إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الأخصائي النفسي









الأخصائي النفسي

الأخصائي النفسي

يواجه الإنسان أثناء حياته مشكلات متعددة، منها ما هو هين يستطيع الفرد التعامل معه وعلاجه، ومنها ما هو معقد لا يقدر عليه. عندئذ يسعى إلى من يساعده من أهل الخبرة والتخصص، في التعامل مع هذه المشكلات. ومن أهل التخصص الذين يلجأ إليهم صاحب المشكلة رجال الدين (كما في حالة الاعترافات المسيحية)، ومنهم الطبيب المتخصص، ومنهم الأخصائي النفسي.

وكلما زاد تعقد المجتمعات واتجاهها نحو المدنية، زاد قلق الأفراد وما يواجهونه من مشكلات؛ فعصرنا يتميز ويتصف بتغييرات متلاحقة وسريعة، جعلت العالم يعيش في خضم ثورات متزامنة ومتنامية ومستمرة ومتفاعلة.

ولعل الثورة الأم لكل الثورات هي ثورة الاتصالات والمعلومات، التي أدت إلى سرعة انتقال المعلومات عبر العالم، وأدت إلى ظهور عدة ظواهر معرفية، منها العجز المعرفي، والجوع المعرفي، والتسول المعرفي، والتحدي المعرفي. وقد أدى التفاعل بين هذه المقومات والثورات، إلى ظهور العولمة الثقافية والسياسية والاقتصادية.

وقد ترتب على هذه التغيرات عدة نتائج، منها أننا أصبحنا نعيش في عالم من المتناقضات، مليء بالصراعات والتحديات وخلط المفاهيم وتداخلها وتشابكها وتعقدها.

إن هذه التغيرات تبرز الحاجة إلى الأخصائي النفسي، ليمد يد المساعدة للأفراد والمؤسسات، ويعاونها في حل ما يواجهها من مشكلات، وفي تخطي ما تتعرض له من أزمات وصراعات.

أولاً: التعريف والمفهوم

يُعرف الأخصائي النفسي بأنه شخص مؤهل علمياً ومهنياً، لتقديم الخدمات النفسية لمن يحتاجها، وذلك من خلال تشخيص ودراسة وعلاج المشكلات، التي يعاني منها الأفراد، والتي تواجه المؤسسات.

ويُقصد "بالمؤهل علمياً"، أن يكون الأخصائي حاصلاً على درجة جامعية تخصصية في علم النفس، وأن يخضع للتدريب الذي يؤهله للممارسة العملية. وهو بذلك ليس طبيباً نفسياً؛ لأن الطبيب النفسي تكون درجته الجامعية الأولى في مجال الطب، ثم يتخصص في دراسة السلوك المرضي. كما أن الأخصائي النفسي يختلف عن الطبيب النفسي في أن الأول لا يستخدم العقاقير أو الأدوية في العلاج، بل له أساليب أخرى، مثل طرق تعديل السلوك.

والأخصائي النفسي مؤهل مهنياً لتقديم الخدمات النفسية؛ لأنه يخضع وينتظم في دورات تدريبية عملية لاكتساب المهارات، التي تؤهله للممارسة المهنية، مثل القياس النفسي، والإرشاد النفسي، والعلاج النفسي، والوقاية من الاضطرابات، والمتابعة، والتقويم.

ولا يقتصر عمل الأخصائي النفسي على مساعدة الأفراد في تشخيص مشكلاتهم وعلاجها، بل يمتد عمله إلى المؤسسات. إنه مسؤول عن تنمية المؤسسات Organizations Development .

وقد أدى ذلك إلى ظهور تخصصات متمايزة لدى الأخصائيين النفسيين، على نحو قريب من توزّع الأطباء إلى تخصصات متنوعة؛ فهناك الأخصائي النفسي الإكلينيكي، الذي يسهم في تشخيص ودراسة وعلاج المشكلات والاضطرابات النفسية. كما يوجد الأخصائي النفسي التربوي، الذي يسهم في تشخيص ودراسة وعلاج المشكلات، التي تنشأ لدى الطلاب أو المؤسسات التربوية العامة، وصولاً إلى تحقيق أداء المؤسسة التربوية لأهدافها. وهناك الأخصائي النفسي في مجال الصناعة، الذي يسهم في تحليل العمل والعامل، وتحقيق المواءمة المهنية، كما يسهم في حل المشكلات التي تنشأ داخل المصنع، وعلى وجه خاص تلك المرتبطة بالعلاقات الإنسانية.

ويتعاون الأخصائي النفسي في ممارسته لعمله، مع بعض التخصصات الأخرى. فقد يحتاج إلى عرض المريض أو العميل على طبيب للتثبت من أسباب الاضطرابات، وهل هي عضوية أم غير ذلك؟، وقد يحتاج إلى الأخصائي الاجتماعي لدراسة الاتجاهات الاجتماعية والمجتمعية، التي تسهم في إحداث الاضطراب.

ثانياً: الأدوار العامة للأخصائي النفسي

1. الإسهام في تحقيق المؤسسة الفعالة Effective Organization

كل مؤسسة هي نظام يتكون من مزيج متفاعل من الموارد البشرية والمادية، والإجراءات اللازمة للتنسيق بين المهام والوظائف، تحقيقاً للأهداف، التي تصبو إلى تحقيقها.

ومن معايير فعالية المؤسسة القدرة على استخدام الموارد المتاحة، بأفضل صور ممكنة، ورضاء العاملين، والتكيف مع النظام البيئي، والتطوير التنظيمي.

ويلقي ذلك على الأخصائي النفسي مسؤوليات عديدة، إذ عليه أن:

أ. يكون قادراً على تحديد معنى الفاعلية إجرائياً، في نطاق مؤسسته.

ب. يضع المعايير والمؤشرات اللازمة والمناسبة للحكم، على تلك الفعالية.

ج. يتعاون مع الجهات المسؤولة، في تقويم جودة عمل المؤسسة.

د. يشخص العوامل المؤدية إلى نقص فعالية المؤسسة.

هـ. يُصمم الأدوات اللازمة، التي تساعده على التقدير السليم.

و. يرسم الخطط اللازمة لرفع كفاءة المؤسسة، بالتعاون مع الجهات المعنية.

ز. يسهم في تنفيذ خطط رفع الكفاءة، ومتابعة تنفيذها وتقويمها.

2. تطوير البناء التنظيمي للمؤسسة

يُعد هذا الدور مكملاً للدور السابق، إذ إن تطوير البناء التنظيمي للمؤسسة يحقق المؤسسة الفعالة. ويُقصد بتطوير البناء التنظيمي "الجهد المخطط والمستمر لتطبيق مبادئ العلوم السلوكية في تحسين النظام، باستخدام طرق التحليل والدراسة الذاتية الانعكاسية Reflexive للمؤسسة". ويتضمن هذا التعريف عدة مقومات، أهمها:

أ. تحسين النظام: ويُقصد به تطوير قدرة المؤسسة كنظام على التعامل والتفاعل مع الأنظمة الفرعية، ومع البيئة. ويتضمن تحسين المؤسسة كنظام تطوير الاتصالات داخل تلك المؤسسة، تكامل الأهداف الفردية التنظيمية، وإيجاد مناخ قائم على الثقة المتبادلة يرفع الروح المعنوية للعاملين، وتعديل اتجاهات العاملين في الاتجاه المواتي للإصلاح.

ب. طرق التحليل والدراسة الذاتية والانعكاسية للمؤسسة: يتضمن تحسين وتطوير النظام المؤسسي إشراك المعنيين بالمؤسسة، في عمليات الفحص والدراسة والتشخيص والتطوير والعلاج.

ج. جهد مخطط ومستمر: لما كان العالم في تغير مادي ومعنوي مستمر، ولما كانت المؤسسات تواجه بتحديات متعددة ومتنوعة، فإن تطوير التنظيم المؤسسي يعد جهداً مستمراً، في ضوء إمكانات المؤسسة، وظروفها، ودرجة نمو العاملين بها.

د. تطبيق مبادئ العلوم السلوكية: يحتاج تطوير البناء التنظيمي إلى استخدام عديد من المبادئ السلوكية، كالدافعية، والتواصل، والصياغة الإجرائية للأهداف، واستخدام ديناميات الجماعة، وتحديد الأدوار، والقيادة، والمناخ المؤسسي، وغيرها.

ويمر تطوير البناء التنظيمي للمؤسسة بعدة خطوات، هي:

·       توضيح خطوط التواصل والاتصال داخل المؤسسة.

·       الكشف عن أنواع الصراع أو الخلل.

·       وضع وصياغة أهداف التطوير.

·       تحسين أسلوب العمل داخل الجماعات والقطاعات الفرعية بالمؤسسة.

·       وضع حلول للمشكلات التي تعاني منها المؤسسة.

·       اتخاذ القرارات المناسبة لحل المشكلة، أو لتطوير البناء التنظيمي.

·       تقييم ومتابعة التغيرات الحادثة نتيجة تنفيذ تلك القرارات.

3. الدور التنموي للأخصائي النفسي

للأخصائي النفسي أدواراً ثلاثة أساسية، هي: الوقائي، والعلاجي، والتنموي. ولعل أكثر الأدوار إهمالاً هو الدور التنموي، الذي تبرز الحاجة ماسة إليه الآن، مع ما يواجه الأفراد والمؤسسات من تحديات.

إن الدور التنموي للأخصائي النفسي يُصبح دوراً بارز الأهمية، إذ عليه أن يعمل بطريقة مباشرة وغير مباشرة على تنمية قدرات الأفراد والمؤسسات، بتصميم الأنشطة والبرامج التدريبية التي تنمي الذكاءات المتعددة، وتنمي ابتكارية الأفراد، وقدرتهم على التفكير الناقد.

كما عليه أيضاً أن يعمل على اتخاذ الإجراءات والتدابير، التي تساعد على تنمية إمكانات الأفراد المعرفية والوجدانية والمهارية.

4. الدور الوقائي في عمل الأخصائي النفسي

للدور الوقائي للأخصائي النفسي ثلاثة مستويات، يهدف المستوى الأول منها إلى التحكم في العوامل، التي تؤدي إلى إصابة الأفراد بالاضطرابات والأمراض النفسية؛ ويهدف المستوى الثاني إلى تقصير فترة المعاناة من الاضطراب أو منعه من الانتشار والتحكم فيه. أما المستوى الثالث، فيهدف إلى مواجهة نتائج الإصابة بالاضطراب، سواء للفرد أو المحيطين به.

ويمثل النوع الأول من الوقاية توعية الأفراد، مثلاً، بأضرار المخدرات وأسباب الإدمان. ويمثل النوع الثاني التحكم فيما قد ينتشر بينهم من عادات سلوكية سيئة، أو اضطرابات نفسية. ويمثل النوع الثالث مساعدة سيئي التوافق على الاندماج في المجتمع، بعد تلقي العلاج والإرشاد المناسب.

وحتى يحقق الأخصائي النفسي الوقاية الأولية، فينبغي أن يعمل مع الجهات المعنية على إشباع الحاجات المختلفة للأفراد، كالحاجات الفيزيقية والنفس اجتماعية والثقافية (أي التعامل بنجاح مع القوى الاجتماعية، التي تحدد وضع الفرد داخل الجماعة وتوقعات الجماعة منه، مثل القوى التي تحدد وضع أبناء الطبقات المحرومة داخل المجتمع). والشق الثاني في الوقاية الأولية هو مساعدة الأفراد وتنمية قدراتهم، على مواجهة الأزمات النمائية التي يمرون بها، مثل أزمة الثقة والهوية، واختلال الإنية، وأزمة الانتقال من مرحلة إلى أخرى.

وتقوم الوقاية الثانية أو الثانوية على مسلمة مؤداها: أن الوقوف على المؤشرات والعلامات المبكرة للاضطراب، تؤدي إلى منع الإصابة بالاضطرابات والمشكلات الحادة، إذا ما استخدمت أساليب التدخل المناسب. ويكون دور الأخصائي النفسي هو استخدام الأساليب والوسائل، التي تساعد في التعرف على من تظهر لديهم بوادر الاضطراب، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحويلهم إلى مصادر الخدمات التي يحتاجونها. وحتى يحقق الأخصائي النفسي الوقاية الثانوية بالطريقة المناسبة، فإن عليه مسؤولية التوعية للمساعدة في الوقوف على المؤشرات والعلامات المبكرة للاضطراب، والتوعية بمصادر الخدمات المتاحة، وكيفية الحصول عليها، والتوعية لتصحيح المفاهيم الخاطئة، عن الصحة النفسية والمرض النفسي.

ويعمل النوع الثالث من الوقاية على مساعدة من أصابهم الاضطراب أو المرض النفسي، وتلقوا العلاج المناسب، على استعادة ثقتهم بأنفسهم وثقة الآخرين بهم، وتأهيلهم نفسياً للحياة والتعايش بنجاح مع المجتمع، وتأهيلهم مهنياً، إذا لزم الأمر؛ إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك بتحويلهم لجهات الاختصاص.

5. تقويم الاستشارات النفسية

للدور الاستشاري في عمل الأخصائي النفسي أهمية كبيرة؛ لأنه يسهم في جميع الأدوار المشار إليها؛ إذ يسهم في تطوير البناء التنظيمي للمؤسسة، وفي تنفيذ الأنواع المختلفة من الوقاية. ويُقصد بالاستشارة التي قدمها الأخصائي النفسي "علاقة مهنية بين الأخصائي كمتخصص، وطالب الاستشارة للمساعدة في علاج مشكلة العميل، ولزيادة معلوماته ومهاراته، وتصحيح ما لديه من معلومات سابقة، بحيث يُصبح قادراً في المستقبل على مواجهة أمثال تلك المشكلات بنجاح".

والدور الاستشاري للأخصائي النفسي إما أن يكون مباشراً، بالعمل مباشرة مع صاحب المشكلة، أو غير مباشر بالعمل مع من يمكن أن يسهم في علاج المشكلة، وآثارها المستقبلية.

وللدور الاستشاري للأخصائي النفسي مجالات متعددة، منها:

أ. التدريب: وفي هذه الحالة يكون الأخصائي خبيراً أو مصدراً للمعلومات. ومن أمثلة البرامج التدريبية التي يشترك فيها الأخصائي النفسي: بناء الأدوات والمقاييس، وأساليب تعديل السلوك.

ب. تيسير الاتصالات: إن استشارات الأخصائي النفسي يجب أن تساعد على تيسير الاتصالات، وتحقيق الفهم المشترك المتبادل، وإزالة أوجه الاختلاف والتناقض والصراعات بين العاملين بالمؤسسة. ولا يقتصر تيسير الاتصالات الذي يؤديه الأخصائي النفسي على العمل داخل المؤسسة، بل يتعداه إلى تقديم الاستشارات للهيئات المحلية، التي تتعامل مع المؤسسة.

ج. منسق للعلاقات الإنسانية: يُقدم الأخصائي النفسي استشاراته التي تساعد على حل الصراعات داخل المؤسسة، ومواجهة ما يعانيه بعض العاملين من إحباطات. كما تساعد استشاراته على مساعدة الأفراد في فهم أنفسهم، وإدراك دلالة تصرفاتهم وتأثيراتها على الآخرين، وتسهم استشاراته في استثارة وتنمية الأفكار وظهور الجديد منها.

إلا أن ما يجب ملاحظته في هذا الصدد هو ألا يلعب الأخصائي النفسي دور حكم المباراة، أو دور ممثل المدير أو شبيهه؛ لأن هذا يُفسد علاقاته المهنية.

6. إجراء الدراسات والبحوث العلمية

لإجراء الدراسات فائدتها للأخصائي النفسي وللمؤسسة؛ فإجراء الأخصائي الدراسات العلمية المتعلقة بمؤسسة ما، يحقق له المزيد من النمو المهني، والمزيد من فهمه لمجال عمله.

ويتعدد مجال تلك الدراسات، لتشمل التوجيه التربوي المهني، والمواءمة المهنية، وإعداد الوسائل والأساليب اللازمة، والمشكلات التي تواجه الأفراد وكيفية مواجهتها.

وعلى الأخصائي إشراك الأفراد والإدارة في إجراء تلك الدراسات؛ لأن ذلك يساعدهم على المزيد من الفهم والمشاركة في علاج المشكلات.

ثالثاً: نماذج من الأدوار المتخصصة للأخصائي النفسي

سبق الإشارة إلى تعدد مجالات عمل الأخصائي النفسي. فقد تكون في مجال العلاج بالمستشفيات والعيادات، وبذلك يكون الأخصائي النفسي إكلينيكي. وقد يقدم الأخصائي النفسي خدماته في المجال التربوي، وبذلك يكون أخصائياً نفسياً مدرسياً أو تربوياً. وقد يقدم الأخصائي النفسي خدماته في مجالات عمل الشؤون الاجتماعية، مع الأحداث أو المدمنين أو غيرها، وبذلك يكون الأخصائي النفسي التأهيلي، نسبة للتأهيل المهني والتربوي والاجتماعي... إلخ. وثمة مجالات أخرى متعددة لعمله.

وفيما يلي نعرض لنماذج من مجالات عمل الأخصائي النفسي

1. الأخصائي النفسي المدرسي

يعد الأخصائي النفسي المدرسي مشاركاً في إيجاد المدرسة الفعالة، أي المدرسة القادرة على تحقيق أهدافها، مستخدمة مواردها المحدودة بأفضل صورة ممكنة، وعلى التكيف مع النظام البيئي المحيط بها، والقادرة على تطوير بنائها التنظيمي.

وللأخصائي النفسي المدرسي دور مهم في تيسير العملية التعليمية داخل المدرسة. ويتمثل هذا الدور في:

أ. الدور الوقائي: إن وجود الأخصائي النفسي داخل المدرسة ومشاركته في العملية التعليمية، وفي تفاعله مع التلاميذ من خلال عملية التوجيه والإرشاد، ومعالجته للمشكلات النفسية، التي قد يتعرض لها التلاميذ، يُعد بمثابة تجنب للانحرافات السلوكية قبل حدوثها.

ب. الدور العلاجي: ويتمثل الدور العلاجي للأخصائي النفسي في المدرسة في ملاحظته لسلوك التلاميذ، أثناء التفاعل خلال العملية التعليمية. فقد توجد بعض المشكلات النفسية، مثل القلق (قلق الامتحان)، والوسوسة، ومشكلات المراهقة، والانحرافات السلوكية، والتخلف العقلي، وغير ذلك من المشكلات، التي تحتاج إلى تدخل الأخصائي النفسي لتشخيص تلك المشكلات ومعالجة ما يستطيع علاجه، وتحويل ما يصعب عليه إلى العيادة النفسية. فإن دوره هنا بمثابة الممارس العام. فهو يشخص ويعالج الحالات المبكرة، ويحول المشكلات المعقدة إلى العيادة النفسية.

ج. الدور التنبؤئ: للأخصائي النفسي في المدرسة دور مهم آخر، وهو قدرته على التنبؤ بالسلوك، ويأتي ذلك من تمكنه من وسائل القياس والتقويم لجوانب الشخصية المختلفة؛ إذ إنه باستخدام مقاييس الذكاء والقدرات العقلية والاستعدادات، يمكنه قياس البُعد المعرفي في الشخصية Cognitive. وباستخدام مقاييس واختبارات الشخصية، يمكنه كذلك التنبؤ بالبُعد الانفعالي أو الوجداني للشخصية Affective، مما يمكن الأخصائي النفسي من رسم بروفيل Profile لسمات التلميذ، يبين جوانب شخصيته المختلفة، وهو ما يمكن الاستعانة به في علمية التوجه التربوي أو التعليمي Educational Guidance.

أما عن دور الأخصائي النفسي المدرسي مع الجماعات المدرسية، فيمكن تحديده في:

·      تقدير أوضاع الجماعات المدرسية وأعضائها عن طريق إجراء الاختبارات والقياسات النفسية، ودراسة الحاجات النفسية لأعضاء الجماعات، ودراسة اتجاهات وقيم الجماعة وأعضائها، والكشف عن غرض العضو من الانضمام للجماعة.

·      مساعدة الجماعة في وضع وتقدير برامجها وأنشطتها، عن طريق العمل على كشف المشكلات النفسية السلوكية داخل الجماعة وخارجها، ودراسة الشعور الجمعي لدى الأعضاء، والتعاون مع الأخصائي الاجتماعي في دراسة المشكلات المتعلقة داخل الجماعة، وملاحظة أعضاء الجماعة أثناء التفاعل الجماعي، ومساعدة أعضاء الجماعة في التفاعل الديناميكي المؤثر، والتعاون مع الأخصائي الاجتماعي لمساعدة الجماعة في وضع البرامج والأنشطة المناسبة لأهدافها.

·      يؤدي الأخصائي النفسي دوراً وقائياً للجماعات المدرسية، عن طريق التوجيه والإرشاد، من خلال تفاعله مع الجماعة، واكتشاف أعضائها المعرضين للانحراف، والتعرف على تأثير البرامج والأنشطة على سلوك الأعضاء، ومساعدة الجماعة وأعضائها في التغلب على المشكلات السلوكية والأخلاقية قبل وقوعها. والمشاركة مع الأخصائي الاجتماعي في اكتشاف وتدريب أعضاء الجماعة، واستخدام وسائل القياس النفسي لتقويم الجوانب النفسية والسلوكية لأعضاء الجماعة.

2. الأخصائي النفسي التأهيلي

هذه التسمية غير شائعة الاستخدام؛ ولكن يُقصد بها الإشارة إلى الأخصائي النفسي، الذي يعمل في برامج الرعاية الاجتماعية، مثل رعاية الأحداث والمعوقين والمسنين وغيرها، وذلك لتأهيلهم نفسياً واجتماعياً ومهنياً... إلخ.

أ. في مجال رعاية الأحداث

يجري الأخصائي النفسي عدة مقابلات إكلينيكية مع الحدث، للتعرف على شخصيته ومستوى ذكائه، من خلال استخدام مقاييس الذكاء اللازمة. ويصنيف الحدث وفقاً لعمره الزمني أولاً، ثم لعمره العقلي، لتوزيعه على مؤسسات الإيداع التي تناسبه. ويهتم اهتماماً خاصاً بالحدث الذي يعاني تخلفاً عقلياً، ويحوله إلى مراكز التثقيف الفكري. وهذه الخطوات من شأنها أن تُهيئ بيئة جديدة للحدث، يلقى فيها الرعاية، ويجد فيها التكيف والاستقرار. وقد يتكرر هروب الحدث من المؤسسة، وفي هذه الحالة يلعب الأخصائي دوراً مهماً في استقبال حالات متكرري الهرب وعلاجها وإعادة توزيعهم على الأقسام، أو إعادة تصنيفهم مرة أخرى.

ويتحمل الأخصائي عبئاً كبيراً في حل كثير من المشكلات الفردية والجماعية لحالات الإيداع، منها التبول اللاإرادي والعدوانية والانطوائية، والاعتداءات الجنسية، والكذب. ومن ثم يقع على عاتقه تحويل الحالات التي تحتاج إلى علاج نفسي وطبي إلى العيادات المتخصصة. وكذلك وضع برنامج علاجي مع فريق العمل (الأخصائي الاجتماعي ـ المشرف ـ المدرب) في القضاء على سوء التوافق المهني والتأخر المدرسي.

ب. في مجال الضعف العقلي والإعاقة

تتعدد الأدوار التي يتوقع أن يمارسها الأخصائي النفسي، سواء كان بمفرده وعلى مسؤوليته المهنية فقط، أو بوصفه عضواً في فريق. فإن من أهم واجباته:

(1) التعرف على حالات الضعف العقلي من خلال المسوح المختلفة، التي تقوم بها السلطات التعليمية أو الصحية أو الاجتماعية؛ لأن التعرف على الظاهرة هو المدخل الأساسي للمواجهة، على أسس علمية مخططة.

(2) له دور فعال في التعرف على مدى واقعية الحالات، التي من حقها القبول بالمؤسسة، من خلال معايير مقننة.

(3) كتابة تقرير تفصيلي عن كل حالة، موضحاً خصائص السلوك، التي تؤثر في الأداء إيجاباً أو سلباً، مع معرفة الحاجات الخاصة، ومن ثم رسم مآلها بموضوعية.

(4) فحص الحالات قبل السن المدرسي، من خلال فحص بعض القدرات، مثل اختبار السمع واختبار اللغة واختبار الارتقاء الاجتماعي؛ فالطفل يستطيع أن يبتسم عند بلوغه الشهر السادس، ويستطيع اللعب مع الآخرين عند بلوغه عامه الثالث، ويمكنه التخاطب مع الآخرين عند بلوغه عامه الخامس، ويستخدم مع ذلك كله اختبارات تشخيصية وإكلينيكة.

(5) تحديد مستوى الإعاقة العقلية، وتُعد مشكلة تقويم المعوقين عقلياً من المشكلات شديدة الصعوبة والأهمية؛ لأن طبيعة التخلف العقلي هي أنه ظاهرة متعددة الأبعاد ومتشابكة،. ففي حالات كثيرة يكون فيها مستوى القدرة العقلية الأساسية -وهو المستوى الذي يدل عليه الذكاء- أعلى من مستوى القدرة الظاهرية، التي تظهر أثناء موقف الاختبار أو الفصل الدراسي، أو في تفاعل المعوق مع أقرانه. والفرق بين مستوى القدرة الأساسية والظاهرية في حالة المعوق عقلياً، يكون أكبر بكثير من الفرق بينهما في حالة الأفراد الطبيعيين، ويرجع ذلك إلى قصور المعوق الحسي أو الحركي أو العاطفي.

(6) المشاركة في وضع البرنامج الفردي أو الجماعي وتنفيذه، بهدف استثمار مقدرة المعوق إلى أقصى حد ممكن وتحسين توافقه؛ فالبرنامج بمثابة الوسيلة الإجرائية، التي من شأنها أن تحول الحديث النظري إلى تطبيقات عملية، آخذة في الاعتبار أسرة المعوق.

(7) معالجة عيوب التعلم، إذ قد تصاحب الإعاقة بعض صعوبات في القراءة أو الكتابة، وكذلك عيوب النطق، أو العيوب في العمليات الحسية الإدراكية الداخلة في التعلم.

(8) التوجيه التربوي والمهني، ذلك أن بذرة الفرد الحر لا تنمو إلا في جماعة تربوية موجهة توجيهاً سليماً. فالمعوقون إذا ما أُحسن توظيف قدراتهم، كانوا خير مساهمين ومشاركين في صُنع الحياة الطيبة للمجتمع في حدود قدراتهم؛ لذلك فلابد من مساعدتهم على الانخراط في المجتمع والاندماج فيه، متعاملين في عزة وكرامة مع غيرهم. وطالما أنهم غير متفوقين في النواحي التعليمية، كالقراءة والحساب، فإن أحسن وأفضل برنامج لهم هو تربية الطفل مجدداً Re-education.

ج. في مجال الخدمة التأهيلية

تعتمد الخدمة التأهيلية على روح الفريق الفني، الذي يساهم في مهام التشخيص والتقييم والتوجيه والمتابعة للمعوق. والأخصائي النفسي عضو في هذا الفريق، الذي يضم كلاً من الطبيب، وأخصائي التأهيل، والأخصائي النفسي، والأخصائي المهني.

ويتركز دور الأخصائي النفسي في استخدامه لأسلوبه الفني، في ضوء النظرية العلمية التي يتبناها، والتي تتلخص في دراسته الحالة بإجراء المقابلة الإكلينيكية، التي تهدف إلى التعرف على البيانات الأولية، ثم التاريخ التطوري للأسرة، ومن ثم التاريخ التطوري للفرد، للوقوف على العوامل البيئية ودينامية النمو أثناء الطفولة، والأمراض الجسمية وآثارها على الحالة، ويلي ذلك التطور التعليمي والعوامل الدافعة، والمؤثرات المحيطة، والتطور في العلاقات أثناء النمو، بما يشمل العلاقات الاجتماعية والذاتية والفردية، والتطور المهني والنمط السلوكي الواضح في فترات النمو.

ويستخدم الأخصائي النفسي لدراسة الحالة إضافة إلى ذلك الاختبارات والمقاييس النفسية، وذلك لتقييم الحالة، بأن يستخدم مقاييس القدرة العقلية العامة للوقوف على المستوى العقلي العام، وما يؤثر فيه من عمليات دفاعية في توضيح الذكاء الكلي، وأيضاً الذكاء الكامن، ومن ثم مدى التحليل الكلي والكيفي لدلالة الاختبارات، وبذلك يوضح مدى التدهور، مع رسم البروفيل الشامل للحالة.

كما أن اختبارات القدرات الخاصة واختبارات الاستعدادات النفسية والموقفية، تعطي دلالة على مدى القدرات الخاصة المتبقية، والتي تساعد في عملية التوجيه والمواءمة  المهنية.

ولذا يستخدم الأخصائي اختبارات التقييم والشخصية، لدراسة الذات ومقوماتها، ومدى تماسك الحالة في مواجهة الصعوبات، وإمكانية استخدام ميكانيزمات الدفاع لمصلحة التوافق الفردي والجمعي، وذلك للانتهاء إلى وضع تقرير نهائي يهتم بديناميات شخصية المعوق، من حيث الاستجابة الانفعالية والوجدانية، ومحتوى التفكير ومعوقاته، إن وجدت، وحاجات المعوق وأساليبه الدفاعية، وصراعاته التي لم تُحل، وجوانب القوة والضعف. مع وضع تصنيف تشخيصي لبعض الحالات.

إن اهتمام الأخصائي النفسي بالتوجيه المهني، يدفعه إلى أن يكون من واجباته التحليل المهني للمهن الأكثر شيوعاً في المجتمع، والتي تتلاءم مع حالة المعوق، اعتماداً على الملاحظة المهنية، ومتابعة خطوات المهنة، ودراسة رأي الرؤساء المهنيين والقيادات المهنية، وذلك لتوضيح الشروط والواجبات المتطلبة في المهنة، وأفضل القدرات التي تحتاجها المهنة.

لذا يقف الأخصائي النفسي على خبرة الفرد المهنية وقدراته واستعداداته، ومواءمة العجز البدني أو العاهة مع واجبات المهنة. وفي كل هذا يراعي فردية كل حالة على حدة، والفئة التي يندرج تحتها، والمهن المناسبة لكل فئة، ويلي ذلك الاهتمام بالمتابعة النفسية.

رابعاً: صفات الأخصائي النفسي الناجح

من العرض السابق، ومن النماذج المعروضة للأخصائيين النفسيين، يتضح ضرورة تميز الأخصائي النفسي بالخصائص التي تؤهله للنجاح في أدائه لأدواره، ومن هذه الخصائص:

1. القدرة على التعاون في العمل مع الآخرين، مثل الأخصائي الاجتماعي، والطبيب النفسي، والمسؤولين الإداريين، وغيرهم، وذلك من أجل مصلحة العمل.

2. الإيمان بقدرة الإنسان على التحسن، وهذا يقتضي الإيمان بمرونة السلوك الإنساني، وقابليته للتشكيل والتعديل، إذا استخدمت معه الفنيات والتكنيكات المناسبة.

3. القدرة على إقامة علاقات مهنية تتصف بالموضوعية والحياد، والاحترام والتقدير، وسلامة التقدير ودقته، والاحتفاظ بسرية العمل.

4. التكيف والنُضج النفسي؛ لأن التكيف هو القدرة على إقامة علاقات مُرضية مع الآخرين ومع الذات.

5. الميل للبحث العلمي؛ لأن كل حالة يخضعها للدراسة والفحص العلمي، ولأن بعضاً من الحالات المتكررة قد تشير إلى وجود ظاهرة تحتاج للدراسة العلمية المتأنية، ولأنه في حاجة دائمة لمراجعة أدواته واختباراته وتقدير صلاحيتها، وإلى الوقف على الإنجازات الجديدة في مجال التخصص.

6. الحرص على النمو المهني بكثرة الاطلاع، وبنقد الذات المهنية نقداً علمياً موضوعياً، وبحضور الجلسات التي تُعقد لمناقشة الحالات، وبحضور المؤتمرات العلمية المتخصصة، والإطلاع على الدوريات والبحوث المتجددة في مجاله.

7. تقبل المريض أو العميل كما هو، لا كما يحب الأخصائي النفسي؛ لأن هذا التقبل يؤدي إلى بث الثقة في نفس العميل فيُفصح عن مكنوناته ومشاكله وأحاسيسه، لأنه لن يكون موضعاً للنقد أو التجريح أو السخرية.

8. الاهتمام بالمجتمع الذي يعيش فيه ودراسته دراسة علمية، للوقوف على خصائصه العامة والمحددات الاجتماعية والمجتمعية لسلوك الأفراد، وللإلمام الواسع والعميق والدقيق بثقافة مجتمعه؛ لأن للثقافة تأثيرها على شخصية الأفراد، وعلى ما يعد سوياً أو مرضياً.

9. الميل لمساعدة الآخرين والعمل معهم؛ لأن عمل الأخصائي النفسي تواجهه صعوبات متعددة؛ فإذا توافر هذا الميل فإنه لن تقعده تلك المصاعب عن أداء مهامه والقيام برسالته. إن هذا الميل يؤدي بالأخصائي النفسي إلى فهم الناس فهماً يشوبه العطف والاهتمام بالآخرين، ويؤدي إلى تكوين اتجاه إيجابي لديه نحو المهنة.

10. إتقان المهارات الأساسية، التي تساعده على أداء عمله بنجاح؛ إذ يتطلب أداؤه لأدواره وقيامه بها على أفضل وجه ممكن إتقان مجموعات من المهارات، منها المهارات الخاصة بالفحص والتقدير النفسي، والمهارات الخاصة بإقامة العلاقات والتواصل، والمهارات الخاصة بتقديم الاستشارات النفسية والتشخيص العلاجي، والمهارات الخاصة بإجراء البحوث العلمية، وبتقويم البرامج التربوية والعلاجية.