِبْلة السياح، إلى اليوم. من أهم مدنها إشبيلية Seville وغرناطة Granada وقرطبـة Cordoba ومُرسيـه Murcia وألمَريّة Almeria.

[20] أعدّ الأستاذ راجي باسيل، في ريو دي جانيرو في البرازيل بحوثاً في مؤلف خصّ به الكلمات البرتغالية المأخوذة من اللغة العربية. وقد طبع منه أربع مقالات، عنوانها: "معجم الكلمات البرتغالية المأخوذة من العربية".