إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات صحية وغذائية / الموسوعة الصحية المصغرة / العقاقير




نبات البنج
نبات الخشخاش
نبات شوكة التفاح
نبات قفاز الثعلب
ورق نبات الصفصاف
لحاء شجرة السنكونا
الأعشاب الطبية
اختبار فاعلية العقاقير وسلامتها
تجارة الأعشاب الطبية
عقار الكوراري
عقاقير الفم
فطر الأرجوت
فطر البنيسيليوم
فطر التيراميسين
فطر الستربتوميسين

مصنع المضادات الحيوية
الآثار الجانبية للاستخدام الخاطئ للأدوية
الجرعة الشافية والسامة
الطرق المختلفة لإعطاء الدواء
اختلاف تأثير العقاقير
اختبار حساسية الميكروبات
اكتشاف البنسلين
دور الاتحاد مع زلال الدم
غلاف الترجمة العربية




المبحث الأول

المبحث الأول

صناعة العقار والدواء

أولاً: العقار والدواء

العقار هو المادة الشافية التي تستخلص من أصل طبيعي، مثل: النباتات، والكائنات الدقيقة، والحشرات، والكائنات البحرية، والثدييات. ومن العقاقير ما يستخرج من صخور الجبال، مثل: أملاح الحديد، المستخدمة في علاج الأنيميا، وأملاح الذهب، المستخدمة في علاج التهاب المفاصل.

والعقار قد يكون مادة كيميائية واحدة، مثل: الأتروبين، الذي يستخرج من نبات ست الحسن، أو قد يتكون من عدة مواد، مثل: زيت كبد الحوت، الذي يحتوي على عديد من الفيتامينات.

وتقدم بعض العقاقير الوقاية من بعض الأمراض، مثل: عقَّار الكينين (Quinine) (أُنظر صورة لحاء شجرة السنكونا)، المستخرج من لحاء شجرة السنكونا، والذي يقي من مرض الملاريا. كما أن من العقاقير ما يستخدم في تشخيص بعض الأمراض، مثل: عقَّار الكوراري (Curare) (اُنظر صورة عقار الكوراري)، الذي يستخدم في تشخيص مرض ارتخاء العضلات المزمن. (Myasthenia gravi).

وهناك بين الدواء، والعقار، علاقة عموم وخصوص، إذ كل عقار دواء، وليس كل دواء عقاراً. فمن الأدوية ما يستخلص من مصادر طبيعية ومصادر غير طبيعية، مثل: التتراسيكلين، الذي يستخدم في علاج الأمراض البكتيرية. أما لفظ العقار فمخصوص بالأدوية المستخلصة مادتها الفعالة، من مصادر طبيعية، مثل: المورفين، الذي يستخلص من نبات الخشخاش (اُنظر صورة نبات الخشخاش)، ويستخدم مخدراً قوياً ومسكناً للآلام، والديجوكسين، الموجود في أوراق نبات قفاز الثعلب (اُنظر صورة نبات قفاز الثعلب)، ويستخدم في علاج بعض أمراض القلب، والرزربين (Reserpine)، الذي يستخلص من جذور نبات الراولفيا (Rauwolfia serpentine)، ويستخدم في علاج ارتفاع ضغط الدم، والأتروبين، وهو يستخرج من نبات شوكة التفاح (Thorn Apple) (اُنظر صورة نبات شوكة التفاح)، ويستخدم الأتروبين في علاج حالات المغص. ونبات البَنْج، الذي يستخرج منه شبيهات الأتروبين وله خصائص مخدرة (اُنظر صورة نبات البنج)، كما توجد العديد من النباتات التي تستخدم في علاج أمراض الإنسان (اُنظر جدول النباتات الشائع استخدامها في العلاج من الأمراض).

وهناك عقاقير تستخلص من أصول حيوانية، مثل: الببسين (Pepsin)، وهو إنزيم يستخلص من الحيوانات الثديية، ويستخدم في حالات سوء الهضم. أما الأنسولين (Insulin)، الذي يستخرج من بنكرياس بعض الحيوانات الثديية، فقد أنقذ الملايين من مرضى السكر. وكذا الهيبارين الذي يستخلص من أنسجة الرئة، وأغشية أمعاء الأغنام والثيران. ويستخدم مضاداً لتخثر الدم.

كما تستخرج بعض العقاقير من الحشرات، مثل: النحل، وسرطانات البحر، التي تمدنا بأدوية مانعة للتجلط، ومثبطة لسموم بعض الكائنات الدقيقة.

وهناك عقاقير تستخلص من البكتيريا والفطريات، ففطر الأرجوت (اُنظر صورة فطر الأرجوت)، الذي يصيب سنابل القمح، يفرز مادة "قلويدات الأرجوت" (Ergot Alkaloides)، التي تستخدم لوقف النزيف في الإنسان. كذا تستخدم إفرازات الميكروبات السبحية، لإذابة الجلطة الدموية، في حالات مرض احتشاء القلب.

ثانياً: تعاطي العقاقير والمستحضرات الدوائية

والعقار في صورته الطبيعية قد يكون غير مستساغ. كما أن تركيزه داخل النبات قد يختلف، من وقت لآخر، وفقاً للظروف المناخية التي تؤثر على النبات. ولذلك، تصنع العقاقير، في شكل مقبول للمريض، من خلال "المستحضر الدوائي" أو "الدواء". وقد يكون الدواء مكوناً من عقار واحد أو أكثر.

وكان الصيادلة، على مدى العصور السابقة، يقومون بتحضير معظم ما يبيعونه، من مستحضرات دوائية، في صيدلياتهم. ولكن مع بداية القرن العشرين، ظهرت الصناعة الدوائية الحديثة، كذا اكتشف عديد من الأدوية، التي يتطلب تحضيرها، وتصنيعها أجهزة خاصة. لذا، تكونت شركات دوائية عملاقة، استطاعت أن تقدم المستحضرات الدوائية في صور، سهلت من تعاطيها، وتداولها، وتخزينها، ونقلها.

ويوجد لكل دواء 3 أسماء؛ الاسم العلمي، الذي يعطى فكرة عن التركيب الكيميائي للمستحضر، بطريقة مفصلة. وهو غالبا ما يكون طويلاً وصعباً، والاسم الكيميائي، وهو الاسم المتعارف عليه في دساتير الأدوية المعروفة باسم الفارماكوبيا، والاسم التجاري، الذي يطرح به للتداول.

وتعطي بعض شركات الأدوية رقماً كودياً، لكل نوع من أنواع الأدوية التي تنتجها. وهذه الأرقام تختلف من شركة إلى أخرى، حيث تضع كل شركة على منتجاتها أرقاماً كودية مستقلة بها. وعلاوة على هذا الرقم الكودي، هناك رقم قومي لكل دواء، وهو رقم تسجيل الدواء، لدى السلطات الصحية المختصة، للترخيص بإنتاجه وتداوله. وأي مستحضر دوائي، لابد أن يكتب عليه رقم التشغيل، وتاريخ الصنع، ونهاية الصلاحية.

وتعد الصورة، التي يطرح بها المستحضر الدوائي، للبيع في الأسواق، هامة للغاية. ولهذا، يجب أن تتم على أسس علمية سليمة، وبعد أن تجرى عليها اختبارات معملية مكثفة. وعموماً تأخذ معظم المستحضرات الدوائية عدة صور، فتكون: إما في صورة أقراص، أو حوافظ جيلاتينية صلبة (كبسولات)، أو حوافظ جيلاتينية رخوة، أو شراب معلق، أو مستحلب، أو أقماع، أو مراهم، أو كريم، أو نقط للأذن أو الأنف أو العين، أو مستنشقات، أو سائل معد للحقن (اُنظر صورة عقاقير الفم) و(شكل الطرق المختلفة لإعطاء الدواء).

ويتناول الإنسان الدواء بطرق مختلفة (شكل الطرق المختلفة لإعطاء الدواء)، أشهرها عن طريق الفم. وتكون الأدوية في هذه الطريقة على شكل أقراص مختلفة الأحجام والأشكال. وفي بعض الأحيان، يغلف كل قرص بمادة لا تتأثر بالوسط الحَمْضي للمعدة، إلا أنها تذوب في الوسط القلوي الموجود في الأمعاء، فتتحرر المادة الفعالة ليتم امتصاصها عبر الخملات. أما العقاقير ذات الطعم غير المستساغ فإنها تغلف بمادة حلوة المذاق.

وأحياناً يوضع مسحوق المادة الفعالة داخل غلافين مصنوعين من مواد طبيعية كالنشا أو الجيلاتين، وهو ما يعرف بالكبسولة (Capsule). وتذوب هذه الكبسولة في القناة الهضمية، ويمتص الدواء.

أما العقاقير التي تذوب في الماء، أو في المذيبات العضوية، فيتناولها الإنسان شراباً، بعد تحليتها، وخلطها بمكسبات النكهة. وهناك عقاقير تتداول على هيئة أملاح فوارة، تذوب في الماء قبل تناولها. أما العقاقير التي لا تذوب في الماء، فتتعاطى في صورة مستحلب أو معلق.

وعادة ما يكون الهدف، من إعطاء المستحضر الدوائي عن طريق الفم، هو الحصول على تأثير موضعي للدواء، في المعدة والأمعاء، مثل: الأدوية المطهرة للأمعاء، أو المضادة للحموضة. وهذه الأدوية لا تمتص بواسطة أغشية المعدة والأمعاء، إلا بكمية بسيطة جداً.

وأكثر من 80 % من العقاقير، يتناولها الإنسان عن طريق الفم، سواءً أكانت سائلة أم صلبة.

وينصح بتناول الدواء، مع قليل من الماء، قبل الأكل، لضمان سرعة امتصاصه. وأحياناً أخرى، ينصح بتناوله، بعد الأكل، لتلاشي تأثيره الضار على أغشية المعدة، كما في حالة الأسبرين، الذي يسبب قرحة المعدة.

وعند تناول الدواء بالفم، يستغرق امتصاصه من 15 ـ 60 دقيقة، ليصل إلى أقصى تركيز له في حدود ساعة أو ساعتين. وينصح بزيادة جرعة المادة الفعالة، لتعويض الكمية الكبيرة من الدواء، التي عادة ما تستهلك في الكبد، نتيجة لعملية التمثيل الدوائي.

وهناك أنواع من العقاقير التي توضع تحت اللسان، فتُمْتَص عبر غشاء الفم المخاطي، لتدخل إلى الدم، مباشرة فيكون مفعولها سريعاً، فمثلاً هناك أقراص النيتروجليسرين المستخدمة في علاج الذبحة الصدرية، حيث توضع تحت اللسان، فتصل المادة الفعالة إلى الدورة الدموية بعد حوالي دقيقتين من استحلاب القرص، فيحدث تأثيره الطبي، إذ يلعب عامل الوقت دوراً هاماً في إنقاذ حياة المريض في هذه الحالة.

وهناك عقاقير أخرى تستعمل استعمالاً خارجياً على الجلد، مثل: المراهم، والعجائن، واللبخات، ويشترط فيها أن تكون ثخينة القوام، فإن ذلك أدعى لثباتها فوق الجلد، ليسهل امتصاصها.

وهناك كذلك العقاقير الطيارة التي تتناول عن طريق الاستنشاق، حيث تمتص بسهولة، بواسطة الغشاء المخاطي للأنف أو الفم، لتصل إلى الدورة الدموية والأنسجة مباشرة، حيث تمتص بواسطة الشعيرات الدموية، الموجودة في الحويصلات الهوائية، في الرئة.

أما العقاقير غير الطيارة، فيفضل أن ترش في الفم مباشرة، من خلال بخاخات، مثل أدوية الربو، التي تدخل مع هواء الشهيق إلى الرئة، فتحدث تأثيراً موضعياً لتوسيع الشعب الهوائية، أثناء الربو.

وهناك عقاقير يفضل تناولها عن طريق حقنها في الوريد، وبخاصة إذا كانت من الأنواع التي تتسبب في تهييج أغشية القناة الهضمية، أو تلك التي يصعب امتصاصها من خلالها. وتعد طريقة الحقن من أسرع الطرق لإحداث الدواء أثره، حيث يصل الدواء مباشرة إلى الدم، الذي ينقله بدوره إلى الأنسجة المقصودة به في لحظات معدودة.

ويكون الحقن في الوريد ببطء شديد، ولا سيما إذا كان العقار هو أحد أملاح الكالسيوم، حتى لا يحدث أثراً ضاراً، كما يفضل ـ بشكل عام ـ الحقن البطيء، لتخفيف تركيز الدواء عبر الدم.

وقد يسبب الحقن مع طول الاستعمال جلطة في الدم، على نحو ما يحدث مع المحاليل المعوضة التي قد يستمر تعاطيها شهوراً طويلة. وقد يحقن الدواء تحت الجلد، فيما يعد من أفضل طرق الحقن، إذ تساعد على امتصاص المادة الفعالة ببطء، ولذا تستخدم هذه الطريقة في إعطاء المواد ذات المفعول الطويل الأجل.

أما المراهم و القطرات، فتوضع على الجلد وفي العين أو الأنف، وتمتاز بأنها تعطي مفعولاً موضعياً عالي التركيز، من دون الحاجة لامتصاصها في الدم.

كذا يعد الشرج أحد الطرق الشائعة لتناول الدواء، ومن الأشكال التي تستخدم معه، الأقماع الشرجية (اللبوس)، أو الحقن الشرجية، أو المراهم الشرجية. ويفضل تناول الدواء من خلال هذا المنفذ، إذا كان من الأنواع المهيجة لأغشية المعدة، أو عند تعذر البلع، أو في حالات القيء المتواصل،  أو العلاج الموضعي للبواسير، أو الالتهابات الشرجية.  وعادة ما تصنع الأقماع الشرجية من زبدة الكاكاو محتوية بداخلها على المادة الفعالة لتسهيل ذوبانها فيه، بمجرد ملامستها لجدار الشرج، الذي تكون درجة حرارته أعلى من درجة حرارة ذوبانها.

وهناك طرق أخرى غير تقليدية، لتناول الأدوية والعقاقير، مثل: الحقن في المفاصل، أو الجلد، أو الأنف، أو في الغشاء البلوري للرئة. ويلجأ إليها في حالات خاصة جداً.

وفي الآونة الأخيرة برزت الحاجة ملحة إلى استحداث أنماط جديدة من العقاقير، تُمَكِّن الإنسان من الحصول على تركيز منتظم وثابت للعقار في الدم، ولفترات طويلة.

فمثلاً دواء النيتروجلسرين، المستخدم في علاج الذبحة الصدرية، يتم تصنيعه على هيئة "لصاقة طبية تلتصق بالجلد"، وتحتوي هذه اللصاقة على الجرعة المطلوبة من العقار، محاطة بطبقة متبلمرة تسمح بمرور العقار من خلالها بمعدل ثابت. وبذلك يحصل الإنسان على تركيز منتظم وثابت في الدم.

ثالثاً: صناعة المنتج الدوائي

رحلة العقار من مصادره الطبيعية، حتى يبلغ مقصده داخل جسم الإنسان، رحلة شيقة، تسترعي الانتباه وتدعو إلى التأمل؛ فقبل أن يصل المستحضر الدوائي إلى المريض، يمر بسلسلة من المراحل، تبدأ بتجميعه من مصادره الطبيعية، ثم التخلص من المواد الكيميائية الأخرى، الموجودة في المصدر، ثم تقنين المادة الفعالة. وقلما يتناول المريض المادة الفعالة، في صورتها المجردة في العلاج. وتقوم الشركة المنتجة، وفقاً لنوعية العقار وكيفية تعاطيه، بصناعته في هيئة: أقراص، أو كبسولات، أو حقن، أو مراهم، أو غيرها.

وخلال هذه العملية، تضاف بعض المواد غير الضارة، إلى المادة الفعالة، لكي تحول إلى مستحضر دوائي. فمثلاً، عند تحضير الأقراص، يضاف سكر اللبن لزيادة الوزن، وماد صمغية لتمنع تفتت القرص.

وتعد صناعة الأدوية وتسويقها، من أكبر الأعمال التجارية، في عديد من البلاد، وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية الصدارة في هذا المضمار.

وقبل أن يصل الدواء إلى المريض، يجب أن يمر بسلسلة من الاختبارات، للتأكد من مأمونيته وفاعليته (اُنظر صورة اختبار فاعلية العقاقير وسلامتها).

فعند طرح الدواء في الأسواق، لأول مرة، لابد من إجراء عديد من التجارب، على خلايا وأعضاء حيوانية، مستزرعة معملياً (Tissue Culture). ثم تجرى تجارب مماثلة على حيوانات صغيرة، مثل: الفئران، والأرانب، وعند نجاح التجارب المعملية، فإن الأدوية تجرب على القردة، والنسانيس.

ثم تُقيَّم النتائج، بعد ذلك، لمعرفة كيفية عمل هذا الدواء، وآثاره الجانبية. فإذا تم التحقق من مأمونية الدواء، وفاعليته، تعطي السلطات الصحية المختصة، للشركة المكتشفة، الإذن بتجربته على الإنسان. فيختبر الدواء، أولاً، على مجموعة من المتطوعين الأصحاء. وعند نجاح التجارب، تأتي مرحلة اختبار الدواء الجديد في مجموعة من المرضى.

وعلى ضوء هذه التجارب، تُقَدَّر الجرعات المناسبة التي يتعين على المريض تناولها. وعلى جانب آخر، تجدر الإشارة إلى أنه مهما بلغت درجة الاختبارات والتجارب الأولية دقة وحرصاً، قد لا تكتشف بعض الآثار الجانبية الضارة، وغير المتوقعة في الدواء المستخدم. ومن أهم العوامل التي تساعد على احتفاظ المستحضر الدوائي بجودته هي طريقة تخزينه. أما تاريخ الصلاحية المدون على المستحضر، فيتم استنباطه، وفقاً لظروف تخزين مثالية. وعلى ذلك، فإن أي مخالفة لهذه الظروف، قد تعجل بفساد المستحضر الدوائي.

وعلى الرغم من أن كلا المملكتين؛ النباتية، والحيوانية، مازالتا تزخران بملايين العقاقير التي لم يُمَط اللثام عنها بعد، فقد تمكن العلماء، بفضل التقنية الحديثة، من تصميم عقاقير أخرى من غير هذين المصدرين الطبيعيين، بتخليقها كيميائياً. والفضل في هذا يعود إلى العالم الألماني الشهير فالر (Wahler)، الذي تمكن، عام 1828، من تحضير مادة اليوريا العضوية، من بعض الأملاح الكيميائية، الموجودة في معمله. وكان العلماء يعتقدون قبل هذا الاكتشاف، أنه لا يمكن إنتاج مواد عضوية، إلا بواسطة كائنات حية. ومنذ ذلك التاريخ، استطاع العلماء تخليق أكثر من مليوني مادة كيماوية جديدة، غير موجودة في الطبيعة. وعندئذ بدأ التوسع في استحداث أدوية جديدة، عن طريق التخليق الكيماوي.

وفي هذا الصدد، نجح العالم الألماني بول إيرليخ (Paul Ehrlich)، في تخليق مادة قاتلة للجراثيم أسماها "أرسفنابين". بعد إجراء 605 تجربة فاشلة، ثم نجح في المحاولة "606 "، وبعد هذه التجربة، توالت الاكتشافات، إذ نجح العلماء في تخليق هرمونات بأسعار زهيدة، بدلاً من استخراجها من الحيوانات. كما استطاعت شركات الأدوية تخليق مركبات قاتلة للجراثيم، ومضادات للهستامين، وأدوية لقرحة المعدة، مثل دواء زانتاك (Zantac)، والأسبرين.

وعلى الرغم من الفائدة العلاجية العظيمة، التي حققتها الأدوية المخلقة كيميائياً، ودورها في إبراء كثير من الأمراض الخطيرة، فإن الكثير منها ينطوي على آثار سامة ومدمرة، مثل الأصباغ، ومبيدات الحشرات، والمنظفات.

كذا يشكك كثير من الأطباء والصيادلة في مدى مأمونية استخدام هذه الأدوية، ويحذرون مما قد تجلبه من آثار جانبية يصعب التنبؤ بها، مقارنة بالأعشاب الطبية التي استخدمت، من دون أضرار تذكر، على مدى عصور طويلة.

وحديثاً، ومع التوسع في استخدام التقنية الحديثة، تمكن العلماء من عزل بعض جينات الإنسان ـ بعد التعرف عليها ـ المسؤولة عن توجيه الخلايا، لإفراز هرمونات قاتلة للجراثيم، وقد نجح العلماء ـ بعد ذلك ـ في زرع هذه الجينات داخل بعض أنواع البكتيريا، كي تقوم بتصنيع الهرمونات، التي تصنعها خلايا الإنسان، في الظروف الطبيعية. ثم تنقى هذه الهرمونات، مما يكون قد علق بها، أثناء عملية التصنيع، وتستخدم في علاج المرضى الذين تعجز خلايا أجسامهم عن إفراز هذه الهرمونات.

وحديثاً عمل العلماء على ابتكار أشكال دوائية جديدة، تختلف عن الأشكال المعهودة في السوق، مثل الأقراص والكبسولات. فمثلاً تم تصميم مضخة صغيرة، تحتوى على هرمون الأنسولين تزرع بعملية جراحية بسيطة داخل جسم المريض بالسكر فينطلق منها الأنسولين بمعدل ثابت ومنتظم وبذلك لا يحتاج المريض إلى أخذ الحقن يومياً.

كذا تمكن العلماء، من تحضير مستحضرات دوائية، لها خاصية قتل الخلايا السرطانية، إلا أنها ليست كغيرها من المستحضرات، فهي تحتوي على مادة مرنة (Lectin)، تتعرف على جدار الخلية السرطانية، فتلتصق بها، ويتحرر الدواء الذي يقتل الخلية السرطانية دون غيرها.

ومن المأمول أن يشهد المستقبل القريب مزيداً من الأدوية والعقاقير تكون أكثر أماناً وفعالية في إيقاف المرض.

رابعاً: الدواء داخل جسم المريض

بعد أن يتناول المريض الدواء، يقوم الجسم بامتصاصه، وتوصيله إلى مجرى الدم، ومنه إلى سائر أعضاء الجسم، ويدخل في خلاياها، ويحدث تأثيره الشافي.

أما الأدوية، التي تستعمل خارجياً، مثل: المراهم، وقطرات العيون، وبخاخات الأنف، فإنها تحدث تأثيرها من دون حاجة إلى الوصول إلى الدم.

وأول مراحل الدواء داخل جسم الإنسان، هي الامتصاص؛ ومعناه أن يتمكن الدواء من الوصول إلى الدورة الدموية. وتعتمد سرعة امتصاص الدواء على درجة ذوبان مادته الفعالة في السوائل، وحجم جزيئاته، والكمية المتناولة.

وبعد امتصاص الدواء، تقوم الدورة الدموية بتوزيعه على جميع الأنسجة والخلايا، بالإضافة إلى بلازما الدم وسوائل الجسم الأخرى. وتظل جزيئات الدواء في التجول من خلية إلى خلية، ومن نسيج إلى آخر، ثم تستقر في النهاية، حيث تحدث أثرها.

وتبدأ مرحلة تفاعل الجسم مع الدواء في الكبد. ففي بعض الأحوال، تكسر خلايا الكبد الدواء فتحيله إلى مادة أخرى، أكثر قدرة على إحداث الأثر المطلوب. وفي أحوال أخرى، يزيد الكبد من قابلية الدواء للذوبان في الماء، ومن ثم يتخلص منه، عن طريق الكليتين.

وتحدث معظم الأدوية آثارها عبر تغيير نشاط خلايا الجسم؛ فبعض الأدوية لها القدرة على التحكم في نشاط الخلية وتحديد سرعتها وبطئها. ولا يؤثر الدواء على جميع خلايا الجسم، وإنما تقوم الأدوية بالتأثير على نوع واحد، أو أكثر، من الخلايا موجود في نسيج عضو واحد، عن طريق اتحاد الدواء بمستقبلات معينة ((Receptor، موجودة على سطح الخلايا المقصودة بالأثر (اُنظر شكل اختلاف تأثير العقاقير).

وتحدث بعض العقاقير أثراً شافياً مطلوباً على خلايا معينة، في حين تسبب آثاراً ضارة على خلايا أخرى. فمثلاً، يصف الأطباء عقار المورفين لتسكين الآلام الشديدة بسبب قدرته على الوصول إلى خلايا الدماغ عبر الحبل الشوكي، بما يؤدي إلى فقدان الإحساس بالألم. ولكن المورفين في الوقت نفسه، يصل كذلك إلى أعضاء أخرى، ويقوم بالتأثير على خلاياها، الأمر الذي يؤدي إلى القيء والإمساك وانخفاض سرعة التنفس.

وبعد أن يحدث الدواء أثره المطلوب يقوم الجسم بالتخلص من المتبقي منه، عن طريق الأمعاء، أو الكليتين، أو العرق، أو عن طريق هواء الزفير، من الرئة.

وتتفاوت مقدرة الجسم ـ سرعة وبطأً ـ على إخراج الدواء الزائد عن الحاجة، فمن الأدوية ما يتم إخراجه سريعاً عن طريق الكلى. ومنها ما يتحد مع بروتينات بلازما الدم، فلا يتخلص الجسم منها إلا متأخراً، وقد تظل بالجسم عشرات السنين.

وقد يسبب تراكم الدواء أمراضاً بالكبد والكلى. كما في مرض الفشل الكلوي الذي يسببه تراكم الدواء في الكلى، حتى سريع المفعول منها، كذلك في مرض الفشل الكبدي الذي ينتج عن تراكم الأدوية التي يتخلص منها الكبد (اُنظر شكل الجرعة الشافية والسامة).

وتعد معرفة مدة بقاء الدواء داخل الجسم من الأمور الضرورية جداً، في العلاج، وتحديد الجرعة الملائمة له. فمثلاً: عقار الديجيوكسين، المستخدم في علاج أمراض القلب، يتم التخلص منه ببطء شديد. ولهذا، تعطى جرعات صغيرة منه، على فترات زمنية متباعدة. وهناك مواد كيميائية تتراكم في العظام، مثل التتراسيكلين، وفي الدهون، مثل المبيدات الحشرية، وسوائل التخدير.

ولهذا السبب، يحدد الأطباء أن تؤخذ كمية معينة كل يوم، أو أسبوعياً، أو شهرياً بحسب طول فاعليتها في الجسم.

وقد ظهر، في الآونة الأخيرة، علم يبحث في توقيت تناول الدواء، يسمى "كرونوفارماكولوجيا" (Chronopharmacology) أي "علم توقيت الدواء".

ويتعرض هذا العلم، للتوقيت المناسب، الذي تتفاعل فيه خلايا الجسم، مع الدواء، ويُقَدِّر أنسب أوقات اليوم لتناول الدواء. ومن الطريف، أن جسم الإنسان يقاوم تأثير الأدوية أثناء الليل؛ لذا، تقل فاعلية الأدوية ليلاً. فمثلاً، وجد أن مفعول مضادات الهستامين، المستخدمة ضد الحساسية، ومركبات الكورتيزون، أقوى نهاراً.  أما مخدر الأسنان الموضعي فإن مفعوله يظل لمدة 32 دقيقة إذا أخذ أثناء ساعات الظهيرة، أما إذا أخذ بعد الساعة السابعة مساءً فإن مفعوله يستمر لمدة أقصر.