إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الفساد الإداري









الارتباط بالجماعة Sociability

الفساد الإداري

Administration Corruption

 

تُشير كلمة "فساد" في اللغة العربية إلى العطب، وتأتي من الفعل: فَسَدَ، وهو بمعنى أعطب أو أنتن اللحم أو اللبن أو نحوهما، وتفاسد القوم أي تدابروا وقطعوا الأرحام، والفساد هو التلف والعطب والاضطراب والخلل وإلحاق الضرر. وفي التنزيل العزيز، يقول تعالى: ]ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ[ (سورة الروم: الآية 41)، ويقول تعالى: ]وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً[ (سورة المائدة: الآية 33). وهكذا تُشير كلمة "فساد" في اللغة العربية إلى كل سلوك يتضمن معاني الضرر والخلل والتلف وتقطيع أوصال المجتمع.

أما الفساد في اللغة الإنجليزية فيعني التلف وتدهور التكامل والفضيلة ومبادئ الأخلاق، وأيضاً الرشوة. وهكذا يتضح أن مفهوم الفساد في اللغة الإنجليزية يشير إلى السلوك الفعلي، الذي ينطوي على التلف والتدهور الأخلاقي.

وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن الدلالة اللغوية لكلمة الفساد تعني: الإتلاف وإلحاق الضرر والأذى بالآخرين.

والتعريفات التي تناولت مفهوم الفساد عديدة ومتنوعة، وتختلف من باحث إلى آخر. وربما يرجع هذا التعدد إلى أن الفساد مفهوم مركب ومطاط وينطوي على أكثر من بعد؛ فضلاً عن غياب تعريف واحد متفق عليه بين جمهرة الباحثين، علاوة على أن هذا المفهوم يختلف من عصر إلى آخر، ومن مكان إلى آخر. كذلك يمكن أن تختلف النظرة إلى السلوك الذي تنطبق عليه خاصية الفساد طبقاً لدلالته؛ فالمحسوبية والمحاباة، على سبيل المثال، ربما يُنظر إليها على نحو مختلف تماماً في المجتمعات التي بها التزامات قرابية، فضلاً عن صعوبة وضع معايير عامة تنطبق على ظاهرة الفساد في كل المجتمعات؛ لأن المعايير الاجتماعية والقانونية إذا انطبقت في بعض الجوانب، فإنها قد تكون متعارضة تماماً في جوانب أخرى في عديد من الدول والأمم المختلفة. في هذا الإطار يمكن تحديد أهم الاتجاهات الأساسية في تعريف الفساد على النحو الآتي:

1. الاتجاه الأول: الفساد هو إساءة الوظيفة العامة، من أجل تحقيق مكاسب خاصة

يؤكد أنصار هذا الاتجاه أن الفساد هو وسيلة لاستخدام الوظيفة العامة، من أجل تحقيق منفعة ذاتية ـ سواء في شكل عائد مادي أو معنوي ـ وذلك من خلال انتهاك القواعد الرسمية والإجراءات المعمول بها. ومن هذه التعريفات على سبيل المثال، تعريف كريستوفر كلافان، الذي عرّف الفساد بأنه "استخدام السلطة العامة من أجل تحقيق أهداف خاصة"، وأن تحديد هذا المفهوم ينشأ من خلال التمييز بين ما هو عام وما هو خاص.

ويأتي في هذا الإطار، أيضاً، تعريف كوبر Kuper بأن الفساد الإداري هو "سوء استخدام الوظيفة العامة أو السلطة للحصول على مكاسب شخصية أو منفعة ذاتية، بطريقة غير شرعية".

وقد سار على المنوال نفسه كثير من الباحثين في ربط الفساد الإداري بإساءة استخدام الوظيفة العامة؛ فيرى روبرت بروكس Brooks أن الفساد الإداري هو "سلوك يحيد عن المهام الرسمية لوظيفة عامة بهدف الحصول على منافع خاصة؛ أو أنه الأداء السيئ المقصود، أو تجاهل واجب محدد معروف، أو الممارسة غير المسموح بها للسلطة، وذلك بدافع الحصول على مصلحة شخصية مباشرة بشكل أو بآخر. وهكذا يتبين أن هذا الاتجاه يوضح أن السلوك المنطوي على الفساد ليس بالضرورة مخالفاً لنصوص القانون، وإنما يعني استغلال الموظف العام سلطته ونفوذه لتحقيق مكاسب خاصة، وذلك من خلال تعطيل نصوص القانون، أو من طريق زيادة التعقيدات البيروقراطية في تنفيذ الإجراءات، أو انتهاك القواعد الرسمية.

2. الاتجاه الثاني: الفساد هو انتهاك المعايير الرسمية والخروج على المصلحة العامة

يركّز هذا الاتجاه على أن السلوك المنطوي على الفساد هو ذلك السلوك الذي ينتهك القواعد القانونية الرسمية، التي يفرضها النظام السياسي القائم على مواطنيه. ويُعد جارولد مانهايم Manhiem من أهم العلماء المعبرين عن هذا الاتجاه القانوني. عرف مانهايم الفساد بأنه "سلوك منحرف عن الواجبات والقواعد الرسمية للدور العام، نتيجة للمكاسب ذات الاعتبار الخاص (سواء شخصية أو عائلية أو الجماعات الخصوصية)، والتي تتعلق بالثروة أو المكانة. أو السلوك الذي ينتهك الأحكام والقواعد المانعة لممارسة أنماط معينة من التأثير والنفوذ ذوي الطابع الشخصي الخاص".

وكذلك تعريف هينتجتون للفساد الإداري بأنه "سلوك الموظف العام الذي ينحرف عن القواعد القانونية السائدة، بهدف تحقيق منفعة ذاتية".

وعلى الرغم من أهمية هذا النوع من التعريفات للفساد، إلا أنها لا تعبر بالضرورة عن كل أشكال الفساد عن الخروج على القانون؛ إضافة إلى أن التعريفات القانونية للفساد غير كافية؛ لأن المميزات المحددة غالباً ما تحدد من خلال العرف الاجتماعي والعكس بالعكس؛ فضلاً عن ذلك فإنه من الصعب وضع معايير عامة للسلوك المقبول، خاصة في الدول الأكثر عرضة للتغير السياسي والاجتماعي.

3. الاتجاه الثالث: الفساد كأوضاع بنائية هيكلية

ينظر هذا الاتجاه إلى الفساد بوصفه نتيجة مجموعة من الاختلالات الكامنة في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع. وعلى هذا الأساس فلكي يتم الكشف عن أسباب الفساد ومظاهره داخل المجتمع، يجب تحديدها داخل البناء الاجتماعي الشامل. ومن أهم التعريفات التي تمثل هذا الاتجاه تعريف عبدالباسط عبدالمعطي، الذي يرى أن الفساد "أسلوب من أساليب الاستغلال الاجتماعي المصاحب لحيازة القوة الرسمية داخل التنظيمات الإدارية، وهو نتاج لسياق بنائي قائم على العلاقات الاستغلالية التي تؤثر في صور هذا الفساد ومضموناته وموضوعاته وأطرافه، التي يُستغل فيها دوماً من لا يحوزون القوة والسلطة بجوانبها المختلفة، خاصة الاقتصادية والسياسية".

وعلى هذا يُلاحظ وجود علاقة جوهرية بين الفساد البنائي والفساد السلوكي؛ فوجود النمط الأول يزيد من احتمالات حدوث النمط الثاني بالضرورة، حيث إن السعي إلى تغيير البناء الاجتماعي يرتبط –غالباً- بمجموعة من التوترات والاختلالات، التي تتضمن ألواناً عديدة من الفساد السلوكي داخل المجتمع.

بعد عرض الاتجاهات الثلاثة السابقة في تعريف الفساد بشكل عام، يمكن تحديد مفهوم الفساد الإداري بوصفه "استغلال رجال الإدارة ـ العاملين في كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها ـ للسلطات الرسمية المخولة لهم والانحراف بها عن المصالح العامة، تحقيقاً لمصالح ذاتية وشخصية من أجل الحصول على مزيد من المكاسب بطريقة غير مشروعة".

والفساد الإداري بهذا المعنى ينطوي على صور عديدة، أهمها:

·   استغلال المنصب العام للصالح الخاص، أو ما يُسمى: الفساد الذاتي لرجال الإدارة Auto- Corruption.

·   تقاضي الرشوة Bribe.

·   العمولات Commission.

·   الاختلاس Misappropriation.

·   محاباة الأقارب Nepotism.

·   المحسوبية Patronage.

·   التهرب من الضرائب.

·   بيع المناصب العامة نظير مقابل مالي.

إن هذه الصور المعبِّرة عن الفساد الإداري، توجد على مستويات مختلفة في كل النظم، سواء في المستويات العليا من السلطة التنفيذية، أو بين موظفي الجهاز الإداري، أو في جميع المستويات العليا والوسطى والدنيا من الجهاز البيروقراطي، بل وفي جميع الأنشطة الحكومية المختلفة. ويتسم الفساد، عامة، بخاصية أساسية، وهي الممارسة السرية الماكرة للسلطة الرسمية، في ظل التظاهر بالقانونية أو الشكل القانوني؛ فالغرض الحقيقي لسوء استخدام السلطة يظل دائماً سراً خافياً.

أسباب الفساد الإداري ومنابعه الأساسية

ترجع الأسباب الأساسية للفساد الإداري إلى شبكة معقدة من العوامل الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، التي توحد هذه العوامل المسببة للفساد معاً في مُركَّب واحد، تتداخل عناصره وأبعاده على المستوى الواقعي، بحيث يصعب التمييز بينها تمييزاً واضحاً. ومن أهم هذه الأسباب:

1. الأسباب الاقتصادية للفساد الإداري

تلعب العوامل الاقتصادية السائدة في بعض المجتمعات دوراً مؤثراً في انتشار قيم الفساد وتغلغلها في أحشاء المجتمع. وتزداد فاعلية هذه العوامل، بصفة خاصة، في الدول التي تتبنى سياسة إنمائية رأسمالية محورها التركيز على اعتبارات النمو الاقتصادي الحر، دون الاهتمام بتحقيق عدالة في التوزيع. ويترتب على ذلك ظهور شرائح اجتماعية جديدة تملك الثروة دون أن يكون لها نفوذ سياسي، عندئذ تلجأ تلك الشرائح إلى استمالة أصحاب النفوذ السياسي باستخدام أساليب فاسدة، كالرشوة والعمولات والإغراءات المختلفة التي تُقدم للمسؤولين، بهدف الحصول على تأثير سياسي مباشر يتمثل في عضوية المجالس النيابية.

2. الأسباب السياسية للفساد الإداري

يتفق أغلب الباحثين على أن أكثر النظم إفرازاً للفساد الإداري ومظاهره هو النظام الديكتاتوري الأبوي Patrimonial Rule، الذي يتركز في شخصية حاكم مستبد مستنير يتمتع بسلطة مطلقة ـ تصل –عادة- إلى حد الاستبداد الكامل ـ وتحيط به نخبة محدودة من أهل الثقة، الذين يتصفون بالولاء الكامل لشخصه، ويعملون على إجهاض روح المبادرة والرقابة الشعبية والإدارية، ما يشجع على ظهور صور الفساد المختلفة. والهدف الأساسي للفساد هو القضاء على الشفافية والمنافسة، وخلق شريحة أو فئة محظوظة ومسارات داخلية سرية. والفساد بهذه الصورة مضاد للديموقراطية؛ فكما يقولون: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

3. الأسباب الاجتماعية والثقافية

تُعد العوامل الاجتماعية والثقافية سبباً له أهميته الخاصة في نشأة الفساد الإداري وانتشاره داخل المجتمع. وتؤكد بعض القيم الثقافية التقليدية السائدة في الدول النامية على فكرة العائلة الممتدة، وارتباط الفرد بعائلته وأقاربه وأصدقائه وأبناء قريته التي ينتمي إليها؛ ولذلك يتوقع منه في حالة توليه منصباً إدارياً مهماً في الجهاز الإداري بالدولة، أن يقدم خدماته لهؤلاء الأفراد الذين تربطه بهم صلات خاصة. وتتمثل هذه الخدمات في إيجاد الوظائف وفرص التعليم والحصول على مزايا عينية وأدبية، ويصل الأمر إلى مخالفة القانون أو مبدأ تكافؤ الفرص، من أجل محاباة الأهل والأصدقاء، ما يترتب عليه ظهور قيم الفساد بكافة صوره في ممارسة الوظيفة العامة.

4. الأسباب الإدارية والقانونية للفساد الإداري

يحدث الفساد الإداري، في كثير من الأحيان، نتيجة لاعتبارات إدارية وقانونية، تتمثل في غياب الأبنية والمؤسسات، فضلاً عن عدم وجود القوانين الرادعة للفساد. ويؤدي هذا إلى إطلاق يد العناصر البيروقراطية ـ وخاصة العناصر العليا منها ـ في تنفيذ ما تراه محققاً لمصالحها الخاصة، مستخدمة في ذلك الأساليب المتنوعة للفساد الإداري. وهذا ما يؤكده أرثر لويس قائلاً: "إن الشخص حينما يكون متقلداً منصباً وزارياً في الدول النامية، تكون لديه فرصة حياته لتكوين الثروة من خلال اللجوء إلى الفساد واستغلال النفوذ"؛ إضافة إلى اتجاه القادة الإداريين لاستغلال مناصبهم العامة في تحقيق مصالحهم الذاتية، وتكديس الثروات وتقاضي الرشاوى والعمولات، أو من خلال الأساليب التي يلجأ إليها أصحاب رؤوس الأموال الخاصة ـ المحلية والأجنبية ـ لحماية مصالحهم وتجاوز الإجراءات الروتينية المعقدة للإدارات البيروقراطية، بتقديم الرشاوى والعمولات إلى مديري تلك الإدارات. ويترتب على هذه الأوضاع ظهور الفساد في ممارسة الوظيفة العامة. ويصدق هذا الوضع على الدول النامية؛ فكما يقول جونار ميردال في تحليله للفساد الإداري في دول جنوب آسيا، فإن "الرشوة صارت من الحقائق الثابتة في الأجهزة الإدارية في هذه الدول، حيث تعاني كل الإدارات الحكومية والوكالات والشركات العامة ومكاتب التصدير وإدارات الضرائب، من انتشار الرشوة على نطاق واسع، بحيث يمكن القول إنه متى أُعطيت السلطة لأي موظف، سيكون هناك مجال للرشوة، والتي من دونها لا يسير دولاب العمل الإداري".

وهكذا، فإن البُعد الإداري -بمعنى ضعف الأنظمة الإدارية والقانونية في مواجهة الفساد- فضلاً عن عدم الاتساق بين النظام الإداري ومتطلبات الحياة الاجتماعية، يمكن أن تكون من مسببات الفساد المهمة داخل المجتمع.

ولا شك أن انتشار صور الفساد الإداري، وما يرتبط بها من ضعف الانتماء والشعور بالهوية الوطنية، يقود إلى عدة احتمالات، مثل: قلة الكفاءة في الأداء، وإضعاف القواعد القانونية، واهتزاز صورة الشرعية القانونية، وتقليل قدرة المؤسسات على ممارسة وظائفها على الوجه الأكمل. كما أنه في ظل ممارسات الفساد تتراجع معايير الكفاءة والقدرة على الأداء، كشرط لشغل المناصب داخل المؤسسات، نتيجة لانتشار المحاباة والمحسوبية، ويصل إلى المؤسسات مَن لا يتمتعون بالمهارات والكفاءات المطلوبة، ما يؤدي إلى انخفاض قدرة المؤسسات وكفاءتها.

ومن هنا يربط بعض الباحثين بين انتشار قيم الفساد وعدم الكفاءة،  وانتشار المحسوبية والمحاباة، وظاهرة هجرة الكفاءات العلمية والفنية، التي تُعرف بظاهرة "نزيف العقول" Brin Drain.