إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الفقر









الفقر

الفقر

يصاحب تعريف الفقر عدد من الصعوبات، التي تكون –عادة- مصاحبة لأي محاولة لتعريف مفهوم سوسيولوجي. وهي تتمثل في اختلاف الرؤى والمنطلقات الفكرية والأيديولوجية، لكل باحث حول هذا المفهوم؛ فضلاً عن أن أي تحديد لمفهوم الفقر مايزال يثير الجدل والنقاش؛ نظراً لغموضه ولاستخدامه في سياقات متباينة، وتحديد نطاقه بكيفيات مختلفة؛ لأن ما نراه نحن فقراً قد يراه غيرنا شيئاً آخر. وبناءً على ذلك، أضحى للفقر العديد من التعريفات، التي تعكس موقف الباحثين من القضايا المجتمعية المختلفة، كما تعكس، أيضاً، حدود ومجالات اهتمام المتخصصين في العلوم الاجتماعية، على اختلاف فروعها.

فالفقر من المنظور الاقتصادي التقليدي يُعرف في ضوء مدخل الكفاف (الدخل والحاجات الضرورية)، أو الحرمان النسبي، مثل النقص في ظروف المعيشة والحاجات المطلوبة اجتماعياً. وقد سار في هذا الاتجاه تعريف البنك الدولي للفقر، عام 1990، حين عرّفه بأنه عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة، ويمثل دخل الأسرة ومتوسط نفقات الفرد مقياسين كافيين لتحديد مستوى المعيشة. وكذلك عرف الشخص الفقير في تقرير التنمية البشرية في مصر، بأنه من يبلغ دخله تقريباً ثلث متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي.

وعلى الرغم من أن المضمون المادي (الاقتصادي) للفقر، أكثر قابلية وخضوعاً للقياس الكمي؛ إلا أنه يخضع للتغير المستمر، لأن هذا المؤشر مرتبط بالظروف والأحوال المجتمعية؛ فالتضخم السريع، الذي تشهده الكثير من مجتمعات العالم الثالث، يؤدي بالضرورة إلى إحداث تغير مستمر في تحديد خط الفقر.

وترى التعريفات الاجتماعية أن "الفقراء" هم أولئك النفر، الذين صنفهم المجتمع في عداد الفقراء، والذين صدرت من المجتمع ردود فعل معينة تجاههم. أي أن ظاهرة الفقر تمثل حالة يعترف بها المجتمع، ولها وضع معين، وأنها أحد ملامح البيئة الاجتماعية. لذا ذهب Bjom, H. 1994 إلى أن الفقراء حالة اجتماعية تتحدد من خلال ردود الفعل المجتمعية، بوصفهم فئة اجتماعية متميزة عن باقي أفراد المجتمع، أي أن الفقر واقع اجتماعي يتطلب التفسير.

ويوضح هذا أن الفقر ظاهرة اجتماعية معتلة، ترتبط بالظروف الاقتصادية السيئة للفقراء؛ ولكن ما يؤخذ على التعريفات الاجتماعية للفقر، هو صعوبة قياسه في الواقع بشكل ملموس؛ لذا ذهبت بعض التحليلات الاجتماعية إلى إرجاع الفقر إلى الحرمان المطلق Absolute deprivation، الذي يتجلى في نقص التغذية، والمعاناة من الإصابة بالأمراض والطفيليات، التي يصعب علاجها، مع العجز عن توفير المال اللازم لذلك، فضلاً عن أن العيش في ظروف فيزيقية سيئة، صحياً ومعنوياً، تؤثر في صحة الفرد وطاقاته.

ويدعي المنظور الثقافي وجود ثقافة خاصة بالفقراء، وأن هذه الثقافة -كما يراها أوسكار لويس- ما هي في الحقيقة إلا ثقافة فرعية، تعكس كلاً من عمليتي التكيف ورد فعل الفقراء نحو مكانتهم الاجتماعية المتدنية، في نطاق المجتمعات الرأسمالية المتدرجة طبقياً، ذات الاتجاهات الفردية العالية. لذا، يرى عدد من الدارسين أن "ثقافة الفقراء"، تخص كل جيل ينشأ ويوجد داخلها، إذ يكون من الصعب أن يفلت من دائرتها وأن يخرج منها، لوجود حواجز ثقافية ضخمة تفصل بينه بين الثقافة العامة للمجتمع.

وبذلك يكون لدينا واقعان؛ أحدهما فرعي تسوده ثقافة الفقر، والتي يمثلها الفقراء الذين يعانون الحرمان الاجتماعي والاقتصادي، وهي ثقافة لها سماتها الخاصة بها والمنبثقة منها، والمرتبطة بها دون سواها. أما الواقع الآخر، فيتمثل في واقع الطبقتين العليا والوسطى، وما يسودهما من قيم ومعايير وثقافة مغايرة، تتسم بالإرادة الحرة والقدرة على فعل وتغيير الأوضاع القائمة.

ولعل هذا الرأي لا يستند إلى أُسس علمية دقيقة؛ لأن سلوك الفقراء ما هو إلا رد فعل للظروف الاقتصادية التي يمرون بها، وأننا لو غيرنا من هذه الظروف لعدل الفقراء في سلوكهم، وتلاءمت ثقافتهم مع الثقافة الكلية للمجتمع.

أما التعريفات الاقتصادية، فيمثلها تعريف كريمة كريم 1991، حيث تُعرف الفقراء، أو محدودي الدخل، بأنهم أولئك الذين يقعون في فئات اجتماعية اقتصادية معينة Socio-economic groups، والتي تتحدد من خلال أن متوسط دخلها يتعادل مع مستوى خط الفقر، أو يقل عنه. ووفقاً لذلك ترى أن الفقراء يتمثلون في الفئات التالية في المجتمع المصري: العاطوين، وأصحاب المعاشات، وموظفو الحكومة والقطاع العام من الدرجة الثانية وأقل، والعمال الزراعيون غير الحائزين على أرض زراعية، والحائزون على ثلاثة أفدنة فأقل، وأكثر العاملين في القطاع الخاص غير المنظم، وبعض فئات العاملين في القطاع الخاص المنظم.

وقد رأت الباحثة أن هذا التعريف يتميز بسهولة تطبيقه في الواقع، كما أنه يسهل مقارنة الدول ببعضها؛ لكن ما يؤخذ عليه أنه لا يوضح التفاوت الكبير الموجود داخل الفئات الاجتماعية الاقتصادية الواحدة.

وفي إطار ذلك ذهب كل من بروملي وجيري، إلى أن الفقر حالة نسبية تُعبر عن التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية الصارخة. لذا، فالفقر ليس فقط حالة مادية؛ ولكنه، أيضاً، عملية مركبة من المواقف التعبوية (المشروطة)، مع نقص الاعتماد على النفس، وفقدان الاحترام الذاتي Self-respect.

وهذا ما يوضح أن الفقر يحدث نتيجة للعمليات المجتمعية الأكبر، التي تسهم في إدامة الفقر وعدم المساواة، وإيجاد ما يُسمى بالحلقة المفرغة للفقر.

أما تعريف الفقر من منظور التنمية البشرية، فينطلق من مبدأ أنه لا ينبغي تعريف الفقر بصورة دائمة، بمضمونه الاقتصادي المادي فقط؛ فالواقع يبين أن مصطلح الفقر له مضامين متعددة؛ فهو فقر اقتصادي وسيكولوجي واجتماعي، وإن كان الاقتصاديون يستطيعون أن يحددوا، بصورة أفضل، من هو الفقير، مقارنة بمن هو غير فقير.

لذلك جاء تعريف الفقر بوصفه عملية متعددة الأبعاد، تتضمن الحرمان من الفرص والخيارات الأساسية للتنمية البشرية، التي تراوح بين العيش مدة أطول وبصحة جيدة، واكتساب خبرات ومهارات، وإشباع الحاجات الإنسانية، مع ضمان الحرية والكرامة والاحترام الذاتي، والاحترام من الآخرين.

من كل ما سبق، يتضح إلى أي مدى تباينت المنظورات الفكرية، وتعددت وجهات النظر حول تعريف الفقر، على الرغم من سهولة إدراك الفقراء، والواقع الأليم الذي يعيشون فيه، الأمر الذي يدفعنا لمحاولة تعريف هذا المفهوم على نحو شمولي وملموس، يأخذ في الاعتبار الأبعاد التاريخية والاقتصادية والاجتماعية المحددة للفقر، والعوامل الدينامية والبنائية، التي تؤدي إلى الإفقار والإبقاء عليه، دون تغيير جوهري. وعلى هذا، فالفقر "ظاهرة معتلة تُصيب البناء الاجتماعي، وتتضمن أبعاداً وجوانب متعددة اجتماعية، واقتصادية، ونفسية، وثقافية. ويُعبر هذا المفهوم عن الانخفاض النسبي لمستوى المعيشة، وتدني الوضع الاجتماعي للأفراد على نحو يحول بينهم وبين إشباع احتياجاتهم الأساسية، كما يحول بينهم وبين تحقيق تطلعاتهم ورغباتهم. ويرتبط بهذا الوضع المتدني عدد من المؤشرات، لعل من أهمها قلة الدخل، وارتفاع معدل الأمية، ونقص التغذية، وانخفاض معدل العمر المتوقع، وتعدد أنماط الاستغلال، وانخفاض المستوى الصحي، وكثرة الإنجاب".