إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الأثر النفسي لتطبيق الحدود الشرعية









أثَر تطبيق الحدود الشرعية في الصحة النفسية

أثَر تطبيق الحدود الشرعية في الصحة النفسية للفرد والأُسرة والمجتمع

     لكل فرد مساحة من الحرية يتمتع بها، ولكن يجب ألاّ تتعدى حريته إلى الإضرار بالآخرين، سواء كان هذا الإضرار يتعلق بذات الآخر أو ماله أو عِرضه، أو بما يسيء إلى المجتمع ويَضُر بأمنه واستقراره. ومن ثَمّ، كان تطبيق الجزاء على من يتجاوز الحدّ في تصرف من سلوكياته، التي تضُر بالآخرين أو تسيء إليهم. فجزءٌ مهمٌّ من الصحة النفسية، أن يشعر الفرد في المجتمع، الذي يعيش فيه، بالأمان على نفسه وماله وعِرضه. كما أن الردع، الذي تحقِّقه الحدود الشرعية، يُحكِم السيطرة على الغرائز، ويوجهها الوُجهة الصحيحة. فمثلاً، حين يعرف الفرد أنه إذا وَجَّه طاقته العدوانية تجاه آخر بقتله، فإنه سوف يُقتل، قِصاصاً، فإن هذا يجعله يفكر، مَلِيّاً، قَبْل ارتكاب جريمته. وبذلك، تُرَشّد طاقة العدوان، وتتمّ السيطرة عليها وتطويعها، كما تُسهِّل احتمال الآخرين وقبولهم، وهو ما هدفت إليه الحضارات وقامت عليه، فلولا كبْت طاقة العدوان والسيطرة عليها، لتقاتل الأفراد، وانتهت تجمعاتهم إلى أنانية فردية، يتصرف فيها كل فرد كما يحلُو له، من دون مراعاة للآخرين. ولتحولَت المجتمعات الإنسانية إلى غابات يأكل القوي فيها الضعيف. لذلك، كان لا بدّ للمجتمعات من تشريعات تنظّم العلاقة بين الأفراد، ومن بين تلك التشريعات الحدود الشرعية. وهي، وإن كانت توفّر الأمان للفرد، وتُشيع السكِينة بين أفراد المجتمع، فإنها تعالج، في الوقت نفسه، الشخص المجاوز للحدّ، إذْ إنه حين يُقام عليه الحدّ، يكُون قد تطهّر وتخلّص من شعوره بالذنْب، فيعود إلى توازنه النفسي، ويبدأ صفحة جديدة من حياته، من دون لَوْم لنفسه ومعاداة لها على ما ارتكبتْه في حق الآخر، وفي حق المجتمع، وفي حق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الذي شَرَع هذه الحدود؛ لأن الصحة النفسية، هي التوافق بين مكوّنات النفس، من غرائز ( وهي النفس الأمّارة بالسوء )، والأنا العليا، التي تمثّل الضمير ( وهي النفس اللوامة ).

     إن المجتمع مسؤول عن أَمْن أفراده وسلامتهم، وكذلك هو مسؤول عن صحتهم، الجسدية والنفسية. ولذلك، كان لا بدّ من الضرب على أيدي المنحرفين من الشخصيات، التي تهدد أَمْن الآخرين وسلامتهم، مِثل الشخصية "المضادّة للمجتمع"، والتي تتّسم بالسلوك المضادّ للمجتمع، والمستمر بَدْءاً من الطفولة، أو من بداية المراهقة. وتكون مؤشرات مثل هذه الشخصية في الطفولة، هي الكذب والسرقة والهروب من البيت أو المدرسة، وانتهاك حقوق الآخرين، والشجارات والاعتداءات الجسمانية على الآخرين. وتستمر السلوكيات المضادّة للمجتمع في الكِبَر، فيفشل صاحب هذه الشخصية في العيش شريفاً، كفرد مسؤول في المجتمع، ويفشل في الالتزام بقوانين المجتمع أو تنفيذها، إذْ يكرِّر انتهاك هذه القوانين، ويكُون عُرضة للمساءلة القانونية. والشخص المضادّ للمجتمع سريع الاستثارة، عدواني، ويتصرف بإهمال وعدم مبالاة، ومن دون مراعاة لسلامة الآخرين، ولا يحافظ على عَلاقة زوجية أو أُسرية لمدة طويلة، ولا يشعر بِوَخْز الضمير، عندما يسيء إلى الآخرين. وغالباً ما يكُون مُدمِناً متوتراً، لا يتحمّل الإحباط، سيئ العَلاقة بالآخرين، وليس له عَلاقات حميمة.     

     إن العِقاب، الذي فرَضه الله ـ سبحانه وتعالى ـ في الحدود الشرعية، يتّسق تماماً مع النفس التي خلقها الله، وهو أعلم بطبائعها. لذلك، كان العِقاب في كل حدّ بما يكفي لردْع الآخرين، وتحقيق الأمن لأفراد المجتمع. وسنفصّل ذلك في السطور التالية، من خلال عرض موجز لكل حدّ على حِدَة.