إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات صحية وغذائية / الموسوعة الصحية المصغرة / الإدمان، المخدرات، والمسكرات، والدخان، من وجهة النظر الطبية









الأضرار الصحية للمخدرات

المبحث الثاني

تصنيف العقاقير النفسية وآثارها على الصحة

أولاً: مثبطات الجهاز العصبي CNS Depressants

وهي تشمل مجموعة كبيرة من العقاقير الطبيعية والتخليقية، وتشترك جميعها في تأثيرها المثبط (المهبط) لوظيفة الجهاز العصبي ومنها

1. الكحول (الخمور ـ المسكرات) Alcohol

وهو من أقدم المواد النفسية التي استخدمها الإنسان، ومن أكثرها انتشارا،ً ورغم تنوعها وكثرة مسمياتها، إلا أنها تشترك جميعها في كون العنصر الأساسي والمادة الفعالة منها هي الكحول الإيثيلي Ethyl Alcohol. وتختلف الخمور فيما بينها باختلاف تركيز هذه المادة في كل منها وكذلك فيما يضاف إليها من مواد أخرى، لإعطائها نكهة معينة، أو طعم خاص.

وهناك أنواع أخرى من الكحول، منها الكحول الميثيلي Methyl Alcohol والذي يوجد في بعض الخمور الرخيصة والتي يتم تحضيرها في الخفاء. ويتميز هذا النوع بسموميته خصوصاً، على العصب البصري Optic Nerve.

والكحول الإيثيلي سريع الامتصاص عن طريق الغشاء المخاطي للجهاز الهضمي حيث يصل إلى الدم وينتشر في أنسجة الجسم، خصوصاً الجهاز العصبي، بسرعة.

ويقوم الكبد بتحويل الكحول الإيثيلي إلى مادة تسمى اسيتالدهيد Acetaldehyde وهو بدوره، مادة سامة إذا ما تجمعت بالجسم، وتتم أكسدتها في الكبد، وفي بعض الأنسجة الأخرى إلى حمض الخل Acetic Acid، الذي يدخل في دورة كريبس، حيث يتحول في النهاية إلى ثاني أكسيد الكربون والماء وطاقة.

ويقوم الكبد باستقلاب 90 ـ 95 % من الكحول، والنسبة الباقية يتخلص منها الجسم عن طريق الكلى والرئتين والجلد.

أ. هل للكحول فوائد طبية؟

يستخدم الكحول الإيثيلي في المجال الطبي كمادة مطهرة، نظراً لقدرته على قتل الميكروبات Bactericidal Effect، فيستخدم لتطهير الجلد عند الحقن، وكذلك لتعقيم بعض الآلات الجراحية، وأجهزة قياس الحرارة. كما يستخدم كمذيب عام في بعض الأدوية. ويستخدم بكثرة في أدوات التجميل والعطور.

وقد كان في الماضي يستخدم لعلاج حالات التسمم بالكحول الميثيلي، وحالات الولادة المبكرة حيث أنه يثبط تقلصات عضلة الرحم، ولكن حل محله أدوية أخرى.

ب. تأثير الكحول على أجهزة الجسم

يكاد الكحول أن يصيب جميع أعضاء الجسم بشيء من التلف أو الضرر.

ج. تأثير الكحول على الجهاز العصبي

يعتبر الكحول مادة مثبطة لوظائف الجهاز العصبي، ومع استمرار تعاطيه، والإدمان عليه تحدث تغيرات باثولوجية (مرضية) في أنسجة المخ، يمكن إرجاعها إلى الأسباب التالية

(1) التأثير السمي المباشر للكحول أو الاسيتالدهايد على الخلايا ومكوناتها.

(2) انقباض الأوعية الدموية، ونقص التروية الدموية للمخ، فقد وجد أن الكحول الموجود في كأس من كؤوس الكوكتيل يكون كافياً لكي تنقبض الأوعية الدموية بالمخ، فينخفض تدفق الدم، مؤدياً إلى نقص الأكسجين، ومسبباً خللاً في وظائف المخ. وقد يكون هذا سبباً في هبوط القدرة الحيوية، وغياب الوعي، وربما الموت.

(3) زيادة نسبة الدهون في الدم وترسبها في جدر الأوعية الدموية مسبباً تصلب الشرايين.

(4) تأثير الكحول على الصفائح الدموية وزيادة عددها وخاصية الالتصاق مما يؤدي، فضلاً إلى تصلب الشرايين، إلى تكون جلطات دموية، وموت أجزاء من المخ، أو حدوث نزيف في المخ، وما يتبع ذلك من آثار مرضية مثل الشلل.

(5) تأثير الكحول على غشاء الخلية فيعطل عمل مضخة الصوديوم/ البوتاسيوم، ويؤثر على الجهد الكهربائي عبر الغشاء، خصوصاً منطقة المشبك، فيمنع عبور الإشارات، ويؤدي إلى تثبيط عمل الخلايا المخية.

(6) هبوط مستوى السكر في الدم، خصوصاً مع تناول أدوية السكر.

(7) نقص بعض المواد الغذائية خصوصاً البروتينات والفيتامينات مثل فيتامين ب1، ب6، ب12، وحمض الفوليك.

(8) ارتفاع معدل الكورتيزول والكاتيكولامين، مؤدياً إلى ارتفاع ضغط الدم.

(9) كثرة الحوادث، مثل حوادث المرور، والسقوط، وما يصاحبها من إصابات في الجمجمة ونزيف بداخلها.

أما التغيرات الباثولوجية والأعراض المرضية فهي كالآتي:

ضمور المخ، خصوصاً القشرة المخية Cerebral Cortical Atrophy

ويحوي المخ حوالي 20 ألف مليون خلية، إذا ماتت إحداها فلا سبيل إلى تعويضها أو استبدالها، وإن كأساً واحداً من الكحول تؤدي إلى موت بعض الخلايا، والضرر الذي يصيب الخلايا العصبية، يبدأ عندما يبدأ الشارب كأسه الأولى للمرة الأولى، وليس في آخر أدوار الإدمان، ويتزايد مع كل كأس يشربها.

وقد أظهرت دراسة لقياسات المخ بالأشعة المقطعية Computarized Axial Tomography أن حجم المخ يتناقص بدرجات متفاوتة، وذلك لموت كثير من الخلايا، وأن أكثر الأجزاء موتاً، كانت هي الخلايا المتحكمة في التفكير والإرادة والمنطق.

كذلك أثبت التخطيط الدماغي (E.E.G)، أن الكحول يؤدي إلى تغير في بعض الموجات القصيرة في دماغ المدمن، بما يشبه ما يحدث عند المتقدمين في السن، ولذلك تسمي هذه الحالات، بالشيخوخة المبكرة.

وقد لوحظ أن أكثر أجزاء المخ تأثراً، هو الجزء الأمامي من الناصية، وهو منطقة القدرات الرفيعة على الحكم والملاحظة والانتباه، أي الخصائص التي يحصل عليها الإنسان بالتربية والتعليم. كما أن الكفاءة العقلية والبدنية، تنخفض بمجرد شرب الكحول، مهما كانت ضآلة الكمية المتعاطاة، حتى لو كان الشخص متعوداً على الشراب. كما تؤثر على الإبصار والسمع والشم والتذوق وغير ذلك من الأحاسيس.

كما قد يكون تأثير الكحول مباشراً على منطقة التكوين الشبكي، والتي تؤثر بدورها على وظائف أخرى في المخ.

وقد أثبتت الأبحاث أن الكحول، بجرعات صغيرة يعطل وظائف القشرة المخية. ومع الجرعات الكبيرة، قد يؤدي إلى هبوط وظيفة المراكز الحيوية في النخاع المستطيل مثل مراكز التنفس، والدورة الدموية، وغيرهما. ويتناسب التأثير طردياً مع نسبة الكحول في الدم.

ومع تثبيط وظيفة القشرة المخية، يتحرر المتعاطي من تلك الوظيفة المانعة الرادعة لتلك المنطقة، وتظهر الآثار المنبهة للكحول، وتضعف مراكز الحكم وتتراجع، وتضعف القدرة على تمركز الأفكار وتنكمش الذاكرة القريبة، وتشوش النظرة للأمور وتنعدم الضوابط الأخلاقية والاجتماعية، فينطلق الشخص في حياة بهيمية لا تتناسب مع ثقافته أو مستواه الاجتماعي.

وكذلك يكثر الهياج، ويفقد الشخص القدرة على أداء الأعمال الدقيقة وتختل لديه الموازين الزمنية والمكانية، فتصبح قيادة السيارات خطراً. وبعد تأثر المراكز العليا بالدماغ وكبتها، ومع استمرار الشرب، يمتد هذا الكبت إلى مناطق عميقة تحت القشرة، ثم إلى جذع الدماغ ومناطق أخرى من المخ، فتتلاشى تدريجياً، القدرة على التنسيق الحركي والنطق والرؤية وحالة الوعي. وآخر المناطق تأثراً هي المراكز الحيوية في النخاع المستطيل وهي مراكز التنفس والتحكم في ضربات القلب.

ومع الوصول إلى درجة الإدمان تحدث تغييرات عميقة في شخصية المدمن وأخلاقه، حيث يصبح مهملاً، أنانياً، متقلب المزاج، تتقلب حالته النفسية بسرعة بين الهياج والبكاء والفرح دون ما سبب واضح. ويصاب بنوبات من الرعب والكآبة والقلق. ويهبط مستوى أدائه في عمله، ويفقد إحساسه بالمسؤولية في البيت والعمل، وقد يلجأ إلى تصرفات انتحارية.

د. المخيخ وأثر الكحول عليه Cerebellum

والمخيخ (Cerebellum) هو مركز تنسيق الحركات (Coordination)، حيث يعطي الأوامر لكل عضلة، فتنقبض وتنبسط بقدر، لا يزيد ولا ينقص، فتصبح الحركات سلسة ومتناسقة، وهادفة، وتتعاون العضلات لأداء أدق الحركات وأصعبها بمهارة فائقة، تحت سيطرة هذا الجزء من المخ.

وهو أيضاً يشارك الجهاز الدهليزي Vestibular System في حفظ الاتزان، وقدرة الشخص على الثبات في الوقوف والحركة Steadiness وتشير الإحصائيات إلى أن 27% من مدمني الخمر يصابون بضمور في المخيخ وتحت تأثير الكحول ـ تضطرب وظائف هذا الجزء فتؤدي إلى أعراض مميزة من أهمها:

(1) يصبح الشخص غير ثابت ومترنحاً في مشيته unsteady gait وعرضه للسقوط.

(2) التخلج المخيخي Cerebellar Ataxia حيث يسير الشخص مفرجاُ بين رجليه كي يحافظ على توازنه، ويحفظ نفسه من السقوط.

(3) اهتزاز سريع في مقلة العين Nystagmus

(4) رعشة في اليدين Tremor

(5) يصبح كلامه متلعثماً Slurred speech أو متقطعاً Staccatto Speech

هـ. تحلل نخاع القنطرة الوسطى Central Pontine Myelinosis

وهو مرض نادر الحدوث ولم يوصف في غير المدمنين وفيه يصاب المدمن بصعوبة في الكلام قد تصل إلى فقد النطق، وكذلك تصاب أطرافه الأربعة بالشلل. وتحدث الوفاة غالباً في 75% من الحالات خلال شهر من بدء الإصابة.

و. اعتلال الدماغ الكبدي Hepatic Encephalopathy

مع تليف الكبد، وفشلها في أداء وظيفتها الهامة، وهي تخليص الجسم من المواد السامة تجد تلك المواد طريقها من الدورة البابية Hepatic Portal System إلى الدورة الدموية العامة ومنها إلى المخ والجهاز العصبي، ويعتقد أن أهم هذه المواد المؤثرة هي الأمونيا (النشادر). وتحدث نوبات متكررة من عدم التركيز وتشوش الوعي والغيبوبة. وتصاحبها أعراض أخرى مختلفة.

ز. داء مارشيا فافا ـ بيجنامي Marchiafava – Bignami Syndrome

وقد اكتشف هذا المرض في إيطاليا، حيث مناطق النبيذ الأحمر. ومن أهم أعراضه التلعثم في الكلام، والترنح في المشية، والصرع، وضعف الوعي. ويفقد المريض كثيراً من قدراته العقلية، وينتابه شعور بالخوف. وقد يحدث شلل بالأطراف وفي الحالات المتقدمة قد يحدث نوع من الذهان (الجنون).

وعند تشريح مخ هؤلاء المرضى بعد وفاتهم، لوحظ تحلل واسع الانتشار في الغلاف الدهنيMyeline Sheath الذي يحيط بالأعصاب Demyelination ـ خصوصاً في منطقة الجسم الثفني Corpus Callosum وجذع المخيخ Cerebellar Peduncle والمحور البصري optict rac وأجزاء أخرى من المخ.

ح. داء فيرئيكيه Wernicke’s Encephalopathy

ويحدث هذا المرض نتيجة نقص فيتامين ب1 (B1 – Thiamine) الناتج من سوء التغذية وضعف الامتصاص، كما أن الكحول يمنع تحويله إلى فيتامين نشط (ثيامين فوسفات) فيؤدي ذلك إلى عدم توفره بصورة فعالة. وتكون الإصابة في المخ الأوسط (Midbrain)، خصوصاً، في منطقة خروج العصب المخي الثالث والرابع المغذيان لعضلات العينين، فيحدث شلل في تلك العضلات، كما أن هذه المنطقة مسؤولة عن اليقظة، فيصاب المريض بالخمول، والبلادة، والنوم، وتشوش الوعي، ويترنح في مشيته، مع اعتلال في الأعصاب الطرفية، وهبوط في درجة حرارة الجسم في الحالات الشديدة.

ط. ذهان كورساكوف

وهو يظهر بعد إصابة المدمن بنوبات من داء فيرنيكبة أو بعد الهذيان الارتعاشي (Delirium Tremens). ومن أعراضه فقدان الذاكرة القريبة اللارجعي، مع الاحتفاظ بوظائف الإدراك الأخرى، وقد يصاحبه اعتلال في الأعصاب الطرفية. ويقوم بعض المرضى بتحوير وتزييف الوقائع لملء فراغ الذاكرة. وتصاب فيه الأجسام التوأمية وبعض مناطق المخ المتوسط بنزيف وتليف في الخلايا.

ي. اضطراب الذاكرة

حيث أثبتت الأبحاث أن تناول كأسين أو ثلاثة تؤثر على تذكر الأحداث القريبة التي يمر بها الشارب. كما تشير الإحصائيات إلى أن 30 % ممن يتعاطون الخمور في الحفلات، يستيقظون في اليوم التالي فاقدي الذاكرة تماماً فيما يتعلق بأحداث تلك الليلة.

ك. الغمش التبغي الكحولي Tobacco – Alcohol Amblyopia

وهو نقص تدريجي في حدة الإبصار مع فقدان القدرة على تمييز الألوان (عمى الألوان) وينتج عن نقص فيتامينات ب1 (B1)، ب12 (B12)، بالإضافة إلى الأثر السام لمادة السيانيد الناتجة من التدخين، والتي تؤدي إلى تحلل المادة الدهنية المغلقة للعصب البصري Optic Nerve.

ل. شلل ليلة السبت Saturday Night paralysis

وسمي كذلك لأنه يحدث صباح السبت، حيث يكثر الشخص الشراب ليلة السبت، ويصيبه السكر فيلقي بجسده وينام على كرسي، في وضع غير طبيعي، يضغط فيه على العصب الكعبري Radial Nerve فيستيقظ في الصباح وهو يعاني من شلل في العضلات الباسطة لليد.

م. اعتلال الأعصاب الطرفية (Peripheral Neuropathy)

وذلك للأثر السمي المباشر للكحول، وكذلك نقص الفيتامينات، خصوصاً فيتامين ب1 ، ب6 ، ب12 ، مما يؤدي إلى تحلل محاور الأعصاب الطرفية Axial Degeneration وبذلك تضطرب وظيفتها في نقل الأحاسيس مثل الإحساس بالبرودة والحرارة والألم. وقد يشعر المريض بتنميل في أطرافه (Paraesthesiae) وقد يصحب ذلك ضعف في العضلات الإرادية.

وقد تتأثر الأعصاب الحقفية (الخارجة من الجمجمة) ـ خصوصاً تلك المغذية لعضلات العين. وأيضاً، قد تتأثر الأعصاب اللاإرادية ومنها تلك التي تنظم حركة القلب والأوعية الدموية فيحدث خلل في نظم القلب مع خفقان، وهبوط في ضغط الدم عند تغيير الحركة من الرقود إلى الوقوف. وكذلك الأعصاب المنظمة لحركة الجهاز الهضمي وإفرازاته، فتؤدي إلى إسهال وإمساك مع عسر الهضم. أما أعصاب الجهاز التناسلي فإن إصابتها تؤدي إلى العنة وفقد القدرة على الانتصاب.

ن. التسمم الكحولي الحاد (Acute Alcoholism)

وهو نادر الحدوث في البالغين، ولكن عكس ذلك في الأطفال. وقد وجد أن 25 % من جميع حالات التسمم في بريطانيا كانت بسبب الخمور.

س. الجهاز الحركي والكحول

العضلات: تظهر أضرار الكحول على العضلات في عدة صور منها:

(1) ضعف محدود أو واسع الانتشار في عضلات الجسم، ويصحبه ألم، وتورم وقد يكون الورم شديداً لدرجة حدوث نخر في ألياف العضلة (Necrosi)، ومن ثم ارتفاع نسبة خضاب العضلات (Myoglobin) في الدم، وقد يترسب في أنابيب الكلى مسبباً انسدادها وقد يحدث فشل كلوي، وارتفاع في نسبة البوتاسيوم في الدم، بما له من أضرار على القلب.

(2) التهاب العضلات الحاد Acute Alcoholic Myopatly ، وقد يظهر في صورة ضعف عام، وهو يحدث بسبب فقد البوتاسيوم والماغنيسيوم، نتيجة القيء والإسهال. وارتفاع معدل هرمون الالدوستيرون (Aldosterone).

(3) ألم وتقلصات في العضلات (Cramps) ينشأ مع المجهود العضلي. وقد يكون ناتجاً عن نقص الإنزيمات اللازمة للاستقلاب في العضلات (Phosphorylase Activity)

(4) يكثر بين المدمنين حدوث ضعف في العضلات المحورية (Proximal Muscle Weakness) وقد يصاحبه ضمور في حجم العضلات (Wasting)، وقد ينتج هذا بسبب التأثير المباشر للكحول، أو زيادة الكورتيزول، أو سوء التغذية حيث يتحسن مع العلاج بالأغذية الخالية من الكحول.

ع. الكحول والجهاز الهضمي Alcohol and Gastro- Intestinal Tract

جاء في بحث مقدم إلى المؤتمر الأوروبي لأمراض الجهاز الهضمي في هولندا سنة 1991 أن الكبد هي أكثر أعضاء الجهاز الهضمي تأثراً بالكحول، حيث يصيبه التلف. بيد أن الكحول لا يترك عضواً من الجهاز الهضمي إلا أصابه بالضرر.

ومن أكثر الأعراض انتشاراً الغثيان والقيء والإسهال، خصوصاً في الصباح، بسبب تهيج أغشية الجهاز الهضمي. وتتأثر أعضاء الجهاز الهضمي كالآتي:

(1) الفم

ويصاب بعدد من الأمراض مثل الالتهابات والتقرحات وذلك لعدة أسباب: منها إهمال نظافة الفم وضعف المناعة مما يشجع الميكروبات، وبعضها يعيش بصورة سلمية، على مهاجمة أغشية الفم وإصابتها، وقد تصل إلى درجة كبيرة من الشدة. وكذلك نقص الفيتامينات وأهمها النياسين (Niacine)، والريبوفلافين (Riboflavine) ، وقد يؤدي ذلك إلى التهاب اللسان (glossitis)، وتشقق زوايا الفم (AngularStomatitis)، وكذلك تشقق الشفتين (Chelosis) وقد يتكرر ظهور قرح مؤلمة باللسان والفم وتسمى بالقرح القلاعية (Aphthus Ulcers) وتؤدي إلى صعوبة في البلع.

أما نقص فيتامين ج (C) فيؤدي إلى تورم اللثة مع نزف متكرر منها.

وعند ترافق التدخين مع الإدمان، كثيراً ما تظهر بقع بيضاء باللسان واللثة وأجزاء أخرى من الفم وتسمى ليكوبلاكيا Leukoplakia ، ويتحول حوالي 5 % منها إلى سرطان وقد تصاب اللوزتان بالسرطان.

هذا بالإضافة إلى ظهور أعراض بالفم، للإصابة بمرض الزهري Syphilis نتيجة الانحراف الجنسي للمدمن.

أما الأسنان فيصيبها تسوس عنق الأسنان (Cervical Caries)، وطحن الأسنان ومن ثم تآكلها – (Dental Attriction) كما وتصبح الأسنان رخوة نتيجة نقص المواد الغذائية، خصوصاً الفيتامينات. وتصاب بتسوس الأسنان (Dental Caries) أما الغدد اللعابية، فكثيراً ما تصاب بالإلتهابات وبخاصة الغدة النكافية Parotitis ويؤدي ذلك إلى نقص كمية اللعاب وتغير في تركيبه.

(2) البلعوم (Pharynx)

ومن أهم أمراضه الالتهاب البلعومي المنتن (Septic Pharyngitis) وتسببه ميكروبات متعددة من أهمها الميكروبات السبحية Streptocooci وهي تفرز مواد سامة قد تؤدي إلى هبوط في القلب نتيجة تسمم عضلته (Toxic Myocarditis) وقد يؤدي إلى الوفاة.

(3) المريء Oesophagus

ويؤثر الكحول على الغشاء المخاطي للمريء، كما يؤثر على عضلاته وصماماته، فيؤدي إلى الأمراض الآتية:

(أ) ضعف الصمام العلوي للمريء Upper oesophageal sphincter disorders وهذا قد يؤدي إلى رجوع محتويات المعدة عبر المريء فالبلعوم، إلى القصبة الهوائية فالرئتين، مسبباً الإلتهاب الرئوي الإستنشاقي Aspiration penumonia أو حدوث خراج في الرئة Lung Abcess أو غير ذلك من الالتهابات، خصوصاً مع القيء المتكرر، وفقد الوعي، وهو كثير الحدوث بين المدمنين.

(ب) ضعف الحركة الدودية Peristalsis للمريء ، نتيجة التأثير على الأعصاب اللاإرادية المغذية لعضلات المريء، مؤدياً إلى رجوع محتويات المعدة إلى المريء (gastro – oesophageal reflux). وهذا يؤدي إلى التهاب المريء الارتدادي (Reflux Oesophagitis) مع شعور بحرقة (Heart burn) وقد يصاحبه نزيف بسبب إصابة الأوعية الدموية، وقد يؤدي ذلك كله إلى ضيق أو اختناق في المريء Stricture

(ج) سرطان المريء

نتيجة الالتهاب المتكرر، تتغير طبيعة الخلايا المبطنة لغشاء المريء، ويصبح المريء أكثر عرضة للتقرحات فيما يسمى "مريء باريت" (Barrett Oesophagus). وقد يتلوه ظهور السرطان.

وقد أثبتت الدراسات، أن التهاب المريء المزمن النتائج من الإفراط في تعاطي الكحول هو السبب الرئيسي للإصابة بسرطان المريء، وأن 30 ـ 65 % من المرضى المصابين بهذا السرطان، هم من مدمني الخمور.

(د) متلازمة مالوري فايز

ويحدث فيه نزيف من المريء نتيجة تمزق طولي في المريء أو منطقة ما تحت الفؤاد بالمعدة، ويصاحب نوبات القيء العنيف المتكرر ويكون مصحوباً بالتهاب المعدة الضموري، ونادراً ما يصيب غير المدمنين، ويمثل حوالي 4 % من مجموع الوفيات الناتجة عن جميع حالات النزيف بالمريء والمعدة والإثنى عشر.

وقد يحدث النزيف تلقائياً وبدون أسباب واضحة ويسمى (Boerhaave’s Syndrome) كما يحدث نتيجة دوالي المريء، الناتج عن تليف الكبد.

(4) المعدة

تؤدي الجرعات الصغيرة من الخمور إلى تهيج الغشاء المخاطي للمعدة، وزيادة الإفرازات، كما يحدث مع بقية أجزاء الجهاز الهضمي، ولهذا ، تعتبر الخمور فاتحة للشهية، ولكن سرعان ما تتغير الصورة، وتقل الإفرازات، وتفقد الشهية، فقد لوحظ أنه عندما يكون تركيز الكحول ما بين 8 ـ12 % فإن حامض الهيدروكلوريك يزيد تركيزه في عصارة المعدة. وقد يكون من أسباب ذلك زيادة هرمون الجاسترين (Gastrine) ـ أما إذا زادت النسبة، فإن الإفرازات تقل بصورة كبيرة. كذلك، عندما تكون نسبة الكحول أقل من 6% فإنها لا تؤثر على حركة المعدة أو قد تزيدها قليلاً. أما إذا زادت عن 10% فإنها تقلل من الحركة وتؤدي إلى بطء في إفراغ محتويات المعدة. ومن الأمراض التي تصيب المعدة ما يأتي:

(أ) التهاب المعدة الحاد Acute gastritis

وينتج عن تآكل وتهتك الغشاء المخاطي المبطن للمعدة، ونفاذ حامض االهيدروكلوريك (Hydrochloric) Acid إلى داخل الغشاء. وقد يؤدي هذا إلى نزيف حاد خصوصاً مع تناول الأسبرين لعلاج الصداع الناتج عن كثرة الشراب. وهذا كثير الحدوث بين المدمنين. وعند فحص المعدة بالمنظار، يلاحظ وجود التهابات وبثرات حمراء، مع وجود صديد ونقص في إفرازات المعدة. ويكون ذلك مصحوباً بالألم، وعسر في الهضم.

(ب) التهاب المعدة المزمن Chronic gastritis

ويحدث نتيجة تكرار الالتهاب الحاد، واستمرار تعاطي الخمور. وقد يكون سطحياً، وقد يشمل جدار المعدة كله، فيؤدي إلى ضمورها، ويسبب نقصاً شديداً في إفرازاتها، ويؤدي إلى نقص إفراز حامض االهيدروكلوريك والإنزيمات الهاضمة، مما يؤدي إلى سوء الهضم.

كذلك يقل إفراز العامل الداخلي (Intrinsic Factor) وهو ضروري لامتصاص فيتامين ب12 . وهذا بدوره يؤدي إلى ظهور الأنيميا (Megaloblastic Anaemia) وما يصاحبها من إصابة أجزاء من المخ، والنخاع الشوكي، والأعصاب الطرفية كما يحدث فقد للبروتين نتيجة تقشر الخلايا المبطنة للمعدة. وتمهد تلك التغيرات في المعدة إلى حدوث السرطان .

(ج) التهاب المعدة النزفي الحاد Acute haemorrhagic gastritis

وقد وجد في إحدى الدراسات أن 25 % من المصابين بهذا النزيف هم من المدمنين مقارنة مع 5 % من غير المدمنين .

(د) قرحة المعدة والإثنى عشر Peptic ulcer

وتشير الأبحاث إلى أن الكحول قد لا يكون مسبباً مباشراً لقرحة المعدة والإثنى عشر، ولكن في وجود القرحة، فإنه يحول دون التئامها بسبب تهيج أغشية المعدة كما أنه يعارض تأثير الأدوية التي تستخدم لعلاج القرحة والمعدة تقوم بإفراز إنزيم خاص بتكسير الكحول، وعند غياب هذا الإنزيم، نتيجة الالتهابات، يزداد تركيز الكحول في المعدة، ويزيد ذلك من تأثيره الضار.

كما أن مدمن الخمر يكثر عادة، من تناول المسكنات، مثل الأسبرين وقد يكون هذا سبباً من أسباب قرحة المعدة.

(هـ) سرطان المعدة Cancer Stomach

وقد يحدث نتيجة الالتهاب الضموري أو القرحة المزمنة للمعدة، فالكحول قد يكون سبباً غير مباشر لهذا الداء.

(5) الأمعاء الدقيقة Small Intestine

ويؤثر الكحول من خلال الخلل في الجهاز العصبي اللاإرادي، على حركة الأمعاء وإفرازاتها، فتزداد التقلصات، وتحدث نوبات من الإسهال، وهذا يؤدي إلى عسر الهضم وسوء الامتصاص، وفقدان كثير من العناصر الغذائية الهامة، مثل الفيتامينات والأملاح، وما يصاحب ذلك من أمراض.

وقد تصاب الخملات (Villi) (وهي مسؤولة عن الامتصاص) ويؤدي ذلك إلى فقد البروتين Protein Losing Enteropathy خصوصاً عند المدمنين المصابين بارتفاع الضغط في الدورة البابية.

ويزيد من تلك الأعراض، إصابة البنكرياس والكبد، فيؤدي ذلك إلى الإسهال االدهني steatorrhea، والذي يحدث في 33 ـ 55 % من المدمنين.

(6) الأمعاء الغليظة

ويعتبر تأثير الكحول على هذا الجزء من الجهاز الهضمي ضعيفاً، ولكن لوحظ أن مرض القولون العصبي (Irritable Bowel Syndrome) أكثر حدوثاً بين مدمني الخمور. ويصاحب ذلك اضطراب في حركة الأمعاء، وآلام في البطن، ونوبات من الإسهال والإمساك.

وقد لوحظت علاقة بين سرطان المستقيم وتعاطي البيرة.

(7) البنكرياس Pancreas

ويؤدي التعاطي الكثيف للخمور إلى التهاب حاد أو مزمن في البنكرياس.

(أ) التهاب البنكرياس الحاد Acute Pancreatitis

يؤدي الكحول إلى زيادة إفراز البروتينات في عصارة البنكرياس، مما يؤدي إلى ترسبها، وإحداث انسداد في قنوات البنكرياس. وهذا يؤدي بدوره إلى تنشيط الإنزيمات الهاضمة خصوصاً إنزيم التريبسينوجين (Trypsinogen)، والإلستيز (Elastase) ، والفوسفوليبيز (Phospholipase)ـ وهذه الإنزيمات تقوم بهضم وتكسير أنسجة البنكرياس والأوعية الدموية به، وقد تصل إلى خارج البنكرياس وتحطم ما حوله من أنسجة. ويشكو المريض من آلام حادة، مصحوبة بقيء متكرر ونزيف ، وأحياناً صدمة عصبية، وظهور يرقان، وخلل في نظم القلب. وقد يصاحب ذلك هبوط في وظائف الكلى (فشل كلوي)، أو الرئة (Shock Lung) أو الكبد (H0epatic Failure) وفي بريطانيا يتسبب الكحول في 20% من حالات التهاب البنكرياس الحاد، وهو مرض خطير قد يؤدي إلى الوفاة، حتى مع العناية الطبية الفائقة.

(ب) التهاب البنكرياس المزمن

ويظهر في صورة آلام متكررة ، خصوصاً مع تناول الغذاء، مما يجعل المريض معرضاً عن الطعام خوفاً من ظهور الآلام، ويؤدي هذا إلى فقدان الوزن.

وقد يشكو بعض المرضى من عسر الهضم أو ظهور داء السكري بدون أعراض سابقة. وحوالي 20 % من الحالات يصاحبها سوء هضم نتيجة نقص العصارة الهاضمة مما يؤدي إلى الإسهال الدهني. كما يصاب حوالي 35 % من المرضى بداء السكري.

وتفيد الإحصائيات أن 75 % من حالات الالتهاب المزمن للبنكرياس في الولايات المتحدة الأمريكية من المدمنين على تعاطي الخمور.

وقد أثبتت الأبحاث أن مرض التهاب البنكرياس المزمن، نتيجة ادمانهم للكحول، يعانون من وجود حصوات في البنكرياس، بسبب ترسيب الكحول لأملاح الكالسيوم في العصارة البنكرياسية بالإضافة إلى حفظه لمعدل إفراز مادة الليثوستاتين (Lithostathine)

(ج) سرطان البنكرياس

يساعد الكحول على ظهور سرطان البنكرياس ـ حيث تشير بعض الدراسات إلى ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان البنكرياس عند المدمنين على الخمور.

(د) أمراض مصاحبة

مثل التهاب المفاصل المتنقل (Migratory Polyarthropathy)، التهاب الأوردة التخثري (Thrombophlebitis)، التهاب المخ (Encephalopathy)، ارتشاح بللوري وبريتوني (Pleuraleffusion and Ascitis)، ومضاعفات داء السكري (Diabetes Mellitus)، بالإضافة إلى ما قد يحدث في البنكرياس والجهاز المراري.