إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الأثر النفسي لتطبيق الحدود الشرعية









2

2. حدّ السرقة

     في البلاد التي تطبِّق القوانين الوضعية ( أي غير الشرعية )، يُحبس السارق عدة أشهر أو عدة سنوات، وحين يفرَج عنه، كثيراً ما يعود إلى السرقة، إلى درجة أن المشتبه فيهم معروفون لدى رجال الشرطة، ويستدعونهم عند حدوث السرقات الجديدة لاستجوابهم، بحثاً عن السارق. وهذا يؤكد ترجيح عودة بعضهم، إن لم يكُن أغلبهم، إلى السرقة من جديد. وقد يتكرر حبْس السارق، ومع ذلك يستمر في اقتراف السرقة عدة مرات، بل إن بعضهم يَعُدّها مهنته التي يحترفها ولا يرضى عنها بديلاً. ولكن عند قطْع يد السارق، فإن الخوف على يده الأخرى، سوف يوقفه عن السرقة تماماً. والأهم من ذلك، أن كل فرد يفكر في السرقة، سوف يخاف من مثل هذا العِقاب الرادع ( قطْع اليد )، ولن يَقْرَب السرقة أصلاً، حفاظاً على جزء مهم من جسده، وهو يده التي يقضي بها حاجته، والتي هي جزء مهم من صورة الجسد لديه. إذْ إن لكل منا صورة في عقله عن جسده، هذه الصورة تبدأ في التكون منذ بَدْء إدراك الطفل لنفسه ووَعْيِه بأجزاء جسده، تلك البداية المبكرة لصورة اليد حين كان يضع جزءاً منها في فمه، ليشعر بالأمان، وحين كان يرفعها أمام عينيه، لينظر إليها، ويحركها، ويرى اهتزازها، ليتأكد أنها جزء منه، يخضع لسيطرته، بل يحرك بها الأشياء، مُحدِثاً تغييراً في ما حولَه، أو يمدها طالباً العون من الآخرين لحَمله والاهتمام به. إنها الجزء الذي يمثّل التفاعل مع ما حولَه، وأداة مهمة للتواصل غير اللفظي بين البشر. وقد لوحظ في رسوم مَرضَى الفصام العقلي للأشخاص، أنها تنقصها الأيدي، ومن ثَمّ، فإن قطْعها يمثل تهديداً عظيماً لسلامة الإنسان، جسدياً ونفسياً، الأمر الذي يَحْدُو بِمَن يفكر في السرقة على أن يتجنبها، حفاظاً على هذا الجزء المهم من الجسد.

     والسرقة في الطفولة عَرَض مَرضي لاضطراب السلوك، الذي ينتشر بين الأطفال بنسبة تُراوِح بين 5 و15%، وذلك لأسباب عديدة، ( منها: نَقْص الإحساس بحقوق الملكية، أو إنها طريقة لإعادة الأم المفقودة، أو فعْل عدواني، أو رغبة في الامتلاك، أو بَحْث عن شيء مفقود من جسد الأنثى، أو خوف من فقْد جزء مهمّ من الجسد لدى الذكر، أو وسيلة للبحث عن العِقاب، أو نوع من البحث عن الإثارة واستبدال لفعل جنسي، أو الانتقام من الوالدين، أو ثورة ضد سلطة الوالدين، أو الإحباط والشعور بالفشل، أو هَوَس السرقة ). أمّا السرقة في الحياة البالغة، فإنها جزء من اضطراب الشخصية "المضادة للمجتمع"، أو هوس السرقة. والفَرْق بين الحالين أن المصاب بداء هوس السرقة، يكُون لديه جهاز القِيم، الذي يشتمل على الضمير، فيلومه على فعل السرقة، ويحاول إعادة الشيء المسروق، إذْ إنه سرق تحت تأثير نزعة مَرضية، فشِل في مقاومتها، وسرق أشياءَ لا يحتاج إليها، وهو ليس في حاجة إلى قيمتها، بل قد يُلقِي بما سرقه في سلة مهملات عامة في الطريق. وغالباً ما يكُون الشخص ثَرِيّاً، ويستطيع شراء الأشياء التي سرقها. ذلك أن النزعة المَرضية التي دفعته إلى السرقة، هي الشعور بالمتعة أثناء ارتكاب فعْل السرقة. وهذا النوع من السرقة، يتمّ من دون تخطيط، ولا تُؤخَذ التوقعات في الحسبان، ومن دون مساعدة من الآخرين. بينما السرقة الإجرامية، التي يرتكبها الشخص المضادّ للمجتمع، مخطَّطة، وتُؤخَذ التوقعات في الحسبان، وقد يشترك معه آخرون، وهو يسرق أشياءَ ذات قِيمة، ينتفع بها، ولا يحاول إعادة الشيء المسروق، وحين يواجَه بفعله، فإنه يكذب وينكِر ما فعل، ولا يلوم نفسه على فعْل السرقة، ولا يشعر بالذنْب تجاه من يسرقهم. فالسرقة، في هذه الحالة، تعكس خللاً كبيراً في تركيب الشخصية، وهو نَقْص وخلل في جهاز القِيم والأخلاقيات لدى السارق.

     ويحكي أحد أساتذة علم النفس، في كتابه، قصة تلك السيدة، التي كانت على قدْر كبير من الجَمال، حين حضرت ومعها زوجها، وأجهشت بالبكاء وهي تحكي عن نزعة السرقة، التي تباغتها وهي في المحالّ التجارية، فتسرق ما تصل إليه يدها. ولكنها عَقِب السرقة تَحَار كيف تُعيد ما سرقته، خوفاً من أن تشير إليها أصابع الاتهام. فتعود بمسروقاتها إلى المنزل، وهي في حالة نفسية سيئة، من الشعور بالذنْب، ولوم النفس والبكاء. وحين علِم زوجها، أحضرها للعلاج النفسي، الذي كشف أن هوس السرقة لدى تلك السيدة، كان استبدالاً بمتعة حسية مفقودة في عَلاقتها الزوجية.

     ويحكي الأستاذ نفسه قصة فتاة في العشرين من عمرها، أحضرتها أمها، لأنها تسرق النقود من شقّة أخيها، الذي يسكن الطابق الذي يعلوهم. فقد صنعت مفتاحاً للشقّة، وأصبحت تنتهز فرصة غياب أخيها وزوجته، وتصعد لسرقة نقود أخيها شخصياً، دون نقود زوجته أو أشيائها. واكتُشِف أمرُها، لأنها كانت تصرف النقود على صديقاتها بإسراف شديد، وتشتري أشياءَ تافهة بمبالغ باهظة، فأحضرتها أمها للعلاج النفسي، الذي تبيّن خلاله، أن هذا الأخ هو الابن الوحيد لأُسرة تتألف من خَمس بنات، غير المريضة. وكانت الأم، طوال الوقت، تحب هذا الابن، وتفضّله كثيراً على أخواته البنات، وتُردِّد على مَسامعهن دائماً، أن "ظفره برقبة البنات الست"، وأنه رَجل الأُسرة وسيدهن جميعاً. لذلك، كان عداء الفتاة لأخيها يتزايد يوماً بعد يوم، خاصة أنها الأخيرة في ترتيب الأخوات. فتمّ التعبير عن العدوان تجاه أخيها برغبتها في سَلْبه ما يملك من مِيزات الرجولة ( أي عضو الرجولة )، وإزاء استحالة ذلك، استعاضت عنه بسَلْبه النقود، التي تُبرِزه كرجل قادر على الإنفاق. وفي فعْل السرقة تنفيس لمعاناتها بسبب تفضيل أخيها عليها.

     من القصتيْن يُلاحظ، أن فعْل السرقة المَرضي، يبحث مُقترِفه عن العلاج تحت وطأة الشعور بالذنْب وعدم الراحة النفسية. أمّا مُقترِف السرقة الإجرامى، فإنه يخطّط، ولا يكشف نفسه، وأحياناً يستيقظ ضميره، ويبحث عن التكفير، الذي قد يتمثّل في التصدق على الفقراء، أو بناء مسجد، ويتمّ ذلك سِرّاً. ويكُون الشعور بالذنْب، أحياناً، باعثاً على الاكتئاب والأَرَق ليلاً، والكوابيس وعدم الشعور بالراحة، كما حدث للشاب الذي جاوز الثلاثين بسنوات قليلة، وكان يعمل محاسباً، بأحد فروع المصارف الموجودة في أحد الفنادق الكبرى، ولجأ إلى حيلة يستولي بها على نقود النزلاء، وظل يمارسها إلى أن أصبح ثَرِيّاً. وبعد فترة من توقّفه عن السرقة وصَحْوَة  ضميره، باغته الشعور بالذنْب والاكتئاب، فلجأ إلى التكفير، بالإحسان والإمعان فيه والغلوّ في الشعائر الدينية، وما إلى ذلك. ولكن سِرّه ظَلّ جاثماً على صدره،  يَقُضّ مَضْجَعه بالكوابيس والأَرِق ليلاً، فكان لجوؤه إلى الطبيب النفسي.