إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الشخصية غير السوية (اضطرابات الشخصية)









بداية اضطراب الشخصية ومسارها

بداية اضطراب الشخصية ومسارها

      يبدأ اضطراب الشخصية في المراهقة، وأحياناً قبْلها، أو في بداية الرشد. ويظل معظم حياة الشخص. وهو يضايق الآخرين بسلوكه، فتضطرب علاقاته بهم. ولا يدفعه دافع إلى العلاج، فيظل على حاله من الاضطراب وعدم الاستبصار.

      وتصنف اضطرابات الشخصية في أربع مجموعات. هي:

  1. المجموعة (أ): وتشمل الشخصيات، الاضطهادية (Paranoid)، وشبه الفصامية (Schizoid)، وفصامية النوع (Schizotypal). وأصحاب هذه الشخصيات، يبدون غريبي الأطوار، منعزلين.
  2. المجموعة (ب): وتشمل الشخصيات، المضادّة للمجتمع (Antisocial)، والحدّية (Borderline)، والنرجسية (Narcissistic)، وشبه الهستيرية (Histrionic) وهؤلاء مأسويون، انفعاليون، ذَوُو شطط.
  3. المجموعة (ج): وتشمل الشخصيات، المتجنّبة (Avoidant)، والاعتمادية (Dependent)، والوسواسية(Obsessive - Compulsive Personality)، والعدوانية السلبية (Passive Aggressive Personality). وهم قلقون، خائفون.
  4. المجموعة (د): وتشمل اضطراب الشخصية غير المحدد الذي يمكن استخدامه في اضطرابات الشخصية الأخرى، أو الحالات المختلطة، التي لا تتفق مع الأنواع المحددة لاضطراب الشخصية، الموصوفة في الأنواع السابقة.

      ويصعب، أحياناً، وضع تشخيص واحد لاضطراب الشخصية؛ إذ تتعدد سماته. حينئذٍ، يشخّص غير اضطراب للشخصية.

أسباب اضطراب الشخصية

1. العوامل البيولوجية

أ. الجينات الوراثية: لوحظ زيادة كبيرة في معدل تطابق الشخصية، لدى التوائم المتماثلة. كما لوحظ زيادة المجموعة (أ) من اضطرابات الشخصية (الاضطهادية وشبه الفصامية وفصامية النوع)، بين أقارب الفصاميين (Schizophrenics). وهناك تهيئة جينية مشتركة، في الشخصية المضادّة للمجتمع، وإدمان الكحول. ويشيع الاكتئاب في الأسَر، التي ينتمي إليها أصحاب الشخصية الحدّية. كما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الشخصية الهستيرية واضطراب التجسيد (Somatization Disorder).

ب. الدراسات البيوكيماوية: أشارت الدراسات إلى أن الأشخاص المندفعين، لديهم معدل مرتفع من هرمون التستوستيرون. ويرتبط بزيادته، كذلك، العدوان والسلوك الجنسي. ودلّت على أن انخفاض معدل الإنزيمات المؤكسدة للأمينات الأحادية (Monoamine Oxidase)، في الصفائح الدموية، يرتبط بالنشاط والاجتماعية، في قرود التجارب. وتأكد ذلك في دراسة، شملت طلاب الجامعة.

ج. العوامل العصبية: لوحظ ارتباط التلف الطفيف في الدماغ (Minimal Brain Damage)، في الطفولة، بحدوث الشخصية المضادّة للمجتمع، بعد ذلك.

2. العوامل النفسية

أ. النظرية التحليليـة: اعتقد (فرويد) أن سّمات الشخصية، تنتج من التثبيت على مرحلـة ما من مراحل النمو، ومن التفاعل بين النزعات والأشخاص، في البيئة. وحدد عدة أنواع للشخصية، طبقاً لذلك. هي:

(1) الشخصيات الفمية (Oral Characters): تتّسم بالسلبية، والتواكل، والإفراط في الطعام، وما يشبهه.

(2) الشخصيات الشرجية (Anal Characters): تتميز بالصرامة والبخل والدقة والعناد.

(3) الشخصيات الوسواسية (Obsessional Characters) تتصف بالتصلب، وسيطرة الأنا الأعلى، المتميز بقسوته.

(4) الشخصيات النرجسية (Narcissistic Characters) تتّسم بالعدوان، والتمركز حول الذات.

3. العوامل الاجتماعية الثقافية

      لوحظ أن (مزاج) الطفل (Temperment)، يتفاعل مع مزاج الأب (أو الأم)، أو من ينوب عنه أثناء التربية، في الطفولة. فالطفل القلق، الذي ترعاه أم قلقة، يكون لديه قابلية أكثر لاضطراب الشخصية، من ذلك الذي تربيه أم هادئة. كما أن الثقافات، التي تنمي العدوان، وتشجع عليه، تهيئ لاضطراب الشخصية، الاضطهادية أو المضادّة للمجتمع. ولوحظ أن البيئة المعيشية الضيقة، تظهر الطفل أكثر حركة بينما البيئة المتسعة لحركته، تظهره طبيعياً، سواء كان ذلك في فصل دراسي أو منزل.

1. اضطراب الشخصية الاضطهادية (البارانوية) (Paranoid Personality Disorder)

يتميز هذا الاضطراب بالشك غير المنطقي، وعدم الثقة بالناس، بوجه عام. ولا يعترف المبتلَي بمسؤوليته عن مشاعره، بل يعد الآخرين مسؤولين عنها؛ فأفعال الناس محقرة له أو مهـددة. ويتهيأ له، غالباً، أنه مضطهد، أو أنه يؤذى من الآخرين، بطريقة ما. وكثيراً ما يتشكك، من دون منطق، في ولاء أصدقائه أو ثقته بهم. ويستشعر، غالباً، غيرة مرَضية، إذ يدعي، من دون مبرر، خيانة شريك حياته؛ وتفجر المواقف الجديدة شعوره بالاحتقار والتهديد. ويسهل استفزازه، فيندفع في شجارات، لا داعي لها. وقد يحمل الكراهية، لوقت طويل، ولا ينسى الإساءة. ويتردد في أن يثق بالآخرين، خشية أن تستخدم المعلومات (التي يدلي بها) ضده. والمصابون بهذا الاضطراب محترسون، عادة، إلى درجة زائدة. ويأخذون حذرهم ضد أي تهديد. ويتجنّبون اللوم، حتى عندما يكون لسبب منطقي. وينظر إليهم الآخرون على أنهم حذِرون، كُتُمٌ غير مبادرين، ومدقّقُون.

وعندما يوجد صاحب اضطراب الشخصية البارانوية، في موقع جديد، فإنه يسعى، بشدة، لتأكيد توقعاته، من دون فهْم الإطار العام. واستنتاجه النهائي، عادة، يحسم ما توقعه، أول الأمر. وتكون لديه، غالباً، أفكار إشارية عابرة، مثل أن الآخرين يلحظونه، بشكل خاص، أو يقولون عنه أشياء غير سارّة.

الأعراض المصاحبة لاضطراب الشخصية الاضطهادية

تتّسم الشخصية الاضطهادية بسرعة الاستثارة، وتعقيد الأمور. فالمصاب بهذا الاضطراب، يضخم الأمور الصغيرة (يعمل من الحبة قبة). ويصعب عليه الاسترخاء، أو يبدو مشدوداً. وهو يميل إلى الشجار، عند أي تهديد، وينتقد الآخرين، ويحيل الأمور، غالباً، إلى المحاكم؛ بينما لا يتقبّل انتقادهم إياه. وفاعلية صاحب الشخصية البارانوية محدودة، وقد يظهر (بارداً) تجاه الآخرين. وليس لديه إحساس حقيقي بالفكاهة. وقد يفخر بأنه دائماً موضوعي ومنطقي، وأنه غير انفعالي. وتنقصه الرقة، والمشاعر الطيبة، والرأفة.

ويراه الآخرون، أحياناً، ملاحظاً حاسماً، ذا طاقة عالية، شكاكاً، وقادراً. بيد أنهم يرونه، غالباً، متصلباً، رافضاً الحلول الوسط، وكثيراً ما يختلق المصاعب والتعقيدات، ويثير الخوف لديهم؛ فهو غالباً، يخاف من فقْد استقلاله، أو يرغب في تشكيل قوة الأحداث طبقاً لرغباته. ويتجنب، عادة، الألفة، عدا مع أولئك، الذين يثق بهم ثقة مطلقة. ويظهر حاجة شديدة ليكون مكتفياً ذاتياً، بسبب التمركز الشديد حول الذات، وتضخيم أهميتها. ويتجنّب المشاركة في الأنشطة الجماعية، إلا إذا كان في موقع مسيطر.

ويلاحـظ اهتمـام مـن يعـاني اضطـراب الشخصيـة الاضطهاديـة، بالإلكترونيات، والآلات الذاتية. ولا يهتم بالفن أو الإحساس أو الجمـال. ويعي، بشدة، موقع القوة، ومن هو أعلى، ومن هو أدنى. ويحسد، غالباً، مـن هو في مـوقع القوة، ويحتقر من يراهم ضعفاء أو مرضى. وهو عرضة للشعور بأعراض ذهانية (Psychotic Symptoms) عابرة، في فترات التعرض للضغوط.

مسار اضطراب الشخصية الاضطهادية ومضاعفاتها ومآلها

يبدأ في بداية الرشد. ولا توجد دراسات تتبعية طويلة للشخصية الاضطهادية، تحدد مسارها. ولكن، في بعض الحالات، يكون الاضطراب طيلة الحياة. وفي بعضها، يكون بداية للفصام، أو لاضطراب ضلالي. وفي بعضها الآخر، تقلّ حدّة الاضطراب، بالنضج. ونادراً ما يبحث المصاب به عن علاج، خاصة أن بعضهم متعاظمون ويمثلون أدوار قادة لجماعات متطرفة. والإعاقة تكون في صورة مشاكل في العمل، خاصة في العلاقة بالسلطة أو المساعدين. وفي الحالات الشديدة، تختل العلاقات بصورة بارزة .

انتشار اضطراب الشخصية الاضطهادية

يصل معدل انتشاره إلى 2.5 %، ولكن المرضى نادراً ما يمثلون للعلاج، على الرغم مما يسببونه من مشاكل لمن يعايشونهم. ينتشر بين الذكور، أكثر منه بين الإناث. كما يكثر لدى أقارب المرضى المصابين بالفصام العقلي. ولوحظ زيادة انتشاره بين المصابين بالشذوذ الجنسي المثلي (اللواط) (Homosexual)، والمعروفين بالجنوسيين. وكذلك المرضى المصابين بالصمم.

يجب تمييز اضطراب الشخصية الاضطهادية من الآتي:

أ. الاضطراب الضلالي والفصام الاضطهادي، اللذان يتميزان بأعراض ذهانية ثابتة، من الضلالات والهوس وخلل الحكم على الأمور.

ب. اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع، الذي يشترك معه في صعوبة إنشاء علاقات اجتماعية، ونقص الإنجاز الوظيفي.

ج. اضطراب الشخصية شبه الفصامية، الذي يتميز بالغرابة والبرود والانزواء. ولكن، ليس لديه أفكار اضطهادية بارزة .

علاج اضطراب الشخصية الاضطهادية

يُعَدّ العلاج النفسي، هو المفضل، في هذه الحالة. ولكن، على المعالج، أن يعي، أن مناطق الثقة والألفة والتحمل، من قِبل المريض، هي مضطربة؛ فلا بدّ، إذاً، من تمرّسه بالعلاج. والعلاج الجماعي غير ملائم لهؤلاء المرضى. وأحياناً، يلزم بعض العقاقير، في حالات الفوران الداخلي أو القلق. وفي بعض الحالات، قد يكفي عقار (الديازيبام) (Diazepam) الذي يعرف، تجارياً، باسم الفاليوم (Valium). وأحياناً يلزم مضادّات ذهان (Antipsychotics)، بجرعات قليلة، ولفترات قصيرة.

2. اضطراب الشخصية شبه الفصامية (Schizoid Personality Disorder)

يتميز مرضاه بنمط، يسود حياتهم، من العزلة الاجتماعية، وعدم التمايز للعلاقات الاجتماعية، وضيق المدى الانفعالي، خبرة وتعبيراً، ويبدأ في أول الرشد. وهم لا يرغبون، ولا يستمتعون بالعلاقات الحميمة، فيفضلوا أن يظلوا وحيدين، ليس لهم أصدقاء مقربين، يثقون بهم. أو هم يكتفون بصديق واحد فقط، إضافة إلى أقارب الدرجة الأولى. لذا، فهم، دائماً، يختارون أنشطة فردية. وهم غير معبِّرين (عدم تمايز) (Indifference)، في حالات المدح أو الذم، ونادراً ما يخبرون انفعالات قوية، مثل الغضب والسرور؛ فهُم، في الحقيقة، حُصُر('حُصُرٌ : جمع حَصُور؛ وهو الذي يمتنع عن الشيء، عجزاً أو حياءً.')، لذا، يبدون باردين ومتباعدين، وجداناً، عن الآخرين.

ويصاحب ذلك عدم القدرة على إظهار العداء، وغموض الأهداف، والانطواء. ونظراً إلى نقص المهارات الاجتماعية، أو الرغبة في خبرات جنسية، فإن الذكور المصابين بهذا الاضطراب، هم غير قادرين، عادة، على إيلاف[1] امرأة، أو تزوُّجها، ونادراً ما يتزوجون.

البداية والمسار والإعاقة

يبدأ اضطراب الشخصية شبه الفصامية، في الطفولة. وتظل إلى فترة طويلة. ولكن، ليس بالضرورة أن تظل طيلة الحياة. وليس معروفاً النسبة، التي تتحول منها إلى اضطراب الفصام. وتتمثل الإعاقة في ضيق العلاقات الاجتماعية. وقد يختل الأداء الوظيفي، خاصة إذا لزم الاندماج في آخرين. ولكن، من ناحية أخرى، قد يكون المصابون قادرين على زيادة الأداء الوظيفي في المواقف، التي تستدعي إنجازاً عملياً، في ظل ظروف معزولة اجتماعياً.

انتشار اضطراب الشخصية شبه الفصامية

على الرغم من ملاحظة انتشار هذا النمط من اضطراب الشخصية، الذي قد يصل إلى 7.5 % من عامة الناس، وإصابته الذكور أكثر من الإناث، بنسبة (1:2)، فإن حصره في الممارسة الإكلينيكية، لا يزال قليلاً؛ إذ لا يسعى مرضاه للعلاج، كجزء من تجنبهم وعزلتهم الاجتماعية، فهم يميلون إلى اختيار أعمال، يقلّ فيها الاحتكاك بالآخرين، أو ورديات العمل الليلية.

ويلزم تمييز اضطراب الشخصية شبه الفصامية من الآتي:

أ. اضطراب الشخصية فصامية النوع (Schizotypal): يعاني المصابون به شطحات غريبة، في التفكير والسلوك. ولهم أقارب فصاميون (مرضى بالفصام) بخلاف شبه الفصامية.

ب. اضطراب الشخصية التجنبية: يلزم مرضاه العزلة الاجتماعية، تحرّجاً من الرفض. وعلى الرغم من رغبتهم علاقات اجتماعية، فإنهم يحرصون على ضمانات قوية للقبول، وعدم النقد من الآخرين.

ج. اضطراب الشخصية الاضطهادية: ويتميز ببروز الأفكار الاضطهادية، وتوقع الأذى من الآخرين.

علاج اضطراب الشخصية شبه الفصامية

يشبه علاجه العلاج في حالة اضطراب الشخصية الاضطهادية. ولكن صاحب الشخصية شبه الفصامية، يتفق مع توقعات المعالج، من القدرة على الاستبطان (Intorspection) ورؤية الذات من الداخل؛ غير أنه قد يفرط في الخيال، مستغلاً ثقة المعالج. والعلاج الجماعي مفيد له، كذلك (شريطة أن تحميه الجماعة من نوباته العدوانية)؛ إذ يتيح له تفاعلاً اجتماعياً.

3. اضطراب الشخصية فصامية النوع(Schizotypal Personality Disorder)

يتميز اضطراب الشخصية فصامية النوع، بنمط متعمق من غرابة التفكير، والمظهر، والسلوك، وقصور في العلاقات بالآخرين، وهو ليس شديداً بما يكفي لتشخيص الفصام. ويضطرب فيها محتوى التفكير، إذ يشمل أفكاراً اضطهادية (Delusional Ideas)، والتشكك، وأفكاراً إشارية (Ideas of Reference)، واعتقادات غريبة، وتفكيراً سحرياً (Magic Thinking)، لا يتفق مع أسوياء بيئته، ويؤثر على سلوكه وتصرفاته، مثل اعتقاد الخرافات، والكشف والتخاطر (Telepathy)، أو الحاسة السادسة (عندما لا يكون ذلك جزءاً من نظام الثقافة السائدة). وفي حالة الأطفال والمراهقين، قد توجد خيالات غريبة، أو انشغالات، أو خبرات إدراكية غير معتادة، قد تشمل الخداعات (Illusions) أو عدم التناسق (Loose Association) . ويكون الكلام غامضاً، أو غير ملائم التجريد (Abstraction). وقد يعبّر عن المفاهيم بغرابة وغموض. وقد تستخدم الكلمات بطريقة غير معتادة. والمصابون بهذا الاضطراب ذوو سلوك ومظهر غريبَين وهامشيَّين.

وعلاقاتهم بالآخرين مختلة، إلى حد كبير، بسبب نقص التعبير الوجداني، وسخافتهم البادية؛ فنادراً ما يظهرون تعبيرات بالوجه، مثل الابتسام أو الإيماء. وليس لهم أصدقاء مقرَّبون، ويكتفون، أحياناً، بصديق واحد فقط. وينتابهم القلق، إلى أقصى درجة، في المواقف الاجتماعية، التي تضم أشخاصاً لم يألفوهم.

ويصاحب اضطراب الشخصية فصامية النوع، خليط من القلق والاكتئاب، وأحياناً، ملامح من الشخصية الحدّية. وخلال فترات التعرض للضغوط الشديدة، قد تظهر أعراض ذهانية، ولكنها لا تكفي لإضافة تشخيص الذهان (Psychosis).

المسار والتنبؤ بالمآل

لوحظ أن 10% من مضطربي الشخصية فصامية النوع، ينتحرون. وبعضهم يتحول إلى مرض الفصام العقلي. وتشير الملاحظات الإكلينيكية، إلى أن هذه الشخصية، هي شخصية قبل المرض (Premorbid Personality)، في حالات الفصام. ولكن العديد من أصحاب الشخصية فصامية النوع، يمكنهم أن يتزوجوا، ويعملوا، على الرغم من غرابة طباعهم.

انتشـار اضطراب الشخصية فصامية النوع

يصل معدل انتشار اضطراب الشخصية فصامية النوع، إلى 3%. ويكثر بين التوائم المتماثلة، وبين أقارب الدرجة الأولى للفصاميين.

ويجب تمييز اضطراب الشخصية فصامية النوع من الآتي:

أ. الفصام (النوع المتبقي) (Residual Schizophrenia): يتميز بأنه كان فيه تاريخ لمرحلة فصام ناشطة من الأعراض، التي تميز مرض الفصام العقلي.

ب. اضطراب الشخصية، شبه الفصامية والتجنبية: لا يوجد فيه غرابة في التصرفات والتفكير والإدراك والكلام.

ج. اضطراب الشخصية الحدّية: إذا وجدت دلالات من الأعراض المرَضية، تشخص كليهما، يوضع التشخيصان معاً.

د. اضطراب الشخصية الاضطهادية: يسيطر عليه الشك، والأفكار الاضطهادية، من دون غرابة في التصرفات، كالذي يحدث في الشخصية فصامية النوع.

علاج اضطراب الشخصية فصامية النوع

تعطى مضادات الذهان (Antipsychotics)، للتخفيف من أعراض اضطراب التفكير والإدراك، إلى جانب العلاج النفسي. وتطبق عليه المبادئ نفسها، المتبعة في علاج الشخصية شبه الفصامية. ولكن يجب أن تؤخذ أفكار المرضى الغريبة، بحيطة وحذر من جانب المعالِج.

4. اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع (Antisocial Personality Disorder)

ويتميز السلوك المضادّ للمجتمع، بدءاً من الطفولة، أو بداية المراهقة، ويطاول الحياة البالغة. وعلاماته في الطفولة، هي الكذب، والسرقة، والهروب من البيت أو المدرسة، وانتهاك حقوق الآخرين، والشجارات، والاعتداء الجسماني على الآخرين. ويستمر النمط المضادّ للمجتمع، في الكبر؛ إذ يفشل الشخص في العيش شريفاً، كأب أو مسؤول. كما يفشل في المحافظة على عمله وفي امتثال قوانين المجتمع، فيكرر الأفعال المضادّة للمجتمع، فيكون عرضة للمساءلة القانونية.

وأصحاب اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع، يكونون سريعي الاستثارة، عدوانيين، ويتصرفون بإهمال، من دون مراعاة لسلامة الآخرين (مثل قيادة السيارة، وهم مخمورون). وفي علاقاتهم الجنسية، لا يحافظون على علاقة واحدة لأكثر من سنة. ولا يلومون أنفسهم، عندما يسيئون بتصرفاتهم للآخرين.

ويصاحب هذا الاضطراب أعراض الإدمان؛ والممارسات الجنسية المبكرة؛ وأعراض اضطراب التجسيد، مع التوتر وعدم القدرة على تحمّل الملل والاكتئاب؛ واضطراب العلاقة بالآخرين، الناجم عن الإساءة إليهم، والاقتناع بأنهم عدائيون؛ والفشل في المحافظة على علاقة حميمة، ومسؤولة، بأسْرة، أو أصدقاء، أو شريك جنسي.

ويكثر ظهور أصحاب اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع، في صورة المحتالين (النصابين) (Con-men) ، الذين يجيدون خداع الناس، والاستيلاء على أموالهم، أو الأموال العامة. وأحياناً لا تظهر الشخصية المضادّة للمجتمع، في الطفولة. ولا تتداخل مع إنجاز الشخص الدراسي، فينجح في دراسته، بل قد ينجح سياسياً واقتصادياً، ولا تظهر عليه الصورة الكاملة للاضطراب. ويستغل موقعه، العملي أو السياسي، في مصلحته، من دون حسبان لمصلحة الآخرين أو لأي قِيم، أخلاقية أو إنسانية، ومن دون لوم للنفس، أو أدنى شعور بالذنب، تجاه ما تقترفه يداه.

بدء اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع ومساره

يتخذ الاضطراب صورة اضطراب السلوك، عادة، قبل سن الخامسة عشرة. ويبدأ لدى البنين في الطفولة، ولدى البنات في المراهقة. وينجم عنه، غالباً، فشل في الإنجاز الدراسي، وقد يؤدي إلى الهلاك من جراء السلوك المضرب العنيف، غالباً. وقد يقلّ السلوك السيئ المضادّ للمجتمع، بعد سن الثلاثين.

انتشار اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع

قُدِّر معدل انتشار اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع، في البلاد التي دُرِست فيها، مثل أمريكا، بنسبة 3% لدى الذكور، و1% لدى الإناث. وهو معدل ليس بالقليل، ولعل سببه شيوع اضطراب السلوك لدى الأطفال، في العقدَين الأخيرَين، الناجم عن انتشار أفلام العنف، وغياب الأب والأم وانشغالهما بالعمل. ومع أنه لا توجد دراسات انتشارية، يعتمد عليها، في الوطن العربي، إلا أن الانطباع العام، يوحي بازدياد انتشار الشخصية المضادّة للمجتمع، في الفترة الأخيرة، للأسباب الآنفة نفسها، فضلاً عن تشوّه القدوة، بل الافتقار إليها. ويكثر اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع، في الأحياء الفقيرة، والمزدحمة بالسكان، حيث يزداد عدد الأطفال في الأسْرة، بما يقلل رعاية الوالدين ومتابعتهمـا لهم. ويتضاعـف معـدل الانتشار خمـس مرات بين أقـارب الدرجـة الأولى مـن الذكور. وكـذلك يـزداد انتشار هذه الشخصية، بين أقارب مضطربي التجسيد (Somatization ) Disorder والمدمنين.

ويلزم تمييز اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع، من الآتي:

أ. اضطراب السلوك (Conduct Disorder) يتكون، في الطفولة، من علامات نموذجية لاضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع. ولكنه قد ينتهي، تلقائياً، أو يتحول إلى اضطراب آخر، مثل الفصام. ويجب ألاّ تشخّص حالات الأطفال باضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع؛ فهو خاص بمن أكملوا الثامنة عشرة من العمر، وأظهروا نمطاً كاملاً، لفترة طويلة.

ب. السلوك المضادّ للمجتمع، لدى البالغ، الذي لا يتفق مع المواصفات الكاملة لاضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع، ولا يعزى سلوكه المضادّ للمجتمع، إلى اضطراب نفسي آخر.

ج. الإدمـان (Addiction)، بما يصاحبه من سلوكيات مضطربة، بهدف الحصول على المادة المخدرة وتعذّره، ولكن الأساس فيه، ليس تكوين الشخصية.

د. التخلف العقلي والفصام، لا يشخص مع أي منهما اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع، إلا في حالة وجود نمط واضح من السلوك المضادّ للمجتمع.

هـ. نوبات الهوس (Manic Episode)، ويميزها غياب اضطراب السلوك في الطفولة، والطبيعة النوابية، ذات البداية المحددة.

علاج اضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع

قبْل بدء العلاج، يجب أن يجد المعالج طريقة لوقف سلوك الشخص التدميري لنفسه، وخوفه من الألفة والصداقة مع الآخرين، وجعله يتفاعل معهم، من دون خوف من الألم، الناجم عن التفاعل. ومن أكثر أجدى الطرائق العلاجية، تكوين جماعات من المرضى، لمساعدتهم (Self-Help Groups)؛ إذ يتعاطفون مع الشخص، ويعطونه الإحساس بالأبوة، التي حُرِمَها خلال طفولته. وأحياناً، تلزم عقاقير، لعلاج الأعراض المصاحبة، مثل القلق أو الاكتئاب.

5.اضطراب الشخصية الحدّية (Borderline Personality Disorder)

يتميز بالنمط المتعمق، من عدم استقرار صورة الذات، والعلاقات بين الأشخاص والوجدان. ويُعَدّ المصابون به على الحافة، بين العصاب والذهان. وأطلق عليه عدة أسماء (الفصام المتغير) و(الفصام العصابي الكاذب) (Pseudoneurotic Schizophrenia) و(الشخصية ذهانية السمات) و(الشخصية غير المستقرة عاطفياً). ويميزه، كذلك، اضطراب الهوية الثابت، وعدم التحديد في نواحي الحياة المختلفة، مثل صورة الشخص عن ذاته، وأهدافه البعيدة، واختيار العمل، ونوع الأصدقاء، والشريك الجنسي، والقِيم التي يتبناها. وغالباً، يسعر بعدم الثبات لصورة الذات، كإحساس مزمن بالفراغ.

وعادة ما تكون علاقة صاحب الشخصية الحدّية بالآخرين، غير مستقرة، وحادة. وتتميز بتغيرات متطرفة، من المثالية الزائدة إلى الانحطاط القمي، مع عدم ثبات الانفعال، إذ يكون الغضب، أحياناً، غير ملائم للموقف. وغالباً ما يفقد الشخص سيطرته على نفسه، فيبدو كثير العراك والشجار، وهو مندفع في تصرفاته، خاصة في الأنشطة، التي تكون مدمرة للنفس، مثل الإدمان، وقيادة السيارة باستهتار، وسرقة المحلات. وكثيراً ما يهدد بالانتحار، ويشوه نفسه بهدف التلاعب بالآخرين. وعند ازدياد الضغط عليه، قد يصاب بخدر نفسي، أو اختلال الإنية (Depersonalization).

ويصاحب اضطراب الشخصية الحدّية، ملامح من الاضطرابات الأخرى للشخصية، مثل فصامية النوع، والهستيرية، والنرجسية، والمضادّة للمجتمع. وخلال فترات الضغط الشديد، قد تحدث أعراض ذهانية عابرة، ولكنها غير كافية الشدة أو المدة، لعمل تشخيص إضافي.

بدء اضطراب الشخصية الحدّية ومساره

يبدأ الاضطراب مبكراً، في الرشد. ويتميز بعدم الثبات. ولكنه لا يتحول إلى فصام (Schizophrenia)، بل إلى نوبات اكتئاب جسيم (Major Depressive Episodes). وأحياناً، يتحول إلى تفاعل ذهاني، قصير المدى (Brief   Reactive Psychosis). ومن أهم مضاعفاته الانتحار.

انتشار اضطراب الشخصية الحدّية

يلاحظ انتشاره بين عامة الناس. ولكن، لا توجد دراسات لمعدل انتشاره. ويعتقد أنه يصل إلى 2%، وهو أكثر بين النساء، منه بين الرجال، بنسبة (2 : 1).

ويجب تمييز اضطراب الشخصية الحدّية، من الآتي:

أ. اضطراب الهوية (Identity Disorder)؛ إذ إن الصورة الإكلينيكية فيهما متشابهة. ولكن، إذا وجدت دلالات اضطراب الشخصية، وكان الاضطراب ثابتاً، وعميقاً، وغير مرتبط بمرحلة نمو، فإنه يشخص اضطراب الشخصية الحدّية.

ب. السيكلوثيميا (Cyclothymic Disorder)، يعتري المصابين بها عدم الثبات الوجداني. ولكن، توجد نوبات الهوس، التي تميزها.

علاج اضطراب الشخصية الحـدّية

يُعَدّ العلاج النفسي، هو أفضل أنواع العلاجات لهذا الاضطراب، ويصاحبه العلاج الكيماوي. والعلاج النفسي لهذه الحالات، هو من الأمور العسيرة، على كلٍّ من المعالج والمريض؛ إذ يميل المريض إلى النكوص والتفعيل لنزعاته، فيظهر طرحاً، موجباً أو سالباً، تجاه المعالج. وقد يكون هذا الطرح ثابتاً أو متقلباً، من دون سبب يفسره. كما أن حيلة الانشقاق، الدفاعية، تجعل صاحب الشخصية الحدّية، يتردد بين الحب والكراهية للمعالج، وموضوعات البيئة المحيطة به. ويمكن العلاج السلوكي، من طريق تدريب المريض على التحكم في نزعاته ونوبات غضبه، وأن يتعود النقد ويتقبله، مع تدريبه على المهارات الاجتماعية، لزيادة تعامله مع الآخرين. والعلاج الكيماوي، يشمل مضادّات الذهان أحياناً، ومضادّات الاكتئاب والقلق، أحياناً أخرى، وأحياناً مضادّات الصرع.

6.  اضطراب الشخصية الهستيرية (Histrionic Personality Disorder)

يتميز بنمط متعمق، من الانفعالات الشديدة، وجذب الانتباه. والمصاب به يبحث، دائماً، عن الطمأنة أو الموافقة أو الإعجاب من الآخرين. ولا يستريح في المواقف، التي لا يكون فيها محور الاهتمام. ويتميز بتقلب وجداني سريع، وعواطف سطحية، وسلوكه انفعالي أكثر من اللازم. والمثيرات الضئيلة، تعطي إثارة انفعالية مبالغاً فيها. ويعبّر بحدة، عن انفعالاته وبطريقة غير ملائمة. وهو يركز حول نفسه، ولا يحتمل الإحباط من تأخر الإشباع، وأفعاله موجهة إلى الإشباع المباشر.

ويتّسم أصحاب الشخصية الهستيرية بالجاذبية والإغواء. ويبدون لامعين ومشغولين أكثر من اللازم بجاذبيتهم الجسمانية، وطريقتهم في الكلام تعبيرية، تنقصها التفاصيل (مثل من يصف رحلة بأنها كانت خيالية، من دون قدرته على أن يكون أكثر تحديداً).

ويصاحب اضطراب الشخصية الهستيرية، الميول المأسوية، وتضخيم الأحداث والعلاقات، واتخاذ دور الضحية، أحياناً، من دون الوعي بذلك، مع رغبة شديدة في الإثارة، والملل من رُتُوب الحياة (الروتينية). ويوصف المصابون به بأنهم سطحيون، منطوون على أنفسهم، ويحتاجون، دائماً، إلى المساعدة والطمأنة، لشعورهم بالعجز والاعتمادية. وأفعالهم غير ثابتة، غالباً. وقد يسيء الآخرون فهْمهم.

وفي علاقاتهـم بالجنس الآخـر، يحاولـون السيطـرة عليـه، في علاقة اعتمادية. وكثيراً ما يكونون رومانسيين. وعلاقـاتهم الجنسية متفاوتة. فبعضهم داعر. وبعضهم ليس لديه خبرة جنسية، ولا يستجيب. وبعضهم يبدون أسوياء في سلوكهم الجنسي. ويظهرون اهتماماً قليلاً بالإنجاز الذكائي، والتفكير التحليلي. ولكنهم، غالباً، خلاّقون، ولديهم قدرة على التخيل. ويتأثرون بالآخرين. وقابلون للإيحاء. ويظهرون استجابة، مبدئية موجبة، لأي شخص صاحب سلطة قوية، ويعتقدون أنه يمكن أن يقدّم الحلول السحرية لمشاكلهم. وحكمهم على الأمور، ليس عميق الجذور. وعادة، يتوجهون طبقاً للتخمينات. وتكثر شكواهم من ضعف الصحة، والأعراض الجسمانية، مع اختلال الإنية. وخلال فترات الضغط الشديد، قد تصيبهم أعراض ذهانية عابرة، لا تكفي لتشخيص اضطراب ذهاني.

بدء اضطراب الشخصية الهستيرية ومساره

في بداية الرشد، يظهر اضطراب الشخصية الهستيرية. وتقل الأعراض بتقدم السن. وغالباً، تضطرب علاقة المضطرب بالآخرين، وتكون غير مشبعة. وقد يعتريه تفاعل ذهاني، قصير المدى، أو اضطراب التحويل (Conversion Disorder) واضطراب التجسيد.

انتشار اضطراب الشخصية الهستيرية

هذا الاضطراب شائع، خاصة بين الإناث. وتصل نسبته إلى 3% من عامة الناس. ويزداد بين الأقارب من الدرجة الأولى. ويرتبط باضطراب التجسيد والكحولية (إدمان الكحول).

ويجب تمييز اضطراب الشخصية الهستيرية، من الآتي:

أ. اضطراب التجسيد: ويتميز بالشكوى من المرض الجسماني، على الرغم من وجود أعراض الشخصية الهستيرية. وقد يوجدان معاً.

ب. اضطراب الشخصية الحدّية: كثيراً ما تكون مصاحباً. وكذلك اضطراب الشخصية النرجسية.

علاج اضطراب الشخصية الهستيرية

غالباً لا يعي المضطربون، مشاعرهم الحقيقية. لذا، فإن توضيحها لهم، يكون خطوة مهمة في العلاج، الذي يلزم أن يكون نفسياً تحليلياً، وصولاً إلى الاستبصار النفسي. وقد تعطى معه بعض العقاقير، لتخفيف الأعراض، التي قد تكون شديدة، أحياناً، مثل القلق أو الاكتئاب.

7. اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder)

يتميز اضطراب الشخصية النرجسية بالشعور بالعظمة، والحساسية لتقييمات الآخرين، ونقص التعاطف معهم. ويتميز المضطربون بتضخيم ذواتهم ومنجزاتهم وذكائهم. ويتوقعون أن يلحظهم الآخرون بخصوصية، حتى من دون إنجاز ملائم، ويشعرون أن مشاكلهم فريدة (لأنهم متفردون)، ولا يفهمها إلا المتخصصون. وكثيراً ما ينتابهم الشعور بالقيمة وعدمها، مثل التلميذ الذي يتوقع مستوى معيناً، ويحصل على مستوى أقل منه، فإنه يعدّ نفسه فاشلاً، وإذا حصل على المستوى المتوقع، فإنه يعدّ ذلك عادياً، ولا يفرح بذلك فرحاً حقيقياً.

والمصابون بهذا الاضطراب، مشغولون، عادة، بخيالات من النجاح غير المحدود، والقوة، والنبوغ، والجمال، والحب المثالي. ولديهم مشاعر مزمنة من الحسد، لأولئك الذين يرونهم أكثر نجاحاً منهم. إلاّ أن هذه الخيالات، كثيراً ما يستبدل بها نشاط حقيقي واقعي، عندما يمكن تحقيق أهدافهم؛ ولكن النجاح، يكون من دون استمتاع. وطموحهم لا يمكن إشباعه. وذواتهم قابلة للكسر، إلى حدٍّ كبير. وقد ينشغل الشخص منهم بكفاءته في عمله، وتسببها بتقديره من قِبل الآخرين وهو ما يأخذ، غالباً، شكل الاستعراضية، وجذب الانتباه المستمر والإعجاب. ويتفاعل مع النقد، بغضب أو خجل أو فقْد الاحترام للْذَّات، ولكنه يغلف هذه المشاعر بمظاهر من عدم التميز.

وعلاقة المصاب باضطراب الشخصية النرجسية، بالآخرين، هي مختلة، إلى حدٍّ ما، ينقصها التعاطف، وهو ينتظر منهم أن يفضّلوه في المعاملة، مثل: أنه يجب ألاّ ينتظر في الصف، مثل الآخرين. ويوسع صداقاته، ابتغاء ميزات، أو لزيادة قوّتـه وحجم معارفه؛ فلا يرتبط بأصدقائه، إلا بعد أن يأخذ في حسبانه كيف يستفيد منهم. وفي العلاقات الرومانسية، يعامل المحبوب، كموضوع، يستخدم، في تدعيم شأن الذات.

ويصاحب الاضطراب النرجسي أعراض اضطراب الشخصية، الهستيرية والحدّية والمضادّة للمجتمع. وفي بعض الحالات، يشخّص أكثر من نوع لاضطراب الشخصية. ويكثر الاكتـئاب، كمصــاحب في هذا الاضطراب. وغالباً يكون مشغولاً بنفسه، حريصاً على أن يظل شاباً. ويتوارى القصور الشخصي تحت ستار الكذب. وتكون المشاعر ظاهرية، للتأثير في الآخرين.

بدء اضطراب الشخصية النرجسية ومساره

هذا الاضطراب مزمن. ويصعب علاجه. ويبدأ في أوائل الرشد. ومرضاه أكثر عرضة من سواهم، لأزمات منتصف العمر. ويعتري الخلل بعض علاقاتهم الاجتماعية. ويعانون الاكتئاب والمصاعب، مع الأشخاص، والأهداف غير الواقعية. ومن مضاعفات الاضطراب النرجسي، التفاعل الذهاني المحدود، والاكتئاب.

انتشار اضطراب الشخصية النرجسية

يكثر انتشار هذا النوع من اضطراب الشخصية، خاصة في العصر الحديث؛ وذلك بسبب الاهتمام بالإنجاز المهني. كما أن المديح الزائد من الوالدَين لأولادهما، وإذكاء روح الشعور بالعظمة، وأنه لا يوجد مثيلهم في الدنيا، جَمالاً وذكاءً، يمهدان لهذا النوع من الشخصية.

يُلاحظ، أحياناً، أن ملامح اضطراب الشخصية، الحدّية والهستيرية والمضادّة للمجتمع تظهر في الاضطراب النرجسي، غالباً، وعندئذٍ، يشخّص اضطراب شخصية متعدداً.

علاج اضطراب الشخصية النرجسية

يصعب علاج هذا النوع من اضطراب الشخصية. ويلزم علاج تحليلي نفسي، طويل المدى، لإحداث تغيير، وصولاً إلى تعديل مكونات الشخصية، من خلال الطرح (Transference).

8. اضطراب الشخصية المتجنّبة (Avoidant Personality Disorder)

تتميز الشخصية المتجنبة بنمط متعمق، من عدم الراحة الاجتماعية، والخوف من التقييم السلبي، والخجل. أغلب الناس ينشغلون بكيفية تقدير الآخرين لهم؛ ولكن المصابين بهذا الاضطراب، يؤلمهم النقد، ويحطم معنوياتهم، ولا يرتبطون بعلاقات، إلا بعد ضمان القبول وعدم النقد. ولذا، غالباً، ليس لديهم أصدقاء مقرّبون، عدا أقاربهم من الدرجة الأولى. ويتجنّبون العمل، الذي يستدعي علاقات اجتماعية. ويتوترون في المواقف الاجتماعية، خوفاً من قول شيء غير ملائم، أو غبي، أو عدم القدرة على الإجابة عن سؤال؛ وينمّ الخوف من الموقف الاجتماعي، احمرار الوجه، أو البكاء، أو علامات الخوف أمام الآخرين.

ويولّد الخوف والجبن مقاومة، لفعل أي شيء، يشذ عن رتوب المعتاد. فقد يلغي المضطرب، مثلاً، رحلة مهمة، بسبب احتمال ضعيف لسقوط أمطار، تجعل قيادة السيارة خطرة.

ويختلف صاحب الشخصية المتجنّبة عن صاحب الشخصية شبه الفصامية، في أنه توّاق إلى علاقات اجتماعية، وإلى الحب والقبول. ومعاناته سببها نقص قدرته على الارتباط بالآخرين، براحة. ويصاحبها أعراض الاكتئاب والقلق والغضب، لفشله في العلاقات الاجتماعية، مع رهابات خاصة، أحياناً.

بداية اضطراب الشخصية المتجنّبة ومساره ومصيره

يبدأ اضطراب الشخصية المتجنّبة مبكراً، في الرشد. وكثير من مرضاه، يستطيعون العمل في جو، يوفر حماية. وبعضهم يتزوج، ويكوِّن أسْرة، يرتبط بها. وإذا انهارت المساندة من حوله، فإنه يصاب بالاكتئاب والقلق والغضب. ويحدث التجنّب الرهابي، عادة، بسبب الرهاب الاجتماعي، الذي يظهر عبر مسار المرض.

انتشار اضطراب الشخصية المتجنّبة

معدل الانتشار، يراوح بين 1 و10%. وهو ما يشير إلى مدى شيوع هذا الاضطراب بين الناس.

ويلزم تمييزه من الاضطرابات الآتية:

أ. اضطراب الشخصية شبه الفصامية: الذي يتميز بعدم وجود رغبة في عمل علاقات اجتماعية، وبإظهار عدم التمييز، عندما يفقد عزيزاً. أما أصحاب الشخصية المتجنّبة، فيبدون معتمدين بمجرد تكوين علاقة، ويميلون إلى الارتباط، ويخشون الفقد.

ب. الرهاب الاجتماعي (Social Phobia): ويتميز بحدوثه في موقف معين، مثل الحديث في مكان عام. ولكن، قد يكون مصاحباً لاضطراب الشخصية المتجنّبة (اُنظر الرهبة).

ج. رهاب الأماكن المتسعة (Agoraphobia): التجنّب فيه، يرجع إلى الخوف من كونه في مكان أو موقف، لا يتيح حماية أو مساعدة.

علاج اضطراب الشخصية المتجنّبة

يعتمد العلاج النفسي على قبول المعالِج لمخاوف المريض، واستقرار العلاقة العلاجية، وازدياد ثقة المريض بنفسه، ثم تشجيعه على الاختلاط بالعالم الخارجي، ولكن بحذر؛ حتى لا يحدث فشل، يدعم موقف المريض الأصلي، ونقص تقديره لذاته. والعلاج النفسي الجماعي، قد يساعد المرضى، من خلال وجودهم في جماعة علاجية، تدعمهم، وتبني ثقتهم بأنفسهم. والتدريب على تأكيد الذات، يُعَدّ إحدى الوسائل السلوكية، لتعليم المريض أن يعبر عن حاجاته، بوضوح أكثر، ويحسن تقديره لذاته. ويمكن إعطاء مضادّات القلق أو الاكتئاب، إذا وجدت أعراض مصاحبة.

9. اضطراب الشخصية الوسواسية (Obsessive-Compulsive Personality Disorder)

ويميزه النمط المتعمق، من الانضباط، وعدم المرونة، والكفاح من أجْل النظام، ولكن بمقاييس، هي، غالباً، غير مرنة، وكثيراً ما تتداخل مع المهام، التي توكل إلى الشخص؛ إذ يكون الانشغال بالقواعد، والكفاءة، والتفاصيل غير المهمة، معوقاً للشخص. مثل الشخص، الذي يصنع قائمة بأشياء سيفعلها، ويعطي وقتاً كبيراً للنظر في القائمة، ثم لحظات لاسترجاعها من الذاكرة، ثم يبدأ بالمهام؛ والوقت ليس له حساب، وأكثر الأمور أهمية، تترك للحظات الأخيرة.

وأصحاب اضطراب الشخصية الوسواسية، هم، عادة، العقل المفكر لأقاربهم، في علاقة سيطرة، في مقابل تنحّي الآخرين. وعلى الرغم من أنهم يقاومون سلطات الآخرين، فهُم معاندون. ومـن دون سبب ملائم، يصـرّون أن يتبع الآخرون طرائقهم في فعل الأشياء. ولا مجال للعلاقات الشخصية في أعمالهم. وينشغلون، غالباً، بالمنطق والذكاء، ولا يتحملون السلوك العاطفي لدى الآخرين. وعندما يقررون الاستمتاع، فإنهم يخططون له، ويؤجلونه، عادة، إلى العطلات، التي تؤجَّل، بدورها، مراراً، حتى إنه ربما لا يحدث أبداً.

وصاحب الشخصية الوسواسية، يتجنّب أخذ القرار، ويؤجله، خوفاً من الخطأ. وهو ذو ضمير قاسٍ، أخلاقاً، يصدر أحكاماً على النفس، وعلى الآخرين. وقلما يعبّر عن مشاعره، أو يعلّق، أو يقدّم هدية. وعلاقاتهم تقليدية، شكلية. ويراه الآخرون متصلباً.

كذلك، يعاني أصحاب الشخصية الوسواسية، صعوبة التعبير عن المشاعر بالكرب، بسبب عدم الحسم والفاعلية. وكلامهم قد يكون التفافاً ودوراناً حول الهدف. ويكثر اكتئابهم. وتشتد حادتهم إلى السيطرة على الآخرين، وعندما لا يستطيعون، فإنهم يجترون الموقف ويصبحون غُضُباً، على الرغم من أن الغضب، لا يعبّر عنه مباشرة، (مثل سوء الخدمة في مطعم، ولكنه بدلاً من أن يشكو إلى المدير، يفكر، اجترارياً، كم سيترك كبقشيش). وهم شديدو الحساسية للانتقاد الاجتماعي، خاصة إذا كان من شخص ذي سلطة.

البداية والمسار، والتنبؤ بالمآل

يبدأ اضطراب الشخصية الوسواسية، في أول الرشد. والمسار متفاوت. فقد يمرض المضطرب بالوسواس القهري. وقد يصبح دافئاً متكيفاً. وقد يصبح مريضاً بالفصام، أو توهم المرض (Hypochondriasis)، أو الاكتئاب. وعادة؛ يصاب باحتشاء عضلة القلب (Myocardial Infarction).

انتشار اضطراب الشخصية الوسواسية

انتشار الشخصية الوسواسية، غير معروف. ولكنها تكثر بين الذكور، وأقاربهم من الدرجة الأولى. وغالباً تكون الخلفية الاجتماعية لهذه الشخصية، شديدة النظام، إذ تكون الأم أو الأب، أو كلاهما، شديداً في النظام والنظافة والالتزام بالتعليمات.

ويجب تمييز اضطراب الشخصية الوسواسية، من ما يلي:

اضطراب الوسواس القهري (Obsessive Compulsiv Disorder): الذي يتّسم بوساوس وعلامات حقيقية. ولها بداية محددة. ويمكن أن يكون مصاحباً لاضطراب الشخصية الوسواسية.

علاج اضطراب الشخصية الوسواسية

يُدرك المضطربون معاناتهم. ويبحثون عن العلاج، خلافاً باضطرابات الشخصية الأخرى. ويفيدهم العلاج النفسي التحليلي. ولكنه، عادة، يحتاج إلى وقت طويل. والعلاج النفسي، الجماعي والسلوكي، أقل فائدة. كما أن هناك عقاقير مفيدة في العلاج (مثل الكلونازيبام) (Clonazepam).

 



[1]   إيلاف فلان الشيء: مصاحبته، ولومه إياه `وفلان قد أَلِف هذا الموضع، بالكسر يألَفُه .. ويُقال، كذلك: آلَفْتُ الموضع أُولِفُه إيلافاً`. المصدر: ابن منظور، `لسان العرب.