إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات صحية وغذائية / الموسوعة الصحية المصغرة / أمراض الإنسان ومسبباتها




إدماء اللثة
مرض البلاجرا
مرض الجوثر
مرض الكساح
أعراض مرض أديسون
الجوثر البسيط
القراد (Ticks)
بعوضة على جلد إنسان
دودة الأسكارس
عيش الغراب (Mushroom)

مثيرات الحساسية
مراحل التهاب المفاصل
نزيف في الدماغ
نزيف في الفراغ تحت العنكبوتي
الأوعية الدموية في المخ
المفصل الطبيعي
التهاب مفصل الفخذ
التهاب المفاصل الروماتيزمي
التهاب فقرات الظهر
البكتيريا الواوية
البكتيريا الحلزونية
البكتيريا العصوية
الدودة الخطافية
الدودة الشريطية
الديدان الاسطوانية
الغدة الدرقية
الغدة الكظرية
تلوث البيئة
تركيب الخلية البكتيرية
تشخيص السكتة الدماغية
بكتيريا وحيدة الأسواط
بكتيريا المكوّرات العنقودية
بكتيريا عديدة الأسواط
بكتيريا ذات أسواط طرفيه
خلايا بكتيرية بها أهداب
دودة الترايكنيلا
دورة حياة البلهارسيا
رئة لمصاب بمرض تغبر الرئة
رأس الدودة الشريطية
عملية تنظيم السكر في الدم
فيروس ملتهم البكتيريا
فيروس مرض السعار
فيروس الإنفلونزا
فطر الخميرة (Yeast)
فطر عفن الخبز الأسود
قمل الرأس (Lice)




مقدمة

المبحث الثاني

الأمراض المعدية

هي تلك الأمراض التي تسببها الكائنات الدقيقة، مثل: الفيروسات والبكتيريا، والفطريات، والطفيليات؛ حيث تقوم هذه الكائنات بغزو جسم الإنسان مسببة المرض.

ويبدأ عمل هذه الكائنات بمجرد دخولها جسم الإنسان؛ إذ تشرع في الفتك بخلاياه وأنسجته، لتصنيع غذائها. وفي أثناء ذلك تتكاثر بسرعة فائقة مدمرة خلايا أكثر، بما يسبب ظهور المرض.

ويمكن تقسيم الأمراض المعدية، تبعاً لنوع مسبب المرض، إلى:

أولاً: أمراض بكتيرية؛ وهي تلك الأمراض التي تسببها البكتيريا.

ثانياً: أمراض فيروسات؛ وهي تلك الأمراض التي تسببها الفيروسات.

ثالثاً: أمراض فطرية؛ وهي تلك الأمراض التي تسببها الفطريات.

رابعاً: أمراض طفيلية؛ وهي تلك الأمراض التي تسببها الطفيليات.

فأما البكتيريا، فهي كائنات وحيدة الخلية، تصنف ضمن أكثر الكائنات الحية انتشاراً؛ حيث يحتوي جزء من التربة، في حجم حبة القمح مثلاً على ما يزيد عن 100 مليون خلية بكتيرية. وأغلب البكتيريا لا تسبب أمراضاً، فيعيش الكثير منها في فم الإنسان وأمعائه أو على جلده إلا أن بعض هذه الأنواع قد تسبب أمراضاً إذا ما صادفت مكاناً آخر، غير مكانها الطبيعي في الجسم. فعلى سبيل المثال، البكتيريا المستوطنة في الفم، قد تسبب مرضاً في الأذن، إذا ما دخلت فيها.

وهناك من أنواع البكتيريا ما يفرز سُماً زُعافاً. فعلى سبيل المثال، مرض التيتانوس ينشأ من تلوث الجروح الغائرة، ببكتيريا تعيش في التربة، تسمى "الكوليستيريديم تيتناي" Clostridium tetani

حيث تقوم هذه البكتيريا بإفراز سُمّها الذي يؤثر على العضلات، والأعصاب في غير مكان الجرح. وهناك أيضاً التسمم الغذائي الذي ينتج عن أكل الطعام الملوث بسموم بكتيرية، مثل التسمم الغذائي البوتيوليني Botulism.

وأما الفيروس، فهو كائن أصغر من البكتيريا، متناهي الصغر، لدرجة أنه لا يمكن رؤيته، إلا باستخدام الميكروسكوب الإلكتروني. والفيروس خارج الجسم هو كائن ليس به حياة، إلا أنه، بعد غزوه ودخوله خلايا الجسم الحية، فإنه يبدأ في استخدام مواد الخلية، لتصنيع جزيئاته، ولتكاثره. وبتكاثر الفيروس  تدمر الخلية، حيث يخرج منها إلى خلية أخرى سليمة لإصابتها، فيكثر عدد الخلايا المصابة ويحدث المرض.

والفيروسات تسبب عديداً من الأمراض منها: الجديري الكاذب Chicken Pox، والحصبة Measles، والنكاف Mumps.

كذا تعد الفيروسات هي المسؤولة عن مرض الأنفلونزا والبرد. حتى أن العلماء قاموا بتصنيف ما يزيد عن 100 فيروس مسبب للبرد. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن أغلب حالات الإسهال والقيء سببها عدوى فيروسية. كذلك أمراض: التهاب الكبد الوبائي الفيروسي، والسعار (الكَلِب)، والإيدز (مرض نقص المناعة المكتسبة)، هي أمراض فيروسية أيضاً.

وأما الفُطْريات فكائنات حية دقيقة، تعيش في كل مكان. وتتسبب الفُطْريات في عديد من الأمراض، أشهرها مرض قدم الرياضي، وهو مرض جلدي.

وأما الطفيليات، فهي غالباً ما تنتشر في المناطق الحارة والاستوائية، وتنقسم إلى أوليات مثل تلك التي تسبب أمراض الملاريا، والدوسنتاريا الأميبية. وإلى ديدان، والتي تنقسم بدورها إلى ديدان مفلطحة، وديدان أسطوانية، وتتسبب في كثير من الأمراض، أشهرها البلهارسيا.

ومعظم الأمراض المعدية أمراض سهلة الانتقال من فرد إلى فرد. وقد ينتشر المرض المعدي بصورة وبائية في المجتمع. وهذه الحالة يطلق عليه اسم "الوباء" Epidemic. فإذا، حدث الوباء، في أماكن عديدة في العالم، وفي وقت واحد، فإنه يطلق عليه "وباءً متفشياً" Pandemic. وقد وقع مثل هذا النوع من الأوبئة في شتاء 1918-1919، حينما اجتاح وباء الأنفلونزا العالم، وقتل ما يقرب من 20 مليون شخص. أما إذا، وُجد في منطقة جغرافية واحدة، فإنه يطلق عليه "وباء متوطناً" Endemic، مثل الملاريا، فإنها متوطنة في أفريقيا.

والأمراض المعدية تنتقل بثلاثة طرق رئيسية، بالناس، أو الحيوانات، أو الأشياء غير الحية.

فأما انتقالها عن طريق الناس، فيكون إما بالاقتراب، ويكون غالباً عن طريق التنفس، حين يتعرض الشخص السليم لآثار سعال أو عُطاس شخص مصاب. وإما بالملامسة، ويحدث عندما يلامس الشخص السليم الجزء المصاب من المريض، على نحو ما يحدث في الأمراض الجلدية والتناسلية.

وأما انتقالها عن طريق الحيوانات والطيور والحشرات، فيحدث بالمخالطة مع الحيوانات، كما في مرض السعار. ويحدث بطريق اللدغ من الحشرات الطائرة، مثل البعوض الذي ينقل أمراضاً عديدة، من أشهرها الملاريا.

وأما انتقالها عن طريق الأشياء غير الحية، فهو انتقال غير مباشر نتيجة لاستخدام أغراض المريض الخاصة أو النوم في فراشه ونحو ذلك.

كذا ينتقل المرض المعدي من خلال مياه الشرب. ومن أمثلة ذلك وباء الكوليرا، الذي ينتشر في بعض المناطق الجغرافية، حيث تقل الرعاية الصحية وينتج عن ذلك تلوث مياه الشرب بالصرف الصحي، فينتشر الوباء، على شكل حالات من الإسهال الشديد.

كما أن الغذاء الملوث قد ينقل العدوى في كثير من الأحيان. فالغذاء الملوث بالسموم البكتيرية يسبب المرض. ولحوم الخنزير غير المطهية جيداً تسبب الإصابة بالدودة الحلزونية Trichinosis. والألبان غير المغلية، قد تنقل مرض سل الماشية والحمى المتموجة للإنسان.

مسببات الأمراض المعدية

أولا: البكتيريا Bacteria

تميل بعض الأبحاث العلمية إلى الاعتقاد بأن البكتيريا ـ أو بعض صورها ـ تمثل أول صورة للحياة ظهرت على سطح الأرض؛ فأقدم الحفريات المعروفة، كانت لبكتيريا عاشت، وتكاثرت، على ظهر الأرض، منذ أمد بعيد، قد يصل إلى 3.5 ألف مليون عامٍ. الأمر الذي حدا ببعض العلماء إلى الاعتقاد بأن بعض أنواع البكتيريا، قد تطورت تدريجياً، إلى كائنات متعددة الخلايا.

وكان أول من وصف البكتيريا، هو العالم الألماني أنتوني فان لوفينهوك Antonie Van Leeuwenhoek؛ وذلك، عقب تطويره لجهاز مبسط من العدسات يشبه المجهر. وقد اعتقد العلماء، في بداية الأمر، أن البكتيريا إن هي إلا نتاج مواد غير حية. إلى أن أثبت العالم الفرنسي، لويس باستير Louis Pasteur، في نهاية القرن الثامن عشر، أن البكتيريا كائن حي، وأن الكائن الحي لا يتولد إلا من كائن حي آخر. ثم توالت بعد ذلك مجموعة من الأبحاث والأعمال العظيمة الناجحة التي قام بها كل من لويس باستير والعالم الألماني روبرت كوخ Robert Koch اللذين يعزى إليهما الفضل في إنشاء علم دراسة البكتيريا في العصر الحديث.

والبكتيريا كائنات دقيقة الحجم يراوح حجمها بين 0.3-2 ميكرون[1]، ولا ترى إلا بالمجهر. وتوجد البكتيريا في كل مكان، في الهواء، وفي الماء، وعلى جسم الإنسان، وداخل قناته الهضمية، وجهازه التنفسي. إلا أن غالبية هذه الأنواع لا تمثل ضرراً، ولا تشكل خطراً، على حياة الإنسان، وصحته. بل إن هناك أنواعاً من البكتيريا تكون نافعة، وتقدم خدمات جليلة للإنسان والحيوان والبيئة. فهناك نوع من البكتيريا يعيش في أمعاء الإنسان، يساعده على هضم الطعام، ويفرز بعض المواد المفيدة للجسم، مثل؛ الفيتامينات، ويعمل على تدمير البكتيريا الضارة.

وهناك نوع آخر من البكتيريا يعيش في التربة، ويلعب دوراً هاماً في غذاء النبات؛ إذ يقوم بتثبيت النيتروجين الموجود في الهواء الجوي، ليكون بمثابة عنصر أوليّ، يستطيع من خلاله النبات أن يكوّن البروتين. كما تقوم بكتيريا التربة بتحليل أجسام الكائنات الحية بعد موتها، وكذا المواد العضوية المعقدة، وتحويلها إلى صور بسيطة، تستفيد منها التربة والنبات والحيوان.

ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل إن هناك صناعات كاملة تقوم على استخدام بعض أنواع البكتيريا النافعة. فصناعة بعض منتجات الألبان، وبعض الأدوية ما هي إلا نتاج عمل البكتيريا النافعة. وحديثاً تمكن العلماء من استخدام البكتيريا في معالجة مياه الصرف الصحي، حماية للبيئة من التلوث. ويطلق على كل هذه الأنواع البكتيرية، اسم البكتيريا النافعة Beneficial Bacteria.

إلا إنه، على جانب آخر، توجد بكتيريا ضارة تهاجم الإنسان، فتسبب له أمراضاً ومشاكل صحية عديدة. وذلك، على نحو ما يحدث في أمراض: السل، والكوليرا، والتيفود، والسعال الديكي، والزهري، والسيلان. ويطلق على هذا النوع من البكتيريا اسم البكتيريا الممرضة Pathogenic Bacteria.

وتهاجم البكتيريا جسم الإنسان، وقد تنجح في دخوله، واختراق دفاعاته الطبيعية، الموجودة في الأنف، والفم، والجلد. حيث تتسلل مع الهواء الملوث، أو عبر الأطعمة والأشربة الملوثة، أو من خلال الجروح الموجودة على الجلد، فإذا ما نجحت في ذلك، كانت البداية لرحلة مرض.

وبعد  نجاح البكتيريا الممرضة في دخول الجسم، فإنها غالباً ما تسير مع الدم للوصول إلى محطتها النهائية من أعضاء الجسم، وأنسجته. وهناك يستقر بها المقام، وتتكاثر مفرزة الإنزيمات الهاضمة التي تهضم أنسجة المريض، وتحولها إلى مواد بسيطة يسهل عليها الاستفادة منها في غذائها. وخلال هذه الأثناء تظهر على الجسم أعراض هذا الغزو من: حمى، وألم في المناطق المصابة، وخلل في مختلف عمليات الجسم الحيوية.

وقد تفرز بعض البكتيريا، أثناء هجومها على الجسم، سموماً تصيب الجسم بأعراض تختلف باختلاف العضو المتأثر. فبكتيريا التيتانوس Clostridium tetani تفرز سموماً خارجية تسبب أعراضاً عصبية على جسم المصاب، وقد تودي به إلى الموت. في حين تؤثر سموم البكتيريا المسببة للدفتيريا Corynibacterium diphtheriae على الجهاز التنفسي.

وهناك نوع من البكتيريا لا يفرز سمومه أثناء نموه، إلا أنه، عند موته وتحلله، تخرج السموم من خلاياه المتحللة، مسببة الحمى.

وهناك أيضاً بكتيريا التسمم الغذائي المعروفة باسم Clostridium botulinum. وهذه البكتيريا لا تحتاج إلى دخول جسم الإنسان؛ إذ تكتفي بإفراز سمومها على الطعام المعلب أو المحفوظ، لتنتشر هذه السموم في الجسم، مسببة تسمماً غذائياً خطيراً، وأعراضاً عصبية، تؤدي إلى الموت في أغلب الأحيان.

وهناك أنواع من البكتيريا تعيش في جسم الإنسان، من دون أن تسبب له أي أضرار صحية. إلا أنها، عند انخفاض مناعة جسم الإنسان لأي سبب من الأسباب، تهاجم الجسم، متحولة إلى بكتيريا ضارة تسبب عديداً من الأمراض، وذلك، على نحو ما هو شائع في الإصابة بالتهاب الحلق أو التهاب اللوزتين. ويطلق على هذه البكتيريا، اسم البكتيريا الانتهازية Opportunistic Bacteria.

ولا تقتصر الإصابة بالأمراض البكتيرية على الإنسان فحسب، بل تصيب كذلك الحيوان والنبات، مسببة عديداً من الأمراض، وخسائر اقتصادية جسيمة.

فمرض الجمرة الخبيثة Anthrax، مثلاً، هو مرض بكتيري يصيب الإنسان والحيوان معاً، وتكثر إصاباته في الخيول والماشية والأغنام، مؤدية إلي نفوقها. ومرض السل، يصيب كذلك، معظم الحيوانات، مسبباً خسائر اقتصادية فادحة. أما مرض التعفن الرَّطْب Soft Rot، فهو من الأمراض البكتيرية التي تصيب النبات، مسببة تحلل الخضر والفاكهة، بما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة.

1. تركيب خلية البكتيريا

خلية البكتيريا هي مثال للكائنات البدائية وحيدة الخلية. وتحاط الخلية البكتيرية بغشاء واقٍ صلب، يسمى الجدار الخلوي Cell Wall، يعطي خلية البكتيريا شكلها المميز. ويختلف هذا الشكل من نوع إلى آخر، فبعض البكتيريا تأخذ شكل الكريات الصغيرة، وبعض آخر يأخذ شكل العصا. ويساعد الجدار الخلوي البكتيريا على أن تظل حية، في الوسط المحيط بها (أُنظر شكل تركيب الخلية البكتيرية).

ولا تكتفي بعض البكتيريا بجدارها الخلوي فحسب، بل تحيط نفسها بغطاء آخر لزج، حول الغشاء الخلوي، يسمى الكبسولة Capsule (أُنظر شكل خلايا بكتيرية بها أهداب)، ويعمل هذا الغطاء على حمايتها من التأثير الضار للمواد الكيميائية. ثم يلي ذلك، الغشاءُ الخلويُّ، وهو عبارة عن غشاء رقيق مرن يحتوي بداخله على "الحشوة" أو "السيتوبلازم"، وبقية مكونات الخلية البكتيرية. ويسمح هذا الغشاء، بمرور جزيئات الغذاء الصغيرة فقط إلى داخل الخلية البكتيرية، ويمنع الجزيئات الكبيرة.

والسيتوبلازم عبارة عن مادة هلامية رقيقة، تحتوي على الخمائر "الأنزيمات"، التي تقوم بتكسير جزيئات الغذاء، وبناء أجزاء الخلية.

وتحتوي الخلية البكتيرية ـ كخلايا سائر الكائنات الحية ـ على الحامض النووي الـ د ن أ DNA، الذي يقوم بتنظيم نمو الخلية، وتكاثرها، والتحكم في بقية الأنشطة الأخرى. ويوجد الحامض النووي د ن أ في البكتيريا، سابحاً في السيتوبلازم، في منطقة غير محاطة بغشاء نووي تسمى شبيهة النواة Nucloid.

كما تحتوي خلايا بعض أنواع البكتيريا، على أعضاء حركية، تسمى الأسواط Flagella. تبدو على هيئة زوائد طويلة مرنة ممتدة من السيتوبلازم، ويبلغ طولها أضعاف طول الخلية. من جانب آخر، هناك أنواع من البكتيريا يمكن أن يتحرك، من دون حاجة إلى هذه الأعضاء الحركية، مثل: البكتيريا المنزلقة Gliding Bacteria، التي تنتقل بواسطة الحركات الالتوائية التي تقوم بها.

كما تحتوي بعض الأنواع الأخرى على نتوءات Pili، تظهر في صورة زوائد صغيرة، وتكون أقل مرونة من الأسواط، وتوجد غالباً في أنواع البكتيريا الممرضة، حيث تساعدها على الالتصاق بخلايا العائل.

ونظراً إلى وجود أعداد هائلة من البكتيريا، فقد قُسمت إلى مجموعات، وفقاً لاعتبارات مختلفة، فإذا اعتمدنا معيار الشكل، تقسم البكتيريا إلى أربعة أنواع:

(أ) البكتيريا العصوية Bacilli، التي تأخذ خلاياها شكل العصويات الصغيرة تحت المجهر (أُنظر شكل البكتيريا العصوية).

(ب) البكتيريا الكروية Cocci، التي تأخذ خلاياها شكل الكريات الصغيرة (أُنظر شكل بكتيريا المكوّرات العنقودية).

(ج) البكتيريا الحلزونية Spiral التي تأخذ الشكل الحلزوني (أُنظر شكل البكتيريا الحلزونية).

(د) البكتيريا الواوية Vibrio التي تأخذ شكل الواو أو الضمة العربية (أُنظر شكل البكتيريا الواوية).

ما إذا نظرنا إلى توزيع أسواطها، فيمكن تقسيمها إلى:

 (أ) بكتيريا وحيدة الأسواط، (أُنظر شكل بكتيريا وحيدة الأسواط).

(ب) بكتيريا ذات أسواط عديدة ، متجمعة عند طرف واحد (أُنظر شكل بكتيريا ذات أسواط طرفيه).

(ج) بكتيريا ذات أسواط عديدة، موزعة على كل الخلية (أُنظر شكل بكتيريا عديدة الأسواط).

أما إذا اعتمدنا معيار الوسط التي تعيش فيه، فيمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:

(أ)     بكتيريا هوائية Aerobic، وهي البكتيريا التي تعيش فقط، في وجود الهواء الجوي.

(ب) وبكتيريا لا هوائية Anaerobic، وهي البكتيريا التي تعيش فقط، في غياب الهواء الجوي.

(ج) وبكتيريا لا هوائية اختيارية Facultative Anaerobic، وهي البكتيريا التي يمكنها العيش والنمو، في ظل وجود الهواء الجوي، أو عدمه.

وتعيش البكتيريا في بيئة تكون مهيأة لمعيشتها غالباً، وأحياناً يصادَفُ أن توجد البكتيريا في بيئة أو ظروف غير مناسبة؛ بمعنى أن يقل الغذاء أو الماء، أو تتغير نسب بعض العناصر، بما قد لا يناسب نموها. وفي مثل هذه الحالات تفرز البكتيريا ـ للتغلب على الظروف غير الموائمة ـ غشاءً خلوياً سميكاً داخل غشائها الخلوي الحقيقي، فيحيط بجزء من مكونات الخلية، يظل حياً وقادراً على مواجهة هذه الظروف، إلا أنه في الوقت نفسه يبقى كامناً خاملاً Inactive. ويعرف هذا الجزء بجرثومة البكتيريا Bacterial Spore. أما الجزء المتبقي من الخلية خارج هذا الغشاء، فيموت تحت تأثير هذه الظروف غير الموائمة.

وتستطيع جرثومة البكتيريا العيش لأعوام طويلة متحملة جميع الأحوال غير الملائمة من ارتفاع درجة الحرارة، أو انخفاضها، أو غير ذلك من الظروف البيئية القاسية، وعند تحسن الظروف البيئية المحيطة تتخلص الجرثومة من الغشاء السميك، وترجع إلى سابق عهدها نشاطاً وحيوية.

2. غذاء البكتيريا

تحتاج البكتيريا إلى الغذاء، لكي تعيش وتنمو وتتكاثر. ويختلف سلوك البكتيريا في الحصول على غذائها، باختلاف أنواعها.

فالبكتيريا عضوية التغذية Heterophilic Bacteria، تحتاج للمركبات العضوية المعقدة المكونة من النيتروجين والكربون، لذا تلجأ إلى التغذي والتطفل على الكائنات الأخرى. وقد تتطفل على كائنات ميتة، لذا يطلق عليها البكتيريا الرُمِّية Saprophytic Bacteria، أو تتطفل على كائنات حية، مسببة أضراراً صحية عديدة، فيطلق عليها البكتيريا الطفيلية Parasitic Bacteria.

وهناك البكتيريا التعايشية Commansal Bacteria، التي تعيش في أمعاء الإنسان، فتحصل على غذائها من المواد العضوية، من تحليل بقايا الغذاء المهضوم في الأمعاء، وتنتج له، في الوقت نفسه، أنواعاً من الفيتامينات التي يحتاجها الإنسان.

أما البكتيريا ذاتية التغذية Autotrophic Bacteria، فهي التي تقوم بتصنيع غذائها بنفسها ولا تتطفل على الكائنات الحية الأخرى.

وهناك أخيراً، بكتيريا التمثيل الضوئي Photosynthetic Bacteria، التي تحتوي خلاياها على مادة، تمكنها من تصنيع غذائها العضوي، من الماء وثاني أكسيد الكربون، في وجود أشعة الشمس.

ومن المثير للدهشة، أن هناك أنواعاً من البكتيريا تستطيع التحكم في سلوكها الغذائي، وأن تتلون حسب الظروف المحيطة بها. فقد تكون عضوية التغذية، إذا ما توفر الغذاء أمامها، ثم تتحول إلى ذاتية التغذية، إذا ما نضبت مصادر الغذاء من حولها.

3. تكاثر البكتيريا

تتكاثر معظم البكتيريا لا جنسياً Asexually، من خلال عملية حيوية يطلق عليها "الانقسام الثنائي البسيط" Simple Binary Fission.

وتنقسم الخلية البكتيرية، في هذه العملية، إلى خليتين متماثلتين. ويمكن للبكتيريا التكاثر بسرعة فائقة، وفقاً لهذه الطريقة؛ إذ يتضاعف عددها كل 20 دقيقة. وقد تصير الخلية البكتيرية الواحدة ـ إذا توفر لها الغذاء الكافي ـ أكثر من مليار خلية في غضون 10ساعات. ويكون الحَمْض النووي د ن أ في الخليتين الناتجتين عن هذا الانقسام، مماثلاً للحمض النووي في الخلية الأصلية.

وهناك بعض الخلايا البكتيرية، التي لها القدرة على تبادل حمضها النووي د ن أ ومادتها الوراثية مع خلية أخرى، من خلال عملية تسمى "الاقتران" Conjugation. وفيها ينتقل الحَمْض النووي د ن أ من خلية بكتيرية، يطلق عليها "الخلية الذكرية"، إلى خلية أخرى يطلق عليها "الخلية الأنثوية". وينتج عن انتقال الحَمْض النووي من خلية إلى أخرى، انتقال الصفات المرتبطة به. لذا تنتقل خصائص مقاومة المضادات الحيوية وغيرها، من بكتيريا مقاومة لهذه المضادات، إلى بكتيريا أخرى غير مقاومة. الأمر الذي يكسبها مناعة ضد هذه المضادات.

كما يمكن لبعض البكتيريا أن تلتقط أجزاء من الحَمْض النووي لخلية ميتة. وكذا يمكن أن ينتقل الحَمْض النووي بين خلية بكتيرية وفيروس.

وقد تمكن العلماء من استغلال هذه الظاهرة، فابتكروا طرقاً حديثة لعزل الحَمْض النووي د ن أ المسؤول عن إنتاج بروتين معين أو إنزيم خاص بأحد الكائنات. ثم إدخاله بكتيريا ما، لإنتاج نوع جديد من البكتيريا لها القدرة على إنتاج هذا البروتين أو الإنزيم. وقد أطلق على هذه التقنية المبتكرة اسم "تقنية اتحاد د ن أ" Recombinant DNA Technology.

وقد تمكن العلماء، في مجال الهندسة الوراثية ـ باعتماد هذه التقنيات ـ من إنتاج سلالات من البكتيريا ذات مقدرة على تكسير مشتقات البترول، إلى مركباتها الأولية؛ وذلك لاستخدامها  في تنظيف البيئة من التلوث البترولي. كما أمكن كذلك إنتاج سلالات بكتيرية لها القدرة على تصنيع الأنسولين، لاستخدامه في حالات مرضى السكر.

4. البكتيريا والأمراض

تسبب البكتيريا عديداً من الأمراض، منها ما يصيب الجهاز التنفسي، مثل: مرض السل أو الديفتيريا، ومنها ما يصيب الجهاز الهضمي، كما في مرض الكوليرا، ومنها ما يصيب الجهاز التناسلي، مثل: البكتيريا المسببة للزهري، والسيلان.

وتعد الأمراض البكتيرية أمراضاً معدية؛ أي أن لها قابلية الانتقال من المريض إلى السليم، عند توفر طرق العدوى وظروفها، ومن ثم دخولها جسم السليم مؤدية إلى مرضه.

ثانياً: الفيروسات Viruses

الفيروسات كائنات دقيقة متناهية الصغر. وهي أصغر من البكتيريا بكثير؛ إذ يبلغ حجم أكبر الفيروسات عُشر متوسط حجم البكتيريا. ولا يمكن رؤية الفيروسات إلا بالمجهر الإلكتروني. وتعيش هذه الكائنات من خلال التطفل على خلايا الكائنات الحية الأخرى، مسببة عديداً من الأمراض.

ويرجع اكتشاف الفيروسات إلى ديمتري إيفانوفسكي عام 1892، حينما وجد أن عصارة أوراق نبات التبغ المصاب بالتبرقش، يمكن أن تنقل المرض للنبات السليم. وعند ترشيح هذه العصارة، بالمرشحات البكتيرية، وجد أنها مازالت لديها القدرة على إحداث الأثر. فاستنتج من ذلك وجود كائن ممرض أصغر من البكتيريا، يمكنه المرور من المرشحات البكتيرية.

وفي عام 1898، أطلق الألماني مارتينوز باييرنيك Martinus Beijerinck، على هذه الكائنات، اسم "الفيروس"، ومعناها "السم" في اللغة اللاتينية.

وفي عام 1935، توصل عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي، ويندل ستانلي Wendell Stanly، إلى معرفة التركيب الداخلي للفيروس. ثم تواصلت الأبحاث بعد ذلك، لتقطع بمسؤولية هذه الفيروسات عن عديد من الأمراض المهلكة. وفي الخمسينيات، تمكن العلماء من التوصل إلى لقاحات وتحصينات ضد بعض الفيروسات، مثل: فيروس مرض الجدري، وفيروس شلل الأطفال. ولا تزال الأبحاث تتواصل حتى الآن، لاكتشاف مزيداً من المعلومات، حول هذه الكائنات.

والفيروسات كائنات عجيبة؛ إذ لا تمتلك شيئاً من مقومات الحياة، وليست لديها مصادر خاصة بها، تستمد منها غذاءها، أو تحتمي بها من الظروف البيئية غير المناسبة؛ لذلك، تلجأ هذه الكائنات إلى الاحتماء بخلايا الكائن الحي، لتتخذ منها مأوى ومصدراً غذائياً. ومن ثم، يعيش الفيروس حياة طفيلية إجبارية، داخل هذه الخلايا، حيث لا يستطيع أن يبقى حياً من دونها.

1. تركيب الفيروس

يتركب الفيروس من مادة وراثية، تتكون من خيط مفرد من الحَمْض النووي رن أ (RNA)، أو من خيط مزدوج من الحَمْض النووي د ن أ (DNA). وتحاط هذه المادة الوراثية بغلاف بروتيني، يطلق عليه "الكابسيد" Capsid. وفي بعض الأحيان، يغلف الفيروس بغلاف خارجي، يطلق عليه "الحافظة" Envelop، ويتركب من البروتين والسكريات والدهون.

ويراوح حجم الفيروسات من 0.01 إلى 0.3 ميكرون. أما أشكالها، فمنها ما هو كروي، مثل: فيروس شلل الأطفال، ومنها ما هو عصوي، مثل: فيروس تبرقش أوراق التبغ، ومنها ما يشبه شكل طلقة الرصاصة، مثل: فيروس مرض الكلب أو السُّعار (أُنظر شكل فيروس مرض السعار)، ومنها ماله ذنب، مثل: فيروسات البكتيريا ومنها الإهليجي[2].

وتصنف الفيروسات، وفقاً لاعتبارات عديدة؛ فيمكن تقسيمها باعتبار نوع الحَمْض النووي الموجود في مادتها الوراثية، أو باعتبار وجود الحافظة من عدمه. كذا يمكن أن تقسم وفقاً لنوعية العائل الذي تتطفل عليه إلى: فيروسات بشرية، وفيروسات حيوانية، وفيروسات نباتية، وفيروسات بكتيرية.

وقد اختلف العلماء في أصل نشأة الفيروسات؛ فمنهم من يرى أنها كائنات ذات أصل بدائي، ذاتية التغذية، ثم لجأت إلى التطفل، نتيجة نضوب الغذاء، أو عدم ملائمة الظروف المحيطة. ومنهم من يرى أنها نشأت من أصل خلوي، ثم تطفلت، ومن ثم لم تحتج إلى وجود عضيات خلوية. أما أحدث النظريات، فترى أن الفيروسات عبارة عن قطع من الحَمْض النووي، تبحث عن خلايا الكائنات الحية المختلفة، ومن ثم كان اختلافها وانقسامها، وفقاً لعوائلها. إلا أن جميع هذه الآراء تظل مجرد تخمينات ليس لها دليل علمي. وتبقى حقيقة نشأة الفيروسات، في النهاية، لغزاً محيراً، يعجز عن حله العلماء.

وتصيب الفيروسات الخلايا الحية، وتسيطر عليها، وتوجهها لإنتاج فيروسات جديدة، في دورة تعرف بدورة عدوى الفيروس. وتبدأ هذه الدورة بالتصاق الفيروس بغشاء الخلية، عن طريق مستقبلات خاصة بالفيروس، توجد على غشاء خلايا العائل. بعد ذلك يقوم الفيروس بإدخال مادته الوراثية في خلايا العائل، بطريق الحقن، بحيث تدخل المادة الوراثية فقط. أما الأغلفة الخاصة بالفيروس فتبقى خارج الخلية.

وعند وصول المادة الوراثية الفيروسية إلى داخل النواة، فإنها تندمج مع المادة الوراثية الخاصة بخلية العائل.

وبعد دمج الحامض النووي للفيروس، في الحامض النووي لخلية العائل، يقوم الحامض النووي للفيروس، بالتحكم، والسيطرة على خلية العائل، وتحويلها إلى مصنع، يقوم بتصنيع المكونات الفيروسية من بروتينات، وأحماض نووية. وبعد تصنيع هذه المكونات، تبدأ مرحلة التجميع والتكوين، حيث تتجمع البروتينات والأحماض النووية، التي تم تصنيعها لتكوين فيروسات جديدة. ثم تخرج الفيروسات الجديدة من الخلية المصابة، لتصيب خلايا أخرى سليمة، وهكذا.

وتختلف أنواع الفيروسات باختلاف تأثيرها، أثناء تكاثرها، على خلية العائل. فبعض الفيروسات لا يؤدي تكاثرها إلى تدمير الخلية، أو الإضرار بها، و تسمى "الفيروسات المعتدلة" Temperate. وبعض آخر يعمل ـ أثناء تكاثره ـ على تدمير الخلية والفتك بها؛ وتسمى "الفيروسات الخبيثة" Virulent. وبعضها يتكاثر ببطء، ويطلق عليها "الفيروسات البطيئة" Slow Viruses. ويعتقد بعض العلماء أن الفيروسات البطيئة، هي المسئولة عن الإصابة بالتصلب المتعدد Multiple sclerosis، وهو مرض يصيب الأعصاب والدماغ والنخاع الشوكي.

وهناك فيروسات أخرى، مثل فيروس الهربس Herpes Virues، يمكن أن يظل خاملاً داخل الخلايا المصابة، لفترات طويلة، قد تمتد لسنوات، ثم ينشط فجأة، مسبباً أعراضاً مرضية خاصة به. وهناك نوع آخر يتميز بمقدرته على إحداث إصابات متجددة، بسبب قدرته على التكاثر المستمر داخل الخلايا، ومن ثم انتقال عدواه إلى خلايا أخرى غير مصابة.

وتسبب الفيروسات عديداً من الأمراض في الإنسان والحيوان والنبات. ففي الإنسان يعد كل من: الجدري، والتهاب الكبد الوبائي الفيروسي، والحمى الصفراء، والسعار، وشلل الأطفال، والأنفلونزا (أُنظر شكل فيروس الإنفلونزا)، من أخطر الأمراض الفيروسية. هذا فضلاً عن مرض الإيدز الذي يعد طاعون العصر الحديث.

ومؤخراً، اكتشف العلماء علاقة بين بعض الفيروسات، وظهور أورام سرطانية في الإنسان. حيث لوحظ ارتباط بين حدوث الإصابة بفيروس الكبد (B)، وظهور سرطان في الكبد.

وفي الحيوان تسبب الفيروسات عديداً من الأمراض. يبرز منها: مرض الحمى القلاعية، في الماشية، والأغنام، والسعار في جميع الحيوانات، وأنفلونزا الخيول.

وغالبية الأمراض الفيروسية التي تصيب الحيوانات من النوع المتخصص، بحيث لا تتعداها إلى الإنسان. إلا أن بعضاً منها يمكن أن يصيب الإنسان كذلك، مثل مرض السعار، الذي يصيب الكلاب، وكل الحيوانات. ويمكن أن ينتقل إلى الإنسان، مدمراً خلاياه العصبية.

وكذا توجد أمراض فيروسية، تتخصص في إصابة النبات، فتسبب خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية. وعلى الرغم من أن خلايا النباتات لها جدران صلبة لا يسهل اختراقها بالفيروس، فإن الحشرات تلعب دوراً هاماً في عدوى النبات بالفيروسات. فالحشرات، أثناء تغذيها على النبات، تدمر بعضاً من الخلايا النباتية، وتمكن الفيروسات من دخولها، وإحداث المرض.

وهناك أنواع أخرى من الفيروسات تصيب البكتيريا. تسمى ملتهمات البكتيريا  Bacteriophages  (أُنظر شكل فيروس ملتهم البكتيريا). والخلية البكتيرية مثل الخلية النباتية، لها جدار خلوي صلب. ولاختراق هذا الجدار تقوم ملتهمات البكتيريا، من خلال محقن موجود فيها، بتثبيت نفسها على الخلية البكتيرية ثم حقن الحامض النووي داخلها لاستكمال دورة حياتها.

2. علاج الأمراض الفيروسية

في أغلب الأمراض الفيروسية، يوجه العلاج غالباً للتحكم في الأعراض الناتجة عن المرض الفيروسي. فالطبيب يصف للمريض دواء للتخفيف من آثار الإصابة بالفيروس، وأبرزها الحرارة المرتفعة، مثل الاسيتومينوفين Acetaminophen، حتى لا يتعرض المريض، لأخطار الارتفاع المستمر لدرجة حرارة الجسم.

وفي كثير من الحالات، لا يمكن علاج الأمراض الفيروسية، عن طريق مهاجمة الفيروس نفسه. ذلك، أن استراتيجية الفيروس في الغزو، تقوم على مهاجمة الخلايا، ودخولها، ثم استيطانها من الداخل، بحيث يتعذر عزله عن الخلية المصابة. ومن ثم تضطر أغلب الأدوية، التي يمكن استخدامها في تدمير الفيروس المهاجم، إلى تدمير خلايا الجسم المصابة معه. على أنه توجد بعض الأدوية التي يمكن استخدامها لفترات محدودة، لمقاومة فيروسات لها خواص معينة، حيث يؤدي استخدامها لفترات طويلة إلى ظهور آثار جانبية أشد خطورة. ومن بين هذه الأدوية التي سمح بتعاطيها: أزيدوفادين Azidovadine، والأدنين أرابينوسويد Adenine Arabinsoide، وأسيكلوفير Acyclovir.

وهناك طريقة أفضل لمقاومة الأمراض الفيروسية، تعتمد على تحصين الجسم، ضد الإصابة بالمرض الفيروسي؛ فالتحصين يعطي للجسم إمكانية تكوين أجسام مناعية ضد هذا الفيروس. الأمر الذي يمنح الجسم مناعة ضد الغزو بهذا الفيروس أو الإصابة به.

كما يقوم العلماء باستخدام البكتيريا المهندسة وراثياً لإنتاج مادة الإنترفيرون Interferon المستخدمة في مقاومة العدوى بالفيروسات، وتسمى هذه التقنية بـ"اتحاد الحمض النووي د ن أ" Recombinant DNA.

وعلى الرغم من الأمراض الفتاكة التي تسببها الفيروسات، فقد وجد العلماء أن الفيروسات، بقدر ما هي ضارة، يمكن توظيفها إيجابياً؛ فبعض الفيروسات تسبب أمراضاً قاتلة للحشرات. ويعكف العلماء على دراسة هذه الفيروسات، باستفاضة، لاستخدامها في التحكم في الحشرات، التي تهاجم المحاصيل الزراعية، وتعمل على إتلافها.

والفيروسات مجال خصب للدراسة والبحث العلمي؛ إذ تساعد العلماء على تكوين صورة متكاملة عن الحياة فوق الأرض. كذلك أدت دراسة ملتهمات البكتيريا إلى تكوين صورة شبه متكاملة عن الجينات، والمادة الوراثية، وتركيب الرئيسي للخلية.

كذا أمكن استخدام الفيروسات في تحضير اللقاحات والتحصينات، ضد عديدٍ من الأمراض الفيروسية. فاللقاح غالباً ما يتم تحضيره من فيروس ميت أو حي. فأما الفيروس الميت، فيتم قتله بالمواد الكيميائية، وأما الفيروس الحي، فيتم اختيار سلالة ضعيفة منه غير قادرة على إحداث المرض، ثم تحقن داخل الجسم، لتحفيزه على إفراز المواد المضادة للفيروس المسبب للمرض.

ثالثاً: الفُطْريات Fungi

تعد الفُطْريات من أكثر الكائنات الدقيقة شيوعاً، واستخداماً، في حياتنا اليومية. وقد لا يعرف كثير من الناس تصنيفها أو اسمها العلمي، بيد أنهم ـ مؤكداً ـ يتعاملون معها، ويستخدمونها في أكثر أغذيتهم استهلاكاً؛ فالخميرة (أُنظر شكل فطر الخميرة (Yeast))، مثلاً، من الفُطْريات التي تستخدم في عمل الخبز والفطائر ونحوهما. كذا تدخل في صناعة البيرة، وغيرها من الخمور. وقد ظل الإنسان، لآماد طويلة، يستخدم الخميرة على هذا النحو، من دون أن يعرف ـ على وجه التحديد ـ الدور الذي تقوم به في هذه الصناعات. إلى أن جاء العالم الفرنسي الشهير لويس باستير Louis Pasteur في عام 1680، فأثبت أن خلايا الخميرة، هي المسؤولة عن التخمر اللازم لصناعة الخبز والخمور. كذلك هناك أنواع من الفُطْريات يستخدمها الإنسان غذاءً مباشراً له، مثل: فطر عيش الغراب، الذي يقدم في الوجبات الغذائية، في صور وأشكال مختلفة. ويوصى بتناوله، لاحتوائه على فوائد غذائية جمة. وهناك أنواع تستخدم في إنتاج عديد من المضادات الحيوية. وهكذا نجد أنفسنا قريبين جداً من هذه الكائنات الدقيقة البسيطة، من دون أن يثير ذلك فضولنا.

والفُطْريات كائنات حية دقيقة. كانت تصنف قديما ضمن المملكة النباتية، إلا أنه ـ وبسبب خلوها من الكلوروفيل[3] ـ اتجه حديثاً إلى تصنيفها، في مملكة خاصة بها، سميت "مملكة الفطريات". وتعيش الفُطْريات غالباً في كل مكان، على الأرض، أو في الماء، غير أنها لا تستطيع أن تصنع غذاءها ذاتيا؛ إذ تخلو ـ كما سبق ـ من الكلوروفيل، ومن ثم تلجأ، للحصول على غذائها، إلى البيئة المحيطة بها، فتقوم بإفراز الإنزيمات الهاضمة لتحويل المواد العضوية المعقدة إلى مواد بسيطة تستطيع امتصاصها واستخدامها.

وتحصل الفُطْريات على غذائها إما بالتطفل على الكائنات الحية الأخرى، مثل: النباتات، والحيوانات، وإما بالترمم؛ حيث تتغذى على الجيف، فتحصل على غذائها من المواد العضوية المتحللة. وتُوجد أنواع أخرى من الفُطْريات، التي تعيش مع كائنات أخرى، في علاقة تعايشية نفعية  Symbiosis، حيث يستفيد كلا الكائنين من هذه العلاقة. فبعض الفُطْريات تعيش على جذور النباتات في علاقة نفعية، إذ يقوم الفُطْر بإمداد النبات بالماء، والأملاح الهامة، مثل: الفسفور، والبوتاسيوم، والحديد، والنحاس، والزنك، ويحصل منه، في مقابل ذلك، على المواد الكربوهيدراتية. ومعظم الأشجار والحشائش لها علاقات نفعية مع الفُطْريات.

وتختلف الفُطْريات تبعاً لأحجامها؛ فهناك الفُطْريات الصغيرة جداً، بحيث لا يمكن رؤيتها، إلا تحت المجهر، مثل فطر الخميرة، والفُطْريات وحيدة الخلايا. وفي هذه الحالة، يتكون جسم الفُطْر من خلية واحدة شبه مستديرة، كما في حالة فطر الخميرة.

وهناك أنواع أخرى ـ وهي الغالبة ـ تكون متعددة الخلايا، ويمكن رؤيتها بالعين المجردة، مثل: فطر عفن الخبز، وفطر عيش الغراب (أُنظر صورة عيش الغراب)، وفطر صدأ النباتات. وتتكون هذه الفُطْريات من خيوط رفيعة متعددة الخلايا، تسمى الهيفا Hypha. وتتجمع هذه الخيوط، في تشكيل غَزْلِي، يطلق عليه "الغَزْل الفطري" Mycelium، ويقسم كل منها ـ من خلال حواجز ـ إلى خلايا، تحتوي كل منها على نواة واحدة. ويطلق على هذا الخيط اسم "الخيط الفطري المقسم" Septated Hypha. وينطبق هذا الوصف على فطر البنسيليوم. أما فطر عفن الخبز فيخلو، خيطه الفطري من هذه الحواجز.

وفي بعض الأحيان ينمو الغزل الفُطْري، تحت سطح المواد، التي يتغذى عليها الفطر، كما في حالة فطر عيش الغراب Mushroom. في حين يظهر الجسم المستدير، الذي يمثل الجسم الثمري لعيش الغراب، فوق السطح، ثم يقوم الجسم الثمري بإنتاج جرثومات تنمو من جديد مكونة غزلاً فطرياً... وهكذا دواليك.

وتتكاثر الفُطْريات بسرعة، عن طريق التبرعم، وذلك، على نحو ما يحدث في فطر الخميرة. ففي التبرعم ينمو جزء من جدار خلية الخميرة، ليكون جذراً نامياً صغيراً، يسمى "البرعم"، ثم ينفصل مكوناً خلية مستقلة. وقد يصل عدد البراعم المتكونة، في بعض أنواع الخمائر، في وقت واحد، إلى 24 برعماً، تنفصل مكونةً خلايا صغيرة.

إلا أن معظم أنواع الفُطْريات تتكاثر، عن طريق تكوين الجراثيم Spores. من خلال اتحاد الأمشاج، أو الخلايا الجنسية Gametes، وتسمى "الجراثيم الجنسية". غير أن هناك جراثيم لا جنسية، تتخلق من دون اتحاد الأمشاج. ويتسبب هذان النوعان من الجراثيم في إنتاج عديد من الفطريات. وتوجد الجراثيم، عامة، داخل أجزاء دقيقة، تسمى "الأكياس البْوغِيّة" أو "الأكياس الجرثومية" Sporangia. وفي بعض أنواع الفطريات، مثل العفن الأسود للخبز، توجد الأكياس الجرثومية Sporangia، على رأس الغّزل العمودي، ويطلق عليها "حافظة الأكياس الجرثومية" Sporangiophora  (أُنظر شكل فطر عفن الخبز الأسود). وتقوم الرياح، والماء، والحيوانات أحياناً، بحمل هذه الجراثيم، إلى أماكن أخرى، حتى إذا صادفت بيئة ملائمة، ووسطاً صالحاً للنمو، أخذت في الإنبات.

والفُطْريات منها ما هو ضار، ومنها ما هو نافع، فيوجد حوالي 100 نوع من بين 100 ألف من الفُطْريات المعروفة، يمكن أن تسبب أمراضاً للإنسان أو الحيوان، في حين تكثر هذه الإصابات فـي النباتات، حيث تعد بالآلاف. فمثال الفطريات، التي تصيب الإنسان، ما يسمى بـ"القوباء الحلقية" Ringworm، التي تصيب الجلد فتغير لونه، وأحيانا تصيب ما بين أصابع القدمين، وتسبب تآكلاً ورائحة كريهة، مثل مرض قدم الرياضي Athlete's foot. وأحياناً تصيب منطقة الرأس، فتؤدي إلى تساقط شعر المنطقة المصابة.

وتصيب الفُطْريات الحيوان، مسببة عديداً من الأمراض الجلدية والتنفسية. أما النباتات، فتعد بيئة خصبة للفطريات الممرضة، إذ تعمل هذه الفُطْريات على إتلاف النباتات والمحاصيل الزراعية مسببة خسائر اقتصادية فادحة. كما تُوجد بعض أنواع سامة من عيش الغراب، يمكن أن تسبب التسمم والوفاة إذا ما تناولها الإنسان أو الحيوان.

وهناك أنواع من الفُطْريات تعيش في الجسم، من دون أن تسبب أضراراً تذكر، إلا أنها ـ نتيجة لظروف خاصة ـ يمكن أن تنشط وتنمو سريعاً، مسببة عديداً من الأمراض الفطرية، مثل فطر الكانديدا Candida، الذي يوجد بصورة طبيعية في مهبل المرأة، لكنه ـ لظروف معينة ـ يمكن أن يسبب ما يسمى بـ"التهاب المهبل الفطري". وهذا الفُطْر هو نفسه الذي يصيب الفم والحلق. مسبباً التهابات تظهر في صورة قروح بيضاء، ويسمى "القلاع" Thrush.

وهناك أنواع من الفُطْريات تصيب الجسم، من داخله. مسببة أمراضاً خطيرة، مثل: الهستوبلازما، والبلاستوميسز، والكانديدا. وتقوم هذه الفُطْريات ـ في حالة انخفاض مناعة الجسم ـ بمهاجمة الرئة، مسببة التهاباً رئوياً. وتكثر الإصابة بهذه الفطريات، في حالات مرضى الإيدز.

وهناك نوع من الفطريات، يقوم بإفراز سمومه، على أماكن نموه، مثل: فطر الأسبرجلس فلافس Aspregellus flavus، الذي ينمو على الحبوب والمحاصيل البقولية، مثل: الذرة، والقمح، والفول السوداني، في حالة ارتفاع درجة الحرارة أو الرطوبة، مفرزاً كمية كبيرة من السموم، على هذه الحبوب. وقد يؤدي تناول هذه الحبوب إلى الإصابة بسرطان الكبد. كما أن هناك سموماً فطرية أخرى، تصيب الكليتين مسببة الفشل الكُلوي

وعلى الجانب الآخر، هناك الفُطْريات النافعة، التي مثلنا لها بفطر عيش الغراب، الذي يتميز بمذاقه المستطاب. وكذلك، فطر الخميرة الذي يدخل في صناعات عديدة، ويعد مصدراً هاماً لمجموعة فيتامينات (B)، فيستخدم على هيئة أقراص، أو إضافات غذائية، أو يؤكل أحياناً مع الطعام. كما أن هناك عديداً من المضادات الحيوية، تصنعها الفطريات، مثل: البنسلين، والسيفالوسبورين، والجريسوفولفين.

وهناك فطريات تقوم بإنتاج الهرمونات، مثل فطر الجبرلا، الذي ينتج هرمون الجبرلين، المستخدم في الزراعة، لإطالة النباتات.

رابعاً: الطفيليات

الطفيليات هي كائنات تعيش عالة على الكائنات الأعلى منها في الرتبة، حيث تقوم بالتطفل عليها، وانتزاع غذائها منها، فتستخدمه لإنتاج الطاقة، في حين تخرج فضلاتها في جسم الكائنات العائلة. وللطفيليات تأثيرات متعددة على العائل تتفاوت في ضررها.

فعلى سبيل المثال، هناك بعض أنواع الأميبا تعيش في أمعاء الإنسان، وتتغذى على أجزاء من فضلات الطعام، من دون أن تسبب ضرراً بالعائل. في حين نجد البلازموديوم، وهو من الطفيليات، تتطفل على دم الإنسان مسببة مرضاً في غاية الخطورة، يسمى "الملاريا". كذلك توجد أنواع من الأميبا تصيب الجهاز الهضمي للإنسان، وتتطفل على خلايا الأمعاء، وتدمرها، مسببة الدوسنتاريا الأميبية.

وهناك أنواع من الطفيليات تتطفل على دم بعض الحيوانات، مسببة عديداً من الأمراض، مثل حمى أبقار تكساس Texas Cattle Fever. وغالباً ما تكون وسيلة العدوى، بهذه الطفيليات الأولية، طفيليات أخرى من كائنات أرقى رتبة، وتكون ماصة للدماء، مثل القرادTicks ، الذي ينقل العدوى من الحيوانات المصابة إلى الحيوانات السليمة.

كما أن هناك أنواعاً من الديدان، بعضها مفلطح الشكل "الديدان المفلطحة" Flat Worms، وبعضها الآخر أسطواني الشكل "الديدان الأسطوانية" Round Worms، تصيب العائل، وقد تودي بحياته.

وتقسم الديدان المفلطحة إلى نوعين، هما: المثقبات Trematodes أو Flukes، والشريطيات أو الديدان الشريطية Cestodes. وغالباً ما تعيش المثقبات في المعدة والأمعاء، وفي بعض الأحيان، في الكبد مسببة أمراضاً عديدة، في حين تعيش الديدان الشريطية في الأمعاء، حيث تتعلق بجدارها بخطاطيف، وتتغذى عن طريق امتصاص الغذاء المهضوم (أُنظر شكل الدودة الشريطية) و(شكل رأس الدودة الشريطية).

وتعد الديدان الأسطوانية أكثر خطورة من الديدان الشريطية، إذ تتعلق بجدار الأمعاء وتتغذى على دم العائل، مثل الدودة الدبوسية Pin worm (أُنظر شكل الديدان الاسطوانية)، والدودة الخطافية Hook Worm (أُنظر شكل الدودة الخطافية)، وديدان الأسكارس (أُنظر صورة دودة الأسكارس). غير أن هناك بعض الديدان الأسطوانية، قد تصيب أعضاء وأنسجة الجسم الأخرى مسببة أعراضاً وأمراضاً بحسب العضو المصاب.

فدودة الفلاريا Filaria، تصيب الأوعية الليمفاوية مسببة مرض الخيطيات Filariasis، أو الفُيَال Elephantiasis، وهو مرض يتميز بتضخم هائل في عضو من أعضاء الجسم، نتيجة انسداد الأوعية الليمفاوية التي ينصرف فيها سوائل الجسم.

أما دودة الترايكنيلا Trichinella (أُنظر شكل دودة الترايكنيلا)، فهي غالباً ما تنشأ عن تناول لحوم الخنزير المصابة بالطور المعدي للدودة. وتصيب الدودة الأنسجة العضلية مسببة داء الشعرية أو التِّرخينة Trichinosis، وهو مرض يتميز بآلام في العضلات وحمى وضعف عام.

كما توجد طفيليات أخرى تصيب الجلد، مثل: القمل Lice (أُنظر شكل قمل الرأس)، والقراد Ticks (أُنظر صورة القراد)، والبعوض Mosquitoes (أُنظر صورة بعوضة على جلد إنسان)، حيث تقوم هذه الطفيليات، بلدغ جسم العائل، وامتصاص دمه. إلا أن الأمراض التي يمكن أن تنقلها هذه الطفيليات، أشد بكثير من الآلام التي تسببها لدغاتها. فبعض أنواع القراد يقوم بنقل  مرض حمى جبال روكي المبقعة Rocky Mountain Spotted Fever. كما يقوم البعوض بنقل أمراض الملاريا، والحمى الصفراء. أما ذبابة التسي تسي Tse Tse Fly، فتنقل مرض النوم.

والحشرات المتطفلة والقُراد والقُمَّل غالباً ما تكون متطفلة في فترة معينة أثناء دورة حياتها، فعلى سبيل المثال فإن البرغوث البالغ هو الذي يتطفل فقط في حين لا يكون كذلك بقية أطواره.



[1] الميكرون يساوي 1/1000 من الملليمتر .

[2] قريب من الشكل البيضاوي.

[3] الصبغة الخضراء الموجودة في النباتات الخضراء، وتمكنها من صناعة غذائها من المواد العضوية.