إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات صحية وغذائية / الموسوعة الصحية المصغرة / الطاعون




مخطوطة عن وباء الطاعون
الطور الناضج لبرغوث الإنسان
الطور الناضج لبرغوث الفأر
الطاعون الدبلي
بكتريا عصويات الطاعون
عقدة ليمفاوية متضخمة

نشوء مرض الطاعون الدبلي
طاعون الالتهاب الرئوي




مقدمة

الطاعون  (Plague)

مقدمة

هو واحد من أشهر الأمراض الوبائية التي عرفها التاريخ، إذ تسبب في موت ملايين الضحايا على مدار التاريخ كله، ونظراً إلى هول الكوارث البشرية التي خلفها هذا المرض، عُدَّ من الأحداث الهامة التي يؤرخ بها، والتي يجدر ذكرها في الكتب التاريخية والدينية القديمة، فقد أورد سفر المزامير في الإصحاحين 5، 6 أن وباء الطاعون وقع قبل ميلاد المسيح عليه السلام 41 مرة، كما قَدَّر المؤرخون مرات حدوثه منذ ميلاد المسيح حتى أوائل القرن 18 بحوالي 109 مرات.

والآن لم يعد هذا الوباء سوى مجرد ذكرى تاريخية أليمة عاشتها أجيال سابقة، حيث تمكن العلم من محاصرته، والسيطرة عليه، ومن ثم الحد من مخاطره، وأصبح مجرد وباء محلي محدود يتوزع على أماكن متفرقة قليلة (أُنظر جدول أعداد المصابين بالطاعون والوفيات الناتجة عنه في الفترة بين عامي 1980 و1994 قارة أفريقيا) و(جدول أعداد المصابين بالطاعون والوفيات الناتجة عنه في الفترة بين عامي 1980 و1994 قارة آسيا) و(جدول أعداد المصابين بالطاعون والوفيات الناتجة عنه في الفترة بين عامي 1980 و1994 في الأمريكتين)

وأشهر الطواعين المسجلة تاريخياً ثلاثة طواعين، وقع أولها عام 542، وقيل: إنه بدأ من مصر، التي كانت آنذاك ملتقى خطوط التجارة العالمية شرقاً وغرباً، وامتد ببطء على مساحة واسعة شملت آسيا كلها من ناحية الشرق، ووصل حتى أيرلندا من ناحية الغرب، وقد بلغ معدل وفيات هذا الوباء من خمسة إلى عشرة آلاف شخص يومياً.

ويبدو أن هذا الوباء هو الذي كان قد ألم ببلاد الشام سنة 17 أو 18 هجرياً، وذكره المؤرخون المسلمون باسم طاعون "عَمْوَاس" والذي حصد عدداً كبيراً من الصحابة والتابعين قدر بـ 30 ألفاً، من أشهرهم أبو عبيدة بن الجراح الذي كان أميراً على الشام، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، رضوان الله عليهم أجمعين.

والطاعون الثاني، عرف باسم "الموت الأسود"، وبدأ في منتصف القرن الحادي عشر، وبلغ ذروته في القرن الرابع عشر، وظل حتى نهاية القرن السابع عشر. ويبدو أن حركة التجارة الدائمة والتنقلات الموسمية لحجاج بيت المقدس كانتا من العوامل الرئيسية التي ساعدت على انتشار العدوى، ونقلها إلى أماكن متعددة من العالم.

وقد حصد هذا الوباء حوالي 25 مليون شخص، وهو ما كان آنذاك يوازي ربع تعداد سكان العالم. وقد بُدئ العمل بنظام الحجر الصحي لأول مرة إبان هذا الوباء، حيث عثر على مخطوطة  صادرة عن مكتب الصحة العامة، التابع لسلطة الكنيسة، نشرت في فيرارا Ferrara بإيطاليا، وأُرِّخت يوم 20 سبتمبر 1625، وورد فيها ذكر المناطق المصابة التي يحظر مغادرتها أو دخولها(أُنظر صورة مخطوطة عن وباء الطاعون) و(أُنظر جدول أعداد المصابين بالطاعون والوفيات الناتجة عنه في الفترة بين عامي 1980 و1994 قارة أفريقيا).

ويُعتقد أن الوباء في تلك المرة قد نشأ أولاً في وسط آسيا، ثم امتد بعد ذلك إلى أوروبا غرباً، والصين شمالاً والهند جنوباً. وقد عُدَّ هذا الوباء، الذي عُرف في أوروبا باسم وباء لندن، آخر أوبئة الطواعين التي ألمت بأوروبا الغربية. وقد أخذ في الانحسار شيئاً فشيئاً، حتى اختفى تماماً عام 1681.

والطاعون الثالث، حدث عام 1855، و يعتقد أنه بدأ من منطقة شرق آسيا، التي تحولت موانئها إلى بؤر لنشر المرض. وقد شمل المرض معظم أنحاء العالم بصورة تجاوزت أي وباء مضى، إلا أن عدد الوفيات التي نتجت كان أقل بكثير مما سبقه.

وخلال هذا الوباء، وبالتحديد في يونيه من عام 1894، استطاع ألكسندر يرسين Alexander Yersin أن يحدد العامل المسبب لمرض الطاعون، وهي بكتريا عصوية أطلق عليها يرسينيا بيستس Yersenia pestis  (أُنظر صورة بكتريا عصويات الطاعون)، نسبة إلى اسم مكتشفها "يرسين"، و"بست"؛ أي "طاعون" باللغة اللاتينية. وفي العام نفسه، اكتشف الفرنسي بول سيموند Paul Semond وجود البكتيريا المسببة للطاعون على نحو وافر في أجسام الفئران التي تم اصطيادها من المنطقة الموبوءة في بومباي بالهند. وبذلك عُدت هذه الفئران مصدراً رئيسياً لعدوى الإنسان.

ونظراً إلى الانتشار الواسع للمرض في أنحاء متفرقة من العالم، أرسلت عديد من الحكومات الأوروبية بعثات إلى بومباي في الهند، لبحث المشكلة، ومحاولة الحد من انتشار المرض. وهناك تشكلت بعثة استشارية قامت بنشر سلسلة من الأبحاث والتقارير المطولة بين عامي 1906 و 1917 ساعدت في زيادة المعلومات حول نشأة المرض وتطوره.

ولمدة طويلة ظلت أسباب انحسار أوبئة الطاعون تلقائياً لغزاً محيراً. وقد توالت الفرضيات لتفسير ذلك، فمن قائل: إن زيادة الوعي الحضاري لدى الناس قد رفع من درجة النظافة والصحة، كما رفع كذلك من مستوى الرعاية التي يتلقاها المرضى في المستشفيات متمثلة في التغذية الجيدة، وعزلهم في أماكن خاصة بهم.

ومن قائل: إنه نتيجة لتغير السلوك المعيشي للفئران التي ارتبطت بأوبئة الطاعون، وكذلك تغير نوعها في المدن، وأماكن سكنى الإنسان.

ومع بدايات القرن العشرين، فسر بعض العلماء انحسار الطاعون على أنه أحد المراحل الطبيعية لتطور المرض. فأي مرض وبائي يبدأ في إصابة أعداد قليلة، ثم ينتشر على مدى واسع، ثم يأخذ بعد ذلك في الاختفاء تدريجياً حتى يختفي تماماً.

وخلال القرن العشرين، وعلى الرغم من انخفاض شدة وبائية المرض على مستوى العالم، ظل الطاعون يهدد البشر في صورة وباء محلي. فعصويات الطاعون موجودة في مناطق طبيعية بعيدة عن أماكن التجمعات السكانية، تحملها الفئران والقوارض البرية في أجسامها.

وقد شهد القرن العشرين عدداً من حالات الإصابة بالطاعون في أماكن متفرقة من العالم؛ حيث هاجم في العشرينيات المملكة العربية السعودية، ثم انتشر بعد ذلك إلى باقي الجزيرة العربية. وفي التسعينيات، هاجم الطاعون شبه القارة الهندية.

وتقسم  القوارض البرية بحسب قدرتها على مقاومة المرض إلى نوعين، نوع يصاب بالعدوى، ولكنه يتغلب عليها، ويعرف هذا النوع بالسلالات المقاومة للطاعون، ونوع يلتقط العامل المسبب، فيمرض، وتظهر عليه الأعراض، ويعرف بالسلالات الحساسة للطاعون.

وقد ينتقل الطاعون من أحد هذه القوارض إلى أنواع أخرى عن طريق البرغوث الذي يعرف ببرغوث الفأر Xenopsyella cheopis (أُنظر صورة الطور الناضج لبرغوث الفأر). وقد يصاب الإنسان بالعدوى مصادفة، إذا كان من معتادي ارتياد المناطق البرية، أو من المتعاملين مع القوارض البرية. إلا أن ذلك أمر نادر الحدوث.

وقد تنتقل العدوى عن طريق برغوث الفأر من القوارض البرية إلى فئران الحقول، وكذلك الفئران المنزلية. وعندئذ ترتفع احتمالات إصابة الإنسان بالعدوى، وذلك نظراً لموت أعداد ضخمة من الفئران بالمرض ذاته، الأمر الذي يجعل البراغيث تبحث عن مصدر آخر للغذاء، فتتطفل على جسم الإنسان بدلاً من الفأر.

كذلك تنتقل العدوى من شخص مصاب إلى شخص آخر سليم عن طريق برغوث الإنسان Pulex irritans (أُنظر شكل الطور الناضج لبرغوث الإنسان). وفي هذه الحالة ينتشر المرض بسرعة، ويأخذ شكله الوبائي، حيث ينتقل من طريق البراغيث خلال تطفلها على الإنسان، أو من طريق تلوث طعام الإنسان وشرابه بإفرازات الفئران المصابة، أو حتى من طريق انتقال بكتيريا المرض من أنف المصاب وفمه إلى الهواء الجوي.