إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات صحية وغذائية / الموسوعة الصحية المصغرة / مرض حرب الخليج









3

3. أنواع متلازمة مرض حرب الخليج

من الذين يعتقدون أن الظاهرة موجودة من يقسمها إلى أقسام مختلفة. منهم روبرت هيلي Dr. Robert Haley، الذي اعتمد فريقه البحثي على تحليل إحصائي خرج منه بأن هناك ثلاث متلازمات:

أ. المتلازمة الأولى، يميزها صعوبات في التفكير، والذاكرة، والنوم.

ب. المتلازمة الثانية، ويميزها صعوبات أكثر في التفكير، إضافة إلى الارتباك والخلط confusion وعدم التوازن.

ج. المتلازمة الثالثة، ويميزها آلام في المفاصل والعضلات و tingling وخدر في الأقدام والأيدي.

ويضيف هؤلاء أن بحثهم قادهم إلى أن العوامل الأهم هي:

·   مستويات ضئيلة من غاز الأعصاب.

·   أدوية الحماية من غاز الأعصاب.

·   الكيماويات المستخدمة لطرد الحشرات.

وأن هذه العوامل تشترك معاً في إحداث الظاهرة، وأن أياً من هذه العوامل قد لا يكون مسؤولاً عن المتلازمة وحده، أما وجود اثنين منها على الأقل فقد يكون مسؤولاً عن إحداث المتلازمة، بخاصة عند من دخلوا في معركة خلال يومي 19 و20 يناير 1991، حيث يظن أن الأسلحة الكيماوية اسْتُخْدِمت. ولعل أهمية هذه الدراسة تكمن في استفادتها من تخصصات متعددة في مجالات الطب المختلفة، للوصول إلى النتائج وتحليلها.

لقد تجاوز عدد المشاركين في الحرب من القوات الأمريكية 540000 مقاتل ومن قوات المملكة المتحدة 45000 مقاتل، و185000 مقاتل من المملكة العربية السعودية والدول العربية والإسلامية والصديقة الأخرى. وربما كان من المفيد النظر إلى هذه المشكلة من خلال المحاور المذكورة.

أ. في الولايات المتحدة الأمريكية

طلب المفتشون العموميون General Inspectors GI's العون من الأطباء العسكريين، ومستشفيات إدارة شؤون قدامى الجنود (VA Veterans Affairs) إزاء الشكاوى، التي تلقتها الحكومة الأمريكية، من جانب الأفراد، الذين ظهرت عليهم الأعراض المذكورة،. وكان الرد المبدئي، من جانب المؤسسة الطبية العسكرية، هو عدم الالتفات إلى هذا الأمر، وأن هذا المرض لا علاقة له إطلاقاً بالخدمة في الخليج. وساد الظن في القيادة العسكرية أن أولئك، الذين تقدموا بالشكوى، من الاحتياط والحرس الوطني، هم من الرجال والنساء المتمارضين الناقمين، ممن لم يتمكنوا من التعامل مع حدة الاشتباكات بدرجة الاستعداد، التي تعامل بها غيرهم، ممن خدموا خدمة كاملة في الجيش من مشاة البحرية، والأسطول، والقوات الجوية.

مع أوائل عام 1993، ارتفع عدد الذين ظهرت عليهم الأعراض من قدامى الجنود، عقب حرب الخليج، إلى أربعة آلاف، وظل هذا العدد يواصل ارتفاعه، وقال الأطباء من مؤسسات الـ VA للمفتشين العموميين: إن هؤلاء يعانون من "ضغط نفسي"، وهي عبارة، أدرك مغزاها أغلب رجال البنتاجون. أمّا الجنود، فقد عدّوها أنها تعني "الجُبن". وقد أعطى الأطباء العسكريون بعض المتقاعدين كمية من عقار بروزاك Prozac، وهو دواء يُصرف لكل الأغراض، وأوصوا بعودتهم بعد ثلاثة أشهر.

ولم يلفت الأمر اهتمام كثير من المراسلين، وأعضاء الكونجرس. وفي عام 1995، كان البنتاجون لا يزال مصراً على ألاّ يلقي بالاً إلى شكاوى هؤلاء المتضررين، من متقاعدي حرب الخليج. ومرة أخرى، رُفع الأمر إلى بعض أعضاء الكونجرس، الذين استجابوا للطلبات المتكررة، من جانب مجموعات المتضررين، والتي تنادي بتحديد من هو المريض، وكيف أصابه المرض.

في النهاية، تدخلت السيدة هيلاري كلينتون، قرينة الرئيس الأمريكي، وتصدت لجنة مستشاري الرئيس، لكشف غموض مرض حرب الخليج. وجاء التقرير النهائي لهذه اللجنة موافقاً لرأي البنتاجون، أن هؤلاء المرضى كانوا يعانون من ضغط نفسي، مما أثار غضب قدامى الجنود واستياءهم.

لم يكن الرئيس بيل كلينتون، وهو الذي تعرَّض، من قبل، للانتقاد الحاد، من جانب كثير من كبار الضباط في الجيش، باعتبار أنه سبق له التهرب من الخدمة في حرب فيتنام، وبسبب تحمسه لدخول الشواذ إلى الخدمة العسكرية، على وفاق مع البنتاجون، الذي لم يكن يريد أن يتوصل إلى تقبُّل التكلفة الحقيقية لحرب الخليج.

في تقرير أذاعته وكالة رويتر، بواشنطن، في 27 أكتوبر 1998، قال: "أكَّدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أنه ليس هناك ما يدل، على أن استخدام القوات الأمريكية ذخيرة يورانيوم مستنفد في حرب الخليج عام 1991، هو السبب في مشاكل صحية، تعرَّض لها جنود أمريكيون، وعُرفت باسم "مرض أعراض حرب الخليج". وأوضح البنتاجون أن التحقيق في حوادث، تضمَّنت هجمات خطأ على القوات الأمريكية، بقذائف مضادة للدبابات، لا يكشف أي صلة بينها وبين المرض، الذي أصاب آلافاً من الجنود المشاركين في حرب الخليج.

واستخدمت دانات من اليورانيوم المستنفد DU Depleted Uranium[1] في قذائف خارقة للدروع، وأعرب عدد من قدامى المقاتلين عن مخاوفهم من أن يكونوا أُصيبوا بأضرار في الكلى، أو أضرار صحية أخرى من "نيران صديقة" خلال الحرب. وجاء في بيان البنتاجون أن الأدلة المتاحة لا تؤيد مزاعم، أفادت أن اليورانيوم المستنفد هو السبب في مرض حرب الخليج الغامض، الذي عانى منه بعض المقاتلين.

وقال برنار روسكر، الذي رأس لجنة تابعة لوزارة الدفاع، تحقق في هذه القضية، للصحفيين: إن التحقيق في قضية اليورانيوم المستنفد سيستمر، لكنه أوضح أن إدارة شؤون قدامى المقاتلين لم ترصد مشاكل في الكلى، أو مشاكل صحية أخرى، ناجمة عن استخدام اليورانيوم المستنفد، بعد فحص 33 مقاتلاً، أُصيبوا بنيران صديقة.

في جلسات الاستماع، التي تمت في فبراير 1998، أمام اللجنة الفرعية للبيت الأبيض، اعترفت المؤسسات الصحية الحكومية، أخيراً، أن التشخيص المبدئي بأن المرض ناتج عن ضغط نفسي، كان خاطئاً، وأن عاملاً ما، أو سلسلة من العوامل، لا أحد يعرف على وجه الدقة ما هي، كانت السبب في حدوث مرض حرب الخليج. كان الضغط النفسي أحد العوامل، ولكنه لم يكن العامل الوحيد الرئيسي، وقِيل للجنة الفرعية إن المؤسسة العسكرية ستبدأ دراسة سُبُل العلاج الدقيقة، للقضاء على الأعراض المختلفة لمرض حرب الخليج. وإلى الآن، ربيع 1998، لا زال البحث الفيدرالي يركز على عمل دراسات موسَّعة؛ لاكتشاف الأسباب المختلفة لهذا المرض، بدلاً من العلاج الممكن لها.

يقول بعض المحللين الأمريكيين

"والحقيقة، التي قد لا يعرفها البعض، أن حرب الخليج قد كلَّفت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر بكثير مما يعترف به البنتاجون، وقادته السابقون. فإن ما يزيد على مائة ألف، من متقاعدي حرب الخليج، قد تم تسجيلهم لإجراء الفحوص الطبية عليهم، في مستشفيات البنتاجون ومستشفيات الـ VA، حيث ظهرت الأعراض على 90% منهم. هؤلاء الرجال والنساء قد تعرَّضوا لإصابات من نيران الحلفاء. وأصبحت المشكلة، التي تواجه المؤسسة العسكرية: هل يمكن حماية جنودنا ورجال البحرية، في الحروب المستقبلية، مما لم نستطع أن نحميهم منه في حرب الخليج؟"

لقد نجا الجنود الأمريكيون من نيران العراقيين، وقذائف مدفعيتهم، في حرب الخليج، ولكن لم يتمكنوا من النجاة من الغازات السامة، والفيروسات الغامضة، والمرض غير المعلوم.

وعلى الرغم من كل تصريحاتهم الشجاعة، عن الحرب في المستقبل، فإن الرجال، الذين يديرون المؤسسة العسكرية الأمريكية، ليسوا على استعداد، بل لعلهم غير قادرين، على استيعاب الدروس الحقيقية من حرب الخليج.

إن القائد الأمريكي كولين باول Colin Powell، على سبيل المثال، يقول: "لقد فعلنا كل ما بوسعنا لحماية قواتنا. لقد سمعنا الكثيرين، قبل الحرب، يقولون: نتوقع أن يسقط عشرون ألف قتيل في هذه الحرب. ولكن لم يسقط سوى أقل من خمسمائة قتيل، إنه لإنجاز رائع".

ولدى سؤاله عن الجنود السابقين، الذين يعانون من أعراض ما بعد الحرب، قال باول: "إننا لا زلنا غير متأكدين، إذا كان هذا من أعراض حرب الخليج أم لا".

وقد صرَّح باول بأنه يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية العناية بالجنود المتقاعدين المرضى، بغض النظر عن سبب مرضهم. ولكنه أضاف أن مسؤولياته قد انتهت، مع تقاعده في نهاية 1993. وقال: "إذا كان لا يزال هناك بعض الجنود السابقين، الذين يقولون إنني لا بد أن أفعل شيئاً أكثر من هذا، فإن جوابي على ذلك، أنا لست في الحكومة".

كثيرون من أعضاء الكونجرس، وجماعات المتقاعدين، مقتنعون بأن الذين يعانون من أعراض حرب الخليج، قد تعرَّضوا لتعتيم ضخم، وتجاهل متعمد، من جانب القادة العسكريين والسياسيين للحرب. البنتاجون، من ناحية أخرى، يرى أن خصومه في الكونجرس يستغلون هذا الأمر، وجماعات المتقاعدين، والصحافة، لتحقيق مآرب ومكاسب سياسية.

ورغم وجود شكوك بأن مستودع الذخائر العراقي، الذي تم تدميره، في خميسية، كان يحتوي قذائف غاز الأعصاب؛ فلم يكن أيّ من القائدين: باول وشوراتزكوف يعلم شيئاً عن حقيقة أن العراق قد قام بتخزين أسلحة غاز الأعصاب في "خميسية". كما لا يوجد أي دليل، يثبت أن أي ضابط كبير، يعلم بوجود غازات أعصاب في "خميسية" قبل، أو بعد تدميرها مباشرة؛ كما لا يوجد أي دليل، يقرر أن الجنود، الذين شاركوا في العمليات، قد تعرَّضوا للإصابة بغاز الأعصاب.

في مذكراتهما، وصف كل من باول وشوراتزكوف اهتمامه بالقدرات الكيماوية والبيولوجية العراقية، ولكنهما لم يعطيا إشارة واحدة عن عُمق الاهتمام الأمريكي بهذا الأمر. إضافة إلى الخوف الأمريكي، كان هناك يقين ثابت بأنه ليس لدى الولايات المتحدة وسيلة دفاعية فعَّالة للتصدي لهجوم كيماوي أو بيولوجي. وقد ظلَّت مخاوف المؤسسة العسكرية من وقوع هجوم كيماوي أو بيولوجي، من جانب العراق، قائمة. ولم تتبدَّد تلك المخاوف إلاّ بعد مضي وقت طويل، دون أن يحدث مثل ذلك الهجوم.

والحقيقة أن معظم الشكاوى جاءت من جنود الاحتياط، وأفراد الحرس الوطني، الذين يقولون إنهم وجدوا أنفسهم في حالة من المرض، لا تسمح لهم بالعودة إلى وظائفهم المدنية، ولا إلى حياتهم المدنية. ولكن التفاصيل الخاصة للمرضى والمعاناة تلاشت في خضم الإنكار البيروقراطي، أثناء احتفال واشنطن، وأمريكا، بانتصارها الهائل في حرب الخليج.

وكان البنتاجون الأمريكي، في بداية الأمر، يهاجم هؤلاء المتقدمين بالشكوى، ويزعم أنهم يحاولون أن يستفيدوا، أو أن يحصلوا على مزيد من المزايا والأرباح. وكان المصابون بأعراض حرب الخليج يواصلون الشكوى، من دون جدوى، إلى أن طفا الأمر على السطح، عندما نشر السناتور الديموقراطي دونالد رييجل Donald W. Reigle، في سبتمبر 1993، وهو عضو بارز في الكونجرس منذ عام 1966، تقريراً يؤكد فيه، ما لم يجرؤ أحد، من أعضاء البيت الأبيض أو الكونجرس، على قوله من قبل، وهو أن أعراض حرب الخليج قد تكون مرتبطة بتدمير مواقع حربية عراقية، تحتوي على عناصر كيماوية وبيولوجية، وأن النصر الهائل، الذي أحرزته أمريكا في حرب الخليج، لم يكن بلا ثمن، كما قيل من قبل.

ولم يكن من السهل التغاضي عن تقرير دونالد رييجل، فهو رئيس إحدى اللجان البارزة في الكونجرس، وله حق الإشراف القضائي على سياسة إطلاق التصدير من جانب وزارة التجارة، وقد استخدم هذا الحق القضائي، في أواخر عام 1992، لتنظيم جلسات استماع مكثفة حول سياسة إدارة الرئيس بوش نحو العراق، ونحو إمداد الرئيس صدام حسين بالأسلحة الأمريكية. وأسفرت هذه الجلسات عن كشف تعامل حكومي واسع النطاق مع العراق، في الفترة بين 1985 و1990، شمل ما لا يقل عن 771 صفقة معدات عسكرية للعراق، منها أجهزة توجيه صواريخ، وحاسبات آلية عالية التقنية لرصد الأهداف، ومواد كيماوية، إذا تم مزجها معاً تنتج غاز الأعصاب، ومواد بيولوجية أخرى. وفي التقرير، الذي قدمه رييجل عام 1993، قال فيه إن هذه المواد أسهمت بشكل بارز في إصابة آلاف الأمريكيين بأمراض حرب الخليج.

كان تقرير رييجل يتضمن أربعاً وثلاثين صفحة، وكانت العبارات الختامية في التقرير تقول: "إن آلافاً من العاملين في الخدمة العسكرية في أمريكا، من الرجال والنساء، يعانون فقدان ذاكرة، وآلاماً في العضلات والمفاصل، ومشاكل حساسية، وقلبية، وإعياء، ورشحاً، وتقرحات، نتيجة لفترات خدمتهم في حرب الخليج، ولم يستطع الأطباء تشخيص سبب هذه الاضطرابات أو علاجها. وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع قرَّرت أنه ليس ثمة دليل يؤكد وجود تأثيرات كيماوية أثناء حرب الخليج، فإن الفحوصات تشير إلى أن هناك أدلة تؤكد تعرُّض هؤلاء لتأثيرات كيماوية نوعاً ما، وربما كانت هناك تأثيرات بيولوجية".

ب. في بريطانيا

بالنسبة لإنجلترا، تُوفي نحو ثلاثين جندياً بريطانياً، على الأقل، ممن شاركوا في حرب الخليج، وكان سبب الوفاة هو الإصابة بالسرطان، وطلبت جماعات قدامى الجنود، في إنجلترا، إجراء دراسات لتحديد هل الإشعاعات الناتجة عن قذائف الـ DU هي التي تسببت في المرض؟.

في مارس من عام 1998، نشر روبرت فيسك Robert Fisk، الصحفي في الإندبندنت Independent اللندنية، تقريراً عما أُطلق عليه اسم "الوباء الكيماوي"، الذي أُصيب به آلاف المدنيين العراقيين، الذين كانوا يعيشون بالقرب من منطقة الحرب. وكتب فيسك، بعد جولة قام بها في المستشفيات الإنجليزية، قائلاً: "أثبتت الفحوصات وجود مشاكل في الكلى، وصعوبات في التنفس، وأمراضاً سرطانية بين الجنود المتقاعدين من قوات التحالف، تبدو مطابقة للأمراض، التي أُصيب بها العراقيون السابق ذكرهم. وفي أغلب الحالات، لم يتم التشخيص الصحيح للمصابين العراقيين، إلاّ بعد سنوات، أي: بعد ظهور أعراض حرب الخليج، والتعرف عليها في لندن وواشنطن، وذلك بعد عودة قوات الحلفاء إلى أوطانها، بوقت طويل". وقال فيسك إنه علم أن كثيراً من الجنود العراقيين قد ماتوا، وأن الأطباء أرجعوا ذلك إلى قذائف الـ DU. ولم يقل نظام صدام حسين كلمة واحدة عن تفشي السرطان بين تجمعات الشيعة. ومن ثم "فإن ثمة شيئاً مشتركاً بين كل من الرئيس كلينتون، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير Tony Blair، وصدام حسين، وهذا الشيء هو الفشل في توضيح المصيبة، التي وقعت على رؤوس آلاف من مواطنيهم، بعد اشتباكات عام 1991".

بعد مرور عشرة أيام على مقالة فيسك، قام جون دونيللي John Donnelly، مراسل الميديست Mideast لجريدة ميركوري نيوز Mercury News، بزيارة ثلاثة مستشفيات عراقية، وسجل حدوث ارتفاع هائل في عدد حالات السرطان، في مدينة البصرة، وهي المدينة، التي يعيش فيها نحو 1.5 مليون مواطن في جنوب العراق. وسجل ارتفاع حالات اللوكيميا بين الأطفال، ومن بينهم الأطفال، الذين ولدوا بعد أكثر من تسعة أشهر من الحرب، مما يعني، حسب تعبير دونيللي، "وجود تأثيرات طويلة المدى في البيئة، قد تمتد إلى أبعد من ذلك". وسجَّلت دراسة عراقية ارتفاع نسبة المصابين بالسرطان، في مدينة البصرة، توازي أربعة أضعاف نسبة غيرهم في المناطق الأخرى.

وأبدى دونيللي مخاوفه من انتشار التأثيرات والاضطراب في المنطقة المحيطة بالبصرة، حيث تمكَّنت القوات العراقية من إخماد تمرد، نشب عقب حرب الخليج، وسجَّل دونيللي تصريح إحدى الأمهات العراقيات بقولها: "لم يكن لدينا، قط، مثل تلك الأنواع من الأمراض، قبل الحرب، وأضاف دونيللي: "إن منطقة الحرب العراقية يوجد فيها تلوثات نووية، تنبعث من الدبابات العراقية، التي تم تدميرها".

ج. في المملكة العربية السعودية والدول الحليفة الأخرى

يقول الأمير خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في كتابه "مقاتل من الصحراء":

"ومبْلَغ علمي أن القوات العراقية لم يكن لديها مخزون من الأسلحة الكيماوية في أرض المعركة. ولم تكتشِف وحدة التطهير التشيكوسلوفاكية أي آثار لغاز الأعصاب، أو غاز الخردل. ولكن، بعد انتهاء الحرب بعدة شهور، اشتكى كثير من الجنود الأمريكيين، الذين شهدوا الحرب، من صداع، وطفح جلدي، وكحة، وإسهال، وغير ذلك من الأمراض، التي يُعتقد أن مردّها إلى حرب الخليج. حتى إن هذه الأعراض المَرَضية يُطلَق عليها، أحياناً، "أعراض حرب الخليج".

ليس ثمة دليل قاطع، حتى الآن، على أن تلك الأعراض سببُها حرب الخليج، إلاَّ أن إدارة الرئيس كلينتون Clinton أعلنت في يونيه 1994 مساندتها لتشريع، يقضي بتعويض العسكريين الأمريكيين، الذين يعانون تلك الأعراض. أمّا في بريطانيا، فقد نفى السير بيتر بيل Sir Peter Beale، كبير الأطباء في الجيش البريطاني، وجود مثل تلك الظاهرة، وكتب في خطاب، أرسله إلى المجلة الطبية البريطانية، يقول: "لم يتوافر لدينا أي دليل يشير إلى أن هناك ظواهر مَرَضية، تقتصر على أولئك، الذين خدموا في حرب الخليج". وعلى الرغم من ذلك، تردد في نوفمبر 1994، أن أكثر من 400 من العسكريين البريطانيين كانوا يخطِّطون لمقاضاة وزارة الدفاع البريطانية، بدعوى اعتلال صحتهم، بسبب حرب الخليج.

ومن الأرجح أن تكون تلك الأعراض ناجمة عن الأقراص والحُقَن، التي أُجبرت القوات الأمريكية والبريطانية على تعاطيها، خشية أي هجوم بالأسلحة الكيماوية أو البيولوجية. بينما لم تتعاطَ القوات، التي كانت تحت قيادتي أي عقاقير أو أمصال من ذلك النوع، ولم تظهر عليها أعراض من تلك، التي يُدّعى أنها ظهرت على الآخرين، على الرغم من أنها دخلت الكويت، وكان يمكن أن يعرِّضها ذلك للغازات الكيماوية، أو المواد البيولوجية العراقية، إن وُجِدَت. وكنت قد طَلَبتُ من حلفائنا الأمريكيين، قبل بداية الحرب، أن يزوِّدونا بالأمصال اللازمة لقواتنا، ولحسن الحظ، لم تكن لديهم جرعات كافية منها".

وفي تقرير للبنتاجون، أُعْلِن أن وحدات فرنسية وتشيكية أشارت إلى سبع حالات رصد لعناصر مثيرة للأعصاب، أو منفطة مثيرة للبثور، بين 19 و24 يناير 1990، قرب حفر الباطن، ومدينة الملك خالد العسكرية في المملكة العربية السعودية. وأشار التقرير إلى أن حالات الرصد هذه إشارات إلى تكثيف للعناصر الكيماوية، ولكن بمستويات لا تُعرِّض القوات في هذا القطاع للخطر. وأوضح أن حكومة براغ اعترفت بحالتين فقط من بين أربع حالات رصد، سجلتها القوات التشيكية، مذكراً بأن وكالة الاستخبارات المركزية CIA، أكدت مصداقية هذه الحالات، منذ 1996، وأكدَّ البنتاجون أنه ليس في مقدور الولايات المتحدة الأمريكية التحقُّق، بشكل مستقل، من حالات الرصد التشيكية، لكنها واثقة من قدرة التشيكيين على كشف وجود عناصر كيماوية. غير أن التقرير وصف الأنباء، التي أشارت إلى خمس حالات رصد أخرى، سجلتها القوات الفرنسية، وواحدة سجلتها القوات الفرنسية والتشيكية معاً، بأنها غير أكيدة، بسبب نقص المعلومات، التي بحوزة وزارة الدفاع الأمريكية.

ولكن هذه الحالات تظهر، فقط، في تقارير أمريكية عن حرب الخليج، أوردها، بشكل خاص ، جنود أمريكيون، ممن يدعون الإصابة، كانوا على اتصال مع القوات الفرنسية. وقال التقرير إن الحكومة الفرنسية لم تقدم معلومات حول حالات الرصد الأربع، التي نسبت إلى قواتها.

وفي الختام ربما تثور في الذهن عدة من التساؤلات نتيجة التأمل في تضارب الآراء وتطور وجهات النظر حول حقيقة مرض حرب الخليج:

أ. لماذا جاءت معظم الادعاءات والشكاوى من ضباط الاحتياط والحرس الوطني في القوات الأمريكية، ولم تظهر بين الجنود والضباط النظاميين؟

ب. شارك من القوات السعودية بقطاعاتها المختلفة ما يزيد على 95000 مقاتل، ومن القوات المصرية ما يربو على 33000 مقاتل، ومن الجيش السوري أكثر من 14000 مقاتل، والجيش الفرنسي أكثر من 14000 مقاتل، ومن أستراليا ودول آسيوية وأوروبية وأمريكية كثيرة، فلماذا لم تسجل بينهم أي حالة إصابة بما يطلق عليه مرض حرب الخليج على رغم أنهم كانوا في نفس ميدان العمليات، ودخلوا الكويت فور تحريرها، وشاركوا في جميع المعارك، وفي مختلف القطاعات والجهات؟

وفيما يتعلق بارتفاع نسبة الإصابة ببعض الأمراض في القرى العراقية بعد الحرب، فإن التساؤل يقوم على أن أرض الخفجي، في المملكة العربية السعودية، وأرض الكويت بأكملها إلى جانب أراضي جنوب العراق، كانت ميداناً للمعارك؛ ولم يلحظ ارتفاع ملفت في الإصابة بأمراض معينة بين سكان الخفجي، ولا بين الكويتيين المقيمين في الكويت أثناء المعارك!.



[1] يورانيوم انخفض محتواه من النظير المشع U-335 جداً؛ نتيجة لاستخدامه وقوداً للمفاعلات النووية