إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات علمية / اللغات





لغة الإشارة
التابوت "دورة الثبات"
الحيّات في الصليب
الفصائل اللغوية
جدول اللغة الأُوغاريتية
رسم الهلال "شهر"
رسم الفصول في الهلال
عين حورس




المبحث الرابع

المبحث الخامس

نحو لغة عالمية

أولاً: لغة المخلوقات الأخرى

يقول الله تعالى: ]وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ[ w، (سورة الأنعام، الآية 38)

فجميع المخلوقات الحية كل منها أمة، وهي مثل أمة البشر، ولما كانت اللغة أساساً، ومقوماً من مقومات حياة الأمم، فلا شك أن كل أمة من المخلوقات الحية، من الحيوان والطير، لها لغة خاصة بها، يتفاهم أفرادها فيما بينهم من طريقها.

وقد ذكر الله عز وجل أن للطير لغة خاصة به، وكذلك للنمل لغة خاصة به، وبالقياس تكون كل أمة من أمم الحيوان لها لغتها الخاصة بها.

1. لغة الطير

قال الله عز وجل: ]وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥)  وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ[ w، (سورة النمل، الآيتان 15، 16).

يقول الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية:

"قال مقاتل: كان سليمان أعظم ملكاً من داود وأقضى منه، وكان داود أشد تعبداً من سليمان: قال غيره: ولم يبلغ أحد من الأنبياء ما بلغ ملكه؛ فإن الله سخر له الإنس والجن والطير والوحش، وقال سليمان: يا أيها الناس "علمنا منطق الطير" أيُ تُفضِّل علينا على ما ورثنا من داود من العلم، والنبوة، والخلافة في الأرض، في أن فهمنا من أصوات الطير المعاني التي في نفوسها. قال مقاتل في الآية: كان سليمان جالساً ذات يوم إذ مر به طائر يطوف، فقال لجلسائه: أتدرون ما يقول هذا الطائر؟ إنها قالت لي: السلام عليك أيها الملك المسلط، والنبي لبني إسرائيل! وصاح عنده طاووس، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال إنه يقول: كما تدين تدان. وصاح عنده هدهد، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: فإنه يقول: من لا يرحم لا يرحم.." وذكر القرطبي أمثلة أخرى كثيرة، لطيور متنوعة تكلمت أمام سليمان، وفسر كلامها، كما ذكر مثالاً لضفدع كذلك. وليس الأمر قاصراً على فهم سليمان للغة الطير فقط. قال ابن العربي: "من قال إنه لا يعلم إلا منطق الطير فنقصان عظيم، وقد اتفق الناس على أنه كان يفهم كلام من لا يتكلم، ويُخلق له فيه القول من النبات، فكان كل نبت يقول له: أنا شجر كذا، أنفع من كذا وأضر من كذا، فما ظنك بالحيوان.

وقال الإمام أبو السعود في تفسير الآية: "النطق هو كل لفظ يعبر به عما في الضمير، مفرداً كان أو مركباً، والذي علمه سليمان من منطق الطير، هو ما يفهم بعضه من بعض، من معانيه وأغراضه" ثم ذكر كثيراً من الأمثلة الواردة عند القرطبي، في فهم سليمان لكلام أنواع الطيور، دون أن يتعرض لمسألة علم سليمان بلغة مخلوقات أخرى.

ووافقهما الإمام السمرقندي، ولكنه ذكر مسألة مهمة، هي أن داود u كان أيضاً يعلم لغة الطيور والحيوان، فهو يقول: "قوله عز وجل: ]وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا[ w، (سورة النمل، الآية 15).يعني: علم القضاء والعلم بكلام الطير والدواب (وقالا) يعني: داود وسليمان ]الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ[ w، (سورة النمل، الآية 15). بالكتاب والنبوة وكلام البهائم والطير، والملك… (وقال) سليمان لبني إسرائيل ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ[ w، (سورة النمل، الآية 16). يعني: أُفهمنا وأُلهمنا منطق الطير، وذلك أن سليمان كان جالساً في أصحابه إذ مر بهم طير يصوت فقال لجلسائه: أتدرون ماذا يقول قالوا: لا قال: إنه يقول: ليت الخلق لم يخلقوا، فإذا خلقوا: علموا لماذا خلقوا قال: وصاح عنده ديك فقال: هل تدرون ماذا يقول: قالوا لا، قال إنه يقول اذكروا الله يا غافلين".

أمّا ابن كثير، فلم يذكر أن داود  كان يعلم لغة الطير والحيوان، وإنما انفرد بذلك سليمان، يقول ابن كثير:

"وكان سليمان يعرف لغة الطير، والحيوان أيضاً، وهذا شئ لم يعطه أحد من البشر، فيما علمناه، مما أخبر الله به ورسوله، ومن زعم من الجهلة والرعاع، أن الحيوانات كانت تنطق كنطق بني آدم قبل سليمان، فهو قول بلا علم، ولو كان الأمر كذلك، لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة، إذ كلهم يسمع كلام الطيور والبهائم، ويعرف ما تقول، وليس الأمر كما زعموا، ولا كما قالوا، بل لم تزل البهائم والطيور وسائر المخلوقات، من وقت خلقت إلى زماننا هذا، على هذا الشكل والمنوال، ولكن الله سبحانه كان قد أفهم سليمان، ما يتخاطب به الطيور في الهواء، وما تنطق به الحيوانات على اختلاف أصنافها".

ويبدو ـ والله أعلم ـ أن داود u كان يعلم لغة الطيور، لقول الله عز وجل: ]يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ[ w، (سورة سبأ، الآية 10).

وفيما يخص الطير أيضاً، ذكر الله عز وجل، أن فصائل الطيور كانت جنوداً من جنود سليمان  فقال: ]وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ[ w، (سورة النمل، الآية 17).

وحكى لنا الله عز وجل، قصة الهدهد وكلامه مع سليمان u بقوله: ]وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأََذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ[ w، (سورة النمل، الآيات 20- 23).

والطيور تصدر أصواتاً مختلفة، منها ما تستخدمه لتحذير بعضها البعض، ومنها ما تعبر به عن مرحها ولعبها، وتصدر ذكور الطيور أصواتاً، تحذر بها غيرها من الذكور من الاقتراب من أعشاشها، حيث تقوم الإناث بوضع البيض والرقاد عليه. كما تصدر أسراب الطيور أصواتاً معينة، عندما تهم بالهجرة، فيجتمع الآخرون لدى سماع تلك الأصوات، للاستعداد للرحيل. أما العصافير، فهناك زقزقة النداء، التي يحدثها الذكر لاجتذاب الأنثى عند التزاوج. وزقزقة التحذير، تحذر العصافير بها بعضها البعض، عند اقتراب صقر أو حية.

ومن أعجب أساليب التفاهم، هو أسلوب الحديث، بين الطائر الذي يسمى "الهادي إلى العسل"، والحيوان المعروف باسم "آكل العسل". فالأول منها يحب أكل يرقات النحل حين تكون كالدود، وآكل العسل مغرم بالعسل. فنرى الهادي إلى العسل، يطير مطوفاً في أنحاء الغابة، باحثاً عن شجرة فيها خلية نحل، ثم يرتد مسرعاً إلى "آكل العسل"، فيحوم فوق رأسه، وهو يصرخ بصوت رفيع عال: "سِرْ، سِرْ" ويقوم آكل العسل ويسير متثاقلاً على رجليه القصيرتين، يتبع أثر الطائر. ولما كان هذا الحيوان في حماية من جلده الكثيف الشعر، فلا يضره لسع النحل، فهو يهجم على الخلية، ويمزقها إرباً، ثم يجتمع هو والطائر على هذه المائدة الشهية.

وفي غابات الملايو، تنقنق الدجاجة حتى تأمن على وضع بيضها في مكان أمين، فيسمع الديك نقنقتها، فيرد بصوت عال، لكي تعرف مكانه، فتذهب إليه، بعد أن تنتهي من وضع البيض.

وبعض أنواع الطيور، يمكن تدريبها على ترديد ألفاظ وكلمات، بل وعبارات كاملة، فقد ذكرت جريدة الرياض الخبر التالي: على ذمة وكالة تركية: طائر يقرأ سورة الإخلاص: استطاع طير كناري بمدينة "زونغولداك" التركية حفظ سورة الإخلاص خلال خمسة عشر يوماً.

ونقلت وكالة جهان التركية للأنباء، عن صاحبة الكناري، واسمها سحر بولوت قولها: إنها بدأت قبل سنتين بالعناية بالطير، الذي أطلقت عليه اسم "ماويش"، واستطاع ترديد سورة الإخلاص، خلال خمسة عشر يوماً فقط.

ولا تنحصر قابلية "ماويش"، على ترديد سورة الإخلاص فقط، بل أنه يردد، وبكل وضوح، تهاليل، مثل " لا إله إلا الله، سبحان الله والحمد لله"، كما يقدم نصائح للزبائن، مثل "أدُّوا الزكاة، أقيموا الصلاة، أذكروا الله".

وقالت الوكالة: إنه إثر ذيوع صيت الطير "ماويش"، بدأ المواطنون بالتقاطر على منزل السيدة سحر بولوت، لمشاهدة هذا الحدث النادر.

2. لغة الحشرات:

ذكر الله عز وجل أن للحشرات لغة أيضاً، وذلك بما رواه من قصة النملة، مع سليمان u ]حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨)  فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ[ w، (سورة النمل، الآيتان 18، 19).

قال المفسرون: "قولها: (وهم لا يشعرون) التفاتة مؤمن، أي من عدل سليمان، وفضله، وفضل جنوده، لا يحطمون نملة فما فوقها، إلا بألا يشعروا. ولذا كان تبسم سليمان، سرورا بهذه الكلمة منها؛ ولذلك أكد التبسم بقوله: (ضاحكاً) ولا يسر نبي بأمر دنيا، وإنما سر بما كان من أمر الآخرة والدين".

"طلب سليمان من الله، أن يلهمه شكر نعمته التي أنعمها عليه، من تعليمه منطق الطير، والحيوان (وعلى والدي) بالإسلام لك، ، والإيمان بك (وأن أعمل صالحاً ترضاه) أي عملاً تحبه وترضاه (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) أي إذا توفيتني، وألحقتني بالصالحين من عبادك. والغرض: أن سليمان u فهم قولها، وتبسم ضاحكاً من ذلك، وهذا أمر عظيم جدا.. وعن أبي الصديق الناجي، قال: خرج سليمان بن داود عليهما السلام، يستسقى، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها، رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غنى بنا عن سقياك، وإلا تسقنا نهلك. فقال سليمان، ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم. وعن أبي هريرة t ـ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: ]قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأمَمِ تُسَبِّحُ[.

وهكذا تبين لنا أن الحشرات لها لغة خاصة بها تماماً مثل الحيوانات والطيور.

وقد عكف العلماء، على دراسة ما وصفوه بلغة النحل، ولغة الحشرات، وكانت خلاصة مشاهداتهم، ورصدهم لها كالتالي:

لغة النحل

خصص الله عز وجل سورة كاملة في القرآن، باسم سورة النحل، وذلك لما في عالم النحل من عظات وعبر. وبين سبحانه، أنه هدى النحل لأساليب حياته، ولتكون عبرة لبني الإنسان، يقول عز من قائل:]وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[ w (سورة النحل، الآيتان 68، 69).

ولما كان العمل الذي تؤديه النحلة محدوداً، ألا وهو صناعة العسل، وجمع المواد الأولية اللازمة له، وما يتبع ذلك من أعمال، ولذلك فإنها لم تكن بحاجة في لغتها إلى ما يعبر عن أكثر من هذه المعاني، ولذلك فإن أهم ما يحتويه قاموس لغة التفاهم بين النحل، هو مفردات، تصلح للتشجيع على جلب الرحيق، والدلالة على مكان وجوده. وفيما عدا ذلك، فإن بقية الأعمال داخل الخلية، تتم بصورة آلية. أما إذا ظهر عامل مفاجئ، كهجوم جسم غريب على الخلية، فتكفي الإشارة المعبرة عن ذلك. فالنحلة الجماعة للرحيق مثلاً، عندما تأتي إلى الخلية، وتفتح فمها، وتدلي لسانها على ذقنها، وتدفع نقطة الرحيق إلى قاعدة اللسان، بحيث تراها الشغالة، الصانعة للعسل؛ إنما تقف في وضع يغنيها عن الطلب من النحلات صانعة العسل، أن تأتي وتمتص الرحيق من فمها.

وكذلك الأمر، فإن النحلة صانعة العسل، عندما تضعه في العيون السداسية، إنما تتطلب بلسان الحال من النحلات المكلفة بالتهوية، أن تحرك أجنحتها فوقها، ليتم بذلك إنضاج العسل. والملكة العذراء، عندما تريد الخروج للتلقيح، فإنها تحوم حول الخلية، وتصدر طنيناً خاصاً مهيجاً، فتخرج الذكور مسرعة وتلبي النداء. إن اللغة بالنسبة لمثل هذه الأمور، لا تحتاج إلى أكثر من هذه الحركات المعبرة عن المطلوب.

ولكن، كيف تكون اللغة بالنسبة للأمور التي هي أكثر تعقيداً؟ كالدلالة على بستان ممتلئ بالزهور، اكتشفته إحدى الشغالات؟ إن اللغة التي تستخدم هنا هي لغة الرقص، وهو نوعان:

أ. الرقص الدائري:

إذا كانت المسافة التي تفصل مكان الرحيق، عن مكان الخلية لا تتجاوز خمسين مترا، فإن الشغالة تلك تقف على أحد الأقراص الشمعية، وتقوم برقصات دائرية يميناً وشمالاً، ويراقبها باقي النحل، ثم يشاركها رقصاتها، ويدور معها حيث دارت، ثم يتجه الجميع مسرعين، لمغادرة الخلية والوصول إلى المكان الذي استمدت منه النحلة الأولى رحيقها.

والشغالات يذهبن إلى المكان، وقد عرفنه جميعاً، دون أن يتبعن النحلة الأولى. والعجيب أن النحلة الراقصة لا تدل برقصها على المكان فحسب، بل إنها تعبر عن وفرة الرحيق، ومدى تركيز المواد السكرية فيه من خلال فترة الرقص، التي كلما ازدادت دل ذلك على زيادة كمية الرحيق، مما استدعى خروج عدد أوفر من الشغالات، يخرجن إلى ذلك النوع المحدد، ولا يضيعن الوقت في البحث بين الأنواع الأخرى.

ب. الرقص الاهتزازي

عندما يكون مكان الرحيق أكثر من خمسين مترا، إلى 11 كم، تستخدم النحلة السارحة، الرقص الاهتزازي، وهو عبارة عن لفات تتناقص كلما بعدت المسافة، بحيث تكون سبع لفات عندما تكون المسافة 200 متر، وتكون 4.5 إذا كانت المسافة كيلومترا واحداً، بينما تكون لفتين إذا كانت المسافة 6 كم.

ولغة الرقص تحدد الاتجاه كذلك، فإذا كان رأس الشغالة إلى أعلى أثناء الرقص، فمعنى ذلك أن الرحيق في اتجاه الشمس، وإذا كان رأس الشغالة إلى أسفل فالاتجاه مضاد للشمس، وإذا كان مائلاً بزاوية 60 5 فمعنى ذلك أن الرحيق على زاوية 60 5 على يسار الشمس، وهكذا.

فسبحان الذي أتقن كل شئ.

تعتمد الحشرات على حواس الشم، والرؤية، والسمع، في تفاهمها واتصالها، حسب البيئة والظروف التي تعيش فيها. فالجراد يعتمد على الرؤية أكثر من أي حاسة أخرى، بينما غيره من الحشرات يعتمد على السمع، أو الشم، ويعتبر الرعاش، من الحشرات التي تعتمد على الرؤية أكثر من أي حاسة أخرى، حتى أن البعض يطلق على الرعاشات، حشرات التجسس.

أمّا لغة الإشارات، والألوان، فهي شائعة في كثير من الحشرات، فمثلاً حشرة الصرصور المدغشقري العملاق، نجد الذكر منه يستخدم خمسة أنواع من الإشارات، للدلالة على العداء أو الصداقة أو التناسل، أو الجوع، أو العطش، وكل إشارة لها معناها الذي تفهمه بقية أفراد النوع. أما الفراشات، فتستخدم إناثها الألوان، وتوزيعها بطريقة معينة، حينما تلمحها الذكور تتجه إليها مباشرة. وتستخدم الحشرة النارية لغة الإضاءة، حيث تقبع الأنثى بين الأعشاب ليلاً، وترسل ومضات صوتية كل سبع وخمس ثوان، ويبادلها الذكر ومضات أخرى، ثم يتم اللقاء عقب ذلك، وكذلك الحال في الذبابة النارية.

وهناك اللغة الكيماوية، والتي تسمى في بعض الأحيان لغة الرائحة، وهي تعتمد على بث روائح معينة، أو فرز مواد معينة، أطلق عليها العلماء، اسم الفيرمونات، وهي شائعة بين النمل، والنحل، وعديد من الحشرات حرشفية الأجنحة، مثل الفراشات. وتستخدم الفيرمونات، ليتم التعارف بين الأنواع، حيث تنتشر الفيرمونات في الجو، أو على سطح الماء. وكل مستعمرة لها رائحة خاصة، وفي خلايا النحل، مثلاً، عندما يوجد عابر سبيل، أو جنود من مستعمرة أخرى، لها رائحة مختلفة، فإنهم يتعرضون للمقاومة الشرسة. كذلك عندما يقترب غريب من مستعمرة النحل، تلسعه إحدى الشغالات، ثم بعد فترة قصيرة، تنضم مجموعات أخرى من الشغالات، تشاركن في الهجوم عليه، وذلك لأن الشغالة الأولى، قامت بإفراز رائحة خاصة، دلت الأخريات على وجود غرباء وأنهن لابد أن يسارعن بالمشاركة في التصدي له.

وهناك لغة اللمس: حيث نجد كثيراً من الحشرات، مزودة بشعيرات خاصة تكتشف بها الظروف المحيطة بها، وحيوان الأرضة، يستخدم شعيرات اللمس، للتعرف على الأماكن، مثل إجراء بناء أماكن خاصة لها. ونجد الذكر في ذبابة الفاكهة، يتعرف على الأنثى عن طريق اللمس.

3. لغة الحيوان

أورد كثير من العلماء المتخصصين، في علوم الحيوان، صوراً من أساليب التفاهم بين الحيوانات والطيور، ونختار أمثلة لبيان تلك الأساليب.

من هذه الأساليب، ما يسمى باللغة المرئية، وذلك بأن يأتي الحيوان بمجموعة حركات، لها معناها عند بقية الحيوانات من جنسه، كهز الذيل، وتحريك قرون الاستشعار. فمثلاً الفيلة، تُحيِّي بعضها البعض، عند لقائها في الغابة برفع الخرطوم إلى أعلى، وبعد التعارف وتجاذب أطراف الحديث يودع بعضهم بعضاً برفع إحدى الساقين الأماميتين، والانحناء إلى الأمام قليلاً، والخراف تلعب ،وتمرح، وتتفاهم، أثناء اللعب بهز أذيالها بحركات مختلفة، وكذلك الكلاب.

وهناك ما يسمى بلغة المحادثة الصامتة، أو اللغة الكيماوية، وذلك عن طريق إنتاج روائح خاصة وبثها في الهواء، فمثلاً. في حالة حيوان الأرضة، يقف الحراس عند باب مملكتهم، وعند دنو خطر ما من باب المستعمرة، يقوم هؤلاء الحراس، بإفراز مادة كيماوية، لها رائحة مميزة، فيقوم باقي الأفراد بالاستعداد للدفاع.

والذئب إذا زاد طعامه عن حاجته، دفن جزءاً منه في التراب، وخلف هناك شيئاً من رائحته، عالقاً بالمكان، فيفهم سائر الذئاب فحوى رسالته حق الفهم. والكلاب كذلك تدور بينها أحاديث لا تنقطع عن طريق الشم.

وهناك اللغة المسموعة، وذلك عن طريق موجات الصوت، التي تنتقل في الهواء، أو تحت الماء بين الأسماك، لتحذر بعضها البعض، عند حدوث الأخطار. فأسراب الأسماك في البحار والمحيطات، تقوم بإصدار تلك الأصوات، عن طريق مثانات هوائية، بداخل أجسامها، وتعمل هذه المثانات عمل الطبول. هذا إلى جانب حركات وإشارات، تعتمد عليها الأسماك خصوصاً في مواسم التزاوج.

وأمّا حيوان الدلفين، فهو مولع بتقليد الأصوات الأخرى التي يسمعها، وكم أثار الهلع في نفوس رجال البحرية، أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما كان يصدر أصواتاً تشبه أصوات محركات الغواصات، مما يجعلهم يعتقدون، بأن هناك غواصات قادمة لشن الهجوم عليهم.

والضفادع زودها الله بأكياس تحت ذقونها، تملأها بالهواء، وعند مرور هذا الهواء، فإنه يصطدم بالأحبال الصوتية، محدثاً "النقيق"، كأسلوب للتفاهم بين الضفادع.

وأمّا الحصان، فإن الأم تصدر صوتها، "الصهيل"، فنرى صغارها تسرع إليها على الفور.

والدببة كذلك، تتحدث فيما بينها، ونرى الدبة الأم عند دنو خطر ما، تأمر صغارها بالهرب، وتسلق الأشجار ليكونوا في مأمن من معركة دامية، قد تنشب عن قريب، ثم إذا شعرت بالأمان، ضربت بكفها جذع الشجرة، فيسرع صغارها بالنزول. كما تصدر القردة أصواتاً متنوعة، ويجتمع أفرادها، يتجاذبون الحديث بهذه الأصوات.

والخلاصة، إن ما رصده العلماء من أساليب التفاهم، والحياة، وأطلقوا عليه اسم اللغات، ليس هو اللغة الحقيقية، فلابد أن لهذه المخلوقات منطقاً معيناً، كالذي تعلمه سليمان  ولا شك أنها تسبح الله تبارك وتعالى لأنه يقول: ]وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ[ w، (سورة الإسراء، الآية 44).

فالله عز وجل قال لا تفقهون تسبيحهم، إذاً لهم لغة، ونطق، وتسبيح، لا يعلمه إلا من خلقهم سبحانه. ومن المعلوم، أن الجمادات أيضاً لها تسبيح، وكلام، لأنها داخلة في عموم قوله:(شئ)، وقد قال الله عز وجل: ]ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ[ w، (سورة فصلت، الآية 11).

فالسماء والأرض تتكلمان وتسبحان، والنجم والشجر يسجدان، وسبحان من خلق كل شئ فقدره تقديراً. والظاهر أن كل شئ له لغته، سواء أكان إنساناً، أو حيواناً، أو نباتاً، أو جماداً. فالله عز وجل: ]أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[ w، (سورة فصلت، الآية 21).

والجن يتكلمون كذلك، وهم قسيم الإنسان في الدعوة، ووجوب الاستجابة إلى رسول الله r. قال الله عز وجل: ]وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29)  قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30)  يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ[ w، (سورة الأحقاف، الآيات 29- 31).

وكلام الجن في السورة المسماة باسمه في الآيات السبعة عشرة الأولى[1]منها، يدل على نطقهم وعلى كلامهم، كما يدل على انقسامهم بين مؤمن وكافر.

ثانياً: نحو لغة عالمية

1. هل يمكن إيجاد  لغة عالمية واحدة يتفاهم بها جميع البشر؟

طالب الكثير في مختلف أنحاء العالم، بإيجاد لغة عالمية واحدة للبشرية، وجرت محاولات عديدة، لوضع تلك اللغة، فقد ذهب الفيلسوف فرانسيس بيكون  Francis Bacon[2]، إلى أن العالم يجب أن يحافظ على اللغة اللاتينية، لغة دولية. وألف كتابه (ترقية المعارف) بها، بينما ذهب رينيه ديكارت  Descartes Rene[3] إلى أن العالم الحديث، يجب أن تكون له لغتان دوليتان، الأولى: لغة فلسفية قوامها المنطق والنهج العلمي. والثانية: مشتركة لعامة الناس. ومنذ ذلك الحين، وحتى اليوم، ظهر نحو من سبع عشرة لغة أولها ما وضعه (ديكارت) سنة 1629 وآخرها ما وضعه العالم (ديتريش) سنة 1902.

أول هذه اللغات العالمية، التي لاقى مشروعها نجاحاً، هي لغة الفولابوك، التي اشتق اسمها من كلمتين تعنيان العالم، والتحدث، والرجل الذي ابتكر هذه اللغة المقترحة (في عام 1879م) هو القس الألماني جوهان مارتن شليير. وبعد ذلك، اقترحت صورة مبسطة من لغة الفولابوك، وهي إديوم نيوترال.

وفي الحقيقة إن أشهر هذه المحاولات، كانت على يد الطبيب، "لودفيج زامنهوف"، الذي وضع اللغة المسماة بالاسبرانتو Esperanto، وذلك في عام 1887 وأصلها من الفعل اللاتيني (Spero آمل)، واعتمدت على ثمانية وعشرين حرفاً، وست عشرة قاعدة، وكلماتها خليط من اللاتينية والإنجليزية والفرنسية والألمانية. وسرعان ما حققت الاسبرانتو شهرة وانتشاراً، وقدر عدد الجمعيات الداعية لهذه اللغة بنحو 1776 جمعية، وفي ألمانيا وحدها 441 جمعية مركزها الرئيسي مدينة لايبسيك Leipzig، ولجمعيات العالم كلها مركزان أساسيان، أحدهما في جنيف والآخر في باريس. وفي أوروبا وأمريكا والصين واليابان صحف تصدر بهذه اللغة، ومنذ استحداث هذه اللغة، تعلمها حوالي 10 ملايين شخص[4].

وعلى الرغم مما أحاطت به أوروبا لغتها "الاسبرانتو" هذه من أهمية واهتمام بالغين، ومما بذلته من أجل نشرها وتعميمها من طاقات وجهود؛ فلقد كان الفشل الذريع حليفها، لا بين أمم العالم فحسب، بل بين شعوب أوروبا ذاتها، وذلك إما لأنها كانت لغة مخبرية اصطناعية، وإما لأن أوروبا لم تكن تريد حقاً إيجاد لغة عالمية عامة، وإنما كانت تريد إيجاد لغة (أوروبية) خاصة، تفرضها على البشرية كلغة عالمية، تستهدف من وراء ذلك ترسيخ ثقافة معينة. فكان نصيبها الفشل، وكذلك حدث في المحاولات الثلاث في القرن العشرين:

الأولى: لغة عالمية ابتدعها ياسبرس، وسماها نوفيال Novial.

والثانية: لغة أخرى من تأليف بينو، سماها Latino Sine flexione "لاتينية من دون تصريف أو تعقيد".

والثالثة: لغة أمريكية، سماها مبتكروها اللغة العالمية INTERLINGUA.

وقد فشلت كلها.

وينبغي أن نعلم أن: الحكومات بوجه عام، لا تؤيد فكرة اللغة العالمية، إذ أنها تخشى أنها سوف تؤثر على مدى سيطرتها على شعوبها. وكثيراً ما تتشدق الحكومات، برغبتها في التعاون الدولي، والتفاهم العالمي، ولكن قليلاً منها من يؤيد روح التعاون الدولي، تأييداً مخلصاً.

أمّا على مستوى الأفراد، فقد أجرى معهد جالوب، عام 1952، استفتاءً عامّاً، تبين منه أن 78% من سكان الولايات المتحدة، يفضلون استخدام لغة عالمية في رياض الأطفال، والمدارس الابتدائية، إلى جانب اللغة القومية، وعارض هذا الرأي 15%، وامتنع 7% عن إبداء آرائهم. وعندما تكرر هذا الاستفتاء عام 1961 وافق 84%، وعارض 10% وامتنع 6%، والنسب نفسها تقريباً في اليابان والنرويج وهولندا، وفنلندا، وكندا وكانت وجهة نظر المعارضين، أن كل لغة تعبر عن حضارة شعب من الشعوب، وإن اختيار إحدى اللغات الحالية للتفاهم الدولي، سيعد بمثابة فرض حضارة معينة على الغالبية العظمى لسكان العالم. وأما إذا افترضنا لغة مصنوعة، فسنفرض بذلك على العالم لغة، ليست لها مميزات، أو صفات حضارية، على الإطلاق، وهي لغة لن تستطيع أن تنمو، وتتطور، لافتقارها إلى مقومات الحياة نفسها.

ومن المعلوم كون الناس جميعاً مختلفين في التكوين الطبيعي لأجسامهم، وأعضاء نطقهم، وفي الظروف الجغرافية، والطبيعية، والاجتماعية المحيطة بهم، وفي قوى إدراكهم ووجدانهم. وما دامت سنة الحياة تقضي باختلاف الناس على هذا النحو، فلا بد من أن تختلف هذه اللغة الصناعية في كلماتها، وأصواتها، ودلالاتها وتركيبها، وتختلف أقسامها باختلاف فنونها، وتنقسم إلى لهجات يختلف كل منها عما عداه، وتتسع الهوة بين لهجاتها قليلاً قليلاً، حتى تنفصل كل لهجة منها عما عداها انفصالاً تاماً، وتصبح غير مفهومة إلا لأهلها، شأنها في ذلك شأن غيرها من اللغات. وهكذا تعود المشكلة مرة أخرى.

2. لغة الإشارة

لغة الإشارة مجموعة من الإيماءات والرموز اليدوية، يستخدمها الصم، وضعاف السمع. ويستخدمها كذلك أصحاب السمع السوي للتخاطب، مع الصم وضعاف السمع.

وتعتمد لغة الإشارة، على الأفكار أكثر من الكلمات، فكل إيماءة تعبر عن فكرة، أو مفهوم محدد. على سبيل المثال، يمكن استخدام إيماءة للتعبير عن فكرة، أن شيئاً ما حقيقي، أو واقعي، أو قد سبق الوعد به.

بعض الكلمات، والأسماء، لا مرادف لها في لغة الإشارة. ويمكن استخدام الحروف الأبجدية اليدوية، التي تسمى كذلك أبجدية الأصابع، لمثل هذه الكلمات.

عند تخاطب الصم معاً، يستخدمون، عادة، لغة إشارة فصحى موحدة، مثل أبجدية الأصابع الإشارية العربية، وهو نظام لغوي، يستخدم الإشارة بأصابع اليد، وسيلة له في التخاطب بين الصم بعضهم مع البعض، أو بين الصم من جهة والمبصرين من جهة أخرى. وتتميز هذه الأبجدية بثرائها الشكلي، إذ تشتمل على 35 رمزاً يديوياً يمثل كل رمز منها حرفاً من حروف الهجاء وخمسة رموز أخرى تمثل التشكيل (الضبط بالحركات).

ولم تغفل العربية الأرقام في نظامها الإشاري، إذ أحدثت نظاماً للأرقام الإشارية العربية، يشتمل على 53 رمزاُ يدوياً، يمثل كل رمز منها رقماً من الأرقام، إذا كان ذلك الرقم يتكون من عدد مفرد أو أكثر.

ومنها لغة الإشارة الأمريكية، التي طُورت في الولايات المتحدة، في تلك اللغات الموحدة، يتم الرمز للفكرة الرئيسية أولاً، على سبيل المثال، عند استخدام لغة الإشارة البريطانية، يرمز الشخص الأصم في البداية إلى اسمك وبعد ذلك ما؟ هذه هي لغة الإشارة، لما تلفظه، ما اسمك؟

تشكل أبجدية اليد الإنجليزية، جزءاً من لغة الإشارة البريطانية، التي يستخدمها معظم الصم في بريطانيا في محادثاتهم. على عكس الأساليب المستعملة في بلدان أخرى، حيث تعتمد الطريقة الإنجليزية على استخدام اليدين معاً.

عند تخاطب الصم مع أناس يسمعون، يحاول الصم تعديل إشاراتهم بحيث تطابق النسق اللفظي الإنجليزي. ويطلق على هذا الأسلوب، الإنجليزية الإشارية. حيث تستخدم كثير من المدارس فلسفة، تسمى الاتصال الكامل. يعني المصطلح، جميع أنواع الاتصال، بما في ذلك لغة الإشارة الأمريكية، أو لغة الإشارة البريطانية، أو لغة الشفاة أو الحديث الشفوي، المستخدمة حسب الحاجة لنقل المعلومات والأفكار.

ولقد كان الهنود الأمريكيون ذوي حيلة ودهاء في هذا الصدد، إذ اصطنعوا لأنفسهم نسقاً كاملاً من الإشارات، أو "اللغة الإشارية". ومن ثم، أغناهم هذا عن إيفاد الرسل، واستطاعوا بفضل هذه اللغة، أن يتلقوا في لحظة واحدة، الرسائل التي ترد إليهم عبر مسافات شاسعة.

وكانت أكثر العلامات شيوعاً عندهم، النار والدخان. ففي الليل يستخدمون "علامات النار". إذ كانوا يضرمون ناراً عند شاطئ البحر، أو فوق ربى عالية يسهل رؤيتها من بعيد. وبهذا يستطيع الهنود الإبلاغ عن غرباء وفدوا إلى أرضهم، أو عن حيتان أُلقى بها البحر على الشاطئ ... الخ.

أمّا الدخان، فكانوا يستخدمونه كعلامة أثناء النهار. حيث يلقون بالعشب الندي، أو أغصان الأشجار الخضراء، في نار موقدة حتى تحترق على مهل، ويتصاعد منها دخان كثيف يسهل رؤيته عن بعد. ويتألف شكل الرسالة من عدد مواقد النار، أو من مواضع الدخان، وكذلك عدد هَبّات الدخان التي يمكن التحكم فيها عن طريق إلقاء غطاء من الجلد فوق النار، ثم جذبه ثانية، وتتكرر العملية حسب العدد المطلوب وبذلك يتحدد محتوى العلامة.

وقد يفيد عدد هَبّات الدخان، وطول مدة بقائه، وتتابعه لإعلام القبائل الأخرى، التي تنتظر العلامة، بما يقصده جيرانهم في دقة وتحديد: دعوة للمشاركة في الطراد أو الاستغاثة .. الخ. واعتاد المحاربون إثر عودتهم من ساحة الحرب، استخدام العلامات عن بعد، لإخبار ذويهم بعدد قتلاهم، حتى يكونوا على علم بها مقدماً.

بيد أنهم لم يقتصروا على النار والدخان وحدهما، كأداتين "للغة الإشارة". فقد كان ثمة نسق إشاري آخر، يستخدمون فيه الأغطية للإشارة، وهم رجال وركبان على صهوات جيادهم. مثال ذلك أنهم كانوا يعطون "بلغة الأغطية" "إشارة النور الأمريكي" المعروف باسم البيسون، على النحو التالي: يمسكون غطاء من حوافه الأربع ويرفعونه عالياً فوق رؤوسهم، ثم يخفضونه إلى الأرض. وكانوا يعبرون عن معنى "الشاطئ صحو" بأن يبسط أحدهم الغطاء أمامه، ويلوح به في إيقاع معين. أما إذا لوح أحدهم بالغطاء فوق رأسه، في سرعة كبيرة، فهذا يعني أن "ثمة أعداء قادمون"، وإذا طوح به في الهواء فهذه إشارة تحذير.

وكان ثمة نسق إشاري آخر، تولد عن طريقة الخطو بالأقدام، أو العدو بالجياد، كأن العدو، مثلاً، في شكل حركات دائرية أو ملتوية أو إلى الأمام أو إلى الخلف. واصطنعت بعض القبائل الهندية في أمريكا الشمالية، إبان عصر الاستعمار، نسقاً إشارياً، استخدمت فيه المرآة. ويحكي لنا عالم الأجناس الأمريكي، ريجين، أنه في عام 1902 وبينما كان يهبط رفق مجموعة من الهنود الأمريكيين، فوق طريق جبلي، بدأ الهنود يشيرون إلى عشيرتهم بعلامات معينة، عن طريق مرايا صغيرة، تعكس ضوء الشمس. وكانت تأتيهم الإجابة في شكل انعكاسات ضوئية لمرايا من الوادي؛ وفسرها رفاقه الهنود على النحو التالي: "نحن جميعاً بصحة طيبة، لدينا ما يكفي من المؤن". وعندما بلغ المسافرون أرض الوادي، اجتمع أهل القبيلة عن بكرة أبيهم لأنهم تلقوا عن طريق المرايا علامات تبلغهم نبأ وصول رفاقهم.

إن لغة العلامات عند الهنود، بأمريكا الشمالية، لغة بصرية Optical Language، ولكن شعوب أمريكا اللاتينية، والجنوبية، وكذلك شعوب أفريقيا الاستوائية، وجنوب شرق آسيا، وجزر المحيط الهادي، ابتدعوا لأنفسهم لغة علامات خاصة، بهم هي لغة الطبول. وقرع الطبول، يمكن سماعه عبر مسافات بعيدة، إلى حد ما، ولذلك يستخدمه "هنود الإكوادور وبيرو" للحديث إلى الأرواح، والأسلاف القدامى. إذ يعتقدون أن صوت الإنسان، لا يمكنه أن يبلغ سمع "الأرواح" البعيدة، التي تسكن "العالم الآخر".

بيد أنهم كقاعدة عامة، لا يستخدمون قرع الطبول المرتفع، للاتصال بالعالم الآخر البعيد، قدر استخدامهم له في مَهَمَّات أخرى ملحة. وذلك لأن قرع الطبول، قد يعلن نبأ عدو قادم، أو عيد مقبل، أو زفاف، أو غير ذلك من شؤون الحياة، التي يحتفل بها أهل القبيلة. ولكن الطبول تستخدم أساساً للإبلاغ عن "آخر الأنباء". إذ أن كثيراً من قبائل أمريكا الشمالية وشعوبها، وأفريقيا، وغينيا الجديدة، اصطنعت لنفسها نسقاً إشارياً معقداً، في نقل قدر كبير من المعلومات ـ بدءاً من إعلان وصول سفن أجنبية، إلى الإعلان عن النجاح في صيد خنزير. فقبائل البابوانز، في غينيا الجديدة تستخدم نسقاً مركباً من الإشارات. مثال ذلك، لو عاد زوج جوعان إلى بيته عند المساء، ولم يجد زوجته في البيت فإنه يناديها بالعلامة التالية من دقات الطبل:

.....  ......  ......  .....  .....  .....

فعلامة "عودي إلى البيت" تتألف من ثلاث مجموعات من دقات الطبل، كل منها تتكون من خمس دقات متوسطة. أما النقاط الست الأخيرة، فتمثل توقيع المنادي، أو قارع الطبل، وهي هنا تعني أن اسم هذا البابواني هو سايام.

ويمايز أهل غينيا الجديدة بين "المحادثات الخاصة"، و"العامة"، فثمة علامات خاصة بالأفراد، وأخرى للعشيرة عامة. وإذا سمع أحد سكان القرية علامات الطبل، فإنه يستطيع على الفور، أن يحدد ما إذا كان هذا الحديث "التليفوني" على دقات الطبول حديثاً بين شخصين، أو حديثاً موجهاً إلى القرية جمعاء. وإذا كانت نساء القرية خارج القرية، فإن العشيرة كلها تنادي النسوة للعودة إلى القرية، عن طريق علامة خاصة، بدلاً من أن ينادي كل زوج زوجته منفرداً.

ويقول الباحثون: إن علامات الطبل عند البابوانز متباينة، ومتنوعة للغاية. وأهم هذه العلامات: التحذير، والدعوة للقاء يضم أهل العشيرة، وعلامة "ثمرة البتيل"، والتي تدعو الناس جميعاً إلى الحضور ومعهم ثمار البتيل، وعلامة جوز الهند وعلامة سن الخنزير، أو الكلب (إذ أن البابوانز يستخدمون الأسنان كعملة نقدية) وعلامة السوق، التي تدعو الناس للبيع والشراء. ويحتفظ كل بيت بطبلة خاصة به (للمحادثات التليفونية) مع الجيران، وللتحدث مع القرى المجاورة.

ويمكن سماع دقات الطبول على بعد ثلاثة كيلومترات أو أربعة بل وعشرة كيلومترات. ويصل الصوت عبر هذه المسافة في ثوان معدودات، بينما لو أوفدوا رسولاً، لاضطر إلى السير يوماً كاملاً وسط الأحراش الاستوائية.

والطريف، أن النظام الإشاري البصري، ابتدعه هنود أمريكا الشمالية، وهم سكان البراري والسهول الفسيحة الشاسعة، أما النظام الإشاري الصوتي، أو استخدام الطبول فقد ابتكره سكان الأحراش الأفريقية.

وربما كانت أبسط أساليب الاتصال براعة، وحذقاً هي الأسلوب الذي ابتدعه سكان جزر كاناري. فقد اهتدوا إلى وسيلة لنقل الكلام البشري ـ نعم، الكلام وليس العلامات الاصطلاحية ـ عبر مسافات تزيد على خمسة كيلومترات، دون استخدام لوسائل اتصال، مثل أجهزة التليفونات، أو الراديو، أو غير ذلك، من وسائل الاتصال الحديثة. وهذه الوسيلة هي الصفير العادي على نحو ما يفعل الصبية[5].

ويخلص البحث إلى تأييد الرأي القائل باتخاذ لغة عالمية واحدة لجميع البشر. ولكن لماذا تكون لغة اصطناعية؟ لماذا لا نعود إلى لغة أبينا آدم؟ اللغة العربية؟ التي تنتشر مفرداتها وألفاظها في أرجاء الدنيا؟ فلو استطاع فريق من الناس أن يجمعوا معجماً خاصاً بهذه الألفاظ والمفردات المشتركة، بين أكثر البشر، لقطعت البشرية أكثر من نصف الطريق في إيجاد لغة عالمية مشتركة، ولما كان هذا أمراً مستحيلاً، بسبب تشعب اللهجات وتعددها، فالطريق السهلة أن يعود الإنسان إلى لغة الإنسان الأول، لغة الفطرة، وبذلك ينتظم التراث الإنساني كله، لغة لا تفرق بين الناس بسبب ألوانهم، أو أجناسهم، أو مواطنهم، "فكلكم لآدم، وآدم من تراب".

والخطوة الأولى، هي دعوة إعلامية واسعة بين المسلمين، إذ يتوجب على كل مسلم، أن يتعلم لغة دينه خير التعلّم، فالقرآن والصلوات لا يكونان إلا باللغة العربية، ولا يرفع الأذان إلا بها، وأمهات كتب الحديث والفقه والسيرة والشريعة لا تستوعب إلا بلغتها العربية. ومن المسلم به، أن جعل اللغة العربية اللغة العالمية للشعوب الإسلامية، التي تشكل نحو ربع سكان العالم، سيكون الخطوة التمهيدية الكبرى نحو جعلها لغة البشرية جمعاء، ولذا يقول أبو منصور الثعالبي: "من أحب الله تعالى، أحب رسوله محمداً  ؛ ومن أحب الرسول العربي أحب العرب؛ ومن أحب العرب، أحب العربية، ومن أحب العربية، عني بها، وصرف همته إليها؛ ومن هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، اعتقد أن محمداً r خير الرسل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة؛ إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد. فلو لم يكن في الإحاطة بخصائصها، والتبحر في جلائلها ودقائقها، إلا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة التي هي عمدة الإيمان، لكفى بها فضلاً يحسن أثره، ويطيب في الدارين ثمره".

ولتعلم البشرية جمعاء، أن اللغة العربية، هي لغة من أرسل للناس كافة، وأنها لغة المستقبل. كتب "جول فرن" قصة خيالية بناها على سياح يخترقون طبقات الكرة الأرضية، حتى يصلوا إلى وسطها، ولما أرادوا العودة إلى ظاهر الأرض بدا لهم أن يتركوا هنالك أثراً، يدل على مبلغ رحلتهم، فنقشوا على الصخر كتابة باللغة العربية. ولما سئل جول فرن عن وجه اختياره للغة العربية، قال إنها لغة المستقبل.

وخير ما يختتم به البحث قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ: ]وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ[ w، (سورة الشعراء، الآيات 192-195) ]إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[ w، (سورة يوسف، الآية 2) ]وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ[ w، (سورة الأحقاف، الآية 12).



[1] سورة الجن، الآيات 1 ـ 17.

[2] فرانسيس بيكون (1561 ـ 1626): عالم إنجليزي، موسوعي، فيلسوف، وصل إلى مرتبة حامل ختم الملكة، ثم رئيس وزراء، حين كان عمره 57 عاماً. كما حاز لقب بارون، ثم لُقب فيكونت. له كتب عديدة شهيرة، منها: "في تقدم العلم"، و"فكر واُنظر"، و"حكمة القدماء"، و"تنمية العلوم". وله منهج فلسفي إصلاحي معروف، وضعه في كتابه "الإصلاح الكبير". أمّا أهم كتبه فهو كتاب "أطلانطس الجديدة".

[3] رينيه ديكارت (1596 - 1650): فيلسوف وفيزيائي ورياضي فرنسي. يُعد في رأي كثير من الباحثين، أبا الفلسفة الحديثة ومؤسسها. اكتشف الهندسة التحليلية Analytic Geometry. اشتهر بكتابه "مقالة في المنهج" Discours De La Methode 1637 وفيه اطّرح كلّ المعتقدات السابقة، ليعاود البحث عن الحقيقة، شاكّاً في كل شيء، إلاّ حقيقة واحدة وهي أنه يشك، من هنا كلمته المشهورة: "أنا أشكّ فإذاً أنا أفكر. أنا أفكّر فإذاً أنا موجود" Dubito Ergo Cogito: Cogito Ergo Sum.

[4] جدير بالذكر أنه قد تكونت في مصر جمعية الإسبرانتو المصرية وجاء في هذا الصدد بجريدة "الأهرام" الصادرة في 4 أغسطس 1948، ما يلي: "افتتح، يوم السبت الماضي، المؤتمر الثالث والثلاثون للاسبرانتو، في مدينة مالمو بالسويد. وقد تولى رياسته الفخرية المسيو تاجي ارلاند، رئيس الحكومة السويدية، وحضر جلساته مندوبون عن اثنتين وثلاثين دولة، ومثّل جمعية الإسبرانتو المصرية فيه الأستاذ نصيف أسعد. ولهذه المناسبة، تلقينا من الأستاذ سعيد صالح، سكرتير الجمعية، كلمة نوّه فيها بما يتميز به هذا المؤتمر عن المؤتمرات الأخرى، فقال: إن المشتركين فيه يتحدثون، على الرغم من اختلافهم في الجنسيات واللغات، بلغة و احدة هي لغة الاسبرانتو، التي ألّفها الطبيب البولندي، الدكتور زامنهوف Zamenhof ، في عام 1887، ثم أخذت تنتشر حتى اعترفت بمزاياها دول كثيرة، وراحت تدرّسها في معاهدها التعليمية المختلفة، وتستعملها للدعاية لنفسها واجتذاب السائحين إليها من شتى بلاد العالم. وبعد أن ذكر أن كثيراً من محطات الإذاعة، كمحطات باريس وفارسوفيا وفيينا، تخصص جزءاً من برامجها بلغة الاسبرانتو، وأن البنوك والشركات التجارية الكبرى، أصبحت تستخدم هذه اللغة، رجا أن تولي مصلحة الدعاية والسياحة المصرية الإسبرانتو ما تستحقه من عناية، إذ إن بلادنا في حاجة إلى مختلف وسائل الدعاية". وورد في جريدة "المصري" الصادرة في 11 يوليه 1949، ما يأتي: "سيغادر مصر هذا الأسبوع الأستاذ تادرس مجلي، المندوب الرئيسي لجمعية الإسبرانتو العالمية في القطر المصري، لحضور مؤتمر الإسبرانتو العالمي الرابع والثلاثين، الذي سيعقد في إنجلترا في أوائل أغسطس. وسيزور أيضاً السويد والدانمارك، بدعوة من مكتب الصحافة السويدي".

[5] يقول أحد علماء لغة الإشارات: "إذا التقيت أحد الهنود الحمر، وأردت أن أخاطبه بلغة الإشارات، لأسأله: هل رأى ست عربات تجرها ثيران، فيها ستة سائقين، منهم ثلاثة مكسيكيون، وثلاثة أمريكيون ويسير معهم واحد ممتط صهوة جواده: فإنني أُشير إلى شخصه بيدي، ثم أُشير إلى عينه، بمعنى "هل رأيت؟"؛ ثم أبسط أصابع يدي اليمنى، وسبابة يدي اليسرى للدلالة على عدد "ستة"؛ ثم أكوِّن صورة دائرة بأصبعي، وأمد يدي إلى الأمام، وأحركها كما تتحرك عجلات العربة في سيرها؛ ثم أضع الكفين ممدودتين بجانبي الجبهة ممثلاً قرن حيوان للدلالة على "الثور"؛ ثم أمد ثلاثة أصابع من يدي اليسرى، وأضع يدي اليمنى تحت شفتي السفلى، وأنحدر بها إلى صدري، ممثلاً اللحية، للدلالة على ثلاثة مكسيكيين؛ ثم أمد مرة ثانية ثلاثة أصابع، وأمسح جبهتي بيدي، من اليمين إلى الشمال، ممثلاً وجهاً شاحباً، للدلالة على "ثلاثة = = = أمريكيين"؛ ثم أرفع أصبعاً واحداً، وأضع بعد ذلك سبابة اليسرى بين سبابة اليمنى ووسطها، ممثلاً الراكب للدلالة على واحد راكب حصاناً". وقال إن الوقت كله لا يزيد على الوقت الذي يستغرقه تعبيرنا نحن بالكلام عن هذا المعنى.