إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / القوة









القوة

القوة

Power

تُعد القوة المفهوم الأساسي في العلوم الاجتماعية، شأنها في ذلك شأن الطاقة، التي تمثل المفهوم الأساسي في العلوم الطبيعية، والتي لا يمكن ملاحظتها إلا عند استخدامها؛ ولكن كما يقول ستيفان لوكاس في مؤلفه "القوة رؤية راديكالية"، إن القوة مفهوم مُختَلفٌ عليه في الأساس؛ فهو مفهوم يختلف علماء الاجتماع دائماً في تعريفه، وفي طرق استخدامه. ومرجع هذا الخلاف أن تعريف مفهوم القوة يتوقف على الرؤية النظرية للباحث، وعلى التوجه القيمي الذي يتبناه.

ومع هذا يظل تعريف ماكس فيبر أقوى التعاريف أثراً، حيث حدد القوة بأنها احتمال أن يكون أحد الأفراد قادراً في نطاق علاقة اجتماعية، على تنفيذ إرادته الخاصة رغم المقاومة، وذلك بغض النظر عن الأساس الذي يقوم عليه هذا الاحتمال. إن هذا التعريف يوحي، كما يقول داهل، بأن الشخص (أ) له قوة على الشخص (ب)، إلى حد أنه يستطيع أن يتغلب على مقاومة (ب) لو أنه أراد المقاومة، الأمر الذي يعني أن مصالح (ب) سوف يُضحى بها لصالح تحقق مصالح (أ)، والمحافظة عليها.

ويرى بيتر بلاو Blau أن القوة هي قدرة الشخص، أو الجماعة، على فرض إرادتهم على الآخرين، على الرغم من وجود مقاومة، وذلك من طريق الجزاء؛ سواء كان ذلك في شكل عقاب أو منع المكافآت، التي كانت تُمنح بانتظام.

أما آلفن جولديز، فقد عرف القوة في كتابه "الأزمة المقبلة لعلم الاجتماع الغربي" بأنها القدرة على فرض الدعاوى الأخلاقية لأحد الأطراف فرضاً، ومن ثم يمكن للطرف الأقوى، في أي علاقة قوة، أن يحول نواحي قصوره ومثالبه الأخلاقية، إلى شيء عرفي متواضع عليه ومحل اتفاق.

وفي هذا السياق قدم تالكوت بارسونز تعريفاً مختلفاً تماماً للقوة، ينظر إلى القوة على أنها مصدر للنسق Resource System؛ فالقوة هي القدرة المعممة لضمان القيام بالتزامات معينة، بواسطة وحدات في نسق ذي تصميم جماعي، وذلك عندما تصبح هذه الالتزامات مشروعة بارتباطها بالأهداف الجماعية؛ وحيث يتوقع في حالة التمرد استخدام الغرض من طريق جزاءات سلبية، يقتضيها الموقف. وهذا يعني أن بارسونز فهم القوة من منظور واحد، وإن كان محافظاً.

والجدير بالذكر هنا أن القوة مفهوم يشير إلى القدرة على الفعل أو الإمكانية، إذ يعني إمكانية حدوث فعل معين، وليس حدوثه الفعلي؛ فالقوة، كما يقول جون سكوت وجون مارشال، سمة تتصل بالإمكانية أو بالقدرة على إقامة علاقة اجتماعية معينة، وهي لذلك تتوقف على ما يملكه الفاعل من مصادر القوة. ومن الجلي في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، أن الموارد الاقتصادية، كالثروة والتحكم في الوظائف، تمثل مصدراً من مصادر القوة؛ ولكن هناك على جانبها عديد من المصادر الأخرى للقوة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: القدرة التنظيمية، الدعم العددي، الكفاءة، المعرفة ذات المستوى الرفيع، التحكم في المعلومات، شغل بعض الوظائف أو الأوضاع الاجتماعية، السيطرة على بعض أدوات القوة، وأخيراً سمعة امتلاك القوة نفسها.

وفي الحقيقة فالعُنصر الأخير، يمثل مصدراً فريداً ومتميزاً من مصادر القوة؛ فهو لا يعتمد على الامتلاك الفعلي للقوة، وإنما على اعتقاد الآخرين أن ذلك الطرف يملكها. كذلك، ينبغي أن نلاحظ أنه ليس من المحتم أن يمتلك الشخص أحد مصادر القوة فعلاً، وإنما يكفي أن تكون لديه القدرة على التحكم في هذا المصدر.

وفي الواقع أن القوة الكامنة تعتمد على بعض المقومات، أما القوة الظاهرة الصريحة فلا تعبر عن نفسها بالمقومات والخصائص، وإنما تتجلى في العلاقات الاجتماعية الواقعية. ومعنى ذلك، أن ممارسة القوة تتضمن نوعاً من التغذية الاسترجاعية أو رد الفعل، فالطرف (أ) يتصرف والطرف (ب) يخضع، ومن هنا يمارس الطرف الخاضع قدراً من التأثير على الطرف المسيطر، لكي يتسنى وجود علاقة أصلاً.

وعلى هذا، فالقوة هي القدرة على العمل أو التأثير بشدة في شيء ما، أو القدرة الجسمية أو العقلية؛ فضلاً عن استخدامها للدلالة على قوة الشخصية، والقوة المؤثرة والأثر.

أشكال القوة

تتنوع أشكال القوة وتتباين وفقاً للظروف التي تسود كل مرحلة من مراحل التاريخ، والأحوال التي تمر بها المجتمعات البشرية المختلفة. وثمة أشكال كثيرة لتصنيف أشكال القوة وبناءاتها؛ لكن الأكثر شهرة منها هي القوة الاقتصادية، والقوة العسكرية، والقوة السياسية بوصف أن هذه القوى الثلاث هي القوى الأساسية السائدة في المجتمع. والجذير بالذكر هنا أن تحديد فواصل قاطعة بين اشكال القوة وأنواعها أمر صعب المنال، إذ إنها متداخلة قد تتولد عن بعضها بعضاً في كثير من الأحيان؛ ولكن بغرض التحليل يمكن عرض كل قوة كل على حدة، على النحو التالي:

1. القوة الاقتصادية

هي أولى القوى التي عرفها الإنسان، وقد تطور مفهومها كما تطورت وسائلها، حتى أضحت للفرد والدولة، مقياس قوة وسيطرة. وتبدو القوة الاقتصادية أكثر وضوحاً عندما تملك جماعة ما أكبر موارد الثروة، عندئذ تكون لها القوة الأعظم، بالقياس إلى قوة أية جماعة أخرى قد تساويها في العدد والتنظيم.

2. القوة العسكرية

تكمن مصادر القوة العسكرية في امتلاك المجتمع الآلة العسكرية، من المعدات والأسلحة والذخائر والقوات. ويزخر التاريخ بمختلف ألوان القوة العسكرية من أجل السيطرة على منابع الثروة. وكان أكثرها وضوحاً فترات الهيمنة الاستعمارية، وغزوها الشعوب الأقل قوة منها. وقد يؤدي تملك القوة الاقتصادية إلى امتلاك القوة العسكرية، أو القوة السياسية، وقد يحدث عكس ذلك. فقد أكد الفيلسوف راسل أن في جميع الحالات، التي مرت بها المجتمعات الإنسانية، أو في غالبيتها، كانت القوة العسكرية هي مصدر القوة الاقتصادية والسياسية.

3. القوة السياسية

تتميز القوة السياسية عن أشكال القوى الأخرى، في أنها تؤدي أدواراً مهمة، ليس فقط في توجيه أنشطة العلاقات المتبادلة للمواطنين بإقليم معين؛ بل بما لها من إمكانات تُكره الناس على الموافقة، كبديل وحيد للحروب الأهلية، ومن ثم فإن القوة السياسية هي التي يمكن أن نُطلق عليها القوة المتكاملة، التي يكون فيها اتخاذ القرارات متمركزاً على طرف واحد دون الآخر.