إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الأثر النفسي لتطبيق الحدود الشرعية









5

5. حدّ الإفساد في الأرض

      الإفساد في الأرض هو الذي يُطلَق عليه: الحَرابة، أو قَطْع الطريق وتَرْويع الناس، بإحداث الفوضى وقَتْل الناس أو إيذائهم جسدياً، أو اغتصاب أموالهم أو أعراضهم، أو تدمير الممتلكات عَمْداً. والمفسدون هم من حدّدهم الله ـ سبحانه وتعالى ـ في قوله: ] إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[ (المائدة: 33). ويُدخِل "السيد سابق"، في مفهوم الحَرابة العصابات المختلفة، كعصابة القتل، وعصابة خطف الأطفال، وعصابة لصوص السَّطْو على البيوت والمصارف، وعصابة خطف العذارى للفجور بهن، وعصابة اغتيال الحكام ابتغاء الفتنة واضطراب الأمن، وعصابة إتلاف الزرع وقَتْل المواشي والدواب وكلمة الحَرابة مأخوذة من الحرب، لأن هذه الطائفة الخارجة على النظام تُعَدّ مُحارِبة للجماعات من جانب، ومُحارِبة للتعاليم الإسلامية، التي جاءت لتحقق أَمْن الجماعة وسلامتها، بالحفاظ على حقوقها، من جانب آخر.

       وفي هذا النوع من الجرائم ما يهدِّد أَمْن الفرد والأُسرة والمجتمع، ويسلب الأفراد الشعور بالأمان، فيُصابون بالقلق والتوتر، ثم ينتابهم الإحباط والشعور باليأس، والقنوط من المستقبل، مع فَقْد الثقة بالنفس وبالآخرين، ويتوقف الأفراد عن الإنجاز والبناء، فيُصاب المجتمع بالشلل والعجز. والعلاج لا يكُون إلاّ بإزالة السبب، وتحقيق الأمان.

          وهذا مثال لما يمكِن أن يُحدِثه هذا النوع من الجريمة على نفسية الفرد. كانت السيدة، التي تبلغ من العمر ثلاثين عاماً، عائدة من زيارة والدتها، التي تقِيم معها في المدينة عينها. فوقفت تنتظر الحافِلة، التي تركبها في كل مرة، وهي "الميكروباص"، لِتُقِلّها إلى بيتها. فتوقف أمامها ميكروباص، فيه رجلان وسيدتان، فركبت معهم، بعد أن تأكدت أن مَساره يمر بطريق بيتها. وبعدما ركبت، دار الحديث بينها وبين السيدة، التي تجلس إلى جوارها. ثم أعطتها الأخرى كوباً من العصير. وما أن شربته حتى غابت عن وَعْيها، وأفاقت لِتَجِد نفسها تنزل من " الميكروباص " في مكان بعيد. وشعرت بأن يداً عَبَثَت بجسدها وانتهكته، وسُرِق ما معها من حُلِيّ ونقود، بل انتُهك عِرضها، فتماسكت حتى عادت إلى بيت أمها ثانية، وهناك أصابها الانهيار، العصبي والنفسي، فلم تحتمل أن يَحدُث لها مثل هذا الاغتصاب، ونُقلت إلى المستشفي في حالة سيئة. وكانت عندما تفيق، ينتابها الغَثيان والقَيء، حتى تفقِد وَعْيها من جديد. وظلت على هذا الحال يومين في المستشفي، تحت العلاج بالمُهدِّئات. وبعد أن خرجت من المستشفي، كانت تعانى الشعور بفَقْد الثقة بكل شيء حولَها، مُحبَطة وخائفة ويائسة. وكانت ترعبها أيضاً فكرة أن تصير حاملاً، من جرّاء هذا الاغتصاب، خاصة أنها متزوجة من ستة أعوام، ولم تُنجِب بسبب ضَعف الحيوانات المنوية لدى زوجها. فلم تهدأ، على الرغم من جلسات العلاج النفسي، إلاّ بعد أن أتاها الحَيض. ولكنها ظلت، بعد ذلك، لفترة، تعاني حلماً يتكرر فيه الحادث، مع إعادة معايشة لِمَا حَدَث، فيصيبها الهَلَع من جديد، إلى أن اكتمل علاجها النفسي. لذا، يُلاحظ أن أثر تلك الجريمة في الفرد، الذي تعرّض لها، أمرٌ خطير، وكذلك مَن يسمع بها يشعر بعدم الأمان، والسبب يعود إلى وجود مثل هؤلاء المُفسِدين في الأرض. ولكن حين يعرف أمثال هؤلاء أن الشرع سوف يُطبَّق عليهم، وأن القتل أو الصلب، أو قطْع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النَّفْي من الأرض، سوف يكُون جزاءهم، لن يقربوا مثل تلك الجرائم. وبذلك، نَقِي الفرد والمجتمع شرورهم، فيطمئن الفرد، ويأمن على نفسه وماله وعِرضه، فيتفرّغ للإنجاز والعمل، من أَجْل رفاهية نفسه ورَفَاه الآخرين.