إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات صحية وغذائية / الموسوعة الصحية المصغرة / مرض السل (الدرن)





تكوين العقد




مقدمة

2. مراحل تطور الإصابة بالميكروب

يمر مصاب السل بمراحل وأطوار متتالية للعدوى، وفيها يتعرض الإنسان لاستنشاق ذرات من بصاق الشخص المريض محتوية على الجراثيم. وتزحف هذه الميكروبات عبر الممرات الهوائية إلى الحويصلات الهوائية وتلتصق بسطحها، فيهب الجسم للدفاع ويرسل خلايا الدم الأكولة التي تلتهم الجراثيم بغرض هضمها ثم التخلص منها. إلا أن هذه الخلايا تعجز عن هضم هذه الجراثيم، بسبب تحصنها داخل طبقة شمعية سميكة، الأمر الذي يحمل الجسم على إرسال مدد إضافي من الخلايا الأكولة فتقوم بمحاصرة تلك البؤر الموبوءة، ثم ينسج الجسم جداراً من ألياف قوية تحيط البؤر من كل جانب فتصير عقداً (أُنظر شكل تكوين العقد).

وقد يقف المرض عند هذا الحد ويبقى كامناً شهوراً وسنين، وقد تفلت بعض الخلايا الأكولة من التي ابتلعت ميكروب السل فتسير مع الدم إلى أماكن أخرى بالجسم، وبالتالي تنتشر العقد في  الجسم كله، وهو ما وصفه العالم المسلم ابن سينا[1] منذ عدة قرون بالتدرن الجاروسي[2] Miliary Tuberculosis.

أما إذا تكررت العدوى للمرة الثانية، فتكون استجابة الجسم أسرع وأعنف وبالتالي تبدو العقد أكبر ويكون تكوينها أسرع. وجرثومة السل تحدث التهاباً في الأغشية التي تصيبها، بالإضافة إلى أنها تفرز سموماً تقتل أنسجة الرئة، وتجعلها في شكل جُبن، ولذا تسمى هذه العملية بالتجبن Caseous Necrosis. وإذا بقيت هذه التجبنات محصورة في الرئة سميت سلاًّ مقفولاً، بمعنى أن المصاب لا يُعد بؤرة للمرض. أما إذا كانت هذه التجبنات قريبة من الشعب الهوائية أدى ذلك انفتاحها عليها، الأمر الذي يعني أن يصبح الشخص مصدراً للعدوى، وتسمى هذه الحالة بالسل المفتوح.

وأعراض السل تتلخص في فقدان الشهية، ونقص في الوزن، وقد يصاحب ذلك سعال، وعرق غزير أثناء الليل مصحوباً بارتفاع طفيف في درجة الحرارة، وشحوب في اللون. وفي المراحل المتأخرة يكون السعال مصحوباً ببصاق مدمم.

وتشخيص السل يعتمد أساساً على صبغ بصاق المريض. وإذا كان في مراحله المبكرة، اعتمد تشخيصه على الكشف بالأشعة السينية على صدر المريض، فتنفذ الأشعة خلال الرئة السليمة ولا تنفذ خلال العقد المتكلسة.

وقد ابتكر روبرت كوخ فكرة اختبار استطاع به أن يميز بين من سبقت إصابتهم بمرض السل وبين الأصحاء. حيث تمكن من استخلاص الطبقة الشمعية وبروتينات جرثومة السل بغرض استخدامها لقاحاً ضد المرض، إلا أنه لوحظ اختلاف أثر اللقاح بين الناس، حيث لاحظ تكون عقد حمراء عند بعض الناس دون آخرين.

وقد فسر هذه الاختلاف على النحو التالي:

العينة التي ظهرت بها هذه العقد سبقت لها الإصابة بالمرض، حيث تعرفت خلايا جسمها على اللقاح، فكان رد فعلها سريعاً وقوياً، حيث اندفعت إلى مكان وجود اللقاح مسببة عقداً حمراء خلال الساعات الأولى من بدء الحقن.

أما العينة التي لم يبرز على سطوح جلدها عقد فلم يسبق لها التعرض لجرثومة السل ، حيث كان رد فعل خلاياها ضعيفاً وغير مؤثر عند حقنها باللقاح، وعلى الرغم من التعرف عليه بوصفه جسماً غريباً مهاجماً، إلا أن استجابة الخلايا له لم تكن حاسمة بالقدر الكافي، الأمر الذي يعني ضعف المقاومة والتالي عدم تكون عقد ظاهرة على الإطلاق. وقد استغل العلماء تلك الخاصية في تصميم أهم اختبار لتشخيص السل في وقتنا هذا، يسمى اختبار التيوبركلين Tuberculin Test.



[1] ابن سينا أبو على الحسين (980-1037م).

[2] نسبة إلى "الجاروس" بمعنى الأكول. ولعل ابن سينا لمح في هذه التسمية ظاهرة تآكل النسيج المصاب بسبب تكوني هذه العقد التي تأخذ شكل تقرحات.